الأدب في مواجهة الإرهاب

الأدب في مواجهة الإرهاب

صورة من زاوية بعيدة!

خالد الرفاعي

 

أعلنت كلية اللغة العربية في جامعة الإمام - قبل سنتين تقريباً - عن تنظيمها مؤتمراً بعنوان: (الأدب في مواجهة الإرهاب)، ودعتْ الأدباءَ والنقادَ والمعنيين بهذا الملفّ إلى المشاركة ببحث علمي في أحد محاوره الخمسة: (الأدب وثقافة المواطنة)، (الأدب وثقافة الأمن)، (الأدب وثقافة العنف)، (الأدب وثقافة الحوار)، (الأدب وآثار الإرهاب في التنمية)، وتلقّت اللجنة العلمية في المؤتمر - على امتداد السنتين الماضيتين - ثمانين بحثاً تقريباً، أجازت منها ثمانية وثلاثين بحثاً، بنسبة إجازة تقارب الخمسين في المئة، ونُفِّذ المؤتمرُ منتصفَ الشهر الماضي بمشاركة عدد من الدارسين، يمثِّلون عشرَ جامعات سعودية، وعدداً من جامعات الدول العربية، من بينهم: (جميل حمداوي)، و(عبد الحقّ بلعابد)، و(مراد مبروك)، كما تميّز المؤتمرُ بحضورٍ جيّدٍ على المستوى النسائي، تجلى من خلال المشاركات الفعلية، أو من خلال الحضور والتداخل، أشير هنا - على سبيل المثال - إلى (نورة الشملان)، و(سعاد المانع) ، و(منال العيسى)، و(أمل التميمي)، وأخريات...

خلال هذه المدة، لم ألمسْ من اللجنة العلمية أيَّ محاولة لتوجيه فهم المشاركين نحو دلالةٍ معيّنةٍ للإرهاب، ولم أرصد محاولةً واحدةً في التحفّظ على مادة من موادّ المدوّنة الأدبية المطروحة للدرس، ولم أجدْ في النشرة التعريفية توظيفاً سياسياً للمؤتمر، ولا وظيفة إشهارية للجامعة، ولم أجد تحفظاً على أسماء معيّنة رغبت في المشاركة، وانتدبت إليها بحثاً معتبراً...، والأمر نفسه يصدق على جلسة التوصيات، فكلُّ ما جاء فيها كان مأخوذاً من بحوث علمية أُجيزت للمشاركة، ولم تأخذ اللجنة العلمية لنفسها الحقَّ في أنْ تتداخل، فضلاً عن أن تتدخّل لتوجيه التوصيات وجهة معيّنة...

الأمر - إذن - لا يعدو كونه نشاطاً نقدياً أدبياً لقسم علمي متخصّص، في كلية تُعنى - منذ إنشائها - باللغة العربية وآدابها، ورغم ذلك كلِّه تموقف بعض النقاد من هذا المؤتمر بشكلٍ مباشر أو ضمني، واختزلوه في دائرة ضيّقة، ومن ثمّ شوّهوا هذه الدائرة بأساليب ملّت من نفسها...، وسأشير في الآتي إلى رأيين من عديد هذه الآراء التي أفضت إليها هذه الأساليب:

أولاً: من النقاد من رأى أنّ هذا المؤتمر متأسس على موقف إيديولوجي، وأنه سيوجّه لا محالة إلى خدمة (الأدب الإسلامي)، أو (الأدب القديم)، زعماً منهم أنّ هذا الموقف سمة ملازمة ل (جامعة الإمام)، لا تخرج عنها كلية من كلياتها، فضلاً عن الأقسام العلمية المندرجة تحتها...

وبطبيعة الحال لن أسترسل في مناقشة هذا الرأي المهترئ، ولكنني أتساءل - ابتداء - عن قيمته حين يصدر عن أشخاص لا يملكون من التصوّر ما يكفي للحكم على الجامعة، ولا على كلياتها وأقسامها ونشاطاتها، وقد بدا لي أنّ بعضهم لم يطلع على النشرة التعريفية للمؤتمر، ولم يحضر جلساته الفعلية، ولم يفحص سجلّه العلميّ المكوّنَ من خمسة أجزاء، وإنما اكتفى بتصوّره المسبق عن الجهة المنظمة (جامعة الإمام)، ورؤيته التصنيفية الإقصائية للأساتذة الذي أسهموا في تنظيمه، هذا بالإضافة إلى بعض الأخبار المنشورة هنا أو هناك...، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدلّ على الدرجة المتدنية التي بلغها خطابنا النقدي، سواء في ذلك ما برز منه وما استتر، ما جاء منه مكتوباً أو عبر وسائط شفوية.

بطبيعة الحال لم يكن المؤتمر مؤدلجاً، ولم تفرضه إدارة الجامعة على الكلية ولا على قسم الأدب، وإنما طرحه فكرةً - في المبتدأ - رئيس قسم الأدب د.محمد بن سليمان القسومي، ولم يطرح هذا الفكرة إلا بعد أن رأى - من خلال متابعة خاصة - صدورَ أعمال أدبية تقارب ظاهرة الإرهاب، أو الظواهر الممهّدة لها، ومنها - على المستوى المحلي - (ريح الجنة)، و(الانتحار المأجور)، و(تجربة فتى متطرف)، و(إرهابي20)، و(كلا)، وغيرها، ولم يطرح هذه الفكرة إلا بعد أن أقرّت لجان متعدّدة تأثّر المتورّطين في الإرهاب بمجموعات أدبية خاصة أو عامّة، فرأى أنّ هذه المدوّنة أصبحت بحاجة اليوم إلى قراءة نقدية، تجلي لنا ما فيها من رؤى وتصوّرات، وتبحث في مستواها الفني أيضاً...

أخذت الفكرة مسارها الأكاديمي، وتوّجت بالموافقة والرعاية من المقام السامي، وتتالت البحوث العلمية على المؤتمر، حتى بلغت ثمانين بحثاً، أجيز نصفُها - كما أسلفت -.

تتباين مستويات هذه البحوث كما تتباين البحوث والأوراق العلمية في عديد الملتقيات والمؤتمرات، لكنّ منها ما تأسس على مناهج ونظريات نقدية حديثة، ويلمس هذا من يفحص السجلّ العلمي الخاص بالمؤتمر.

ثانياً: يشير بعض النقاد إلى أنّ هذا المؤتمر تسويقي أو إشهاري أكثر منه مؤتمراً علمياً، وهذا - ولا شكّ - ملمح آخر من ملامح ركاكة جزء من خطابنا النقدي، لأنّ وصف المؤتمر بالإشهارية لتناوله قضية الإرهاب يمكن أن ينسحب على المؤتمرات الأخرى التي تناولت القضية نفسها، ويمكن أن ينسحب - لو شئنا - على الملتقيات أو المؤتمرات التي تناولت المرأة كاتبة أو مكتوباً عنها، ويمكن أن ينسحبَ أيضاً على جميع الفعاليات التي طرحها (معرض الكتاب)، أو (مهرجان الجنادرية)... فلماذا استحقّ هذا المؤتمر وحده من بين تلك المؤتمرات صفة التسويق أو الإشهار؟!

وإذا تابعنا أولئك في أنّ للمؤتمر غايات فوق الأدبية، فكيف يفسِّرون لي إقبال عدد من النقاد والدارسين على مقاربة هذا الموضوع في رسائل علمية، أو مؤلفات عامّة، أو بحوث ومقالات، وسأشير هنا - على سبيل المثال - إلى (مواجهة الإرهاب في الأدب العربي المعاصر) لجابر عصفور، صدر عن دار الفارابي عام 2003م، وإلى (الرواية والعنف: دراسة سوسيونصية في الرواية الجزائرية المعاصرة) للشريف حبيلة، صدر عن عالم الكتب الحديث عام 2010م، وهو - في أصله - رسالة علمية، وإلى (الرواية العربية والمجتمع المدني) لنبيل سليمان، صدر عن الدار العربية للعلوم ببيروت عام 2011م، وقد أسسه (سليمان) على ما رآه من اهتمام الرواية بالمشكلات الكبرى في المجتمع العربي، وأهمُّها: الديكتاتورية، والإرهاب، وحقوق الإنسان، وأشار في أحد اللقاءات إلى أنّه لم يؤسس هذا الكتاب إلا بعد أن وضع يده على ثمانين رواية عربية تعالج هذه المشكلات.

نحن إذن أمام مدوّنة أدبية كبيرة (من حيث الكمّ)، متنوِّعة (من حيث الموضوع، والتصوّر، والفنّ)، ونحن إذن أمام مقاربات نقدية، نتحسّس تضاريسها في مصر قبل عشر سنوات، وربما قبل ذلك في الجزائر، والمغرب، وسورية...، وعليه فالمسوِّغ المعرفي (بصيغتيه: الخاصة والعامة) متوفّر في تنظيم هذا المؤتمر، وأيّ محاولة لإسقاط هذا المؤتمر معنوياً، أو التقليل من أهميته، إما أن تحمل بين جنبيها ما يشرعن وجودها أصلاً، وتظهر على شكل قراءة علمية، وإما أن تكون - من وجهة نظري على الأقلّ - نتاج النظرة التصنيفية القاصرة، التي يحملها بعض النقاد والمثقفين ضد (جامعة الإمام)، وأساتذتها!!

إنني هنا لا أصعِّد من شأن الأوراق المشاركة، ولا أزعم بأنها جاءت بكلّ ما يرضيني أو يرضي أساتذة القسم، ولم أقل بأنها كانت على مستوى واحد من حيث الدقة العلمية والصرامة المنهجية، ولكنني لا أجد أنّ هذا المؤتمر يقلّ من النواحي كلِّها عن المؤتمرات والملتقيات التي نتفيأ ظلالها هنا أو هناك، ومن ثمّ فإنني أدعو النقاد الواعين إلى الحصول على سجلّ المؤتمر، وفحص البحوث المشاركة، والتحدّث عن المؤتمر ومنجزه العلمي انطلاقاً من تصوّر علمي يفرض علينا وعلى الجامعة احترامه وتقديره، وليس من حمولة نفسية ضاغطة، أو موقف تصنيفي سابق، لا يجوز لأحد أنْ يحترمه، ولا أن يحترم تلك القامات البلاستيكية التي أخلصت له على مدى ثلاثين عاماً، بشكلٍ لا يملك العاقل أمامه إلا أنْ يقول: «الله يعافيهم ولا يبلانا»!
 

المصدر: http://www.al-jazirah.com/culture/2012/01032012/fadaat21.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك