النهي عن الغلو في الدين

لاشك أن الغلو في الدين مسألة قديمة قدم الأديان نفسها، أبتلي بها أناس لأسباب ترجع إما إلى الرغبة في تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، في غياب تام لفقه النصوص الشرعية، وإما بسبب الإتباع والتقليد لأناس ضالين مضلين، يستغلون جهل العامة بدينهم وبعدهم عن تعاليمه السمحة

 

إن الدارس لهذه الظاهرة، ظاهرة الغلو في الدين، يجد أن آفـة الغلو موجودة في أتباع جميع الأديان، بما فيها أتباع دين الإسلام. ولا تقتصر على أتباع الإسلام وحدهم كما يريد بعض خصومه أن يوهموا الآخرين بهذه الأمر. بل يمكن القول: بأن الغلو في الدين أصبح ظاهرة عالمية، ومشكلة حقيقية وخطيرة على مستقبل الإسلام والأمة الإسلامية إذا لم يتصد لها أهل الاختصاص ويواجهوها مواجهة فكرية بالدرجة الأولى.

 

لقد اعتبر الإسلام الغلو شرا ينبغي تطهير حياة المسلمين منه، وعمل على صد جميع الأبواب في وجه الغلو والتشدد، عن طريق إقرار قيم التوسط والاعتدال وسنن قواعد رفع الحرج واليسر والدعوة إلى الرفق في كل شيء.

 

إن الله وضع هذه الشريعة المباركة - كما يقول الإمام الشاطبي- حنيفية سهلة حفظ فيها على الخلق قلوبهم وحببها إليهم فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة لدخل عليهم فيما كلفوا به مالا تحصى به أعمالهم.

 

إن تجاوز مشكلة الغلو في الدين يبغي أن يكون شغلنا الشاغل، باعتبار ذلك واجبا شرعيا. ولن يأتي ذلك إلا بعد العلم الصحيح بالإسلام، والتشخيص الدقيق للغلو بوصفه مرضا فكريا له أسباب وآثار متداخلة.

 

المحور الأول: مفهوم الغلو

 

الجانب اللغوي:

 

الغلو مصر فعله الماضي غلا يغلو غلوا...وهي تدل على معنى واحد، وهو مجاوزة الحد والقدر.

 

الجانب الشرعي:

 

الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز حد التوسط والاعتدال. عن طريق إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله عز وجل، أو تحريم الطيبات التي أباحها الله عز وجل أو ترك الضروريات كالأكل الشرب النوم الزواج...

 

وعرفه ابن حجر العسقلاني بقوله:" الغلو المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد. يقال: غلا في الشيء يغلو غلوا، وغلا السعر يغلو غلاء إذا جاوز العادة.

 

تنبيه: هناك من يفهم الغلو اليوم فهما قاصرا فيرى أن الاتزام بالإسلام وبشريعة سيد الأنا نوع من الغلو، مثلا الحجاب من الغلو.

 

نصوص في النهي عن الغلو في الدين:

 

أولا: نصوص من القرآن الكريم:

 

• قوله تعالى:" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [النساء : 171].

 

• قوله تعالى:" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة : 77]

 

الغلو الذي ورد النهي عنه في الآيتين له جانبان: الجانب الأول: الفروع ، الجانب الثاني: العقائد. • قوله تعالى:" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.| [البقرة: 185].

 

• قوله تعالى:" مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ." [المائدة: 6]

 

• قوله تعالى:" وقوله:" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ النَّصِيرُ [الحج: 78]

 

•قوله تعالى:" رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا. [البقرة : 286]

 

ثانيا: نصوص من السنة النبوية المطهرة:

 

• ورد النهي عن الغلو في الدين صريحا في الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال:" قال لي رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا في حصى الرمي، وفيه : وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم :" عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم " أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة" أي أحب الأديان إلى الله دين الإسلام إلي هو الحنفية السمحة. • قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه." أي كان الدين غالبا.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم عندما بعث عليا معاذا إلى اليمن:" يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا"

 

• وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين.

 

• عن عائشة رضي الله عنها قالت:" ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثم. والمراد من الإثم ما دلت الشريعة على تحريمه.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم :" إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله...

 

المحور الثاني: أسباب الغلو

 

أسباب الغلو كثيرة ومتنوعة منها:

 

1. الجهل بالقرآن.

 

2. الجهل بالسنة.

 

3. الجهل بمذاهب المسلمين.

 

4. الجهل بمقاصد الشريعة.

 

أ‌- الجهل بيسر الشريعة وسماحتها.

 

ب‌- الجهل برتب المصالح والمفاسد.

 

5. الجهل بالسنن الربانية: فمن سننه في خلقه أن جعل الناس مختلفين ليحصل التمايز والابتلاء

 

ت‌- الجهل بحقيقة التوحيد.

 

ث‌- الجهل بمراتب الأحكام: الواجب الحرام المندوب المكروه المباح...

 

ج‌- الجهل بمراتب الناس : مؤمن، مؤمن عاص، منافق، كافر...

 

ح‌- الجهل بالتاريخ والمقالات التي لم يعد أي مبرر الآن لإعادة ترويجها.

 

الأسباب المتعلقة بالمنهج

 

6. الإعراض عن العلماء أهل الاختصاص.

 

7. اتباع المتشابه.

 

8. التعامل المباشر مع النصوص الدينية.

 

9. الإغراق في أحاديث الفتن.

 

10. التعصب.

 

11. التقليد.

 

الآثار السلبية للغلو:

 

12. تشويه صورة الإسلام.

 

13. التنفير من الإسلام.

 

14. تغييب قيم التسامح والتعايش.

 

15. أنه يحمل على تكفير المسلمين وتفسقهم وسفك دمائهم الخوارج.

 

16. أنه يحمل على الخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة وتفريق كلمة الأمة.

 

17. أنه مخالف لمنهج الوسطية والاعتدال:

 

علاج مشكلة الغلو: العلاج العلمي، التربوي، الاجتماعي:

 

18. أن يكون المعالج مؤهلا للمعالجة (الإخلاص، العلم، الرجوع إلى الوسطية، الإنصاف، العلاج العقدي)

 

19. العلاج العلمي: طلب العلم الشرعي.

 

20. التلقي عن العلماء.

 

21. العلم بمقاصد الشريعة.

 

22. العلم بالمذاهب والعقائد.

 

23. العناية بمناهج التعليم.

 

24. الحوار.

 

25. الجانب الاجتماعي.

 

سماحة الشريعة الإسلامية

 

السماحة سهولة المعاملة في الاعتدال، فهي وسط بين التضييق والتساهل، وهي راجعة إلى معنى الاعتدال والعدل والوسط.

 

السماحة السهولة المحمودة فيما يظن الناس التشديد فيه، معنى كونها محمودة إي أنها لا تفضي إلى ضرر أو فساد، قي الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رحم الله رجلا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى".

 

فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه:

 

والدليل عل ذلك أمر منها:

 

أولا: نصوص من الكتاب ومن السنة:

 

• قوله تعالى:" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.| [البقرة: 185].

 

• قوله تعالى:" مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ." [المائدة: 6]

 

• قوله تعالى:" وقوله:" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ النَّصِيرُ [الحج: 78]

 

• قوله تعالى:" رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا. [البقرة : 286]

 

•قوله صلى الله عليه وسلم " أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة" أي أحب الأديان إلى الله دين الإسلام إلي هو الحنفية السمحة.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الدين يسر، ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه." أي كان الدين غالبا.

 

• قوله صلى الله عليه وسلم عندما بعث عليا معاذا إلى اليمن:" يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا"

 

• وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين.

 

• عن عائشة رضي الله عنها قالت:" ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثم. والمراد من الإثم ما دلت الشريعة على تحريمه.

 

ثانيا: ما ثبت من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به ، ومما علم من دين الأمة بالضرورة، كرخص القصر والجمع وتناول المحرمات في حالة الاضطرار. ولو كان الشرع قاصدا المشقة لما في التكليف لما كان ثمة ترخيص ولا تخفيف.

 

ملحوظة: التكاليف الشرعية لا تخلو من كلفة ومشقة ما وللكن لا تسمى في العادة المستمرة مشقة، إذن معيار المشقة هو الخروج عن المألوف والعادة. أحوال الإنسان في الدنيا كأكله وشربه وسائر تصرفاته كلها كلفة. ولكن جعل الله للإنسان قدرة على التحكم فيها

المصدر: http://www.aktab.ma/النهي-عن-الغلو-في-الدين_a213.html

الأكثر مشاركة في الفيس بوك