غايات الحوار

الحوارهو تفاعلٌ لفظيٌّ أو كتابيٌّ بين اثنين أو أكثر من البشر، يهدف للتواصل الإنسانيّ وتبادل الأفكار والخبرات و تكاملها.وهو نشاطٌ يوميٌّ نُمارسه في المنزل والشّارع والعمل والمدرسة والجامعة ومنتديات الحوار.وبقدر ما يكون الحوار إيجابيّاً يكون مثمراً في حياة الفرد والجماعة.وبقدر ما يكون سلبيّاً يكون هدّاماً لكيان الفرد وكيان الجماعة.

وللحوار في المفهوم الإسلامي مستويات:

الأوّل:الحوار مع النّفس ومحاسبتها وطلب الحقّ، ويكون هذا في شكل حوارٍ داخليٍّ مستمرٍّ بين النّفس الأمّارة بالسّوء والنّفس اللوّامة، حتّى يصل الإنسان إلى الاطمئنان.

الثاني:الحوار بين أفراد المجتمع الإسلاميّ، وفق اجتهاداته المختلفة، عملاً بمبدأ "التعاون في الاتّفاق والاعتذار في الاختلاف"، حفاظاً على وحدة الصّف الإسلاميّ.

الثالث:الحوار بين المسلمين وغير المسلمين الذين يشتركون معاً في إعمار الكون، وهو حوارٌ يجري وفق مبدأ المدافعة الذي يمنع الفساد وينمّي عوامل الخير.

غايات الحوار:

يقال عن غايات الحوار إنّ "للحوار غايتين إحداهما قريبة والأخرى بعيدة.مّا غاية الحوار القريبة، والتي تطلب لذاتها دون اعتبارٍ آخر فهي محاولة فهم الآخرين.وأمّا الغاية البعيدة فهي إقناع الآخرين بوجهة نظرٍ معيّنةٍ".وفي الحوار السّائدة في حياتنا، والمؤثّر في سلوكنا، وفي مسيرتنا الحضاريّة، أفراداً وجماعات، ولنبدأ بألوان الحوار السلبيّ:

 1-الحوار العدميّ التعجيزيّ:وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كليهما إلّا السلبيات والأخطاء والعقبات؛ وهكذا ينتهي الحوار إلى أنّه لا فائدة، ويترك هذا النّوع من الحوار قدراً كبيراً من الإحباط لدى أحد الطرفين أو كليهما، حيث يسدّ الطريق أمام كلّ محاولة للنّهوض.

 2-حوار المناورة (الكرّ والفرّ):ينشغل الطرفان أو أحدهما بالتفوّق اللفظيّ في المناقشة، بصرف النّظر عن الثّمرة الحقيقيّة والنّهائيّة لتلك المناقشة، وهو نوعٌ من إثبات الذّات بشكلٍ سطحيٍّ.

 3-الحوار المزدوج:وهنا يُعطى ظاهر الكلام معنى غير ما يُعطيه باطنه، لكثرة ما يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة؛ وهو يهدف إلى إرباك الطّرف الآخر ودلالاته أنّه نوعٌ من العدوان الخبيث.

 4-الحوار السلطويّ(اسمع واستجب):نجد هذا النّوع من الحوار سائداً على كثيرٍ من المستويات؛ فهناك الأب المتسلّط، والأمّ المتسلّطة، والمدرّس المتسلّط، والمسؤول أو المراقب المتسلّط.وهو نوعٌ شديدٌ من العدوان، حيث يُلغي أحد الأطراف كيان الطّرف الآخر، ويعتبره أدنى من أن يُحاور، بل عليه فقط السّماع للأوامر الفوقيّة، والاستجابة دون مناقشةٍ أو تضجّرٍ.وهذا النّوع من الحوار، فضلاً عن أنّه إلغاءٌ لكيان وحريّة طرفٍ لحساب الطّرف الآخر، فهو يُلغي ويُحبط القدرات الإبداعيّة للطّرف المقهور، فيؤثّر سلبيّاً على الطّرفين.

 5-الحوار السطحيّ (لا تقترب من الأعماق فتغرق):حين يُصبح التّحاور حول الأمور الجوهريّة محظوراً أو محاطاً بالمخاطر، يلجأ أحد الطّرفين أو كليهما إلى تسطيح الحوار، طلباً للسّلامة، أو كنوعٍ من الهروب من الرؤية الأعمق، بما تحمله من دواعي القلق النّفسيّ أو الاجتماعيّ.

 6-حوار الطريق المسدود (لا داعي للحوار فلن نتّفق):يُعلن الطرفان (أو أحدهما)منذ البداية تمسّكهما (أو تمسّكه)بثوابت متضادّة، تُغلق الطّريق منذ البداية أمام الحوار؛ وهو نوعٌ من التّعصّب الفكريّ وانحسار مجال الرؤية.

 7-الحوار الإلغائيّ أو التسفيهيّ (كلّ ما عداي خطأ):يُصرّ أحد طرفي الحوار على ألّا يرى شيئاً غير رأيه؛ وهو لا يكتفي بهذا، بل يتنكّر لأيّ رؤيةٍ أخرى، ويُسفّهها ويُلغيها، وهذا النّوع يجمع كلّ سيّئات الحوار السلطويّ وحوار الطريق المسدود.

 8-حوار البرج العاجيّ:ويقع فيه بعض المثقّفين، حين تدور مناقشتهم حول قضايا فلسفيّة أو شبه فلسفيّة، مقطوعة الصّلة بواقع الحياة اليوميّ وواقع مجتمعاتهم. وغالباً ما يكون ذلك الحوار نوعٌ من الحذلقة، وإبراز التميّز على العامّة، دون محاولةٍ إيجابيّةٍ لإصلاح الواقع.

 9-الحوار المرافق (معك على طول الخطّ):وفيه يُلغي أحد الأطراف حقّه في التّحاور لحساب الطّرف الآخر، إمّا استخفافاً (خذه على قدر عقله)، أو خوفاً، أو تبعيّةً حقيقيّةً، طلباً لإلقاء المسؤوليّة كاملةً على الآخر.

 10-الحوار المُعاكس (عكسك دائماً):حين يتّجه أحد طرفي الحوار يميناً، يُحاول الطّرف الآخر الاتّجاه يساراً، والعكس بالعكس، وهو رغبةٌ في إثبات الذات بالتميّز والاختلاف، ولو كان ذلك على حساب جوهر الحقيقة.

 11-حوار العدوان السلبيّ (صمت العناد والتّجاهل):يلجأ أحد الأطراف إلى الصّمت السلبيّ، عناداً وتجاهلاً ورغبةً في مكايدة الطرف الآخر بشكلٍ سلبيٍّ، دون التّعرّض لخطر المواجهة.

كلّ هذه الألوان من الحوارات السلبيّة الهدّامة تعوق الحركة الصحيحة الإيجابيّة التّصاعديّة للفرد والمجتمع والأمّة.وللأسف، فكثيرٌ منها سائدٌ في مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة لأسبابٍ لا مجال هنا لطرحها.

إذاً، فما هي يا ترى مواصفات الحوار الإيجابيّ، الذي نسعى لترسيخه بيننا؟ إنّ الإجابة بسيطةٌ، ولكنّ تنفيذها يحتاج إلى وقتٍ وصبرٍ، ولكن لامناص من المحاولة والصّبر والمثابرة؛ فعلى أساس الحوار ينبني السّلوك، وتتشكّل العلاقات، وينهض الفرد والمجتمع والأمّة.والحوار الإيجابيّ الصّحيّ هو الحوار الموضوعيّ، الذي يرى الحسنات والسلبيّات في ذات الوقت، ويرى العقبات، ويرى أيضاً إمكانيّات التّغلّب عليها.وهو حوارٌ متفائلٌ (في غير مبالغةٍ طفليّةٍ ساذجةٍ)؛ وهو حوارٌ صادقٌ عميقٌ وواضح الكلمات ومدلولاتها؛ وهو الحوار المتكافئ، الذي يُعطي لكلا الطّرفين فريضة التّعبير والإبداع الحقيقيّ، ويحترم الرأي الآخر، ويعرف حتميّة الخلاف في الرأي بين البشر، وآداب الخلاف وتقبّله.وهو حوارٌ واقعيٌّ، يتّصل إيجابيّاً بالحياة اليوميّة الواقعيّة؛ واتّصاله هذا ليس اتصال قبولٍ ورضوخٍ للأمر الواقع، بل اتّصال تفهّمٍ وتغييرٍ وإصلاحٍ؛ وهو حوار موافقةٍ، حين تكون الموافقة هي الصّواب، ومخالفةٍ حين تكون المخالفة هي الصّواب، فالهدف النهائي له هو إثبات الحقيقة، حيث هي، لا حيث نراها بأهوائنا، وهو فوق كلّ هذا، حوارٌ تسوده المحبّة والمسؤوليّة والرعاية وإنكار الذات.

أساسيّات وقواعد التّفاهم

من الواضح أنّ التّعاطي مع الآخرين فنٌّ وعلمٌ قائمٌ بذاته.وحيث أنّ التّعاطي يقوم بالأخذ والعطاء أو قُلْ الكلام والاستماع إلى الكلام، وبعبارةٍ موجزةٍ أنّ الكلام المثمر والتّفاهم الجيّد هو الذي يعتمد على معادلةٍ متوازنةٍ في الأخذ والعطاء والإسماع والاستماع.وسنذكِّر ببعض النّقاط الأساسيّة التي لها تأثيرٌ في فرض التّفاهم على الحوار؛ ففي الإسماع -ونحن نتحدّث-إذا أردنا أن نجعل كلامنا نافذاً إلى قلب مستمعنا. وحديثنا مؤثّراً فيه ينبغي أن نلتزم بجملة أسسٍ منها:

 1- تحدَّث إلى المستمع لا عنه، أي لا تُقيّم.

 2- لا تُعمّم؛ أي اجعل كلامك في عيّناتٍ معيّنةٍ لا الكلّ.

 3- لا تقدّم نصائح وإرشادات.

 4- تحدّث بصراحةٍ وعبّر عن مشاعرك ومخاوفك وطموحاتك.

 5- قبلَ وأثناء الكلام، ميّز بين المسائل الجوهريّة والثانويّة.

ولنتحدّث عن الفقرة الأولى فقط، لوضوح بقيّة الفقرات، وبعداً عن الإطالة وإثارة الملل.لا تُقيّم في كلامك غالباً ما تنجرّ المحادثات إلى التّعبير عن المواقف تجاه القضايا المختلفة؛ وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، ولكنّ الأمر الذي ينبغي تجنّبه دائماً هو أنْ نُعبّر عن رأينا بصيغة التّقييم والحكم. فإنّ هذا من شأنه أنْ يُثير حفيظة الطّرف الآخر، ويجرح مشاعره، وربّما يُحسّسه بانتهاك الكرامة، الأمر الذي يدفعه باتّجاه ردّ فعلٍ معاكسٍ، وربّما عنيفٍ يحول دون مواصلة الحوار.

ذات مرّةٍ أطلق أحد المُحاورين حكماً تقييميّاً تجاه مستمعه، إذ قال له:

 -إنك جديد في تجاربك ولم تنضج بعد، وهذا أمرٌ ينقصك، فينبغي عليك أن تتعلّم أوّلاً، ثمّ تأتي للحوار معي!.

 -إنك لا تفهم هذه الأمور، والأفضل أن لا تتحدّث فيها!.

 -حقّاً إنّك لا يُمكن الاعتماد عليك.

 -إنّك متدنّي المستوى وغير مسؤول.

وواضحٌ أنّ مثل هذه الطّريقة في المحادثات تُحفّز عند المستمع مكامن الغضب، وتوقظ عنده الشّعور بلزوم ردّ الفعل الدفاعيّ. وهو ردّ فعلٍ قد يكون طبيعيّاً بما أنّنا بشرٌ، حيثما نشعر بانتهاك كرامتنا.

صحيح أنّنا أحياناً نُصادف محاورين لهم من المرونة وسعة الصّدر والمهارة ما يُعينهم على تجاوز هكذا حالاتٍ، إلّا أنّ الأعمّ الأغلب أنّهم لا يملكون هذه السّماحة والصّبر، فيثورون ضدّنا، وبالتالي سيكون إمكان التّفاهم، فضلاً عن التّعاون والتنسيق في خبر كان.وليس هذا فقط، بل سينعكس الأمر على الموضوع الأصليّ للمحادثات، وربّما يتحوّل مجرى الحديث إلى صراعٍ شخصيٍّ، وينحرف الكلام، حتّى يُصبح موضوع الاجتماع ثانويّاً؛ وهذا بالتأكيد ليس الهدف الذي دخلنا من أجله للاجتماع.

من هنا يتّضح أنّ النّقد والتّقييم للآخرين ليس دائماً صحيحاً، بل وفي الكثير من الأحيان يضرّ، ولا يفيد، لأنّه يقلب الودّ إلى توتّرٍ، والتّفاهم إلى عراكٍ، وربّما يُجدّد جروحاً جئنا من أجل تضميدها..لذا يُقترح أنْ نستبدل التقييم بتغذيةٍ معلوماتيّةٍ تتضمّن شرح آرائنا ومشاعرنا وطموحاتنا وتوقعاتنا إزاء سلوك الطّرف الآخر؛ فمثلاً يُمكن التّعبير بالقول:لاشّك أنّ مجال عملك يحتاج إلى المزيد من الخبرة وطول النّفس، وأرجو الله أن يُساعدك على التّوفيق فيه. أو بالرغم من النّجاحات الكثيرة التي حققتها في عملك إلّا أنّ هناك العديد من المجالات بحاجةٍ إلى مواصلةٍ وتجارب جديدةٍ.ومن الطبيعي أنّك ملتفتٌ إلى أننا كبشرٍ نُخطئ ونحتاج إلى التّعلّم دائماً، حتّى نتمكّن من أن نُحقّق طموحاتنا وأهدافنا.

وأنت تلاحظ أنّ هذا التّعبير في نفس الوقت الذي يتضمّن نقل الرأي بصورةٍ مباشرةٍ وإيجابيّةٍ، يدفع الطّرف الآخر إلى المزيد من المنطقيّة، ويحثّه باتّجاه المزيد من المعلومات والتّجارب، بلا تجريحٍ ولا خدشٍ.وفي نفس الوقت قد يستبطن بعض الإشارات إلى جهات النّقض.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=5008

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك