المعرفة في كنف الإسلام

إن العلمين الديني والعصري ترافقا في موكبيهما هذه السنة العلم الديني في الموسم الإسلامي رمضان، والعلم العصري في الموسم الثقافي الذي أقيم له أكبر مهرجان امتزجت المعلومات في الموسمين في بعض ما ألقاه العلماء المشاركون المتفننون، فكان لدروسهم أو محاضراتهم ميزة خاصة جمعت بين الهدفين الديني والدنيوي، ولا غرابة، فالثقافة الحقة هي التي تتعلق بالمصالح الحقيقية في الدين والدنيا.
 وما يتعلق بالكماليات أو ترويح النفس أو الأحماض كما يقولون فليس في هذه الدرجة ولكن إذا أدرج في هذا الميدان فيشترط فيه أن لا يهدم أصلا من أصول الحياة أو من مقومات الأمم التي من أهمها تماسك الأخلاقية الفاضلة فيها.
 وقد أظهر علماء الدين في شهر رمضان الماضي ما جعل رمضان المبارك عامرا زاخرا بالدروس العلمية من تفسير لكتاب الله وأحاديث رسوله وسيرته الكريمة وتاريخ عظماء الإيلام إذ شارك في هذا الموسم الديني حوالي المائتين من العلماء في مجموع جهات المغرب مدنه وقراه وألقوا في رمضان ما يزيد على ستة الألف درس بمعدل يزيد على مائتين من الدروس يوميا حسب الإحصاءات الواردة على وزارة الأوقاف الإسلامية بالرباط وقد تطوع كثير من العلماء بالدروس زيادة على الوعاظ التابعين لهذه الوزارة استجابة لرغبة صاحب الجلالة في شأن القيام بمهمة الوعظ والإرشاد التي أعلنها مدير ديوانه بعد الاجتماع الذي عقده مع العلماء بالقصر الملكي العامر قرب رمضان.
 كما مر الموسم الثقافي هذا العام حافلا مزدهرا بما ساهمت به قرائح العلماء والمفكرين فكان في التوجيهات والمحاضرات والمسامرات التي ألقيت غذاء، وأي غذاء للعقول المتعطشة للمعرفة العامة ودراسة نواحي المجتمع والتعرف على حاجاته ناهيك بموسم يشارك فيه صاحب الجلالة بتوجيهاته الحكيمة وولي عهد المملكة بمعلوماته وملاحظاته الرزينة ووزير التهذيب وعميد الجامعة وكثير من المسئولين في التعليم بالمحاضرات الثمينة التي توجه المسترشدين وتهدي الحائرين وتنبه الغافلين وتنير بصائر الناشئين.
 وهذا العمل المزدوج من رجال الدين والثقافة يبشر الراغبين في تنوير أفكار الجمهور من مختلف أنواع المعارف الدينية والدنيوية بمستقبل باسم تتبوأ فيه الأمة المغربية إذا سارت في هذه الخطة مكانة مرموقة بين الأمم.
 وكان صلى الله عليه وسلم يحض على الأعمال الصالحة المفيدة ويعيب على من يشتغل بلهو الحياة وخصوصا إذا كان يدعو بذلك اللهو إلى صد المسلمين وصرفهم عن سبيل الله وطريق الهداية الإسلامية ويستهزئ بها يوضح هذا ما أوحاه الله إلى نبيه في قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزءا أولئك لهم عذاب مهين.
 وفي آية أخرى : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. وفي آية أخرى في وصف المومنين وإذا مروا باللغو مروا كراما أي لم يعرجوا عليه.
 وهذا ما نستفيد منه الأهداف العليا في الحياة التي كان الإسلام يوجه المسلمين إليها وهي كل ما يرفع قيمة الأمة دينا ودنيا وذلك ما يعنيها وما يهمها في الحياة مع الإعراض يشينها أو يضعف عزيمتها، أو يخدش في دين أو كرامة، وقد ورد عن النبي (ص) حديث جامع من جوامع كلام الرسول في هذا الموضوع وهو قوله عليه السلام : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي ما لا يهمه، وإذا ترك ما لا يهمه فإنه بدون شك يقبل على ما يهمه وقد ورد التصريح بهذا المعنى في حديث آخر حيث قال عليه السلام : إن الله يحب لكم معالي الأمور.
 وعلى هذه الأسس الصالحة والنظر الجدي للحياة قامت وتأسست الدولة الإسلامية وفتحت أعين البشرية على نوع جديد من الحياة، عماده تزكية النفوس والعمل على ما رصد الله وادخره في البشرية من أنبل العواطف والأخلاق السامية.
 وتنكب الانحلال الأخلاقي وإرضاء الغرائز بصفة غير مشروعة وكل أنواع الموبقات من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام فإنها كما قال الله رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
 وقد بقيت العقيدة الإسلامية الجديدة والشريعة العملية المفيدة تغذي المسلمين وتوجههم خير وجهة في الحياة صدر الدولة الإسلامية مدة ليست بقصيرة.
  حتى إذا امتد الزمان وضعفت قوة الإيمان في النفوس وقع تلقيحها بسبب الوعاظ والقصاص الصالحين والصادقين وبسبب نبوغ بعض المتصوفين الموهوبين الذين حازوا قصب السبق في التربية فتماسكت الحال نوعا ما.
 ولكن الذي نرجوه من وزارة التهذيب الوطني وعلى رأسها ذلك المسلم الغيور أن يزيد إشرافها على هذه المواسم الثقافية بمراقبة فعالة حيث أن اختلاف الثقافات والاتجاهات في السلوك ربما تجعل بعض هذه المحاضرات والمسامرات على غير الشكل الذي يتمناه المسلم المخلص لدينه فينبغي ألا يفتح الباب أمام كل من يريد الكلام غلا بعد التيقن من الكفاءة والرزانة ولنا في رسولنا العظيم أسوة في حماية الثقافة من كل وهم وباطل. فقد كانت الثقافات الشائعة وقت البعثة حول مبدأ الخليفة وكثير من القضايا الكونية متعددة وكانت لبني إسرائيل بصفتهم أهل كتاب ودين سماوي يد طولى في تكييفها وتوجيهها بل في اختلافها أيضا فكان النبي يحرص على تطهير عقول أمته من أنواع الباطل، فقال ذلك الحديث المشهور : ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا أمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن باطلا لم تصدقوهم. فكان قوله فاصلا عاما في الموضوع ولكن مع هذا كله امتلأت التفاسير بالإسرائيليات مما لا يزال آثره السيئ يعشش أدمغة بعض المسلمين.
       وقد كانت رغبة السلف في نشر العلم بالغة أشدها حتى كان بعضهم يقول لأبي هريرة(وهو وعاء من أوعية الدين) قد أكثر أبو هريرة فروى عنه بخاري ومسلم : إنكم تقولون أكثر أبو هريرة عن النبي والله الموعد وأيم الله لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا بشيء أبدا ثم تلا : إنا الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولائك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
  وكان أهل الفقه المرافقون للجنود يعلمونهم، فعن جعفر بن برقان قال كتب إلينا عمر بن عبد العزيز وقال في كتابه : ومر أهل الفقه من جندك فلينشروا ما علمهم الله في مساجدهم ومجالسهم والسلام.
 وكان الرسول يستمع من الشعر الذي هو ديوان العرب سجلت فيه وقائعهم وأخلاقهم وأفكارهم ويستزيد من سماعه وهذا مما يدخل في نطاق الثقافة العامة، روى الإمامان أحمد ومسلم وغيرهما عن الشريد قال : كنت رديف رسول الله (ص) يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت، قلت نعم فأنشدته بيتا فقال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت فقال: لقد كاد في شعره أن يسلم.
 وبعد فما قدمنا الإشارة إليه هو في الجانب الإيجابي لنشر الوعي الثقافي والعلمي ورفع مستواهما، فنحن نرى أن وزارة الصحة تبذل مجهودها في ذلك ووزارة التهذيب كذلك وهي أشد اختصاصا في الموضوع.
 ولكن بجانب هذين المجهودين نجد أن أصحاب العقاقير والأعشاب المدعين للتطبيب يلعبون بأجسام المغاربة وبعقولهم دون أن يقع سعي حاسم من وزارة الصحة في منع هؤلاء من عملهم المنافي للعلم ولنشر الصحة العمومية في المجتمع.
  كما نرى من جهة أخرى أن الرقابة على الكتب المجلوبة للمغرب أو المطبوعة فيه لا يوجد لها قانون ينفذ بصرامة، فبعض الكتب فيه خرافات دينية أو تاريخية ما أنزل الله بها من سلطان وبعضها هو روايات من الروايات الجنسية الخليعة التي لا تسمح المروءة بنشرها بين الناس وبعضها فيها إلحاد واستهتار بالمقدسات.
 وقد سمعت في إذاعة يوم الأربعاء الماضي رسالة وجهها أحد الغيورين من مكناس إلى ركن من المستمعين وإليهم بالإذاعة الوطنية يخبر بوجود بعض الكتب من هذا النوع في المكاتب الحكومية العامة.
 وقد كانت إدارة الحماية لا تسمح بالروايات التمثيلية إلا بعد مراجعتها وحذف ما لا يروقها منها وكان من واجبنا في عهد الاستقلال أن لا تقتصر المراجعة والرقابة على ما فيها من أفكار ومغامز سياسية بل يعم ذلك الناحية الدينية والأخلاقية أيضا حتى لا يكون استقلالنا عبارة عن فتح ميادين للفوضى في هذه المناحي.
   إننا نرجو رفع المستوى العلمي ونشر الوعي الثقافي من صميم فؤادنا ونحبذ ذلك.
 وفي الوقت نفسه نرجو من وزارتي الصحة والتهذيب أن تحمي الأجسام والعقول كل مصلحة في الناحية التي تخصها، وخصوصا وزارة التهذيب التي يؤمل منها كل مخلص أن تستصدر في شأن المطبوعات من كتب دينية وتاريخية وتمثيلية وغيرها قانونا تحمي به المقدسات والأخلاق والعقول من كل ما يفسدها ويعبث بها.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/424

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك