التسامح في الإسلام

إذا كان لديك شيء واحد بعينه يقول عنه أنه رجل أبيض، والثاني أنه أسود، والثالث أنه اخضر، والرابع أنه أصفر، فليس من الممكن لك أن تصدقهم جميعا. وكذلك إذا كان رجل يمدح فعلا ويأمر به، والثاني يذمه وينهى عنه، فمن المحال أن يكون كلا الرجلين صحيح الرأي صادق الحكم على رغم ما بينهما من الخلاف الواضح البين، وأن كل ما يصدق بمثل هذه الأقوال المتضاربة ويقول بصحة مثل هذه الأحكام المتعارضة جميعا، فهو إما يريد أن يترضى الناس جميعا أو إنما يبدي رأيه في الأمور بدون أن يفكر فيها ويجيل فيها النظر ويعيرها ما يقتضي الحكم عليها من الجد والاهتمام، لا يمكن أن يخلو أمره من أحد هاتين الحالتين، وكلتاهما متنافية مع العقل والصدق، الصريح ولا يليق بمن يحب العقل وللصدق في نظره شيء من القدر والقيمة أن يصدق عدة رجال في آرائهم المتعارضة المتضاربة ولو لأي سبب من الأسباب.
  يظن الناس أن تصديقهم لمختلف الأفراد في أرائهم وخيالاتهم المتعارضة المتضاربة وتصويبهم لها جمعاء هو التسامح، مع أن الحقيقة أنه ليس بالتسامح، بل هو نوع من أشنع أنواع النفاق، لان التسامح إنما معناه أن نتحمل عقائد غيرنا وأعمالهم على كونها باطلة في نظرنا ولا نطعن فيهم، رعاية لعواطفهم وأحاسيسهم، طعنا يؤلمهم ولا نتوسل بالجبر والإكراه لتحريفهم عن عقائدهم أو صدهم عن أعمالهم. ومثل هذا التحمل وإعطاء الناس الحرية في العقيدة والعمل على هذا الوجه، ما هو بفعل مستحسن فحسب، بل هو، مع ذلك، أمرا لابد منه لاستبقاء الأمن وحسن التفاهم والتعايش بين عدة جماعات مختلفة في عقائدهم ومبادئها وأعمالها. أما أن نكون على عقيدة معلومة الحدود والجوانب ثم نأتي نصدق غيرنا في عقائدهم المتضاربة مع عقيدتنا لمجرد ترضيهم، . . .  نكون متبعين لمنهاج خاص ودستور معين للحياة ثم نقول لمتبعي المنهاج والدساتير المختلفة الأخرى أنكم جميعا على حق، فهذا هو النفاق الصريح الذي لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نعبر عنه بالتسامح. أفليس هناك شيء من الفرق بين السكوت رعاية للمصلحة وبين الكذب عمدا؟
 إن التسامح الحقيقي المحمود هو ما قد جاء به الإسلام وعلمنا إياه حيث يقول سبحانه وتعالى:" ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون"  ويقول مثنيا على أهل الإيمان: " والذين لا يشهدون الزور (1)  وإذا مروا باللغو مروا كراما" . ويقول: " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون  ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم (2)  ولا أنتم عابدون ماأعبد، لكم دينكم ولي دين" ويقول: " لا إكراه في الدين" ويقول: " ويدرؤون ـــ أي المؤمنين ـــ بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" ويقول فبذلك فأدع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لا عدل بينكم. الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا، الله يجمع بيننا وإليه المصير" ويقول : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
 نعم، إن هذا هو التسامح الذي يمكن أن يميل إليه ويختاره رجل سليم الفطرة يحب الحق ويؤثر الصدق. إنه يبقى تابثا على عقيدته التي يراها صحيحة بصدق وإخلاص وإيمان ويظل متمسكا بها بكل شدة بل يجاهر بها ويدعو إليها الناس بكل جرأة وحماسة ولكن بدون أن يألم غيره ويجرح قلبه أو يشاتمه ويلاعنه أو يطعن في عقائده أو يحول بينه وبين مزاولته شعائر دينه الذي هو عليه. أو يكرهه على اعتناق دينه بدون اقتناع منه بصحته. وأما أن لا يقال للحق أنه حق أو يقال للباطل انه حق مع عدم الجهل بالحقيقة، فأمر لا يمكن أن يصدر أبدا عن رجل صادق جريء وهو من أقذر أنواع التملق ولا سيما إذا كان الإنسان لا يختاره إلا لترضي الناس ومصانعتهم وليس مثل هذا التملق بأمر شنيع مستقبح من الوجهة الخلقية فحسب، بل هو كذلك من الوجهة العملية أيضا، غذ قلما ينجح الإنسان في غايته التي لأجلها يميل إليه ويتردى في منزلته المنحطة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى مخاطبا رسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم منة الله من ولي ولا نصير".
 لاشك أن التسامح الكاذب قد يتسلح بإظهاره لبلوغ الأهداف السياسية وهو من مباحات هذا الزمان، لأن جهود أـرباب السياسية في الغرب قد فرقت منذ مدة بين الأخلاق والسياسية، إلا أن الذي يبكي العين ويحرق القلب أسفا هو سلوك ألئك المحققين العظام الذين لا يكفلون العقل بالتأمل ولا الفكر بالحركة ولكن طالما يبدون تحقيقهم في الشؤون الدينية بصورة النظرية العجيبة القائلة " بان الأديان كلها على حق ". إننا كثيرا ما نسمع هذه الجملة من السنة الذين دعواهم أنهم لا يتكلمون بكلمة ولا يسلمون بها ما لم يعرضوها على ميزان العقل، إلا أن الحقيقة أن ميزان العقل يأبى أن يقيم لتحقيقهم الأنيق هذا ولو وزن قطمير لأن الأديان التي يحكمون بكونها جمعاء على الحق، بين أصولها ومبادئها من الفرق الهائل والبون الشاسع ما بين السماء والأرض أو الأسود والأبيض. يقول أحدها بان الإله واحد، ويقول الثاني بأن هناك الهين اثنين ويقول الثالث بأن هناك آلهة ثلاثة، ويقول الرابع بأن هناك عدة قوى هي كلها مشتركة في الألوهية، ويقول الخامس بأن ليس هناك شيء يعرف بالإله، فهل من الممكن أن تكون هذه الأديان الخمسة كلها على حق بصفة واحدة؟ يرتفع أحدها بالإنسان إلى مقام الألوهية، والثاني ينزل بالله إلى منزلة الإنسان، والثالث يجعل الإنسان عبدا والله معبدوه والرابع لا تصور فيه أصلا للعبد ولا للمعبود، فهل يجوز عقلا أن تجتمع هذه الأديان كلها ولا يكون بينها من فرق باعتبار صدقها؟ يجعل أحدها مدار النجاة على العمل وحده، والثاني على العقيدة وحدها، والثالث لابد عنده للنجاة من العقيدة والعمل كليهما؟ فهل يمكن أن تكون هذه الثلاثة صحيحا معا؟ يخرج أحده طريق النجاة من الدنيا وحياتها، والثاني إنما يمر طريق النجاة عنده من بين مشاغل الحياة الدنيا ومصاخبها، فهل من الممكن أن يكون كلاهما على الحق والصواب بصفة واحدة؟ ولعمري أنه إذا كان من الجائز أن يعبر بالعقل عما يحكم على مثل هذه الأمور المتضاربة المتنافية بالصدق والصحة والصواب، فالواجب أن يعبر بكلمة أخرى غير كلمة " العقل " عما يحكم باستحالة الاجتماع بين الأضداد.
 نعم، هناك تصورات مشتركة في مختلف الديانات، ولكن من دواعي الأسف أن الذين قد اعتادوا أن لا ينظروا من الأشياء إلا إلى قشورها، فإنهم لا يجتهدون أصلا ليعرفوا حقيقة هذه التصورات المشتركة وإنما يرتبون المقدمات ترتيبا فاسدا ويستنتجون منها نتائج خاطئة مع أن هذا الاشتراك يرشدنا إلى حقيقة مهمة هي أن جميع هذه الأديان متفرعة من أصل واحد وأن هذه التصورات والتعاليم ليس لها إلا مبدأ بعينه وأن هناك وسيلة للعلم بعينها هي التي قد عرفت الإنسان في مختلف الأوطان والأزمان والأوقات والألسنة بهذه الحقائق المشتركة، وأن هناك بصيرة بعينها حصلت للناس جميعا على كل ما كان بينهم من بعد المشرقين وفترة المآت  والآلاف من السنين فهم بهذه البصيرة لم ينتهوا إلا إلى نتائج متقاربة من نوع واحد، ولكن لما تباعدت الأديان عن أصلها،  تسربت إليها تصورات خارجة ومعتقدات أجنبية، وأن هذه الأمور البعدية لما لم تكن مأخوذة من ذلك المبدأ المشترك وتلك البصيرة المشتركة، الأبنية المؤسسة على هذه الأسس المشتركة متخالفة بينها كل التخالف باعتبار صورها وهيئاتها وأشكالها.
    فعلى هذا إذا كان يجوز أن يحكم بالحق والصدق فإنما يجوز أن يحكم بهما على ذلك الأصل المشترك الذي يوجد في جميع الأديان، لا على تلك الصور والهيآت التفصيلية المختلفة التي توجد عليها هذه الأديان اليوم، لان الحق إنما هو جنس بسيط لا يمكن الاختلاف بين أجزائه. فكما أنه من الممكن أن نطلق كلمة " اللون" بكل سهولة على الأبيض والأسود والأخضر والأحمر، كذلك ليس من الممكن أن نطلق كلمة " الحق" على مختلف الأحكام كأحكام أن الله واحد وأن الإلهين اثنان وأن الآلهة متعددة.
 أما أن الأديان كلها لها أصل واحد وأن هناك حقيقة واحدة لمختلف الأمم في مختلف الأزمان، فأمر جاء بيانه بكل صراحة في غير آية من آيات القرآن الحكيم، فقد قيل مثلا " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا" و " أن من أمة إلا خلا فيها نذير" و " وجاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير" و " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان" أي ما كان مختلف الأنبياء والرسل يتلقون رسالة الصدق والحق الآمن بنبوغ واحد بعينه وأنهم جميعا ما كانت لهم إلا رسالة واحدة هي " أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وأنهم جميعا ما كان يوحى إليهم إلا وحي واحد " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه انه لا إله إلا أنا فأعبد ون" وأنه ما قال واحد منهم لقومه أن الذي أعرضه عليكم وأدعوكم إليه هو من نتائج فكري وعقلي، بل قد ظلوا جميعا يقولون لأقوامهم " وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المومنون وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا" وأنه ما دعا واحد منهم قومه إلى عبادته وإنما دعاهم إلى عبادة الله ربه وربهم " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين" .
 فهذا هو التعليم المشترك الذي جاء به إلى جميع الأمم زعماؤها الدينيون. ومن بيان القرآن الحكيم أن الناس ما كانوا جميعا في أول أمرهم إلا أمة واحدة، أي كانوا على حالة إنسانية فطرية خالصة بعينها وكان قد جاءهم من الله العلم بصراطه المستقيم(3) ، ثم ظهر فيهم الاختلاف لا لشيء إلا لأن بعضا منهم حاولوا الخروج من حدهم المشروع والحصول على مرتبة أعلى من مرتبتهم الفطرية والإقامة لأنفسهم حقوقا أكثر من حقوقهم الفطرية. فهناك شرع الله سبحانه وتعالى يرسل إليهم رسله ليعطوهم العلم الصحيح بالحق ويقيموا بينهم العدالة الاجتماعية(4). وتلك كانت رسالة جميع الأنبياء في الدنيا، فالذين تلقوها بالقبول واتبعوا ما أعطاهم نبيهم من العلم إتباعا صحيحا كاملا واهتدوا بهديه، هم وحدهم على الحق وليس غيرهم كائنا من كان، إلا على الباطل، سواء أكان ممن أبوا إتباع النبي أو ممن حرفوا تعاليمه وبدلوها حسب أهوائهم وأغراضهم الشخصية. ففي ذلك يقول عز من قائل : " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا" يقول : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه، وما اختلفت فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم(5) فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" ويقول " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان(6) ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" ويقول " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى".
 فهذه هي نظرية القرآن في التاريخ ـــ أو تعبيره المعنوي للتاريخ ـــ التي تحل لغز الخلافات الدينية مثل ما تحل لغز الخلافات المدنية بكل سهولة وبها يتبين لنا بكل وضوح أن أنبياء الله ما جاءت إلى مختلف أمم الأرض إلا ليرجعوها إلى منهاج الحياة الفطري الذي كانت قد انحرفت عنه لأجل بغيها، ويقيموها على طريق الحق والعدالة الاجتماعية، ولكن مازالت عاطفة البغي، تلك العاطفة التي كانت السبب الحقيقي لضلال هذه الأمم، تحرفها مع ذلك مرة بعد مرة من جادة الحق وتوجهها إلى الطريق المعوجة. فالبقية الباقية من التصورات الصحيحة ومبادئ الأخلاق المستقيمة، التي قد توجد اليوم عند مختلف أمم الأرض، أن هي في حقيقتها إلا آثار باقية لتعاليم الأنبياء عليهم السلام أبت إلا البقاء في أذهان هذه الأمم والانجذاب إلى حباتها لحيويتها الذاتية.
 ثم أن الدعوى التي يعرضها القرآن بعد هذا، هي أن الإسلام الذي يدعو إليه الناس ما هو إلا ذلك الدين الحقيقي نفسه الذي مازالت جميع الأنبياء السابقين يدعون إليه الأم البشرية المنتشرة في مختلف بقاع الأرض منذ بداية الأمر، وأنه ما جاء محمد صلى الله عليهم وسلم برسالة جديدة لا عهد بها للبشرية من ذي قبل ( قل ما كنت بدعا من الرسل) بل إنما قد جاء بنفس تلك الرسالة التي جاء بها كل نبي إلى قومه في كل زمان ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) وأنه ما بقيت ناحية من نواحي الأرض كجزيرة العرب أو مصر أو إيران أو الهند أو الصين أو اليابان وأوربا وأمريكة وإفريقية وما إليها، محرومة من الاستنارة بنور هذه الرسالة حيث قد جاء إليها رسل الله بكتبه ولا يبعد أن ولا يبعد أن يكون بودا وكرشن وراما وكنفيوشس وزرديتش وماني وسقراط وفيثا غورت وغيرهم من هؤلاء الرسل، إلا أن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الرسل أن قد ضاعت تعاليمهم الأصلية في مجاهل اختلاف ولا يزال تعليمه عليه الصلاة والسلام محفوظا في صورته الأصلية دون أن يداخله شيء من تحريفات الناس.
 فالحقيقة أن ليس الإسلام بدين من أديان البشرية، بل هو دينها الأصلي الوحيد، وليست سائر الأديان إلا صوره المحرفة الممسوخة المتعددة فكل ما يوجد في هذه الأديان من الحق والصدق، إنما هو بقية باقية من أثر ذلك الإسلام الذي جاء إلى الجميع ولكنهم أضاعوه في اختلافاتهم، وعلى قدر ما يوجد من مقدار هذا الحق المضاع في دين من الأديان، يوجد فيه الإسلام. أما الاختلافات التي توجد في هذه الأديان متخالفة متعارضة مع " الإسلام " ، فلا شك في بطلانها ومن الظلم الصريح الحكم عليها بالصحة والصدق. وبدل أن نتظاهر بالتسامح الكاذب، يجب علينا أن نقول بكل صراحة لجميع إخوتنا في الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها " هلموا أيها الإخوان وكفوا عما أنتم عليه من العصبية وضيق النظر وأقبلوا الحق الصريح والصدق الخالص الذي لا تشوبه شائبة من الأوساخ والأدران ولا تظلوا متشبثين بأهداب الأشياء التي قد اختلط فيها الحق مع الباطل والصدق مع الكذب واليقين مع الشك، وليس الحق بوقف على الأمة التي تعرف اليوم باسم المسلمين بل هو مراث تشترك فيه الإنسانية بأجمعها وقد كان الله سبحانه وتعالى وزعه على جميع الأقطار والأمم والأنسال فإن كان غيرنا قد أضاعوه بسم عبادة المخلوقات والظلم والعدوان والامتيازات الجائرة الغاشمة، فإنما كان ذلك من سوء حظنا وحظكم معا، فما الذي يدعوكم إذن إلى أن تبقوا متشبثين بسوء الحظ هذا لا لسبب إلا لأن آباءكم كانوا قد تورطوا في هذه الغلطة، وأنه إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد نال هذا الميراث من أن يختلط به سم عبادة المخلوقات والعادات القائمة على الظلم والعدوان والامتيازات الجائرة، فذلك من عين حسن حظنا وحظكم وحظ النوع البشري كله، فاشكروا الله هذه النعمة ولا ترددوا في الاستمتاع بها لأنها واصلة إليكم بواسطة رجل من العرب، وأعلموا أن الحق من نعم الله العالمية كالهواء والماء والنور، فإذا كنتم لا تربأون عن الاستمتاع بالهواء إذا كان آتيا إليكم من جهة الشرق، ولا تترددون في شرب الماء واستساغه لأن عينه متفجرة في الأرض الفلانية، ولا تأبون الاستمتاع بالنور لأنه ينبثق من مصباح فلان، فما بالكم لا تترددون في قبول نعمته الحق الخالص، التي قد وصلت إليكم بواسطة محمد العربي صلى الله عليه وسلم، لأن الذي قد جاء بها ليس مولده في وطنكم أنتم؟
 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

(1) الزور هو الكذب والباطل، مما يعارض الحق وينافيه. فمعنى لا يشهدون الزور أنهم لا يزورون بقصد منهم أماكن ترتكب فيها أعمال الشرك والكفر والظلم والفسق أو يجهر فيها بآراء الإلحاد أو يعبد فيها من دون الله أحد من بني آدم أو مخلوق آخر
(2)  بالنسبة للحال 

(3)  مما يجب أن يلاحظ بصفة خاصة في هذا المقام أن من بيان القرآن الحكيم ــــ  على العكس من نظرية الارتقاء وفلسفة التاريخ الإنساني في هذا الزمن ــــ أن النبوغ البشري ما بدا حياته على وجه الأرض في ظلمة الجهل، بل بدأها في ما أعطاه الله من نور العلم، فقد أكرم سبحانه وتعالى آدم وهو أول إنسان على وجه الأرض، برسالته وأعطاه بطريق الإلهام من العلم ما كان ضروريا للإنسان لقضاء حياته على وجه الأرض وفقا لمرضاته وقانونه.
(4)  معنى كلمة  " البغي " المستعملة في هذه الآية محاولة اعتداء الحد المشروع وتجاوزه، فالذي يقرره القرآن أساسا لكل ما يتورط فيه الناس من الضلال الاعتقادي  والتظالم الاجتماعي، هو أن بعضهم يحاولون اعتداء حدودهم المشروعة الفطرية، فمنهم من يتخذ نفسه آلها لغيره ويأمرهم بعبادته، ومنهم من يتجرأ على اتخاذ نفسه إلها لغيره ولكن يظهر بمظهر السادن أو الحاجب أو الخادم لصنم أو إله خيالي ثم يفرض على الناس طاعته والاعتراف بسلطانه متوسلا بهؤلاء الآلهة، ومنهم من ينصب نفسه حاكما دينيا للناس ويحتكر عليهم نجاتهم وفلاحهم وهكذا ينجم في الدنيا قرن البرهمية والبابوية، ومنهم من يستغل غناه المالي وحالته المترفهة الناضرة ويجعل منهما وسيلة لاختيار عدة صور لسلب الناس أموالهم. وجملة القول أن " البغي" هو الذي يخرج الناس من حالتهم الفطرية ويغرس فيهم بذور الشقاق والاختلاف من الوجهتين الاعتقادية والاجتماعية.

(5)  معنى كلمة  " البغي " المستعملة في هذه الآية محاولة اعتداء الحد المشروع وتجاوزه، فالذي يقرره القرآن أساسا لكل ما يتورط فيه الناس من الضلال الاعتقادي  والتظالم الاجتماعي، هو أن بعضهم يحاولون اعتداء حدودهم المشروعة الفطرية، فمنهم من يتخذ نفسه آلها لغيره ويأمرهم بعبادته، ومنهم من يتجرأ على اتخاذ نفسه إلها لغيره ولكن يظهر بمظهر السادن أو الحاجب أو الخادم لصنم أو إله خيالي ثم يفرض على الناس طاعته والاعتراف بسلطانه متوسلا بهؤلاء الآلهة، ومنهم من ينصب نفسه حاكما دينيا للناس ويحتكر عليهم نجاتهم وفلاحهم وهكذا ينجم في الدنيا قرن البرهمية والبابوية، ومنهم من يستغل غناه المالي وحالته المترفهة الناضرة ويجعل منهما وسيلة لاختيار عدة صور لسلب الناس أموالهم. وجملة القول أن " البغي" هو الذي يخرج الناس من حالتهم الفطرية ويغرس فيهم بذور الشقاق والاختلاف من الوجهتين الاعتقادية والاجتماعية.
(6)  والمراد بالميزان في هذه الآية ذلك النظام الاجتماعي المنتهى في الاعتدال والتوازن، الذي أرسله تعالى إلى الناس بواسطة الأنبياء في صورة شريعته الغراء حتى يقيم بينهم العدل. 

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/428

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك