لغة القرآن والقومية العربية

إن الله سبحانه هيأ للغة العربية خير الحظوظ، حيث أنزل بها كتابه المحفوظ بوعده الصادق على لسان الوحي الناطق، فكانت تلك الميزة منذ فجر الإسلام ونزول القرآن هي الطابع الحقيقي للقومية العربية، وكانت لغة القرآن هي ترجمانها المعبر عن أهدافها ومراميها بين مختلف الشعوب المتعددة الأجناس والألوان، تجول مع القوم العرب في كل ميادين الحياة وتنقل إليهم مختلف الحضارات  والثقافات، ويصدر بها إنتاجهم العلمي والأدبي في جميع الحالات فهي لسانهم السياسي في هيأة الأمم العالمية، وبها أصل كلامهم فيما يحضرون من مؤتمرات، كلما اعتزوا بقوميتهم كما يعتز غيرهم من الأمم المتمدنة، وإذا رجعنا إلى بداية تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى إبان فتوحات الإسلام واعتبرنا ما يقوله المؤرخ الإجتماعي المسيحي جورجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي من أن عمر بن الخطاب هو مؤسس دولة المسلمين، وقد أسسها على امتن دعائم الملك أسسها على العدل والتقوى والزهد والاستهلاك في نصرة الحق مما يندر اجتماعه في رجل واحد، وقد يوهم لغرابته انه من قبيل المبالغة، ويسهل علينا التصديق به إذا تذكرنا النتائج التي ترتبت على تلك المناقب مما لم يسمع بمثله في التاريخ، هذا ما يقوله عالم مسيحي عن عمر نقول إذا اعتبرنا هذا نجد أن موقف عمر من تعميم نشر اللغة العربية بالغ الأهمية، إنه كان يكتب إلى الآفاق آمرا بتعلمها مع السنة والفرائض كما يتعلم القرآن، قال الحافظ بن عبد البر ومما يستعان به على فهم الحديث ما ذكرناه من العون على كتاب الله وهو العلم بلسان العرب، ومواقع كلامها، وسعة لغتها، واستعارتها ومجازها، وعموم لفظ مخاطبتها وخصوصه، وسائر مذاهبها لمن قدر، فهو شيء لا يستغنى عنه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى الآفاق أن يتعلموا السنة والفرائض واللحن أي النحو كما يتعلم القرآن، وروي عن عمر بن زيد قال كتب عمر إلى أبي موسى أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية، وروي عن الشافعي انه كان يقول من حفظ القرآن عظمت قيمته، ومن طلب الفقه قبل قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في النحو رق طبعه، ومن لم يصن نفسه لم يصنعه العلم، وهكذا صارت اللغة العربية ترافق الفتوحات الإسلامية في الانتشار في الأقطار حسب توجيه وإرشاد عمر بن الخطاب. فكانت أولا لغة العقيدة والتشريع والآداب والأخلاق الإسلامية وفي عهد بني أمية ترجمت بها الدواوين فأصبحت لغة الإدارة كلها حتى رسخت قواعد الدولة الإسلامية في أقطار الفرس والروم وغيرهم أصبحت لغة القوم العرب لغة الفلسفة والعلوم الرياضية والطب وغير دلك حيث نقلت بها علوم اليونان وغيرهم بواسطة مترجمين بارعين في عصر الدولة العباسية وكانت لهؤلاء التراجمة مذاهب في الترجمة الحرفية والترجمة بالمعنى ثم كتب الفلاسفة الملمون كتبهم وأبحاثهم وتعاليقهم على ما كتبه الفلاسفة الأقدمون باللغة العربية كالفارابي وابن رشد وابن سينا والغزالي والرازي وغيرهم.
وكان المسلمون عموما بما فيهم هؤلاء الفلاسفة معتزين بلغتهم يرونها من أنبل اللغات إن لم يروها أفضلها على الإطلاق، لأنها لغة دين هو خاتمة الأديان السماوية، ولغة كتاب سماوي محفوظ خالد انزله الله مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه وجامعا لمزاياه وهو كما قال الله: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، وقال في شأنه أنا أنزلناه قرآنا عربيا، وقال بلسان عبري مبين، وقد جعله الله سبحانه عربيا، لان العرب هم المدعوون أولا به، وذلك جريا على عادة الله في إرسال بلسان قومهم، كما قال: وما أنزلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.
وقد تكلم الحافظ ابن حزم على نشوء اللغات واختار أن أصل الكلام توفيق من الله لأنه لو كان اصطلاحا لما جاز أن يصطلح عليه لا كملت أذهانهم، وتدربت عقولهم، وتمت علومهم، كما قال ومن المعلوم أن هذه الصفات لم تحصل للبشر في أول نشأتهم الأولى، خصوصا على مذهب التطور والارتقاء، وعلى هذا يلزم التصديق بما ورد في القرآن من قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها.
اما حفظ اللغة فالحافظ بن حزم يرى كما يرى غيره من العلماء الدينيين والاجتماعيين والسياسيين انه يكون بقوة الدولة وان اللغة تضمحل أو تضعف بذهابها، فإنه قال: إن اللغة تسقط أكثرها ويبطل بسقوط دوله أهلها ودخول غيرهم في مساكنهم.
أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وإخبارها قوة دولتها، ونشاط أهلها وفراغهم، وأما من تلفت دولتهم، وغلب عليهم عدوهم، وانشغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وإخبارهم وببود علومهم، وهذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة."
وهذه الأفكار التي سجلها الحافظ بن حزم هي نفس الحقائق الملموسة في واقع حياتنا، فجميع مفكرينا يشكون من ركود المغرب الفكري بعد الاستقلال الذي أعقب الحماية والاستعمار.
وقد أشار سمو ولي العهد في خطبته الأخيرة إلى أن كنوز المغرب الفكرية اقلها مطبوع وأكثرها مخطوط، فمن يا ترى سيستخرج الدرر منها ويظهر قيمة المغرب التاريخية والعلمية بين الأمم، أن لم تعط الدولة القوة الكافية للغة العربية، ويتم تعريب الإدارات، وجميع الإطارات، ونعتبر اللغات الأخرى ثانوية بالنسبة للغة العربية، حتى يكون الرؤساء والأدباء والشعراء والمؤلفون والباحثون من المختصين في اللغة العربية وان شاركوا في غيرها.
اما خرافة قصور اللغة العربية فهي فكرة استعمارية بثها الاستعمار في الشعوب العربية للقضاء على القومية العربية في هذه الشعوب، ولا تصدر هذه الفكرة إلا من تلاميذ الاستعمار أو إذنابه، وان من يزور مصر ويرى سجلات البنوك ومرافعات المحاكم وسائر الإجراءات الإدارية
كما يرى الكتب المدرسية والرياضة من حساب وهندسة وجبر وعلوم اللغة العربية ليحصل له العلم اليقين بأهمية هذه اللغة ورقيها.
وإذا كانت تنقصها أسماء بعض الآلات الحديثة واصطلاحات بعض العلوم فذلك ممكن تلافيه بكل سرعة على أننا نرى الأمم الحية تبذل جهودا متواصلة لتعميم ونشر لغتها، فقد جاءت فرنسا إلى المغرب أول الحماية ببعض تراجمة جزائريين ثم فتحت المدارس وملأتها بأساتذة فرنسيين اخذوا يلقنون التلاميذ المغاربة الحروف اللاتينية فالكلمات والجمل ومضت السنون فإذا باللغة الفرنسية تكتسح المدارس والمحاكم والمحافل وسائر الميادين.
فلماذا لا يشمر المغاربة عن ساعد الجد لإحياء لغة قومهم وهي لغة العلم والحضارة والثقافة.
وما هو المانع من تعريب جميع الإدارات بصفة حتمية لازمة كما فعلت الإدارة الفرنسية إبان نفوذها فصارت تصدر عنها المكاتب والاستدعاءات وغير ذلك بلغتها الفرنسية ولماذا يسمع الشعب المغربي العربي المسلم لدعاة الهزيمة في شأن قصور اللغة العربية مع جهلهم بها وخوفهم من نشرها وتعميمها على مكانتهم وثقافتهم، أننا حقا تنقصنا العزائم الصادقة، وهذه هي الخصال التي كان للعرب الفاتحين، ولو كان العرب كدعاة الهزيمة في خور العزائم وقت فتحهم للشعوب لما زاحموا لغة الفرس والروم وتغلبوا عليها ولما نقلوا منها مختلف العلوم، ولما انشاوا  حضارة وعلوما وادابا خاصة بهم، فالواجب على الأمة المغربية هو العمل بجد وحزم لإحياء تراثنا الفكري بلغتنا القومية فان المغرب موطن العروبة والإسلام يجب على كل مسلم فيه أن يدافع عن عروبته وإسلامه.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/400

الحوار الداخلي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك