التربية على المواطنة والعيش المشترك
ساريا فرنسيس
برعاية وحضور وزير التربية والتعليم العالي البروفسور حسّان دياب، نظمت مؤسسة أديان مؤتمر التربية على المواطنة والعيش المشترك في لبنان بالشراكة مع كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركيّة في بيروت، نهار الخميس 15 آذار في قاعة عصام فارس.
حضر المؤتمر، بالإضافة إلى المتحدثين ومن ضمنهم السفير البريطاني في لبنان طوم فلتشر، وزير الاعلام وليد الداعوق، والسفيرة السويسرية روث فلينت ليرجربر، والسفير الدانماركي يان توب كريستنسن، وممثلي المرجعيات الروحية وعدد كبير من القياديين والمهتمين في الشأن التربوي وقضايا العيش المشترك. وتلا المؤتمر حفل استقبال.
ويأتي هذا المؤتمر في إطار الخطة الوطنيّة لتعزيز التربية على العيش المشترك التي تعمل مؤسسة أديان على وضعها بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي والمؤسسات التربوية الخاصّة، ليجمع المرجعيات التربويّة والروحيّة والإجتماعيّة حول القناعة المشتركة بضرورة العمل معاً على هذه القضيّة الأساسيّة والملحّة و ليؤكد ضرورة تعزيز المواطنة الحاضنة للتنوّع الدّيني في لبنان وتحريرها من الذهنيّة الطائفيّة المنغلقة.
في كلمة الترحيب، ذكر البروفسور باتريك ماك غريفي عميد كلية الآداب والعلوم، في الجامعة الأميركيّة في بيروت، ان "لبنان لطالما كان غنياً بالتنوع الديني والثقافي لقرون عديدة."وقال ان "الجامعة الأميركية في بيروت تعكس التنوع في لبنان وتهدف ان تصبح أكثر تنوعاً. التنوع يتيح لنا فرصة التعلم والنمو، ولذلك علينا الاعتزاز به." واشار ان "اليوم في لبنان والعالم العربي، علينا أن نقاوم أولئك الذين يستخدمون التنوع كمبرر للانقسام. وعلينا البدء في المدارس فهي المكان الافضل حيث يمكننا أن نبني من خلال التقاليد اللبنانية، احترام هذا التنوع".
وفي كلمة الإفتتاح، أكد رئيس مؤسسة اديان، الأب فادي ضو أنه "عندما تُطرح مسألة المواطنة والعيش المشترك في لبنان من منظور تربوي"، علينا أن نبحث عن "أي مستقبل نريد لهذا الوطن، وحتى يومنا هذا لا تزال إشكاليّة المواطنة في لبنان تتعرّض لشتى أنواع التجاذبات والتحديات التي تنقسم الى موقفين لا يصبان في عملية بناء المواطنة والسلم الأهلي.
الموقف الأول يختصر بكلمة الإنصهار الوطني، حيث لا مكان للإعتراف بالتنوّع الثقافي والديني وإبرازه، أما الموقف الثاني فقد يختصر بعبارة التعددية الثقافية والتركيز على حق التمايز والتربية وفق نماذج مرتبطة بالهويات الخاصة".
وأكد ضو "إن معالجة هذه الإشكالية على الصعيد اللبناني يجب أن تقودنا إلى بلورة مقاربة ثقافية وتربوية ثالثة تقوم أساساً على المواطنة التي تدحض في آن الإنصهار والطائفيّة، واختصرها بعنوان "المواطنة الحاضنة للتنوع". إن هذه المقاربة تنتطلق من موقفين أساسيين: أولاً اعتبار التعددية الثقافية والدينية في لبنان جزءاً من الهوية الوطنية والثقافة العامة المشتركة، وثانياً اعتبار المواطنة المجال الحيوي لتجلّي الهوية الوطنية وللإلتزام في الحياة الإجتماعية العامة". وأضاف أنه "على هذه الأساس أدركت مؤسسة أديان، عبر خبرتها في هذا المجال، بأن المطلوب تربوياً هو العمل على بلورة مشروع تربوي شامل عن المواطنة الحاضنة للتنوع".
وزير التربية والتعليم العالي، البروفسور حسّان دياب، نوه في كلمته بدور "مؤسسة أديان التي تمكنت من ترك بصمات واضحة في ترسيخ قواعد المعرفة المتبادلة والإلتزام المشترك، وبناء علاقات التضامن والتفاعل الإيجابي بين أبناء مختلف الأديان في لبنان".
وتكلم الوزير دياب عن المناهج الجديدة التي اعتمدتها الوزارة والتي " أولت موضوع الدين إهتماماً خاصاً ،" مؤكدا ان الأديان كلها تسعى للهدف ذاته. ومن هذا المنطلق تعمل وزارة التربية والتعليم العالي، من أجل تربية أجيال المستقبل في لبنان على أساس أن وحدة الوطن إنما هي بإتحاد عائلاته الروحية، إتحاداً قوامه القيم والأخلاق والمعرفة الحقيقية لبعضنا البعض في إطار الحرية، ومن ضمنها حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع في الحقوق والواجبات، التي هي حجر الزاوية في بناء المجتمع".
تخلل المؤتمر جلسة حول "إدارة التنوّع الدّيني والمواطنة لدى الشباب اللبناني أدارتها الدكتورة نايلا طبارة، مديرة قسم الدراسات في التلاقي الثقافي، في مؤسسة أديان. وقالت طبارة "في وقت تتطلع فيه بعض الدول العربية إلى الأمام والبعض الآخر إلى الوراء، لا سيما في البرامج الدراسية وخاصة بما يخص التربية الدينية والتربية على المواطنة، يتجلى دور لبنان بما أنعم الله عليه من تعدد وبما أحرز من تقدم في برامجه التربوية ليكون مثالاً للحائر وللمتردد ومنارة لمن حوله".
وعرضت خلالها جانين نصّار، نتائج الدراسة الميدانيّة حول "إدارة التنوّع الدّيني والمواطنة لدى الشباب اللبناني"،التي أعدتها المؤسسة الدوليّة للأبحاث الميدانيّة إبسوس (IPSOS STAT SAL ). وشارك في مناقشتها الاستاذان في الجامعة الأميركية الوزير السابق الدكتور طارق متري والدكتورة دينا كيوان. وقال الوزير متري "أننا في مجتمع يضخم الفروقات الصغيرة فالناس عادة تقارن مثالها على واقع الآخرين، فتجمل مثالها وتحقر واقع الآخرين. والسؤال الذي يجب أن يطرح هل يلازم العيش المشترك تواجد قيم مشتركة نحيطها ونبنيها على قيم دينية لإعطائها شرعية أم يمكنه أن يطال أيضاً إزدواجية اللغة. وأشار خاتماً بأن المشكلة الأساسية في التعددية اللبنانية هو غياب المعرفة، ومن هنا يجب العمل على منهج تربوي قائم على منهجية وصفية تاريخية تتجنب الحكم القيمية".
الشيخ سامي أبي المنى، أمين عام مؤسّسة العرفان التوحيديّة، تكلم عن التربية على المواطنة والعيش المشترك، من خلال وجهة نظر المؤسسات التربويّة الدينيّة. وأشار إلى ان التربية "عاملٌ أساسيّ في تثبيت الهويّة الوطنيّة والانتماء الروحيّ، وعلى كاهلها تقع مسؤولية الحفاظ على صيغة لبنان وتطويرها لمواكبة الواقع المتغيّر، دون المساس بروحها ونسغِها الحيّ، فلا يُمكن أن نُغيّرَ صيغةَ لبنانَ الوطنِ الرسالة، فنجعلُه غريباً عن واقعه التعدّدي المتنوع، لا يُمكن أن نحوّلّه بأكثريةٍ عدديّة أو بأيديولوجيةٍ فئوية أو بتربيةٍ طائفية منغلقة إلى وجهٍ أحاديّ الجانب، يُمثّلُ طائفةً أو حزباً أو منحىً منعزلاً عن المحيط أو منفتحاً إلى حدود فقدان الهويّة."و أشار الى أن "الإقتراحاتُ المنهجية التي خلصت إليها ندوةُ مؤسسة أديان حول التنوّع الديني والتربية على المواطنة، والتي شاركنا فيها في أواخر كانون الثاني الماضي، تبدو واضحة وواقعية فقد أشارت إلى ضرورة التربية على القيم المشتركة، القيم الإنسانية والقيم الإيمانية، وعلى الروحانية واحترام القانون والعدالة والمسؤولية الوطنية، وعلى حرية الفكر وفقه التنوع والاختلاف ومعرفة الآخر، وعلى والتكامل بدل التناقض، والنظر بإيجابية إلى التطابق بدل التركيز السلبي على التضادد، وترسيخ أولويات التربية المواطنية المرتكزة إلى ثقافةٍ جامعة قائمة على احترام القواعد الحقوقية والاستقلالية وتنقية الذاكرة الجماعية وتعزيز ثقافة المجال العام الجامع والمشترَك، إضافةً إلى الإضاءة على أهميّة الحوار أمام الأجيال الصاعدة، للاستفادة من مبادئه ومجالاته الممكنة ووجوهه البارزة ومتابعة مسيرته الواجبة".
وتحدث البروفسور رفيق قطان، عضو هيئة التنسيق في تجمع "وحدتنا خلاصنا" عن وجهة نظر المجتمع المدني قائلاً أن "التعددية التربوية بالرغم من بعض حسناتها، تبقى انعكاساتها خطيرة عندما تكون متناقضة وتُغلِب إنسان الفئة على إنسان الجماعة أو الإنسان المواطن".
"وأضاف أنه علينا الاعتراف أن "القطاع التربوي مجال رئيسي من مجالات المشاركة الوطنية بين الدولة والمجتمع في العالم المعاصر. إن مستقبلنا مرهون إلى حدٍ كبير بالأفكار والإتجاهات والقيم ومعايير السلوك التي يمكن للتربية ان تغرسها في نفوس المواطنين. إن هذه الأفكار عليها أن تتحول إلى واقع ذي أهداف واضحة في إطار آليات محددة، بحيث تتحول المفاهيم إلى حقوق، والحقوق الى تشريعات مع ضرورة وجود قضاء عادل ومستقل يحميها، وفي ظل ممارسات بحاجة إلى مواكبة من مؤسسات المجتمع المدني بإعتبارها حالة مستقلة عن الطوائف، وغير تابعة للقطاع الخاص وهي الصلة المدنية الحديثة بين المواطن والدولة".
وقدم السفير البريطاني في لبنان، طوم فلتشر مداخلة حول "تحديات وعِبر الإصلاح والعيش المشترك من ايرلندا الشمالية إلى العالم العربي،" فأكد أن لبنان في خضم التغيير في الشرق الاوسط، هو "نموذج التعايش وسط التنوع كما هو تذكير مأساوي بالصراع وسط التنوع." و أضاف أن القاسم المشترك في الانتفاضات العربية هي "الرغبة بقدر أكبر من الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، والأمن والعدالة والفرص".
وتابع أنه ينبغي أن "نكون على الجانب الصحيح من هذه القضية، أي على الجانب الصحيح من التاريخ." وأضاف أنه "في تقاسم الدروس المستفادة من المصالحة والتعايش في أيرلندا الشمالية، هناك خمسة دروس كبيرة الصلة بلبنان: أولاً، لكل فرد قصة، ثانياً علينا تحديد رؤية مشتركة، ثالثاً علينا أن نكون على استعداد للجلوس مع الاخر، رابعاً يجب أن يكون هنالك حافزا للحياة السياسية، وأخيراً علينا الأقتناع بعملية المصالحة".
وختمت المؤتمر هدى بركات، منسقة البرامج في قسم التربية على العيش المشترك في مؤسسة أديان بكلمة شددت فيها على"إيمانٌ راسخٌ رافق مسيرة مؤسسة أديان، إيمانٌ بضرورة العمل على ما نراه واجباً وطنياً ولو كان ذلك بإمكانيّات محدودة أو كان "عكس السير". فكان من هذا الإيمان أن قاد المؤسسة إلى موقع الريادة في عملها على بناء ثقافة التفاهم والتضامن بين الأفراد والجماعات ذات الإنتماءات الثقافيّة والدينيّة المختلفة".
وقالت بركات "إن مسيرة قسم التربية على العيش المشترك هي خير مثالٍ على ذلك، إذ أن بداية العمل في المجال التربوي سنة 2007 من خلال مشغل للطلاب كانت نابعة من القناعة الراسخة بضرورة تنشئة الجيل الشاب على أسُس العيش المشترك والمواطنة الحاضنة للتنوع الديني سبيلاً لبناء السلام الدائم في مجتمعنا. وها نحن اليوم أمام قسمٍ يضمّ إحدى عشر مدرسة رسمية بدعم مشكور من وزارة التربية والتعليم العالي لهذه المبادرة وإحدى عشر مدرسة من كبرى المؤسسات التربوية الخاصة".