الاتجاهات الدينية في الأدب العربي المعاصر

إذا أردنا أن نحدد طبيعة ميلاد الوعي العربي، فيمكننا القول بأنه ذا مظهرين متميزين في أغلب الأحيان، ولكنهما ينتهيان دائما على التمازج والالتقاء. أول هذين المظهرين ديني، وثانيهما سياسي.
ذلك أنه في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن العشرين، قامت حركتان كان لهما أبلغ الأثر في الرأي العام الإسلامي داخل مصر أول الأمر، ثم في بقية البلاد العربية بالشرق الأدنى.
وهاتان الحركتان ـ اللتان تتصلان بالدين ـ جعلنا الأزهر تقوم برد فعل قوي يعبر عن رأي التقليديين ولم يتأخر رد الفعل هذا عن الانتشار بين الجماهير حتى أصبح ذا طبع عام.
وأولى الحركتين كان يقودها جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده أكثر تلاميذه تحمسا لأفكاره.
وكان مرمى هذه الحركة إخراج الفكر الإسلامي من دائرة التزمت المجدب التي كان متجمدا فيها منذ الاحتلال التركي، ثم العمل على استرجاع حريته التي تتمتع بها كاملا خلال الخمس قرون الأولى من الهجرة.
وكان الأستاذ وتلميذه محقين في إرجاع سبب انحطاط العالم الإسلامي إلى انعدام الحرية التي أتاحت له ـ قديما ـ تشييد هذه الحضارة الرائعة الموروثة عن الإغريق وإثراءها ثم نقلها إلى أوروبا فيما بعد .
وكان من رأيهما أن استرجاع حرية الفكر والبحث والإصلاح هي الوسيلة الوحيدة للانسجام مع شروط الحياة العصرية، كما أنها هي الوسيلة التي تتيح للعالم الإسلامي الإسهام في إثراء الحضارة. وفي اعتقادهما أيضا أنه بدون تحرير الإنسان من نفسه لا يمكن تحقيق تحرر سياسي سواء في الداخل من سيطرة طغاة إستانبول والقاهرة، أو في الخارج من السيطرة الأوربية المباشرة أو غير المباشرة ... يجب أن يشعر الفرد أنه حر أمام نفسه وأمام المجتمع ليستطيع أن يطالب بالحرية السياسية ويعمل على نبلها. بل ذهب جمال الدين وتلميذه إلى أبعد من هذا، فطرحا نهائيا كل تقيد بالمعتقدات اللاهوتية والأحكام الفقهية، وطالبا بأن يمنح الفرد المقدس في مناقشة تعاليم المذاهب سواء كانت معتزلية أو شيعية أو خوارجية أو سنية .. كما طالبا بأن يكون للمجتمع حق لا يقف عند جد اختيار مذهب فقهي يوافقه، بل يتعداه إلى سن قوانين جديدة تمليها حاجياته المستحدثة التي لم تتعرض إليها الأحكام الفقهية القديمة. وحجيتهما في ذلك أن المسلمين الأولين قد فعلوا هذا، فلماذا لا يفعله المسلمون العصريون ؟ لماذا نجعل من الإسلام ـ وهو دين التسامح والحرية ـ دين تعصب واستعباد؟ إن الإسلام قد توافق مع الثقافة اليونانية فلماذا لا يتوافق مع الثقافة الأوروبية؟
ومن الطبيعي آن الأزهر رفع عقيرته بالصباح أمام هذه الجرأة، فناصبهما العداء. واضطر جمال الدين إلى مغادرة العالم العربي، وأصبحت الحياة شاقة بالنسبة لتلميذه ولكنه مع ذلك تحملها إذ لم تكن تعوزه الشجاعة من جهة ، ومن جهة أخرى كان الحكم المطلق في مصر قد أخذ يشرف على نهايته.
في هذه الأثناء اختلطت السياسية بالدعوة الإصلاحية: فاتهم الشيخ محمد عبده وأصدقاؤه بمحالفة المستعمر، وكانت الحجة في ذلك مفارقة الشيخ للأزهر وتوقفه عن متابعة الحركة الإصلاحية التي اضطلع بها !
أما الحركة الثانية فقد اختارت الحقل الاجتماعي ميدانا لها، وكان غرضها تحرير المرأة المسلمة والعمل على أن تسترد حريتها القديمة لتتمتع بها على نحو ما تفعل مثيلاتها الأوروبيات، ولم يكن زعيم هذه الحركة عالما دينيا بل حاكما متخرجا من كلية الحقوق بمونتبولييهMontpellier  
على أن تحرير المرأة وإسقاط حجابها، وإخراجها من بيتها لتستطيع المشاركة في الحياة الجماعية متمتعة بنفس الحقوق التي للرجل، لم يكن أمرا سهلا يمكن تقبله في وسط محافظ مثل الوسط المصري عند نهاية القرن الماضي.
وكان من اليسير جدا سبب يربط بين هذه المطالب الاجتماعية وبين الإصلاحات الدينية التي أنادى بها الشيخ محمد عبده، وبذلك سهل اتهام قاسم أمين بالإتحاد بل تجاوزها إلى انتهاك قداسة القرآن. وكان أصحاب هذه التهمة يرددون: ألم يأمر الله نساء النبي بملازمة البيت وعدم الاندماج بالناس كما كان شأن المرأة الجاهلية ؟ ألم يحرم الله على كل امرأة مسلمة كشف جمالها ومفاتنها للملأ ؟؟
وإذا كانت السنوات الأولى من القرن العشرين قد شهدت الرأي العام المصري مشغولا بمشاكل دينية واجتماعية، فقلد شهدته أيضا مهتما بالمسألة السياسية. والواقع أن مصر لم تسكت قط على الضيم ولم تحتمل الاستعمار البريطاني، فكان رد الفعل في أوائل هذا القرن عنيفا كأشد ما يكون العنف.
ولما كان الإنجليز كغيرهم من الأوروبيين، يرون في الإصلاح الديني الذي أنادى به الشيخ محمد عبده والإصلاح الاجتماعي الذي تزعمه قاسم أمين، مطالب مشروعة ، فإن هذين المفكرين الجريئين سرعان ما ألصقت بهما تهمة العمل ضد الحركة التحررية الوطنية واعتبرت إصلاحاتهما ذات تجديد خطير . ولقد فارق الشيخ محمد عبده وقاسم أمين هذه الحياة دون أن يشاهدا انتصار مذهبيهما، ولكنهما تركا إتباعا متحمسين ومصممين العزم على الكفاح من أجل القضية العادلة، الأمر الذي كان من الصعوبة بمكان خاصة خلال سنوات التفاهم بين المستعمرين والخديوي عباس.
وقامت الحرب العالمية الأولى فوضعت حدا لهذه الحالة، وشهدت الحركة الوطنية لسنة 1919 مذاهب تفوق هذين المذهبين في مطالبهما، ولم يعد شباب ما بعد الحرب يطالب بحق الحرية في البحث وإنما أعطى لنفسه هذا الحق ، بل ذهب إلى أبعد من هذا فشك في كل القيم القديمة. وكذلك نساء الطبقة البورجوازية لم يعدن متفرجات فقط في المناقشة حول حريتهن ، وإنما أبحن لأنفسهن أخذها ونزعن الحجاب، وغادرن البيوت، وشاركن إلى جانب الرجل في المظاهرات ضد الإنجليز وطالبن بنصيبهن من الخطر في المعركة ..
وأصبحت حرية التفكير والتعبير، وحرية المرأة شيئا معترفا به لا ينكره أحد، يشجع عليه زعماء الثورة، ويتقبله الأزهريون الذين شاركوا بدورهم في الحركة الوطنية، وبلغ منت تقبل الأزهريين لهذه الأفكار إنهم أخذوا يعتبرون من يعارض مذهب الشيخ محمد عبده وقاسم أمين من بيتهم، ومحافظا وأحيانا ينظرون إليه كرجعي.
وانضافت إلى هذه الحركة حادثتان توجها هذا التقدم نحو استقلال الفكر في مصر خلال هذه السنوات الخصبة.
كانت أولاهما ظهور كتاب علي بعد الرزاق حول الخلافة(1) حيث حاول الكاتب أن يبرهن على أن هذه السنة كانت لا تنتمي إلى الدين في شيء، إذا لم ينص عليها لا في القرآن ولا في الحديث، كما أن النبي نفسه لم يعين خليفة يتولى أمور المسلمين من بعده. وكان من سوء حظ هذا الكتاب أنه ظهر في فترة رد فعل سياسي ضد الدستور الديمقراطي، فعمدت السلطات العامة إلى تحريك شيوخ الأزهر ضد الكاتب، وبما أنه متخرج من الجامعة العتيقة فقد أصدر عليه زملاؤه حكما يدينونه فيه وعزل من منصبه كقاضي ديني ... ورغم ذلك فقد كسب شعبية واسعة النطاق وحظي بالتأييد في قضيته، وكان تأييدا شاملا من كل المصريين بما فيهم الأغلبية العظمى من الأزهريين أنفسهم !
وفيما عدى ذلك، فإن الكتاب لم يتعرض لأذى، ولقد مضيت عشرون سنة على صدور كتابه ولم يعد هناك اليوم من يؤمن بان الخلافة تشريع ديني حتى بين هؤلاء الذين أدانوا علي الرازق فيما مضى، وهو اليوم عضو في مجلس الشيوخ وأخوه يشغل منصب شيخ جامعة الأزهر.
أما الحادثة الثانية فهي صدور كتابي «في الشعر الجاهلي» حيث أنكرت صحة جزء أنكرت صحة جزء كبير من هذا الشعر، وذلك لسبب بسيط وهو أن كل ما كان جاهليا قد وصل إلينا مشافهة .. وأيضا لأن الأبيات التي تنسب إلى شاعرا وآخر من شعراء الجاهلية، تنطبق ألفاظها تمام المطابقة على ألفاظ القرآن، هذه الألفاظ التي تحول شرحها والتدليل على أصالتها بالرجوع إلى نصوص القرآن ...
وإذن فقد توصلت إلى إنكار جزء واسع من هذا الشعر المنتحل ـ في اعتقادي ـ أثناء القرن الثاني لأسباب مختلفة. وبنفس المنهاج أخضعت للشك ـ دون أن أمس الدين ـ بعض المعتقدات التي ورد ذكرها القرآن وأحاديث الرسول.
وكان لهذا الآراء وقع عنيف فأصبح الاستنكار عاما، واحتج الأزهريون وأساتذة المدارس احتجاجا قويا، ووصل تأثير هذه الحملة إلى السلطات العامة، فوصلت القضية إلى البرلمان، وكان مقدموها يطالبون بعزل الكاتب بل بإلغاء كرسي الأدب العربي الذي كان يشغله في الجامعة المصرية ... غير أن وزير التعليم إذ ذاك علي الشامي باشا، نظر على القضية على أنها تخص حرية الفكر؟ كما أن رئيس المجلس عدلي يكن باشا طالب مجلس الوزراء بالثقة ... ولكي تتلاقى أزمة وزارية فقد أحيلت القضية إلى النيابة العامة التي أمرت بتقييدها بعد أن أجرت البحث وجمعت بين الكتاب ممثلي الأزهر وسجلت أقولهم وهاتان الحادثتان ـ إلى الأبد ـ انتصار حرية التفكير في العالم الإسلامي. ولم يكن هذا الانتصار انتصارا على الدولة فحسب وإنما كانت أهميته الكبرى في انتصاره على الرأي العام أيضا.
وفيما عدا ما تقدم لم يلتحق الكاتبين سوء، وكانت النتيجة أن أصبح كتاباهما كلاسيكيين، وأصبحت قداسة الخلافة وصحة الشعر الجاهلي ضمن الخرافات ... ويضاف إلى هذه النتائج أن اللغة العربية التي كانت من قبل بمنجى من كل نقد وينظر إليها على أنها شيء مقدس، وأصبح ينظر إليها ابتداء من هذا التاريخ على أنها لا تدخل في الدين ، وأصبحت رهن إشارة الذين يتكلمونها.
وتوالت ردود الفعل السياسية في العالم العربي، فلم يعد هناك خطر يتهدد حرية الشؤون الفكرية، وكمثل على ذلك أن الحكومة المصرية سنة 1933 في الفترة التي كان رد الفعل السياسي في أوجه، حاولت ـ بطلب من الأزهرـ أن تمنع نشر كتاب تاريخي قديم بحجة أن الإمام أبا حنيفة قد أسئ ذكره في هذا الكتاب ... ولكن محاولة الحكومة لن تتم ، وكان الرأي العام أقوى من الحكومة والأزهر مجتمعين !
وإلى هذا الحد كان الصراع محتدما بين الحركة التحريرية العصرية وبين الحركة التقليدية الدينية، وقد رأينا بأن الغلبة كانت للحركة الأولى. إلا أنه بعد أن حالف النصر الحركة التحريرية أخذت ملامح اتجاه جديد في الظهور، وكان هذا الاتجاه يظهر غريبا، ولكنه في حقيقة الأمر جد طبيعي.
ففي الواقع لم يكن هناك فصل بين التجديد والإسلام، وإنما الواقع لم يكن هناك فصل بين التجديد والإسلام، وإنما كانت المطلق السياسي الديني إن صح هذا التعبير.
فعندما اطمأن المجددون على حقهم في عرض أفكارهم بكل حرية، توقفوا فترة من الزمن ثم استأنفوا الطريق فاخذوا يعيدون التفكير في التاريخ الإسلامي القديم .. فعلوا ذلك رجالا أحرارا منعتقين من كل قيد. ومن هذا العمل نشأ فيما بين 1933 و1946 أدب مستقل مستوحى من الدين.
ويتحتم أن يعرف بأن كتابيين فرنسيين كأنا بمثابة الشرارتين اللتين أشعلتا موقدين مختلفين: أحد الكتابين لجيل لوميتر Jules Lemaitre  وعنوانه «على هامش الكتب القديمة» (2) والثاني «حياة محمد» لأميل درمنكيم Emile Dermenghem وقد قدم حسين هيكل عرضا للكتاب الأخير، دفعه فيما بعد إلى أن يدرس بنفسه حياة الرسول وينشر نتائج هذه الدراسة في كتابه: «حياة محمد» استعرض فيه بإسهاب حياة الرسول في مجلد ضخم يحوي كل التفاصيل مصوغة بعقل مجدد. وقد أراد حسبن هيكل أن يخضع تاريخ هذه الفترات البطولية إلى دقة المزاج العلمي، فناقش كل المسائل وحللها، غير أن النظرة الدينية التقليدية كانت تنتصر دائما .. ولعله نسى أن بعض الأحداث لا يمكن إخضاعها لدقة العلم وذلك مثل البرهنة على إسماعيل ـ وليس إسحاق ـ هو الذي تعرض لإخبار التضحية، وأيضا التدليل علميا على إمكانية سفر الرسول من مكة إلى بيت المقدس في ليلة واحدة ورجوعه ...إلخ، فكل هذا يتعلق بالإيمان ولا يخضع للعقل.
وقد طبق حسين هيكل في كتابه منهاج جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الذين كانا يريدان ـ بأية طريقة ـ ربط الإيمان الإسلامي بالعلم والحضارة. وهذا الكتاب لقي رواجا واسعا في كل العالم العربي سواء بين ذوي الثقافة العالية أو بين الجماهير العامة، الأمر الذي يدل على أن الشعوب الإسلامية كانت تطمح حقيقة إلى التجديد ولكن دون أن تقطع صلتها بالتراث القديم. وقد تشجع هيكل بما لقيه من نجاح، فواصل عمله ونشر تباعا: حياة الخليفة الأول أبو بكر في جزء واحد، وحياة الخليفة الثاني عمر في جزءين، وهو بصدد كتابه حياة الخليفة الثالث عثمان. وقد تجاوز طموحه الآن تاريخ الإسلام واتجه إلى تاريخ المسلمين متبعا دائما نفس المناهج التعليلي، لا قيا نفس النجاح ولكن مع بعض التحفظات ـ تقل وتكثر ـ من طرف العلماء والمؤرخين المحترفين.
وفي سنة 1940 نهج نهجه عباس محمود العقاد الذي ألف سلسلة دراسات تحت عنوان عبقريات ظهرت منها: عبقرية محمد، عبقرية أبي بكر، عبقرية عمر ، وعبقرية خالد بن الوليد، وعبقرية مؤذن الرسول بلال، وعبقرية علي. وهناك أيضا كتاب عن عائشة وعن الشهيد الأكبر الحسين بن علي ... والعقاد فيما كتبه لم يتبع هيكل ولم يقصد إلى التاريخ أو الأدب الخالص وإنما هو في الواقع يسجل خواطره التي كثيرا ما يغلب عليها الطابع الفلسفي على نحو ما فعله كارل يل.. ولم يكن نجاح العقاد بأقل من نجاح زميله.
أما فيما يتعلق بكتاب جيل لوميتر فإنني بعد أن شغفت به كثيرا وضعت على نفسي الأسئلة التالية: هل يمكن إعادة كتابة مآثر الفترة البطولية من تاريخ الإسلام في أسلوب جديد أن أنه يتعذر ذلك ؟؟ وهل تصلح اللغة العربية الحديثة لإحياء هذه المآثر ؟
لقد حاولت أن أقصي بعض الأساطير المتصلة بالفترة التي سبقت ظهور النبي، ثم فصصت مولده وطفولته ونشرت هذه السلسلة من القصص تحت عنوان مقتبس من جيل لوميتر وهو: على هامش السيرة. وهذا الكتاب من عمل المخلية، اعتمدت فيه على جوهر بعض الأساطير لم أعطيت لنفسي حرية كبيرة في أن أرشح الأحداث واختراع الإطار الذي يتحدث عن قرب إلى العقول الحديثة مع احتفاظه بالطابع القديم . وقد لقي الجزء الأول من هذا الكتاب ترحيبا حارا فأرفته بجزء ثان ثم بجزء ثالث.
وأنا لم أقصد فيما كتبت إلى سرد التاريخ أو التدليل على اقتراح ديني، وإنما صببت اهتمامي خاصة على إظهار الجوانب البطولية لهذه الفترة الخصبة، وبذلك خاطبت قلوب المسلمين المتعطشين إلى المثل العليا، المرتبطين ـ في نفس الوقت ـ بماضيهم المجيد.
وقد أدلى توفيق الحكيم يدلوه في هذا المضمار .. ولم يكن ما كتبه عمل خيال لأنه لم يخترع شيئا، ولا عمل تاريخ لأنه لم يدرس شيئا ، وإنما قام بسبك مراحل حياة الرسول في حوار متبعا طريقته المفضلة في التعبير ...
وكل هذا الأدب المستمد من مصدر ديني، يصادف تقديرا كبيرا من العالم العربي. وكل كتاب من هذه
الكتب أعيد طبعه عدة مرات، وأصبحت هذه المؤلفات تقرأ على انفراد، وتقرأ في حلقات جماعية وتذاع في الراديو... وصار الشباب يحاولون تقليدها.
وقد يظن البعض أن الخطوة التي لقيها هذا النوع من الأدب تدل على رجوع إلى القديم له صبغة رد فعل، ورجوع إلى الفكر المحافظ ... وهذا الظن لا أساس له من الصحة. فالعالم العربي المعاصر كان يجد نفسه في وضعية جد متناقضة بعد انتهاء القرن الماضي: كانت مقتضيات الحياة العصرية تدفعه إلى التعليق بالحضارة الغربية ومع ذلك فقد ظل شديد الارتباط بالقديم، شديد الافتتان بالمثل الدينية .
ولقد كان العالم العربي يتوزعه مطلقان(3): العقيدة التقليدية من جهة، والحضارة المتحررة من جهة أخرى.. فاستطاع  أن يتلخص ـ خلال السنوات الأولى من القرن العشرين ـ من أثر المطلق الأول، وتهيأ لتذوق تقاليد دخلها التجديد والتنقيح، كما تهيأ أيضا لأحياء ماضيه متطلعا نحو المستقبل في انطلاق.
وهذا الأدب الجديد كل الجدة، يمكن أن نقول عنه ت في تحليل أخير ـ إنه لا يعدو أن يكون نذرا وانتصارا للكفاح من أجل حرية الفكر، واستمرارا لماض فهم العرب كيف يحتفظون به لواجهة المستقبل في ثقة وأمل.
 

(1) عنوان الكتاب: الإسلام وأصول الحكم، بحث في أصول الخلافة والحكم في الإسلام. المترجم
(2) En marge de vieux livres 
(3) Deux absolus

 

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/306

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك