كرة القدم بين المصالح و المفاسد

كرة القدم بين المصالح و المفاسد
بقلم فضيلة الشيخ
مشهور بن حسن آل سلمان

مقدمة
إن الحمدَ للهِ، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيّئاتِ أَعمالِنا، من يهده اللهُ فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأَشهدُ أن لا إِله إِلّا الله، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولُه، أَمّا بعد:
فإنَّ لعبةَ ( كرة القدم ) تعتبرُ أوسعَ وأَفضلَ رياضةٍ شعبيّةٍ في العالم، وقد بدأَ انتشارُها بعد الحربِ العالميّة الثانية، ومنذُ ذلك الوقت أَصبحت هذه اللعبةُ ظاهرةً اجتماعيّةً، كما أَصبحَ أَبطالُها من أ َلمعِ (نجومِ ) !! المجتمع ، وأَكثرِهم شهرةً ودخلاً .
وتحظى لعبةُ (كرة القدم) في جميع البلاد العربيّة عند النَّاس ـ هذه الأَيام ـ بمزيدٍ من العناية الاهتمام بحيث لا تزاحمها القضايا المصيريّة !!
وأَصبحت هذه اللعبةُ ـ مع ما في الساحةِ العالميّة من أَحداث جسام ـ قصةَ خداعِ الجماهير خداعًا كاملاً على جميعِ المستويات، فنرى تفاعلَهم مع المبارياتِ على وجهٍ أَشدَّ وأَكثر من تفاعِلهم مع مصير بعضِ الشعوبِ الإسلاميّةِ في سائرِ القارات، ويزيدُ هذا التفاعلَ عنايةُ الجرائدِ والمجلّات، وبثُّ المباريات على ( الشاشات )، ونشرُ ما يخصُّ (الأَندية) و (الأَبطال ) !! من أَخبار وحكايات ! وكانَ ذلك كلُّه سببًا في جذبِ النَّاسِ إِلى ( الرياضة ) و (الرياضيين).
وساعدَ على ذلك ( فراغُهم ) و (سذاجتُهم ) و (نسيانُهم ) الغايةَ التي خُلقوا من أَجلِها، والهدفَ الّذي ينبغي أَن يعملوا لتحقيقه.
وليس همّي من هذه الرسالةِ هدمَ ( الرياضة ) ، وذمَّ ( الرياضيين ) ، وإنّما مرادي تنبيهُ إِخواني المُسلمينَ إِلى الأَضرارِ الّتي اعترت هذه اللعبةَ ، وارتبطت بها على وجهٍ يكادُ يبين .
وأَصبحت هذه اللعبةُ لا تمارس ـ فعليٌّا ـ إِلّا عندَ القليلين، ولكن الكثيرين يتابعونها على وجهٍ مشين، نفصحُ عنه في رسالتِنا هذه إَن شاءَ اللهُ ربُّ العالمين ، وصلّى اللهُ وسلّم على نبيّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجمعين ، وآخرُ دعوانا أَنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
و كتب
مشهور بن حسن آل سلمان

لمحة عن ماهية كرة القدم وأنواعها
كرةُ القدمِ هي :لعبةٌ تتمُّ بين فريقين ، يتألفُ كلٌّ منهما من أَحدَ عشرَ لاعبًا ، يستعملونَ كرةً منفوخةً فوق أرضِ ملعبِ مستطيلة ، في نهايةِ كلِّ طرف من طرفيها مرمى هدف ، يحاولُ كلُّ فريقٍ إدخالَ الكرةِ فيه عبرَ حارس للمرمى للحصولِ على نقطةٍ ( هدف ) ، وللتفوقِ على منافسِه في إِجرازِ النقاط .
ويتمُّ تحريكُ الكرةِ بالأَقدامِ، وخلال اللعبِ لا يسمحُ إِلّا لحارسِ المرمى بإمساكِ الكرة بيديه داخل منطقة الجزاء.
أَمّا اللاعبونَ فلا يسمحُ لهم بذلك، ولا بإمساكِ أَو محاولةِ عرقلةِ أَي لاعبٍ منافسٍ عن طريقِ جعلِه يتعثر برجليه ، ولكن يمكن لكلِّ لاعبٍ أَن يدفعَ خصمَه بكتفه ، وباعتراضِ التمريراتِ وبمحاولةِ قذفِ الكرةِ بعيداً عن منافسِه .
أمّا فيما يتعلقُ بخرقِ القوانين الموضوعة للعبة، كإمساكِ الكرةِ باليدِ مثلاً، أَو عند محاولةِ تعثرِ أَو ركلِ المنافسِ؛ فإنَّ الفريقَ المخالفَ ترسمُ عليه ضربة حرّة أَو ضربة خلفيّة من كرةٍ تثبت عند نقطِة حدوثِ المخالفةِ.
أَمّا بالنسبِةِ للأَخطاءِ الّتي تتمُّ ضمنَ منطقِة الجزاءِ من قبلِ الفريقِ المدافعِ، فإَنَّ للفريق الآخرِ أَن يقومَ بضربة حرّة مباشرة نحو الهدف.
وتبدأُ اللعبةُ بقذفِ الكرةِ من منتصفِ الملعبِ، ولا يَقفُ اللعبُ إلاّ عند حيازةِ هدف، أَو خروج الكرة إِلى ما وراء خطِّ التماسِ أوخطّ المرمى، أَو عندما يوقفُ الحكمُ المباراةَ لخرقٍ حَدَثَ لإصابةِ لاعبٍ ، أمّا الكرةُ التي تمرُّ فوق خط المرمى ولا تدخل ضمن المرمى بواسطةِ الفريق المهاجم فتعاد إِلى الملعبِ بضربٍة من قبل حارس المرمى .
أَ ما إِذا خرجت الكرةُ إِلى خارجِ خط المرمى من قبلِ أحدِ أَعضاءِ الفريق المدافعِ من جهةِ مرماه، فتعادُ إِلى الملعبِ بضربةٍ ركنيّةٍ يجريها الفريقُ الآخر.
توقيتُ المباريات عادة ( 90 ) دقيقة موزَّعة على شوطين بالتساوي، في حين تتمُّ اللعبةُ في المدارسِ والمعاهدِ بأَقلَّ من هذا الوقت

ألعاب كرة القدم المختلفة
بالإضافةِ إلى لعبةِ كرةِ القدمِ المعروفة،والتي نحن بصددِ بيانِ أَضرارِها،هناك أَلعابٌ إقليميّه تستعملُ فيها الكرةُ المنفوخةُ،وتحملُ اسمَ ((كرة القدمِ ))،وتمارسُ في الولاياتِ المتحدة الأَمريكيّة،وكندا ،واستراليا ،وإِيرلندا ،وهي:
1ـ كرة القدم الأَمير كيّة :
لعبةٌ عنيفةٌ جدًّا ،ظهرت في هافارد سنه 1872،وهي مشتقة من لعبة الركبي التقليديّة ،وتُسمى (فوتبول )،بينما تسمى كرة القدم المعروفة بـ (سوكر). يتألفُ الفريقُ من أَحدَ عشرَ لاعباً يضعونَ الخوذَ الواقيةَ على رؤوسِهم ويرتدون ملابسَ خاصةً.
2ـكرةُ القدم الأُستراليّة :
اعتبرت هذه اللعبةُ قانونيه سنه1868م، الملعبُ بيضويّ الشكل ،الكرةُ شبيهة بكرةِ الركبي،يتألفُ الفريقُ من 18 لاعباً واحتياطيين ، يحتلُّ 15 لاعباً في الملعبِ أَماكنَ محددة ؛ كلُّ واحدٍ قبالةَ خصمٍ له، أمّا الثلاثةُ الآخرونَ فيمثلون العناصرَ المتحركة،وعندما تدخلُ الكرةُ مركزَ الهدفِ ،تسجلُ نقطة ، وإذا تمكنَ الفريقُ المهاجمُ من إدخالِ الكرةِ بين العارضتين العموديتين بدون عارضةٍ مستقيمةٍ يسجلُ هدف (6 نقاط ).
3ـ كرة القدم الكندية:
تشبهُ بشكلٍ عام كرة القدم الأميركية، ولها الاصطلاحاتُ نفسها ، مع وجود اختلاف بسيط في بعض قواعدها ، ويلعبُ في كلِّ فريقٍ 12 لاعباً عوضاً عن 11 لاعباً (1) .

لمحة عن تاريخ كرة القدم

يقالُ إنَّ منشأَ هذه اللعبِةِ هو بلادُ الصين ، إِذ أنَّ ثمة رياضةً تشبهُ كرةَ القدمِ تحملُ اسمَ : ( تسو ـ تشو ) في القرنين الرا بعِ والثالثِ قبل الميلاد ، وفي إِيطاليا كانوا يلعبونَ كرةَ القدمِ تحت اسمِ ( كالسيو ) سنة 1410م ، وكانت أُولى الإشارات الواضحة لممارسةِ هذه اللعبةِ في إِنكلترا على إِثرِ موتِ حارسِ مرمًى مفاجئ بتاريخ 23 شباط 1585م .
وفي عام 1863م تأسست في بريطانيا (( جمعيّة كرة القدم البريطا نيّة )) وقد طوّرَ الإنكليزُ هذه اللعبةَ ، وانتقلت خلالَ قرنٍ من قارةٍ إلى قارّة أَُخرى ، ومع ذلك فقد ظلَّ الإنكليزُ زهاءَ 70 عامًا حتّى سنة 1930م سادةَ هذه اللعبةِ ، يتغلبونَ على الفرقِ الأَقلّ خبرةً منهم ، وبعد ذلك بدأت فرقُ أَميركا اللاتينيّة تظهرُ تفوقَها على الفرق البريطا نيّة وغيرها .
واليوم هناكَ أكثرُ من 130 دولة أَعضاء في الاتحادِ العالمي لفرق كرةِ القدم ، وتجري في معظمِ المدنِ الأُوروبيّة مراهناتٌ أُسبوعيّة لنتائجِ مبارياتِ فرقِ كرةِ القدمِ باسم (تو تو ) ، تذهبُ إِيراداتها الضخمةُ لصالحِ المتراهنين الفائزين والمؤسساتِ الرياضيّة ( 2) .
وتأسسَ الاتحادُ العالمي لكرةِ القدمِ في باريس 21 أَيَّار 1904م ، وبرعايته وإِشرافِه أُنشئت في 13تمّوز 1930م مبارياتُ كأسِ العالمِ لكرةِ القدمِ ، وذلك في ( مونتفيديو ) بالأورغواي ، وهنالك بطولاتٌ أُخرى تقامُ مثل بطولةِ ( الكأس الأوروبيّة ) الّتي تضاهي بطولةَ (كأس العالمِ ) ، وأُنشئت هذه البطولةُ سنة 1958م ، وتجري هاتان البطولتان كل أَربعِ سنواتٍ مرّةً .

مشروعيّة ممارسة ( كرة القدم ) وفوائدها

ممارسةٌ ( كرةِ القدم ) من الأُمورِ المشروعةِ ، إِذ لا نعرفُ دليلاً يحرِّمها، والأَصلُ في الأشياء الإباحة ُ، بل لا يبعدُ أن تكونَ من المستحبّاتِ ،إذا مارسها المسلمُ ليتقوَّى بدنُه ، ويتخذَها وسيلةً لتكسبَه قوةً ونشاطًا وحيويةً ، وقد رغّبَ الشرعُ في تعاطيِ الأَسباب المقوّيِة للبدنِ ، لأَجلِ الجهادِ ، وقد ثبتَ عن رسولِ  قولُه :(( المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأَحبُّ إِلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ ، وفي كلِّ خيرٌ )) ( 3 ) .
قال شيخُ الإِسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى : (( ... ولعبُ الكرةِ إِذا كانَ قصدُ صاحبِة المنفعةَ للخيلِ والرجالِ ؛ بحيثُ يستعانُ بها على الكرِّ والفرِّ ، والدخولِ والخروجِ ونحوهِ في الجهادِ ، وغرضُه الاستعانةُ على الجهادِ الّذي أَمر الله به ورسولُه  ـ فهو حسن ، وإنْْْْْْْْ كانَ في ذلك مضرةٌ بالخيلِ و الرّجالِ ، فإنّه ينهى عنه )) ( 4 ) .
قلت : ولم تحصر الوسائلُ في الشّرع الّتي تعينُ على تقويِة البدنِ ، لكن هذا الحل مشروطٌ بعدمِ التّعدي على الأَحكامِ الشرعيّة ، وكذا بعدمِ الوقوعِ في المضارِّ الّتي سيأتي ذكرُها ، فإن اقترنت معها المحذوراتُ والمفاسدُ والأَضرارُ فيكونُ حكمُها حكمَ هذه القرائنِ ، فقد يصلُ حكمُها إِلى درجةِ التحريمِ في حقِّ بعضِ ( المهووسين ) و ( المتعصبين ) .
ونوجّهُ إِلى هؤلاءِ ( المتعصبين ) و ( المهووسين ) الرِّسالة التالية :
كرةُ القدمِ عند بعضِ الناسِ، وما أَدراك ما كرةُ القدم ؟ إِنّها الهوسُ المتسلّطُ على عقولِ الأَجيالِ في العصرِ الحديثِ.
من أَجلها تقامُ المعاركُ، وتنشبُ الحروبُ، وتموتُ الضحايا، ولجلالِها تُطَلَّقُ الزوجاتُ، وتُقَطَّعُ أَواصرُ القُرباتِ، ويطعنُ الأَخُ بالسكينِ أَخاه .. ولا حولَ ولا قوّةَ إِلاّ باللهِ.. !!
ويومَ أَنْ تقامَ مباراةٌ بين فريقين لامعين، فكأنَّ الحربَ الضروسَ قد أُعلنت، ورفعت لها الراياتُ، وانبرت لها الإذاعاتُ، وهُيّئت لها الشاشاتُ،وأَعدَّ المشجعونَ لها الأحجارَ، والسكاكين، والطبولَ، والمزاميرَ، والأَناشيدَ الجماعيّةَّ،والهتافاتِ القويّة !
وما أَن تنجليَ المعركةُ الحاميةُ عن هزيمةِ أَحدِ الفريقين، حتّى ينتقلَ ميدانُ المعركةِ من ساحةِ الملعبِ، ليكونَ ميدانُها في البيوتِ، والمدارسِ، والدواوين، ومكاتبِ الموظفين، والمقاهي، وفي المجتمعِ الصغير، والمجتمعِ الكبير، وتسفرُ المعركةُ أخيرًا عن سقوطِ ضحايا من الجانبين.وما أَن تهدأَ حدتُها، وتنجلي غمرتها، حتّى تبدأ َمعركةٌ أُخرى بمباراةٍ ثانية..وهلمّ جرّا.
وإِذا رفعت صوت المنطق لتناقشَ أَحدَ هؤلاءِ المصابين بالهوسِ الكروي، قال لك بملءِ شدقيه: (( إِنّني رياضي )) !!
هذه قصتُنا مع كرةِ القدمِ ــ اللعبة المفترى عليها ــ وهذا وجهُ اللعبةِ المزيفُ كما يراهُ شبابُنا. وأَمّا الوجهُ الحقيقي لهذه اللعبةِ، فإِنّنا ــ إذا فهمنا مقاصدَ الإِسلامِ ومنهجَه في بناءِ المجتمعاتِ ــ نجدُ كرةَ القدمِ من الأَلعابِ الّتي يزكيها الإِسلامُ وتزكيها تعاليمُه؛ فهي مدرسة تعلّمُ دروسًا في التجميعِ لا في التشتيتِ، وفي الوحدةِ لا في التفرّقِ، وفي الودِّ لا في التباغضِ والعداوةِ.
اللعبةُ الّتي تؤكدُ أَنَّ الأَهدافَ لايمكنُ أَن تحققَ إِلاّ بالروحِ الجماعيّةِ، وأنَّ الفردَ بنفسِه كثيرٌ بإِخوانِه.
وإِنّي أَسألُ هذا الذي يرفعُ رايةَ التعصبِ الأَعمى، ولا يفهمُ من الرياضةِ إِلاّ اسمها، أّسألُه هذا السؤالَ: هل يستطيعُ اللاعبُ الأَنانيّ أَن يحققَ هدفاً وحده مهما كانت كفاءته ؟ كلاّ؛ لأَنَّ الكرةَ ستتعثرُ على قدمِه، وسيستولي عليها الفريقُ الآخرُ. والفريقُ الّذي يحققُ الأَهدافَ النظيفةَ هو الفريقُ الّذي يلتزمُ بروحِ الجماعة. هل وعينا الدرسَ من مدرسةِ الكرةِ الّتي نتعصبُ لها ؟ هل يعلمُ الحكّامُ والمشجِّعون المسلمونُ أنَّ روحَ التفرقةِ، والأَثَرةِ، والاستبدادِ بالرأي، تقودُ في النهايةِ إِلى الهزيمةِ المنكرةِ على مسرحِ البطولةِ في كلِّ الميادين ؟
للأَسفِ، نحنُ لم نعِ الدرسَ، قلبنا الغايةَ إِلى وسيلةٍ، والوسيلةَ إِلى غايةٍ، وآمنّا بالشكلِ وكفرنا بالمضمونِ، واعتنينا بالمظهرِ وأَلقينا الجوهرَ وراءَ ظهورِنا.
ما معنى أَن أَعبدَ نادياً وأَتعصبَ له ؟
معنى ذلك أنّني ضحلُ التفكير، ضيقُ الأُفقِ، أَنانيّ الطبعِ، مستبدٌّ برأيي، لا أَفهمُ شيئاً عن الروحِ الرياضيّةِ، ولا أَجدُ من أَنواعِ الرياضةِ إِلاّ التصفيقَ الأَرعنَ، والهتافَ المحمومَ.
إِنّنا لا نحجرُ عليكَ في أن تنتميَ إِلى نادٍ وتشجعه. نحن معك ولكن هنالك فرقٌ كبيرٌ بين التشجيعِ والتعصبِ، ولغةِ الحجارةِ والطوبِ، ولغة الروحِ الرياضيّة الّتي تعلمُنا أنَّ نبتسمَ عند الهزيمة ونتواضعَ عند النصر ،وتعلمُنا أنَّ الأَيامَ دولٌ .
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويومٌ نساءُ ويومٌ نسرُّ
إنَّ رسولَِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ الله  يضعُ لنا المثلَ الأََعلى في الروحِ الرياضية، فليتنا نعي الدروسَ والعبر !!
عن أَنسِ بن مالكِ ـ  ـ قالَ: كانت العَضباءُ ( ناقةُ النبيّ  ) لا تُسْبَقُ، فجاء أَعرابيٌّ على قَعودِ لَهُ فَسَابَقَها فَسَبَقها، وكأنَّ ذلكَ شقَّ على أَصحابِ النبيّ.
ولكنَّ المربّي العظيم رسول الله  ينتهزُ الفرصةَ، ليعلمَهم الروحَ الرياضيةَ، ويعطيَهم درسًا في أنَّ الجلوسَ على القمةِ في الدنيا لا يدومُ لأَحدِ، فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ:((إِنَّ حقَّا على اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ أَلاّ يرفعَ شيئاً من الدُنْيا إلاّ وَضَعَهُ)).
هل عقلتم يا رياضيون ؟
أَسألُ الله لي وللمتعصبين العفوَ والعافيةَ، والشفاءَ من كلِّ داء ( 6 ) .

أضرار كرة القدم
المتأمّلُ في مبارياتِ (كرةِ القدمِ) في أَنحاءِ العالمِ، يجدُ فيها مجموعةً من السلبياتِ والظواهرِ السيئةِ، يمكن إجمالُها بالآتي ( 7 ) :
أَولاً: إنَّ كرةَ القدمِ أَصبحت وسيلةً لتفريِق الأُمّةِ، وإِشاعةِ العداوةِ والبغضاءِ بين أَفرادِها؛ حيثُ أَوجدت التعصبَ المقيتَ للفرقِ الرياضيّةِ المختلفةِ، فهذا يشجعُ فريقاً، وذاكَ يشجَّع فريقًا آخرَ، بل إنَّ أَهلَ البيتِ الواحد ينقسمونَ على أنفسِهم، هذا يتبعُ فريقًا، وذاكَ يتبعُ فريقًا آخرَ، ولم يقف الأَمرُ عند حدِّ التشجيعِ، بل تعداهُ إِلى سخريةِ أَتباعِ الفريقِ المنتصرِ من أَتباعِ المنهزمين، وفي نهايةِ المطافِ يكونُ هناكَ الشجارُ والعراكُ الّذي يدور بين مشجعي الفريقين، وسقوطُ الجرحى والقتلى بالمئاتِ، من ضحايا كرة القدم !!
وقد اضطرَّ منظمو المباراةِ النهائيّةِ لكأسِ العالمِ بين (البرازيل ) و (الأورغواي ) الّتي أُقيمت في 16 تموز 1950م على ملعب (ماراكانا ) البلديِّ في مدينةِ (رويودي جانيرو ) في (البرازيل ) ـ إِلى صنعِ حفرةٍ عرضها (13) متراً، وعمقها أكثر من متر ونصف، لتصون اللاعبين من الجمهور، وبالعكس (8).
ثانياً: الأصلُ في حَضِّ الإسلامِ على الرياضةِ، هو أن يباشرَها المسلمُ بنفسِه أو مع غيرِه، لتحصلَ له القوّةُ المطلوبةُ، أمّا كرةُ القدمِ الآنَ فإنَّ أَهمَّ عنصرٍ مقصودٍ فيها هم المشاهدون المشجعونَ، الّذين يصلُ عددُهم إلى مئاتِ الألوفِ وأَكثر، ولايستفيدونَ من كرةِ القدمِ شيئاً ، فكانَ أَكبر عددٍ من المشاهدين لتتبع مباراةِ رياضيّة واحدةٍ ـ باستثناء مبارياتِ الألعاب الأولمبيّة ـ حوالي (1500) مليون مشاهد حضروا المباراة النهائية لكأس العالمِ في كرة ِالقدم ِسنة (1982) (9) .
وفي سنةِ (1950) م، وخلال مباريات كأس العالمِ، وفي المباراة الّتي جرت بين البرازيل والأورغواي في ملعبِ ( ماراكانا ) في البرازيل حضرَ هذه المباراة ( 205000 ) متفرّج، بينهم (199854 ) ببطاقات مدفوعة ( 10 ) .
فقل لي بربّك، ماذا استفادت هذه الأَعدادُ من حضورِ المباريات؟! وكم خسرت مجتمعاتُهم من هدرٍ للأَوقاتِ والطاقاتِ ؟! فضلاً عن الشرورِ الّتي تصيبُ بعضَهم ، وقد تصلُ إِلى المماتِ ، إِثْرَ نوباتِ القلبِ أَو الانتحاراتِ ! .
أمّا ما يعتادُه كثيرٌ من المشاهدين من بذاءةِ الأَلسنِ ووقاحةِ العباراتِ، والتخاطبِ بالفحشِ، ورديءِ الكلامِ، وقذفٍ ولعنٍ لبعضِهم وللحكَّام، فهذا ممّا يُعَدَّ من الحرام.
والشواهدُ على ما ذكرتُ من المباريات الشهيرة لا تعدُّ ولا تحصى. وهذا ليسَ أَمرًا خاصَّا بالمشاهدين، وإِنَّما قد يتعدّاهُ إِلى اللاعبيِن، فمثلاً: في مباراةِ الكأسِ ما بين فريقين من فرق الأَندية التي تلعب في (انجلترا ) والّت جرت في 3 تشرين أَوَّل 1969م سجلَ حَكمُ المباراةِ جزاءً على (22) لاعبًا، بما فيهم ذلك الذي انتهى به المطافُ إِلى المستشفى.
وفي 23 كانون اَوَّل1973 م، وفي مباراةِ قمَّة الكأسِ بين فريقين من الفرق الاِنجليزيَّة، أَخرج الحَكمُ فريقا َبكامله من الملعب بالإضافة إلى بعض المسؤولين عن حلبه اللعب.وحصلَ جميعُ أَفرادِ فريقٍ في ( بريطانيا ) الأحدَ عشرَ لاعباً مع لاعبي الاحتياطِ على إنذارات في 2 شباط 1975م قبل بداية المباراة، إِذ أنَّ الحَكم َلم يرتح لما كانَ يهتف به المشجعون من عباراتٍ وأَناشيدَ ( 11 ) .
ثالثاً: إنَّ في اللعبِ بالكرةِ ضررًا على الاعبين في بعضِ الأََحايين، فربّما سقطَ أحدُهم فتخلّعت أَعضاوهُ،وربما انكسرت رجلُ أحدِهم،أو يدُه،أو بعضُ أضلاعِه،وربّما حصلَ فيه شجاجٌ في وجهه ، أو رأسِه ، وربّما سقطَ أَحدُهم فغشي عليه ساعة أَو أَكثر أَو أَقل ، بل ربّما آلَ الأَمرُ ببعضِهم إِلى الهلاكِ كما قد ذكرَ لنا عن غيرِ واحدٍ من اللاعبين بها ، وما كان هذا شأنه ، فاللعبُ به لا يجوزُ . وربّما تعاطى بعضُهم ( المخدرات ) أو ( المنشطاتِ ) ليحسِّنَ أَداءَ لعبِه، فهذا قد شاعَ وذاعَ عن بعضِ الكفارِ في الآونةِ الأخيرةِ، ممن هو علمٌ من أَعلامِ هذه اللعبةِ، وكادَ بعضُ المهووسين أن ( يتيم ) به، ولا حولَ ولا قوّة إِلا بالله.
رابعًا: إنَّ في لعبِ (كرةِ القدم ) صدًّا للمتفرّجين، الذين تصلُ أَعدادُهم إِلى مئاتِ الأُلوفِ، عن ذكرِ الله، وعن الصلاةِ، وهذا أَمرٌ معروفٌ عندَ النَّاسِ عامّتهم وخاصّتِهم. وتعاطي ما يصدُّ عن ذكرِ الله، وعن الصلاّةِ حرامٌ. فكم سمعنا عن أُناسٍ مّمن يتابعونَ مبارياتِ كأسِ العالمِ ، أَنَّهم يستيقظونَ في النصفِ الأَخيرِ من الليلِ ؛ ليشاهدوا المباريات على شاشة (التلفاز ) ،وتفوتهم صلاةُ الفجرِ ؟! وكم من المصلين فاتتهم الصلاةُ في الجماعاتِ، بسببِ جلوسِهم أَمامَ ( الشاشات) ؟! والأَدهى من ذلك كلِّه ما يقعُ فيه أولئكَ النَّفرُ ممن يسافرونَ من قطرٍ إِلى قطرٍ، أو ينتقلونَ من مدينةٍ إِلى أُخرى، لحضورِ ( مباراة )، وقد تكونُ في وقتِ ( صلاةِ الجمعة )، وكنتُ قد نبّهتُ على جرمِ هؤلاءِ في كتابي: (( القول المبين في أَخطاءِ المصلين )) ( 12 ) .
تحت عنوان: (( تخلّف آلافٍ من مشاهدي كرةِ القدمِ عن صلاةِ الجمعة )) فقلتُ ما نصّه: (( جمهورُ الكرةِ الذين يصل عددُهم إِلى مئاتِ الأُلوفِ، يجتمعونَ في وقتِ صلاةِ الجمعةِ في المدرجاتِ، ويناديهم منادي السّماءِ، ولكن ! أنّى لهم أَن يستجيبوا له،
وقد تعطلت عقولُهم، وماتت أَحاسيسُهم، مقابل ماذا ؟! مقابل التعصبِ المقيتِ للفرقِ الرياضيِة المختلفةِ )) ثمَّ أَسهبتُ في الكلامِ على محاذيرِ (كرة القدم )، ثمَّ أَوردتُ أَحاديثَ في الترهيبِ من ترك صلاةِ الجمعةِ، مثل:
ـ عن أبن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (( من تركَ الجمعةَ ثلاثَ جمعٍ متوالياتٍ، فقد نبذَ الإِسلام وراءَ ظهره )) ( 13 ) .
ـ وعن أَبي الجعد الضَّمْري _ وكانت له صحبة رضي الله عنه _ عن النبيِّ  قال: ((من تركَ ثلاثَ جمعٍ تهاوناً بها طبع َ اللهُ على قلبِه )) (14) .
ومعنى ( تهاو نًابها ) أَي: لقلّةِ الاهتمامِ بأَمرِها، لأنَّ الاستخفافَ بفرائضِ اللهِ تعالى كفرً، ونُصِبَ على أنّه مفعولً لأَجلِه أو حاٌل، أَي: متهاوناً.
فلعلَّ تاركي صلاةِ الجمعةِ _ من هؤلاءِ وغيرهم _ ينتبهونَ، ويفيقونَ من غَيِّهم الّذي هم فيه سادرون، وإِلاّ، فمصيرُهم الطبعُ على قلوبِهم، فلا تغشاها الأَلطافُ، ولا رحمةُ اللهِ تعالى، بل تبقى دنسةً وسخةً، مستعملةً في الآثام والقبائحِ
_ والعياذُ باللهِ _ إِذ الطبعُ: الختمُ، فتكون قلوبُهم ذات جفاءٍ، لا يَصلُ إِليها شيءٌ من الخير.
وظاهرُ الحديث والأَثرِ السابقين: أنَّ من تَرَكَ ثلاثَ جمعِ تهاونًا _ أَي بلا عذر _ يطبعُ على قلبِه ، ويكونُ من الغافلين والمنافقين ،ولو كانَ التركُ متفرقاً ، وبه قال بعضُهم ، حتّى لو تركَ كلَّ سنةٍ جمعةٍ ، لطبعَ على قلبِه بعد الثالثة .
ويحتملُ أن يكونَ المرادُ ثلاثَ جمعٍ متواليات. ويؤيدُه أَثرُ ابنِ عباسٍ السابق.
واعتبارُ الثّلاث إِمهالٌ من اللهِ _ تعالى _ للعبدِ، ورحمةٌ به، لعلّه يتوبُ من ذنبِه، ويثوبُ إِلى رشدِه، ويؤدّي الجمعةَ، ولا يتركها بلا عذرٍ.
وأَفادَ الحديثُ: أنَّ مَن وَجَبَت عليه الجمعةُ، وتركَها لغيرٍٍٍٍ عُذرٍٍ، فهو آثمٌ إِثمًا كبيرًا، يستحقٌّ مرتكبُه العذابَ الأَليمَ.
وذهبُ بعضُ أَهلِ العلمِ _ مالكٌ وأَحمدُ والشافعيُّ في الجديدِ _ أنَّ مَنْ لَزمتهم الجمعةُ، ولا عذرَ لهم في التخلّفِ عنها _ كمشاهدي (( الكرةِ )) ولاعبيها وقتَ الجمعةِ هذه الأَيامِ _ فلا تصحُّ لهم صلاةُ الظهرِ قبلَ صلاةِ الإِمامِ، ويلزمُهم السعيِ إِن ظنّوا أنهم يدركونها، لأنّها المفروضةُ عليهم، فإِن أَدركوها مع الإِمامِ صلّوها ، وإِن فاتتهم فعليهم الظهرُ ،وإِنْ ظنّوا أنّهم لا يدركونها ، انتظروا حتّى يتيقنوا أنَّ الإِمامَ قد صلّى ثمَّ يصلّونَ الظهرَ (15) .
ودليلُ ذلك ما قالَه عبد اللهِ بن مسعودٍ: (( من فاتته الركعتانِ ، فليصلِّ أَربعًا )) (16) .
ويطلبُ ممن وجبت عليه الجمعةُ _ وتركها لغيرِ عذر _ أن يصلى الظهر، ويتصدّقَ بدينارٍ، فإِن لم يجد فبنصفِ دينارٍ.
عن سمرةَ بن جندبٍ أن النبيَّ  قال: (( مَن تَركَ الجمعةَ متعمداً، فلتصدّق بدينارٍ، فإن لم يجد فبنصفِ دينارٍ )).
قالَ بعضُهم: الأمرُ هنا للاستحبابِ، لأَنَّ الجمعةَ لها بدلٌ، وهو الظهرُ.
والظاهرُ أنَّ الأمرَ هنا للوجوبِ، كما هو الأَصلُ فيه، وكونُ الجمعةِ لها بدلٌ، لايدلُّ على صرفِه عن الوجوبِ، لاحتمال
أَن يكونَ وجوبُ الكفارةِ ـ مع صلاةِ الظهر ـ عقاباً له عن تخلّفِه عن الجمعةِ بلا عذر.
وما أَجدر هؤلاءِ المضيعين لهذه الشعيرةِ من شعائرِ اللهِ بالضربِ و الزجر، ورحمَ الله ابن الأخوةِ فإنّه قال في حقِّ تاركِ صلاةِ الجمعة: (( فمن شُغلَ عنها بتثميرِ مكسبهِ، أَو لها عنها بالإقبالِ على لهوِه ولعبهِ، فحدّه بالآلةِالعُمريّةِ، الّتي تضع ُمن قدرِه وتذيقُه وَبالَ أَمرِه، ولا يمنعك من ذي شيبةٍ شيبتُه، ولا من ذي هيئةٍ هيئتُه، فإنّما هلكَ الّذين قبلكم أنّهم كانوا إِذا سَرَقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإِذا سرقَ فيهم الضعيفُ أَقاموا عليه الحدّ )) (17).
خامسًا: إنَّ مسابقاتِ كرةِ القدمِ أَصبحت معاولَ هدّامة، استخدمها أَعداءُ الأمّةِ الإِسلاميّة ، وشجعوا عليها للقضاءِ على معاني العِزَّةِ والكرامةِ في الأُمّةِ ،
حيث بددت الأُمّةُ _ لأَجلِ الرياضياتِ المختلفةِ ومنها كرةُ القدمِ_ أَموالاً طائلةٌ، وأَضاعت أَوقاتًا طويلةً (18)، لو استغلتها الأُمّةُ في الأَعمالِ لنافعة ، والصناعاتِ المفيدةِ ، لأَصبحت الأُمّةُ في مقامِ الدولِ المتقدمةِ في المجالاتِ المختلفةِ .
بالإضافةِ إِلى أنّها شغلت الأُمةَ الإِسلاميّةَ عن التفكيرِ في جهادِ أَعدائها، وقضاياها المصيريّة الكبرى. وممّا يؤكّدُ ذلك ما جاءَ في البروتو كول الثالثَ عَشَر من (( بروتو كلاتِ حكماءِ صهيون )): (( ولكي تبقى الجماهيرُ في ضلالٍ، لا تدري ما وراءها، وما أَمامها، ولا ما يُرادُ بها، فإِنّنا سنعملُ على زيادةِ صرفِ أَذهانِها، بإِنشاءِ وسائلِ المباهجِ والمسلياتِ والأَلعابِ الفكهة، وضروبِ أَشكالِ الرياضة، واللهو، وما به الغذاءُ لملذّاتِها وشهواتِها، والإِكثارِ من القصورِ المزوّقِة، والمباني المزركشةِ، ثمَّّ نجعلُ الصحفَ تدعو إِلى مبارياتٍ فنيّة ورياضيّة (19 ) .
والناظرُ فيما تنشرُ المجلاّتُ والجرائدُ يجدُ أَرقامًا مذهلةً، من أُجورٍ تدفعُ لقاء انتقالِ لاعبٍ من فريقٍ إلى آخرَ، قد تصلُ إِلى عشراتِ الملايين، فضلاً عن الأًموالِ الّتي تنفقُ على المدربين، وعلى الملاعبِ والدعاية، وكذا ما ينفقه كثير من المتفرّجين.
سادسًا: في لعبِ (كرة القدم ) كشفٌ للعوراتِ، إَذ فيها كشفُ الأَفخاذ، ونظر الناس إَِليها، ونظر بعضهم فخذَ بعضٍ، وهذا لا يجوزُ، لأنَّ الفخذَ من العورةِ، وستر العورةِ واجبٌ، إلاّ من الزوجات والإِماءِ، لقول النبيِّ  :
(( احفظ عورتَك، إِلاّ من زوجتِك، أو ما ملكت يمينُك )) (20) . والأَدلةُ على أنَّ الفخذَ من العورةِ كثيرة، منها: * ما أَخرجه مالك وأَحمدُ وأَبو داود والترمذي وابن حبان والحاكمُ عن جرهد الأَسلميّ ـ رضي الله عنه ـ أنَّ النبيَّ  مَرَّ به وهو كاشفٌ عن فخذِه، فقال النبيُّ  :
(( غطِّ فَخذَك؛ فإنَّها من العورةِ )) (21)
• وما أَخرجه أَبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : (( لا تكشف فخذَك ، ولا تنظر إلى فخذِ حَيًّ ولا ميتٍ )) (22) .
إِذا عُلم هذا ، فالنظرُ إِلى عورةِ الآخرين حرامٌ ، وهذا هو السائدُ في مبارياتِ هذه الأيامِ ، إِذ لا توجدُ مباراةٌ إِلاّ وتظهرُ فيها الفخذُ ، ولا تحدّث عن العوراتِ في ( الرياضات النسائيّة )!! ومنها ( كرة القدم )، وقد تظهرُ ( الحسناواتُ ) على ( شاشات التلفاز ) كدعايةٍ للجهةِ الّتي تغطي نفقاتِ ( البثّ ) أو غيرها، ولا حول ولا قوّةَ إِلاّ بالله .
سابعاً: ثمَّ إنَّ مسابقاتِ كرةِ القدمِ، أصبحت وسيلةً لقلبِ الموازين؛ حيثُ أصبحَ البطلُ في هذا الزمانِ لاعبَ الكرةِ، لا المجاهد المدافع عن كرامةِ الأُمةِ وعزّتها، بالإضافةِ إِلى بذلِ الأموالِ الضخمةِ للاعبين ، والإسلامُ لا يقرُّ قلبَ الموازينِ، بل يعرفُ لكلِّ إنسانٍ قيمتَه ، بلاإفراطٍ ولا تفريطٍ .
ومن العجبِ أن اللعبَ بـ ( الكرةِ ) قد جُعَل في زمننا من الفنون !! التي تدرّس في المدارسِ ، ويعتني بتعلّمه وتعليمِه أعظم ممّا يعتنى بتعلّيمِ القرآن ِ ، والعلمِ النافعِ ، وتعليمهما .
وهذا دليلٌ على اشتدادِ غربةِ الإِسلامِ في هذا الزمانِ، ونقصِ العلمِ فيه ، وظهورِ الجهلِ بما بعثَ اللهُ به رسولَه محمّداً  ، حتّى عادَ المعروفُ عند الأَكثرين منكرًا ، والمنكرُ معروفاً ، والسنةُ بدعةً ، والبدعةُ سنةً ، وهذا من مصداق ما أَخرجه الشيخان عن أَنس مرفوعًا : (( إنَّ من أَشراطِ الساعةِ أن يرفعَ العلمُ ، ويظهرَ الجهلُ )) (23) .
واللعبُ بالكرةِ والعنايةُ بها ـ على النحو الّذي نراه ـ من ظهورِ الجهلِ بلا شكٍّ عند مَنْ عقلَ عن اللهِ ورسولِه  ، وما أَشبه المفتونين المهووسين بالكرةِ بالّذين قال اللهُ تعالى فيهم :  وذرِ الّذين اتخذوا دينَهم لعبًا ولهوًا وغرّتهم الحياةُ الدنيا  (24) . وقد قال شيخُ الإِسلامِ ابن تيميّة : (( إنَّ العلومَ المفضولةَ إِذا زاحمت العلومَ الفاضلةَ ، وأَضعفتها فإِنّها تحرّم )) .
فإِذا كانَ الأَمرُ هكذا في العلومِ الفاضلةِ، فكيفَ باللعبِ بالكرةِ إَذا زاحمَ العلومَ الفاضلةَ وأَضعفها، كما هو الواقعُ في زماننا ، مع أَنَّ اللعبَ بالكرةِ ليس بعلمٍ ؛ إِنّما هو لهوٌ ومرح !!
ثامنًا:دخولُ المراهناتِ وانتشارها على مباريات كرةِ القدمِ في كلِّ أَقطارِ أُوروبا، وكلُّ قطرٍ فيه فرق، يلعبُ بعضُها مع البعضِ الآخر، أُسبوعيًّا أو شهريًّا حسب الاتفاق.
وعمل المراهنِ في ذلك يقتصرُ على تعبئةِ بطاقة بأَسماءِ الفرقِ الرياضيةِ، الّتي يتوقعُ فوزَها في المبارياتِ المقررةِ، فإنْ فازت الفرقُ الّتي توقعها ربحَ المبلغَ المستحقّ، وإِلاّ؛ فإنّه يخسرُ المبلغَ المراهن به (25) .
وفي بريطانيا حوالي أَربعين في المئة من الرّجالِ، يراهنونَ بشكل منتظم ـ مرّة في الشهرِ ـ على كرةِ القدم، وفي السويد حوالي اثنين وخمسين في المئة يراهنون على كرةِ القدم، وفي أَمريكا راهنَ حوالي ثلاثةٍ وستين مليون شخص على كرةِ القدمِ عام 1968م (26) .
وهكذا تكونُ المقامرةُ قد دخلت كرةَ القدمِ ، وجعلتها رياضةً حرامًا ، بعد أَن كانت جائزةً مستحبّةً . أمَّا البلادُ الإِسلاميَّةُ ،فلم تدخلها أنظمةُ المراهناتِ على كرةِ القدمِ وغيرها من الأَلعابِ ، غير أًنَّ بعضَ الأَصواتِ في مصر ، بدأَت تطالبُ بإِدخالِ نظامِ المراهناتِ على كرةِ القدمِ ،كحلٍّ لظاهرةِ الإِفلاسِ الماديّ للأًنديةِ الرياضيَّةِ ،ولكن هذه الأَصوات لم تلقَ أدنى قبولٍ من العاملين في الأوساط الرياضيَّةِ ، ومن علماءِ النَّفسِ والاجتماع ،حيث اعتبروها من المقامرةِ الّتي تدمّرُ الأَ خلاقَ والسلوكَ ، وتتنافى مع العقيدةِ الإِسلاميّة ، وهي السببُ الرئيس لأَبشعِ أَعمالِ الشغبِ في الملاعبِ ، الّتي تؤدي بدوِرها إِلى سقوطِ مئاتِ المتفرّجين والمتراهنين قتلى وجرحى ، كما هو حالُ الدولِ الّتي تأخذُ بنظام المتراهناتِ (27) .
وعلّقَ علماءُ الاجتماعِ الغربيّون على ظاهرةِ مراهناتِ كرةِ القدمِ ، وما تؤدي إِليه من أَحداثِ شغبٍ وعنفٍ في الملاعبِ ، بأنّها تعبيرٌ عن فراغٍ حادٍّ ، يعيشُه إِنسانُ القرنِ العشرين ، بعد أَن طغت المادّةُ عليه ، وجعلت قيمةَ الكسبِ هي القيمةَ الأَساسيّةَ في حياتِه ، يجبُ أن تتحققَ بأَيِّ ثمنٍ ، وأَضافوا بأنَّ المبدأَ الأَخلاقيَّ الأساسيَّ الَّذي بنيت عليه الرياضةُ ـ وهو تشجيعُ الفائزِ وتمنّي الحظّ السعيد للمهزومِ في مباراةٍ قادمةِ ـ قد انتهى أساسًا من القاموسِ الرياضي ، ليحلَّ محلّه تبادل الشتائمِ ، وقذف الطوب والكراسي ، وضربُ حكّامِ المبارياتِ وحاملي الراياتِ .
أمّا خبراءُ التربية الرياضيِة البريطانيّون ، فقد طالبوا ـ أَكثر من مَرّةٍ ـ بضرورةِ العدولِ عن نظامِ المراهناتِ ، وإِلغائه ، حتّى يمكنَ القضاءُ على أَحداثِ الشغبِ ، الَّتي أَصبحت سِمَةً ظاهرةً في الملاعبِ البريطا نيّة ، ولم تعد مباراةٌ واحدةٌ تمرُّ دون مصابٍ (28) .

بذلُ العوض في مسابقات ( كرة القدم )
لا يشرعُ بذلُ العِوضِ على مسابقاتِ ( كرةِ القدم ) من الجانبين ، بمعنى :أنَّ من غلبَ يأخذُ من الآخرِ شيئاً معلومًا . فهذا ضربٌ من ضروبِ القمارِ .
جاءَ في (( المهذّب )) ما نصّه : (( وأمّا كرةُ الصولجانِ ، ومداحاةِ الأَحجارِ ، ورفعها من الأَرض ، والمشابكةُ ، والسباحةُ ، واللعبُ بالخاتمِ ، والوقوفُ على رجلٍ واحدةٍ ، وغيرُ ذلك من اللعبِ الَّذي لا يستعانُ به على الحربِ ، فلا تجوزُ المسابقةُ عليها بعوضٍ ، لأنّه لا يُعدُّ للحربِ ، فكانَ أَخذُ العوضِ فيه من أَكلِ المالِ بالباطلِ )) (29) .
وذكرَ ابن وهبٍ بإِسنادِه أنَّ عبد اللهِ بن عمرَ مرَّ بغلمانٍ يلعبونَ بالكجّة ـ وهي حفر فيها حصىً يلعبون بها ـ قال : فسدَّها ابن عمر ، ونهاهم عنها .
وذكر الهرويُّ في باب ( الكاف مع الجيم ) في حديث ابن عباس :(( .. في كلِّ شيءٍ قمار ،حتّى في لعبِ الصبيانِ بالكجّة )) قال ابن الأعرابيِّ : هو أَن يأَخذَ الصبيُّ خرقةً ، فيدوِّرها كأنّها كرةٌ ، ثمَّ يتقامرون بها. وكجّ : إِذا لعبَ بالكجّةِ(30)
ومنه يعلمُ خطأُ كثيرٍ مّمن يلعبونَ على عوضٍ بالصورةِ التالية :
يدفعُ كلُّ واحدٍ من أَعضاءِ الفريقين (31) مبلغًا متساوياً ، ويشترونَ ( كأسًا ) أو (ميداليات ) ، ويعطى ذلك للفريقِ الفائزِ ، وهذا أَمرٌ غيرُ مشروعٍ (32) ، وفيه مقامرة !
أَمَّا إِذا قُدِّمَ العوضُ من فريقٍ ثالثٍ ، فجعلَه للغالبِ أو الفائزِ ، أَو قال أَحدهما للآخرِ : إِنْ غلبتني فتغنم ، وإِنْ غلبتُك فلا تغرم ،فهذه الصورُ كلّها مشروعةٌ كما بسطه الإمام ابن القيم ، في كتابه الفذّ (( الفروسيّة )) (ص325 ـ بتحقيقي) ، فمن أَرادَ الزيادةَ فليراجعه .

الخـــــــــــــــاتمة
ننبّه أَخيرًا إَلى أنَّ ( كرةَ القدمِ ) لا ينبغي أن تُتخذَ وسيلةً للدعوةِ إِلى اللهِ تعالى، كشأنِ من يجيزُ الكذبَ وهجرَ المسلمين، وإِيذاءهم لمصلحةِ الدعوةِ ـ زعموا ـ !!؛ لأنَّ الدين إِن لم يقم بالجَدِّ، فمن الاستحالةِ بمكانٍ أَن يقومَ باللعبِ (33) ،
قال تعالى : خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ  (34) . بل، وهل خلقنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ من أجلِ الرياضةِ واللعبِ ؟! أَم إِنَّه خلقنا عبثاً وباطلاً ؟ سبحانه. وقد تقدَّمَ معك أَضرارُ لعبة كرة القدم وشرورُها، وأَنّها سلبت الأمّة أَموالها وطاقتها، وفرقتها شيعًا وأَحزابًا، فكلُّ نادٍ وكلُّ لاعبٍ له مؤيدوهُ ومناصروه ومحبوه وشانئوه، وصدقَ اللهُ العظيمُ  فإنّها لا تعمى الأَبصار ولكن تعمى القلوبُ الّتي في الصدورِ  (35) .
هذا ؛ وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أَجمعين .

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك