العروبة والإسلام

يمتد العالم العربي جغرافيا من شاطئ الأطلسي إلى الخليج الفارسي، ويقدر سكانه بنحو ثمانين مليونا، 90% منهم مسلمون.
ويصطلح على تسمية الجزء الرئيسي من هذه المنطقة بالشرق الأدنى أو الأوسط، ومكانة المنطقة في التاريخ البشري والمدنية، من الوضوح، حيث لا تتطلب أية إشارة هنا، فقد عرفت بأنها مهد الحضارات وكانت أرضا خصبة لقيام ديانات عالمية، وقد تركت هذه الميزة الأخيرة فيها أثرا بينا، إذ لا يزال الشعور الديني العميق يسود إلى اليوم منطقة الشرق الأوسط، ولا يزال ذلك يتجلى بوضوح في مواقف السكان، وفي شتى مظاهر حياتهم.
                                                      ***
ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل فهم «الشؤون العربية» بدون اعتبار أثر الإسلام كدين، وكفلسفة، وكحضارة، كأسلوب في الحياة، ذلك لان الحركة العربية ظاهرة عربية، والعرب في غالبيتهم مسلمون، (وأسس الحركة العربية تمكن في الإخلاص الشخصي للفرد الذي يطبع الحركة يضعفه أو يقويه) وتكمن أيضا في القوة الجماعية التي تتولد من تفاعل هذا الإخلاص، وفي هذه النقطة بالخصوص يمكن للإسلام كقوى روحية واجتماعية وسياسية، أن يساعدنا في فهم الحركة العربية.
وإذا نحن قارنا الإسلام بالديانات الرئيسية الأخرى، فغننا نجد أن الإسلام يهتم أكثر من أي شيء آخر، بالإيمان، في حين تهتم اليهودية بالتأكد على الأمل، كما تهتم المسيحية بالتأكيد على الإحسان.
والإيمان في الإسلام ليس شيئا لاهوتيا أو ميتافيزيقيا، بل هو النقطة الأساسية والمبدأ الموجه، فبينما يعتبر إتباع المسيحية دينهم كميراث، ينظر المسلمون على دينهم كحقيقة حية وكغذاء روحي حقيقي،
والمسلمون فوق هذا لا يمكنهم أن يفرقوا نظريا بين المسائل نظام تام، فهو كل عضوي، ويتجلى هذا في مظاهر التشريع الإسلامي، وفي الحكم، وفي مفهوم الدولة عند المسلمين.
ومصدر التشريع الإسلامي مقدس، لان كل القوى أو السلطات تستمد من الله، فمنبع التشريع وأصوله ومادته، كل ذلك مقدس لأنه عبارة عن (ضوابط) وردت في القرآن، أو ترتبت عن سيرة النبي محمد، وإنما يحتفظ الناس بحق تفسير الشريعة وشرح نصوصها، على إلا يتعدوا حدود المبادئ المقدسة.
وأهمية التشريع الإسلامي كقوة موحدة، تتجلى في أنه عامل أساسي يصهر المجتمع الإسلامي في جماعة ملتحمة.
وقد كانت الشريعة أو (القانون الإسلامي) هي الميدان الذي أسهم فيه العرب بقسط وافر في الحضارة الإسلامية.
وللإسلام مفهومه الخاص من «الأمة» لان هذا الاصطلاح يعطي في القرآن معنى (جماعة) أكثر من أي شيء آخر، وذلك لان الإسلام يؤكد على الإخوة والغاية المشتركة لكل المؤمنين : (إنما المؤمنون إخوة) فكل المسلمين ينتمون لنفس الأمة التي هي الأمة المحمدية.
ومنذ أن وجدت هذه «الأمة» أو هذه «الجماعة» تحتم على كل «مسلم» أن يلتحق بها وان يعمل معها على تحقيق مشيئة الله في الأرض.
وباختصار، فان الإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا التاريخية، وإنما يعترف بالفرق الواضح العميق بين المسلمين وغير المسلمين، بين دار الإسلام ودار الحرب.
والغرض الأساسي من الحياة عند «المسلم» هو خدمة الله، كما أن الغاية من الحكومة الإسلامية هي أن تهيئ الأسباب للمسلمين لأداء هذه الخدمة ويلخص الماوردي-المشروع الإسلامي الكبير- واجب الخلافة في الدفاع عن الدين، وإدارة الدولة.
والقرآن مليء بالتحذير للذين يحاولون المس بوحدة الأمة : «ولا تكونوا كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون» «ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم» «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالق بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا»
ويجدر بنا قبل الإقدام على دراسة الحركة العربية لن نقرر وضعية «العربي» إزاء «المسلم» فبينما نرى أن اصطلاح «مسلم» يمكن فهمه بكامل السهولة، نجد أن اصطلاح «عربي» لا يتأتى فهمه بنفس السهولة السابقة.
فمن الممكن تعريف «المسلم» دون حاجة إلى الرجوع إلى علاقات عنصرية أو ثقافية أو لغوية، في حين أن تعريف «عربي» يجب أن تدخل فيه هذه الاعتبارات المتقدمة وان يضاف إليها اعتبار الفترة التاريخية أيضا، وذلك لان اصطلاح «عربي» تعرض مفهومه لتطورات كثيرة خلال التاريخ كما سيبدو لنا بعد حين.
وإذا كان المؤرخون الغربيون يقسمون تاريخ العرب إلى ثلاث مراحل : مرحلة حمير وسبأ (من 800 قبل الميلاد إلى 500 بعد الميلاد) وفترة الجاهلية أو قبل الإسلام (من 500 إلى 622 بعد الميلاد) والفترة الإسلامية (من 622 بعد الميلاد إلى اليوم) فان المؤرخين العرب يقسمون التاريخ العربي إلى مرحلتين : الجاهلية، والإسلام، بل أن حتى هذا التقسيم لا يقف عنده إلا المثقفون، أما الغالبية العظمى من الشعب العربي، فإنها تتجاهل فترة الإسلام، ولا تكاد تعدها جزءا من الميراث، شاعرة أن الفترة «الحق» من التاريخ العربي تبدأ مع النبي محمد، فالتاريخ العربي، والتاريخ الإسلامي ، بالنسبة للعربي العادي، يبدآن معا من نقطة واحدة، هي ظهور الإسلام.
على أن للعرب وضعية خاصة في الإسلام، ويرجع الفضل في ذلك إلى أن النبي كان عربيا، وان القرآن عربي. ومكانة النبي محمد كزعيم عربي مسلم، غير قابلة للجدل، فالركن الأول في الإسلام هو الشهادة التي تتألف من جملتين : (لا اله إلا الله، محمد رسول الله) ومحمد كشخص، يسود تاريخ الإسلام والعروبة معا، وقد فهم الغربيون هذا الواقع، لدرجة لنهم يستعملون اصطلاح «المحمدية» كمرادف للإسلام.
ودور محمد الروحي والأدبي يتجلى في مجموعة أقواله، أو أحاديثه، التي هي العصر الثاني الهام في الشريعة الإسلامية، والمسلمون يعتبرون السنة والسيرة كمثال، وكمثل أعلى.
ولقدم كتاب عربي وأقدسه بالنسبة لكل «المسلمين» هو القرآن، وهذه حقيقة يؤكدها «العرب» الذين يستندون إلى الآيات القرآنية لتأكيد عروبة الكتاب، وأثر القرآن في الأدب العربي كبير (ويمكن تقديره حينما ندرك أن له الفضل في كون لهجات الشعوب العربية لم تستطع انم تتطور إلى لغات قائمة بذاتها، كما كان الحال بالنسبة للغات الرومانية) ولغة الحضارة العربية والمدنية الإسلامية هي لغة القرآن، ومساهمة العربي في الحضارة الإسلامية، هي إلى حد بعيد، مساهمة لغوية، وقد قال البروفيسور (جيب) في هذا الصدد : «أن اللون العربي الذي التصق بالإسلام، لم يأت في غالبيته من خلال التأثير الاجتماعي المباشر للوسط العربي القديم، أو للعرب الذين اعتنقوا الإسلام، أكثر مما أتى من القرآن العربي، ومن التحيز الثقافة الذي أظهره هذا نحو الحضارة الإسلامية الناشئة).
والقرآن-بعد ذلك- هو المرجع الأخير فيما يخص اللغة العربية وقواعدها، وقراءته والإلمام به، ضرورة بالنسبة لكل من يريد تعلم العربية، وهذا شيء جدير بالاهتمام، لان اتجاهات القومية العربي، تؤكد على لن اللغة العربية حجر أساسي للوحدة العربية.
والعربية كلغة لها قيمة مقدسة عند جميع المسلمين، أما مساهمة العرب الأخرى في الحضارة الإسلامية، فإنما تتجلى في خدمة التشريع الإسلامي، ولهذا المساهمة نتائج بعيدة المدى، في الميدانين : الثقافي والاجتماعي، وهناك محاولة تفسر بمقتضاها مساهمة العرب في الحضارة الإسلامية بأنها دينية بحت النظم والوسائل التي أوجدها العرب كانت منذ البداية متصلة بالإسلام باعتباره مدنية، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان، وضع خط فاصل بين الحضارة الإسلامية والحضارة العربية، فان العرب لم يفعلوا كل شيء في الحضارة الإسلامية، كما أن الإسلام ليس دينا «عربيا» ولو أن بعض الكتاب العرب في القرون الوسطى، ادعوا أن «ديننا ودولتنا عربيان توأمان» ويبقى الواقع، وهو أن «العربي» فخور بالإسلام كنظام للحكم.
***
وجدير بنا قبل أن نحاول تحديد علاقة «الحضارة العربية» «بالمدنية الإسلامية» أن نلقي نظرة على المراحل التاريخية التي قطعها اصطلاح «عربي».
فقبل الإسلام كانت لفظة «عربي» تعني «أعرابي» أو أي ساكن في شبه الجزيرة العربية، وظل هذا المفهوم سائدا حتى العهد الأموي (661-751 بعد الميلاد) حينما فتح العرب مناطق واسعة خارج شبه الجزيرة، وكونوا ما يمكن أن نسميه لارستقراطية عسكرية حاكمة، وطوال الحكم الأموي كان هناك نزاع مستمر بين العرب وغير العرب، وقد قال الاسناذ (حتى) في هذا الصدد (لقد انتصرت العروبة بادئ الأمر، وليس المحمدية) ذلك أن قرنين انصرما قبل أن يبدأ الناس في ممارسة الإسلام.
ومع أن كتاب العرب قبلوا سياسة التفرقة التي اتبعها الأمويون، فهم يدعون أن هذا كان نصرا للإسلام، حيث أن «عروبة» الفاتحين كانت مختلفة عنها في المرحلة القبلية، أي فيما قبل الإسلام.
لقد وجد العرب الذين قاموا بالفتوحات الإسلامية في روح الديانة الجديدة ما أعطاهم إحساسا بالوحدة، ومثلا يحاربون من أجله، وكانت هذه الظاهرة من الناحيتين الإدارية والعسكرية نصرا عربيا، لان السياسة قبل الدين.
أن النزاع بين العرب والموالي تجلى في الشعوبية، هذه الحركة التي كافحت في حقيقة شعور التفوق في المسلمين المنحدرين من أصل عربي، ولم تحتل هذه الحركة المقدمة إلا في القرون الأخيرة من الحكم العباسي، وان كان دعاتها قد شاركوا في سقوط الدولة الأموية.
وظهر الشيعة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان، حينما انقسم المسلمون إلى مؤبدين لعلي، ومؤيدين لمعاوية، وكان اغلب الشيعة من الفرس تحت قيادة زعماء من العرب، لقد ابتدأت هذه الحركة بشكل سياسي، ولكن ما دامت السياسة تختلط بالدين كما أسلفنا، لم يكن بد من أن يأخذ الانقسام الشكل الذي أخذه، فقد أعطى الفرس تأييدهم التام للشيعة، لأنهم كانوا يعارضون سياسة التمييز التي اتبعها بيت معاوية، وهكذا أصبحت الحركة الشيعية التي كانت عربية في الأصل، لا تكتفي بمعاداة الأمويين، بل أصبحت تعادي «العرب»
ومع ظهور العباسيين في القسم الأخير من القرن الثامن الذي يمكن أن يعتبر نصرا لغير العرب، يمكن أن نلاحظ التغيير الذي طرا على مفهوم «عربي»
(فعند ما مزج الإسلام الفرس والسوريين والأقباط والبرابر بالعرب، تهدم الجدار الذي كان يفصل بين «العرب» و «غير العرب» واحتلت الجنسية مكانا في المؤخرة، وأصبح إتباع محمد مهما اختلفت عناصرهم عربا، وأصبح «العربي» ذلك الفرد الذي يمارس الإسلام ويتكلم العربية ويكتبها، بغض النظر عن روابطه العنصرية، وهذا من الحقائق الهامة في تاريخ الحضارة (الإسلامية).
وعليه، فان أول تغيير طرا على مفهوم كلمة «عربي» كان هو انتقاله من مفهوم عنصري إلى مفهوم ديني، وفي هذه المرحلة أصبح مصطلح «مسلم» مرادفا لكلمة «عربي».(وأصبح كل من اعتنق الإسلام، عربيا ضمنيا).
وانتصار العباسيين الذي كان هو السبب في هذا التعريف، حمل معه عنصرا أدى على اندثاره الحتمي، فقد تبين في عهد العباسيين أن «عالمية الإسلام» يتزعمها الفرس، وهذا أدى إلى إحياء الشعور الفارسي الإقليمي، الذي لم يمت قط، والذي ظل حيا بفضل الحركة الشعوبية في الأوساط الأدبية.
وإذا كانت لفظا «مسلم» و «عربي» قد ترادفتا في وقت ما، فمن الممكن إذن الحديث عن إمبراطورية إسلامية بعد الأمويين، لا عن إمبراطورية عربية، غذ لم يحاول العباسيون أن يعطوا لأنفسهم أي صفة إقليمية، وذلك لأنهم اقتنعوا بان الإسلام يقدم الوسائل الفريدة لتعايش سلمي مستمر، في إمبراطورية تجمع شعوبا متعادية، بلغت العداوة بينها م القوة لدرجة لا تحدها أية قوة دينية أو غيرها.
وفي أكثر من مجال، يظهر أن الخصومات التي رافقت شرح العقيدة وظهور المذاهب، كانت ستارا لحركة وطنية ثقافية.
وحينما بدأت اللغة العربية تفقد احتكارها للثقافة الإسلامية، ظهر مفهوم آخر لكلمة «عربي»، فحو إلى القرن العاشر لوحظ بعث قومي في فارس، وبدأت اللغة الفارسية تحتل مكانة اللغة العربية بالتدريج، فأتم (فردوسي) وهو من طوس كتابة (شهنام) وجاءه بعده عمر الخيام الذي نظم رباعياته المشهورة باللغة الفارسية، ومنذ ذلك الحين لم يعد لفظ «عربي» يرادف كلمة «مسلم» ومراد ذلك على نشوء ثقافات مختلفة، كانت بدورها نتيجة لسيادة لغات قومية، كالفارسية مثلا، وأصبحت كلمة «عربي» تعني ذلك «مسلم» الذي يحتفظ للغة العربية بمكانتها.
وعلى حد قول الأستاذ «جيب» (كل هؤلاء كانوا عربا، يعتبرون أن الحقيقة الأولى في التاريخ هي رسالة محمد، ويذكرون أيام الإمبراطورية، كما أنهم يعزون العربية وميراثها الثقافي، ويعتبرونها ملكا خاصا لهم).
وهكذا فان التطور الثاني لمصطلح «عربي» ادخل تمييزا لغويا على مفهومه الإسلامي.
ومن الجدير بالذكر انه بالرغم من تطور لغات إسلامية أخرى، فقد ظلت العربية لعدة قرون، بل حتى اليوم، اللغة الإسلامية المفضلة، ولا زال المسلمون الغير العرب يكتبون بالعربية في المواضيع المتعلقة بالديانة والتشريع وسنة النبي وسيرته الخ...
وبتعبير آخر فان المسلمين غير العرب أضافوا على التراث العربي، وكانوا يكونون في نفس الوقت ثقافة خاصة بهم في الميدان الأدبي المحض، ولهذه الإضافات طابع ديني، ولهذا نجد أن التراث «العربي» اليوم هو «إسلامي» إلى حد بعيد.
ويجب أن نلاحظ انه مع مرور الزمن اجتاز مصطلح «عربي» مرحلة التطور الثاني الذي ذكرنا، فالإسلام قد اجتاز المرحلة «التكوينية» ويمكن القول بأن الميراث الحضاري عند العرب اليوم هو ميراث من تلك المرحلة التي لم يكن فيها من الممكن تمييز «العربي» من «مسلم».
وتلقى هذه الحقيقة الضوء على التداخل بين«العروبة» و «الإسلام» الذي لا زال ظاهرا إلى اليوم، ومن المستحسن أن نوضح الفرق بين «الحضارة العربية» و éالحضارة الإسلامية» ، «فالحضارة العربية» هي فكرة احدث من «الحضارة الإسلامية» فهي لم تظهر قبل ظهور القومية العربية في نهاية القرن التاسع عشر، و «الحضارة الإسلامية» أكثر موضوعية من «الحضارة العربية» فإسلامك يقرره في غالب الأحيان مولدك، أما أن تكون عربيا فهي مسألة اختيار، أنها مسألة شعور نحو الميراث.
وقد اخترنا في هذا التحليل استعمال تعبير «الثقافة العربية» والتفكير فيه كجزء مهم من «الحضارة الإسلامية» وان كان أكثر كتاب العرب المعاصرين يفضلون الكلام عن «حضارة عربية» ولا توجد من وجهة نظر اثنولوجية أية «حضارة عربية» لان الفحوى العنصري «العربي» قد فقد في مرحلة مبكرة، وإضافات العرب كعنصر كانت محدودة، ولم يستطيع البرفسور «ميتيلي» في كتابه«العلم العربي» لن يجد عند تحليله «للعلم العربي» من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر، عالما واحدا من أصل عربي، ومن كبار الفلاسفة، لم يكن هناك إلا عربي واحد هو الكندي، وهو المعروف بفيلسوف العرب، وقد كان غالبية علماء الدين والشريعة الإسلامية من أصل عربي، بينما كان غالبية الرياضيين والفيزيائيين من أصل فارسي، ويعلل ابن خلدون في مقدمته ضعف إضافة العرب النسبية إلى الحضارة الإسلامية بأنهم كانوا منهمكين في المسائل العسكرية والإدارية...
والتكلم عن «حضارة عربية» أو عن «ثقافة عربية» داخل الحضارة الإسلامية ليست مسألة يمكن التحدث عنها في الوقت الحاضر، وسينبني ذلك على التطورات القادمة، وخاصة على الجهة التي سيتجه غليها العربي، ولنكون أكثر دقة يمكن القيل بان هذا سيعتمد على نتيجة النزاع الحالي للنموذج لغربي للوطنية العالمية اللادينية، التي تحاول تركيز مطامحها حول الميراث الثقافي المحض.
وحى هنا فان الحركتين ليستا من الوضوح بدرجة تجعلنا نطلب من العربي المسلم أن يختار موقفه.
(قمع أن العروبة والإسلام هما شيئان مختلفان، فان العربي يميل على تعريفها-بينه وبين نفسه على الأقل- فهو ينتسب لأي منهما حسبما دعت الضرورة، أو بتعبير آخر هو عربي ومسلم ي آن واحد) وهذا الولاء المزدوج-الذي يظنه البعض ولاءا واحدا يعقد أية دراسة عن الحركة العربية لان الأنماط الإسلامية لا تفتأ تظهر في مماشي الوحدة العربية.
ويمكن أن ننهي هذا التحليل عن تطورات مصطلح «عربي» بالقول بأنه وصل مرحلة يعتمد فيها مفهومه على «اللغة» وعلى فحوى وطني، تلونه المفاهيم الجديدة القومية التيس تحاول أن تتجاهل الشريعة الإسلامية دون أن تنكرها تماما أو تمحوها.
ودرجة نجاح المحاولة الأخيرة ستكون حاسمة بالنسبة للنتيجة السياسية للحركتين : «حركة الوحدة العربية» و «حركة الوحدة الاسلامية».

 

المصدر: http://habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/169

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك