النقد والقومية العربية

... يكفينا نقطة انطلاق أن ندرك أن النقد الأدبي كما عرفناه في الأدب العربي القديم، أصبح لا يفي بالغرض المقصود، وإن كان فيه الكثير مما نستضيء به وينبغي لنا أن نستبقيه، ولاسيما ما اتصل منه بما أسميه عبقرية التعبير العربي، كذلك لابد من الإقرار أن النقد الأدبي، كما عرفته الحقبة الأخيرة من مصر الإحياء والنهضة، يشكو نقصا بارزا، فهذا النقد يغلب عليه حين يتناول الآثار الحديثة أن يتأثر بعلاقة شخصية، أو يتأثر بمجرد شعارات تعجبه يجدها مرددة في الأثر الأدبي ترددا ساذجا فجا، أو يتأثر بمقاييس منقولة نقلا آليا عن محاولات النقد الغربي، إلا أنه على كل حال قليلا ما يصدر عن تلك الفلسفة الخاصة التي تتبلور فيها سمات القومية العربية التحررية الجديدة، وكذلك شأن هذا النقد فيما يتصل بتقييم تراثنا الأدبي القديم، فترى الناقد يدرس فيه البيئة الزمنية والمكانية التي أنشئ فيها الأثر الأدبي، أو يعمد إلى تقييمه بمقتضى مقاييس قديمة أو مقاييس مستوردة، غير أنه قليلا ما يصدر في هذا التقييم عن تلك الفلسفة الخاصة التي تتبلور فيها سمات القومية العربية التحررية الجديدة، والتي بها نستطيع أن نحول عملية التقييم للتراث من صحة فكرية أو روعة جمالية تغذينا اليوم وتعيننا على أن نؤصل قوميتنا العربية التحررية الجديدة فتصبح، لا انقطاعا، بل اتصالا ونموا.

وهنا سآذن لنفسي أن أعرض لبضعة آراء أصبحت تأخذ بها مناهج النقد الحديث عندنا كلها أو بعضها. 
من هذه الآراء مثلا أن العمل الأدبي محض فن، يريدون بذلك أنه لا أخلاقي.

ومن هذه الآراء أيضا أن الشعر العربي مفتقر إلى ثورة تعصف بقالبه القديم، فتتناوله بالتبديل من حيث القالب، أي الوزن والقافية ومن حيث التعبير.

ومن هذه الآراء أيضا أن كل هذا الشعر الذي أنفق فيه الشعراء جهدهم يمدحون غيرهم أو ذاتهم يعظمون أو يتعظمون، لا خير فيه قط، فحقه الاطراح.

ومن هذه الآراء أن الشعر القديم تعوزه الوحدة في القصيدة، فلنجتهد في شعرنا الحديث أن نراعي شروط الوحدة في مجمل العمل الشعري، فتكون القصيدة وحدة لا مجموعة أبيات تكتفي من الرابط بوحدة القالب أي الوزن والقافية.

ومن هذه الآراء أيضا أن مقياس قيمة الشعر أن يطيق الترجمة دون أن يفقد سحره ووقعه.

ومن هذه الآراء أيضا أن اللغة العربية اليوم تعاني انقساما وتباعدا بين صورتها الفصحى الأصلية، وصورها العامية في الأقطار العربية، وما دامت الصور العامية هي لغة الشعب وما دمنا نكتب للشعب فلنستعمل في الأداء الأدبي صور اللغة التي يفهمها الشعب أي الصور العامية.

ومن هذه الآراء أيضا أن الأدب العربي القديم إنما يدرس من خلال أثر الشعوب التي اشترك أبناؤها في إنتاجه، فإذا تناولنا بالدرس كاتبا كابن المقفع أو شاعرا كابن الرومي، ووجدنا خصائص مميزة لهذين الأديبين فخير ما نعلل به لهذه الخصائص أن ابن المقفع فارسي المنبت وابن الرومي يوناني. 

ومن هذه الآراء أيضا تجاوز أهمية الموضوع في العمل الأدبي تجاوزا يفهم منه أن اختيار الموضوع المتصل بالحياة مباشرة لا قيمة له وإنما القيمة للإخراج الفني للأداء.

وما أريد أن أمضي في استقصاء هذه الآراء. حسبنا منها ما قد ذكرناه.

ولكني أتساءل فيما يتعلق بالرأي الذي يفك العمل الأدبي عن العمل الأخلاقي، كيف يمكننا مع نظرة كهذه النظرة أن ننشئ أدبا عربيا يخدم القومية العربية؟ أو ليس من البدهى أن القومية العربية في حاجة إلى تنشئة جيل متين الخلق، يتحلى بنوه بشجاعة في النضال، وبالمسؤولية والدأب في العمل؟ وكيف نربي هذا الجيل إن لم يكن الأدب من وسائلنا، فأدبنا إذا حتم فيه أن يكون خلقيا، وفنيته يجب أن تتجلى في متعته وفي بعده عن الوعظ، لا في معارضته للأخلاق السليمة، أو في محايدته لها، إني أتساءل أمن الضروري أن تكون النماذج البشرية التي يدور عليها أدبنا هي دائما أزواجا يخونون زوجاتهم، أو زوجات يخن أزواجهن، أو أبناء يفسقون بنساء آبائهم، أو مراهقين ومراهقات تحرقهم الرغبات الجنسية أو مثقفين منطوين على أنفسهم ينسجون ويحلون خيوط أحلامهم وأوهامهم في فراغ، أو مستعطين ندغدغ بتصوير قذرهم وبؤسهم شعور الشفقة في نفوسنا ونكتفي بأن نشمت بمجتمع أنتجهم. أين هي في أدبنا صورة النماذج البشرية الإيجابية البناءة اجتماعيا وقوميا، وبالتالي إنسانيا؟ أين هي في أدبنا صورة الفلاح المحيي للأرض، والمهندس المبدع والعامل الخلاق، والجندي المناضل، والطالب المهموم بمصير قومه، والحاكم الدائب في سعادة شعبه، ورب الأسرة المنجب للوطن أثمن ما فيه فتيانا وفتيات، أين هي صورة هؤلاء جميعا في أدبنا؟ أين هو نقد الشخصيات السلبية المناقضة لهؤلاء؟
وأما فيما يتعلق بإحداث ثورة في القالب الشعري العربي، وتحرير هذا القالب من ضغطه وضيقه فنحن من الراضين المرحبين، بشرط أن يبقى الشعر شعرا، ولست أفهم بالشعر وزنا واحدا، نلتزم بتفاعيله التامة أو ببعض هذه التفاعيل، كلا، ولا نفهم بالشعر قافية واحدة، بل لسنا نفهم به حتى وزنا أو قافية، وإنما نفهم به تعبيرا مكثفا، نفهم به قولا مشحونا تنقلب فيه الكلمة إلى فعل، قولا قد حشدت فيه الطاقة حشدا، بحيث تجيش في نفس القارئ أو السامع قوة فوق ما يجيشه الكلام العادي. ونعتقد أن الشعر العربي له من هذه الصفة حظ خاص، ونريد أن تبقى له من هذه الصفة يقول أبو تمام:
هِمَمُ الفَتى في الأَرضِ أَغصانُ الغِنى       غُرِسَت وَلَيسَت كُلَّ عامٍ تورِقُ
فهذا تعبير شعري بنفسه وسواء أتم له وزن أم لم يتم، وسواء أقامت له قافية أم لم تقم، وقد نقول: يبذل الفتى المساعي فمنها ما ينجح به ومنها ما يخفق فيه، وهو معنى كلام أبي تمام بالضبط، ولكنه ليس بشعر. واحتجاجنا بأن الشعب يفهمنا إذا قلنا له: يبذل الفتى المساعي فينجح ببعضها ويخفق ببعضها، وقد لا يفهمنا إذا خاطبناه بكلام أبي تمام، ليس باحتجاج مقبول، لأن الآثار الفنية من شأنها أن تستدعي إعدادا خاصا لفهمها، ونحن مطالبون بأن نهيئ للشعب على حالته. بل إن رسالة القومية العربية التحررية تدور على هذا المحور بالذات، وهي أن لا يبقى شعبنا على حالته، بل يرتفع في مستواه الثقافي والمادي، وسنجد في التعبير الرفيع ما يدهشنا ويحملنا على الاستغفار لأنفسنا لأننا قللنا من مواهب الشعب.

وأما فيما يتعلق بشعر المدح والفخر، فإنني لا أرانا على صواب حين ننفي منه الخير نفيا، وسبب خطئنا أننا قد أخذنا في تقسيمه تارة بهذا الذي نسميه صدقا تاريخيا، وطورا بهذا الذي نسميه لياقات صالونية. قد يكون المتنبي كاذبا في التصوير التاريخي ساعة يقول لسيف الدولة:
 الجَيشُ جَيشُكَ غَيرَ أَنَّكَ جَيشُهُ       في قَلبِهِ وَيَمينـِهِ وَشِمـالِهِ
تَرِدُ الطِعانَ المُرَّ عَن فُرسانِهِ       وَتُنازِلُ الأَبطالَ عَن أَبطالِهِ
كُـلٌّ يُريـدُ رِجالَهُ لِحَيـاتِهِ       يا مَن يُريدُ حَياتَهُ لِرِجـالِهِ
قد يكون المتنبي كاذبا أو صادقا في تصويره هذا، وليكن كاذبا أو صادقا، ذلك هم المؤرخين، فأما نحن فنعتبر أن أبا الطيب قد قال هذا القول في شخصية أسطورية، كتلك التي تعقد عليها الملاحم، وقد جلا بهذا الكلام صفة من صفات الزعامة الحق: التضحية، الإيثار الفداء، ونحن أحوج ما نكون إلى هذه الصفة البطولية في الزعامة، ففي قول المتنبي إذا غذاء لنا فنحن نحبه، ونحن نغذي به ناشئتنا، وليحتج الصدق التاريخي حتى تبح حنجرته.
كذلك ربما كان عمرو بن كلثوم في عرفنا قد خرق أصول اللياقات الصالونية حين قال لعمرو ابن هند:

بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ       تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا
تَهَـدَّدنا وَأَوعـِدنا رُوَيداً       مَتى كُنَّا لِأُمّـِكَ مَقـتَوينا

ولكني أرثى للهزال في مدارك أولئك الذين لا يرون في هذا الشعر سوى رجل يتبجح بما يخرق أصول اللياقة، ماذا؟ ألا ترون معي أن هنا صوت إنسان عربي، أو صوت إنسان إذا شئتم، يتحدى ملكا يعتبر الناس عبيد أمه؟ ونحن أحوج  ما نكون إلى مثل هذه الروح الأبية نغذي بها قوميتنا، فنحن إذا نحفظ هذا الشعر ونتشبع به ونترك اللياقات الرخوة لرجال من جفصين.

وأما فيما يتعلق بالوحدة في القصيدة فإننا نوجب رعاية هذا الشرط في شعرنا الحديث شرط أن لا يفهم به أن القصيدة ينبغي لها أن تكون كالمقالة، فالقصيدة شيء والمقالة شيء آخر، وحين لا يفي الشعر بأكثر من المقالة فليعف الشاعر نفسه من عناء النظم. ووحدة السياق لا تبرر حتى في أدق أجزاء العمل الشعري أن ندخل كلاما ميتا بحجة أنه جزء من كل أو قطعة في بناء. وقد أخذت على أحد شعرائنا المعاصرين ممن أتتبعهم لأني أحبهم وأحب مغامراتهم في تجارب الشعر الحديث، أخذت عليه قوله: «وشربت شايا في الطريق».

وزعمت أنه ككلام الميت، ولم يقنعني أن يكون شرب هذا الشاي قسما من تلك التجربة الشعرية التي عبر عنها الشاعر الصديق، ولم يقنعني أن لا حق لي باجتزاء هذه الشطرة الواحدة من بناء شعري بكامله. فقد اضطر المتنبي أن يقول إن جيش سيف الدولة الزاحف للقاء البيزنطيين بلغ بلدة سروج في الصباح الباكر، على أنه لم يرض إلا أن يعبر عن معناه بهذا النحو المبتكر:
فلـم تتـم سـروج فتـح ناظرهــا      إلا وجيشــك في جفنيه مزدحــم

فكان شاعرا.
وأما فيما يتعلق باتخاذ الترجمة معيارا لقيمة الشعر، نترجمه ثم نرى حصيلة ما يكون في أيدينا منه، فحسبي أن أطالب أصحاب هذا المذهب أن يدلونا على أثر شعري واحد في آداب الأمم، قد أمكنت ترجمته وحفظ عليه رونقه وسحره. وقد عرض الجاحظ لهذا النحو من التحكم في الشعر، فلم يترك مجالا لقائل حين قال: إن الشعر إذا حول سقط موضع التعجب، ونحن حين نريد إخضاع الشعر لهذا المقياس، مقياس ما يبقى منه إذا ترجم، ألسنا نسيء إلى عبقرية التعبير باللسان العربي، ولكل لسان عبقريته في التعبير، وهذا القرآن على أنه ليس بشعر كمألوف الشعر، فلنتخذ لنا منه الآية مثلا: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ? [النمل: 34]، ثم فلنعتبر أي روعة اكتسبتها الآية حين وقفت عند مقطعها الأخير ?وكذلك يفعلون?، ثم فلنعتبر أي طاقة تعبيرية تفقدها الآية إذا رحنا نقول: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وهذا دأب الملوك في كل زمان ومكان؛ فإذا كانت الآية قد فقدت هذا القدر من طاقتها التعبيرية بمجرد تحويل بعضها من اللسان إلى اللسان نفسه، فإني لا أرى كيف نستطيع أن نسلم باتخاذ الترجمة من لسان إلى آخر مقياسا لتقييم الشعر أو تقييم حتى الآثار الأدبية عامة.

وأما فيما يتعلق بالمفاضلة بين العامية والفصحى، فإننا نقول إن القومية العربية ينبغي لها في الأداء الأدبي أن تؤثر الفصحى، فهي لغتنا القومية العربية الجامعية، لا لغة إلاها، والذين يدعون للعاميات هم الذين يريدون فصم عروة حيوية من عرى وحدة القومية العربية، وما أحسبنا نريد أن نمشي في ركاب هؤلاء، والاحتجاج بأن الشعب لا يفهم الفصحى ذريعة ينبغي لنا أن نقضي عليها، ونستطيع أن نقضي عليها بتعليم الشعوب العربية لغتها الفصحى الجامعة، وإننا لن نستطيع أن نبني قوميتنا العربية الجامعة إذا أذنا بأن تصبح العاميات وسيلة الأداء الأدبي، ومن كان يرى في الفصحى نقصا فعليه أن ينتظر حتى يستكمل بناء القومية العربية الجامعة، ثم يدعونا إلى لغة عربية عامية شرط أن تكون واحدة؛ وحدة اللغة: هذا هو المهم فلا قومية بلا وحدة في اللغة.

وأما فيما يتعلق برد خصائص الأدباء إلى أصلهم الجنسي قبل الاستعراب، فإننا نقبله حين يقبله العلم، وحين لا يراد به شعوبية ترمي إلى جحد فضل العرب بتجريدهم من كل من جمعت قافلة أدبهم في عصور تاريخهم. والعلم حين ندرس أديبين كابن المقفع وابن الرومي مثلا يثبت أنهما مدينان في خصائصهما لهذا العصر العباسي الذي كان بحسناته وسيئاته مرحلة من المراحل في تاريخ الأدب العربي، ولا تكفي فارسية ابن المقفع ولا يونانية ابن الرومي لتفسير عبقريتهما، وإنما يستطاع تفسير عبقريتهما في حدود هذا العصر العباسي الذي تلاقت فيه تيارات متعددة من عربية وفارسية ويونانية وهندية وإسلامية ومسيحية ومجوسية وغيرها وتفاعلت لتؤلف الثقافة العباسية. 

وأما فيما يتعلق بتهوين خطر الموضوع في قيمة العمل الأدبي، ووقف الأهمية كلها على الإخراج والأداء، فرأي لا يرضاه مذهب في النقد يراد به خدمة القومية العربية. لسنا نريد التضييق على الأديب العربي فيما قد يؤثر من موضوعات، ولكننا جميعا نذكر قصة زنطيب امرأة سقراط ونضحك:
يروى أن المسكين حين حكم عليه بشرب السم جعلت امرأته تصيح به: يقتلونك ولم تشتر لي القبقاب الذي وعدتني به.

إننا على يقيننا أن القومية العربية لا يمكن قتلها كما قتل سقراط بالسم ولا بغير السم، لا نزال نطالب الأديب العربي لأن لا يقف موقف زنطيب، فلا يكون له هم سوى القبقاب، بينما تشغل قومه وتشغل الدنيا  المصائر. إن الموضوع في الأدب هو دليل رصانة التجربة التي يتمرس بها الأديب، أهي تجربة عنته شخصيا ولها معنى بالقياس إلى حياة أمته، أم هي تجربة فرد منطو على ذاته؟ لقد لوحظ بحق أن أدبنا العربي القديم والحديث تكثر فيه تجارب الأفراد المنطوين على ذواتهم، فلا بأس بأن يخرج أديبنا العربي من «شرنقته» كما يقول مفكرنا وفناننا الخالد عمر فاخوري.

أيها الإخوان الزملاء،
ترون أن هذا الذي استطعنا أن ننتهي عنده في غرض النقد والقومية العربية جد يسير، وإذا كان لي أن أؤكد على شيء، فهو أن القومية العربية في حاجة إلى فلسفة حياة نحياها، ونظرة شاملة إلى الوجود. ومن واجب الناقد العربي أن يساهم في رسم هذه الفلسفة القومية العربية التحررية المتطورة ليستطيع على ضوئها أن يقوم أدبنا القديم والحديث تقييما فنيا وفكريا وخلقيا في مصلحة قوميتنا النامية.

وشيء آخر أريد أن أؤكد عليه، إن عملنا كله يبقى لنخبة ضيقة المدار، ما لم نحمله إلى الشعب وندخله في وعي الشعب، شرط أن لا نتخذ من مستوى الشعب وهو في حالة راهنة معينة، ذريعة لإنتاج أدب ركيك. فلنكتب للشعب إذا نقدا كأدق ما نستطيع النقد، ولننتج له أدبا كأرفع ما تبلغ إليه طاقتنا في إنتاج الأدب، فإن لم يفهم الشعب اليوم فهم غدا، وإن لم يفهم بنفسه أعانه على الفهم هؤلاء الوسطاء الذين نسميهم النقاد، وإن استعذتم منهم بالله في أحيان، فأما إذا آثرنا أن نتجه إلى الشعب بكتابة نعلم أن الجمال يعوزها في الشكل والمضمون فلنؤمن أن نصيب أدبنا ونقدنا بقاء موقت، لأن الشعب سرعان ما يتجاوز الدور الذي يجد به متاعا وغذاء في آثارنا.
إني لأرحم الأثر الأدبي الذي يستطيع القارئ أن يستنزف ما فيه بقراءته مرة واحدة. ينبغي في الأثر الأدبي الرفيع أن يصدق فيه قول ابن الرومي في وحيد:
أهي شيء لا تسأم العين منه     أم لها كل ساعة تجديد؟

محاكمة بقرة
المعروف عن بعض الدول في العصور الوسطى أنها كانت تقدم الحيوانات والحشرات والطيور للمحاكمة... وتسجل ملفات المحاكم في فرنسا أنه قد صدر 92 حكما ضد بعض الحيوانات المختلفة فيما بين عام 1420 وعام 1740 وكان آخر هذه المحاكمات الحكم على بقرة بالإعدام (ذبح) لأنها طاردت شيخ القرية بين المزارع والحقول واضطرته إلى إلقاء نفسه في مستنقع لكي ينجو من قرنيها الحادين.

الشاكر والصابر
دخل عمران بن حطان يوما على امرأته، وكان عمران قبيحا ذميما قصيرا، وقد تزينت وكانت امرأة حسناء، فلما نظر إليها ازدادت في عينه جمالا وحسنا، فلم يتمالك أن يديم النظر إليها، فقالت: ما شأنك ؟ قال: لقد أصبحت والله جميلة، فقالت: أبشر فإني وإياك في الجنة. قال: ومن أين علمت ذلك ؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وابتليت بمثلك فصبرت... والصابر والشاكر في الجنة.

المصدر: http://habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/77

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك