بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر
بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر
تأليف
د. مازن مطبقاني
المقدمة
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يردد الوعاظ والخطباء والمحدثون حديث المصطفى صلى الله عليه وسل الذي يقول فيه ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها) قلنا يا رسول الله :أمن قلة بنا يومئذ؟ قال ( إنكم يومئذ كثير ، ولكن تكون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن) قلنا وما الوهن؟ قال (حب الحياة وكراهية الموت)( ) ويبذل هؤلاء جهوداً في شرح الحديث واستنباط الفوائد منه ، ويحذرون المسلمين من تداعي الأمم عليهم ، ولعلهم يشرحون لهم صوراً من تداعي الأمم على المسلمين ، وأحب هنا أن أتناول صورة من هذا التداعي مما لا يلتفت إليه إلاّ القليل.
بعد أن خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية منتصرة ، وأصبحت قوة عظمى، وتغيرت موازين القوى في العالم كان لا بد لها أن تتعلم من الأوروبيين الذين كانوا يسيطرون على معظم أرجاء العالم الإسلامي كيف كانوا يُحكِمون سيطرتهم عليه، فماذا هم متعلمون؟
بدأت وزارة الدفاع الأمريكية باستصدار قانون يخولها الإنفاق بسخاء على برامج الدراسات العربية والإسلامية وبرامج دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية ، وفي مراكز البحوث والمؤسسات العلمية المختلفة ، واستعانت في هذا الأمر بمجموعة من المستشرقين الأوروبيين الذين تركوا بلادهم إلى العالم الجديد لأنهم أدركوا اهتمام أمريكا بخبراتهم.
وانتشرت مراكز الدراسات العربية الإسلامية وأقسام الشرق الأوسط في الجامعات والمعاهد العلمية الأمريكية حتى تجاوز عددها المئات ، وبدأت نشاطاً محموماً في دراسة العالم الإسلامي. وبعد مضي فترة من الزمن لم تطل كثيراً أصبحت هذه المراكز عصب السياسة الأمريكية تمد السياسيين بالمعلومات والمقترحات والآراء والخطط، وحدث تبادل في المراكز فكم من مستشرق أو متخصص في الدراسات العربية الإسلامية انتقل إلى العمل السياسي ، وكم سياسي ترك السياسة إلى العمل الجامعي والبحث والدراسة.
ولعل من أبرز اهتمامات السياسة الأمريكية دراسة الحركة الإسلامية وسبل مواجهتها والقضاء عليها ، ومن ذلك أن مجموعة من المستشرقين والسياسيين الذين عملوا في العالم الإسلامي قدموا ثمرة خبراتهم وبحوثهم للكونجرس الأمريكية في جلسات خاصة في صيف وخريف عام 1985م، وقد نشرت محاضر الجلسات في كتاب بلغت صفحات اثنتين وأربعين وأربعمائة صفحة ووزع توزيعاً محدوداً حتى يتسنى للمختصين مواصلة البحث والدراسة . وقد قامت مجلة المجتمع الكويتية بنشر أجزاء من هذه المحاضر وعلقت عليها بقلم الدكتور أحمد خضر إبراهيم( )
إذا لم يكن هذا من التداعي فما التداعي إذن؟
ولكن كيف السبيل إلى مواجهة تداعي الأمم من هذا النوع؟ لقد وضّح الحديث الشريف هذا ( نُزعت المهابة من قلوب عدوكم ، ويجعل في قلوبكم الوهن: حب الحياة وكراهية الموت) أما نزع المهابة فالسبب في ذلك أن القوي لا يهاب الضعيف وأن أمة لا تصنع سلاحها لأمة ضعيفة ضعيفة. وقد أكدت الأحداث في السنوات الماضية ذلك، ولا سبيل إلى استعادة هيبة هذه الأمة إلاّ بأن تعود الأمة إلى دستورها الذي جاء فيه ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وأين نحن من هذا؟ الأمر أوضح من أن يجاب عليه.
أما الشق الثاني من القضية فهو الوهن الذي فسّره الرسول صلى الله عليه وسلم بحث الدنيا وكراهية الموت. ومن حب الدنيا الحرص عليها بجمع الأموال وكنزها وعدم استخدامها الاستخدام الصحيح.
إن أمريكا حين أرادت أن تُحكِم سيطرتها على العالم بذلت الأموال بسخاء على البحث العلمي والتقانة. وقد أكدت دراسات عديدة أن ما ينفق في العالم العربي الإسلامي قليل جداً ومن هذه الدراسات ما قدمه الدكتور محمد عبد السلام لمؤتمر قرطبة عام 1987م،وتفيد دراسة أخرى أن ما ينفق على الباحث العربي لا يتجاوز ثلاثين ألف دولار سنوياً بينما تنفق أمريكا وأوروبا بين خمسة وسبعين وثمانين ألف دولار سنوياً.
ومن أوجه إنفاق المال عند الغرب ما ينفقونه في الغزو الفكري وفي الدراسات العربية الإسلامية ، والتقرير الذي أقدم ترجمته في هذا الكتاب يوضح جانباً من هذا الأمر وإن كان إعداده قد تم في فترة تأثرت بأزمة النفط العالمية بعد حرب رمضان 1393( أكتوبر 1973م) لكن الغرب استطاع أن يتجاوز هذه الأزمة ويسيطر على الأوضاع من جديد.
وكم وددت لو توفرت لي الإمكانات من وقت ومعلومات ومال لتحديث هذه الدراسة( ) لكن لا بأس أن نعرف الماضي فالدراسة في مجملها جيدة، وقد قام عليها مسلمون مخلصون- نحسبهم كذلك- ولعل هذه الدراسة بالإضافة إلى الجزء الأول عن زيارتي لجامعة برنستون تقدمان لذوي الغيرة من أبناء المسلمين ما يحثهم على بذل المزيد من الجهد والمال للارتفاع بمستوى متابعتنا للدراسات العربية والإسلامية في الغرب، وكذلك دراستنا له. فلا بد أن ندرسهم دراسة عميقة واسعة كما يدرسوننا: فالمعركة الحالية معركة معلومات ، وأظنهم يعرفون عنّا –أحيانا- أكثر مما نعرف عن أنفسنا .
وأضيف إلى هذا البحث نموذجاً لدراسة الاستشراق الأمريكي المعاصر نتيجة الدراسة والمشاهدة والمتابعة، وفيه تناولت الاستشراق الأمريكي من ثلاث زوايا هي: حقيقة المعرفة التي يسعى المستشرقون الأمريكيون الوصول إليها، كما تناولت ظاهرة الاستشراق الإعلامي وهي ظاهرة بارزة في أمريكا، كما تناولت اهتمام الباحثين الأمريكيين بالحركات الإسلامية التي يطلقون عليها " الأصولية الإسلامية"( )
وفي الختام أود أن أتقدم بالشكر إلى أخي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة على مراجعة الترجمة في القسم الثاني من الكتاب ، وتقديم المقترحات والتصويبات القيمة فجزاه الله خيراً ، وأتقدم بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على إنشائها قسم الاستشراق، هذا القسم الفريد في العالم الإسلامي الذي أتاح لكاتب هذه السطور أن يتخصص في هذا المجال، وأسأل الله أن يتواصل البحث في هذا المجال الحيوي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المدينة المنورة
في يوم الجمعة 4شعبان 1420
القسم الأول
رحلة علمية إلى جامعتي برنستون ولندن
أهداف الرحلة ومبرراتها:
تمهيد
الكتابة حول الاستشراق والمستشرقين كثيرة، ولكنها في الغالب دراسات تاريخية لنشأته وتطوره وموضوعاته وأهدافه، وإن الدراسات التي تعيش الاستشراق في معاقله محدودة وقليلة. وقد منّ الله على كاتب هذه السطور بتجربة طريفة ومفيدة أن عاش شهراً تقريباً في مدينة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية ، كنت أقضي فيها معظم نهاري في قسم دراسات الشرق الأدنى في هذه الجامعة أحضر المحاضرات وأستمع إلى الدروس وأقابل الأساتذة وأطلع على النشاطات،فعرفت بعض الشيء عن هذا المكان.
ولما أتاح لي نادي المدينة المنورة الأدبي في 14 رجب عام1409 أن أقدم محاضرة بعنوان ( من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر ) جمعت أوراقي وبحثت في مكتبتي فجاءت هذه الصفحات التي تدعو إلى مزيد من الاهتمام بالاستشراق بدراسته في صوره الجديد والاقتراب من علمائه وفكرهم.( )
ومهما كانت الدراسة النظرية مفيدة وضرورية فمثل هذه الرحلات يجب أن تتكرر وأن يطلع المثقفون على ما يعد لنا الغرب من سلاح يحاربنا به، ولنتذكر قول الله عز وجل ( إنّا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)()
لقد رحلت إلى أمريكا وبريطانيا في طلب العلم ، لأعرف ما يدرس القوم ويعدون لأمتنا الإسلامية، ولا أدعي أنني عرفت الكثير بَيْدَ أني شعرت أن في هذه الرحلة ما يقال. كما لا أزعم أني سأقدم إليك أيها القارئ الكريم حديثاً مفصلاً عن الاستشراق الأمريكي قديماً وحديثاً أو موضوعاته وأهدافه، بل سيكون الحديث هنا عن أحد مراكز الاستشراق في أمريكا. وما ينطبق عليه ينطبق على المراكز الأخرى كثيراً أو قليلاً .
هذا المركز هو جامعة برنستون وبخاصة قسم دراسات الشرق الأدنى الذي كان أول الأقسام تأسيساً في الجامعات الأمريكية لدراسة الشرق الأوسط الحديث. وقد أسسه فيليب حتّي الذي جاء إلى برنستون بتدبير من الرئيس الأمريكي ويلسون وصديقه بايارد دوج Bayard Dodge من الجامعة الأمريكية في بيروت بالاشتراك مع المؤسسات التنصيرية الأمريكية ( )
وبرنستون متخمة أيضاً بأن هذا القسم فيها ليس فقط خاضعاً لسيطرة أشخاص يتعاطفون فكرياً مع الصهيونية وإنما أيضاً لسيطرة مشاركين نشطين في المعركة السياسية الدائرة بين الصهيونية والفلسطينيين.( )
أعلم أن موضوعاً كهذا تتجسد فيه مشكلتان إحداهم النقطة التي ينبغي التوقف عندها في الحديث عن النفس حتى لا يتحول الموضوع إلى مجرد انطباعات وعواطف ، والمشكلة الأخرى الفصل بين هذه الانطباعات والرأي المجرد، ولكني سأحاول تجنب هاتين المشكلتين ما استطعت.
رحلتي إلى أمريكا ليست الأولى أو الثانية فقد عشت فيها خمس سنوات أطلب العلم والشهادة الدراسية. فلم أحصل على الشهادة وحصلت على شيء قليل من العلم. والذي يعود من أمريكا بلا شهادة ينال لقب فاشل بجدارة فالمجتمع العربي الإسلامي قد جعل الحصول على الشهادة المعيار الوحيد للنجاح أو الفشل متجاهلاً ما يحدث أحياناً من تأثر المبتعث سلبياً بالفكر الغربي والسلوك الغربي وهو الفشل مهما كانت الشهادة عالية.
وإن أخطر ما تواجه الأمة الإسلامية الآن بل منذ بدء حركة الابتعاث انسلاخ بعض المبتعثين من فكرهم الإسلامي مما دعا الشيخ أبي الحسن الندْوي أن يصف هؤلاء بقوله: إنهم " طبقة مضطربة العقائد والأفكار والسير والأخلاق ، أحسن أحوالها أن تكون متذبذبة بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية، وإلاّ فهي في أكثر الأحيان تنسلخ من كل ما يدين به مجتمعها وأمتها وبلادها."( )
بعد أن سجلت رسالة الدكتوراه في المعهد العالي للدعوة الإسلامية ( كلية الدعوة حالياً) بالمدينة المنورة ، قسم الاستشراق بعنوان ( منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الجوانب الفكرية في التاريخ الإسلامي) وبدأت القراءة الفعلية في أعمال هذا المستشرق، وجدت أن من الضروري القيام برحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وأعود مرة أخرى إلى أول عهدي بالاستشراق فقد كان ذلك في كتاب التوحيد والتهذيب المقرر على طلبة السنة الثانوية الثالثة عام 1388هـ (1968م) وقد جمع فيه مؤلفه مجموعة من أقوال المستشرقين عن محاسن الإسلام. وكأننا كنّا نُعَدُّ للذهاب إلى بلاد الغرب فيكون تمسكنا بإسلامنا أقوى لأن علماءهم رأوا إسلامنا عظيماً. ولا ادري هل كانت تلك الجرعة كافية لتحصين الشباب، ولكن الذي يذهب إلى بلاد الغرب لا يحتاج إلى قناعة فكرية فقط، بل يحتاج إلى تربية روحية عظيمة حتى يتمكن من مقاومة المغريات المادية ويحتاج أيضاً- وهذا من واقع التجربة – إلى إخوان في الله يدلونه على الخير ويذكرونه إذا نسي.
حينما وصلت أمريكا اختار لي المحلق التعليمي معهد اللغة في لوس أنجلوس، وكان هناك اتفاق بين معهد اللغة وكنيسة الباب المفتوح حيث ترس الكنيسة أحد قساوستها ( منّصريها) في لباسه العادي إلى المطار لاستقبال الطالب الجديد والترحيب به وإسكانه ومساعدته في الملاءمة مع الحياة الجديدة مع تعريفه بالبنك وبالمدرسة وغير ذلك. ولعل الملحق التعليمي لم يكن على علم بمثل هذا الترتيب ، وكان بعض هؤلاء المنصرين قد قضوا سنوات طويلة في بلاد المسلمين حتى أتقنوا لغاتها وعادوا إلى أمريكا لتلقف المبتعثين وتنصيرهم.
لم أدرك طبيعتهم التنصيرية رغم أنني أقمت في منزل رئيس تلك الكنيسة مدة شهرين حتى ذهبنا في رحلة نظمتها الكنيسة إلى ولاية أريزونا لتعريف الطلاب الأجانب ببعض المناطق الأمريكية وطبيعتها الخلابة. وكانوا في الطريق ينـزلون ضيوفاً على بعض الكنائس ويكون هناك برنامج ثقافي فيتحدث أحد الطلاب مثلاً عن تجربته في الانتقال من دينه السابق إلى النصرانية،وقد كان بعض المتحدثين مسلماً .
رفضت هذا الأسلوب الفج ولم أصدق ما يقولون، وبقيت على اتصال بهذه الكنيسة وبخاصة أن السلوك الاجتماعي في النادي الذي يجتمع فيه الطلاب ملتزم ونضبط، فهم يحرمون الخمر والتدخين، حتى كان يوم دار فيه حديث بيني وبين رئيس الكنيسة حول قضية فلسطين وتشعب الحديث إلى الإسلام والنصرانية فأبدى المنصر عدم إيمانه بوجود دين بعد النصرانية وأنه لا نبي بعد عيسى عليه السلام، فوقع الشقاق بيننا من يومها. وأضيف أنهم لم ينجحوا في اجتذاب الطلاب المسلمين.
انتقلت من هنا للدراسة في جامعة أريزونا ،وهناك كان لقائي بالشباب العربي والمسلم الذين يدرسون العلوم حيث كانت أحاديثنا تدور أحياناً حول الإسلام ومدى صلاحيته للتطبيق في العصر الحاضر، وكان بعض هؤلاء الشباب قد تربّى على الإيمان بالعلمانية والاشتراكية والشيوعية. وشد ما كانت صدمتي حين حدثني زميل عربي مسلم يدرس الدكتوراه في التربية عن القرآن قائلاً :" إنه من وضع محمد (صلى الله عليه وسلم ) وأن القرآن لا يختلف إطلاقاً عن الشعر الجاهلي وأغراضه." فحاولت أن أرد ولكني لم أكن معداً لذلك.
عدت إلى المملكة لألتحق بقسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز ولأصطدم تارة أخرى بالأفكار التي سمعت وعرفت بعضها في أمريكا ،فبعض أساتذتنا تلقوا العلم على أيدي المستشرقين في أوروبا وأمريكا وتبنوا أفكارهم، وكما يقول الدكتور أكرم العمري ."وكنّا نظن أن هذه الأقوال هي اجتهاداتهم لكن بعضهم كان أحياناً يعزو، فإذا ما عزا القول لصاحبه عرفنا أنه يتبنى رأياً لأحد الدارسين الذين كانوا يسمّون مستشرقين، لكن معظم الآراء ما كانت تعزى ، وهذا أخطر بالطبع."( )
وكانت ذروة التأثر بالمستشرقين أن أستاذ مادة علم التاريخ في مرحلة الدراسات العليا الدكتور حسن صبحي صرح عندما سألته عن المنهج القرآني في التاريخ قال :" يا بني لا تخلط العلم بالدين." واحتد النقاش بيننا وخشيت أن تتأثر درجاتي في الامتحان بسبب مخالفتي له في الرأي فكتبت له ذلك فقال " هذا ليس اعتذاراً بل إهانة." فقلت في نفسي من يُهن الدين يستحق الإهانة. وكان إلى جانب هؤلاء المغتربين أصحاب فكر إسلامي أصيل وأذكر منهم الدكتور جمال عبد الهادي الذي كان يدرس مادة علم الآثار وتاريخ اليونان وتاريخ روما وكم كان عظيماً أن ندرس هذه العلوم بمنهاج إسلامي أصيل. ومن ذلك حديثه عن انهيار الإمبراطورية الرومانية وكيف رجع إلى القرآن الكريم ليتخذ من آياته ميزاناً ومعياراً في هذا حتى إن بعض الطلاب همس في أذن زميله :"هل نحن ندرس التاريخ أو الثقافة الإسلامية.؟"
من هو برنارد لويس؟ Bernard Lewis
ولد برنارد لويس في لندن عام 1916م( 1334هـ)، حصل على الشهادة الجامعية من جامعة لندن عام 1936م( 1355هـ) وهو لم يتجاوز العشرين، ودرس في باريس سنتين مع المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون وغيره، ثم عاد إلى بريطانيا ليحصل على الدكتوراه عام 1936م( 1358هـ) عن رسالته بعنوان (أصول الإسماعيلية) تحت إشراف المستشرق هاملتون جب. له عدد كبير من البحوث والكتب والمقالات الصحفية . من أشهر كتبه (العرب في التاريخ) وقد أعيد طبعه سبع مرات. و( ظهور تركيا الحديثة) و(استنبول وحضارة الإمبراطورية العثمانية ) و( الغرب والشرق الأوسط) و ( العرق واللون في الإسلام) و( يهود الإسلام) والحشاشون فرقة ثورية في الإسلام وآخر كتبه ( اللغة السياسية في الإسلام) ( )
عمل لويس في جامعة لندن مدرساً في قسم التاريخ- مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية- حتى ترأس هذا القسم في أول أكتوبر 1957م(1266هـ) وظل رئيساً له مدة خمسة عشر عاماً حتى انتقل إلى قسم دراسات الشرق الأدني بجامعة برنستون بولاية نيوجرسي الأمريكية عام 1973 م( 1394هـ) بالإضافة إلى عضويته الدائمة في معهد برنستون للدراسات المتقدمة وهو المعهد الذي كان يعمل فيه ألبرت إينشتين صاحب النظرية النسبية.
حصل لويس على الجنسية الأمريكية عام 1982م وهو الآن أستاذ متقاعد ، ولكنه مازال يحتفظ بمكانته العلمية في الجامعة ، وقد أصبح عام 1986 مديراً مشاركاً لمعهد بحوث أننبرج للدراسات اليهودية ودراسات الشرق الأدنى بمدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا.
هذا وأشرف لويس على العشرات من الطلاب العرب والمسلمين وغيرهم. وكانت معاملته لهم راقية جداً حتى إنه كان نادراً ما يشكو طالب من سلوكه معه على العكس كان الكثير من الطلبة يحبونه ويتعلقون به. وقد أفادني بهذا الدكتور شارل عيساوي وأكده كل من محمد مناظر أحسن ومايكال كوك. وملاحظة هامشية هنا إن لويس لا يفعل كما يفعل بعض المشرفين في بلادنا وفي بلادهم أيضاً حيث يصرون على أن مهمتهم هي عرقلة سير الطالب وملء حياته بالغم والكمد واستغلاله أسوأ استغلال. ونظراً ليهوديته وصهيونيته فلا بد أنه ضايق بعض الطلاب في اختيار موضوعات بحوثهم أو توجيهها وجهة معينة.
نشاطات جامعة برنستون الاستشراقية:
بعد وصولي مدينة برنستون زرت جامعتها وبخاصة قسم دراسات الشرق الأدنى لمعرفة نشاطات هذا القسم وفيما يأتي نبذة موجزة لهذه النشاطات التي حضرتها:
أولاً : محاضرة للبروفيسور ليون كارل براون L.C. Brownبعنوان " وهم يتحقق: الجهود الأمريكية لتنظيم الشرق الأوسط"
كان ملخص المحاضرة أن على أمريكا أن تتخلى عن أعمالها الإمبريالية وزعامتها للعالم، ذلك أن هذه الزعامة باهظة التكاليف، وأن أمريكا لا تستفيد من هذه الزعامة بقد ما تكلفها. ودار نقاش حول هذه المسألة وهل من حق أمريكا أن تتخلى عن هذه الزعامة فينفرد بها الاتحاد السوفيتي ( سابقاً ) أو أن الطرفين لا بد أن يتركا دول العالم وشأنها. وهل هذا ممكن؟ وكان من الذين أدلوا بدولهم طالبة تركية قالت: " إنكم تتحدثون عن موقف أمريكا وكأن العالم فراغ مهمل، وكأن الدول الصغيرة ستبقى إلى الأبد صغيرة وأن أمريكا ستظل هي القوة صاحبة الرأي والقرار." وقد خطرت لي فكرة وهي أليس هذا الثراء الذي تنعم به أمريكا والقوة التي تسند هاذ الثراء إلاّ بسبب ما أكلت أمريكا من لحوم الشعوب الأخرى؟ وهل ما قدمته أمريكا أو تقدمه يساوي ما وصل إليها من ثروات الشعوب الأخرى؟ ولكني كنت موطد النفس على أن لا يكون لي رأي، فأنا بحاجة إلى العمل الهادي.
والبروفيسور براون كانت اهتماماته متجهة إلى شمال أفريقيا فكتب في تاريخ توسن كما كتب عن علماء الإصلاح في الجزائر، ولكنه تحول مؤخراً إلى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط بعامة. وله كتاب حول سياسة أمريكا في الشرق الأوسط مقرر على طلبة قسم العلوم السياسية ودراسات الشرق الأدنى كذلك.
ثانياً : محاضرة البروفيسور شارل عيساوي، بعنوان " الشاعر الإنجليزي شيلي والشرق الأوسط، 1820م"
وقد تحدث فيها عن موقف الشارع من الدولة العثمانية وأوضح حب شيلي وهيامه بكل ما هو يوناني – وتلك موجة قد اجتاحت أوروبا وأمريكا فترة من الزمن- فلذلك نجد شيلي قد وجه غضبه وحقده على الدولة العثمانية. أما ما كتبه ثورة الإسلام فيقول المحاضر إنه لم يكن له علاقة بالإسلام، فقد أراد شيلي أن يطعن في النصرانية ولكن خوفه من الكنيسة جعله يسمّي بحثه " ثورة الإسلام" . وفي أثناء المحاضرة ذكر عيساوي أن شيلي كان يرى أن النصرانية خير للشعوب الأخرى وفي الهند بالذات وأنها ساعدت على تمدين الهنود. وفي نهاية المحاضرة قلت للدكتور عيساوي لقد كان للهنود المسلمين رأي آخر في النصرانية المصدّرة إليهم، وقد عارضوها لأنها تهاجم الإسلام وتطعن فيه. وقد كان هناك مناظرات خطيرة من أهمها ما دار بين الشيخ رحمة الله الكيرواني والقس فندر.( ) فقال ليس لي علم بهذا وحبذا لو كتب لي رأيك في المحاضرة.
أما بقية البرامج فأكتفي بذكر أسماء المحاضرين وعناوين محاضراتهم ولكم أن تستنتجوا من ذلك ما شئتم.
ثالثاً: محاضرة البروفيسور إبراهام يودوفيتش. بعنوان " من كتَبَ ميثاق عمر؟ : ملاحظات متأنية حول الموقف الإسلامي القانوني من الأقليات." وقد علمت أنها كانت حديثاً حول عهد عمر رضي الله عنه لأهل الذمة وادعاء بعض المستشرقين أن بعض النصارى هو الذي كتب هذا العهد.
رابعاً: محاضرة إيمانيول سيفان Emanuel Sivan أستاذ زائر من جامعة تل أبيب بعنوان " الفرار من العروس في الأردن"
خامساً: صادق جلال العظم أستاذ زائر من جامعة دمشق : " من يحكم سوريا اليوم"
سادساً : أندريه ريموند أستاذ زائر من جامعة بروفنس بفرنسا بعنوان " هل هناك مدينة إسلامية؟"
محاضرات الأساتذة الزائرين
1- محاضرة البروفيسور راينهارد شولتز: أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بون بألمانيا الغربية وعنوانها :" الإسلام السياسي في القرن العشرين" تحدث فيها عن وجود إسلام سياسي وإسلام آخر يهتم بالسلوك اليومي للمسلم. وتحدث عن مسألة الحاكمية ثم انتقل إلى الكلام عن العصر الحديث منذ القرن الثامن عشر وبداية الاستعمار وظهور حركة النهضة الإسلامية والصراع بين الفئة المتغربة وعلماء الدين المصلحين. واهتم بالحركة الإسلامية المعاصرة وموقف الدول الإسلامية وركز على أن الدول الإسلامية تحاول بشتى الوسائل تبني بعض الممارسات الإسلامية محاولة منها إقناع الحركة الإسلامية بجديتها ومن ذلك استخدام الفتوى لإقرار بعض الأمور الاجتماعية والاقتصادية. وقد حصلت على نسخة من هذه المحاضرة.
2- محاضرة البروفيسور جيفري لويس ( ) وعنوان المحاضرة " النجاح الكارثة – الإصلاح اللغوي" وهي محاضرة كان قد ألقاها عام 1985 م في الأكاديمية البريطانية تحدث المحاضر عن جهود مصطفى كمال وحكومته لإيجاد لغة تركية حديثة يتخلصون فيها من الكلمات الدخيلة وبخاصة المفردات العربية وألمح بسخرية إلى أن الكلمة العربية كانت إذا دخلت اللغة التركية دخلت بعائلتها وضرب المثل بكلمة علم ، يعلم ، علماً، عالماً معلماً علماً عليماً 000الخ. وقد أشاد المحاضر بالجهود التي بذلت في هذا الشأن وكيف أنها مرتجلة أحياناً ومتسرعة ولكنه يعود ليذكر الحضور بعبقرية مصطفى كمال وإخلاصه وتفانيه. وقد أشار المحاضر إلى أن الحروف اللاتينية أنسب وأكثر ملاءمة للغة التركية، وبرر ذلك باحتواء اللغة التركية على عدد كبير من الأصوات يفوق ما في اللغة العربية التي ليس فيها من الحركات سوى ثلاثة هي الضمة والفتحة والكسرة . وهذه القناة موجودة لدى صغار المستشرقين ممن تعرفت عليهم في برنستون.
وفي نهاية المحاضرة تقدمت إليه لأشكره على محاضرته الممتعة، ولمّا لم أكن أعرف أنه يهودي قلت له قرأت أن مصطفى كمال من يهود الدونمة وهذا سبب من أسباب غضبه على اللغة العربية وحقده على الإسلام فهل هذا صحيح. فقال: " لقد سمعت مثل هذا وصدمت ، ثم رأيته يتجهم ويشيح بوجهه عنّي ملتفتاً إلى الآخرين الذين تقدموا إليه.
المحاضرات الجامعية
وفي مجال المحاضرات الجامعية لطلبة الدراسات العليا وجدتني منجذباً لحضور بعض محاضرات الدكتور صادق جلال العظم( ) عن الفكر السياسي المعاصر في العالم العربي. وقد كانت محاضراته تنطلق من كتاب( الهزيمة والأيديولوجية المهزومة" وبالذات لفصل المعنون ( سيرة ذاتية) لياسين الحافظ أحد كبار منظري حزب البعث السوري. لقد كانت المحاضرات التي استمعت إليها حول لغة النص وخلفية الكاتب ( ياسين الحافظ ) الثقافية والاجتماعية. وقد أشار العظم إلى تمرد ياسين الحافظ على اللغة العربية وقوالبها المعروفة، وأكد على أن ياسين الحافظ ينظر إلى اللغة كأداة ووسيلة لنقل الفكر وأنه ليس لها حرمة أو قدسية. ومن الألفاظ الغربية التي أصروا على إدخالها للغة العربية كلمة ديموقراطية فاشتقوا منها فعلاً هو دمقرط أو مقرط وكلمة بروليتاريا وكولونيالية وراديكالية وأدلج من أيديولوجية ودمغج من يدماغوجية وغيرها، وغرامه بصيغ جديدة مثل سياسوية ، وماضوية وأخلاقوية والخيانوية والمادوية وسواها. أما أفكار النص فكانت ستأتي في محاضرات أحمد الله أنني لم أحضرها فقراءة النص تكفي. لكن أبرز ما في النص من أفكار أنه لم يتوجه به إلى أولئك الذين ما زالوا يتمسكون بعقائد غيبية ،و هناك تركيز على المفاهيم الشيوعية.
نشاطات جمعية برنستون للشرق الأوسط:
دعت جمعية برنستون للشرق الأوسط إلى محاضرة يلقيها وليم كواندت من كبار أعضاء معهد بروكنقز " حول سياسية أمريكية نحو الشرق الأوسط في التسعينات" كما دعي اثنان من أساتذة العلوم السياسية في الجامعة لمناقشته. وقد بدأ المحاضر محاضرته بمجموعة من الفرضيات وتناولها فيما بعد بالنقاش وهذه الفرضيات هي:
أ- انخفاض حدة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا واتفاق كلتا الدولتين على أن الشرق الأوسط لا يستحق المغامرة من أجله.
ب- لم يعد النفط يشكل أزمة في السياسة الدولية.
ج- استمرار الخريطة السياسية للشرق الأوسط دون تغير.
د- انشغال دول الشرق الأوسط بمشكلاتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية.
هـ لن يكون هناك تغيير كبير في النواحي الأيديولوجية فلا يتوقع مثلاً أن تصل أي حركة إسلامية إلى الحكم.
و- تطور الأسلحة الكيميائية في دول المنطقة مثل سوريا ، والعراق وإيران، وأن هذه الأسلحة ليس صعبة فيمكن تطويرها بإمكاناتهم الحالية.
ومن الجدير بالذكر أن كواندت هذا كان من كبار الموظفين السياسيين في الحكومة الأمريكية لكنه تحول إلى النشاط الأكاديمي وذلك ما فعله غيره من الساسة الأمريكيين أمثال هنري كسينجر وهارولد ساوندرز وروبرت نيومان. وفي مقال نشرته مجلة المجلة تحدث فيه كاتبه عن كواندت في آخر مقاله قائلاً :" ويعتبر كواندت من أبرز خبراء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة والمدرك لأبعاد الصراع العربي الإسرائيلي علىالمصالح الأمريكية" وذكر كاتب المقال أن كواندت هذا قد نشر كتاباً عن معاهدة كامب ديفيد تعد وثيقة هامة في هذا الموضوع.( )
معرض الصور الفوتغرافية عن الانتفاضة:
أما النشاط الآخر الذي دعت إليه جمعية برنستون للشرق الأوسط فهو معرض للصور الفوتغرافية قدمه صحفي ليس له ارتباط بأي صحيفة أمريكية (Free Lancer) بدأ الصحفي حديثه قائلاً إن المساحة التي تحتلها أخبار الانتفاضة في الصحافة الأمريكية محدودة جداً وتُغطّى بطريقة ظالمة للفلسطينيين، وبدأ عرض الصور والتعليق عليها وشرح الإجراءات اليهودية وذكر أن مجرد تجمع مجموعة من الفلسطينيين لا سلاح معهم يكفي لإطلاق النار عليهم من قبل اليهود. وفضح ما يقال عن الرصاص المطاطي بأنه لا يؤذي قائلاً إن إطلاقه من مسافة قريبة قد يؤدي إلى إصابات بالغة وخطيرة. وأضاف إن استخدام الغاز المسيل للدموع فيه كثير من الأضرار الصحية. وتحدث أيضاً عن محاولة الجنود اليهود منعه من التصوير مرات عديدة ولكنه إيماناً منه برسالته في فضح الممارسات اليهودية كان يقاومهم دائماً وهو ينوي العودة إلى فلسطين قريباً.
حاول اليهود في القاعة أن يبرروا أعمال الجنود اليهود وأن الحجارة أيضاً خطرة، وأنه كان هناك ضحايا من جنودهم. وكدت أشكره علناً لولا أنني تذكرت مهمتي في برنستون. وبعد انتهاء العرض ذهبت إليه وشكرته وقلت له: سواء آمن الشعب الأمريكي بقضية الفلسطينيين أم لم يؤمنوا فإن الانتفاضة سلاحها الإسلام والإيمان باله وما كانت حربنا مع يهود إلاّ حرب عقيدة ، وليس الفلسطينيون وحدهم في هذا الميدان فقد سبقتهم شعوب إسلامية.
ومما يؤخذ على هذا الصحفي وغيره عدم معرفته بجوانب الصراع والاكتفاء بتصويره على أنه صراع من أجل الأرض والتحرر من الاحتلال، وإنما هو أكبر من ذلك.
المستشرقون الصغار:
و بالرغم مما أعرف عن نفسي من انطوائية وعدم قدرة على الاختلاط بالناس في مجتمع كالمجتمع الأمريكي، لكن كان هناك لحظات تغلبت فيها على هذا النقص فعملت أموراً عن خلفيات بعض الطلبة الثقافية والاجتماعية فأحد الطلبة مبتعث من الجيش الأمريكي وهو برتبة ضابط مبتعث لدراسة أحوال الشرق الأوسط الفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد درس اللغة العربية مدة ثلاث سنوات، كما قابلت طالباً آخر حصل على منحة من مؤسسة فلبرايت وقد أمضى ثلاث سنوات يعلم في المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية في صنعاء ويتقن اللغة العربية والتركية وغيرهما. وسوف يحضر ندوة عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن تعقدها جمعية الشرق الأوسط في لوس أنجلوس.
وحضرت لقاءً لطلاب الدراسات العليا في قسم دراسات الشرق الأدنى في برنستون لتكوين جمعية لهم وعلمت أن من نشاطات مثل هذه الجمعية تمويل نشاطاتهم المختلفة مثل الحفلات الموسيمة وتعلم اللغات المختلفة ( العربية والفارسية والتركية وغيرها)
ومن الطلاب الذين لم ألقهم ولكن عرفت طبيعة عملهم عن طريق بحثه وهو طالب يعمل حالياً في البحرية الأمريكية وقد كان بحثه لدرجة الماجستير حول التنصير في الخليج العربي من عام 1889إلى 1974م( 1306إلى 1393هـ)( )
مقابلة المستشرقين في جامعة برنستون:
ومن نشاطاتي في برنستون الالتقاء بالأساتذة وكان ممن لقيت البروفيسور إبراهام يودوفيتش رئيس قسم دراسات الشرق الأدنى، وهو من أصل روسي متخصص في التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي. عرضت عليه خطة بحثي وأهديت له نسخة من كتابي عن جمعية العلماء، فأخبرني أن زوجه مهتمة بشمال أفريقيا. وكان حريصاً على تسهيل مهمتي وعرض علي المساعدة ولم أحتج منه إلى أي شيء. وفي أحد لقاءاتي به قال لي انظر يا مستر مطبقاني نحن حريصون على أن نعرض الإسلام بطريقة صحيحة، ولدينا علماء مسلمون أتقياء أمثال مدرّسي ولا أدري هل كان يتوقع أن أصدّقه أو لا. ولكني لم أناقشه وقد قرأت قريباً أنه كان أحد أعضاء الوفد اليهودي الذين ذهبوا لمقابلة ياسر عرفات في السويد.( )
البروفيسور مايكال كوك: أستاذ التاريخ الإسلامي وأحد تلاميذ البروفيسور برنارد لويس، من أهم أعماله الذي اشترك في تأليفه مع باحثة إنجليزية هي باتريشيا كرون كتاب بعنوان ( الهاجرية) وهي محاولة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بالاعتماد على المصادر غير الإسلامية ورفض المصادر الإسلامية دون منطق مقبول. وكان مما توصلا إليه في كتابهما أن المهاجرين ينتسبون إلى هاجر وليس إلى الهجرة من مكة إلى المدنية، وفي هذا الكتاب يصرح المؤلفان أن أي مسلم لن يقبل النتائج التي توصلا إليها ليس لأن هذه النتائج تقلل من الدور التاريخي لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن لأنها تقدمه في دور يختلف كلياً عما يعرفه المسلمون تقليدياً. ويصرحان أيضاً بأن كتابهما كتب من قبل الملحدين للملحدين، وأطرف ما في الكتاب اعتراف أن المسلم الذي في قلبه مثقال حبة من خردل من الإسلام فإنه لن يجد صعوبة في رفض الكتاب.( )
البروفيسور أتكوويتز: أستاذ التاريخ الإسلامي العثماني، وهو من المؤمنين بنظرية فرويد في التحليل النفسي، وقد قام بهذا العمل في كتابه حول مصطفى كمال حتى يقال إنه لما فضح من أخلاق مصطفى كمال في كتابه هذا أصبح مغضوباً عليه. ولم أحصل على نسخة من هذا الكتاب رغم حرصي على ذلك،( ) لكني وجدت عرضاً له كتبته المهدية مريم جميلة في مجلة متخصصة جاء فيه قولها :" وبالرغم من أن المؤلفين (اتكوويتز وآخر) معجبان بعمق بعبقرية أتاتورك في القيادة ويمدحان بحماسة إنجازاته في تحديث تركيا وتغريبها إلاّ أنهما لا يحجمان عن الكشف الصريح عن كل عيوبه الشخصية وضعفه البشري."( )
طرقت بابه دون موعد مسبق فرحّب بي وقال: " لقد التقيت شباباً من السعودية قبل خمسة عشر عاماً فشعرت أنهم أذكى طلاب الشرق الأوسط وأكثرهم نباهة ولم يحدث ما يغيّر رأيي فيهم " فقلت له وأرجو أن لا تكون هذه المقابلة سبباً في تغيير هذه النظرة. ثم تحدث عن المؤرخ وكيف يتأثر بالأفكار السائدة في مجتمعه وعصرة. ففي الوقت الذي ظهر هو فيه كان الناس يهتمون بالتحليل النفسي فانساق هو مع هذا التيار،وفي العصر الحاضر انصب الاهتمام على القضايا الاقتصادية فيكون التفسير الاقتصادي للتاريخ هو السائد.
حاول أثناء الحديث أن يعرض عليّ أهمية التحليل النفسي بتطبيقها على مسألة الوحي واعتذر بأن ذلك قد يغضبني، وكان كلامه أن الوحي حلة مرضية فقلت له لا بأس، وأضفت أن الشيخ محمد رشيد رضا قد كتب قبل خمسين سنة تقريباً كتاباً بعنوان ( الوحي المحمدي) رد فيه على مثل هذه الأفكار وأبسط الردود أن الذي يكون في حالة مرضية لا يأتي بقرآن معجز ولا يؤسس دولة وأمة.
البروفيسور شار عيساوي: فلسطيني- مصري – أمريكي، متخصص في الدراسات الاقتصادية للعالم الإسلامي وبالذات مصر. قابلته لصداقته للويس ولأعرف رأيه في خطة البحث. أعجبته الخطة وقال لي بالتعبير العراقي: زين، زين. وأعجب بصفة خاصة بالمنهج. ولمّا ذكرت له أن لويس لا يريد مقابلتي ، قال لماذا؟ وأضاف سأحدثه عنك وأقنعه بمقابلتك. ونصحني بأن يقتصر بحثي على القضايا التي تخص العالم العربي، فهناك من الأتراك من يتولى الرد على لويس فيها. سألته عدة أسئلة عن حياة لويس وتلاميذه، فأجابني كما ذكرت سابقاً بأن علاقة لويس بمن يشرف عليهم من الطلاب رائعة جداً، وهو يساعد الطالب في بحثه ويهيئ له كل ما يحتاجه. وسألته عن ممارسة لويس للشعائر اليهودية فنفى أن يكون لويس متديناً وأنه لم يدخل قط في حياته المعبد اليهودي ، ثم استدرك – على حد علمه-.
اللقاء بالبروفيسور لويس:
لقد كان من الاستعداد للقاء لويس الكتابة إليه للحصول على موعد معه، فكانت إجابته على رسالتي الأولى أن منهجه لا يمكن الكتابة فيه بما يكفي لرسالة دكتوراه، واقترح عليّ الكتابة في موضوعات أخرى. فأجبته بأن العنوان مقترح ويمكن تغييره ليصبح مفهوم لويس، ولكنه بقي متردداً، وأجاب في رسالته الثانية قائلاً:" إنه متخوف أن تكون كتابتي غير موضوعيه ومتعصبة ضده، وأنه لا بد أن يرى جزءاً من الرسالة حتى يقرر فيما إذا كان اللقاء سيكون ذا جدوى أم أنه لا جدوى منه ،وعلل ذلك بأنه مشغول جداً وأنه حريص على استغلال وقته بشكل دقيق. علمت عندنا أن محاولة إقناعه للقائي لن تجدي ولو حاول معي كل من أعرف ليقنعوه باللقاء فإنه لن يقبل ، ففضلت الرحيل إليه.( )
وصلت برنستون وسألت عن لويس فعلمت أن على أهبة السفر إلى جنوب شرق آسيا، ولم أتمكن من ترتيب موعد للقائه قبل سفره ، وكان هذا توفيقاً من الله أنني بدأت مقابلة زملائه وأصدقائه وزرت معهده في فيلادلفيا ، فما أن عاد حتى أصبحت كأنني عضو في القسم وأصبح بيني وبين زملائه وأصدقائه ألفة بها يستطيعون إقناعه باللقاء.
ما ذا سيكون الحديث عند لقائه؟ لقد كان في ذهني أن أسأله أو أناقشه في مسائل محدده مما كتب، ولكن المشرف على بحثي للدكتوراه أشار علي بأن يكون اللقاء عاماً وحول منهجه بالذات، وأعددنا الأسئلة ( أملاها عليّ) وشاورت الدكتور أكرم ضياء العمري قبل أن أسافر فقال لي : لو قدّمت هذه الأسئلة لما سمح لك لويس بالحديث معه فهو رجل ذكي ولمّاح والأسئلة فيها اتهامات صريحة للويس في منهجه.
وحدد لي لويس موعداً للقائه دعوة إلى الغداء في مطعم الأساتذة ،وهو مطعم راق يطرس نظرية التفرقة والاستعلاء حتى لما ذكرت للويس أن حبذا لو كان للطلبة مطعم مشابه قال أليس عند المسلمين الخاصة والعامة ، وهذا للخاصة. ولم أناقشه لأنني أريد أن أستمع فقط. فليست الخاصة والعامة إلاّ ما أورده أحد الفقهاء المسلمين بأن الخاصة هم القادرون على فهم الأحكام وعللها ، والعامة الذين لا يقدرون على هذا الفهم لعدم استعدادهم العلمي والعقلي وهذا من التقسيمات الباطنية أيضاً.
وفي هذا اللقاء كان الحديث عاماً صوّرته في مذكراتي باللقاء بين المتصارعين أو المتلاكمين عندما يحدق كل منهما في عيني خصمه يحاول هزيمته قبل اللقاء. وكان لقائي بلويس هادئاً استمعت فيه أكثر وأفصحت عمّا عندي أقل حتى إنه قال يبدو أنك تعلمت الدبلوماسية من عملك في العلاقات الدولية في الخطوط السعودية. قلت: قليلاً.
وجئته بعد أيام في مكتبه وقد أعددت أربعة أسئلة حول منهجه والتغيرات التي طرأت على هذا المنهج وحول التوثيق في كتاباته وعمن تأثر بهم في منهجه وأجاب عن الأسئلة وقمت بتسجيل حديثه بآلة التسجيل.
ولعل أهم نتيجة أعتقد أنني وصلت إليها هي إقناع لويس وغيره أن المنتسبين للمعاهد أو الجامعات الإسلامية ليسوا كلهم متعصبين أو حاقدين على المستشرقين، وإنما هم ينطلقون من قوله تعالى ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)( ) وقد سألني رأيي في مسألة ما فقلت له لا بد أن أقرأ كلما كتب حولها ومن ثمّ أستطيع أن أكوّن لنفسي رأياً فأعجبته هذه الإجابة.
مكتبة جامعة برنستون:
وقبل أن أختم الحديث عن زيارتي لجامعة برنستون لا بد لي أن أذكر كلمة عن مكتبة جامعتها، فهي تعد المكتبة الجامعية الأولى مساحة في العالم وربما في عدد كتبها أيضاً. وقد افتتحوا أثناء زيارتي توسعة للمكتبة التي بلغت تكلفتها أحد عشر مليون دولار ، أما ميزانية المكتبة فقد تسببت في عجز في ميزانية الجامعة قدره حوالي مليون دولار. وإن من الوسائل التي استحدثوها لمواجهة الزيادة المضطردة من الكتب والدوريات أن أضافوا بعض الرفوف التي تتحرك على قضبان كسكة الحديد فلا تأخذ مساحة واسعة ويمكن تحريك الرفوف بعجلة صغيرة باليد.
وهناك قسم للكتب العربية فيه من الكتب ما لا يمكن أن يوجد مثله في المكتبات العربية، ولهم وسائل خاصة معرفة كل ما يصدر في العالم العربي والإسلامي واقتنائه. ولكني وجدت ترتيب الكتب بطريقة لم استطع فهمها، فهناك كتب التاريخ إلى جوار كتب التفسير إلى جوار كتب اللغة ،ليس لها نظام حتى الترتيب الأبجدي لأسماء المؤلفين ليس هو النظام المتبع. وعللت الأمر بأن الباحثين يستعينون بالبطاقات أو الكمبيوتر في معرفة مكان الكتاب ولا حاجة للوقوف بين الرفوف، ولكن وقوفي بين الرفوف يسر لي الحصول على مخطوطة( ) لأحد علماء المدينة المنورة توفي منذ مائة عام كما وجدت بعض الكتب لتعليم اللغة العربية العامية في المغرب العربي قد لا تتوفر في المغرب نفسه.
وبالإضافة إلى الكتب المطبوعة فمكتبة الجامعة تضم ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات العربية في العالم وقد قرأت أن أحد علماء المدينة وهو أمين حسن حلواني المدني قد باع لمكتبة برنستون مجموعة من المخطوطات عام 1883 حين حضر مؤتمر المستشرقين الذي عقد في ليدن بهولندا في تلك السنة.( )
معهد بحوث أنانبرج للدراسات اليهودية ودراسات الشرق الأدنى –فيلاديلفيا- بنسلفانيا Annenberg Institute
هذا معهد أقامه اليهود للدراسات المتقدمة ما بعد الدكتوراه بعد أن وجدوا كثرة الجامعات التي تقدم الدراسات اليهودية في المرحلة الجامعية والمرحلة العليا، وهو معهد راق في إمكاناته وتجهيزاته. ويقع في الحي التاريخي من مدينة فيلاديلفيا حيث قاعة الاستقلال والمتحف الأمريكي الوطني . زرت المعهد في غياب البروفيسور لويس واطلعت على مكتبته وتمنيت أن يكون للمسلمين معاهد مثله في بلادهم أو خارجها . اطلعت على برنامجهم للعام الحالي والقادم.
ففي هذا العام 1988/89م يدرس العلماء النصوص المقدسة وترجمتها، وقد لاحظت أن معظم المدعوين من جامعات يهودية في فلسطين حيث يبلغ عددهم سبعة من ثلاثة عشر عالماً ، وهناك عالم مسلم من الهند كان من المقرر أن يقوم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأردو، وهناك أستاذة من جامعة عين شمس هي أمينة جمعة ستقوم بترجمة المشينا إلى اللغة العربية مع مقدمة وتعليق. أما موضوع البحث للعام المنصرم فكان حول التفرقة العنصرية والنمطية ، ولم أحصل على موضوعات البحث. حصلت في هذه الزيارة على بعض أعمال لويس التي لم أتمكن من الحصول عليها في جامعة برنستون.
المعهد العالمي للفكر الإسلامي- هرندن –فيرجينيا.
ويعمل في هذا المعهد كل من الدكتور طه جابر العلواني والدكتور عبد الحميد أبو سليمان وغيرهما، ويتركز جهد المعهد أساساً على اسلمة المعرفة ويستعينون على ذلك بالندوات والمؤتمرات والبحوث والتأليف. وأجد من المهم أن أذكر هنا أهداف المعهد التي ينبغي على المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي كله تبنيها وهي:
1- إشعار الأمة الإسلامية بقَدْرها وتحريرها من عقد النقص والهزيمة الروحية والفكرية وإنقاذها من الانفتاح الوهمي والاعتزاز السلبي بالتاريخ.
2- تنبيه الأمة الإسلامية إلى أهمية تراثها الإسلامي وتذكيرها بأن دوره لم ينته ، وأنه لابد من إحياء جوانبه النافعة المفيدة وتنميتها.
3- تيسير الاطلاع على التراث الثقافي والفكري الإسلامي وتبويبه وتصنيفه وفهرسته على أ بواب العلوم والأنشطة المعاصرة وتقديمه للباحثين المسلمين بأيسر السبل وأفضل الوسائل مع العناية بتنقيته مما يخالف الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة ولا ينسجم مع غايات الإسلام ومقاصده وأهدافه…الخ.
وللمعهد قائمة منشورات هامة أذكر منها على سبيل المثال: سلسلة إسلامية المعرفة صدر منها" إسلامية المعرفة: المبادئ العامة وخطة العمل" و " نحو نظام نقدي عادل" وإعادة طبع كتاب " أدب الاختلاف في الإسلام" و " نحو عليم الإنسان الإسلامي"
عقدت مقارنة ذهنية سريعة بين المعهد العالمي ومعهد أنانبرج ليس في الأهداف فهذا أمر لا يحتاج إلى نقاش ولكن في المبنى والتجهيزات ففرحت أن هذى الله من أثرياء المسلمين من قام على تمويل هذا المعهد. وهو فيما يبدو لي مستقل في أعماله وهذا أصل خطير تتمسك به المعاهد العلمية التي تريد النجاح والفلاح.
تقويم موجز لتجربية برنستون:
قبل سنتين تقريباً نشرت مجلة المجتمع ( ) تقريراً للمستشرق الأمريكي دانيال بايبس أستاذ التاريخ بمركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط عن بحث له بعنوان " المتعصبون المسلمون وسياسية الولايات المتحدة" وجاء في تقديم المجلة للتقرير:" وتأتي أهمية التقرير الوثيقة لأنه صادر عن مركز متخصص بدراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفارد التي تتميز بقوة النفوذ الصهيوني فيها كما تعتبر مركزاً أكاديمياً مؤثراً في السياسات الأمريكية بشكل عام. وأشارت المجلة إلى الدكتور ناداف سافران وهو أستاذ يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية من أصل مصري قد عهد إليه بالإشراف على عقد مؤتمر عن "الإسلام والسياسة في العالم المعاصر" ولما اكتُشِفَ أن المؤتمر موّلته المخابرات المركزية الأمريكية CIA اضطر إلى الاستقالة.
والبروفيسور لويس الذي كان يعمل في جامعة برنستون يرأس لجنة الزيارات في قسم لغات الشرق الأدنى وحضارتها في جامعة هارفرد. وقد سألني هل زرت جامعة هارفر فإنه مركز يستحق الزيارة وهو يستحق الزيارة فعلاً.( )
إن ذكر هذا التقرير الذي أعده بايبس في جامعة هارفرد يذكرنا بما نشرته مجلة الدعوة حينما كانت تصدر في النمسا عندما نشرت ترجمة بحث المستشرق برنارد لويس بعنوان " عودة الإسلام" ويكفينا أن نقرا مقدمة المجلة للبحث:
" برنارد لويس البريطاني الأصل ( 1916م) واحدٌ من أشهر وأخطر المستشرقين المعاصرين في الكتابة عن القضايا الإسلامية 000إلى أن تقول المجلة "وأهمية الدراسة تعود إلى أهمية القضية التي تتناولها إذ هي قضية الساعة لدى المسلمين الواعين ولدى أعدائهم على السواء، وإلى أهمية الكاتب وطول خبرته في هذا الميدان ، وإلى قدرته الواضحة على توفير المعلومات وتنظيمها ليثير من خلال ذلك قضايا حساسة."( )
فبالإضافة إلى مثل هذه الأعمال المشهورة التي وصلت إلينا فما لا يصل إلينا كثير جداً ففي عام 1974م /1394هـ ألقى البروفيسور لويس كلمة أمام لجنة الكونجرس الفرعية للشؤون الخارجية برئاسة هنري جاكسون عن الصراع العربي الإسرائيلي واعتزازاً من اليهود بتلك المشورة الغالية قامت وزارة الشؤون الخارجية في إسرائيل بنشرها. أما غيرة من الباحثين وصغار المستشرقين فإنهم يعملون بنشاط دؤوب لا يعرف الكلل. إنهم يدرسون اللغات والديانات والمجتمعات ويقيمون المحاضرات والندوات المنظمة جداً ليصلوا إلى هدفهم وهو المعرفة التي يوجهونها نحو إحكام قبضتهم على العالم ، ونحن من هذا العالم الذي لم تنته أطماعهم فيه.
وبالمناسبة أود أن أذكر أن رابطة الشباب العربي المسلم في أمريكا قد نشرت مؤخراً كتاباً بعنوان" الإسلام السياسي وتحولات الفكر المعاصر" تضمن دراسة موجزة لكيفية دراسة الغرب للدين الإسلامي وبخاصة ظاهرة الصحوة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.( ) وقد تحدث الكتاب عن الندوات والمؤتمرات التي عقدت في أمريكا وأوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية فذكر منها ما يأتي:
1- ندوة مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة استمرت يومين شارك فيها ما يزيد على خمسة وثلاثين أستاذاً وباحثاً ومفكراً من الاختصاصيين في القضايا العربية والإسلامية.
2- عقدت رابطة دراسات الشرق الأوسط مؤتمرها السنوي العشرين والحادي والعشرين في كل من مدينتي بوسطن وبلتيمور ( 1986و1987م) وقد نوقش في هذين المؤتمرين ما يقارب المائة بحث تنوعت من الطرق الصوفية إلى الحركات الحديثة ثم ظاهرة الأصولية الإسلامية. وأما مؤتمر هذا العام فيعقد في لوس أنجلوس حول التاريخ الاقتصادي الحديث للدول الإسلامية وسوف يقدم أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة برنستون بحثاً عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن بعد أن أمضى هناك ثلاث سنوات.
وقد أصابت العدوى الدول الأوروبية فُقد مؤتمر أوروبي غربي رسمي لمناقشة قضية " المد الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط" وإمكانات انعكاس هذا المد على الأوضاع القائمة حالياً في المنطقة. وقد كتبت مجلة المستقبل عن هذا المؤتمر في عددها رقم 564 في 12 ديسمبر 1987م.
أما في مجال النشر فإن القوم يصرحون أحياناً ببعض نتائج اجتماعاتهم ،ولعل ما خفي يكون أعظم، ولكن لننظر فيما صدر عن أحد الدبلوماسيين الأمريكييين وهو هيرمان إيليتيس حيث يقول:" النظريات التحديثية وضعت الأديان ومنها الإسلام جانباً منذ أمد بعيد وعزلته عن أي دور ذي ثقل تطوير في العالم الثالث. وبدا واضحاً خلال السنوات الخمس الماضية أن أولئك المتطرفين أظهروا قهماً سطحياً لحيوية الإسلام في العالم المعاصر ، وقدموا " نصائح لا قيمة لها في هذا المجال ، وعلى خلاف ما أكدوه فإن الإسلام أثبت أنه حي."( )
وقد استطاعت المجتمع أن تحصل على تسجيل وثائقي لحوار دار بين بعض المسؤولين والمتخصصين في البيت الأبيض حول موقف أمريكا من العالم افسلامي وبخاصة الصحوة الإسلامية ، والحوار يكشف عن مدى تخوف أمريكا من الحركة الإسلامية وإعدادها كل الوسائل لوقفها بل وتحطيمها ولكن نقول ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)( )
بريطانيا
إن الحديث عن بريطانيا قد لا يقع تحت عنوان الكتاب، ولكن للتجار مصطلح حين يكرمون الزبون بإعطائه زيادة على ما اشترى ويطلق على ذلك في الأردن "زيادة البياع" وفي المدينة المنورة نطلق عليها "وصاية البياع" ولكنها في الحقيقة ليست زيادة بل هي من صلب الموضوع، فما بريطانيا وأمريكا إلاّ وجهان لعملة واحدة ، ولنذكر الأثر الذي يحب لويس أن يكرره كثيراً " الكفر ملة واحدة."
نعم رحلت إلى بريطانيا لأتعرف على جذور برنارد لويس وحياته الأولى ونشاطاته وقد تعلمت بع الشيء عنها.
ذكرت أن لويس درّس في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن ، فكان لا بد من زيارتها والتعرف على مكتبتها. وتعد هذه المدرسة من أهم مراكز الاستشراق في العالم الغربي. ولهذه المدرسة تقرير سنوي تصدره الهيئة الإدارية للمدرسة توضح فيه النشاطات العلمية لكل قسم من أقسامها ، ثم تعرض الإنتاج العلمي لكل عضو هيئة تدريس من محاضرات عامة إلى أحاديث إذاعية إلى ندوات تلفازية إلى مقالات وبحوث وكتب منشورة.( )
أردت أن أعرف الرسائل العلمية التي أشرف عليها البروفيسور برنارد لويس ، فكان لا بد من زيارة مكتبة جامعة لندن –قسم الرسائل العلمية، وهذه يطلق عليها مكتبة السينيت Senate House ولكن من الصعب حصر هذه الرسائل لأنها مرتبة حسب أسماء معديها ولكن عن طريق الموضوع يمكن اكتشاف ذلك إلى حد ما. أما أسماء المشرفين فلا توضع على غلاف الرسائل كما هو متبع عندنا. وفي هذه المدرسة قابلت بعض الأساتذة ومنهم:
إم. إي. ياب M.E.Yapp رئيس قسم التاريخ وهو من زملاء لويس تقدمت إليه ببعض الأسئلة فأشار إلى أن هذه الأسئلة واسعة جداً ويجب على الباحث الإجابة عنها، ولكنه تحدث عن انطباعاته عن لويس ، وكان حديثه عاماً فهو لا يريد أن يقول كلمة عن لويس قد تؤخذ عليه.
د. زيدي: أستاذ التاريخ الإسلامي في الهند، زامل لويس في هذه المدرسة وأشركه لويس في كتابة بعض موضوعات دائرة المعارف الإسلامية ( الموسوعة التي يجب أن تكتب بأيد إسلامية مائة بالمائة) ولكنهم يمنون على شخص أو اثنين أو ثلاثة من المسلمين ليشتركوا في أقل جهد لا يمكن أن يغير من طبيعتها الاستشراقية( )
د. فاتيكيوتس: أستاذ العلوم السياسية لدول الشرق الأدنى والأوسط، من زملاء لويس اطلع على خطة بحثي وكان يهز رأسه ويضحك أحياناً ، وبدأ دفاعاً مستميتاً ضد من هاجم لويس منذ ذكرت في الخطة ووصف الذين يهاجمون لويس بأنهم ( زعران) وذكر بأن الذين يهاجمون لويس يفعلون ذلك لأنه خُلق يهودياً وما ذنبه أن خُلِق كذلك.
الدكتور محمد مناظر أحسن: رئيس المؤسسة الإسلامية بمدينة ليستر ،وأحد تلاميذ لويس في مرحلة الدكتوراه، تحدث عنه طويلاً وأكد بعض المعلومات التي حصلت عليها من أمريكا وبخاصة حول معاملة لويس لطلابه. والدكتور مناظر كان قد زودني بجزء لا بأس به من كتابات لويس. والمؤسسة الإسلامية التي يديرها رغم إمكاناتها تقوم بعمل مبارك في نشر الفكر الإسلامي والدعوة إلى الإسلام، وهي مهتمة بالحوار الإسلامي النصراني. ولها دورية مهمة جداً حول الكتب التي تصدر حول الإسلام في الغرب فتقدم مراجعات لهذه الكتب وعروضاَ وتقويماً ، وفق الله القائمين عليها.
بين جامعة برنستون وجامعة لندن:
لقد عقدت مقارنة بين مركز برنستون وجامعة لندن ليس من حيث الأهداف والغايات، فهذه متفقة إلى حد كبير، ولكن من حيث الإمكانات والتجهيزات فوجدت أن الأمريكان يتقدمون الإنجليز بعشرات السنين ،فمكتبة مدرسة الدراسات الشرقية على ضخامتها واتساعها فليس فيها سوى آلة تصوير واحدة، وكانوا ينوون إضافة آلتين جديدتين. ولكن حين كنت هناك كان لا بد من الانتظار في صف طويل. وأذكر هنا كلمة للدكتور مناظر قالها في محاضرة ألقاها في قسم الاستشراق في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة جاء فيها: وأما أمريكا فالمقدرة المالية متوفرة، فهناك برامج وتخطيط على نطاق واسع ن ولكنه ليس في خدمة الإسلام. إنهم حين ينشئون أقساماً جديدة ومؤسسات فهي ضد الإسلام. وأما في بريطانيا فإنه وإن انخفض العمل وقل الإنتاج لقلة الموارد لكن الاستشراق لن يموت فالاستشراق مستمر. وقد تغير الأمر في الوقت الحاضر فلم تعد الدراسات الاستشراقية تركز على العقيدة والتاريخ فقط بل اتجهت إلى الأوضاع الحاضرة والنهضة أو الصحوة الإسلامية أيضاً"
وفي ختام حديثي هذا لا أجد خيراً من كلام الدكتور أكرم ضياء العمري في تحديد الحل الذي يتمثل في جانبين: الشق الأول :" أن نمثل أنفسنا أمام أنفسنا بأن تقوم مؤسساتنا العلمية برسم الصورة الثقافية والتاريخية والعقدية لأمة الإسلام دون أن تخضع للأفكار المسبقة التي رسمها المستشرقون، فهذا جانب مهم وأولي وهو أحرى بالاهتمام لأن فيه تحصيناً للأمة ، ثم يصار إذا بلغنا المستوى المناسب من تهيئة أصحاب الخبرات نقوم عندئذ بتمثيل أنفسنا أمام الآخرين وبلغاتهم." وأحب أن أضيف أن الجانبين لا يلزم أن يكونا منفصلين أو متعاقبين بحيث أن نتم الأول لنبدأ الثاني ، فلا بأس أن يقوم القادرون منّا على تمثيلنا أن يفعلوا ذلك إذا كانوا على يقين بصدق تمثيلهم لأمتهم وعقيدتها وفكرها وتاريخها. لأنه إذا انتظرنا إنجاز الشق الأول فإن الغرب متقدم علينا الآن بخطوات واسعة في دراستنا وتمثيلنا فلا بد من العمل الدؤوب المخطط له.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع:
المراجع العربية :
- إبراهيم ، أحمد خضر ," الإسلاموالكونجرس" في المجتمع ، الأعداد من 914إلى973 في الفترة من 20 رمضان 1409إلى 18ذو الحجة 1410هـ الموافق 25 أبريل 1989حتى 10 يوليو 1990م.
- أحسن ،محمد مناظر." حقائق عن الاستشراق" محاضرة ألقيت في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة باللغة الإنجليزية في 25شعبان 1408هـ ،قام بالترجمة كل من عدنان الأماسي ومازن مطبقاني.
- بايبس، دانيال. "المسلمون المتعصبون وسياسة الولايات المتحدة" في المجتمع (الكويت) عدد 743في 14 ربيع الأول 1406هـ 26 نوفمبر 1986، ص-ص 28-32.
- برصان، أحمد. " كيف تصنع الولايات الجامعات الأمريكية قرارات البيت الأبيض ووزارة الخارجية" في مجلة المجلة. عدد 415في 20-26يناير 1988م(1-7جمادى الآخرة 1408هـ.
- سعيد ، إدوارد ،" الاستشراق والصهيونية" في مجلة المجلة، العدد 408في 2-8ديسمبر 1987م.
- عبد الرحمن،عفيف ،" الدراسات العربية والإسلامية في أمريكا" في مجلة الفيصل. عدد 49 رجب 1401هـ أيار ( مايو) 1981، ص 18-23.
- العمري، أكرم ضياء العمري . "الاستشراق هل استنفد أغراضه؟" محاضرة عامة ألقيت في الجامعة الإسلامية في رجب 1408هـ
- لويس ، برنارد ، " عودة الإسلام" في مجلة الدعوة ) النمسا) الأعداد 68-89، ذو القعدة 1403حتى صفر 1404هـ( أغسطس إلى نوفمبر 1983م)
- المدينة المنورة. " عرفات يجتمع بيهود أمريكيين" العدد 7886في 28 ربيع الآخر 1409، 7 ديسمبر 1988م
- يوسف ، أحمد بن . الإسلام السياسي وتحولات الفكر المعاصر.انديانا:رابطة الشباب العربي ، سلسلة البحوث والدراسات عام 1988م.
مراجع أجنبية:
- Deveneux, Robert.” A Note on Middle Eastern Studies in the United States” in Islamic Quarterly. 1963,P.p. 95-102.
- Patricia Crone and Michael Cook> Hagarism: the Making of the Islamic World. Cambridge: Cambridge University Press, 1977.
القسم الثاني
تحليل نقدي للدراسات الإسلامية في جامعات أمريكا الشمالية
إعداد
لجنة الدراسات الشرقية المنبثقة عن ندوة الشباب الإسلامي
في طرابلس- ليبيا
يوليه 1973م، روجعت الدراسة في مارس 1975م.
ترجمة
د. مازن مطبقاني
مراجعة
الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة
تقديم
إن دراسات الشرق الأدنى والأوسط التي تقدم في أكثر من عشرين موقعاً في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا تختلف مستوياتها من حيث الكفاءة وتتفاوت نتائج بحوثها ودراساتها. وهذه الجامعات تعاني الآن من نوع من الأزمة التي ستحدد نتيجتها مستقبل فائدة هذه الدراسات في شؤون العالم.( )ولما كان المال يمّول هذه المشروعات لذلك يجب أن يكون لها مبرر. وبالرغم من أن هذا الجهد مفكك أساساً وليس له برنامج ثابت بالنسبة للسياسة الخارجية إلاّ أن هناك أطرافاً ذات مصالح تقوم بتشويه هذه الدراسات لأسباب خاصة بها. وحتى المصالح التجارية الكبيرة بالرغم من أنها تعمل على نحو متعارض في مجالات الصناعة كالمشروبات وصناعة السيارات وشركات النفط لأنهم لا يعرفون هل يخدمون أهدافهم الربحية أو إحباطات العرب أو المصالح الصهيونية التي تعمل في الخفاء. والقاعدة أن التجارة محايدة في المسائل الأخلاقية حيث أن مبدأ " دعه يعمل" يجعلها دائماً محايدة.
كان المنصرون هم أول مجموعة ذات مصلحة وبخاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. وكان تالكوت وليامز Talcot Williams رجل الصحافة الفيلاديلفي ابناً لمنصّر بروتستانتي في (الإمبراطورية ) العثمانية ، تعلم العربية في ديار بكر تعليماً جيداً في صباه ليستخدمها فيما بعد في رحلاته إلى المغرب خلال التسعينيات من القرن التاسع عشر. وقليل من الصحافيين في هذه الأيام يُقدِمون على مثل هذا العمل الفذ. وهكذا بدأت دراسات الشرق الأدنى من خلال مصالح المنصّرين البروتستانت التي تضمنت إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة أخرى بالاسم نفسه في القاهرة، وكلية روبرتز في استنبول Roberts College .
ومع ذلك فقد تبعت البحرية هؤلاء المنصرين " حتى شواطئ طرابلس" خلال الحروب النابليونية وَوُجِد مغامرون أمثال وليام ايتون William Eaton صديق هارون بور Haron Burr في تونس والمغرب كذلك. وفي الحقيقة كانت أول قوة أجنبية تعترف بالولايات المتحدة هي المغرب مما أعطى هذه الأمة الناشئة اول قطعة أرض تمتلكها خارج حدودها الشرعية، وأصبحت الآن قنصلية أو مركزاً لغوياً في طنجة. وعندما اقترح أحد أعضاء اللجنة( ) عام 1957 على هيوبرت همفري Hubert Humphry إعطاء هذه المملكة القديمة التي نالت استقلالها حديثاً قطعة مماثلة تجاهل همفري هذه الفكرة.
وبعد إرسال القمر الصناعي الروسي في أواخر الخمسينات من هذا القرن (Spatnik) أدرك الأمريكان تخلف دراساتهم اللغوية وأنهم بدون هذه الدراسات لن يفهموا العالم الخارجي أبداً ، وأُقر مرسوم التعليم الدفاعي الوطني National Defense Education Act للمساعدة في تأسيس هذا النوع من مراكز الدراسات الإقليمية. وقد انتهت الآن أموال هذا المرسوم من الجامعات الأمريكية وتبع ذلك حجاب كثيف من الكآبة. وما كان يريده الجيش الأمريكي إلى حد بعيد هو دراسة اللغات واللهجات دون الاهتمام بأي شيء يتعلق بالثقافة والأدب.( )ونرى كيف أن هذا الموقف التنصيري والصهيوني نحو العالم الإسلامي، ومع ذلك فقد أقيمت المؤسسة الواسعة في جامعة لويس أنجلوس مثلاً على أساس مساعدات مرسوم الدفاع القومي التعليمي.( ) وكذلك في وسكنسن Wisconsin وجورج تاونGeorgetown وميتشيجان Michigan ومعاهد عديدة أخرى. ومع ذلك فإن ميتشجان كانت قد بدأت بداية جيدة قبل مدة طويلة بينما ساعدت أموال المؤسسات "الخيرية" معاهد أخرى.
كان أحد أكبر الأسرار غموضاً في دراسات الشرق الأوسط هو توزيع المعونات الخارجية. وقد وجدت هذه في البلاد الإسلامية مثل مصر ، والباكستان (الهند)، والمغرب وتونس. ففي مصر كانت الإفادة مقتصرة على الجامعة الأمريكية في القاهرة، ويمكن أن نضيف أنها كانت لأغراض علمانية حيث يقضي الدستور الأمريكي بعدم السماح بقيام مؤسسات دينية في الداخل ولكن يمكن أن يكون ذلك خارج البلاد ،وهذا تماماً كما فعلت الجمهورية الفرنسية اللادينية حينما سمحت ببناء الكنائس الضخمة في القرى الجزائرية. وكان لتونس نصيبها المتمثل في مركز سامي حنّا لأفريقيا الشمالية. وأعطيت الأموال من المغرب للأساتذة الجامعيين الذين يعرفون الفرنسية لا إلى الذين يعرفون العربية. ومن غير هؤلاء أفاد من هذه الأموال؟ ومع ذلك فقد كان هدف برنامج فلبرايت Fullbright إرسال التلاميذ والعلماء الأمريكان إلى الخارج بينما استمع السياسيون الآخرون إلى فرق الضغط التي وعدتهم بتقديم الأصوات الانتخابية لهم.
ومما يُشعر بالوحدة أن تكون مسلماً في الولايات المتحدة وأن لا تستيطع أن تعبر أي شيء أساسي حول الشرق الأوسط في الدوائر الفكرية بل وأقل من ذلك حول الإسلام كدين حيث تجد أنك تهدم القصص القديمة الموجودة في المرجعية البائسة التي يجب أن تستخدمها( ) وأكثر من هذا فإنه من المستحيل للمسلم أن يحصل على زمالة للتدريب في الشرق الأوسط. وفي كل المجالس التنفيذية مثل مجلس بحوث العلوم الاجتماعية ، والمجلس الأمريكي للجمعيات العلمية أعضاء معاكسون ومحايدون وأمناء سر أو حتى كتبة يستطيعون تعطيل هذه الطلبات.
لقد تحملنا ثلاثة عقود من هذه الضغوط، فمتى نجرؤ على الكلام؟ من يساعدنا على الإفصاح ويتيح لنا الفرصة أن نُسمع؟ إن القانون المركب من عناصر مختلفة هو قانون انتقامي لا تسامح فيه. وقد ثبت لنا بالفحص الصادق لهذا في الشؤون الدولية خلال ربع القرن الماضي. ويجب أن يسمح لشخص ما بأن يقول كيف أن هذا القانون غير مناسب للحياة المعاصرة. لقد تحمل الراحل مايرون سمثMyron Smith من دائرة محفوظات أرشيف مكتبة الكونجرس تحمّل رعباً صهيونياً خلال السنوات الأخيرة من حياته. لقد أراد اليهود إبعاده من تقديم المشورة لوزارة الصحة ووزارة التعليم والرعاية الاجتماعية بخصوص كيفية تمويل دراسات الشرق الأدنى خلال السنوات الأخيرة من خمسينات القرن الحالي وبداية الستينات. فقد حاول دكتور سمث أن يضمن تعويضاً في المحاكم لما تعرض له من تشويه السمعة ولكن زملاءه الآن قد أصيبوا بالذعر بعد هذه العقود الأخيرة من الضغوط وغسل الدماغ لأنهم يعلمون كل القصص حول القسوة التي يمكن أن تصل إليها عملية الثأر.
وثمة موضوع آخر يستحق الاهتمام وهو مع من نتعامل من أجل تشجيع قيام دراسات إسلامية جادة في أمريكا؟ فرائد الدراسات العربية ( ليس الإسلامية) في أمريكا هو البروفيسور فيليب حتّي من جامعة برنستون (ما زال حياً)( ) وبالرغم من حياته الطويلة في البحث والتدريس إلاّ أنه لم يخلف أحداً ليحتل مركزه (انظر الفقرة حول برنستون)، فأحد تلاميذه هو جورج حوراني أستاذ في الجامعة الحكومية في بفلوBuffalo وقد درّس الحوراني في الكلية العربية في القدس قبل الاحتلال اليهودي لفلسطين، وقد عمل أيضاً في جامعة ميتشجان Michigan مدة عشرين سنة ،وهو الذي ولد في بريطانيا ودرس في أكسفورد ونال الدكتوراه على يد حتّي في برنستون ، ومن تلاميذ حتّي الآخرين نبيه فارس وإدوارد جبوري، وت.ب. إيرفينجT. B. Irving ( ) وهارولد جلدن Harold Glidden ودبليو سي. سمث W.C. Smith ويحي أرمجاني Yahya Armajani وسيسيل داون Cecil Dawn و…الخ، وموضوع الإخوة حوراني الثلاثة مشوق. أما سيس داون فقد كانت أيام مجده حينما كان مستشاراً لبورقيبة في تونس ،ويمكن ملاحظة نتائج استشاراته الثقافية في جامعة تونس الوطنية.( ) بينما علم الأخ حوراني الثالث ألبرت مع سترن Stern في أكسفورد وأدى به هذا التعاون القريب مع المجموعة اليهودية في بنسلفانيا Pennsylvaniaحيث كان مهتماً لبعض الوقت بالمصلح المصري محمد عبده وهو في هذا قريب من نِكي كدي Nikki Kiddi باهتمامها في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس بأستاذ عبده الأفغاني.
ومن بين الأساتذة الجامعيين المسلمين القلائل البروفيسور إسماعيل فاروقي (رحمه الله) ( )وأنيس أحمد من جامعة تمبل Temple في فيلاديلفيا Philadelphia. وهناك مسلم آخر هو محسن مهدي في جامعة هارفرد وقد تلقى تدريباً جيداً في كل من بريطانيا وشيكاغو كما تلقى ذلك في بلده النجف. وقج تخصص في دراسة ابن خلدون. ويدرس عبده الخولي في جامعة إلينوي Northern Illinois المجموعات الإسلامية من النواحي الديموغرافية (السكانية) ، ويمكننا أن نذكر عبد العاطي من جامعة إدمنتون Edminton وبرنستون Princeton ، وكمال إدفتش وهو يوغسلافي تخرج في الأزهر وعمل في توليدو بأوهايوToledo, Ohio ( ) وهو الآن مدير مؤسسةالمركز الإسلامي في شيكاغو بولاية إلينوي، ويعمل البروفيسور محي الدين مع مجلس التعليم في تورنتو Torento بعد أن عاش فترة في إدمنتون بمقاطعة ألبرتا الكندية، ومع ذلك فإن عدد المسلمين حقاً قليل في أمريكا وكندا ويختفون غالباً في أقسام مثل الاقتصاد أو الهندسة أو العلوم، وهنا يمكن للأسماء أن تحذف بإهمال أو عن غير قصد أو ببساطة لا تصنف فمثلاً يوجد يوغسلافي متخصص في المكتبات هو فاضل مرحمك يعمل في جامعة أوهايو الحكومية وقد استطاع القيام بشراء بعض الكتب في مجال الإسلام.( )
الجامعات الخاصة (الأهلية)
لعل المكان المناسب لبدء استعراض المعاهد هو الجامعات الأهلية في الشاطئ الشرقي. وهذه المعاهد تبدأ بجدارة بجامعة هارفرد Harvard حيث استطاعت هذه الجامعة أن تحافظ على مستوى عال. وكان الراحل سير هاملتون جب Sir Hamilton Gibb هو رئيس القسم في العقد الماضي ( الستينيات) لقد ولد في الإسكندرية وكانت حياته وبحوثه أشبه بشخصية من روايات دورلDurellفعنوان كتابه الصغير ( المحمدية) يظهر التعصب الذي كان واعياً به ولكنه شعر بعدم القدرة على تغييره حتى أصبح مصدر إزعاج في الفصول الدراسية منذ الوقت الذي طبعه فيه برخص ككتاب جيب. ولكن دراساته الاجتماعية أفضل بالرغم من انها تنطوي على الالتواء البريطاني( الخبث). ومن العاملين في هارفارد محسن مهدي وهو باحث جاد في الفلسفة ويجيد عدة لغات شرقية وأوروبية قديمة وحديثة.
كما نشر ويلسون بيشاني Wilson Bishani القبطي كتباً في اللغة العربية وفي الثقافة العربية. أما جورج المقدسي فهو أمريكي مولود في لبنان وهو كاثوليكي. ويعمل أوليج جاربرOleg Garber في الفنون، ويقال بأن ريشتارد فراي Richard Frye استطاع الحصول على مبلغ من المال من أغاخان الراحل لإنشاء كرس للدراسات الإيرانية. فإذا كان نصف المليون دولار المذكور هو الثمن فإنه ثمن كبير لمثل هذه المعرفة الواسعة المقتصرة على هذه الدراسات. ويعمل هاري ولفسون Hary Walfson في الدراسات الفلسفية لعصور أوربا الوسطى مثل ابن رشد الذي يطلق عليه "Averroes" وابن ميمون "Maimonides" ضامناً التأكيد اليهودي بالإضافة إلى التعاون النصراني وثمة اسمان يدعوان للحضر وهما إلسا ليشتنسادر Elsa Lichtenstadter وإسادور تورسكي Isador Twersky
وهناك مدارس أقل أهمية في ولاية نيوإنجلاند New England مثل جامعة براون Brown في مدينة بروفيدانس Providence وكذلك مدينة رود آيلاند في نيويورك التي يوجد فيها اهتمام لغوي فقط يقوم به الأستاذ وليام كوان William Cowan. وبهذا الاهتمام وجدت الدراسات الإسلامية هنا، وكاون هذا من ذوي الشعور اطويلة . وكذل قام فرانز روزنثال Franz Rosenthalمن جامعة ييل Yale بإصدار ترجمة متكلّفة لمقدمة ابن خلدون العظيمة لعلم التاريخ . وتظهر هذه الترجمة السيئة الطريقة اليهودية المبالغ في تقديرها. وبالرغم من أنها قدمت الترجمة إلى علماء اجتماع يتحدثون الإنجليزية الذين يستخدمون مصطلحات ليست في الغالب أفضل منه على أية حال. وجامعة ييل هي مركز ( جمعية الدراسات الشرقية الأمريكية)
ولقد كانت جامعة كولومبيا في مدينة نيويوركUniversity Colombia مميزة في دراسات الشرق الأوسط، ولكن الوضع المعنوي للمعهد تدهور بسبب الاضطرابات الطلابية وكذلك الأوضاع المالية المتدهورة وقربه من أحياء اليهود والسود في مدينة نيويورك. ويرأس جي إس. هوروتز J. S. Hurewitz معهد دراسات الشرق الأوسط فيها ويساعده كم من إحسان يارتاتر وعيسي بيترز Issa Peters وثمة عضو آخر هو شارلز عيساوي. ( )اقتصادي لبناني كفؤ درس ابن خلدون، وبالرغم من أن ما كتبه عيساوي عن ابن خلدون أقصر مما كتبه روزنثال غلاّ أنه أفضل. وقد بدأت جامعة كولومبيا بتقديم برنامج في الدراسات الإيرانية مؤخراً.
ولجامعة كولومبيا جامعة شقيقة هي جامعة نيويورك تقع في مانهاتن وسط البلد، وهي مدرسة المدينة الكبرى وعميد كلية الآداب فيها هو ختن البروفيسور فيليب حتّي ومن بين أعضاء الكلية آي وليام زارتمان I. William Zartmann الذي جُعل واجهة لرابطة دراسات الشرق الأوسط بعمله سكرتيراً لها. ويعمل في الجامعة بارفيس مورفدجParvis Morwedge وهو إيراني متخصص في الفلسفة. وهناك أيضاَ ماكس كوتيبتر Max Kortepeter في قسم التاريخ ، وريتشارد اتنقهاوزن Richard Ettinghausen في الفنون الجميلة. ومن أساتذة الكلية جون يوهانان John Yohannan في الأدب المقارن، ود.إس. رستو D. S. Rustow الذي عمل في موسوعة كبمردج للتاريخ الإسلامي وكلاهما يعمل في مدرسة ثالثة هي جامعة مدينة نيويورك.
ظلت جامعة برنستون مدة طويلة هي الجامعة الرائدة في دراسات الشرق الأوسط بفضل عمل البروفيسور حتّي، وحدث هذا بسبب نفوذ الرئيس ويلسونWillson ( )وصديقه بايارد دوج Bayard Dodge من الجامعة الأمريكية في بيروت مضافاً إليه النفوذ التنصيري الأمريكي قبل وبعد الحرب العالمية الأولى( ولجامعة بيروت الأمريكية روابط مع كل من برنستون وكولومبيا) ويلاحظ أن كثيراً من أفراد مجموعة المختصين في الشرق الأدنى في الولايات المتحدة قد درسوا في جامعة برنستون بالرغم من أن تعليم اللغة العربية فيها كان ضعيفاً في تلك الأيام حيث عوملت كلغة قديمة مثل اللاتينية واليونانية وبلا أمل في تحريرها من وضعها المستعمَر . وقد غادر برنستون الآن كل اللبنانيين والفلسطينيين ، وقد استبدلوا بمختصين في العلوم الاجتماعية من أمثال مانفرد هالبرن Manfred Halpern ومورو بيرجر More Bergerوإبراهام يودوفيتش Abraham Udovitch ويقولون بأن الذي شجع هذا الغزو وجود ألبرت إنشتين Albert Einstein في معهد الدراسات المتقدمة المجاور والتعاطف مع اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد عمل مورو بيرجر لمؤسسة راندRand وهو مؤسسة تجسسية مرتبطة بريمنقتون براند والتسليح وهي تدخل في عقود تجسسية لصالح الحكومة الفيدرالية ووكالاتها وبخاصة الجيش. وكان دانيال الزورث Daniel Elsworth يعمل مع مؤسسة راند عندما اختلس أوراق البنتاجون ( وزارة الدفاع الأمريكية). وقد روّج كويلر يونج الدراسات الإيرانية في برنستون أيضاً( )في صورة ما قبل عمليات وكالات المخابرات المركزية. وكان لأرامكو اتصالاتها بحتّي. وقد انضم عالم اجتماع آخر هو ليون كارل براون Leon Carl Brown ( )وعين رئيساً لقسم مشوش بلا أمل هو قسم دراسات الشرق الأدنى.
جامعة جون هوبكنز في بالتيمور John Hopkins in Baltimore
ولهذه الجامعة معهد شرقي كما يطلق عليه، ويعمل في هذا المعهد جورج كروتكوف George Krtloff وهو عالم نمساوي متمكن في اللهجتين المصرية والعراقية ولكنه غير مهتم تماماً بالإسلام. وهناك فرع للجامعة وهو معهد الدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن على بعد ثلاثين ميلاً ويعمل في الجامعة مجيد خدوري العراقي النصراني الذي يكتب في التاريخ الدبلوماسي والسياسي وقد أمضى مدة في ليبيا.( )
وإلى الغرب من هذه الجامعات نجد جامعة شيكاغو Chicago وقد كانت ذات هيبة في مجال دراسات الشرق الأوسط منذ إنشائها قريباً من نهاية القرن الماضي. وقد قام جون د. روكفللر John D.Rockofeller بإيقاف المعهد الشرقي لمساعدة جي. هـ. برستد J. H. Breasted في بحوثه في الآثار المصرية . وقد كان مارتن سبرجلن Martin Sperglin المختص بالعربية في هذا القرن. ويعمل في مركز دراسات الشرق الأوسط كل من ليونارد يايندرLeonard Binder ولورانس روزن Lawrence Rosen ( في دراسات الأمم الحديثة) وفضل الرحمن الباكستاني المرتد ، ومع ذلك فهو أستاذ الدراسات الإسلامية. وربما تسببت بعض الصعوبات المالية في إلغاء جامعة شيكاغو لبرنامج السنة الثانية للغة العربية وأعلن عن وظيفة تفرغ جزئي للسنة القادمة للإحلال محلها. ويواجه المتحدثون في المدينة الجامعية قيوداً بسبب الضغط الصهيوني. ومما يجب البحث فيه بحثاً علمياً قاموس جون كوروميناس John Coromines لتاريخ الألفاظ الإسبانية الذي لم يهتم مطلقاً بالمفردات العربية بالرغم من وجود متخصص في اللغة العربية في المعهد نفسه، وبالرغم من أن هذا جزء مهم من أصول الكلمات الإسبانية يحتاج تتبعها تتبعاً علمياً.
جامعة بنسلفانيا في مدينة فيلادلفيا:
وهي مدرسة قديمة وغنية ونظراً لأنها تقع في المدينة فقد عرفت مدة نصف قرن بأعضائها اليهود واهتماماتها العبرية في مجال الشرق الأوسط. فقد قادها جلاسر Glaser إلى الدراسات اللغوية الساميّة حتى قبل قيام الحرب العالمية الثانية. وكتب إس. دي. جويتن S. D. Goitein كتابة تافهة عن اليمن ، وكان مصدره غالباً ما التقطه من اليهود اليمنيين الذين أجرى معهم مقابلات في فلسطين المحتلة ومن الجنيزة في القاهرة ومن مكان قديم، بالإضافة إلى كومة من النفايات أعطته مجالاً للنشر لا نهاية له حول البحر المتوسط من وجهة نظر يهودية. ويشبه هذا النشاط ما قام به البروفيسور اللوتشي Allouche في المغرب تحت الاحتلال الفرنسي الذي كان يسمح فقط بدراسة الشعراء اليهود في تاريخ المغرب المبكر وإسبانيا العربية محولاً كلياً التركيز في هذا الفن. وقد فعل البروفيسور ليفي بروفنسال اليهودي الملّة الفرنسي الجنسية المولود في الجزائر الشيء نفسه بتاريخ العرب في إسبانيا. وثمة يهودي آخر في بنسلفانيا هو مارك درسدن Dresden وعمل هنا أيضاً ألبرت حوراني . ونجد في فيلاديلفيا أنيس أحمد وإسماعيل فاروقي في جامعة تمبل Temple( ) بالإضافة إلى أندرو هس Andrew Hess الذي طوّر تاريخاً مضاداً للعثمانيين بطريقة ماهرة ومتعمقة.
الجامعات الحكومية (الرسمية)
يجب الآن دراسة الجامعات الحكومية لأنها المصدر الجديد للقوة بسبب قدرتها المباشرة للوصول إلى الأموال العامة، ومن هذه الجامعات جامعة متشجان Michigan في مدينة آن آربر Ann Arber التي من المحتمل أن تكون أكثرها كفاءة، وقد كانت تلك كذلك لعدة عقود من السنين، فموادها الدراسية متنوعة وجذابة، وقد ترأس القسم في البداية جورج كاميرون George Cameron الذي كان مهتماً ببلاد الفرس قديماً ، وقد نسخ نقوش بستن Besitun قرب كمرنشاه بواسطة النماذج المطاطية، ويراسالقسم الآن أرنست مكاروس Ernest McCarus وهو لبناني مسيحي. ومن أساتذة الجامعة جيمس بيلامي James Bellamy وهو انعزالي، وترفر لوجاسك Trevor le Gassick الذي تدرب في بريطانيا، ووليام شروجر William Schorger في علم افنسان وراجي راموني Raji Rammuny في اللغويات وأندرو اهرنكروتز Andrew Ehrenkreutz في التاريخ الإسلامي، وهربرت بيبر Herbert Paper في الأدب اليهودي في بلاد فارس، ويوجين شرام Eugene Schramm الذي شوّه سمعة دكتور مايرون سميث الراحل المتخصص في الأرشيف الذي عمل في إعادة إصلاح أصفهان ويمن أن تعدّ ميتشجان في حالة إنعاش معلّق برحيل كامرون والنقص في مساعدات رسوم التعليم الدفاعي الوطني. وقد تكون مسألة عارضة ولكن الحكومة السعودية قدّمت لرابطة الطلاب المسلمين في مدينة آن آربر سجادة ثمينة للصلاة.
ولجامعة أوهايو Ohio State قسم يرأسه فردريك كادورا Frederic Cadura الفلسطيني، والبرنامج موزع بين مجالات وأقسام عديدة. ويدرس سيدني فيشر Sydney Fisher التاريخ التركي والفارسي بدلاً من العربي ويوجد في الجامعة مجموعة من رابطة الطلاب المسلمين تقدم مساعدة عظيمة.
وتخصصت جامعة إنديانا في بلومنقتون Indiana University at Bloomington في دراسة اللهجات( )لأغراض عسكرية ولمنع الدراسات بعمق وهي الحيلة القديمة حيث إن المثقفين الغربيين يخافون الإسلام ولا يستطيعون معالجته بكفاءة ولا بأمانهة. وجاء كارلتون هودج Carlton Hodge من معهد الخدمة الخارجية ليكون مسؤولاً عن البرنامج ولكن البرنامج يهتم بأكثر من دراسة حول الأقطار الإسلامية. إنه يهتم بالأوراق –الألطيق ( من العائلة التركية) ولغات أخرى في الاتحاد السوفيتي أيضاً. وبالرغم من أن معهد الخدمة الخارجية يبدو رائعاً ومبدعاً إلاّ أن الحكومة الأمريكية ليست المكان المناسب لشخص جامعي ليمضي فيها بقية حياته التعليمية ، فمعظم الأساتذة العاملين يفضلون مناصب ثابتة في الجامعات الحكومية ، وهناك العديد من العراقيين في جامعة إنديانا منهم وديع جويدة وصالح الطعمة وهما بالتاريخ واللسانيات على التوالي.
ويعمل في جامعة جنوب إلينوي في كاربونديل Southern Illinois at Carbondale العراقي عبد المجيد عباس المتخصص في التاريخ والسياسة ، وقد مثّل بلاده في الأمم المتحدة حينما كانت بلاده تحت الحكم الهاشمي ، وظل في الولايات المتحدة بعد تغير نظام الحكم. ويعمل في الجامعة أيضاً فردريك بارجبورFrederich Bargebour وهو ألماني يهودي عمل سابقاً في أيوا Iowa وقد نشر مؤخراً كتاباً في الألمانية حول غرناطة في القرن الحادي عشر حاول فيه أن يشوّه تاريخ هذه المملكة بجعلها مملكة يهودية. ويدرسبارجبور الشعراء اليهود من أمثال بن جبريل مؤلف Fans Vitae الذي كتب الشعر العبري حول النماذج الإسبانية العربية التي حرّفها باحثون يهو آخرون أمثال سترن Stern في أكسفور واللوتشي Allouchi في المغرب إلى حركة يهودية.
وقد أسست جامعة نيويورك الحكومية The State University at Baffalo مؤخراً قسم دراسات الشرق الأدنى تحت إشراف جورج حوراني الذي يدّرس الفلسفة هناك ويعمل تلميذه ستيفن همفري Stephen Humphry في التاريخ وعلم الاجتماع . وتركز جامعة نيويورك في بنجهامتون Binghamton على دراسات العصور الوسطى والمختص الرئيس فيها هو خليل سمعان وهو سوري نصراني متمكن إلى حد ما في دراسات اللغة في العصور الوسطى وكان يعمل في مكتبة الكونجرس. وتقوم هيلين ريفلين Helen Givlin بالرغم من أنها يهودية برحلات إلى البلاد العربية ، (وبرنارد ويس Bernard Weiss قد جاء إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة بالرغم من أن لا يسمح للمسلمين فيها)
وهناك فرع للجامعة في نيو بالتز New Paltz على نهر هدسون Husdon حيث يدرسون الآداب المقارنة، وللجامعة مطبعة في مدينة ألبني Albany يعمل فيها ألبرت مانغوني Albert Mangouni الأرمني رئيساً وقد نشر بعض الكتب حول الشرق الأدنى من بين ما نشر من كتب.
وكان لجامعة وسكنسن Wisconsin شهرة قبل أربعين سنة عندما كان يدرّس فيها العالم الإسباني جارسيا سولاليندي Garsia Solalinde ومع ذلك فقد تحول المشروع في العقود الأخيرة إلى لويد كاستن Lloyd Kasten وأصبح معجم الصور الوسطى في هيئة سيئة، ويعمل الآن مناحيم منصور وهو يهودي مصري في التاريخ الدبلوماسي وبطاقات الميكروفيش ، ويبدو أنه يستطيع دائماً الحصول على الأموال لمثل هذه المشروعات. وعيمل كمال كاربات Kemal Karpat في التاريخ التركي( )
وقد طوّرت جامعة منيسوتا University of Minnesota دراسات الشرق الأدنى فيها خلال ربع القرن الماضي. وقد أسس البرنامج فيها ت. ب. إيرفينج( )،ويتكون قسم اللغة العربية من لبناني نصراني ( أنور شخنة وقيصر فح الذي نشر كتاباً "لبنانياً" آخر حول الإسلام)( ) ويتخصص البروفيسور لوكرمان Lukerman في الدراسات الجغرافية للشرق الأوسط والمحيط الهندي،وتعرضت الجامعة لضغط صهيوني قاس خلال الستينيات من القرن العشرين لإدخال اللغة العبرية وتقوم بتدريسها جونتان باراديس Jonathan Paradise التي درست في بنسلفانيا.
وفي الجنوب تقع جامعة شمال كالورانيا University of Northern Carolina في مدينة شابل هيل Chapel Hill التي تقدم الدراسات الإسلامية ويرأس هذا البرنامج الإسباني جوليو كورتيس Julio Cortes كمتخصص في الثقافة الإسبانية والعربية ، وقد عاش سابقاً في دمشق، ويعمل إي إي هيقويA.A. Hegoy أستاذاً للتاريخ في جامعة جورجيا Georgia ويكتب حول الجزائر.
ودكتور توماس بالانتين إيرفينج Thomas Ballantine Irving الذي يعد خبيراً في الثقافة الإسبانية العربية يعمل في جامعة تنيسي Tennesse في مدينة نوكسفيل Koxville ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون تحت إشراف البروفيسور حتى ، ودكتور إيرفينج مسلم من أصل كندي ، وقد حصل على منحة فلبرايت للدراسة في بغداد بالعراق وقدم محاضرات في وزارة التعليم الليبية بناء على طلب من الحكومة الليبية ، وممن مؤلفاته (صقر إسبانيا) وهو ترجمة للحاكم العربي لإسبانيا في القرن الثامن عبد الرحمن الأول ، كما أسهم بعدد من المقالات هنا ( في أمريكا) وخارجها. وهو يدرّس مواد في الثقافة الإسلامية والعربية. ويدرّس الدكتور فبمار Phebemarr تاريخ الشرق الأوسط ولهذه الجامعة موقف إيجابي من العرب والدراسات الإسلامية.
ويوجد في جامعة تكساس في أوستن Austin برنامج مفيد آخر لدراسات الشرق الأدنى ، وقد بدأت دراسة اللغة العربية هنا عام 1958م مع الإسبانية في قسم اللغات الرومانسية، والعلاقة معقولة إلى حد ما لكون إسبانيا كانت عربية عدة قرون ، ولكن برنامج اللغة العربية أُلغي بعد سنة تقريباً ثم أعيد تدريس اللغة العربية في القسم الألماني (هكذا) تحت إشراف ونفرد لهمان Winfred Lehman وكان من أعضاء القسم بيتر عبود الفلسطيني النصراني الذي درس في الجامعة الأمريكية في القاهرة والتزم غالباً بالدراسات اللغوية. ومن الأساتذة الآخرين في قسم دراسات الشرق الأدنى فارتان جورجيان Vartan Georgian الأرمني المتخصص في التاريخ ، وستانلي شو Stanley Show ا في اللغة التركية وفيكتور كانتارينو Victor Cantarino في التاريخ العربي الإسباني. وإم. اى جزييريM. A. jazayery وهو إيراني متخصص في التاريخ. وهذه الجامعة هي التي درس فيها مستشار النفط الخليجي عبد الله الطريقي في نهاية الحرب العالمية الثانية. وثمة عدد كبير من الطلاب العرب تجتذبهم دراسة هندسة النفط والجو المعتدل ولكن تأثيرهم في المدينة الجامعية قليل.
وكان لجامعة يوتا في مدينة سولت ليك University of Utah at Salt Lake city مركز لدراسات الشرق الأدنى لبعض الوقت أسسه عزيز عطية ويرأسه الآن سامي حنا وكلاهما عربي نصراني. وتخضع يوتا للتأثير المورمني ، ولذلك فالدراسات اللغوية مهمة بالنسبة لهم في مهماتهم التنصيرية الخارجية. وقد كان حنّا القبطي يدير مركزاً في تونس خلال أشهر الصيف بأموال نظيرة للمساعدات الداخلية تقدمها وزارة الخارجية له ،وتوزيع هذه الأموال في أيدي لجان تؤيد الدراسات اللغوية الاجتماعية.
وفي أقصى الجنوب وعلى شاطئ المحيط الهادي تقع جامعة كاليفورنيا في بيركلي University of California at Berkeley التي كان النفوذ اليهودي فيها قوياً. وفي الأيام المبكرة كان البوفيسور بوبر Popper وهو يهودي ألماني قام بترجمة ابن تغري بردي المؤرخ المملوكي،وليتفرغ لهذا العمل حمّل تلاميذه فوق طاقتهم حتى يغادروا الجامعة مستخدماً الأسلوب الأوروبي في أن يكون صاحب وظيفة بلا عمل. وقد قام مؤخراً والتر فيشك Walter Fischel وهو حاخام يهودي هارب من ألمانيا بنشر كتاب مدهش حول حياة ابن خلدون في مصر أطلق لنفسه العنان فيه غالباً في علاقات الفيلسوف التونسي مع اليهود في القاهرة! ومن أساتذة الجامعة أريال بلوخ Ariel Bloch وجورج لنكزووسكي George Lenczowsky ( خبير في الشرق الأوسط المعاصر) وإيرا لابيدوس Ira Lapidus ( المهتمة في المدن وثقافتها) والشخصية الأكثر بروزاً هو الشاب وليام برنرWilliam Brinner الذي ترأس رابطة دراسات الشرق الأوسط منذ بدايتها مع جورج حوراني، وهناك بعض اللبنانيين المروَّضين ( المدجّنين ) من أمثال منى خوري ( تكتب اسمها Mouna Khouri) وحرفي "ou" يُظهران التأثير الفرنسي) وحامد الغر وهو مسلم بريطاني.
وقريباً من جامعة كاليفورنيا توجد جامعة ستانفورد Stanford في مدينة بالو ألتو Palo Alto جنوب مدينة سان فرانسسكو حيث ألغي برنامج اللغة العربية قبل حوالي عشر إلى اثنتي عشرة سنة كما ذكر أنه بسبب ضغط الممولين الإسرائيليين في سان فرانسسكو. ومع ذلك فإن مكتبة هوفر Hoover في بالو ألتو تضم العديد من الوثائق والمحفوظات العربية المتعلقة بالحرب العالمية الأولى التي يعمل فيها كل من جورج رنتز George Rentz وجورجيانا ستيفنز Georgiana Stevens . ومن المهم معرفة نوعية الدروس التي سُمح لهما بإعطائها. فشارلز فرجسون Charles Ferguson خريج جامعة ينسلفانيا حوّل الدراسات العربية إلى دراسات لغوية ودراسات في اللهجات نتيجة نفوذه في معهد الخدمة الخارجية ومعهد الدراسات اللغوية التطبيقية الذي أسسه في واشنطن وقد تخلى الآن عن اهتمامه باللغة العربية( بسبب الضغط اليهودي إلى حد كبير) ويقتصر عمله حالياً على الدراسات اللغوية. ويسكن في مدينة بالو ألتو المستشار الاقتصادي الباكستاني مرغوب قريشي وهو نشط في مخيم الشباب المسلم في جبال كاليفورنيا الذي يقال أن أعماله تسير سيراً حسناً.
ومعهد لغة الدفاع في مونتري The Defence Language Institute / Monterey جيد في دراسة اللهجات، ولكن تلاميذه نادراً ما يواصلون دراساتهم العليا حيث يكونون منهمكين وضحلين عندما يتقاعدون من الخدمةالعسكرية. وأستاذ اللغة العربية الرئيس هو كامل سعيد.
وشيدت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس مركزاً ضخماً لدراسات الشرق الأدنى تحت رئاسة البروفيسور الراحل فون جرونباوم Von Grunebaum الغالم الفينّي ( النمساوي ) الذي درّس مدة طويلة في شيكاغو. وقامت الحكومة الأمريكية بتمويل المركز من خلال مرسوم التعليم الدفاعي الوطني، وبانتهاء هذه المساعدات وموت فون جرونباوم فالمستقبل ما زال غامضاً . وأبرز أعمال فون جرونباوم كتابه " إسلام العصور الوسطى" وهو ككتاب جب "المحمدية" يظهر التحيز وخطوره هؤلاء العلماء. وتقوم نيكي كدي Nikki Kiddi بدراسة حياة جمال الدين الأفغاني باذلة جهودها في محاولة غريبة لتشويه سمعة هذا المصلح وهي تعمل في هذه المهمة مع ألبرت قدسي- زاوي من حيفا في فلسطين المحتلة. ومن الباحثين الآخرين موشى برلمان Moshe Perlman وولف لسلو Wolf Leslaw وأموس فرانكنشتين Amos Farnkenstien وهي قائمة عجيبة تساوي في سوئها إن تكن أسوأ من قائمة جامعة برنستون والتي يمكن أن يضاف إليها أسماء أخرى. ويستطيع الإنسان أن يحكم على تحيز هذه المجموعة بالنظر إلى قائمة المحاضرين الزائرين ، ويعمل معهم جورج صابغ ومالكولم كرMalcolm Kerr ز وتتمتع جامعات كاليفورنيا بشبه الحكم الذاتي وهذه الأقسام قد أنشئت بمبادرات فردية.
وجامعة جنوب كاليفورنيا تابعة للكنيسة الميثودستيه في لوس أنجلوس كان لها اهتمام بشمال أفريقيا وهذا هو المعهد الوحيد خارج ميتشجان له اهتمامه من هذا النوع ، ولكن ربما يكون البرنامج قد مات. وأظهرت اهتماماً قليلاً باللغة العربية أو الأدب وركزت غالباً على تكديس الوثائق على الطريقة الأمريكية في عشقها لتوفير الجهد والكمبيوتر بدلاً من تدريب العقل. ويعمل جورج حداد في سانتا باربرا Santa Barbara إلى الشمال على ساحل المحيط الهادي ويعمل في سان دياقو San Diego على الحدود المكسيكية جيمس مونرو James Monroe ويكتب حول الشعراء الإسبانيين.
ومن معاهد الساحل الغربي الأمريكي جامعة بورتلاند الحكومية Portland State University التي وجد الدعم الغامض لتقديم برنامج جامعي واسع. والأساتذة غالباً من المصريين الأقباط أمثال نجيب جريس مع بعض اللبنانيين أو السوريين أمثال نوري الخالدي. وإلى الشمال من بورتلاند يوجد برنامج جامعة واشنطن في سياتل Seatle حيث يرأس البرنامج فرحات زيادة الفلسطيني الذي شارك في تأليف كتاب ممتاز في قواعد اللغة الغربية الفصحى مع العميد وندر Winder من جامعة نيويورك عندما كانا معاً في جامعة برنستون. والكتاب مصحوب بأشرطة وأسطوانات. ومن أعضاء القسم نيكولاس هير Nicholas Herr وهو سكرتير وأمين صندوق رابطة معلمي العربية الأمريكان ( وهير وكاون Cown من جامعة براون متشابهان جداً) وكان هير في جامعة ستانفورد إلى حين إلغاء برنامج اللغة العربية هناك.
الكليات الصغيرة:
إن أهم مدرسة من بين الكليات الصغيرة هي كلية ريكر Ricker في هولتون بولاية مين Houlton / Maine يرأس الدكتور عبد الرحمن شاكر قسم دراسات العالم الإسلامي هنا. وتقع كلية ريكر في أقصى الشمال الشرقي للولايات المتحدة والحاجة ماسة إلى معلومات حول نشاطاتها. وقد أسس الدكتور شاكر بمفرده برنامجاً ودون مساعدة من أحد وبأموال سعودية. وتقتصر الدراسة في كلية ريكر على المرحلة الجامعية حيث لا يوجد فيها دراسات عليا. ولا أعلم نوع أعضاء هيئة التدريس الذين يعاونونه وهل سيستمر البرنامج أو لا؟ ومن هم الطلاب الذين تجذبهم الدراسة هنا؟ ولا يبدو أن هناك أي خطة واضحة والحاجة كبيرة لمعونات مدروسة كي تستمر.
والكليات الصغيرة التي قد تكون كليات دينية تواجه صعوبات مالية يجب مراقبتها لمعرفة إذا ما كان بالإمكان تدريب أساتذتها على تعليم الدراسات الإسلامية والمشاركة في حركة توحيد عالمية حقيقية، وكذلك مراقبة الكليات المتوسطة المحلية حيث يمكن مراقبة مجموعات الضغط وتستحدث الوسائل لمواجهتها. ومن هذه الكليات كلية كورنيل Cornell College في ماوت فرنون Mount Vernon أو كلية كاو Coe College في مدينة سيدر رابدز Cedar Rapids في أيوا Iowa يمكن الاتصال بها حيث إنها قريبة مما يمكن أن يطلق عليه المسجد الأم في أمريكا الشمالية. ووجود مجتمع مسلم نشط ومع ذلك فإن المسلمين المحليين لم يكونوا نشيطين في استثمار العلاقات الأكاديمية بالرغم من أن لديهم أموالاً في حالات عديدة فهم يتوقعون المساعدات المالية الخارجية ويجب أن يُروا كيف يمارسون حمل بعض الثقل.
ولجامعة هاملاين hamline الميثودستيه وكلية ماكالستر Macalester البرسبتريانية وكلاهما في مدينة سينت بول St. Paul في منيسوتا برنامج مشترك حول الشرق الأوسط تموله مؤسسة هيل Hillبالمدينة نفسها، وقد حصلتا على الدعاية من خلال برامج التلفزيون والمحاضرات ومع ذلك فقد زار سكوت جونسن Scott Johnson فلسطين المحتلة عدة مرات، ويقوم بالكتابة في علم الاجتماع مؤيداً الاحتلال الصهيوني في الوقت الذي يوجد فيه البروفيسور يحي أرمجاني في كلية ماكالتسر وهو أحد تلاميذ حتّى في برنستون وهو إيراني ارتد إلى النصرانية.
أما المدن الأخرى التي يوجد فيها مساجد ويمكن بدء برامج فيها فهي توليدو (طليطلة) وشيكاغو حيث يوجد مجتمعات كبيرة ويجب العمل مع السود أيضاً ، ولكن ليس " القوة السوداء" (لأنهم مثل الفلسطينيين أو جيش إيرلندا السري الذين يتجهون لتدمير أنفسهم) بينما يجب معاملة المسلمين السود على أنهم طائفة محدودة.
وفي كندا معهدان جيدان للدراسات الإسلامية أحدهما في جامعة تورنتو Toronto والثاني جامعة ماقّيل McGill في مونتريال Montreal، وهناك مستعمرات نامية للمهاجرين بالإضافة إلى العدد القليل من العرب الموجودين منذ زمن ( كما في لندن وأونتاريو Ontario بكندا حيث يمتلكون مسجداً منذ القديم) ويوجد مسجدان في تورنتو ويسمى أحدهما المؤسسة الإسلامية وثمة مساجد أخرى في مدن كندية أخرى. وقد حدثت هجرات كبيرة إلى كندا من دول الكومنولث مثل باكستان والهند وجنوب أفريقيا، وأغلب المهاجرين متعلمون وأصحاب مهنة غالباً ويتكلمون الإنجليزية بعامة ويتلاءمون مع مجتمعاتهم الجديدة سريعاً.
وتضم جامعة تورنتو أساتذة جيدين وقسم دراسات شرق أدنى تقليدي وقسماً جديداً للدراسات الإسلامية. وكان البرفيسور تيلور Taylor قبل أربعين أو خمسين سنة أستاذاً مثالياً في هذا المجال، فقد كان منصّراً في الشرق الأوسط وعندما عاد كان يُكِنُّ تعاطفاً كبيراً مع الإسلام ونقل هذا التعاطف بدوره إلى تلاميذه. وكان إف. ف. وينيت E. V. Winnet طيّباً أيضاَ، ولكنه تعرض للتثبيط من قبل الصهاينة في الخمسينات بعد كتابة مقالة في صالح العرب في مجلة ماكلين Maclean القومية الكندية. وتلقى مكالمات بذيئة لعدة شهور تلت وإهانات في الشوارع وكثير منها من النساء اليهوديات. وهذا النوع من المواطنين يحتاج إلى حماية أو تقدير لجهودهم التي تظهر في أحوال كثيرة شجاعة حقيقية. ومن الأساتذة هناك عزيز أحمد من باكستان ومايكال مارمورا لبناني نصراني بينمايمثل جي. إم. ويكنز G. M. Wickens وروجر سافوري Roger Savory المدرسة البريطانية.
وتظهر مجموعة تورنتو اهتماماً بالنفوذ البيرطاني في العالم الإسلامي وبخاصة في إيران ومنطقة المحيد الهندي ، ويعلم في المتحف الملكي بأنتاريو كل من كويلر يونج Cuyler Young ودوجلاس تشنجام Douglas Tushigham وهما متخصصان في الآثار.
ولجامعة ماقّيل معهد للدراسات الإسلامية أسس في مونتريال بتمويل من مؤسسة روكوفللر Rockefeller وكان أول رئيس له هو ولف سميث Welf Smith الذي بدأ تدريس العربية في تورنتو عام 1937م ثم ذهب منصّراً إلى الهند البريطانية وبخاصة في لاهور( يرأس أخوه مكتب الكومنولث في لندن، وكان مهتماً مؤخراً بشؤون بيافرا وبنجلاديش) وأصبح ولف هذا معروفاً الآن بالاسم ولفرد كانتول سميث Wilfred Cantwell Smith وقد ذهب أخيراً إلى برنستون حيث ضمن الحصول على الدكتوراه ثم ذهب إلى هارفرد وهو الآن يدرس في جامعة دلهاوزي Dalhousi في مدينة هاليفاكس Halifax في نوفا سكوتيا Nova Scotia ويرأس المعهد الآن شارلز أدامز Charles Adams من تكساس وهدفهم في المعهد إعطاء صورة مشوهة حديثة للإسلام وبخاصة في منطقة باكستان. وقد قدم البروفيسور الياباني أزوتسو Isutso بعض الدراسات الممتازة حول المصطلحات الأخلاقية في الألفاظ القرآنية. وللمعهد الإسلامي مكتبة غنية وربما يصل مستواها إلى مستوى أي مكتبة في أمريكا الشمالية حتى مكتبة جامعة برنستون. ومن المخجل أن لا توجد مكتبة شبيهة في المركز الإسلامي في واشنطن( مع أن هذا يحتاج إلى موظفين للمكتبة نفسها ولأغراض التدريس)
وتخضع جامعة ماقّيل الآن إلى ضغوط من حكومة مقاطعة الكوبيك Quebec لتصبح فرنسية وبخاصة مدرسة الطب التي أسسها وليام أوسلر William Osler (الذي عمل أيضاً في جامعة جون هوبكنز) إن الجو في مونتريال يشبه كثيراً جو الجزائر أيام الاحتلال وتعاني المدينة من ضغوط مشابهة.
وتظل كلمة أخيرة لا بد من قولها حول المعاهد الدينية النصرانية أو غيرها فجامعة جورجتاون مثال رئيسي لهذه المدارس حيث تمارس نفوذها إلى حد كبير من خلال السياسيين الشبان الذين يدرسون فيها دراسات مسائية للحصول على درجات عليا وبخاصة في القانون الذي كان إلى فترة طويلة خصوصية لليسوعيين. وكان ليندون جونسون ( رئيس أمريكي سابق) أحد هؤلاء الشبان. وهم بالتالي مجموعة الضغط من القساوسة الساعين للحصول على الأموال الحكومية ليستثمروها في العقارات والبنايات حول العاصمة.
وتتخصص جورجتاون بالعرب المستأنسين (المدجّنين) من أمثال هشام شرابي الذي يدرّس التاريخ فيها ، ومختار العاني من دمشق ،وعرفان شاهد وهؤلاء مدربون في اللغة العربية. ويعرف اليسوعيون كيف يحققون هذا من خلال كلياتهم العديدة في الشرق الأوسط مثل كلية بغداد التي كانت تسمى سابقاً جامعة الحكمة مأخوذاً من الاسم القديم لبيت الحكمة في بغداد العباسية. ويعمل جون بادو John Badeau السفير السابق في مصر ورئيس هيئة إغاثة الشرق الأدني وكيلاً نصرانياً هنا.
ونظراً لأن معظم المدارس في واشنطن العاصمة دينية أو ممولة حكومياً فإنها تستحق الملاحظة وبخاصة أنها تقدم غالباً دورات قصيرة للبعثات الحكومية وتظهر أهدافها المعادية للإسلام واضحة في أساتذتها وكتبها المنهجية . ولا يسمح جو واشنطن لأي شخص أن يكون جاداً ولا يتوقع أحد أن يبقى هنا مدة طويلة حيث إن العاصمة تسيطر عليها البعثات الدبلوماسية والانتخابات النيابية فإن الناس يخرجون منها بالسرعة التي دخلوا إليها.
الجامعة الأمريكية معهد ميثودستي وجامعة جورجتاون كلاهما أساساً مدرسة ليلية ليدرس فيهما الموظفون المدنيون والسياسيون والدبلوماسيون الشباب دورات قصيرة وأحياناً يسعون للحصول على درجات عليا، فشارل مالك درس في الجامعة الأمريكية كما درس عبد المجيد عباس في كاربونديل بعد متاعب دبلوماسية،ودرس جون هانسيانJohn Janessian في جورج واشنطن. وقبل سنوات حاولت نانسي مصطفى الفتاة الأمريكية التي تزوجت طالباً عراقيا أن تعد أطروحة حول الشعر الغنائي العربي الإسباني تحت إشراف البروفيسور جورج ماكسبادن George Mc Spadden من جامعة جورج واشنطن.
والجامعة الكاثوليكية جامعة دينية أخرى نجد فيها ريتشارد فرانك الذي يدرس اللغة العربية فيها شخص سيئ المظهر ، وفي جامعة هاورد Howard الخاصة بالسود يقوم العريف السابق كينيث كروفورد Kenneth Crawford الذي عمل في القوات الجوية في ليبيا يعمل الآن في الدراسات الأفريقية وهو ليس مثقفاً ولكنه "مضمون" وتحتل لورنا هان Lorna Hahn منصباً هناك حيث تعمل في حقل شمال أفريقيا. ويعمل كارل ستوواسر karl Stowasser في كلية ماريلاند Maryland كولج بارك قريباً من واشنطن وهو مغامر ألماني لا يملك درجة علمية واضحة عاش في سورا وعمل في قاموس ويرWehr العربي في ألمانيا وزوجته هي باربرا ستوواسر في جامعة جورجتاون( )
ويعمل في مكتبة الكونجرس الآن جورج سليم حيث كان يعمل من قبل مايرون سميثMayron Smith ولكن ماذا حدث للأرشيف الإسلامي الثمين الذي صنعه الذي يمثل سجلاً فريداً للفن والمعمار الإسلامي على شرائح؟ وقد ظل معهد الخدمة الخارجية مدة طويلة يحتل الطابق تحت الأرضي لعمارة مكونة من شقق عبر نهر البوتمك Potomac في فرجينيا كأنما كان هذا لتأكيد طبيعته المؤقتة وليفقد مصادر تمويله سنة بعد أخرى. وقد كان هذا المعهد ذا نفوذ في نشر تعليم اللهجات، فقد كانت معظم مواد الدراسة فيه منسوخة على الآلة الكاتبة وصعبة في الحصول عليها وبخاصة بكميات كافية للاستخدام في الفصول. وإن كانت فكرة تدريس اللهجات ممتازة للدبلوماسيين الذين يعملون في الميدان ولكنها سريعة الزوال في البحث، ويجب إعطاءها تطبيقات إضافية ضمن مهنة التعليم.
وثمة جامعة كاثوليكية هي جامعة نوتردام في جنوب بند حيث يعمل فيها جيمس كيرتزك James Kirtzek خريج جامعتي مينسوتا وبرنستون بصفته خبيراً في الإسلام. ويظهر كتابه ( بيتر المبجل والإسلام) تعصبه ويهتم هذا الكتاب بأول ترجمة أوروبية لمعاني القرآن إلى اللاتينية، وقامت جامعة برنستون بطبع هذا الكتاب، وتستخدم مقتطفاته من الأدب الإسلامي في فصول عديدة.
إن مجلة عالم الإسلام "Muslim World" التي بدأت كمجلة شديدة العداء للإسلام تحت إشراف الراحل زويمر Zwemer ( وكانت تدعى حينذاك "Moslem World") يقوم بإصدارها معهد هارتفورد اللاهوتي Hartford في ولاية كنديكت Connecticut تحاول هذه المجلة هذه الأيام أن تظهر بأنها أكثر حيادية ولكن المسلمين فيها يكونون قائمة مهمة تستحق المراقبة. وهذا المعهد اللاهوتي مثله مثل معهد الخدمة الخارجية معروف باهتماماته بالبحوث اللغوية تحت إشراف البروفيسور جليسون Gleason وكانت هذه المدرسة قوية بسبب أوقافها وهي توشك أن تفلس الآن.
مدن فيها مساجد:
وهناك صنف آخر يمكن مناقشته ألا وهو المدن التي تضم مساجد ومجتمعات إسلامية لنرى ما يمكن أن يقدموا من مرافق للدراسات الإسلامية وبخاصة حيث تتوفر الحاجة إليها. وثمة مجتمعات إسلامية كبيرة في العديد من مدن الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بالرغم من أنها فقت وسائل الأمان منذ الجيل الثالث الذي يميل إلى التأمرك. ولنبدأ مرة ثانية بالعاصمة الأمريكية لوجود دعامة أساسية تتمثل في المركز الإسلامي المعروف والمحترم من قبل الآلاف من السيّاح والمقيمين.
يمكن للمركز الإسلامي في واشنطن أن يقوم بدور المدرسة الليلية في العاصمة للتذكير بالإسلام وربما لتقديم برامج تؤدي إلى الحصول على درجات علمية. ولكن أكثر من هذا يجب أن يُطور كمدارس يوم الأحد للمجتمع الإسلامي في واشنطن، وإذا سمح له بتقديم الدرجات العلمية فيجب أن يدمج في نظام التعليم الأمريكي إما على مستوى المدارس الثانوية أو الكليات أسوة بنشأة الكليات البروتستانتية والكاثوليكية التي نشأت بهذه الطريقة. وللمركز الإسلامي مرافق يمكنها أن تصبح مدرسة ابتدائية من النوع الذي سبق ذكره. كما أن المبني جيد من الناحية المادية ومثير للإلهام من الناحية المعمارية سواءً داخلياً أو خارجياً، ولكنه مهتريء إلى حد ما ولا يستخدم كلياً في أغراضه. وقد أساء رئيسه الأول استخدام المبني وفشل في طريقة الوصول إلى العقلية الأمريكية. يجب أن لا تكون دعوة المحاضرين من أجل مجاملة المثقفين ولكن لتوجيه فكرهم وتفكيرنا إذا كان هذا حقيقياً ومنسجماً مع المبادئ الإسلامية وأكثر من هذا لإرشاد الولايات المتحدة بخصوص قوة الإسلام وأهميته، وكيف يمكن أن يكون هذا في مصلحة الطرفين. والمركز في وضع يسمح له أن يكون مركزاً حقيقياً للمجتمع وحتى مركزاً قومياً إذا ما روعيت هذه الجوانب ولم يبق فقط كمركز للعبادة للدبلوماسيين كما هو منذ إنشائه حتى الآن. فالدكتور رؤوف ( ) كان جيداً في هذا الشأن حتى الآن. فمن ناحية المكتبة هل هي مفيدة وهل لها فهرس جيد بحيث يستطيع الطلاب الأمريكان استخدامها؟ من الذي يتحكم في الكتب هناك؟ إن المركز يحتاج إلى سياسة مكتبية مناسبة ويحتاج أيضاً منهج المدرسة الليلية واهتماماً متواصلاً وتشجيعاً . وأكثر من هذا يجب أن يصبح المركز جزءاً من حياة واشنطن حيث إن معظم هذه الحياة يدور حول الاتصالات الدبلوماسية بالدول الإسلامية.
أما المدينة التالية التي يجب أن ننظر فيها فهي طيلطلة Toledo في ولاية أوهايو لأنها مدينة متوسطة الحجم ونمطية من وسط الغرب الأمريكي الصناعي وذات الإمكانات الواضحة في هذا المجال. ويوجد في طليطلة مسجد صغير بالقرب من وسط المدينة وإمام المسجد قاض أردني سابق حاول أن يدرّس اللغة العربية في جامعة محلية. ومع ذلك فتدربيه ومؤهلاته العلمية غير واضحة ولم يُقبل هنا مطلقاً بوظيفة مدرّس فطرقه في التعليم غامضة ،ويمكن أن يقال عن تجربته أنها تحذير لما يجب أن لا يفعله أو كيف يمكن معالجة مثل هذه الجهود. وتستقبل جامعة طليلطة العديد من الطلاب اليهود من نيويورك ومن الجزء الشرقي من الولايات المتحدة ويظهر نفوذهم في البرامج مثل المحاضرين الزائرين للجامعة في حين أن معظم الطلاب المسلمين لا يعرفون الاسم العربي طيلطلة للاسم الإسباني توليدو ويهجونه كأنه لفظ إنجليزي عادي.
وتحتضن مدينة دترويت Detroit أربعة مساجد ولكن اهتمامها الفكري بخصوص تعليم الإسلام قليل. ماذا يمكنهم أن يفعلوا لهذه الدراسات ولتعليم أبنائهم. إن الطلاب العرب من الجيل الثاني والثالث ليسوا أكفاء وهم ضحايا للموقف الأنجلو سكسوني نحو تعليم اللغات الأجنبية إنهم ببساطة لا يعرفون كيف يدرسونها بل يرفضون ذلك أيضاً. وقد حلّ البروفيسور يعقوب لاسنر Jacob Lassner في جامعة وين الحكومية Wayne State University في دترويت محل أنو شخنة اللبناني الذي تحول الآن إلى منسوتا ولم يهتم المسلمون بذلك. وهذا بالفعل يؤكد الانقسام الموجود بين المجموعات اللبنانية وكيف أنه لا فائدة من الاعتماد عليهم.
وفي شيكاغو العديد من المساجد كما تضم عدداً من الجامعات اللادينية والدينية. وقد مر معنا الحديث عنها. وهنا فرصة للعمل ولكنها غالية الثمن ويجب أن تعتمد على المجموعات المحلية. والمسلمون السود نشطون أيضاً وعنهم ما يطلقون عليه "جامعة الإسلام" ولم يأذنوا لأحد من الخارج أن يفحصها ويقومها فإن الاسم لا يعني شيئاً.
أما سيدار رابدز Cedar Rapids في أيوا فمهمة وقد ذكرت حين الحديث عن الكليات الصغيرة فمن ناحية الإمكانات تعد هذه المدينة من أكثر التجمعات أملاً في الولايات المتحدة حيث بنى هذا المجتمع الصغير العديد من الدعامات الإسلامية في أمريكا الشمالية ومن ذلك أول مسجد في شمال أمريكا بني عام 1934م وأقيمت أول مقبرة إسلامية على مساحة ستة فدادين عام 1948م، وأسست الفدرالية الإسلامية لأمريكا وكندا عام 1952 وأنشئت شركة النشر المتحدة عام 1968م وبني فيها مركز إسلامي ومسجد جديدين عام 1972م. وكان تمويل هذه المشروعات كلها من قبل الأفراد عدا المسجد الذي حصل على هبة كريمة من حكومة المملكة العربية السعودية، وإسهاماً من حكومة الكويت. وتخضع جميع المصروفات هنا لمراقبة دقيقة وفقاً لنشاطات المركز وأهدافه المحددة. وقد يطلب التعاون مع كلية كورنيل الواقعة قريباً من المركز أو حتى جامعة أيوا الواقعة على بعد خمسة وعشرين ميلاً أو حتى جامعة أيوا الحكومية التي تبعد خمسة وستين ميلاً عن المركز.
ومدينة تورونتو Toronto مهمة كذلك بالإضافة إلى مسجديها والجامعة ففي الولايات المتحدة لا يسمح بأي تعليم ديني في المدارس العامة ولكن هذا لا ينطبق على كندا ففي الحقيقة كسب المجتمع الإسلامي في تورنتو مؤخراً قراراً مهماً بأن يتلقى أطفال المسلمين تعليماً إسلامياً في المدارس والحاجة الآن هي تأليف مناهج تعليمية في هذا المجال ولمساعدتهم في تحقيق ذلك لا بد من استشارة السيد معين الدين الذي يعمل في مجلس التعليم في تورونتو في هذا الشأن. ويجب أن نعمل مستخدمين مواد تعليمية باللغة الفرنسية لأن المقاطعة المجاورة كويبك Quebec من المتوقع أن تعطي إذناً مشابهاً قريباً ويمكن استخدام أي مناهج تستحدث في بريطانيا أو حتى فرنسا لذلك يجب إقامة الاتصالات بهذه الدول.
وتضم كل من لندن بكندا وأونتاريو Ontario مسجداً وجامعة . أما الجامعة فهي جامعة أونتاريو الغربية. ولكن إدخال الدراسات الإسلامية هنا يجب أن يعتمد على توفر المصادر، وينطبق الشيء نفسه على هاملتون بقاطعة أونتاريو حيث جامعة ماك ماستر وفي إدمننتون يقع أول مسجد أسس في كندا ليس بعيداً من جامعة ألبرتا Alberta أو المجتمعات الجديدة مثل التي في مدينة هيوستن Houston بولاية تكساس.
رحلة إلى ما وراء البحار
يجب ذكر البريطانيين هنا لأنه كان لهم نفوذ عظيم في كندا وفي غيرها مثل وجود البورفيسور جب في جامعة هارفارد . فالبريطانيون عموماً علماء حقيقيون بالرغم من إظهارهم ميولاً استعمارية كما فعل الأخوة سميث. وما زال لبريطانيا عدد من الجامعات التي تحمل هذه الميول والحاجة واضحة لإخراج الأساتذة القدماء ومراقبة تلاميذهم في العالم الإسلامي وغيره. ونظرا ًلنمو المجتمعات الإسلامية الباكستانية والهندية في معظم المدن البريطانية ( والكندية) من المهم تقديم المساعدة الفكرية لهؤلاء وتشجيع الاتصال بينهم وبين المجموعات الشبيهة في الدول الناطقة بالإنجليزية حتى يمكن تبادل مواد التعليم والأفكار.
وبالطبع فالجامعات هي أكسفورد وكامبردج وأدنبرة ولندن. فألبرت حواراني يدرّس في كلية سينت أنتوني Saint Anthony College في أكسفورد، وقد عمل مع الراحل إس. إم .سترن S. M. Stern وهو يزور بنسلفانيا . وقد طبع كتاب "تراث الإسلام" وكتب أخرى عديدة في مطابع الجامعات. وقد عمل البروفيسور آربري Arbery في جامعة كامبردج وحل محلة الآن سيرجنت Serjeant المعادي للإسلام بصورة سافرة في محاضراته العامة، وقد كان في جامعة إدنبرة Edinburgh في اسكتلندا سابقاً بل مزّق القرآن فعليا. في حين يحاول مونتجمري وات Montgomery Watt حاليا ً أن يتجنب القسوة ولكنه عاد كاثوليكيا بعد رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط؟ وقد كانت جامعة لندن نشيطة في هذا المجال وبخاصة في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية. فالبروفيسور د. هـ. أندرسون H. D. Andreson هو خبيرها في الشريعة الإسلامية. والمجموعة التنصيرية البريطانية نشطة أيضاً وتقوم بتحرير ونشر العديد من الدراسات حول العالم الإسلامي. ويجب الانتباه لهذه الدراسات بصفة عامة حتى لا تؤتي الثمار التي يرجونها. والطريقة لإنجاز ذلك هو تجنبها أو تجميد نفوذها ( فأعرض عنهم)( )كما يوجهنا القرآن الكريم لذلك.
وإذا ما اتجهنا جنوباً نجد وضعاً آخر في الدول المتحدة بالإسبانية فالدول الرئيسية هي إسبانيا والمكسيك وبيرو والأرجنتين والبرازيل على أنها برتغالية مختلفة. إن العقل الهسباني كان دائماً مرتبطاً وخجولاً إلى حد ما نتيجة للخسارة الثقافية والدينية التي تعرض لها الكاثوليك القشتاليون بطرد المسلمين الإسبان من فردوسهم المفقود. وقد يكون الآن هو الوقت المناسب لإثارة هذه الذكريات والإفادة منها.
وفي إسبانيا تعد شخصية جارسيا جوميزGarcia Gomez هي الشخصية العظيمة فقد مثّل إسبانيا دبلوماسياً في البلاد العربية وإيران. وهو كمثل البروفيسور حتّي لم يدرّب أحداً لحيل محله. ونظراً لأن تقاعده أصبح وشيكاً فمن غير المؤكد من سيخلفه. ولا شك أن شخصاً واحداً لا يكفي لبلد كبير وبخاصة وهو يملك هذا التراث الإسلامي الحيوي. وكان الجيل السابق من العلماء الإسبان يتمتع بالشهرة ويضم أسماء من أمثال جوليان ربيرا Julian Ribera وآسن بلاثيوس Asin Placious الذي نال الاحترام في أوروبا كلها. وقد حافظت مصر على بعثة ثقافية في مدريد برئاسة الدكتور حسين مؤنس. ومن المدهش أن نجد مجلة من الدرجة الأولى باسم " الأندلس" تهتم بهذه الدراسات ويكتب فيها العديد من اليهود محاولين أن يثبتوا أن الموشح والزجل وهي الأنغام العربية النمطية التي نشأت في إسبانيا كانت وحياً يهودياً ويصفونها بمصطلحات يهودية، وينشر الإسبانيون مجلة ملحقة ب "الأندلس" يطلق عليها "سقاراد"
عن معظم المهاجرين العرب إلى أمريكا الجنوبية هم من اللبنانيين كما هي الحال في أفريقيا، والقلة منهم مسلمة وبالتالي فالاهتمام الديني بينهم قليل وأقل من ذلك اهتمامهم اللغوي بعد الجيل الثاني. وقد بلغ بعض هؤلاء العرب أو "الأتراك" كما يطلق عليهم عموماً في اللغة الإسبانية درجات عليا في التجارة ويجب استثمارهم لموازنة النشاط الصهيوني القوي هنا. وهذه المستعمرات اللبنانية موجودة في كل مكان في أمريكا اللاتينية وبعضها في الدول الأفريقية أيضاً حيث فضّلهم الفرنسيون كرجال أعمال وتجار كما فعل البريطانيون تماماً مع الهندوس في شرق أفريقيا والصينيين في الملايو.
وتدرّس اللغة العربية في المكسيك في قسم الدراسات الشرقية في كلية المكسيك وهي معهد للدراسات العليا في العاصمة. وعضو هيئة التدريس مصري تساعده امرأة لبنانية أُحضرت إلى هنا كمعلمة للمرحلة الثانوية من قبل المستعمرة اللبنانية. وهنك نفوذ يهودي قوي في قسم اللغة الإسبانية في كلية المكسيك ( كما هو الأمر في معظم أقسام الإسبانية في الولايات المتحدة وكندا)
الجمعيات العلمية:
ويجب التحدث هنا عن الجمعيات العليمة والمؤسسات المهنية ذلك أن مجالسها التنفيذية محشوة باليهود وبخاصة في المناصب الفعالة كالسكرتير وأمين المال وهذا لا ينطبق فقط على الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأدنى ولكن معظم المجالات في الدوائر الأكاديمية كما هو الحال في الأعمال التجارية التي هي مصدر المال.
رابطة دراسات الشرق الأوسط( MESA) أُنشئت هذه الرابطة قبل عدة سنوات بتحالف بين اليهود واللبنانيين الذين تقاسموا منذ ذلك الحين المناصب في الرابطة وحافظوا على تحالف غير مكين. وقد اتبعت الطريقة نفسها إلى حد ما في تأسسي توأمها رابطة الدراسات اللاتينية الأمريكية التي أنشئت بتمويل مشابه. وسكرتير الرابطة هو إي. وليام زارتمان من جامعة نيويورك، وقائمة أعضائها مليئة بأساتذة يعيشون في فلسطين المحتلة والذين يتلقون منحاً لقراءة البحوث والتدريس في أمريكا.
الجمعية الشرقية الأمريكية: وهي جمعية وقورة ولكن اهتمامها ينطلق حتى يصل الصين في الشرق، واهتمامات أعضائها في الشرق الأدنى تتركز غالباً في العالم القديم والآثار ولها مجلة محترمة (J.O.A.S) وتنشر بحوثاً. وقد عانت مؤخراً من صعوبات مالية ويبدو أنها تستطيع البقاء رغم هذه الصعوبات.
معهد الشرق الأوسط: يتخذ المعهد من واشنطن قاعدة له ويديره كثير من الدبلوماسيين السابقين ( منهم حاليا هير وهارت Hare and Hart) ويمثلانه رسمياً الآن. واستحدثت وظائف بلا عمل للدبلوماسيين المتقاعدين ليحاولوا في حياتهم الخاصة ما لم يستطيعوه في مهماتهم الرسمية. وللمعهد مكتبة جيدة ويعقد المعهد مؤتمرات الطاولة المستديرة سنوياً وهي مشجعة في الغالب ولكنها غير متوازنة لمحاولتهم تقديم موضوعات إسرائيلية ولاحتضان اليسوعيين لهم في جورجتاون حيث تعقد اجتماعاتهم غالباً.( )
الرابطة الأمريكية لمدرسي اللغة العربية : احتاجت هذه الرابطة ثلاث سنوات لبدأ نشاطها وكتابة دستورها في الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام باللغة العربية ينخفض. وما زالت الرابطة صغيرة وضعيفة وهناك مجموعة داخلية تتحكم في المناصب وتتقاسمها فيما بينها. ولهذه الرابطة نشرة تحتوي أساساً مقالات لغوية وليس لها أي ارتباط"بالرابطات أو الجمعيات الأمريكية الأخرى للمدرسين" بالرغم من أنها عضو بالمجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية ومرتبطة ارتباطاً غير رسمي برابطة دراسات الشرق الأوسط.
رابطة الدراسات الأسيوية: كانت هذه الرابطة أداة في أيدي مؤيدي الصين مدة طويلة وبالرغم اسمها فمجلتها تنشر مقالات قليلة أو لا تنشر شيئاً يتعلق بجنوب شرق آسيا أو المنطقة الإسلامية ومع ذلك فهذه المقالات غالباً في العلوم الاجتماعية وفي علم الإنسان.
ومن بين منظمات الطلاب هناك " رابطة الطلاب العرب" التي كانت نشطة في وقت من الأوقات وكان الطلاب اللبنانيون والفلسطينيون هم المسيطرون عليها غالباً وهذا يشرح الموقف إلى حد ما بالرغم من أن ماليتها لم تكن واضحة مطلقاً، وقد انتهى تأثيرها مؤخراً.
رابطة العرب خريجي الجامعات الأمريكية: وهي ملفتة للانتباه لعنفها أيضاً ومن الممكن أن يكون لها تأثير في الرأي العام نظراً لذكاء قيادتها وعموماً يعمل أعضاؤها في مناصب مسؤولة لذلك فهم قادرون على تمويل نشاطاتهم وتوجيهها.
رابطة الطلاب المسلمين: وهذه أكثر المنظمات تماسكاً وثباتاً، وقد انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا منذ إنشائها قبل خمسة عشر عاماً وقد أثرت في اتجاه الحركة الإسلامية أكثر من أي مجموعة أخرى في أمريكا الشمالية وسبب تأثيرها أن الإسلام حقيقة بالنسبة لأعضائها ففي أي موضوع ديني لا بد أن يختار المسلم الجاد جانب الحق. ولا يحتاجون إلى الدعايات الفارغة لبيان موقفهم في أية قضية. ولديهم مجلس جيد نسبياً للنشر ومركز رئيس في مدينة جاري Gary بولاية إنديانا Indiana . ومع ذلك فتعاني الرابطة من عيبين: أولهما نظراً لكونها منظمة طلابية فعضويتها تتغير من سنة لأخرى، وثانيهما أنها لم تتعلم كيف تعمل في المدن الجامعية من خلال المجتمع الأكاديمي الذي يقرر المواد التي تقدم والمناهج التي تحتويها هذه المواد وهكذا لم تساعد كثيراً في تطوير الدراسات الإسلامية.
ويتلقى الطلاب العرب وحكوماتهم القليل للإنفاق في المدن الجامعية الأمريكية ( مثلهم في هذا مثل طلاب أمريكا اللاتينية الذين يشبهونهم مزاجياً في حين يختلفون عن الفرنسيين الذين حصلوا على خبرة كبيرة في هذا المجال) إن الأموال التي تأتي من منح طلاب ما وراء البحار يجب أن تخدم قضيتهم ولكن في تكساس لم تمنع الصهاينة من التدخل والاستيلاء تقريباً على دراسات الشرق الأدنى بالرغم من أن الطلاب قد حُذّروا من وقوع هذا، وهم في الحقيقة كانوا يعون ذلك. إنهم ببساطة كانوا يشعرون بالعجز في مواجهة هذا الأمر،
فأين العدد الكبير من المواطنين الذين جاؤوا لدراسة اللغة وعادوا لبلادهم ؟ كان بإمكاننا الإمساك بهم وتدريبهم لو يتحول تعليمهم إلى عملية روتينية وبالتالي فقدوا الحياة الفكرية النشطة ولكن هكذا كان قدرهم.
الدوريات والمجلات:
إن المجلات والنشرات موضوع يجب النظر فيه هنا بجدية ،وقد يكون هذا هو الوقت المناسب للحصول على واحدة من هذه عن طريق الشراء أو التمويل ،ومع ذلك يجب أن نفهم وندرس كيف تحقق هذا. إن النشر حاجة مستمرة وتمويل مجلة أو مطبعة يجعلنا نحصل على مكسب ثمين.
إن أكثر المجلات رصانة هي مجلة الشرق الأوسط التي يصدرها معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومحررها هو وليام ساندس William Sands وقد أسسها الراحل جورج قيصر الذي ترك وقفاً لتمويلها وقد تعرضت مؤخراً لضغوط يهودية ويتضح هذا من المقالات التي تنشرها.
مجلة دراسات الشرق الأدنى: تصدرها جامعة شيكاغو وهي تهتم أساساً بالشرق الأدنى القديم وتبرز اهتمامات مجموعة شيكاغو.
المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط: وهي الناطقة بلسان رابطة دراسات الشرق الأوسط وتقوم بإصدارها جامعة كمبردج في بريطانيا، ومازال البريطانيون والهولنديون نشيطين منذ الحرب العالمية الثانية في هذا النوع من النشر( مؤسسة برل في لايدن بهولندا) التي تتولى نشر دائرة المعارف الإسلامية هي الأنشط في هذا الميدان.
مجلة الجمعية الأمريكية الشرقية: وهذه تحرر في جامعة ييل في مدينة نيوهافن New Haven وتغطي اهتماماتها آسيا كلها وأيضاً كل العصور التاريخية.
ونحن نناقش مسألة النشر يجب أن نؤكد على الحاجة الماسة إلى سلسلة من الكتب المنهجية الشاملة للشرق الأوسط وللدراسات الإسلامية في الجامعات والكليات في العالم الغرب وحتى في الشرق الأوسط نفسه. فمن خلال هذه الكتب الحالية يحصل الغرب وبخاصة الصحافيون ورجال الأعمال وحتى الكثير من الأساتذة الجامعيين ( ناهيك عن تلاميذهم) على معلوماتهم الخاطئة. وأهم هذه الجرائم " دائرة المعارف الإسلامية " التي تصدرها برل في لايدن التي تتولى دائرة المعارف الإسلامية وقد أسسها الهولنديون على أساس تكديس المعلومات حول رعاياهم المسلمين في إندونيسيا من أجل السيطرة عليهم.( )
ومن الكتب الأخرى التي ينطبق عليها هذا الوصف موسوعة التاريخ الإسلامي التي تصدر عن جامعة كمبردج، وكذلك كتاب "تراث الإسلام" التي قامت جامعة أكسفورد بتعديله وإعادة نشره ويرأس مجلس تحرير هذا الكتاب الآن يهودي بعد أن كان يتولى هذه المهمة السير توماس آرنولد Sir Thomas Arnold الذي كان مؤيداً للإسلام وشاركه في التحرير ألفرد جليوم Alfred Guillaume من النوع المنصّر من جامعة لندن. ويبدو أن البريطانيين شعروا طويلاً بأنهم يستطيعون أن يفلتوا بأسلوبهم المتكبر ولكن المحاولة لتغيير موقفهم.
ومثل هذا التطهير مطلوب في أمريكيا الشمالية وأن تتركز على وسائل الاتصال الأوسع: الصحافة والتلفزيون والراديو. فهل نستطيع أن نقيم أن نوع من المؤسسات تشجع البحث في هذه المشكلة أو أن نشتري الوقت أو المساحة لنشر رسالتنا؟( )فالأمريكان عموماً لايقرأون الصحف ونتيجة لذلك تنقصهم المعلومات فقد ضلوا في الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898م بهذه الطريقة، وحرب فيتنام مثال أكثر حداثة. إن المجلات الأسبوعية تظهر الثقة بالنفس لأنهم يسيطرون على قرائهم بكفاءة، ومع ذلك فهذا النشاط اللاديني قد أضر بالإسلام خارج البلاد الإسلامية لعدة عقود، ولذلك فإن الضغوط البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية لتحريك الدعاية لصالحهم تعطي المسلمين الحق في مواجهتهم.
ولتكن البداية دور نشر الجامعات التي تعاني اليوم كغيرها من تجار الكتب من هبوط في النشر ، وكثير من هذه المؤسسات تمت السيطرة علها من قبل مؤسسات أضخم مثل زيروكس Xerox وماجرو-هل McGraw-Hill والصورة ما تزال مائعة. في البداية يجب أن يُجعل الأمريكان على وعي بالاتصال المبكر الذي حدث بين الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي الذي كان ودياً في حالة المغرب وعدائياً في حالة ليبيا. ويجب أن يوضح لهم بالاستقرار الذي يأتي من التعامل مع المجتمع المسلم المقتنع بدلاً من المجتمعات السكرى من خمورهم كما هي محاولاتهم منذ الحربين العالميتين.
لقد كانت المغرب أول صديق دولي للولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر وحتى أكثر من فرنسا التي كانت أنانية في مساعدتها للأمل الوليد والتي تنال عموماً ذكراً أكثر في هذا المجال. وبعد عشرين سنة وبحلول القرن التاسع عشر سيطر على الحملة التي اتجهت إلى شواطئ ليبيا العداء والاعتقاد بأنها على حق. وكانت هذه بعض أوائل الاتصالات الخارجية التي قامت بها الولايات المتحدة. ونحن بحاجة لإذاعتها وبخاصة من وجهة النظر العربية الإسلامية. ويجب القيام بالدعاية الإيجابية ونحتاج إلى ندوات معلنة جيداً وندوات الطاولة المستديرة حول موضوعات مختلفة حتى يُسمع رأينا ، وهناك اهتمام في الوقت الحاضر بأزمة الطاقة والإسلام والعالم المعاصر والدول منفردة000الخ.
ومع ذلك فإن سياسة الولايات المتحدة الخارجية ( أو أي سياسة برلمانبة ) نادراً ما سارت على قاعدة ثابتة، إنها تقدم المساعدات من سنة لأخرى وفقاً للتوزيع الذي يضعه الكونجرس عدا حملتها ضد الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية التي قادتها إلى مغامرة كوبا وفيتنام. إننا نحتاج إلى عقد الندوات ومؤتمرات الطاولة المستديرة حول هذه الموضوعات وننبه العامة بخصوص جغرافية وتاريخ وسياسية كل من الشرق الأوسط والولايات المتحدة وكيف يتفاعلان. ويجب أن ننشر الكتب المدرسية التي يمكن لأطفالنا أن يشتروها وكذلك الرجل العامي لتحل محل الكتب القديمة ذات الطابع الاستعماري والصهيوني. ويجب أن يكون بعض هذه الكتب في الدين ويمكن أن يكون كثير منها حول الثقافة العربية الإسلامية التي يجب أن يعرفها المثقفون إذا أردنا للآخرين أن يحترموننا من أجل ماضينا ومستقبلنا.
ومع ذلك فلا بد من إجراء كثير من البحوث من أجل هذا الهدف ويجب أن يكون وافياً وعلمياً، فهناك مثلاً وكالة أبحاث هي " أعضاء الجامعات الأمريكيين الميدانية" تمولها أموال مؤسسة وتقوم بوضع العديد من النشرات حول الدول النامية وأن تلك التي أُنجزت حول شمال أفريقيا والجزائر كانت أساساً بلغة فرنسية سيئة بينما كثير من أعضائها من اليهود، وقليل من المعلومات حول الشرق الأوسط تتسم بالثقة ذلك أن معظم المعلومات التي تنقل هي مجرد فولكلور وشائعات بالرغم مما يقال بأن المعرفة في الغرب مبنية على العلم. ولا بد أن ننظر في مجالات عديدة مثل علم الاجتماع والاقتصاد بل والتاريخ أيضاً. وإذا ما فعلنا هذا بحرص يمكننا حينئذ أن نهيئ الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في العقود القادمة.
ولنضرب المثل فثمة حاجة لقاموس إنجليزي عربي يغطي كل الدول المتحدة باللغة العربية ويحتوي المصطلحات الإسلامية في ترجمة معقولة وأقل اهتماماً بالاحتفالات والأعياد الكاثوليكية. وموضوع آخر يستحق الاهتمام وهو الكلمات العربية في المفردات الأوروبية حتى يستطيع الناس أن يدركوا التراث الثقافي الذي قدمه العرب خلال القرون الوسطى وحتى في أوقات أكثر قرباً. ما الكلمات التي انتقلت من العربية إلى لغات أوروبا الغربية؟ إن قواميس إلياس التي نشرت في مصر سبة لعلم المعاجم لأنها تعتمد فيما تقدم على معلومات مأخوذة فيما يبدو أنهم جنود بريطانيون سكارى. ويحتاج التعليم العام للغة العربية إلى توسيعه وتقويته بوساطة كتب منهجية جديدة. أما دراسة اللهجات فإنها لا تتعدى ما فعله الفرنسيون في مستعمراتهم وما يفعله الروس في الدراسات التركية في أواسط آسيا تجزئة الأسلوب من أجل السيطرة المحلية. هؤلاء أساتذة إمبرياليون خاضعون ويعملون لصالح إمبرياليتين هما الأمريكية واليهودية. إحداهما تملك مستعمرة مغروسة في قلب العالم العربي ومع لك فلا يعرف أي منهما حقيقة العالم الإسلامي ولا يفهمون الإسلام أكثر من الشحاذ الهندوسي الأعمى يتلمس الفيل يحاول وصف ذلك الحيوان.
الدراسة العليمة ضرورية لمعرفة نسبة الأساتذة الصهاينة وتأثيرهم في كل الميادين. ماذا عملوا ليس فقط في بحوثهم ولكن أيضاً في تهيئة اتجاهات ومنع أخرى. يمكننا أن نقرأ عن دراسات أجريت على يهود ليبيا في فلسطين المحتلة: "من دراسات الكهوف إلى مزارعي الحمضيات" التي نشرت في كتاب عليم الاجتماع مما يجعل الأمر يظهر كأن هؤلاء اليهود يعاملون معاملة سيئة عندما كانوا يعيشون في الكهوف جنوب طرابلس ( لقد كان الغزاة الإسبان هو الذين أجبروهم على الفرار إلى الجنوب قبل أربعة قرون) ولم تذكر الدراسة حول زراعتهم البرتقال في بيارات معظمها مغتصب من المواطنين الفلسطينيين. لقد عاش اليهود في ليبيا وتونس لأكثر من ألفي سنة وكان تأثيرهم الرئيس قبل سنة 115 تحت سلطان الإمبراطور تراجان Trajan عندما ثاروا ضد الحكومة الرومانية في مدينة قورنية Cyrene تلك الثورة كشفت تدمير تلك المدينة، فالأعمدة الساقطة هناك هي نتيجة الزمن والتخريب اليهودي لمتعمد قبل زمن طويل من وصول العرب ومع ذلك فلو ذكر الإنسان هذه الحقيقة التاريخية ليتهم المؤرخ بأنه "معاد للسامية" ومن ثم يوجه انتباهنا إلى الدراسات الاجتماعية حول الجهود اليهودية ونحث على الانشغال بأمور أخرى كأن هذا أمر بطولي حقاً . بينما يطلق على جهود الفلسطينيين لإيصال دعايتهم للعالم دعاية كاذبة وإرهاب.
من يموّل هذه البحوث؟ مثل هذه الهبات يتم تبادلها بين مجموعة صغيرة جداً وهكذا تظل الدراسات العربية ( ونادراً الإسلامية ) ضيقة ولا تزدهر مطلقاً في الولايات المتحدة الأمريكية. ماذا يظهر الاتجاه الحالي لبحوثهم؟ من الذي يجب دعمه؟ لقد سمنوا بأموال مرسوم التعليم الدفاعي الوطني والمؤسسات التي نادراً ما يتقاسمونها مع من هم خارج دائرتهم. إن الطلاب في هذه المراكز يتحدثون عن احتلال فلسطين على أنه مشروع وأن اليهود يوفون بجميع التزاماتهم الدولية والإنسانية .
لمن يجب إعطاء أي منحة دراسية؟ ما الموضوعات الدراسية التي يجب دعمها.
إن المجتمعات التي تحصل على معظم الهبات كان لها تعاون لصيق مع عضوية محافظة على استمرارها في نطاق التحالف اليهودي –اللبناني. ففي شرق الولايات المتحدة تصل المساعدات إلى الأقسام المعنية في برنستون وهارفارد وكولومبيا وشيكاغو وميتشجان (آن آربر) وفي الغرب تتركز المجموعة في يوتا وبيركلي (التي غالبا ما تشترك مع المجموعة الشرقية) وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وجامعة بورتلاند. وتدير جامعة يوتا مركز شمال أفريقيا في تونس بأموال المساعدات الخارجية، وكذلك تحصل الجامعة الأمريكية في القاهرة على هذه الأموال ولكن لأنها تصرف في أهداف بروتستانتية فإن المحتوى الإسلامي لدراساتهم منخفض جداً ( وكذلك عدد المسلمين في هيئة التدريس قليل جداً بينما تبرز أسماء أساتذة زائرين من أمثال برنارد ويس Bernard Weiss ) وقد رفضت مدرسة للبنات في البحرين تعيين إحدى طالباتي في منصب مدرّسة لأنها مسلمة نظراً لأن المدرسة بروتستانتية. ولكن ماذا عن التلاميذ في المدرسة؟ لا بد من فحص دقيق هنا ليس فقط من قبل الحكومات التي تقدم التأشيرات المعنية ولكن من قبل مؤسسات بحث في هذا الميدان.
الخاتمة والاستنتاج
تناول هذا المسح مجتمع علماء الشرق الأدنى وخبراءه الذين يقودون الولايات المتحدة إلى كارثة في تعاملها مع الشرق الأوسط. منهم لم يعلِموا بلادهم بدقة وبالتالي فهم ليسوا علماء حقاً. وبالرغم من أن الإسلام ليس فيه منصب القس إلاّ أن هؤلاء الرجال ينتحلون منصب القسس العليا من خلال عداوتهم للإسلام ويطلبون الثقة التي تصحب مثل هذا التظاهر بالقوة وغالباً ما يحصلون عليها. إن هدفهم أن يجعلوا الإسلام يبدو كأنه من القرون الوسطى وبعيداً عن العصر كما فعل البروفيسور فون جرونبازم Von Grunbaum حين أنفق عمره في ذلك، وأن ينشروا الإشاعات حوله ، وعندئذ يقع هؤلاء فريسة أفكارهم الزائفة ويخدعوا بزيفهم.
وليس اليهود وحدهم المصابون بهذا الفيروس بل يشاركهم فيه كذلك [بعض] اللبنانيين والأقباط والأرمن ويستمر مُضراً بهم كما الأنيميا (فقر الدم) أو أي مرض معطل للقدرات. لا يوجه كل اللبنانيون الأمور وهم لا يمثلون لا العالم الإسلامي الذي يكنون له العداء أو العرب الذين يعيشون على خيراتهم برغبتهم ويرفضون تأييدهم بإخلاص، فثمة طائفة من اللبنانيين غالباً ما يحاولون الأمور إلى اليهود عندما يكونون تحت الضغط وبخاصة حينما لا يكون لديهم حق قانوني في ذلك ( وقد كان هذا داب الإنجليز أيضاً) أو يقسمون الأمور على أساس المساواة متبعين الممارسة السياسية في بلادهم. إن العرب المستأنسين ( المدجّنين) والمتزلفين في دراسات الشرق الأدنى هم في الغالب من اللبنانيين والأقباط.( )
ربما يكون من غير الممكن تغيير المراكز الجامعية ولكن أي تغيير يمكن أن يحدث بسهولة مع تطور الحياة والسياسة. وقد رأينا ضخامة الكوارث منذ الاستيلاء على فلسطين والتوسع المستمر في احتلالها. ويجب أن نكون متزنين في مواجهة ذلك والتعايش مع. فالأزمة النفطية تجلب معها المخاطر . وقد لاحظنا كذلك تغيرات في المدن الجامعية في أثناء نمو المراكز في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وجامعة ماقّيل ويوتا. وهكذا فمن الأفضل تشجيع جهود جديدة كلياً عدا بالنسبة للمراكز الموجودة مثل المركز الإسلامي في واشنطن ومعهد الدراسات الإسلامية في جامعة ماقّيل ( شريطة تطهيرها من الإدارة المعادية للإسلام) ويجب تدريب القيادات من بين الشباب المسلم وتمكينها في مدن مثل سيدر رابدز وأدمنتون ولندن وطليطلة (الأمريكية) كما يجب تزويدهم بالوسائل فنجاز بعض نقاط هذا البرنامج.
هناك حاجة حقيقية للدراسة الأجنبية من أجل إيجاد خبرائنا للمستقبل، ويجب تقديم المنح لتدريب هؤلاء القادة الجدد وبالتالي نغير اتجاه هذه الدراسات ويجب استحداث الوظائف لهؤلاء الطلاب ونجعل لهم ضماناً إن أمكن لأنهم سيكونون علماء المستقبل ومع ذلك فيجب أن نحافظ عليهم من أن يصبحوا عاطلين بلا عمل. ولا بد من عقد الندوات والمؤتمرات الخاصة بنا حتى يكون لنا سيطرة أكبر على المتحدثين وعلى الموضوعات المطروحة وبخاصة الموضوعات المقترحة.
وأخيراً ما هي تكاليف هذا العمل؟ لقد ذكرت سابقاً الأغاخان الذي ذُكر أنه أعطى نصف مليون دولار لجامعة هارفرد لاستحداث كرسي الدراسات الإيرانية ( لاحظ ليس الإسلامية) فماذا نفهم من هذا الجهد؟ يبج عدم إهدار المال هكذا ، ويجب عدم السماح بالهدايا مثل السجاد ،يجب عدم إعطاء الأموال للمعاهد الحكومية و لا للأفراد غير الرسميين سوى في حالة تقديرهم ومكافأتهم على إنجازهم. وإن أي برنامج يوضع ينبغي أن يتجاوز السنة حتى يمكن مراقبته ومتابعته.
قصدت أن تكون هذه الخطوط العريضة غامضة حتى تصبح المسألة بحثاً وتطبيقاً للعلاج.( ) إن حاجتنا الأولى هي تحليل الأوضاع وأن نتأكد من القوى التي نعمل معها وبعد ذلك يجب أن نحدد ما الذي يمكن إنجازه ثم نبدأ في رسم خطة العمل. وعندما نصل إلى تلك المرحلة فقط نستطيع عندها أن نبذل الوقت في مشروعات لبرنامج أكثر تناسباً لدراسات الشرق الأدنى والدراسات الإسلامية في جامعات أمريكا الشمالية.
القسم الثالث
دراسة في الاستشراق الأمريكي المعاصر(* )
تمهيد
الاستشراق الأمريكي المعاصر أو الدراسات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية موضوع واسع ومتشعب وعميق ، ومن المغامرة الحديث عنه في محاضرة واحدة، كما أن من الصعب الحديث عن هذا الاستشراق دون معايشته عن قرب لفترة من الوقت. ولكن ما يشفع لي في الحديث في هذا الموضوع أن بحثي لرسالة الدكتوراه كان بعنوان: " منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الجوانب الفكرية في التاريخ الإسلامي."و برنارد لويس Bernard Lewis إنجليزي الأصل يهودي الملة صهيوني النزعة والميول . عاش في بريطانيا حتى عام 1974 ، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل في جامعة برنستون ، وكان لهذا المستشرق عـلاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ الخمسينيات من هذا القرن حيث عمل أستاذا زائراً في العديد من الجامعات الأمريكية، وانتدبته وزارة الخارجية البريطانية للقيام بجولة في عدد من الجامعات الأمريكية وإلقاء بعض المحاضرات العامة والتحدث في الإذاعة والتلفاز .
وقد أتيحت الفرصة لي للقائه عام 1408( أكتوبر 1988) في جامعة برنستون، كما التقيت معظم زملائه في تلك الجامعة وحضرت عدداً من النشاطات في مركز دراسات الشرق الأوسط في تلك الفترة . وزرت معهد أنانبرج Annanberg للدراسات اليهودية ودراسـة الشرق الأدنى الذي كان لويس حينذاك مديراً له. وتعرفت على الاستشراق الأمريكي من خلال دراسة كتـابات برنارد لويس وما كتب عنه بالإضافة إلى دراسة كتابات غيره من الباحثين الأمريكيين حول الإسلام عموماً ولاسيما التاريخ الإسلامي.
واستمرت صلتي بالاستشراق الأمريكي من خلال رحلة علمية قمت بها في صيف عام 1416 (1995) حيث زرت تسع مدن أمريكية والتقيت كثيراً من الباحثين ورؤساء الأقسام ورؤساء المعاهد المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط. ومن هذه الجامعات : جامعة جورج تاون وجامعة انديانا وجامعة كاليفورنيا في بيركلي وفي لوس أنجلوس ، وجامعة فيلانوفا وجامعة تمبل في فيلادلفيا وجامعة برنستون وجامعة كولمبيا وجامعة نيويورك. كما زرت معهد الشـرق الأوسط ومعهد الولايات المتحدة للسلام ومعهد بروكنجز، ومعهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز بواشنطن العاصمة. كما زرت مجلس الشؤون الخارجية بنيويورك ، ومكتبة الكونجرس والمعهد العالمي للفكر الإسلامي .
ويتابع الباحث الدراسات الاستشراقية الأمريكية من خلال بعض الدوريات والنشرات التي تصدر عن المعاهد ومؤسسات البحث العلمي ومراكز دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة.وسوف أتناول في هذه الدراسة بعض ملامح الاستشراق الأمريكي المعاصر من خلال المباحث الثلاثة الآتية
المبحث الأول : حقيقة المعرفة وأهدافها ووسائل الحصول عليها.
المبحث الثاني : ظاهرة الاستشراق الإعلامي .
المبحث الثالث: الاهتمام بالحركات الإسلامية" الأصولية"
المبحث الأول
حقيقة المعرفة وأهدافها ووسائل الحصول عليها:
كان إدوارد سعيد قد حدد في تعريفه للاستشراق أبرز خصائصه وهي المعرفة من أجل الهيـمنة والسيطرة ( )وانبرى كثيرون لنقد كتاب إدوارد سعيد ومن أبرز هؤلاء برنارد لويس الذي زعم أن الاستشراق إنما هو من أجل المعرفة فقط أو العلم من أجل العلم ،وقد أكد هذا في حواره مع الباحث، وأضاف لويس بأن الباحث الغربي في العلوم الإسلامية شأنه شأن التاجر فكما أن التـاجر يريد أن يرفع رصيده من الأرباح فكذلك المستشرق يريد أن يزيد معرفته.( )
ولكن رأي إدوارد سعيد له من يؤيده ومن هؤلاء الأمريكي المسلم خالد يحي بلانكنشب الذي كتب يقول بأن " الغرض من إنشاء هذا المجال هو خلق وسيلة تحكّم عن طريق المعرفة ، ويتضح ذلك جلياً في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة حيث لا يكاد يسمح للمسلمين بالتحدث عن الإسلام ، بل تتم دعوة" خبراء" غير مسلمين ذوي خلفيات يهودية أو مسيحية أو علمانية أو خلفيات عربية قومية للتحدث عن الإسلام ، ويتم اختيار أفراد المجمـوعة الأخيرة بدقة مثل فؤاد عجمي وهو مسلم لبناني يبدو أنـه مأجور لكي يدافع عن إسرائيل."( ) ولو كانت المعرفة من أجل المعرفة لما ظهر التحيز في الدراسات العربية الإسلاميةفي الولايات المتحدة حيث يؤكـد بلانكشب بأن وجهتي النظر الأمريكية والصهيونية تتفقـان فيما يتعلق بالإسلام . ويقول:" ومما لاشك فيه أن المسـاق الأكاديمي المتحكم في مجال الدراسات الإسلامية متحيز بشدة ضد الإسلام الذي يتم وصفه -على الرغم من استخدام عبارات تلميحية ومهذبة-بأنه دين عنصري ومتحيز جنسيـاً ونظري وشمولي ، ومعرقل ، ومتخلف ...و وغير قادر على التفكير التحليلي."( )
وتحدث الأستاذ يوشع صادق في ندوة عن الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الأمريكية فذكر بأن من أهداف هذه الدراسات ما يأتي:1- تحليل أسباب انتشار الإسلام في الولايات المتحدة وعدة أقطار أخرى ثم تزويد حكومة الولايات المتحدة بهذه المعلومات ليتسنى لها على ضوئها تحديد وصياغة سياستها الخارجية". 2- " توفير معلومات كافية عن الإسـلام في معرفة ما يجري في العالم الإسلامي ولماذا يتصرف المسلمون على هذا النحو".3- وهذا الهدف خاص بالهيئات التنصيرية وذلك لإعداد ممثليها " للعمل في الدول الإسـلامية وفي أوساط المجتمعات والجاليات الإسلامية، وضرب المثل بمدينة دترويت التي تقطن فيها جالية عربية مسلمة كبيرة، وأضاف بأن الدورات التي تعقد لتدريس الإسلام وتعاليمه هدفها تدريب الكهنة على كيفية تحويل المسلمين إلى مسيحيين أي تنصيرهم."( )
ويتضح حرص الحكومة الأمريكية على هذه المعرفة من خلال أمور كثيرة منها أن الحكومة الفدرالية تقوم بتقديم الدعم لعدد من مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الخاصة والجامعات الحكومية.كما أن أساتذة الجامعات والمتخصصين في الدراسات الإسلامية العربية تتم دعوتهم لتقديم شهاداتهم إلى لجان الكونجرس الأمريكي وحتى المخابرات المركزية الأمريكية . وقد عقدت عام 1985 ثلاث جلسات استمـاع قدم عدد كبير من المتخصصين شهاداتهم وبحوثهم حتى وصلت إلى اثنتـين وأربعين صفحة وكانت هذه الجلسات مخصصة لموضوع الأصولية في العالم الإسلامي.( ) وقد عقـدت جلسات أخرى فيما بعد. كما أن المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك بالإضافة إلى مشروع جامعة شيكاغو حول "الأصولية" في أديان العالم وبخاصة الإسلام واليهودية والنصرانية الذي حشدت له الجامعة عشرات العلماء للبحث فيه لابد أن يطلع على نتائجه مسؤولو الحكومة الأمريكية.
وبالإضافة إلى هذه المصادر من المعلومات فهناك مندوبي مكتبة الكونجرس في أنحاء العالم العربي الإسلامي الذين يلتقطون كل جديد من كتب ومنشورات وقصاصات صحفية يتم تزويد المسؤولين بها في الحكومة الأمريكية .
ويسعى الأمريكيون للحصول على المعلومات عن طريق الطلاب العرب المسلمين في الجامعات الأمريكية وبخاصة الذين يعدون رسائل الماجستير والدكتوراه في العلوم الإنسانية والاجتمـاعية وغيرها.وقد أشار أحمد عبد الحميد غراب إلى هذه المسألة وأكد على أن بعض الرسائل العلمية تشبه المعلومات الاستخباراتية وبخاصة تلك التي تتعلق بالحركات الإسلامية حيث يكـون الطالب المسلم أكثر قدرة على تحصيل المعلومات من الباحثين الأجانب ، بالإضافة إلى أن الطالب الذي يعـد رسالة جامعية بعيد عن الشكوك( ). وقد أشار إدوارد سعيد إلى هذا الأمر حيث التقى بعض الطلاب اللبنانيين الذين يعدون رسائلهم الجامعية حول لبنان ، فقال لهم بأن يكتبوا عن لبنان حين يكونون في لبنان أما في أمريكا فإن عليهم الكتابة عن أمريكا: " لماذا لا تكتبون عن أمريكا؟ لستم هنا لكي تكتبوا عن أنفسكم ..... هنا يتوجب عليكم أن تشاركوا في الجدالات الدائرة حول أمريكا في أمريكا. "( )
وهناك وسيلة أخرى في الحصول على المعرفة وهي عن طريق الأساتذة العرب المسلمين الذين تستقطبهم الجامعات الأمريكية حيث يقوم هؤلاء الأساتذة بالمشاركة في المؤتمرات والنـدوات ويقومون بالتدريس الجامعي ويُعَدّون مصدراً مهماً للحصول على المعلومات عن العالم الإسلامي العربي. وقد كتب إدوارد سعيد عن ذلك بقوله:" العديد من المثقفين العرب يأتون إلى أمريكا لكي يدرِّسوا أو يكتبوا عن الشرق الأوسط ، و مثّل لذلك بصادق جلال العظـم " الذي يفتَرض أنه "ناقد" كبير قضى ثلاث سنوات وجُل ما فعله هو تدريس الشرق الأوسط إلى صغار أمريكا ، ذلك نوع من النرجسية التي تدعو إلى الأسى عنـد قسم من المثقفين العرب " ويضيف بأنهم " أسرى حالة من ال" غيتو" لأنهم يكتبون عن العالم العربي بالفرنسية في فرنسا وبالإنجليزية في أمريكا وبريطانيا وينظر إليهم كمخبرين محليين." ( )
ومن الملاحظ أن الأساتذة الذين تقدم لهم الفرصة للعمل في الجامعات الأمريكية هم في الغالب من أصحاب الاتجاهات العلمانية أو المتغربين وهؤلاء بطبيعتهم يعيشون حالة من الانبهار بالغرب ، ولطبيعـة حقدهم على الاتجاهات الإسلامية فإنهم يتبرعون بالمعلومات التي تطلب منهم وحتى التي لا تطلب منهم. ولاحظت أيضاً أن الذين يدرسون في المدارس الخاصة مثل المدارس الفرنسية (الليسيه ) أو كلية فيكتوريا( بريطانية) أو الكليـة العامة( أمريكية) يواصلون دراساتهم العليا في الغرب ، ويحصل بعضهم على الفرص للتدريس والعمل في الجامعات الأمريكية.(*)
وقد تأكد لي هذا الاتجاه في أكثر من حالة فحين كنت أحضر ندوة بجامعة نيويورك بعنوان "الرقابة الإعلامية والمصالح القومية." كان أحد المتحدثين هو محمد دلبح الذي قرأ بحثاً من عشر صفحات أو أكثر حشد فيها معلومات كثيرة عن الرقابة الإعلامية في دول الخليج العربي، وما كان للحضور معرفة هذه المعلومات لو لم يقدمها لهم هذا المشارك ،بالإضافة إلـى الروح الهجومية على هذه البلاد العربية وكأنها بلاد أعداء. وبالرغم من أن مشاركتي قد قدمت بعـض المعلومات عـن الرقابة الإعلامية لكنها في الوقت نفسه تناولت الشكوى مـن الهيمنة الفكرية الغربية من خلال البث المباشر الذي يسيطر عليه إنتاج هوليوود ، وقد أشرت إلى مناشدة الرئيس الأمريكي لأربعمئة من شخصيات عالم السينما بأن يخففوا من جرعـات الجنس والجريمة في الأفلام . كما أشرت إلى كتاب مايكـال ميدفيد (أمريكا وهوليوود ) الذي يعد أعنف هجوم تتعرض له هوليوود وقد أغضب أرباب صناعة السينما في أمريكا ، وقد وجدت صعوبة في الحصول عليه.
ومن وسائل تحقيق المعرفة بالعالم العربي الإسلامي التي تبذل الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث ومعاهد الدراسات جهوداً كبيرة جداً في سبيلها ما سأذكره عن بعض الجامعات فيما يأتي:
جامعة نيويورك
1- ندوة بعنوان:" ثقافات متواصلة : التاريخ والهوية في الأفلام الوثائقية في الشرق الأدنى 8و9 فبراير 1996. وشارك في الندوة كل من ليلى أبو لغود ومايكال جليسنان وزخاري لوكماني، وحميد دياني، وتماثي ميتشال وخالد فهمي وقد تضمنت الندوة عرض أفلام من الجزائر وإسرائيل وفلسطين ومصر ولبنان والمغرب.
2- نـدوة " الرقابة الإعلامية والمصالح الوطنية " وهي من ست حلقات حسب المناطق الجغرافية للشرق الأوسط بالإضافـة إلى ندوة حول الصحافة العربية المهاجرة. ومن هذه الندوات واحدة حول الجزيرة العربيـة شاركت فيها كل من شيلا كــارابيكو المتخصصة في العلوم السياسية و مديرة المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بجامعة ريتشموند بولاية فيرجينيا والصحافي محمد دلبح الذي يعمل مراسلاً لعدد من الصحف والمجلات الخليجية في واشنطن منذ عام 1978. وعقدت الندوة في 27فبراير 1996. أما الحلقة الأخرى فكانت حول الصحافة العربية المهاجرة وشارك فيها كل من جهاد الخازن -رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية وملحم كرم مراسل إذاعة مونت كارلو. وعقدت يوم 19 أبريل 1996.
جامعة هارفارد:
تصدر جامعة هارفارد نشرة نصف شهرية تتضمن نشاطات مركز دراسات الشرق الأوسط ، وبعض المراكز القريبة، وهو ليس قسماً علمياً ولكنه يقوم بالتنسيق بين الأقسام المختلفـة التي تهتم بالدراسات العربية والإسلامية مثل قسم اللغة والآداب ، وقسم الأديان ، وقسم العلوم السياسية ، وقسم الجغرافيا، وقسم علم الإنسان( الانثروبولوجي) وقسم الاجتماع ...الخ. ومن نشاطات هذه الجامعة وهي كثيرة جداً:
1- محاضرة بعنوان " غلام نصراني في أغنية لأبي نواس" ألقاها جيمس مونتجمري المتخصص في الأدب العربي من جامعة أوسلو.
2 - حلقة دراسية بعنوان:" الإسلام السياسي : تحد أم تهور" شارك فيها جون اسبوزيتو وكانت محاضرته بعنوان " العلاقات النصرانية الإسـلامية" ومن موضوعات الندوة النصوص والتقاليد ، المواجهات العقدية ، وموضوع العلاقات الإسلامية النصـرانية في الغرب ، وإصلاح الدين للقرن الواحد والعشرين. وعقدت هذه الحلقة في جامعة جورج تاون بواشنطن.
3- 21سبتمبر 1995، محاضرة بعنوان:" إعادة فحص الدولة في الشرق الأوسط: تحليل للكتابات التي صدرت مؤخراً." قدمها يوسف كوستاينر Kosteiner كبير باحثين من مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة تل أبيب.
4-5 أكتوبر 1995 محاضرة بعنوان :" اتجاهات جديدة في الخليج الفارسي " قدمها جاري سيك Gary Sick من جامعة كولمبيا بنيويورك.
5- 14 نوفمبر 1995 :" الإسلام السياسي بين القومية الإسلامية والأصولية" قدمها أوليفر روي من المركز القومي للبحوث العلمية بباريس.
6- 14 نوفمبر 1995 محاضرة بعنوان:" اتجاهات معاصرة في الفكر المعاصر وتطبيقات في أصول الفقه." قدمها الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، وعضو المجمع الفقهي.
الرسائل العلمية:
تعد الرسائل العلمية من أفضل مصادر المعرفة عن العالم العـربي الإسلامي، ومن الصعب حصر الرسائل ولكن فيما يأتي نماذج من هـذه الرسائل التي تتناول الإسلام في النواحي العقدية والتشريعية وفي التاريخ وغيره، كما تتناول بعض القضايا المعاصرة.
1-حمودة عبد العاطي:" بناء الأسرة في الإسلام" جامعة برنستون 1971
2- عبد الحميد أبو سليمان:" النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية." جامعة بنسلفانيا 1973.
3- بكر محمد باشا." التأثير الواضح للشريعة في تخفيض عدد الجرائم في المجتمع السعودي: دراسة مقارنة." الجامعة الأمريكية العالمية 1979.
4- شويكار إبراهيم علوان ." الديموقراطية الدستورية والإسلام :دراسة مقارنة" جامعة ايموري بولاية اتلانتا 1971.
5- على أكبر باراست ." وضع النساء في المجتمعات العربية المسلمة " جامعة يوتا 1974.
6- أحمد شكري ." القانون المحمدي[ وليس الإسلامي] في الزواج والطلاق" جامعة كولمبيا عام 1916.
7- فؤاد شعبان . العالم المحمدي[وليس الإسلامي] في الأدب الإنجليزي 1462-1580 توضيح من خلال نص كتبه الإخوان الإنجليز الثلاثة.جامعة ديوك 1965.
المعاهد ومراكز البحوث: من الصعب على الجهد الفردي متابعة النشاطات العلمية حـول العالم العربي الإسلامي في الولايات المتحدة، ولكنّي أشير إلى بعض المراكز والهيئات المهمة ذات النشاط الواضح في هذا المجال التي تيسر لي الاشتراك فيها بالعضويةأوعن طريق الاطلاع علىبعض إنتاجها العلمي ومنها:
أ-(رابطة دراسات النساء في الشرق الأوسط) وهي إحدى الهيئات التابعة لرابطة دراسات الشرق الأوسط ، ولها عضوية مستقلة وتصدر نشرة ربع سنوية ، كما تعقد اجتماعاً سنوياً ضمـن الاجتماع السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط . ومن خلال متابعة أعداد النشرة التي تصدرها الرابطة يتضح اهتمامهم بالفكر التغريبي العلماني،ودعاة ما يسمى" تحرير" المرأة.وقد حضرت مندوبة من الرابطة معرض القاهرة الدولي العام الماضي وأعدت تقريراً عن جناح المرأة في المعرض، ومن المقابلات التي أجرتها مندوبة الرابطـة مع الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد.ووصفت فوزية أبو خـالد بأن شِعْرَها يعد من طراز رفيع في الشكل وصريح في محتواه. وصرحت الشاعرة السعودية بأنها طردت من وظيفتها التدريسية في كلية البنات في إحدى الجامعات السعودية، ولكنها مازالت تعمل في الجامعة في إدارة تخطيط المناهج. وبالطبع فإنها كما صرحت ما تزال تمارس الكتابة بالرغم من أكثر كتاباتها لا تنشر في السعودية.( )
2- معهد الولايات المتحدة للسلام -واشنطن العاصمة:تأسس هذا المعـهد في واشنطن العاصمة في عام 1984 بدعم من الحكومة الأمريكية حيث يتولى الكونجرس الأمريكي توفير ميزانية المعهد . وتقوم الحكومة الأمريكية بتعيين مجلس أمناء المعهد .ومع ذلك فالمعهد مؤسسة مستقلة غير منحازة منعزلة عن مؤسسات الضغط السياسي ، ولكنه قادر على مساعدة الفرع التنفيذي من الحكومة الأمريكيـة والآخرين بتقديم البحوث والتحليل والمعلومات. ويهدف هذا المعهد أساساً إلى " تقوية قدرات الأمة (الأمريكية ) للتوصل إلى حلول سلمية للمشكلات الدولية " وذلك عن طريق:
1- تحريك أفضل المواهب الدولية من مؤسسات البحوث والأكاديميات والحكومات لمساعدة صنّاع القرار بتقديم أفضل تقويم مستقل وإبداعي لكيفية معالجة المشكلات العالمية من خلال الطرق السياسية.
2- التوصل إلى حلول للمشكلات أو الخلافات الدولية من خلال طرح المشكلات وإعداد المفاوضين الأمريكيين ليقوموا بدور الوسطاء.
3- تدريب المتخصصين في الشؤون الدولية في إدارة المشكلات وأساليب الحلول والوساطات ومهارات التفاوض.
4- رفع مستوى الطلاب والجمهور حول المشكلات الدولية وجهود السلام من خلال المنح والبعثات الدراسية والمطبوعات والاتصالات الإلكترونية والمؤتمرات .( )
ويهمنا في هذا السياق اهتمام المعهد بالعالم العربي الإسلامي وبخاصة الصراع الإسلامي اليهودي ، كما يهتم المعهد بموضوع "الإسلام السياسي" أو " الأصولية" وقد عقد المعهد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل لدراسة هذه القضية. كما علمت بأن المعهد كلّف سعد الدين إبراهيم من الجامعة الأمريكية في القاهرة بإعداد دراسة عن الحركات الإسلامية في مصر.ومن الطريف أن ميزانية قسم دراسات الشرق الأوسط كانت مليونين ومائتين وثمانين ألف دولار لعام 1992.( )
وفيما يأتي عرض موجز لبعض ندوات المعهد:
أ- " جارٌ عنيد : تحليل دور تركيا في الشرق الأوسط.1-2 يونيو 1994 أدار الندوة كل من باتريشيا كارلي من المعهد وهنري باركي من جامعة ليهاي Lehigh ، وقد شارك في الندوة ثلاثمئة باحث أكاديمي وسياسي من تركيا ومصر وسوريا وإسرائيل وإيران وأوروبا والولايات المتحدة .ونظراً لأهمية الموضـوع فقد قرر المعهد نشر تقرير مفصل يلخص أهم الآراء التي طرحت في الندوة، كما ينوي المعهد نشر كتاب يضم مساهمات المشاركين.
ب- ندوة: الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. 2-3 مارس 1994 ، بالتعاون مع مركز التفاهم الإسلامي النصراني التابع لمدرسة الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمـة . وقد رأس المعهد ديفيد ليتل- المتخصص في الأديان والأخلاق وحقوق الإنسان، واشترك معه في رئاسة المؤتمر نورتون هالبرن من موظفي مجلس الأمن القومي.وقد حدد ليتل في كلمته الافتتاحية أهداف المؤتمر في النقاط الثلاث الآتية:
1- التحديات التي يقدمها الإسلاميون للغرب.
2- كيفية التفريق بين العمل السياسي المتطرف والعنف.
3- التغيرات والسياسية والدينية وحل الأزمات .
أما المشاركون فمن أبرزهم ليسا أندرسون مديرة معهد الشرق الأوسط بجامعة كولمبيا، وديرك فاندوال من كلية دارموث ، وسيد والي نصر الذي تحدث عن الجماعة الإسلامية في باكستان. وريمون بيكر من الجامعة الأمريكية في القاهرة و روبرت ساتلوف رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، وجويس ديفس مارسيه من إذاعة صوت أمريكا، وشاؤول بخّاض من معهد الولايات المتحدة للسلام، وجيمس إتكنـز السفير الأمريكي السابق في السعودية، وسعد الـدين إبراهيم المتخصص في علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
وقد عقد المعهد ندوة خاصة أو ورشة عمل لتقويم نتائج الندوات السابقة في 16 يونيه 1994 وحضرها كل من روبرت بللاترو وديفيد ساترفيلد وبرنارد لويس .
المبحث الثاني: ظاهرة الاستشراق الإعلامي
كتب حسن عزوزي تحت عنوان (ظاهرة الاستشراق الصحافي ) مشيراً إلى أن الاستشراق الصحافي إنما هو " أحد إفرازات المؤسسة الاستشراقية الحديثة فينضوي تحت لوائها عدد من هائل من الصحفيين المختصين في شؤون الإسلام والمسلمين..." وأكد عزوزي على الارتباط بين الاستشراق الأكاديمي والصحافي فهو يرى أن الأكاديميين" ساهموا بشكل أو بآخـر في تكوين وتأهيل أولئك الصحافيين الذين ما فتئوا يقتاتون على موائدهم ويتزودون منها بأفكارهم وطروحاتهم الواهية." ( )
وأذكـر أنني سئـلت عن تعريف الاستشراق فرجعت إلى التعريفــات المشهورة في هذا المجال منذ كتاب فلسفة الاستشراق لأحمد سمايلوفيتش وحسين هراوي ومصطفى السباعي وإدوارد سعيد وأحمد عبد الحميد غراب ، ولكني رأيت أن بعض التعريفات يحدد الاستشراق بالبحث الأكاديمي والبعض الآخـر يقدم حكماً على الاستشراق من خلال التعريف فرأيت أن أضـيف - وكان هذا قــبل قـراءة مقالـة عزوزي - بأن الاستـــشراق لا يمـــكن حصــــره فـي الدراســات الأكاديمية بــل إن
الإعـلام يقوم بدور مهم وخطير في الترويج لمقالات المستشرقين وبخاصة المتحاملة والحاقدة على الإسلام والمسلمين، والإعلام لاشك يعني الصحافة والإذاعة والتلفاز والسينما وحتى الأفلام الكرتونية الموجهة لصغارنا فذلك كله استشراق. كما أضفت إليه أن من الاستشراق ما تقوم به الحكومات الغربية ممثلة في مراكز بحوثها وفي مخابراتها من عقد ندوات وتكليف باحثين بتقديم بحوثهم ودراساتهم لهذه الأجهزة، وذكرت أنه يلحق بالاستشراق ما يكتبه باحثون عرب مسلمون على نهج المستشرقين ( ).
وأما أهمية بحث الاسشتراق الصحافي فهو أننا وقع في روعنا في البلاد النامية مصداقية الإعلام الغربي وقدراته الهائلة في الوصول إلى الخبر ، وبذل الجهود الكبيرة في تغطية الأحداث في العالم بالإضافة إلى تقديم التحليل والدراسة مع الأخبار. لكن ما مدى صحة هذه المصداقية فيما يتعلق بقضايا العالم الإسلامي السياسية والفكريـة والعقدية والتاريخية؟ لقد بحث الشيخ زين العابدين الركابي في مقالة له في هذا الموضوع وتوصل إلى أن مصداقية الإعلام الغربي قضية مشكوك فيها وهذه بعض الأدلة على ذلك:1- الكذب على الإسلام ، وليس سبب الكذب الجهل به وإن كان وجد من يجهل الإسلام بينهم "بيد أن هناك من يكذب على الإسلام عمداً، وكثير من هؤلاء يستمدون مادة الأكاذيب من نتاج المستشرقين وهم قوم احترف معظمهم الكذب على الإسلام ؛ الكذب على عقيدته وشريعته ، على كتابه وسنته ولغته حتى لكانّ أحدهم " يجهز" الكذبة ابتداءً أو يضع أرقام التهم في جداول قبل كل شيء ثم يعتسف الأدلة أو القرائن." ويضيف الركابي قائلاً: " ولمّا كان الإعلام الغربي أو قطاعات منـه متأثراً بهذه المدرسة الكذوب ، فقد تبدى هذا التأثر في الأشكال الإعلامية المتنوعة : الكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفزيون..." وتساءل في ختام حديثه :" فكيف تصح أو تتحقق المصداقية الإعلامية في خضم هذا الطوفان من الأكاذيب ؟"( )
وقدم الركابي دليلاً ثانياً وهو ما يفعله هذا الإعلام مع سلمان رشـدي وتسليمة نسرين وأضرابهما، وذكر بأن إنتاج سلمان رشدي ليس له قيمة علمية أو فكرية ، أما مسألة الإبداع فكما يقول الركابي" إنما هي غطاء كثيف للأهداف والدوافع السياسية الحقيقية والتغطية من هذا النوع كذب مكشوف." ( )
ومن الذين اهتموا بالإعلام الغربي عموماً وبالصحافة الأمريكية الباحث الفلسطيني إدوارد سعيد الذي كتب عن هذه الصحافة يقول:" يصعب الحديث عن صحافة مستقلة حقاً في الولايات المتحدة فالمصالح التجارية والحكومية المتشابكة ترتبط بوسائل الإعلام أو " تقيدها" كما يقول بعضهم تمنع وسائل الإعلام من الانطلاق الحر وراء الحقائق التي قد يود صحافي طموح ونشيط كشفها.." وضرب مثالاً لتغطية الشؤون الخارجية حيث أشار إلى " المجموعة الصغيرة صاحبة الخبرة المزعومة في موضوع الإسلام تحتكر الحديث عن الإسلام في وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية على نحو شبه كامل منذ نهاية الحرب الباردة." ( )وذكر سعيد من هذه الفئة برنارد لويس الأستاذ المتقاعد بجامعة برنستون ، وفؤاد عجمي رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بمعهد الدراسات المتقدمة بجامعة جون هوبكنز والمستشار لدى محطة سي بي إسCBS ، وجوديث ميللر الصحافية في جريدة نيويورك تايمز ، وإيمرسون صاحب فيلم الجهاد في أمريكا، ودانيال بايبس.
وقد استغل الكتاب المعادون للإسلام الصحافة بأنواعها حتى المتخصصة في شؤون الاقتصاد والمال ومن ذلك ما كتبه دانيال بايبس في صحيفة وول ستريت جورنالWall Street Journal معلقاً عـلى كتاب جون اسبوزيتو الخطر الإسلامي وهم أم حقيقة وعلى ما صرح به إدوارد دجيرجيان حين كان مسؤولاً في وزارة الخـارجية الأمريكية بأن الإسلام ليس عدواً للغرب ، فالإسلام دين عظيم وقد أفادت الحضارة الغربية من المسلميـن وحضارتهم ، وإنما الغرب يعادي الحركات المتطرفة. فكان مما كتبه دانيال بايبس قائلا:" هل هما على حق؟ أو هل يشبهان ذلك النوع من خبراء الحكومة الذين لا يستطيعون رؤية العدو حتى يحس باللكمة على وجهه" ويضيف متسائلاً عن تناقص نسبة المواليد لدى الشعوب الأوروبية والأمريكية وازدياد عدد المهاجرين من البلاد الإسلامية، وأن ما يخيف الأوروبيين هو الطوفان الثقافي أكثر من الصواريخ الإسلامية وأخذ الرهائن."( )
وكان بايبس قد كتب قبل ذلك بأن الأصولية المتطرفة وبخاصة الإسلامية هي الخطر الحقيقي على أمريكا والمصالح الغربية لأن وصولهم إلى القوة سيؤذي غالبا الولايات المتحدة وحلفاءها .( ) ولإدوارد سعيد رأي في دانيال بايبس يقول فيه: " إن بايبس من المأدلجين والمستشرقين الأصغر سنّاً ، الذي تتجلى خبراته في كتابه على درب الله: الإسلام والسلطة والسياسة (1983) ، الموضوع كلياً ليس في خدمة المعرفة بل في خدمة دولة معتدية ، وتدخلية وهي الولايـات المتحدة يساعد بايبس في تعريف مصالحها ، ويؤكد سعيد على عزلة بايبس عن التطورات الفكرية في جميع الميادين الأخرى من الثقافة وعلى غطرسته العتيقة البائدة ولا سيما حين يتعلق الأمر بتلك الطروحات الجازمة القاطعة التي لا تضع سوى اعتبار طفيف للمنطق والحجة." ( )ويقول سعيد عن بايبس في موضع آخر إن بايبــس " ينحاز بصراحة وعناد إلى صف مستشرقين استعماريين من أمثال سنوك هورخرونيه ، وإلى مرتدين ما قبل كولونياليين صفقاء مثل نايبول بحيث يتاح له استسهال مراقبة الإسـلام والحكم عليه من مركزه العالي في وزارة الخارجية أو مجلس الأمن القومي." ( )
ومن الاستشراق الإعلامي ما قام به ستيف إيمرسون الذي أنتج وأخـرج فيلم ( الجهاد في أمريكا) وهذا الفيلم تقوم فكرته الأسـاسية على تصريحات لبعض القادة المسلمين في الولايات المتحـدة على مدى السنين السبع الماضية ، وزعم إميرسون أن هؤلاء استغلوا انفتاح المجتمع الأمريكي والحرية فيه، ويخططون لإنشاء إمبراطورية إسلامية . وقد انتقد كريستوفر تايلور إيمرسون بأنه لم ينظـر إلى التنوع في الحركات الإسلامية، ومما يدعو إلى التشكيك في مصداقية الفيلم -حسب رأي تايلور- أنّ هذه المجموعات الصغيرة لا يعقل أنها تؤلف طابوراً خامساً يهدد المجتمع الأمريكي.( )
ومن المهم في هذا المجال الإشارة إلى التعاون بين الإعلام اليهودي في إسرائيل والإعلام الأمريكي وبخاصة في قضايا العالم الإسلامي ، فقد تكون الحملات المعادية للإسلام والمسلمين في الصحـافة الأمريكية إنما هي صدى للعداء الذي تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية ، ولذلك يكثر استشهاد الكتاب الأمريكيين بالصحافة الإسرائيلية ومن هذه الصحف ال " جيروزليم بوست " الأسبوعية فقد كتبت في أحد أعدادها عن الحركات الإسلامية قائلة:"ففي الغرب كان منهج المسلمين يسير في خط ملتو آخر ، إنهم ينادون بالتعاون بين الأديان وبالتسامح، وفي الحقيقة التسلل هو المفتـاح لإغراق الغرب في بحر السيطرة الإسلامية، وعلى سبيل المثـال فإن بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي تضم عدداً من المسـاجد أكثر من عدد الكنائس." ويشير مقال البوست إلى أن عـدد الذين يحق لهم التصويت من بين الملايين الستة من المسلمين هـو ستمئة ألف ولذلك فمن المفهوم أن يكون للإسلام تأثير جوهري ، ويضيف كاتب المقال قائلاً: وفي حربهم المقدسة ضد الكفار فإنهم يصرحون بأهم سيهزمون اليهود أولاً وبعد ذلك سينتصر الإسلام على العالم النصراني."( ) ، كما أن زعماء الدولة العبرية يستغلون كل فرصة لتحذير الغرب من الحركات الإسلامية كما فعل بيريز -مثلاً- في كتابه الشرق الأوسط الجديد.
وأختم هذه الفقرة عن الاستشراق الإعلامي بالقول: إن الحملـة ضد الإسلام والمسلمين لم تقتصر على كبريات الصحف والمجلات من أمثال نيويورك تايمز ،و واشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، ومجلة تايم، ومجلة نيوزويك، ومجلة أتلانتك الشهرية ،ونيورببليك وغيرهـا بل تعداها إلى المجلات التي تبتعد عادة عن تناول الموضوعات المتعلقة بالأديان والمثيرة للجدل والحساسيات وذلك لطبيعتهـا واتساع انتشارها وترجمتها إلى العديد من اللغات ومن هذه المجلات أو أشهرها مجلة المختار (Reader’s Digest ) فقد كتبت في أحد أعدادها حول قضية المرأة في العالم الإسلامي وركزت المجلة على انتقاد الإسلام وتشريعاته بخصوص المرأة واستشهدت بكتابات فاطمة المرنيسي التي أضفت عليها هالة من التبجيل فهي متخصصـة في القرآن الكريم وعالمة اجتماع ، كما استشهدت بآراء بنازير بوتو ، وكان من هذه الآراء ما قالته المرنيسي إن الحجاب لم ينزل في القرآن الكريم وإنما طالب القرآن الكريم المرأة والرجل بالعفة والحشمة. ( ) وفي مقالة أخرى للمجلة نفسها بعنوان "حـرب مقدسة تتجه نحونا " حشد الكاتب كل ما استطاع من أدلة لتحذير الغرب من هجمة " الأصولية الإسلامية" على الولايات المتحدة.( )
ومن نشاطات الاستشراق الإعلامي ما تقوم به الإذاعات الموجهة مثل صوت أمريكا أو هيئة الإذاعة البريطانية ، وصوت ألمانيا، وإذاعة مونت كارلو والإذاعات التنصيرية من عقد ندوات ومؤتمرات حول قضايا العالم الإسلامي . ففي عام 1992 عقدت إذاعة صوت أمريكا ندوة بعنوان "التحول نحو الديموقراطية في الشرق الأوسط" وتحدث فيها كل من ماريوس ديب الأستاذ بجامعة واشنطن وكلوفيس مقصود الأستاذ بالجامعة الأمريكية بواشنطن أيضاً ووليم كوانت كبير خبراء الشـرق الأوسط في معهد بروكنجز -والأستاذ بجامعة فيرجينيا حاليا ( ) ومما يلاحظ عدم وجود توازن في وجهات النظر المعروضة حيث إن الاتجاه الإسلامي لم يكن ممثلاً . ولعل هذا الأمر في عدم تمثيل المسلمين في الندوات والمؤتمرات ما أشار إليه إدوارد سعيد بأن العرب والمسلمين ليسوا مؤهلين بعد لتمثيل أنفسهم أو كما قال سعيد:" إنهم عاجزون عن تمثيل أنفسهم ويتوجب بالتالي تمثيلهم من قبل آخرين يعرفون عن الإسـلام أكثر مما يعرف الإسلام عن نفسـه".( ) وقد كتبت إلى إذاعة لندن أتعجب من عدم التوازن في ندوة عقدتها الإذاعة مع المعهد الملكي للشؤون الدولية حول العلاقات بين العالم العربي وأوروبا ! لم أتلق أي رد.
إن الاستشراق الإعلامي أكثر خطورة على جمهور القراء من الاسشتراق الأكاديمي الذي لا يقرؤه إلاّ المتخصصون ، وإن كانت الخطورة في المادة الأكاديمية أشد لوصولها إلى أعلى مراكـز القرار السياسي في الولايات المتحدة وفي أوروبا. ولكن ما حدث أن بعض المستشرقين أصبحوا من الكتاب الصحافيين ومن الذين يلجأ إليه الإعلام للحديث عن القضايا الإسلامية.
المبحث الثالث
الاهتمام بالحركات الإسلامية "الأصولية
يرى بعض الدارسين للاستشراق أو الدراسات العربية الإسلامية أن الاتجاه إلى الاهتمام الواسع بالحركات الإسلامية ازداد زيادة كبيرة بعد الثورة الإيرانية ، ولكن واقع الأمر يدل على أن الاهتمام بالحركات الإسلامية وبالعالم الإسلامي لم يتوقف منذ أصبح الاستشراق فرعاً معرفياً مستقلاً حتى تنوعت اختصاصات الباحثين في الشأن العربي الإسلامي في العصر الحاضر. ولعل مما يميز الدراسات العربيـة الإسلامية في العصر الحاضر زيادة التخصصات المهتمة بالعالم الإسلامي وتعمق بعض الباحثين في قضايا محددة .
و الاستشراق الأمريكي وإن بدأ تواصلاً للاستشراق الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية وحصول الدول العربية الإسلامية على استقلالها، لكنه لم يغفل عن هذه البلاد بل كانت له بعض النشاطات الريادية مثل إنشاء المدارس التنصيرية التي كانت تهدف إلى تنشئة أجيال من أبناء المسلمين وإعدادهم إعداداً خاصاً على التعايش مع الغرب بل قبول الغرب والإعجاب به . ففي عام 1882 أنشأت بعض الجمعيات التنصيرية الأمريكية مدرسة ثانوية في إزمير بتركيا ، وانضمت هذه المدرسة إلى عضوية المجلس الأمريكي للإرساليات عام 1902 وأطلق عليها " كلية إزمير الدولية " وفي عام 1936 انتقلت إلى بيروت لتكون القسم التحضيري في الجامعة الأمريكية. واهتمت المدرسة بخريجيها حيث وفرت الفرصة للكثيرين منهم إتمام دراساتهم الجامعية والعليا في أوروبا وأمريكا. فقد تحدث عميد الكلية بمناسبة مرور مئة عام على إنشائها بقوله:" في الكلية العامة يتعلم الطلاب الذين ينتمون إلى حضارات وجنسيات مختلفة أن يعيشوا بتفاهم وانسجام ." ( )
وهذا هو السبب الذي دعا اللورد كرومر لإنشاء كلية فكتوريا لتحقيق هدفهم وهو " تربية جيل من المصريين العصريين تنشئة خاصة تقربهم من الأوروبيين ومن الإنجليز على وجه الخصوص في طرائق السلوك والتفكير ." وكان طـلاب فكتوريا من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء .وقد صرح اللورد لويد ( المندوب السامي ) في مصر عام 1936 في كلمة ألقاها في كلية فكتوريا :" كل هؤلاء لا يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية ، بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ فيصيروا قادرين على تفهم أساليبنا ويعطفوا عليها." ( )
ونعود إلى الكلية العامة فقد تخرج في هذه المدرسة وأمثالها أعداد كبيرة تولوا مناصب مهمة من رؤساء وزارات ووزراء ونواب في البرلمان وسفراء ، وكان منهم القياديون في ميادين التربية والأعمال والصحة والإدارات الحكومية القومية والدولية .... والطريف أن كاتبة التحقيق تسرد هذه الإنجازات وتعلق عليها بقولها:" لا بد أن يأخذك الإعجاب ..." أهو الإعجاب أو العجب ، أو ليس في الأمر أي عجب فإنهم أعدوا لذلك ، وقد تذكرت في أثناء زيارتي لمعهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز هذا الأمر حين وجدت فؤاد عجمي أحد تلاميذ هذه الكلية يترأس قسم دراسات الشرق الأوسط ، ومن تلاميذ هذه المدرسة الذين لهم الحظوة في مناصب الأساتذة الزائرين والمقيمين في الولايات المتحدة.
واستمر اهتمام الغرب وبخاصة الولايات المتحدة بالإسلام والمسلمين وبخاصة الحركات الإسلامية التي يقودها علماء الشريعة وبخاصة حينما بدأت الأمة تتململ وتضيق بالاحتلال ، فلم تجد الأمة لهـا قيادة خيراً من علمائها فهم القادة الحقيقيون وهم النخبة. فهبت الأمة تكافح وتجاهد ضد الاحتلال. وكان من الجمعيات والهيئـات الإسلامية التي ظهرت في بداية هذا القرن : حزب الدستور القديم ، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،وجماعة الإخوان المسلمون وغيرها من الجماعات . فكانت هذه الجماعات محل اهتمام الغرب.ويؤكد هذا الكتـابات الكثيرة والمبكرة عنها ، بالإضافة إلى التقارير الرسمية (تقارير الأمن) التي كانت تقدم العلماء عن غيرهم ، فما كان الغرب يخشى الأحزاب العلمانية أو الوطنية القومية فتلك تنطلق من منطلقات أوروبية وهم يستطيعون السيطرة عليها أما الجماعات المنطلقة من الإسلام فمن الصعب السيطرة عليها لذلك صـدرت الاتهامات ضدها بأنها تكره الأجنبي، وتحارب التحديث وتكره الحضارة الغربية وغير ذلك من التهم الجاهزة .
ويمكن رصد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالحركات الإسلامية بالحديث عن بعض المؤتمرات والندوات حول الحركات الإسلامية" الأصولية" وعرض بعض الكتابات البارزة في هذا المجال:
أولاً :" الأصولية والسياسة العامة وصياغة العالم الجديد : مؤتمر عام حول مشروع الأصولية 14-16مارس 1993
هذا واحد من المؤتمرات التي جعلت الأصولية في الأديان المختلفة مجالاً للبحث، بل إن المشروع تقوم به جامعة شيكاغو -قسـم اللاهوت - وتموله الأكاديمية الأمريكية للعلوم والآداب، وهو مشروع من المقرر أن يستغرق خمس سنوات هدفه " محاولة فهم الأطر التاريخية والمعاصرة للحركات الأصولية والطبيعة الاجتماعية والسيكولـوجية والدينية للأصولية ، والنتائج التي تترتب على وصول هذه الحركات الأصولية إلى السلطة وتأثيرها على الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والتشريعية وعلى التعبير الثقافي والتنظيمات المدنية، ويهدف المشروع إلى إعداد بنوك لتخزين المعلومات عن الأصولية والحركات الأصولية والتي يمكن استعمالها -ضمن أشياء أخرى- بواسطة صنّاع القرار السياسي الذين يبحثون عن الوسائل المناسبة للتصدي للظاهرة الأصولية."( )
وقد قدّمت مجلة شؤون الشرق الأوسط نقداً لهذا المؤتمر يتلخص في النقاط الآتية:
1- غياب شخصيات متخصصة في موضوع المؤتمر ولها إسهاماتها من خلال البحوث الميدانية ولها كتابات منشورة ومن هؤلاء جون اسبوزيتو، وإيفون حداد وممتاز أحمد ، وجون إيليتس ، وسعد الدين ابراهيم وجون فول وغيرهم.
2- " التركيز الإثني[العرقي أو الجنسي] كان غالباً وطاغياً على المؤتمر حيث حاول العديد من المشاركين الخروج بإدانات كاسحة وشامـلة لكل الذين يرفضون التمسك بالتقاليد الغربية التي تحض على الفردية وفصل الدين عن الدولة"( )
ثانياً: تحولات أساسية في الدول والمجتمع في الشرق الأوسط: المؤتمر السنوي لمؤسسة راند للدراسات الاستراتيجيةRAND2-5 سبتمبر 1992.
كان من أبرز الموضوعات التي طرحت في هذا المؤتمر الإسلام والديموقراطية ومدى تقبل الإسلام للآراء المخالفة أو التعددية ومسألة حقوق الإنسان. وقد تحدث في المؤتمر كبير خبراء الشرق الأوسط غراهام فوللر حيث انتقد التيار الذي يقول إن الإسلام لا يؤيد الديموقراطيـة وإنه يؤلف عقبة أمام إقامتها ، مؤكداً أن الإسلام أكثر الديانات تحملاً للأديان الأخرى. ولكن كان لفوللر رأي في المؤتمر أن تفرض الولايات المتحدة الديمـوقراطية في العالم العربي وتبدأ بالعراق ، ولكن أمريكا في رأيه لن تقوم بهذا العمل لأنها ترى أن الديموقراطية في الشرق الأوسط ليست في صالحها. والحقيقة إن فرض الديموقراطية على شعب من الشعوب من الأمور غير المنطقية ولعل عمل فوللر فترة من الوقت في المخابرات المركزية أوحت إليه بإمكان عمل ذلك. ثم إن الديموقراطية نظام غربي فكيف يفرض على شعوب لها نظمها السياسية وتراثها من الحرية والتعددية ما يفوق ما لدى الغرب، والتي يمكن للغرب أن يفيد منها؟
وقد عرضت في الندوة بعض الآراء الإيجابية التي حاولت أن تلفت الانتباه إلى مكانة الحركات الإسلامية وقدرتها ونجاحها في القيام بدور بديل لمؤسسات الدولة في توفير الحاجات الأساسية للمواطنين ، وأن هذا مؤشر إلى وجود ما وصفه ألن ريتشاد -أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا بسانت كروز - بالمجتمع الحضاري.
وقد عرض مؤلفا كتاب (سياسات الصحوة الإسلامية من وجهة نظر غربية تقويماً للمؤتمرات الغربية من خلال نموذجٍ اختاراه من مؤتمرات معهد الولايات المتحدة للسلام ( ). كما اطلعت على تقارير عن هذه المؤتمرات في مجلة المعهد ومن خلال هذين المصدرين يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية حول الرؤية الأمريكية للحركات الإسلامية "الأصولية" :
1- التنوع والاختلاف في الحركات الإسلامية بحسب الموقع الجغرافي والتوجهات نحو العنف أو المهادنة أو الابتعاد عن العنف.
2- تحتاج السياسة الأمريكية أن تؤكد الحقيقة بأن المشكلة التي تواجه الغرب هي التطرف والعنف وليس الإسلام .
3- اتفق العديد من الخبراء إنه ليس ثمة مشكلة أو خلاف أساسي بين الإسلام والديموقراطية ، ولكن النقاش مازال مستمراً فيما إذا كانت الأشكال الأكثر تطرفاً من "الإسلام السياسي" - التي حلت محل القومية العربية - تؤلف تهديداً خطيراً للديموقراطية التعددية والمصالح الأمريكية .
وبالرغم من كثرة المؤتمرات والندوات التي تقام في الغرب فإن من أبرز الملاحظات استمرار هذه النشاطات بالاعتماد على الخـبرات المحلية إما للقناعة بقدراتها وخبراتها أو للهاجس المالي حيث إن دعـوة المختصين من خارج الولايات المتحدة يكلفهم الكثير.كما أن بعض الأسماء حققت شهرة معينة أو جاذبية طاغية (كرزما) فتجدهم يُدْعَون إلى معظم المؤتمرات التي تتناول قضايا العالم الإسلامي وبخاصة مسألة اليقظة الإسلامية أو الحركات الإسلامية.
" الأصولية " في نظر بعض الكتّاب الأمريكيين
كما أنه من الصعب الحديث عن الاستشراق الأمريكي في بحث قصير كهذا فكذلك الأمر بالنسبة للكتابات حول الأصولية الإسلامية، وفي هذه الفقرة أعرض بعض الآراء التي نالت شهرة واهتماماً في الأوساط الأمريكية .
ترى جوديث ميللر أن الحكومات العربية تصارع من أجل السيطرة على الضغوط الإسلامية والاستجابة للرغبة المنتشـرة لدى المواطنين في حكومات أكثر "إسلامية" ومجتمع " إسلامي " أكثر مما هو الآن.( ) بينما يرى غسان سلامة أن الحكومـات الإسلامية مترددة في السماح للحركات الإسلامية في الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات مع أن وصولها إلى الحكم سيكشف عدم قدرة الإسلاميين على الحكم أو وضع سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة أو تتفوق على تلك التي تعمل بها الحكومات الحالية. ( )
وقد اتفق أكثر من باحث أمريكي أو مقالة نشرت في دورية أمريكية أنه يجب عدم جمع الحركات الإسلامية في مجموعة واحدة ، أو كما تقول ميللر بأن " حركات الإسلام المسلح متنوعة تماماً كتنوع العرب أنفسهم وتنوع الدول التي يوجدون فيها. وهذا التنوع في رأيهم يتطلب سلوكاً مختلفاً تجاه كل نوع من الحركات الإسـلامية. ولكن الحقيقة أن مسألة التنوع هذه إنما هي لإضفاء نوع من الموضوعية على دراساتهم وإنهم لا ينظرون إلى هذه الحركات بمنظار واحد.
ومن اللافت للانتباه في كتابات كثير من المعادين للحركات الإسلامية التشكيك في مصداقية هذه الحركات التي تود أن يسمح لها بالدخول في انتخابات حرة نزيهة . فتتساءل ميللر :" لماذا يجب التشكيك في جدية الإسلاميين في التزامهم بالحقيقة والأسلوب الديموقراطي." وتجيب : "باختصار السبب هو التاريخ العربي والإسلامي وطبيعة نشوء هذه المجموعات ."( ) وهذه ليست آراء ميلر وحدها بل هي تستشهد بالباحث اليهودي - مدير مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا-مارتن كريمر وكـذلك آراء أستاذه برنارد لويس التي ترى أن الحركات الإسلامية بطبيعتها لا يمكن أن تكون ديموقراطية أو تقبل بالتعددية أو المساواة أو مؤيدة للغرب. ولكن ما أعجب هذا الربط بين عدم إمكان العرب والمسلمين أن يكونوا ديموقراطيين وبين معاداة الغرب.
وأختم هذه الفقرة برأي إيجابي كتبه ليون هادرLeon T. Hadar. حيث يقول:" هناك من يلقي في روع إدارة كلينتون على أن الإسلام هو التهديد الجديد بعد سقوط الشيوعية ، وقد تميزت سيـاسة أمريكا الخارجية لأكثر من أربعة عقود بالعداء للسوفيات ، ويمكن أن يشغل الخوف من الإسلام واشنطن لتدخل في حرب باردة جديدة." ( ) ولكن هادر يرى أن هذه السياسة تعتمد على افتراضات زائفة كلياً ، فالإسلام ليس متحداً وليس تهديداً للولايات المتحدة ، ولو سمحت أمريكا لهذه المخاوف أن تقـود سياستها الخارجية فإنها ستدخل في معارك مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً مع ظواهر متعددة وغير متصل بعضها ببعض.( ) ويوضح هادر سبب عدم ميل أمريكا لتأييد قيام حكومات أكثر ديموقراطية أو أقل استبداداً في العالم العربي الإسلامي فلأن هذه الحكومات ستكون أقل ميلاً للخضوع للرغبات الأمريكية ، وهنا تستمر الدائرة الفاسدة : استمرار التأييد للأنظمة القمعية واستمرار تحالف أمريكا مع إسرائيل الذي يشجع العواطف السلبية تجاه أمريكا. ( )
مهما كان موقف الاستشراق الأمريكي من الحركات الإسـلامية أو من الإسلام فإنما هي نوع من العداوة يتولى كبرها مجموعة من الأصوات النافذة في الولايات المتحدة وقد أخذت كما يقول سعيد بن سليمان شكل الحرب النفسية حيث يقول:" إن من مظاهر الحروب وسمات الصراعات بين الحضارات والثقافات ... الحرب النفسية وأبرز علاماتها حرب النعـوت والأوصاف والمصطلحات."( ) وأكد بن سلمان على أن الأصـولية حركة بروتستانتية انبثقت من حركة الألف سنة في القرن التاسع عشر وتعود إلى أصول يهودية لأنها تنادي بعصمة النصــــوص "المقدسة" وتقصد التوراة وشروحها وليس الإنجيل. وأكد بأن " الحروب الصليبية التوراتية لم تنته ولن تنتهي فإن أنهيناها نحن بتسامح الإسلام لم ينهوها ولن ينهـــوها بنفوسهـم الوارثـة لأحقـــاد الصليبية، ومن ظن غير ذلك بعد وضوح الأدلة فقد فقدَ عقلَه." ( )
خاتمة
أعود إلى ما بدأت به بأن دراسة الاستشراق الأمريكي أو الحديث عنه يحتاج إلى مجلدات كبيرة، وندوات منفصلة ، ومعايشـة لبعض الوقت . ولكني حاولت أن أقدم لمحات عن هذا الاستشراق في مجالات :الإعلام وفي مجال الندوات والمؤتمرات وفي مجال الاهتمام بالصحوة الإسلامية التي يصر البعض منهم ومنّا على تسميتها ب" الأصولية" . وإذا غلبت الآراء السلبية على ما نقلت هنا فلأنها هي الآراء النافذة في الغرب رغم صدور بعض الآراء التطمينية بأننا : "لا نعادي الإسلام، والإسلام دين عظيم" وإن المطلوب أن نعي الغرب ونعرفه جيداً كما يعرفنا لنستطيع التعامل معه وعندها يمكن أن نعرض الآراء الإيجابية .والحمد لله رب العالمين.
المراجع
أولاً : المراجع العربية
1- بارود، فينيسنت." الكلية العامة في عيدها المئوي." في مجلة المجال. عدد 253، 10أبريل 1992، شوال 1412، الصفحات 17-23.
2- بلانكنشب، خالد يحي." الدراسات الإسلامية في الجامعات الأمريكية. في وقائع الندوة الأولى للدراسات الإسلامية في الجـامعات الأمريكية .(فيرفاكس، فيرجينيا-أمريكيا: معهد العلوم الإسلامية والعربية، بدون تاريخ
3- حسين،محمد محمد. الإسلام والحضارة الغربية.ط5 (بيروت:دار الرسالة،1402)
4- الرسالة الإخبارية ، المعهد العربي للدراسات الدولية، السنة السابعة، العدد الثاني ، مارس/أبريل 1994.
5- الركابي، زين العابدين." مصداقية الإعلام الغربي: حدث ما يطفىْ الانبهار" في الشرق الأوسط، عدد 6297، 24فبراير 1996م.
6- سعيد، إدوارد. تعقيبات على الاستشراق. ترجمة وتحرير صبحي حديدي، (عمّان: دار الفارس 1996)
7- ==." الإعلام الأمريكي وحادث أوكلاهوما." في الحياة، ع 11765، 8ذو الحجة 1415(8مايو 1995)
8- سلمان،سعيد بن ." حرب النعوت والألقاب ومفهوم الأصولية بين التصحيح والتسطيح." في مجلة الباحث،عدد 60 تشرين الأول 1993.
9- صادق،يوشع. " تدريس العلوم الإسلامية بالجامعات الأمريكية." في وقائع الندوة الأولى للدراسات العربية الإسلامية في الجامعات الأمريكية . (مذكور سابقاً)
10- عزوزي، حسن." ظاهرة الاستشراق الصحافي." في المسلمون ،عدد 510، 8جمادى الآخرة 1415 (11نوفمبر1994)
11- غراب، أحمد عبد الحميد.رؤية إسلامية للاستشراق.(بيرمنجهام: 1415
12-" مؤتمر عام حول مشروع الأصولية " في مجلة شؤون الشرق الأوسط.عدد 3 ربيع/صيف 1993/141صفحات 86-94.
13- المرازي،حافظ." ندوة صوت أمريكا:نحو مجتمعات ديموقراطية في الشرق الأوسط." في المجال، عدد253، أبريل 1992 ، شوال 1412، صفحات 6-7.
14- مطبقاني، مازن. الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية ، 1416-1995.) الملاحق.
15- ==." لقاء صحافي مع مازن مطبقاني" أجراه بدر اللحياني في الندوة ،عدد 10976و10988في 30رجب و15 شعبان 1415(1و15يناير 1995)
ثانياً :المراجع الأجنبية
1-“ All in the Name of Allah.”. In Reader’s Digest. January 1993.pp123-127.
2- Bordewich, Fergus M. “ A Holly War Heads Towards Our Way.” In Reader’s Digest. January 1995, pp76-80.
3- Bin Yousef, Ahmad. And Ahmad Abuljobain .The Politics of Islamic Resurgence: Through Western Eyes.(Springfield:1992)
4- Dallal, Shaw J. “ Islam and the U.S. National Interest.” In The Link. Vol. 26, No. 1 February-March 1993.pp 3-11. Quoting Danial Pipes in The Wall Street Journal ,Oct.30th, 1992.
5-Hader, Leon T. “ What Green Peril.” In Foreign Affairs , Spring 1993.pp 27-42.
6- Islamic Fundamentalism and Islamic Radicalism. Hearings Before the sub-committee on Europe and the Middle East of the Committee of Foreign Affairs. House of Representative of 990 Congress,June 24,July 15 and September 30,1985.
7- The Journal
8-Miller, Judith. “ The Challenge of Radical Islam.” In Foreign Affairs. Spring 1993.pp 43-56.
9-The Review, Middle East Women Studies Association, Vol. IX, No. 1, March 1966.
9-Said, Edward. Orientalism.( NewYork:Pual Kegan & Routledge, 1987)
10- Tayler, Christopher S. “ Jihad in America-Film Review. In Middle Eastern Studies Bulletin , Vol. 29, No. 2,December 1995.p 286.
11-United States Institute of Peace .Facts Sheet, September 1995.
. In Foreign
12- Salame, “ Islam and The West.” In Foreign Affairs, Spring 1993. Pp22-29.