الحوار هو للسياسة لا فـي الـديـن

الفضل شلق
ينشد الدين الحقيقة في سبيل الله. تسعى السياسة للتخلي عن الحقيقة في سبيل التسوية. فهل يمكن الحوار حول الدين أو المذهب؟ أو ان الحوار مجاله السياسة وحسب؟ من يؤمن بحقيقة مطلقة، وأن هناك وسائل لتطبيقها أو الوصول إليها، فلا بد من أن يدافع عنها. لا يمكن أن يدافع أحد عن الباطل الذي يراه، ولا أن يصنع التسوية مع أتباعه. في السياسة يتخلى الناس عن حقائقهم، في سبيل الوصول مع الآخرين إلى نقطة مشتركة بين حقيقتين، وفي سبيل حقيقة أخرى تكون أقل صواباً، لكنها تكون مجالاً للقبول بحكم أنها شيء عملي.
في الدين علاقة بين الخالق والمخلوق (على الأقل في الأديان السماوية). هذه العلاقة لا يمكن التضحية بها من أجل معتقدات الآخرين. في السياسة علاقة بين المخلوق والمخلوق. في هذه العلاقة تصير الحقيقة مجرد وجهة نظر. يمكن التخلي عن وجهة نظر من أجل علاقة سوية مع الآخرين. مخالفة الحقيقة الدينية تستدعي التحريم. تستدعي احترام المقدسات والتقيد بها. كل من يبدي عدم احترام للمقدس يوضع خارج الجماعة.
هناك دائماً مؤسسة دينية، رسمية أو غير رسمية، تراقب هذا الأمر، وإن كانت المراقبة، في كثير من الأحيان، مقيدة وغير شاملة.
يمكن التسوية بين الدين والسياسة بأن يكون الدين محصوراً في المجال الشخصي (في الحياة الخاصة) وبأن تكون السياسة هي شأن المجال العام. انتقال الدين إلى المجال العام يبعث على الفتنة والتنابذ. يملى الدين على الجميع، أو بالأحرى على أكثر الناس. يولد الإنسان عادة في دين معين ويبقى فيه. السياسة مجال الاختيار. عندما يختلط الدين بالسياسة فإما أن تتجمد السياسة في قرارات لا خيار فيها، وإما أن يخضع الدين لخيارات السياسة؛ وفي ذلك حط من شأنه، أو تناقض مع معطياته الأساسية؛ معطيات الحقيقة.
يقود ذلك إلى التسامح، أي الاعتراف المتبادل بين الجميع. الاعتراض الذي ليس فيه منحة لأحد بحق الاعتقاد. يحق الإيمان بما يشاء ومن يشاء. يكون ذلك بإلغاء كل سلطة دينية، إلا لمن أراد أن يتبع مذهباً أو تقليداً أو كنيسة أو عبادة معينة. بعد ذلك تكون المؤسسة الدينية لا سلطة تملي على الآخرين شؤونهم، بل تعبيراً عن الرأي لدى من يختار اتباعها من الناس. كل من يدعي سلطة دينية ينتهي إلى الزعم أنه الناطق باسم الله. وذلك مدخل إلى كثير من الفتن؛ إذ يكثر المدَّعون كما يحدث الآن في عدة بلدان عربية.
لكن الأخطر في حوار المذاهب هو أن معظمها لا يحتاج إلى حوار في ما بينها. لا خلافات في ما بينها، هناك اختلاف بين فقهائها حول بعض المبادئ التي تقود إلى الأحكام. من المؤكد أن أهل مصر وبلاد الشام لا يأبهون لكونهم شافعيين، بينما محاكمهم الشرعية تعمل على أساس المذهب الحنفي؛ وهذا واقع مستمر منذ العهد العثماني، ولا يعترض أحد عليه.
هل المطلوب هو افتعال أن تصبح هذه المذاهب كيانات، وأن تتناحر هذه الكيانات في ما بينها، وأن تضاف إلى عوامل الفتنة في البلدان العربية؟
هناك ثورة عربية، وهناك حرب دولية ضد هذه الثورة، وهناك أنظمة تتعاون مع هذه الحرب الدولية؛ ولا فرق إذا كان التعاون مع هذا الفريق الدولي أو ذاك. يحدث كل ذلك من أجل مصادرة الثورة العربية. تصادر الثورة بالفتن. تقوم الفتن على ما هو موروث أحياناً، وتُخلق لها كيانات جديدة، أحياناً أخرى؛ من أجل أن تمتد إلى كل حنايا الوجود العربي.
مع الدعوة إلى حوار غير ممكن وغير مجد، ترتفع الأصوات في تونس، أصوات مشايخ المذهب المالكي وأصوات حزب النهضة ضد الدولة السعودية الداعية للحوار، متهمة إياها بتمويل السلفية.
الحوار الضروري والممكن بين العرب هو حول قضاياهم السياسية؛ قضايا التحرر والبناء والإنتاج، قضايا التنمية والتوحد ومواجهة الأخطار المحدقة. يراد صرف النظر عن هذه القضايا للخوض في نقاشات دينية حول قضايا لا يمكن البت بها. يريد العرب حياة كريمة على هذه الأرض، ويراد لهم تأجيل ذلك إلى الآخرة.
كَسب الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) مواقع في السلطة في تونس ومصر، وأدخل البلاد في متاهات تطبيق الشريعة، وعزف عن طرح برنامج للعمل والإنتاج وحل قضايا الناس المباشرة؛ بل تحالف مع قوى الليبرالية الجديدة والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. هذا الإسلام السياسي يدفع الثمن هو أيضاً لأنه لم يميز بين متطلبات الدين ومتطلبات السياسة.
يعبّر الحوار السياسي عن إرادة الناس في التوحد؛ يعبّر الحوار الديني عن تاريخ المجتمع في الانقسام، علينا أن نختار بين التوحد والانقسام.
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك