نبذ التطرف والحاجة إلى الاعتدال والتسامح
ليس من المبالغة في شيء القول بأنه بالرغم مما عرف به الدين الإسلامي من اعتدال وتسامح واتساع لاستيعاب كل الأديان والشرائع الأخرى في إطار من التعايش والتسامح والتعاون الحقيقي لما فيه خير الإنسان والبشرية جمعاء، في حاضرها ومستقبلها، وبما يكفل تحقيق رسالة الإنسان المتمثلة في عمارة الأرض، إلا أن مجمل التطورات والأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم من حولها على امتداد السنوات الاخيرة قد أدت، لاسباب وبذرائع مختلفة ومتعددة، إلى ظهور العديد من التيارات والتوجهات والمواقف التي تتسم بالكثير من التطرف والمغالاة، ليس فقط على الصعيد والممارسة الدينية لتيار أو آخر، ولكن أيضا بالنسبة لأعداد متزايدة من التيارات والتوجهات السياسية، بما يتضمنه ذلك من رفض وإقصاء حينا، أو استئصال وتدمير للمخالفين لها أو المتنافسين معها حينا آخر، وهو ما رتب بالفعل، وتترتب عليه العديد من النتائج المأساوية على المجتمعات التي تبتلى بذلك، أو تقع في براثن من يدفعون إلى السير في هذا الطريق الأحادي الخطر، سواء الآن أو في المستقبل كذلك.
وانطلاقا من فهم وإدراك عميقين لحقيقة أن استقرار المجتمعات وتطورها وازدهارها يتطلب دوما الأخذ بمنهاج الاعتدال، والابتعاد عن التشدد والتطرف والمغالاة، التي تتسبب عادة في أحداث فجوات وثغرات بين القوى والتيارات والبشر بوجه عام، وهو ما يفت في عضد المجتمعات ويضعف من قوتها وقدرتها على حشد طاقاتها على صعيد يحقق مصالحها في النهاية، فإن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – حرصت منذ البداية، وعلى امتداد العقود الأربعة الماضية، على زرع وتعميق وترسيخ قيم الاعتدال والتسامح والحوار والقبول بالآخر، على كافة المستويات والأصعدة، وصولا إلى الحوار بين الحضارات والتفاعل مع الشعوب الأخرى على امتداد المعمورة لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، خاصة وأن التطورات التي يعيشها العالم اليوم تزيد من أهمية وحيوية الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب على كافة المستويات، من أجل بناء حياة أفضل لها ولشعوبها جميعها.
وفي هذا الإطار الذي ينعم فيه المجتمع العماني بالأمن والأمان والاستقرار والتماسك المتين بين أبنائه، في ضوء القيم التى ترتكز عليها مسيرة النهضة العمانية الحديثة، فإن السلطنة مدت وتمد يدها دوما لكل ما يعزز التقارب بين الدول والشعوب العربية والإسلامية جميعها، بغض النظر عن التوجهات والتيارات طالما تلتقي في إطار الاعتدال والتسامح والحوار كسبيل للتفاهم وتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لها جميعها، وبما يحفظ سلامها واستقرارها وحسن الجوار فيما بينها أيضا.
وفي حين توجد العديد من الأمثلة والخطوات والمواقف التي اتخذتها وتتخذها السلطنة، دعما للحوار والتواصل والاعتدال والتسامح بين الشعوب والثقافات، فإن مما له دلالة عميقة في هذا المجال أيضا الزيارة التي قام بها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حيث تم بحث العديد من الموضوعات، بما في ذلك التعاون بين الأزهر والمؤسسات الإسلامية في السلطنة وكذلك دور الأزهر في نشر رسالة الاسلام السمحة والوسطية والاعتدال وتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام في بعض الأوساط الغربية.