شباب التكفير والتفجير بين التهور والتضليل

شباب التكفير والتفجير
بين التهور والتضليل

تأليف
أبي أنس
مَاجد إسلام البنكاني



إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه.                       •  سورة الأحزاب
أما بعد،،
فإنَّ للشيطان مدخلَين على المسلمين ينفذ منهما إلى إغوائهم وإضلالهم، أحدهما: أنَّه إذا كان المسلمُ من أهل التفريط والمعاصي، زيَّن له المعاصي والشهوات ليبقى بعيداً عن طاعة الله ورسوله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات )). رواه البخاري برقم (6487)، ومسلم برقم (2822).
والثاني: أنَّه إذا كان المسلم من أهل الطاعة والعبادة زيَّن له الإفراط والغلوَّ في الدِّين ليفسد عليه دينه، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ )) ، وقال: ((قُلْْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في الدِّين ))، وهو حديث صحيح، أخرجه النسائي وغيرُه، وهو من أحاديث حَجة الوداع، انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (1283).
ومِن مكائد الشيطان لهؤلاء المُفْرطين الغالين أنَّه يُزيِّن لهم اتِّباعَ الهوى وركوبَ رؤوسهم وسوءَ الفهم في الدِّين، ويُزهِّدهم في الرجوع إلى أهل العلم؛ لئلاَّ يُبصِّروهم ويُرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيِّهم وضلالهم، قال الله عزَّ وجلَّ: (( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )), وقال:(( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ )), وقال: (( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ )) ، وقال: (( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ، وقال:(( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ))، وفي صحيح البخاري (4547)، ومسلم (2665) عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقال: (( إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ))، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين )) رواه البخاري (71) ومسلم (1037)، وهو يدلُّ بمنطوقه على أنَّ من علامة إرادة الله الخير بالعبد أن يفقهه في الدِّين، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ مَن لَم يُرد الله به خيراً لم يحصل له الفقه في الدِّين، بل يُبتلى بسوء الفهم في الدِّين.( )
هذا وقد كَثُرَ في هذا الزمان وللأسف الشديد التفجيرات من قبل بعض الشباب المتهور ، والتي تخالف الشرع الحنيف، ويسقط بسبب هذه التفجيرات النفوس البريئة ، ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم، وأصبحنا نسمع بهذه التفجيرات وقتل النفوس البريئة في كثير من البلدان وبخاصة البلاد العربية، وهذه التفجيرات لا يقرها دين ولا عقل .
قال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.( )
وقال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً .( )
وقد حذرنا النبي  أشد التحذير من قتل نفس مسلمة ، فقد قال رسول  :"لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ".( )
قال الشيخ العباد : أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! فإنَّ ما حصل من التفجير والتدمير في مدينة الرياض، وما عُثر عليه من أسلحة ومتفجِّرات في مكة والمدينة في أوائل هذا العام (1424هـ) هو نتيجة لإغواء الشيطان وتزيينه الإفراط والغلو لِمَن حصل منهم ذلك، وهذا الذي حصل من أقبح ما يكون في الإجرام والإفساد في الأرض، وأقبح منه أن يزيِّن الشيطان لِمَن قام به أنَّه من الجهاد، وبأيِّ عقل ودين يكون جهاداً قتل النفس وتقتيل المسلمين والمعاهدين وترويع الآمنين وترميل النساء وتيتيم الأطفال وتدمير المباني على من فيها؟!.

الفرق بين الجهاد والإرهاب
من المعلوم أن هناك فرق بين الجهاد والإرهاب ، فالجهاد شُرِعَ لفتح البلدان ونشر هذا الدين العظيم والدفاع عنه، وشُرِعَ كذلك للدفاع عن النفس والعرض والوطن والمال .
فعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله  يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه لهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد".( )
فإذا هجم العدو - سواء كان فرد أو جماعة، مسلما كان أوكافر- على بلدك، أو بيتك، أو عرضك، أو كان يريد قتلك، أو أخذ مالك، فإن قتلته فهو في النار، وإن قتلك فأنت في الجنة بإذن الله تعالى .
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي  فقال: "يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".( )
فالجهاد ماض إلى قيام الساعة ومن أنكره أو جحده فهو كافر والعياذ بالله، أما الإرهاب الذي هو ترويع الناس وقتل الأبرياء العزل منهم من النساء، والأطفال، والشيوخ، وما شابه ذلك فهو حرام ومنهي عنه بنص كلام ربنا جل في علاه وسنة رسوله المصطفى  .
وليعلم كل من يقوم بهذا الفعل أنه من وراءه أما جنة أو نار ، فكيف يضحي بنفسه
دون أن يعرف هل سيرضي ربه الذي خلقه بهذا العمل ، وهل هو ذاهب إلى الجنة أم إلى النار والعياذ بالله ، فعليه بالرجوع لكبار العلماء في أي عمل يقوم به.

الرجوع إلى العلماء في كل الأمور
لابد من الرجوع إلى العلماء في كل الأمور وعند كل صغيرة وكبيرة ، لأن نصوص الكتاب والسنة لاتفهم بمجرد النظر ولكن علينا الرجوع للعلماء ، لأنهم على علم بها وبصيرة، ويصوبون الأمور إلى مسارها الصحيح، وكلنا نعلم فتنة جهيمان قبل عدة سنوات وكيف تم الإفساد في الحرم، وسبب ذلك عدم الرجوع إلى العلماء.
ومما يدل على أن رجوع إلى أهل العلم يكون فيه الخير والنفع للمسلمين ما رواه مسلم في صحيحه عن الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عن أَبي عَاصِمٍ يَعْنِي مُحَمّدِ بْنِ أَبِي أَيّوبَ قَالَ: حَدّثَنِي يَزِيْدُ الْفَقِيرُ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجّ ثُمّ نَخْرُجَ عَلَى النّاسِ قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يُحَدّثُ الْقَوْمَ جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنّمِيّين. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي تُحَدّثُونَ؟ وَالله يَقُولُ: {إِنّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْنَهُ} (آل عمران الاَية: 2) وَ {كُلّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (السجدة الاَية فَمَا هَذَا الّذِي تَقُولُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلاَمُ (يَعْنِي الّذِي يَبْعَثُهُ الله فِيهِ)؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنّهُ مَقَامُ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمَحْمُودُ الّذِي يُخْرِجُ الله بِهِ مَنْ يُخْرِجُ قَالَ: ثُمّ نَعَتَ وَضْعَ الصّرَاطِ وَمَرّ النّاسِ عَلَيْهِ قَالَ: وَأَخَافُ أَنْ لاَ أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ قَالَ: غَيْرَ أَنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّ قَوْماً يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا. قَالَ: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنّهُمْ عِيدَانُ السّمَاسِمِ قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهْراً مِنْ أَنْهَارِ الْجَنّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنّهُمْ الْقَرَاطِيسُ فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَرَجَعْنَا. فَلاَ وَالله مَا خَرَجَ مِنّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزَدِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانُ وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى الله. فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَيْ رَبّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلاَ تُعِدْنِي فِيهَا. فَيُنْجِيهِ الله مِنْهَا".( )
قال الشيخ عبد المحسن العباد البدر في كتاب بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً (ص16) ، قال: إن الشيطان يدخل إلى أهل العبادة لإفساد دينهم من باب الإفراط والغلو في الدين ، كما حصل من الخوارج والعصابة التي شغفت برأيهم وأن طريق السلامة من الفتن الرجوع إلى أهل العلم ، كما حصل رجوع وعدول العصابة عمَّا همَّت به من الباطل برجوعها إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .اهـ.
وقال القاسم بن سلام: سمعت مالكاً يقول: إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم فخرجوا على أمة محمد  بأسيافهم ولو اتبعوا لحجزهم عن ذلك. ( )

النهي عن قتل النفس
عن جندب بن عبد الله  عن النبي : "كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فَجَزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة".( )
قوله: بادرني عبدي بنفسه :قال ابن حجر: هو كناية عن استعجال المذكور الموت، وقوله: حرمت عليه الجنة جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من أنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به فناسب أن يعاقبه، ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الإنتفاع بها . ( )
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".( )
وعن ثابت الضحاك عن النبي : "لعن المؤمن كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة".( )
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : "من تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً".( )
تردى: أي رمى بنفسه من الجبل وغيره فهلك.
يتوجأ، مهموز: أي يضرب بها نفسه.
وعن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخره: أنه بايع رسول الله  تحت الشجرة، وأن رسول الله  قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الاسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال: ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة، ومن رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله، ومن ذبح نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة".( )
وفي رواية للترمذي ولفظه: أن النبي  قال: "ليس على المرءِ ندرٌ فيما لا يملك، ولا عن المؤمن كقتلِهِ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله، ون قتل نفسه بشيء، عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة".
وقال : "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهماً من كنانته، فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة".( )
وعن سهل بن سعد ، أن رسول الله  التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله  إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله  رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا أتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله : "أما إنه من أهل النار؟!" فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبداً، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذُبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله  فقال: أشهد أنك رسول الله قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفا إنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه.فقال رسول الله : "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة".( )
الشاذة والفاذة: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق جماعة وانفرد عنها.

إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار
قال رسول الله : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه".( )
وعن ابن مسعود  قال: قال رسول الله : "سباب المؤمن فسوق وقتاله كفرٌ".( )
قال الصنعاني: وقوله : "وقتاله كفر" دال على أنه يكفر من يقاتل المسلم بغير حق، وهو ظاهر فيمن استحل قتل المسلم أو قاتله حال إسلامه، وأما إذا كانت المقاتلة لغير ذلك، فإطلاق الكفر عليه مجازا ويراد به كفر النعمة والأحسان وأخوة الإسلام لا كفر الجحود وسماه كفرا لأنه قد يؤول به ما يحصل من المعاصي من الرين على القلب حتى يعمى عن الحق فقد يصير كفرا أو إنه كفعل الكافر الذي يقاتل المسلم .اهـ. ( )

النهي عن قتل النفس إلا بالحق
قال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.( )
وقال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً .( )
وقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". ( )
وسئل النبي  أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي: قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك".( )
وقال : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل أخيه".( )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".( )
وقال : "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".( )
وعن ابن مسعود  قال: قال النبي : "أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء".( )
قال ابن حجر: والمعنى: اول القضايا في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير: أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء. ( )
وعن البراء بن عازب ، أن رسول الله  قال:"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".( )
وزاد الأصبهاني في رواية: "ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهمُ الله النار".
وفي رواية للبيهقي: "لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ".( )
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي  قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ".( )
وعنه قال: رأيت رسول الله  يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمةً منك، ماله ودمه وأن تظن به إلا خيراً".( )
وعن أبي الدرداء  قال: سمعت رسول الله  يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركا، أو يقتل مؤمناً متعمداً".( )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأله سائلٌ فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثا، ثم قال ابن عباس: أنَّى له التوبة! سمعت نبيكم  يقول: "يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى تشخب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله للقاتل: تعست ويذهب به إلى النار".( )
وعن ابن سعيد  عن النبي  قال: "يخرج عنق من النار يتكلم فيقول: وكلت اليوم بثلاثةً: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله آلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات جهنم".( )
وفي صحيح البخاري برقم (7152) عن جندب بن عبد الله قال: "إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنُه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيَّباً فليفعل، ومَن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنَّة بملء كفٍّ من دم هراقه فليفعل" .
وقال : "ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهدَه، فليس منَّي ولست ُمنه" . ( )

النهي عن قتل المعاهد
وكذلك لا يجوز قتل المعاهد كما ثبت ذلك عن رسول الله .
فعن عبد الله بن عمرو عن النبي  قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً".( )
وعن أبي هريرة ، عن النبي  قال: "ألا من قتل نفسا معاهدةً لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً".( )
قال الشيخ عبدالمحسن العباد : قتل الذمِّي والمعاهد والمستأمن حرام، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه (3166) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ))، أورده البخاري هكذا في كتاب الجزية، (( باب إثم مَن قتل معاهداً بغير جُرم ))، وأورده في كتاب الديات، في (( باب إثم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم ))، ولفظه: (( مَن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ))، قال الحافظ في الفتح (12/259): (( كذا ترجم بالذمِّيِّ، وأورد الخبر في المعاهد، وترجم في الجزية بلفظ: (مَن قتل معاهداً)، كما هو ظاهر الخبر، والمراد به مَن له عهدٌ مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هُدنة من سلطان أو أمان من مسلم )). ( )

تحريم تكفير المسلم
نهى الشارع الحكيم عن تكفير المسلم، وحذر من ذلك أشد الحذر .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه".( )
وعن أبي ذر  أنه سمع رسول الله  يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال:عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه".( )
حار : أي رجع .
وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".( )
وعن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك  أخبره أنه بايع رسول الله  تحت الشجرة وأن رسول الله  قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".( )
ويدل لخطورة هذا الأمر ما رواه حذيفة  عن رسول الله  : "إنَّ ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رُئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك، قلت: يا نبي الله! أيُّهما أولى بالشرك: الرامي أو المرمي؟ فقال: بل الرامي" . ( )
وعن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره".( )
قال ابن حجر :والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم . ( )
ثم قال: والحاصل أن من أكفر المسلم نظر، فإن كان بغير تأويل استحق الذم وربما كان هو الكافر، وإن كان بتأويل نظر إن كان بتأويل سائغ استحق الذم أيضاً ولا يصل الى الكفر بل يبين له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ولا يلتحق بالأول عند الجمهور، وان كان بتأويل سائغ لم يستحق الذم بل تقام عليه الحجة حتى يرجع الى الصواب. ( )
وإن من البلاء الماحق أنَّ بعض الناس قد يطالع في سير العلماء أو يقرأُ في كتبهم أو يستمعُ إلى تسجيلاتهم فلا يبحثُ عما ينسبُ إليهم من هناتٍ أو يزلون فيه من أخطاءٍ، أما ما فتحَ اللهُ عليهم من علومٍ وما قدموهُ للناسِ من حق وخيرٍ فلا يلتفتونَ إليه ولا يذكرونه فهم كجيرانِ السوء إذا رأوا خيراً دفنوه وإذا رأوا شراً طاروا به وأذاعوهُ فنعوذ بالله من التماس الأخطاء وتحريف الكلام عن مواضعهِ وتأويل النصوص من أجل التشهير والتنقيص لأن ذلك لا يصدر إلا منْ أقوامٍ رائدهم الهوى ودافعهم التعصب لتلمسِ العيب للبراءِ والخطأِ للمصيبين فلا يجوزُ لأي مسلمٍ أن يلجَ في هذا الميدان وهو التكفير بالشبه والأوهام والمظانِ دون تثبتٍ ويقينٍ وعلمٍ محققٍ وإلا لم يبقَ مسلمٌ على وجهِ الأرضِ إلا القليلُ .
كما لايجوزُ التكفيرُ بارتكابِ المعاصي وإن كانوا على خطرٍ عظيمٍ مع الإيمانِ والإقرارِ بالشهادتين .
قال الغزالي : والذي ينبغي أن يميلَ المسلمُ إليهِ الاحتراز من التكفير ما وجدَ إليه سبيلاً فإنَّ استباحة الدماءِ والأموالِ من المصلين إلى القبلةِ المصرحينَ بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خطأٌ والخطأُ في تركِ ألفٍ في الحياةِ أهونُ منَ الخطأِ في سفك محجمةِ منْ دمِ مسلمٍ فالخطأُ في العفوِ خيرٌ منَ الخطأِ في العقوبةِ، قالَ رسول الله  : "لأن يخطئَ الإمامُ في العفوِ خيرٌ من أن يخطئَ في العقوبةِ"، وهذا التحري محافظةٌ على الحياةِ وعدمُ المسارعةَِ في التكفيرِ حتى لا يحكم على أحدٍ فيحكم عليه بالقتل. ( ) ‌
يعني من حق إمام المسلمين وقائدهم أن يرجح سبيل العفو ما أمكن، والكلام في غير خبيث شرير متظاهر بالإيذاء والفساد، أما هو فلا يدرأ عنه بل يتعين السعي في إقامته بدليل الخبر المار، أترعون عن ذكر الفاجر أذكروا الفاجر بما فيه، والخطأ كما قال الحراني هو الزلل عن الحق من غير تعمد بل مع عزم الاصابة أو ودان لا يخطئ.فيض القدير .
وفي الختام نذكركم بقول الله تعالى: ((وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)),((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)), ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ .وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)).
أفيقوا يا شباب من سُباتكم وانتبهوا من غفلتكم، ولا تكونوا مطيَّة للشيطان للإفساد في الأرض.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا للزوم منهج السلف، وأن يأخذ بأيدينا لفعل الخير وأن يجعلنا ممن نصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل السنة والطاعة، ويُذَل فيه أهل البدعة والضلالة، ويُُقمع فيه أهل الزيغ والفساد والفرقة إنه جواد كريم .
وكما نسأله سبحانه أن يبصر شباب المسلمين في دينهم الحنيف وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها ومابطن، وأن يلهمهم الصواب في الأمور صغيرها وكبيرها، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفق حكام المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا، وينصحوا لهم إذا أخطأوا، وأن يأخذوا بإيديهم لسعادة العباد، وأن يفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض بفضل الله تعالى ورحمته جل في علاه . اللهم آمين .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نسغفرك ونتوب إليك .
و كتب / أبو أنس العراقي
ماجد بن خنجر البنكاني
الجمعة 14/رمضان /1430هـ
4/9/2009م

الأكثر مشاركة في الفيس بوك