حاور حتى لا تتعطل لغة الكلام

حاور حتى لا تتعطل لغة الكلام. أي مغزى نعطيه للحوار في واقعنا الحضاري والثقافي؟ يقول المثل الحكيم: (تكلم حتى أراك) هذا ينم عن حاجتنا الشديدة والماسة لتعلم فنون الكلام، وحاجتنا أكثر ربما لتعلم فن الإصغاء، حتى لا يتعطل الحوار، وينقطع الاتصال والتواصل. ففي ظل تصاعد التحديات التي تواجهنا في كافة مجالات الحياة، وتفاقم الأزمات التي تهدد كينونتنا ووجودنا، تزداد أهمية الحوار القصوى. ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة إلى بلورة الارتباط الوثيق بين مبادئ الحوار والتواصل.الحوار ضرورة حتمية، وواجب أخلاقي وإنساني، غايته هي إزالة الحواجز التي تعرقل التواصل الذي يعد سمة حضارية وثقافية، تقتضي قبول الاختلاف، وايلاء أهمية للآخر، للانتقال إلى مرحلة التحاور المنبني على التعبير الحر، والتحليل المنطقي، لتبادل الأفكار والآراء، قصد الإقناع والاقتناع، للوصول إلى قرار أو اتفاق يتوخى الحق. ولذا يجب تطويع وتطبيع الحوار للتخلص من الهيمنة الاحترازية. فالمحاور الواعي يحرص على إنسانيته، ليرتقي إلى التحاور، ليتخفف من الموروث الضحل، الساعي لاضمحلال لحظة الانتماء، لإثبات قدرته الفائقة على التواصل مع الذات الرافضة للإصغاء. ولا يحصل هذا التطور والارتقاء إلا لمن آمن بمشروعية الاختلاف الذي يكشف عن أسرار ومقاصد كفيلة بإغناء الحوار لتحقيق التواصل.

 

أما المحاور العنادي فغايته القصوى هي الخلاف (خالف تعرف) فيحجم عقله عن الاستنتاج، ويحتمي بالتناقض الجاذب،ولا يكف عن الرفض الرافض. وهذه الحالة النفسانية لاينفع فيها النقاش ومحاولة الإقناع، لأنها وليدة الذهنية العنادية التي تنتهي حتما إلى حوار انفلاتي لمعاكسة مجرى الحوار، لإصدار أحكام حائرة، ومتسرعة تشبه أحيانا الهذيان، لاتخضع لأي مقياس من مقاييس الحوار البناء. فالمخالف يسعى دوما وأبدا لفهم المحتمل بدل فهم الواقع الذي يجب فحصه قبل التبرم منه وإضفاء اللغط والخلط عليه بناء على قواعد اصطناعية، لا يدخل حيزها ولا حماها إلا من ارتضى بالسفسطائية نهجا ومنهجا، وتشبع بمكر الحوار، ليبدع أساليب وسبل تمثل المطلق ضمن إطار قار لايفصل بين الاختلاف والخلاف.

 

يجب اجثات هذا الداء الحواري المؤلم (الخلاف) الذي أقحمنا في بؤرة الانكفاء والإلهاء، وعلينا بـ (النقد النقدي) الذي لا يهمه لا الحق ولا الصدق، ويأبى دخول الحوار من أبوابه، فيقحم نفسه في مؤثرات غير واعية تتعقب الصراع لتستدرج المحاور لعالم الزوال. فالخلاف العنادي قناع يخفي حرية الفرد ويعلن عن فشل يترك في النفس لمسة غيض وضغينة، تجر إلى العجرفة.

  

فينعدم الصدق من القول والفعل فنسقط في حوار(الطر شان)، فالأطرش يتكلم ولا يسمع، ولذلك يعيش غياب وعي السمع، والعنيد يغيب قدراته الفكرية فيفقد وعي الحوار، وهذان سمتان تلازمان من يعطل الحوار ويقطع التواصل.

المصدر: http://www.albayan.ae/five-senses/entertainment/2011-02-23-1.1390193

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك