العرب والأميركيون يجهل كل منهما الآخر

بقلم د. جيمس زغبي*

يبدو أن العالم العربي قد تجاوز الأزمة الناجمة عن فيلم «براءة المسلمين»، والتي خشي كثيرون أن تمتد كثيراً لدرجة الخروج عن نطاق السيطرة، كما يبدو أن القيادة العقلانية قد تغلبت على دعوات المتطرفين للتصعيد.

لقد تصرفت واشنطن بحكمة حين امتنعت عن صب البنزين على نار الغضب والاضطرابات التي اندلعت في أماكن شتى من العالم الإسلامي، ورفضت الانسياق وراء الانتقادات الحزبية لها، وللمطالب بالتصعيد واستخدام القوة. وبدلاً من ذلك، اكتفى الرئيس أوباما بإرسال قوة صغيرة من المارينز لتعزيز أمن بعض السفارات الأميركية، وبالتحدث بشكل خاص وصارم مع القادة العرب، وحثهم على اتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة لوضع حد لأعمال العنف، وإلقاء القبض على المتورطين في قتل المواطنين الأميركيين، وانتهاك حرمة السفارات الأميركية.

ورفض زعماء معظم الدول العربية الانجرار وراء المتطرفين، سواء الذين انتجوا الفيلم أو الذين حاولوا استغلاله لتحقيق أهداف سياسية، وقد اتخذ القادة السياسيون والدينيون في كل من مصر وليبيا وتونس واليمن خطوات مسؤولة من أجل تهدئة الوضع.

ولكن في حين تم تفادي وقوع أزمة، إلا أن جروحاً ما وقعت لم تندمل بعد. فالاضطرابات العنيفة وردود الأفعال التي تلتها كشفت ليس فقط عن حقول ألغام، بل، أيضاً، عن مشكلات عميقة في الفهم المتبادل بين العرب والمسلمين من جهة، والأميركيين من جهة أخرى.

 

عبء ثقيل

وما زال الكثير من الأميركيين يجهلون الإسلام، ولا يعرفون سوى القليل عن العرب، ولأن الولايات المتحدة شديدة الانخراط في قضايا المنطقة، فإن الجهل بها يشكل عبئاً ثقيلاً. ومن الأمثلة على ذلك أن المثقف ومقدم البرامج المحافظ بو سكاربورد يعزو كل ما حدث إلى كون «العرب يكرهوننا»! ورأى المرشح الجمهور لانتخابات الرئاسة بول رايا أن «للأمر صلة بالثقافة العربية وبالإسلام»، وأشار إلى أن الخيار السياسي الوحيد أمام الولايات المتحدة هو أن تكون مرهوبة الجانب، وعزا ما حدث إلى أن الرئيس أوباما «اعتذر عن أميركا وهذا أظهرنا ضعفاء، مما شجع هؤلاء على مهاجمة السفارات الأميركية».

ولكن كما أظهرت استطلاعاتنا، فإن صورة الولايات المتحدة في الحضيض، بسبب سياساتها وليس بسبب الثقافة أو الدين، بل ان العرب يحبون الثقافة والشعب الأميركيين ويحترمون القيم والإنجازات الأميركية، ولكن بسبب سياسات واشنطن أصبح العرب على قناعة بأننا (أي الأميركيون) لا نحبهم ولا نحترمهم.

 

إحباط

كما ان العرب «من البائع المتجول الى رئيس الوزراء» لا يمتلكون عقلية واحدة، على الرغم من الشعور بالاحباط من الطريقة التي تعاملهم بها واشنطن، غير ان الغالبية العظمى منهم لا تتظاهر أمام سفاراتنا ولا تؤيد مثل هذا السلوك.

وكما ان تعميم بعض العرب بأن كل الأميركيين مناهضون للإسلام لأن بعض الأميركيين عارضوا بناء المركز الإسلامي في نيويورك، فإنه من الخطأ أيضاً، ان يقوم سكاربورو وأمثاله بالتعميم بأن كل العرب يكرهوننا بسبب مهاجمة البعض للسفارات الأميركية وإقدامهم على اغتيال السفير كريس ستيفنز.

ولكن اذا كانت ثمة حاجة لمعرفة العرب كما هم، لا كما يتخيلهم المتعصبون أو الايديولوجيون، فإن ذلك يبقى تحدياً خطيراً للأميركيين، وعلينا ان نساعد العرب في فهم أميركا والأميركيين على نحو أفضل.

لقد كنت في العالم العربي عند اندلاع الأزمة، ومنذ عودتي، التقيت عدداً من الوفود العربية الزائرة، وتابعت ما يتداوله الإعلام العربي، حيث تتكرس حالة سوء الفهم والأساطير المتبادلة. وسمعت الكثير من التساؤلات على شاكلة: «لماذا لا تعتقلون مخرج الفيلم؟» أو «لماذا تُحظر المواد المعادية للسامية ويسمح بتلك المعادية للإسلام؟» وغيرهما من التساؤلات التي تعكس جهلاً بالدستور الاميركي وبالثقافة والقانون الأميركيين.

 

نجاحات محدودة

بالطبع، لو كان هناك قانون لا تفعّله الولايات المتحدة لربما كان العنف ضدها مبرراً، ولكن ليس هناك مثل هذا القانون، ولا يمكن ان يكون. لقد ندد الرئيس بالفيلم لكنه أوضح ان الدستور الأميركي يكفل حرية التعبير، وربما توجد قوانين تجرّم انكار الهولوكوست في بعض البلدان الغربية لكنها ليست موجودة في أميركا. كما ان معاداة السامية ليست محظورة في القانون الأميركي، لكن الدفاع عن العنصرية أو الخطاب المتعصب، يحكم عليه الرأي العام في نهاية الأمر، وليس المحاكم. وفي حين تمكن اليهود والأميركيون الأفارقة من حشد الرأي العام باتجاه جعل من غير المقبول استخدام الخطاب المتعصب ضدهم، ما زال العرب والمسلمون يتلمسون طريقهم بهذا الاتجاه، وقد احرزوا بعض النجاحات بالفعل. وعلى الرغم من التمييز الذي ما زال قائماً ضدهم في بعض المجالات، فإن لهم انصارا يتزايدون يوماً بعد يوم ويجاهرون باستنكارهم للخطاب الذي يستهدف العرب والمسلمين.

هناك في الولايات المتحدة قوانين بشأن «جرائم الكراهية» تعاقب على ارتكاب أعمال العنف أو التهديد بها ويتعرض للعقاب بالفعل كل من يتعرض للمسلمين والعرب.

ويقدم الديموقراطيون الشباب الدعم لنا، لكن هناك مجموعات أخرى تمارس التمييز ضدنا ومجموعات ثالثة تلتزم الصمت المعيب.

لقد اضعفتنا اعمال العنف التي اندلعت في الشرق الاوسط. لقد تغير الكثير في وضع العرب والمسلمين هنا، ولكن الخطر ما زال ماثلا. وتواجه الحكومات الجديدة في العالم العربي الكثير من التحديات الاقتصادية وخلق فرص العمل للشباب، لكن عليها ايضا، ان تبني مؤسسات حكم فاعلة ونظيفة يمكنها استعادة ثقة الجمهور وتكريس الحوار بديلا عن العنف. وعلينا في الولايات المتحدة ان نتبنى مواقف اكثر احتراما للعالم العربي وعلى الطرفين الاعتراف بجهل كل منهما بالطرف الآخر.

 

* رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن

المصدر: http://www.alqabas.com.kw/node/113213

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك