الإرهاب في ميزان الشريعة

الإرهاب في ميزان الشريعة

د . عادل العبد الجبار
مقدمـة 
أحمدُ اللهَ ربي وأُثني عليه بما هوَ أهل وأُصلي وأُسلم على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم اللهم تسليما كثيرا أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإرهاب في ميزان الشريعة
كتابٌ جديدٌ ينظم كغيره لمجموعة من الكتب العلمية في بيان موقف الإسلام الواضح وبجلاء من الإرهاب,وذلك ضمن كوكبة منيرة بالنور والهدى , مشعة بضياء الحق والعدل في إيضاح حكم الشريعة الغراء والملة السمحاء في تحريم الاعتداء والعنف ضد الآمنين في بيوتهم والمطمئنين في مجتمعاتهم ,وأن الإسلام عصمها وعظَّم من شأنها , ومنع كلَ من يُسيء إليها ولو بطريق الإشارة والتخويف
الإرهاب ظاهرة عالميةٌ عانت منها كثيرٌ من المجتمعات الكافرة والمسلمة وذاقت ويلاته واكتوت بناره ومازالت تعاني وتتمنى أن تعيش بهناء ورغد عيش بعيدا عنه , ذلك أن الإرهابيين يرتكبون فظيع الجرائم, وكبائر الذنوب عندما يُقدمون على قتل الأبرياء وتدمير الممتلكات وهدم المقدرات بوحشية لا مثيل لها في التأريخ فكيف تقبل نفوسهم أن تعمد إلى سيارات فتفخخها بأقسى وأشد أنواع المتفجرات لتروع كل آمن , وتقتل كل بريء , ممن لا حول لهم ولا قوة فلا يراعون الصغير أو الكبير , أو المريض أو العاجز إنما هو إفساد والله لا يحب عمل المفسدين .
الإرهاب شرٌ كُله، وخرابٌ آثاره، وأحزانٌ ويلاته ، وفساد تبعاته فالإرهابي مُنحرفُ التفكير، مريضُ النفس، شاردُ الذهن, متدني الأخلاق, مزاجيٌ متسخط , مهزومُ الشخصية, سليطُ اللسان كذوبٌ على أمته, حاسد نجاحاتها , كاره سموها وعلو شرفها
لقد مل العالم أجمعه العمليات الإرهابية التي لا تعرف وطناً ولا جنساً،ولا دينًا ولا مذهبًا، ولا زمانًا ولا مكانًا، فالمشاعر كلها تلتقي على رفضها واستنكارها، والبراءة منها ومن أصحابها عملياتٌ إرهابية تتجاوز حدود المشروع والمعقول وتتجاوز تعاليم الأديان ومألوف الأعراف وضابط النظم والقوانين وتبقى كلمة الإرهاب مقصورة محصورة في الإقدام على القتل والتخويف،والخطف والتخريب، والسلب والغصب، والزعزعة والترويع، والسعي في الأرض بالفساد.
فمنذ أحداث 11 سبتمبر شرُفتُ بتقديم حلقات مباشرة في التلفزيون السعودي تتحدث عن الإرهاب وموقف الإسلام منه حتى شاهدنا وللأسف الشديد أحداث العنف واقعا محزنا في بلادنا حرسها الله من كل مكروه وذلك ضمن سلسة تفجيرات آثمة ضرت وما نفعت, قتلت وما أحيت, أسأت وما أحسنت , فكان لزاما علي حينها أن أقوم بمهمة نشر الحق بين الناس عبر وسائل الإعلام المتاحة لي فهذا الكتاب مجموعة بحوث علمية أعددتها خلال السنوات الماضية فترة الإعداد والتقديم لمثل هذه البرامج في القناة الأولى أضعها بين يدي طالب الحق والدليل في تحريم هذا العمل الشنيع والجريمة النكراء التي يرفضها الإسلام بل يوقع عليها أشد وأقسى العقوبات في الدنيا.
هذا الكتاب جهدٌ بشريٌ معرَّضٌ للصحة والصواب وقد اجتهدت قدراستطاعتي في أن أسلك البحث العلمي فيه من تقسيم مواضيعه لأبواب وفصول ومباحث ومطالب ومسائل مع توثيق النصوص وإعادتها لمراجعها وعزوالآيات إلى سورها وتخريج الأحاديث بشكل موجز إلا أني لا أدعي الكمال فهناك نقص فإن كان ! فهو مني ومن الشيطان واستغفر الله منه وإن كان صواب فهو من الله وحده الذي أسأله أن ينفع بالكتاب الداني والقاصي العالم والعامي, الرجل والمرأة, الشاب والفتاة وأن يكون عند حسن ظن إخواني طلبة العلم وأن يزودنني بملحوظاتهم لتلافيها في الطبعات القادمة شاكرا جميل لطفهم وحسن تعاونهم على البر والتقوى ..
معد مادة الكتاب
أخوكم :
د : عادل عبد الله العبد الجبار
adel_aa100@hotmail.com
ص.ب 56 الرياض 11392
خطـــة الـكتــاب 
الباب الأول : الشريعــة والإرهـــاب 
الفصل الأول : تعريف الإرهاب
المبحث الأول : معنى الإرهاب في اللغة
المبحث الثاني : معنى الإرهاب في الاصطلاح
تعريف الأمم المتحدة
تعريف القانون الدولي
تعريف الاتفاقية العربية
تعريف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
تعريف المجمع الفقهي الإسلامي
المبحث الثالث : التعريف المختار للإرهاب
المبحث الرابع : عناصر الإرهاب
المبحث الخامس : أهداف الإرهاب
الأهداف المباشرة
الأهداف غير المباشرة
المبحث السادس : أنواع الإرهــــاب
تصنيف مؤتمر واشنطن 1976م.
إرهاب عقائدي.
إرهاب وطني.
إرهاب ديني , عرقي , طائفي
إرهاب مرضي
تقسيم آخر : الإرهاب الفردي و الإرهاب الجماعي .
المبحث السابع : صفات العمليات الإرهابية
الاختطاف واحتجاز الرهائن
الكمائن
أسلوب الاغتيالات
أسلوب العنف الطائفي
التفجيرات
المبحث الثامن : خصائص الإرهاب
المبحث التاسع : سمات الإرهابي
المبحث العاشر : أسباب الإرهاب
المطلب الأول : الأسباب العامة لظاهرة الإرهاب في العالم
أسباب جغرافية
أسباب مرضية نفسية
أسباب إعلامية
أسباب اقتصادية
أسباب أسرية
أسباب فكرية
المطلب الثاني:الأسباب الخاصة لظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي
.......................................................
الفصل الثاني : التطرف في الشريعة الإسلامية
المبحث الأول : تعريف التطرف في اللغة والاصطلاح
المبحث الثاني : ذم الإسلام للعنف والتطرف
المبحث الثالث : الأسباب الشرعية للعنف والتطرف
أعراض أكثر المسلمين عن دينهم
الجهل بالعلم الشرعي
الجفوة بين العلماء والشباب
الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة
قصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة
تصدر حدثاء السن وسفهاء الأحلام
التعالم والغرور
التشدد في الدين والتنطع
شدة الغيرة وقوة العاطفة
المبحث الرابع : مظاهر التطرف
المبحث الخامس : الصفات الشرعية لأهل التطرف
حداثة السن وقلة العلم
إعجابهم بأنفسهم وأعمالهم
الطعن في العلماء الربانين وتنقصهم
تقديم العقل على النقل
سوء الظن
كثرة عبادتهم وفضائل أعمالهم
التعدي على ولي الأمر الذي اجتمع عليه الناس
التحزبات السرية
مفاسد الغلو والتطرف
........................................................
الفصل الثالث : تعظيم الدماء وتأكيد حرمتها 
المبحث الأول : تحريم قتل الإنسان نفسه ( الانتحار )
المبحث الثاني : تحريم قتل الآخرين
المبحث الثالث:دماء المعاهدين والذميين والمستأمنين
...........................................................
الفصل الرابع :  الشريعــة والتكـفير 
المبحث الأول : خطر التكفير
المبحث الثاني : بيان هيئة كبار العلماء
في حكم التكفير
...........................................................
الفصل الخامس جذ ور الإرهاب في الإسلام
المبحث الأول : مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
المبحث الثاني : مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
المبحث الثالث: تعريف الخوارج لغة واصطلاحا
المبحث الرابع : نص مناظرة ابن عباس للخوارج
المبحث الخامس : الدروس المستفادة من أثر
ابن عباس رضي الله عنه
المبحث السادس : حقيقة الإرهاب الديني
................................................................
الباب الثاني  المجتمع والإرهاب 
الفصل الأول : المجتمع وحاجته للأمن
الفصل الثاني : دور مؤسسات المجتمع
المبحث الأول : المسجد
المطلب الأول : أهمية المسجد
المطلب الثاني : المسجد مصدر الأمن والآمان
المطلب الثالث : دور المسجد في التوعية بالجرائم الإهلية
المبحث الثاني : خطبة الجمعة وأثرها في أمن المجتمع
المطلب الأول : عوامل نجاح الخطبة
فهم الواقع
وجوب طاعة ولي الأمر
الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية
الوسطية والاعتدال
العناية بالشباب
العلاقة مع غير المسلمين
المطلب الثاني : خطبة الحرم المكي والمسجد النبوي
أنموذج لخطبة الحرم المكي الشريف
أنموذج لخطبة المسجد النبوي الشريف
المبحث الثالث : العلماء والدعاة
المبحث الرابع : الإرهاب والقضاء الشرعي
أهمية القضاء
نظرة القضاء للإعمال الإرهابية
الإجراءات الشرعية للتحقيق مع الإرهابيين في جرائمهم
التدابير الوقائية والعلاجية للوقائع الإرهابية
العقوبات القضائية على الوقائع الإرهابية
المبحث الخامس : الأســـــرة
المطلب الأول : اهتمام الإسلام بالأسرة
المطلب الثاني : وضيفة الأسرة
المطلب الثالث : دورها في الحد من الانحراف والجريمة
المبحث السادس : المــدرسة
المطلب الأول : الدور الأمني للمدرسة
المطلب الثاني : أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف
المطلب الثالث : مناهج التربية الإسلامية
المبحث السابع : المؤسسات الأمنية
المبحث الثامن : الملتقيات الدولية المحلية والدولية
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب
مؤتمر موقف الإسلام من الإرهاب
المبحث التاسع : الإرهاب الإلكتروني
الإنترنت مكان آمن للالتقاء الإرهابيين
جهود المملكة العربية السعودية في التصدي للإرهاب الإلكتروني
عوامل حفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني
المبحث العاشر : الأمن الفكري
الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري
الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري
......................................................
الباب الثالث  السعودية والإرهــاب 
الفصل الأول : المراجعات السعودية
المبحث الأول : نظرة تاريخية لتفجيرات السعودية
وموقف العلماء منها
المطلب الأول : بيانات هيئة كبار العلماء
في المملكة العربية السعودية
البيان الأول : حول حوادث التخريب
البيان الثاني : حادثة تفجير العليا بمدينة الرياض 1416 هـ
البيان الثالث : حادثة تفجير الخبر بالمنطقة الشرقية 1417 هـ
البيان الرابع : تفجير 3 مجمعات بمدينة الرياض 1424هـ
البيان الخامس : حيازة الأسلحة والتفجيرات والسيارات المفخخة
المطلب الثاني : بيانات رابطة العالم الإسلامي
والهيئات التابعة لها
البيان الأول : بيان مكة
البيان الثاني : تفجير 3 مجمعات بالرياض 1424 هـ
البيان الثالث : تفجير بمبنى الأمن العام القديم بحي الوشم
بمدينة الرياض 1425 هـ
البيان الرابع : التفجير بالقرب من مبنى وزارة الداخلية
بمدينة الرياض 1425 هـ
البيان الخامس : بيان هيئة الإغاثة العالمية
................................................................
المطلب الثالث : بيانات العلماء الخاصة ومقالاتهم
أولا: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدا لله بن باز رحمه الله
رئيس هيئة كبار العلماء
و مفتي عام المملكة سابقا
حادثة تفجير بمكـة 1409 هــ
حادثة تفجير العليا بمدينة الرياض 1416 هـ
ثانيا : سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله
عضو هيئة كبار العلماء
حادثة تفجير الخبر 1417 هـ

ثالثا : سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
رئيس هيئة كبار العلماء ومفتي عام المملكة
تفجير مبنى إدارة المرور بالرياض
رابعا : معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
تفجير 3 مجمعات في الرياض 1424 هـ
تصحيح المفاهيم في العنف والتطرف
خامسا :فضليه الشيخ عبد الله بن عبدا لرحمن الجبرين
تفجير 3 مجمعات بالرياض 1424 هـ
المبحث الثاني : قراءة في المراجعات السعودية
المطلب الأول : مراجعات الشيخ علي بن خضير الخضير
المطلب الثاني : مراجعات الشيخ ناصر بن محمد الفهد
المطلب الثالث : مراجعات الشيخ أحمد بن فهد الخالدي
الفصل الثاني : فقهيات المراجعات
المبحث الأول :شبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب
المبحث الثاني :سماحة الشريعة في التعامل مع غير المسلمين
المبحث الثالث:مسألة التترس
المبحث الرابع :التكفير والتفسيق
خطر التكفير
ضوابط التكفير

المبحث الخامس : مراجعات تاريخية
المطلب الأول : المراجعات المصرية
بداية الجماعة الإسلامية
مبادرة وقف العنف
كتب المراجعات
حرمة الغلو في الدين
نهر الذكريات
مؤلفو الكتاب
حادثة الأقصر
شبهة قتل السياح
تكفير الشرطة
أسباب المراجعات المصرية
إيجابيات المراجعات المصرية
المطلب الثاني : جماعة التكفير والهجرة
نشأة الجماعة
الأفكار والمعتقدات لها
التكفير
الهجرة
الحجية
أمية الأمة
صلاة الجمعة والجماعة
طاعة الأمير
مراجع هامة
المطلب الثالث : تجربة الجزائر
نظرة تاريخية
مراحل العنف في الجزائر
جهود المشايخ ابن باز والألباني وابن عثيمين في إطفاء الفتنة
الفصل الثاني :
جهود المملكة العربية السعودية
في مكافحة الإرهاب
إقرار عقوبة الإرهاب
نشر الوسطية والاعتدال
المشاركات الدولية
توضيح الصورة للخارج
الأجهزة الأمنية
المستوى المحلي
المراجعات الفكرية
العفو الملكي
المكآفاءت المجزية
الدعوة مستمرة
الاهتمام برجال الأمن
تفعيل قرارات مجلس وزراء العرب
توقيع الاتفاقيات والمعاهدات
الخاتمة
المراجع
الفهرس
.................................................

الباب الأول :  الشريعة والإرهــاب 
الفصل الأول : تعريف الإرهاب
المبحث الأول :
معنى الإرهاب في اللغة :
الإرهاب مصدر أرْهبْ يُرهِبْ إرهاباً وترهيبا ً، وأصله مأخوذ من الفعل الثلاثي رَهَبَ يَرْهَبُ فالراء والهاء والبهاء أصلان ويأت في اللغة لأحد معنيين أحدهما يدل على خوف، والآخر يدل على دقةٍ وخفة فالأول: الرهبة ، تقول رَهَبْتُ الشيء رُهْباً ورَهَباً ورَهبةً ، أي خفته
قال ابن دريد:( رَهَبَ الرجل يَرْهَبُ رَهْبَاً ورَهَباً : إذا خاف ومنه اشتقاق الراهب والاسم الرهبة ... والرَهَبُ : الفزع )
قال ابن منظور : ( رَهِبَ يَرْهَبُ رَهبَةً ورُهْباً : أي خاف ، وأرهبه ورَهَّبه واسترهبه : أخافه وفزَّعه )
وجاء في تاج العروس:( أرْهَبَه استَرهَبه حتى رهِبه الناس والإرهاب بالكسر:الإزعاج والإخافة )
وقد وردت لفظة (رهب وأرهب) في القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف في مواضع عديدة , فمن القرآن الكريم :
1- قوله تعالى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ 
فمعنى قوله تعال  وَإِيَّايَ فَارْهَبُون  أي خافون ، والرُّهْبُ والرَّهْبةُ : الخوف ، ويتضمن الأمر به معنى التهديد
2- قوله تعالى  وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ 
فمعنى قوله تعالى تُرْهِبُون أي تخيفون
يقول ابن العربي في تفسير تُرْهِبُون أي تخيفون بذلك أعداء الله وأعداءكم من اليهود والنصارى وكفار العرب
وقد أوضح الفخر الرازي أن الحكمة من إعداد القوة ورباط الخيل هي أنَّ الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد ومستعدون له ويملكون جميع الأسلحة والأدوات : خافوهم
ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أن معنى ( رَهَبَ وأرْهب ) لا يخرج عن الخوف ومعنى التهديد المراد في كلام ومراد أهل اللغة
وقد فسر ابن الأثير الرهبة الواردة في الحديث بأنها : الخوف والفزع ومن هنا يتضح : أن كلمة (رَهَب وأرْهَب) التي وردت في القرآن الكريم ، والسنة النبوية لا تخرج عن معناها في اللغة العربية وهو : الخوف والفزع والخشية
المبحث الثاني :
معنى الإرهاب في الاصطلاح :
لم أجد له تعريفاً في المصطلحات الشرعية لدى العلماء السابقين لأن أول استخدام له كان إبان الثورة الفرنسية عام (1789–1794م) وهذا يعني أنه نابع من فكر أوربي ، ويرد المزاعم الباطلة التي تصف الإسلام به .وقد اختلف العلماء والمفكرون في جميع أنحاء العالم على اختلاف أديانهم اختلافاً كثيراً في تحديد معناه ، وضبط مفهومه حتى الآن وهذا ما زاد مصطلحه غموضاً وتعقيداً إلا أني أقف عند تعريفات المنظمات الدولية ومنها :
تعريف الأمم المتحدة :
الإرهاب : تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية أو تنتهك كرامة الإنسان
تعريف القانون الدولي :
الإرهاب : جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول
تعريف الاتفاقية العربية :
الإرهاب : كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به ، أياً كانت دوافعه أو أغراضه ، يقع تنفيذه لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم ، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بأحد المرافق أو الأملاك ( العامة والخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر
تعريف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :
فقد ذكر تعريفاً للإرهاب وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فقال عنه:( هو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغياً وإفساداً في الأرض . ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن تبحث عن المجرمين وأن تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة فيهم )
تعريف المجمع الفقهي الإسلامي :
الإرهاب : عدوان يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان (دينه،ودمه،وعقله،وماله،وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى ، والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبل ، وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم أو حريتهم ، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية للخطر ، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها
المبحث الثالث :
التعريف المختار للإرهاب :
تعريف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي هو من أفضل التعاريف لدي وأقوها في بيان محاربة الإسلام للاعتداء والعنف وترويع الآمنين وأنه صدر من أقوى مجمع يمثل الإسلام وأهله فهو يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله  وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ‏
وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد، وعده محاربة الله ورسوله : في قوله تعالى  إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظراً لخطورة هذا الاعتداء الذي يعد في الشريعة الإسلامية حرباً ضد حدود الله وخلقه ويؤكد المجمع أن من أنواع الإرهاب: إرهاب الدولة ، ومن أوضح صوره وأشدها شناعة الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين، وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا، ورأى المجمع أن هذا النوع من الإرهاب من أشد أنواعه خطراً على الأمن والسلام في العالم، وعد مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس والجهاد في سبيل الله)
وبنظرة عامة لهذا التعريف نجد أن الإرهاب ليس لـه دين أو وطن أو جنسية معينة فهو يصيب الجميع حيث لا توجد حدود جغرافية لـه فمسرح عملياته يشمل كل أجزاء الكرة الأرضية كما لا يوجد شكل معين لجرائم الإرهاب فيمكن أن يأخذ خطف طائرات وتغيير مسارها بالقوة أو تدميرها أو أخذ ركابها رهائن أو قتلهم أو تتخذ شكل تفجيرات للمباني وغيرها أو احتلال مواقع واستعمال السموم أو الغازات الضارة ، وإجمالاً كل ما يُعتدى فيه على الأشخاص من اغتيالات وغيرها والأموال ووسائل النقل بأنواعها المختلفة ,ولا شك أن التقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم اليوم أدى إلى زيادة خطورة جرائم الإرهاب وتعقيدها سواء من حيث تسهيل الاتصال بين العناصر الإرهابية وتنسيق عملياتها أو من حيث المساعدة على ابتكار مواد وأساليب إجرامية متقدمة أو زيادة مرتكبي تلك الجرائم مما أدى إلى ازدياد الإرهاب على جميع المستويات وأصبح من أهم الأخطار التي تواجه المجتمع الدولي وبالتأمل لا يعد إرهاباً الكفاح المسلح للشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي من أجل تحرير أرضها المحتلة والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وأن الدفاع عن الأوطان فطرة غريزية عند البشر جميعاً وأنهم مارسوا هذا الحق منذ أقدم عهودهم وما زالوا يمارسونه حتى اليوم وهم بهذه الممارسة يعتقدون أنهم يقومون بعمل مشروع بل إن من واجبهم القيام بهذا العمل حتى لو فقدوا حياتهم في هذا السبيل . هؤلاء الذين يدافعون عن أوطانهم لم يكونوا بحاجة إلى قرار من أحد أو من هيئة كي يمارسوا هذا الحق لأنه – كما قلت مفطور في غرائزهم لا يمكنهم التخلي عنه أو حتى الاستهانة به وقد جاءت القوانين البشرية كلها وقبلها الشرائع السماوية لتؤكد هذا الحق وتأمر الناس بممارسته مهما كلفهم من ثمن . وكان الإسلام من ضمن هذه الشرائع التي أمرت أتباعها بالدفاع عن بلادهم وعدت موتهم في هذا السبيل طريقا إلى الجنة وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحض على الجهاد وعلى الدفاع عن الأوطان ورسولنا الكريم  أمرنا بالدفاع عن أوطاننا وعد ذلك واجبا على كل القادرين من الرجال والنساء . وعلى غرار قوانين الأمم المتحدة جاءت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقعها وزراء الداخلية العرب فقد جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية :
(لاتُعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي ) كما أن رابطة العالم الإسلامي أكدت في بيان مكة الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة في الفترة ما بين 21–26/10/1422هـ الحق للجميع في الدفاع عن أوطانهم وأعراضهم ضد المحتلين الغاصبين وأن هذا الحق مشروع في كل الشرائع الإلهية والقوانين الوضعية
لقد وقع الخلاف الواضح بين المصطلحات في تعريف الإرهاب حتى لوحظ على بعضها العموم وعلى الآخر التخصيص لكن وبعد التحقيق تبين لنا أن كلمة الإرهاب ترجمة من terrorism إلى إرهاب باللغة العربية ، ترجمة غير صحيحة لغويا لان الخوف من القتل أو الجرح أو التدمير هو مجرد خوف مادي يعبر عنه بالرعب وليس الرهبة ، لان الرهبة في اللغة العربية عادة استخدام للتعبير عن الخوف المشوب بالاحترام لا الخوف والفزع الناجم عن تهديد قوة مادية أو حيوانية أو طبيعية فذلك إنما هو رعب أو ذعر وليس رهبة والكلمة الصحيحة التي تقابل المفردة الانجليزية terrorism هي إرعاب . ولكن مجمع اللغة العربية أقر استخدام كلمة إرهاب التي لها رواج واستعمال واسع في الرأي العام العربي وجرى الناس على استعمالها وأصبحت متداولة ومتعارف عليها .

المبحث الرابع :
عناصر الإرهـاب :
بالأستقراء نجد أن عناصر الإرهاب على النحو التالي :
(1) القوة
(2) العنف
(3) الرعب
(4) الأسلحة
(5) وسائل الإعلام
المبحث الخامس :
أهداف الإرهـــاب :
أ ـ الأهداف المباشرة :
وهيالتي تعلنها المنظمة في أثناء تنفيذ العملية الإرهابية وتتمثل في الآتي :
1- الحصول على الأموال لتمويل نشاط المنظمة وتجنيد أفراد جدد للعمل فيها.
2- إطلاق سراح المعتقلين ي السجون سواء السياسيون أو أفراد المنظمة التي سبق القبض عليهم في عمليات في الماضي .
3- القيام بعمليات الاغتيال للخصوم سواء الاغتيالات المكشوفة أو المستترة.
4- تأمين خروج الأفراد القائمين بتنفيذ العملية الإرهابية بعد الانتهاء من التنفيذ ، وذلك لتحقيق آخر المراحل التي تؤدي إلى نجاح العملية الإرهابية .
5- عملية الدعاية اللازمة للمنظمة.
ب ـ الأهداف غير المباشرة :
هي التي لا تعلنها المنظمات الإرهابية ، ولكنها تسعى إلى تحقيقها،ويمكن ان تكون أهميتها بالنسبة للمنظمة اكبر وأهم من الأهداف المباشرة وتتمثل الأهداف غير المباشرة في الآتي :
1- إضعاف سلطة الحكومة ،وإظهارها بالعجز نظرا لعدم نجاح الحكومة في الكشف عن العملية قبل تنفيذها وعدم القدرة على مجابهة الموقف الناجم عن العملية الإرهابية .
2- الحصول على اعتراف رسمي من الدولة الهدف بوجود المنظمة ، أو الحصول على اعتراف دولي بوجودها نتيجة لإعلان بيانات تفرض المنظمة الإرهابية إعلانها وإذاعتها .
3- إجبار الدولة على الإتيان بأعمال موجهة ضد المواطنين بما يؤدي إلى فقد الثقة في الحكومة نظرا لعدم قدرتها على تحقيق الأمان للمواطنين ومواجهة المنظمة الإرهابية والقضاء عليها .
4- خلق متعاطفين مع المنظمة من رعايا الدولة المستهدفة والعمل على قلب نظام الحكم أو تحقيق أغراض المنظمة .
5- ضرب السياحة واقتصاديات الدول والأمن فيها بل ويمتد إلى مرتكزات القوة وعواملها لدى الدول التي تمنحها الشرعية كالدين والاقتصاد والأمن .
المبحث السادس :
أنواع الإرهـــاب :
في تصنيف مؤتمر واشنطن عام 1976م عن الإرهاب قُسِمَ من
حيث من وقع عليه العنف والتطرف إلى أربعة أنواع:
1/ إر هاب عقائدي :ويشمل الإرهاب اليساري ، والشيوعي وإرهاب اليمين المتطرف و الإرهاب الصهيوني ، والهندوسي
2/ إر هاب وطني : ويشمل العمليات التي تستهدف إخراج المحتلين أو تدمير آلياتهم ومصالحهم أو اغتيال رموزهم .وسبق الحديث عنه في التعريف المختار .
3/ إر هاب ديني أو عرقي طا ئفي : مثل العمليات الإرهابية التي نفذها أفراد طائفة التأميل ضد الحكومة السيرلانكية ومثلها عمليات السيخ الهندوسي ضد المسلمين .
4/ إر هاب مرضي : وهو الناتج عن اعتلال عقلي أو نفسي .

تقسيم آخر :إذا نظرنا لصفة الإرهاب من حيث الفاعل للعنف والتطرف فيندرج تحته نوعان من إرهاب هما :
1/ الإر هاب الفردي : ما يقوم به شخص واحد أو عدة أشخاص محدودين من أعمال عنف .
2/ الإر هاب الجماعي : وهو إرهاب طائفة دينية ووطنية ضد أخرى أو شعب آخر أو أمة ضد أخرى ويتخذ شكلين هما : إرهاب المجموعات الوطنية ، وإرهاب المجموعات العقائدية .
المبحث السابع :
صفات العمليات الإرهابية /
تتخذ العمليات الإرهابية الأشكال الآتية :
1/ الاختطاف واحتجاز الرهائن :
ويقوم على مفهوم احتجاز أو أسر شخص أو أشخاص معينين في مكان سري ،وقد يكون الاختطاف للطائرات بكامل ركابها
2/ الكمائن :
وهي نوع من أنواع الهجوم المباغت والمفاجئ يتم بمقتضاه الاستيلاء على الهدف بعيدا عن أنواع الحماية أو الحراسة التي تخصص له أو يحيط بها نفسه في مكان إقامته وعمله .
3/ أسلوب الاغتيال : الأسلوب المعروف بالعنف الإرهابي ويتم عادة للسياسيين والإعلاميين والمسئولين ، وقد يتم لبعض المشايخ والعلماء والدعاة المعارضين لفكر الإرهابيين.

4/ أسلوب العنف الطائفي :
ويتمثل في مهاجمة بعض المجموعات لبعض المواطنين إضافة إلى ممتلكاتهم الخاصة ، كذلك مهاجمة المساجد أو الكنائس أو المعابد.
5/ التفجيرات :
وهي عادة تتم لأماكن عبادة أو أماكن إيواء لأشخاص ينظر إليهم على أنهم أعداء أو من مواطني دول معادية أو يمثلون دول معادية رغم أن منهم ضحايا لسياسات معينة، ومسالمين أبرياء ، وقد تحمل تلك التفجيرات رسالة للدولة التي نفذت فيها التفجيرات بهدف الابتزاز السياسي أو الديني أو المالي أو بهدف مواجهة نظام الحكم في تلك الدولة .وهناك عمليات أخرى كالقنص ، والتهديد بالإرهاب والحرب النفسية باستخدام البلاغات الإرهابية الكاذبة
المبحث الثامن :
خصائص الإرهــاب :
خصائص الإرهاب التي تميزه عن غيره من أعمال العنف في العصر الحديث منها:
1/ العنف أو التهديد به واستمراره لوقت طويل يُسبب الإرهاب
2/ التنظيم المتصل بالعنف واستمراره يحدث أثر الإرهاب .
3/ عدم مشروعية الغرض ، وان كان الواضح هو محاولة تقويض السلطة السياسية .
4/ لا يكون الفعل من الأفعال المكتسبة لصفة أخرى ، وأطلق عليها اسم خاص باعتباره جريمة شرع لها حكم وذلك حتى لا يحدث خلط بين الجرائم الدولية.
5/ فعل رمزي محدود في ذاته لكنه يتعدى نطاق الفعل نفسه لإحداث تأثيرات أوسع وأشمل في التخويف .
6/ إن الإرهاب عبارة عن فعل يقصد به في أحيان كثيرة مدلولات سياسية ويسعى للتأثير في صنع القرار أو العدول عنه .
7/ إن أعمال الإرهاب لا يقصد بها المواجهة العسكرية ، وإنما تقتصر على تكتيكات إرهابية عنيفة سرِّية غير منظورة ،تقوم بها عناصر متطرفة ومناوئة للسلطة ونظام الحكم وتختار أهدافها بدقة ولها مطالب محددة.
8/ استخدام القوة والعنف أو التهديد بهما ، ويعتبر ذلك محور أساسي لتحقيق أهدافه .
9/ إن العملية الإرهابية لا تتقيد بالحدود أو الجغرافيا ، وتنفذ مخططها في أي مكان يحقق أهدافها .
10/ إن العمليات الإرهابية عمادها جذب الانتباه ، ولذا تتعمد عملياتها أهداف دولية أو دول كبرى لتحظى بانتشار إعلامي يخدم أهدافها ، وبالتالي فان أهدافه لها بعدان : بعد عاطفي ، وبعد عقلاني ، وتتسم بالمغالاة وليس الوسطية.
المبحث التاسع :
سمات الإرهـابي /
تتوافر في الإرهابيين بعض السمات أو الصفات الشخصية المشتركة التي تميزهم بغض النظر عن ولائهم أو انتمائهم أو هوياتهم والمنظمات المنتمين إليها والدول المرتبطين بها واختلاف العمليات التي ينفذونها .
1/ أغلبهم من الذكور المتزوجين بنسبة 95% تفوق عدد الإناث ولم يلاحظ بينهم أطفال .
2/ إذا كان هناك دور للنساء في المنظمات الإرهابية فانه يتلخص في القيام بالمخابرات وجمع المعلومات وحفظ الأسلحة وتخزينها وتوفير المساكن الآمنة للإرهابيين وأعمال التمريض والدعاية والتموين وعمليات التزوير.
3/ أنهم خياليون فهم أبطال في قصص من صنعهم ويريدون إصلاح الكون بالعنف فلهم فلسفتهم الخاصة .
4/ أنهم رجال مشحونون بالأسرار كثيرون الحرص ومن سماتهم العناد والقسوة وعدم المبالاة و الإصرار على تحقيق الهدف ويصعب التفاهم معهم .
5/ بعضهم يتناول عقاقير منبهة لتزيد من اندفاعهم .
6/ يتسمون بالتطرف والعدوانية والتعصب وسهولة الاستثارة وهنا يأتي خطر استهداف الشباب القاصر عن التفكير والعاجز عن تأمل العواقب فيما بعد من آثار الإرهاب وعمليات العنف
7/ نضجهم الجسمي مكتمل ولكن سماتهم تكشف عن عدم اكتمال النضج النفسي.
8/ تكشف بعض دراسات علم النفس الجنائي أن للمجرمين الإرهابيين بعض صفات الأنوثة وأنهم يقاومون هذه الأنوثة ويتظاهرون بالرجولة ويبالغون فيها بالعنف ويدفعهم العنف إلى القتل والإرهاب وخاصة في بعض المجتمعات الكافرة بينما قد يتستر الإرهابي في المجتمع المسلم بزي امرأة لتحقيق أهدافه المشينة باسم عادات البلد وقيمه الدينية المحافظة .
فهذه عشرة سمات افتراضية شاهدنا بعضها واقعا ملموسا في حياة الإرهابيين العابثين بأمن الأوطان والمجتمعات وقد تطرأ سمات أخرى حسب المجتمع المستهدف بأعمال الإرهاب المختلفة وتبعا للتغيرات على كافة المستويات في العالم .

المبحث العاشر:
أسباب الإرهــاب:
المطلب الأول :
الأسباب العامة لظاهرة الإرهاب في العالم :
أسباب جغرافية :
إن اتساع حدود الدول بالنسبة للقوات المسلحة ،وأجهزة الأمن في أي دولة والتي تتسم بالضعف والانتماءات الطائفية لقياداتها يؤدي عادة إلى صعوبة تأمينها وفرض الرقابة عليها مما شجع التنظيمات الإرهابية على التسلل من الحدود إلى داخل الحدود لتحقيق أهدافها والقيام بعملياتها كما أن الأماكن أو الدول التي بها تضاريس معينة تصلح كمخابئ للمترددين تسهل العمليات الإرهابية وتشكل المناطق العشوائية والمتخلفة تحديا خطيرا لأمن واستقرار الوطن والمواطن إضافة إلى تلك الأسباب الجغرافية ، فإن المناطق الحارة تعتبر مكان مناسبا لانتشار الجرائم السياسية أكثر من المناطق الباردة ، شأنها في ذلك شأن جرائم الاعتداء على الأشخاص وإثارة الشغب وقد اتضح بالفعل زيادة عدد الإرهابيين وسهولة استقطاب الشباب في مناطق صعيد مصر على سبيل المثال لكن يبقى الجو البارد القارس مانعا وحائلا للوصول للمجرمين والقضاء عليهم لاسيما إذا اعتصموا بالجبال ورؤوسها الشاهقة
أسباب إعلامية :
يستخدم الإرهابيون الإعلام كسلاح للوصول إلى أهدافهم ، فكثيرا ما تلجأ المنظمات الإرهابية في العالم إلى ارتكاب العمليات الإرهابية بغية لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى قضيتهم التي يدافعون عنها من أجل إجبار الجهة المستهدفة على الرضوخ لمطالبهم ،ويرى بعض الباحثين أن برامج الإعلام التي تخدش الحياء وتشيع الفاحشة وتعلم الاستهتار بالقيم والمبادئ التي توجد البيئة الفكرية المناسبة للالتجاء إلى القوة والعنف والإرهاب لمواجهة تلك الدول وحول الدور الخطير الذي يمارسه الإعلام ، وما يعترض له المجتمع المسلم وعلى الأخص الشباب من تيارات وأفكار تناقض القيم والمبادئ الإسلامية وما نتج عن هذه الهجمة من ردود فعل سلبية أدت إلى الإرهاب فالشباب المسلم يصب بعضهم طرف من تلك الهجمة الإعلامية الشرسة ، ففريق منهم جانبه التوفيق فتطرفوا في فهم الدين الإسلامي الفهم الصحيح كما يتعصب فريق آخر تعصبا أعمى وفي كلا الحالين يرجع السبب إما إلى سوء فهم لأحكام الدين والشريعة السمحة ، وإما إلى تأثر ببعض المذاهب الهدامة المستوردة وإما إلى الانقياد الأعمى لبعض المضللين الذين يتخذون من الدين تجارة ، وإما إلى فراغ ديني لم يجد من يسده
إن غالبية وسائل الإعلام غارقة في برامج بعيدة عن واقع المسلمين المعاصر وبعيدة عن تطلعات الشباب وتلمس احتياجاتهم ومناقشة مشكلاتهم وبث الوعي الديني الصحيح مما يجعلها تساهم بشكل أو بآخر في تغذية الشعور بالتطرف والإرهاب .
أسباب اقتصادية :
الأزمات الاقتصادية للدول والمجتمعات المطحونة من الأسباب الخطيرة المحركة لموجات الإرهاب في العالم ، كما أن التقدم العلمي والتكنولوجي للأنظمة المصرفية في العالم زاد من سهولة انتقال وتحويل الأموال بين شبكات الإرهابيين.
ولا ننسى معاناة الأفراد في دول العالم الثالث من مشكلات اقتصادية تتعلق بالإسكان والديون والبطالة والفقر والتضخم في الأسعار والمواصلات والصحة كلها عوامل ربما دفعت الشباب للتطرف والإرهاب وهيأت الفرص للمنظمات الإرهابية لانتهاز ظروف الشباب الاقتصادية واستغلال ذلك لتحقيق أغراضهم .
أسباب أسرية :
التفكك الأسري ،وغياب الدور الرقابي للوالدين على الأبناء وسوء المعاملة و التدليل الزائد من الوالدين أو الإهمال وغياب لغة الحوار مع الأبناء وإشراكهم في اتخاذ القرارات خاصة إذا كانت تتعلق مباشرة بمصيرهم كالتعليم والعمل والزواج
أسباب فكرية :
يعاين العالم الإسلامي اليوم من انقسامات فكرية حادة بين تيارات مختلفة وأبرز هذه التيارات : تيار علماني : يدعو إلى بناء الحياة على أساس علماني بمنأى عن القيود الشرعية والتقاليد والعادات والقيم الاجتماعية حتى يتحقق للمجتمع التقدم والانطلاق نحو الحضارة وفي الجانب الآخر نجد التيار الديني المتطرف البعيد عن الوسطية والاعتدال يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري ويرفضون ذلك بحجة أن هذه المدنية مدعاة للفساد الخلقي والتفكك الأسري والجمود في العلاقات الاجتماعية ولذا فكل جانب يرفض فكر الآخر ، ويقاومه وينظر إليه نظرة ريب وشك دون أن يمحصها ويقيمها ليصل إلى الحق والمبادئ الأساسية فيه وقد أوحى هذا الوضع لدى بعض المتطرفين من جهلة المسلمين إلى حالة من الشد والجذب بين هذين التيارين مما حدا بهم في النهاية إلى سلوك طريق الإرهاب الذي لا يقره الدين ولا يتفق مع أي توجه حضاري .
المطلب الثاني :
الأسباب الخاصة لظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي:
1/ نقص التربية الدينية في بعض المجتمعات الإسلامية .
2/ إساءة الطريقة والأسلوب التربوي في توصيل الثقافة الدينية .
3/ الجهل بالدين وبفقه العصر ومقتضياته أدى بالشباب إلى إصدار الفتاوى والأحكام المختلفة للنصوص دون الرجوع للمختصين في العلوم الشرعية .
4/ التطورات على الساحة الإسلامية ، والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
5/ الفراغ الديني لدى الشباب وانشغالهم بمسائل فرعية وخلافية في الدين .
6/ عدم فهم حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن بيده تغيير المنكر بالقوة .
7/ الخضوع التام والطاعة العمياء لقادة الجماعات الإرهابية في بعض المجتمعات الإسلامية وذلك أيضا لسد احتياجاتهم المادية .
8/ عدم المشاركة الإيجابية في الحياة الاجتماعية .
9/ عدم مراعاة حرمة الضروريات الخمس عند الله عز وجل
إن الأسباب يصعب حصرها لكن يمكن إجمالها فلئن تعددت أسباب الإرهاب بمعناه المعاصر فإن هناك ما هو أخطر من الأسباب وهو مايفرزه الإرهاب من آثار تمتد سلبياته على المجتمع المسلم سنوات طويلة يذوق ويلاتها ويتجرّع غصصها أجياله القادمة التي جنى عليها من سبقها ويمكن إجمالها فيما يلي:
1/ إن العمليات الإرهابية التي وقعت في البلدان الإسلامية وبأيدي من يدعون الإسلام أسهمت إلى حد كبير في رسم صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين أمام غير المسلمين وفي تشويه صورة كل مسلم وإيجاد علاقة شكلية بين الإرهاب والإسلام.
2/ إن العمليات الإرهابية تعتبر من المخاطر غير المشجعة للتجار ورجال الأعمال على التوسع في تجارتهم وفي التبادلات التجارية أو عقد الصفقات مع الدولة التي تعاني من الإرهاب .
3/ أن المناخ العام للاستثمار سيكون غير مشجع لجذب رؤوس الأموال من الخارج.
4/ إن الإرهاب يعمل على عرقلة النشاط السياحي الذي يعد من مصادر الدخل القومي لكثير من الدول الإسلامية .
5/ إن الإرهاب وما ينتج عنه من زعزعة في الأمن وخلخلة في الاقتصاد وتراجع النشاط التجاري يكون سببا قويا في بروز نوع من الاقتصاد الخفي مثل تجارة السلاح والمتفجرات .
6/ إن الإرهاب يأخذ أبعادا خطيرة قد تصل إلى حد الإضرار بميزانية الدولة المبتلية بالإرهاب وذلك من جانبين :
1/ تزايد نفقات الدولة على جهود مكافحة الإرهاب .
2/ زيادة أعباء الموازنة من جراء التعويضات المدفوعة لذوي القتلى وعلاج المصابين وإصلاح ما خلفه الإرهاب من دمار وتلفيات .

الفصل الثاني  التطرف في الشريعة الإسلامية 
المبحث الأول :
تعريف التطرف في اللغة والاصطلاح
في اللغة :
قال ابن فارس: الطاء والراء والفاء أصلان ،فالأول يدل على حد الشيء وحرفه ، والثاني : يدل على حركة فيه
وطرف الشيء في اللغة ما يقرب من نهايته، وقيل: ما زاد عن النصف.
قال الجصاص : طرف الشيء إما أن يكون ابتداءه ونهايته ، ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا
في الاصطلاح :
تعددت عبارات العلماء في تعريفه جماع ذلك أن يعرف التطرف بأنه :
القائل أو القول، أو الفعل المخالف للشريعة.
ويلحق بمعنى التطرف كلمات ذات صلة بها نحو :
التنطع: وهو التكلف المؤدي إلى الخروج عن السنة
الغلو: هو الزيادة على ما يطلب شرعا أو تجاوز الحد
التشدد والتعنت والتحمس بمعنى واحد
قال ابن حجر: التحمس هو التشدد، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تحمس تشدد، ومنه حمس الوغى: إذا اشتد
المبحث الثاني :
ذم الشريعة للعنف والتطرف:
لقد ذمت الشريعة الإسلامية التطرف في الدين، فعن الأحنف بن قيس عن عبد الله قال: قال رسول الله  :( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا)
قال النووي: أي: ( المتعمقون، الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم )
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( إياكم و التبدع ، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق ، وعليكم بالدين العتيق)
قال ابن حجر رحمه الله : (وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة، بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة )
ولهذا أمر النبي  بالاتباع ونهى عن الابتداع ، والغلو هو نوع من الابتداع في الدين .
فعن العرباض رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله  الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا، قال:( أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا مجدعا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )
روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله  قال غداة العقبة ( أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )
بل إن من أسباب ضلال النصارى التنطع في الدين، فابتدعوا الرهبانية التي جاؤوا بها من قبل أنفسهم، وهي: غلوهم في العبادة وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح، والتعبد في الجبال قال الله تعالى في وصفها
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا  : أي :( ما فرضناها عليهم )
وفي هذا بين النبي  بأن هذا الدين بني على اليسر، وكان يقول لأصحابه حين يبعثهم ( يسروا ولا تعسروا )
ووصف النبي الرسالة التي بُعث فيها بالحنيفية السمحاء ووصف كذلك الله تعالى رسوله  بقوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ 
قال ابن تيمية رحمه الله :
( الحنيفية ضد الشرك، والسماحة ضد الحجر والتضييق )
وقال  لعلي ومعاذ رضي الله تعالى عنهما حين وجههما إلى اليمن: ( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا )
قال : ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فاستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة والقصد القصد، تبلغوا)
قال ابن تيمية رحمه الله :
(إن المشروع المأمور به الذي يحبه الله ورسوله ، هو الاقتصاد في العبادة، كما قال النبي : ( عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا)
وقال : ) إن هذا الدين متين، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فاستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد، تبلغوا )
ولهذا كانت وصية السلف الصالح أن الاقتصاد في السنة خير من اجتهاد في بدعة كيف لا!!والغلو في الدين أحد أسباب الخروج عنه ومن ذلك تلك القصة العظيمة في شر البدع والخروج عن السنة ومخالفة الأنبياء والعلماء الربانين بل في القصة تحذير للأمة من خطر البدعة وصفات أهلها ومن أعجب بها و تأثر ونادى لها وأن لا محالة ستكون حياته شقاء ونهايته سيئة
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ثم بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله  فقسمها رسول الله  بين أربعة نفر : الأقرع بن حابس الحنظلي ، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان ، قال: فغضبت قريش، فقالوا: أيعطي صناديد نجد، ويدعنا. فقال رسول الله  ) : إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم )فجاء رجلٌ كثُ اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد قال: فقال رسول الله :( فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنوني ) قال : ثم أدبر الرجل ، فاستأذن رجل من القوم يرون أنه خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال رسول الله : ( يخرج من ضئضيء هذا قوما، يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمية ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )

المبحث الثالث :
الأسباب الشرعية للعنف والتطرف :
1/ إعراض أكثر المسلمين عن دينهم
عقيدة وشريعة وأخلاقًا، إعراضًا لم يحدث مثله في تاريخ الإسلام مما أوقعهم في ضنك العيش وفي حياة الشقاء . يتجلى هذا الإعراض بأمور كثيرة في حياة كثيرة من المسلمين اليوم؛ أفرادًا وجماعات ودولاً وشعوبًا وهيئات ومؤسسات، ومن مظاهر هذا الإعراض كثرة البدع والعقائد الفاسدة وما نتج عن ذلك من الافتراق والفرق والأهواء، والتنازع والخصومات في الدين .
2/الجهل بالعلم الشرعي
وقلة الفقه في الدين لواقع أكثر التوجهات التي يميل أصحابها إلى الغلو والعنف يجد أنهم يتميزون بالجهل وضعف الفقه في الدين وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية، فحين يتصدون للأمور الكبار والمصالح العظمى يكثر منهم التخبط والخلط والأحكام المتسرعة والمواقف المتشنجة .
3/ الجفوة بين العلماء والشباب
ففي أغلب بلاد المسلمين تجد العلماء (بعلمهم وحكمتهم وفقههم وتجاربهم ) في معزل عن أكثر الشباب، وربما يسيئون الظن بالكثير منهم كذلك، وبالمقابل تجد الشباب بحيويتهم ونشاطهم وهمتهم بمعزل عن العلماء، وربما تكون سمعتهم في أذهان الكثيرين على غير الحقيقة، وبعض ذلك بسبب انحراف مناهج التربية لدى بعض الجماعات وبسبب وسائل الإعلام المغرضة التي تفرق بين المؤمنين مما أوقع بعض الشباب في الأحكام والتصرفات الجائرة والخاطئة التي لا تليق تجاه علمائهم، وتجاه حكامهم، وكذلك هناك حاجز نفسي كبير بين النخبة من الشباب، وبين المسئولين، تجعل كلاً منهم يسيء الظن بالآخر، ولا يفهم حقيقة ما عليه الآخر إلا عبر وسائط غير أمينة غالبًا، ومن هنا يفقد الحوار الذي هو أساس التفاهم والإصلاح.
4/ الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة
فأغلبها تعتمد في مناهجها على الشحن العاطفي ، وتربي أتباعها على مجرد أمور عاطفية وغايات دنيوية: سياسية واقتصادية ونحوها، وتحشو أذهانهم بالأفكار والمفاهيم التي لم تؤصَّل شرعًا، والتي تؤدي إلى التصادم مع المخالفين بلا حكمة. وفي الوقت نفسه تقصِّر في أعظم الواجبات ، فتنسى الغايات الكبرى في الدعوة، من غرس العقيدة السليمة والفقه في دين الله تعالى، والحرص على الجماعة وتحقيق الأمن، والتجرد من الهوى والعصبية، وفقه التعامل مع المخالفين ومع الإحداث على قواعد الشرع .

ه/ ضيق العطن وقصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة
ونحو ذلك مما هو موجود لدى بعض الشباب، فإذا أنضاف إلى هذه الخصال ما ذكرته في الأسباب الأخرى؛ من سوء الأحوال وشيوع الفساد، والإعراض عن دين الله، والظلم ، ومحاربة التدين وفقدان الحوار الجاد أدى ذلك إلى الغلو في الأحكام والمواقف
6/ تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام
وأشباههم للدعوة والشباب بلا علم ولا فقه، فاتخذ بعض الشباب منهم رؤساء جُهالاً، فأفتوا بغير علم، وحكموا في الأمور بلا فقه وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي، بل كثير منهم يستنقص العلماء والمشايخ ولا يعرف لهم قدرهم، وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه، أو بخلاف موقفه أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير،أو بالجبن أو المداهنة أو العمالة، أو بالسذاجة وقلة الوعي والإدراك! ونحو ذلك مما يحصل بإشاعته الفرقة والفساد العظيم وغرس الغل على العلماء والحط من قدرهم مما يعود على المسلمين بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم.
7/ التعـالم والغــرور
وأعني بذلك أنه من أسباب ظهور الغلو والعنف في بعض فئات الأمة اليوم ادعاء العلم في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بديهيات العلم الشرعي والأحكام وقواعد الدين، أو قد يكون عنده علم قليل بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ولا رأي سديد، ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين فيستقل بغروره عن العلماء، عن مواصلة طلب العلم فَيَهْلك بغروره وَيُهلك. وهكذا كان الخوارج الأولون يدَّعون العلم والاجتهاد ويتطاولون على العلماء، وهم من أجهل الناس.
8/ التشدد في الدين والتنطع
والخروج عن منهج الاعتدال في الدين الذي كان عليه النبي  وقد حذر النبي  من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )
والتشدد في الدين كثيرًا ما ينشأ عن قلة الفقه في الدين، وهما من أبرز سماته الخوارج ، أعني التشدد في الدين وقلة الفقه ، وأغلب الذين ينزعون إلى الغلو والعنف اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين ولا يعني ذلكم أنهم خوارج، ولا أن يوصفوا بهذا الوصف
9/ شدة الغيرة وقوة العاطفة
لدى فئات من الشباب والمثقفين وغيرهم بلا علم ولا فقه ولا حكمة، مع العلم أن الغيرة على محارم الله وعلى دين الله أمر محمود شرعًا، لكن ذلك مشروط بالحكمة والفقه والبصيرة ومراعاة المصالح ودرء المفاسد. فإذا فقدت هذه الشروط أو بعضها أدى ذلك إلى الغلو والتنطع والشدة والعنف في معالجة الأمور، وهذا مما لا يستقيم به للمسلمين أمر لا في دينهم ولا في دنياهم
المبحث الرابع :
مظاهـر التطرف :
1/الجور على حقوق أخرى يجب أن تُراعى, وواجبات يجب أن تؤدى . حفطها الشارع الحكيم ورتب الأجر على من حافظ عليها
2/ الالتزام المتشدد في محاسبة الناس على النوافل والسنن وكأنها فرائض والاهتمام بالجزئيات والفروع والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد مع فضل من قام بها في الدنيا والآخرة
3/ سوء الظن بالناس ، والنظر إليهم من خلال منظار أسود يخفي حسناتهم على حين يضخم سيئاتهم .
4/ الغلظة في التعامل والخشونة في الأسلوب والفظاظة في الدعوة
5/ إدخال الخوف على نفس المسلمين والترويع بالحديث عن مؤامرات تدبر للإسلام وتُحاك ضدهم لا صحة لها
6/ أغلب المتطرفين من أنصاف المتعلمين ومصادر تعلمهم بالسماع من الخطباء والوعاظ مباشرة أو عبر التقنيات الجديدة
7/ يبيح المتطرفون القتل والتمرد على الشعوب الكافرة على حد قولهم وسرقة أموالهم بحجة توزيعها على فقراء المسلمين
8/ تفشي حالات التزاوج بين المتطرفين أنفسهم فكل واحد يزوج ابنته أو أخته لصاحبه ونحو ذلك
9/ العزلة في المجتمع وهجر الوظائف الحكومية وفي بعض الدول التي تفرض التجنيد الإجباري نجدهم يهربون من الخدمة العسكرية .
10/ يحرّمون جميع أنواع التعامل مع البنوك دون تفصيل وإيضاح لتعاملات البنك ويعتبرونها ممن يتعامل بالربا وأنهم محاربون لله .
11/لا يعترفون بالبطاقات الشخصية أو العائلية أو وجود التلفزيون والراديو في حالات نادرة ويعتبرونها وسائل للشيطان ودليل على الفساد بوجه عام دون النظر للفائدة والخير المتاح من استخدامها
12/ تتسم الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بأسلوب مغلق جامد عن التفكير أو ليس لديه القدرة على تقبُل أية معتقدات تختلف عن معتقداتها أو أفكارها أو معتقدات جماعتها وعدم القدرة على التأمل والتفكير والإبداع .
12/ يتسم المتطرَّفون بشدة الانفعال والاندفاع والعدوان والعنف والغضب عند أقل استثارة ، فالكراهية مطلقة وعنيفة للمخالف أو للمعارض في الرأي والحب الذي يصل إلى حد التقديس والطاعة العمياء لرموز هذا الرأي خاصة في فئات الشباب
13/ الخروج على الحكام من أبرز سماتهم ، ومسوغهم في ذلك دعوى تكفيرهم لعدم حكمهم بما أنزل الله أو لمخالفتهم للشرع أو لعمالتهم للغرب الكافر على حد زعمهم.
15/ الحكم على المجتمعات الإسلامية المعاصرة بأنها مجتمعات جاهلية والحكم على من لا يهجرها بالكفر ( أي تكفير المجتمعات القائمة ).
16/ الحكم على بلاد المسلمين التي لا يقيم حاكمها الحدود الشرعية بأنها دار كفر لا دار إسلام .
17/ يرجعون في جذورهم للخوارج في مسألة التكفير والحاكمية
18/ التعصب من أبرز سماتهم حيث يصادرون الآخرين رأيهم ويرون أنهم على حق ومن عداهم على الضلال والباطل .
19/ يبلغ هذا التطرف مداه حين يُسقط المتطرف عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم أو أموالهم لأنهم خارجين عن الإسلام وكفار على حد زعمهم .
20/ منهجهم المتطرف يقوم على تفسير النصوص حرفيا دون مراعاة مقاصد الشريعة التي ضمنت حقوق الآخرين وتحريم الاعتداء عليها
21/ يقوم المتطرفون والإرهابيون بتكوين منظمات وخلايا سرية يتم من خلالها التغرير بالشباب للقيام بأعمال عنف وإرهاب ضد القادة أو معارضيهم من العلماء والدعاة الآخرين أو من العلمانيين على حد قولهم ، والهدف إشاعة الفوضى والانتفاضة على مرافق الحكم للوصول إلى سدة الحكم تحقيقا لمبدأ الحاكمية الذي يؤمنون به ويحلمون بالوصول إليه .
22/ لا يؤمنون بالحوار مع الآخر ولا يؤمنون بحرية الدين أو التعامل مع الأجنبي وبقائه في البلاد الإسلامية التي أقرها إلا سلام مستندين على فهم خاطئ لشبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب ولو درسوا سيرة النبي  في تعامله مع اليهود في المدينة وكفار قريش في مكة ، وسيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تعامله مع اليهودي واحتكامه إلى القاضي في قضية الدرع الذي أخذه اليهودي بحكم القاضي ، لعرفوا خطأ اعتقادهم وسوء فهمهم وجهلهم بمقاصد الشريعة الإسلامية .

المبحث الخامس :
الصفات الشرعية لأهل التطرف:
أولا / حداثة السن وقلة العلم
لقد وصفهم رسول الله  بقوله: ( يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتهم فاقتلهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة )
فحديث السن في الغالب أقرب إلى الجهل والطيش، والتسرع وعدم الروية، وجنوح الفكر والتطرف في الرأي، من كبير السن، الذي عركته الحياة، وحنكته التجارب وأدرك أهمية النظر في المآلات والعواقب ووصفهم كذلك بأنهم( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) وهذا أيضاً دليل على جهلهم وضعف بصيرتهم، فإنهم مع كثرة قراءتهم للقرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم لا يعونه بعقولهم ولا يفقهون مواعظه ونذره، ولا يعلمون أحكامه وحدوده.وقد بلغ من فرط جهلهم ، وقلة توفيقهم أنهم كما وصفهم النبي  في حديث آخر: ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)

ثانيا / إعجابهم بأنفسهم وأعمالهم
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي  :(سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيأتي قوم يعجبونكم، أو تعجبهم أنفسهم، يدعون إلى الله، وليسوا من الله في شيء، يحسبون أنهم على شيء، وليسوا على شيء، فإذا خرجوا عليكم، فاقتلوهم، الذي يقتلهم أولى بالله منهم"، قالوا: وما سمتهم؟ قال: "الحلق" )
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال : إنه مؤمن، فهو كافر، ومن قال: هو عالم، فهو جاهل، ومن قال: هو في الجنة، فهو في النار
ثالثا / الطعن في العلماء الربانين وتنقصهم
من صفاتهم الواضحة الجرأة على العلماء الربانين ، والطعن في نواياهم، واتهامهم بالمداهنة للحاكم، وأنهم مشايخ سلطة ودولة فلا يعتدون بقول عالم مهما كان من غير القرون الثلاثة المفضلة أو من الأحياء الثقاة، وإنما يعدونهم في ضلالة، وبعضهم يكفرهم وينقل ذلك بوضوح وجلاء دون مراعاة للنص الشرعي.
رابعا / تقديم العقل على النقل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله  يقسم قسما، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل
يا رسول الله، فقال : ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله ، ائذن لي فأضرب عنقه
فقال : دعه ، فإن له أصحابا، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه، فلا ينظر شيئا، ثم ينظر في نصله ، فلا يجد شيئا، ثم ينظر في رصافه، فلا يجد شيئا، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود، إحدى يديه، أو قال: يداه ، مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة، تدردر، يخرجون على حين فترة من الناس
قال: فنزلت:  وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ
خامسا / سوء الظن
ودليل ذلك اتهامهم الرسول  بعدم الإخلاص في القسمة كما سبق معنا في قصة ذي الخويصرة لأنهم لم يفهموا مقصده السامي لقصر نظرهم ومرض قلوبهم
سادسا / كثرة عبادتهم وفضائل أعمالهم
كما وصف النبي  الخوارج بقوله: ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم ) لأنهم كانوا يصومون النهار ويقومون الليل , وتحقرون: بكسر القاف، أي: تستقلون صلاتكم
سابعا / التعدي على ولي الأمر الذي اجتمع عليه الناس
قال ابن حجر رحمه الله : ( وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء)
ويظهر ذلك جليا في جريمة قتل عثمان رضي الله عنه حين تكلموا فيه إلى أن قالوا: هذا ما يصلح للخلافة، وهموا بعزله، وصاروا لمحاصرته فحاصروه في داره أياما، وكانوا أهل جفاء، ووثب عليه ثلاثون، فذبحوه والمصحف بين يديه، وهو شيخ كبير وستأتي .
ثامنا / التحزبات السرية
التي نتجت عن قراءات خاصة ومفاهيم خاطئة لايعرفها أهل العلم ولايقرونها بل يحذرون منها يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (إذا رأيت قوماً يتناجون في شيء من الدين دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة)
وهذه التحزبات والتجمعات يصدق عليها قول الحسن البصري رحمه الله : ( خرج عثمان بن عفان رضي الله عنه علينا يوماً يخطبنا فقطعوا عليه كلامه فتراموا بالبطحاء حتى جعلت ما أُبصر أديم السماء قال: وسمعنا صوتاً من بعض حُجر أزواج النبي  فقيل هذا صوت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال سمعتها وهي تقول: ( ألا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب )
إنَّ دراسةً فاحصةً للجذور الفكرية للجماعات والأحزاب في حياة المسلمين المعاصرة تتطلبُ نظرةً عميقةً لهذه الفِرقِ والجماعات والأحزابِ الدّاعيةِ إلى ذواتِها حصراً،حيثُ تُصور كل فرقةٍ وجماعةٍ وحزب إلى الناس أنها هي القائمةُ على الإسلام، وكلَّ من عداها مخالفٌ لها، وهذا التصور القاصر نراهُ عندَ الجميع مطرداً ومتفقاً عليه
وأضاف بعض العلماء من الأسباب :
* التعصب للرأي .
* التمحور حول الشخصيات والأحـزاب والجماعات.
* التقليد الأعمى وضلال الأفكار .
* الانطواء والتقوقع .
* عدم الاتزان الفكري .
* التجرؤ على الفتوى .
* التعامل الخاطئ لقضايا الإسلام
فضلا عن التزام التشديد دائماً في حديثهم وأفعالهم الذي يوضح لنا الملامح والمفاسد الشرعية للغلو والتطرف التي تسبب تراجعا في الدعوة إلى الله ونشر الخير بين الناس وتعميم التسامح والحب والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم وخاصة فئة الشباب والناشئة من صغار السن الذين يحتاجون لتربية أشمل وأعمق في فهم حقيقة التدين والالتزام والاستقامة والثبات عليها .
أن الغلو والتطرف يحكي أثارا سيئة على المجتمع الذي يعيش فيه طآئفة من الغلاة والمتطرفين ويترتب على أفعالهم وتصوراتهم عدد من المفاسد المتمثلة فيما يلي :
* أنه بدعــة في الديـن
* سبب لهلاك الأمم
* الغلو فيه مشابهة للنصارى
* فيه مشقة على النفس
* فيه التنفير من الدين وسماحته
* سبب للخروج عن الدين
* التشدد في تفسير النصوص الشرعية بما يعارض مقاصد الشريعة .
* التكلف في التعمق في معاني القرآن الكريم .
* يلزم الشخص نفسه بما لم يوجبه الله عليه كما فعل بنو إسرائيل
* يحِّرم الشخص على نفسه أموراً لم يحرمها الله على الناس
* يترك الأمور الضرورية كالأكل والشرب والزواج والنوم
* الغلو في الموقف من الآخرين مدحاً أو ذماً .
* ترك الحلال وتحريمه على النفس ظناً أنه من التدين .

الفصل الثالث تعظيم الدماء وتأكيد حرمتها 
المبحث الأول :
تحريم قتل الإنسان نفسه  الانتحار 
نفس الإنسان ليست ملكاً له، وإنما هي ملك لخالقها عز وجل. وهي أمانة عند صاحبها، سيسأل عنها يوم القيامة ولهذا فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه ، ولا أن يتصرف بشيء من أجزائها إلا بما يعود عليها بالمصلحة، أو يدرأ عنها المفسدة. وليس له أن يُضر بنفسه بحجة أنه يتصرف فيما يخصه، وأنه لم يعتد على غيره، فإن اعتداءه على نفسه كاعتدائه على غيره عند الله تعالى
قال الله تعالى:  وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً 
قال القرطبي رحمه الله : ( أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً. )
والإلقاء: هو طرح الشيء، والمراد بالأيدي: الأنفس ، عبّر بالبعض عن الكل، بناء على أن أكثر أفعال النفس بالأيدي
والتهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهُلْكاً وتهلكة أي : لا توقعوا أنفسكم في الهلاك
قال ابن سعدي رحمه الله : ( والإلقاء باليد إلى التهلكة، يرجع إلى أمرين: لترْك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجباً أو مقارباً لهلاك البدن أو الروح )
وجاءت السنة النبوية مؤكدةً لما في القرآن، ومنذرةً بالوعيد الشديد، والعذاب الأليم لمن قتل نفسه.
ففي الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع، فأخذ سكيناً، فحزّ بها يده، فما انقطع الدمُ حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة)
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  :(من قتل نفسه بحديدةٍ ، فحديدته في يده يتوجّأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.ومن شرب سمُاً، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردّى من جبل فقتل نفسه ، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)
وفي رواية عن  :(الذي يخنُقُ نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعُن نفسه، يطعُنُها في النار)
عن جابر رضي الله عنه قال: لما هاجر النبي  إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض،فجزع، فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في منامه . فرآه وهيئتُه حسنة. ورآه مغطياً يديه. فقال له : ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه  . فقال: مالي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.فقصها الطفيل على رسول الله فقال :(اللهم ولِيَديه فاغفر)
وهذا الحديث يدل على تحريم قتل الإنسان ن فسه، وعظم عقوبته في الآخرة.كما يدل على أن من قتل نفسه غير مستحل لذلك فإنه لا يعد كافراً. ولذلك بوّب عليه النووي رحمه الله تعالى بقوله :
( باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر ) ثم قال في شرح الحديث ) فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء عفا عنه وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار )
المبحث الثاني :
تحريم قتل الآخرين :
اعتداء الإنسان على غيره أشد تحريماً، وأعظم إثماً، وقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، تحذر من ذلك تحذيراً شديداً،
قال تعالى وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ 
وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنةً كانت أو معاهدةً إلا بالحق الذي يوجب قتلها مما في كتاب الله وسنة رسوله 
وقال تعالى:  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً 
وقال تعالى:  وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً 
ولقد قرن الله القتل بغير حق ، بالشرك بالله، في غير ما آية في كتابه، كما في قوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً 
قال ابن حزم رحمه الله: ( لا ذنب عند الله عز وجل بعد الشرك أعظم من شيئين. أحدهما : تعمد ترك صلاة فرض ، حتى يخرج وقتها. والثاني : قتل مؤمن أو مؤمنة عمداً بغير حق )
بل لقد جعل الله قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعاً وإحياءها كإحياء الناس جميعاً. فقال تعالى:مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً 
وأما الأحاديث في تحريم القتل،ونهاية عاقبته السيئة فهي كثيرة جداً ومنها ما يأتي :
حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )
قال الشوكاني رحمه الله : ( ففي هذا الحديث تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وذلك لعظم أمرها وشدة خطره)
قال ابن حجر رحمه الله : ( في الحديث عظم أمر الدم. فإن البداءة إنما تكون بالأهم. والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة. وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  : (لن يزال المؤمن في فُسْحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً)
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله  قال :
( لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق)
وفي هذا الحديث تغليظ أمر القتل وتهويل شأنه.ولهذا قال  (كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً)
عن المقداد بن عمرو الكندي رضي الله عنه، وكان ممن شهد بدراً مع النبي  قال: ( يا رسول الله أرأيت إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله  : لا تقتله. قال: يا رسول الله ، فإنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها. قال: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)
ومن القصص المشهورة التي تدل على شناعة أمر القتل وسوء عاقبته: قصة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، ولنتأمل فيها وهو يقول: ( بعثنا رسول الله  إلى الحرقة من جهينة، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله. فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا بلغ ذلك النبي  ، فقال لي : يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: يا رسول الله ، إنما كان متعوذاً قال : أقتلته بعد ما قال لا إلا الله؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم )
ولم يكتف النبي  بما ذكر في تعظيم الدماء، وبيان خطرها بل أكد حرمتها، وغرس في النفوس إجلالها وتعظيمها، بمقارنتها بما أجمع المسلمون على إجلاله وتعظيمه، وهو البلد الحرام والشهر الحرام وكان ذلك في يوم مشهود، ومكان مبارك، ومجمع عظيم شهده ما يزيد على مائة ألف مسلم، حين خطب الناس يوم النحر بمنىً في حجة الوداع
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  في حجة الوداع: ( ألا أي شهر تعلمونه أعظم حُرمة ؟ قالوا ألا شهرنا هذا.قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا. قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرْمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. ألا هل بلغت ثلاثاً؟ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: ويحكم، أو ويلكم! لا ترجعنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)
بل لقد دلت السنة النبوية على أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلماً وعدواناً، جريمة يستحق فاعلها دخول النار
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال:(دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض)
وفي رواية لهما: ( عذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار.لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)
فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم، وكيف بالمسلم، وكيف بالتقي الصالح؟!
المبحث الثالث :
دماء المعاهدين والذميين والمستأمنين:
يُحسن بنا قبل الحديث عن تحريم دمائهم أن نتعرف بإيجاز عن تعريف كل واحد منهم على النحو التالي :
الذ مي : هو من أقام بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد
المعاهد : هو أهل البلد المتعاقد معه .
المستأمن : هو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لأمر
فهولاء يحرم الاعتداء كما سبق للنصوص الشرعية التالية التي منها
1/ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي  قال
( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً )
2/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال: ( ألا من قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا ً)
3/ عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله :
(من قتل معاهداً في غير كنهه حرَّم الله عليه الجنة )
وفي رواية ( من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها )
قال الشوكاني رحمه الله : ( المعاهد: هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان،فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه، ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ 
وقوله: لم يرح رائحة الجنة. بفتح الأول من يرح، وأصله راح الشيء أي وجد ريحه، ولم يرحه أي: لم يجد ريحه، ورائحة الجنة نسيمها الطيب. وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهداً الجنة لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عاماً لم يدخلها. وقوله : فقد أخفر ذمة الله أي: نقض عهده وغدر فمجموع النصوص الشرعية اشتملت على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد، لدلالتها على تخليده في النار وعدم خروجه منها وتحريم الجنة عليه، مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها؟!
وقد أجمع العلماء قاطبة على تحريم الغدر وإذا كان هذا الوعيد الشديد في قتل آحاد المعاهدين والذميين والمستأمنين، فكيف بنسف بيوتهم وعماراتهم، وهدمها على رؤوسهم، وإحراق سيارتهم وتدمير ممتلكاتهم بل وقتل من في بيوتهم من النساء والصبيان وكبار السن ؟ مع أن قتل هؤلاء من الكفار المحاربين حرام لا يجوز بإجماع العلماء إلا لضرورة فكيف بنساء المعصومين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين وأطفالهم؟ وهل هذا إلا غدر في العهود، ونقض للعقود، وخفر للذمم , وافتيات على الإمام مع ما فيها من تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتنفير الناس من الدخول في دينه الذي أرسل به محمدا  ليكون رحمة للعالمين ,,

الفصل الرابع :  الشريعة و التكفير 
المبحث الأول :
خطـــر التكفير :
التكفير سبب لصنوف من الانحراف والضلال وأشد ذلك وأعظمه خطراً هو الحكم بذلك على الأشخاص والجماعات والأنظمة دون فقه أو تثبت، أو اعتبار للضوابط الشرعية، وهو ما وقع فيه بعض الأفراد والجماعات في هذا العصر، حيث توجهوا إلى تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله، ولا سنة رسوله  ، ورتبوا على ذلك استباحة الدماء والأموال، والاعتداء على حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، والاعتداء على مصالحهم العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، فحصل بذلك فساد كبير في المجتمعات الإسلامية.
وقد جاءت النصوص بالتحذير من التكفير، والوعيد الشديد لمن كفر أحداً من المسلمين، وليس هو كذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال: ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما )
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله  يقول: ( من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه )
كما دلت النصوص على أن التكفير لا يتم إلا بوجود أسبابه وانتفاء موانعه، ولذا قد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به لوجود مانع يمنع من كفره كالإكراه.
وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما، فلا يكفر بها لعدم القصد كما في قصة الذي قال : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) أخطأ من شدة الفرح. وكالذي أخبر عنه النبي  بقوله: ( كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف ففعلوا به، فجمعه الله ثم قال : ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك فغفر له )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكنه كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك، والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من ذلك )
هذه الضوابط ونحوها مما بينه العلماء، وفصلوا القول فيه تبين خطأ منهج أهل التكفير، وغلوهم وضلالهم عن منهج سلف الأمة
وبالجملة فإن الواجب مراعاة قواعد الاستدلال؛ برد المتشابه إلى الحكم، والمجمل إلى المبين، والجمع بين النصوص، واعتماد تفسير الصحابة رضي الله عنهم وفهمهم للنصوص، فهم قد عاشوا وقت تنزل الوحي، وأعلم باللغة ومقاصد الشرع، ثم آثار السلف الصالح أئمة الهدى الذين يُقتدى بهم ، بهذا يتوصل إلى الحق وتحصل السلامة من الزيغ والضلال.
المبحث الثاني :
 بيان هيئة كبار العلماء في التكفير 
مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الممثل لأعلى مؤسسة شرعية علمية فيها ويشمل في عضويته عدداً من العلماء المتولين لقيادة المؤسسات الشرعية المختلفة من إفتاء وقضاء ودعوة وغيرها ونظرة العالم الإسلامي لهذا المجلس نظرة تقدير وإجلال لما يحوي في عضويته على علماء راسخين في العلم عارفين بنصوص الشرع ومقاصده العليا فقد أصدر في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة في الطائف بتاريخ 2/4/1419هـ بياناً حول هذا الموضوع هذا نصه :
( فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير , وما ينشأ عنه من سفك الدماء , وتخريب المنشآت , ونظرا إلى خطورة هذا الأمر , وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة , وإتلاف أموال معصومة , وإخافة للناس وزعزعة لأمنهم واستقرارهم , فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحا لله ولعباده وإبراء للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليهم الأمر في ذلك فنقول وبالله التوفيق :
أولا : التكفير حكم شرعي , مرده إلى الله ورسوله  فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله  , فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل , يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة .ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله  لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن , لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة , وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات , مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير , فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات ولذلك حذر النبي  من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر , فقال : ( أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما , إن كان كما قال وإلا رجعت عليه )
وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر , ولا يكفر من اتصف به لوجود مانع يمنع من كفر وهذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها , وانتفاء موانعها كما في الإرث , سببه القرابة - مثلا -وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين , وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به وقد ينطق المسلم بكلمة بالكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد كما في قصة الذي قال: ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك )
أخطأ من شدة الفرح والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال , ومنع التوارث , وفسخ النكاح وغيرها مما يترتب على الردة , فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة .وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد ؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم وإشاعة الفوضى وسفك الدماء , وفساد العباد والبلاد , ولهذا منع  من منابذتهم فقال ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) فأفاد قوله :) إلا أن تروا ( أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة وأفاد قوله :) كفـر ( أنه لا يكفي الفسوق ولو كبُرَ , كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار وأفاد قوله :) بواحا ( أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر وأفاد قوله ) عندكم فيه من الله برهان ( أنه لابد من دليل صريح بحيث يكون صحيح الثبوت صريح الدلالة فلا يكفي الدليل ضعيف السند ولا غامض الدلالة وأفاد قوله : ) من الله ( أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة وهذه القيود تدل على خطورة الأمر وجملة القول : أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ؛ لقول الله عز وجل :
 قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 
ثانيا ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات , وتخريب المنشآت , فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعا بإجماع المسلمين ؛لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة وهتك لحرمة الأموال وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها , وشدد في ذلك , وكان من آخر ما بلغ به النبي  أمته فقال في خطبة حجة الوداع:
( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ,في شهركم هذا في بلدكم هذا) ثم قال : ( ألا هل بلغت اللهم فاشهد )
وقال:(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وقد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة بقوله سبحانه في حق المؤمن وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
وقال في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ :
فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً 
فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة , فكيف إذا قتل عمدا , فإن الجريمة تكون أعظم والإثم يكون أكبر وقد صح عن رسول الله  أنه قال :( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة (
ثالثا إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة وخطورة إطلاق ذلك , لما يترتب عليه من شرور وآثام , فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة , وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة , وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي والإسلام بريء منه وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة فهو يحمل إثمه وجرمه فلا يحتسب عمله على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة المستمسكين بحبل الله المتين , وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة أهله.
قال الله تعالى  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة , والجدال بالتي هي أحسن كما قال الله  وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وقال سبحانه  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 
وقال عز وجل : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم 
 وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 
وقال  ( الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله ؟قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) وقال  مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكف البأس عن جميع المسلمين , وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وقمع الفساد والمفسدين , وأن ينصر بهم دينه , ويعلي بهم كلمته وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان , وأن ينصر بهم الحق , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه) أهـ
وقد نبّه علماؤنا إلى خطورة هذه المسألة وعظم شأنها ، وما يترتب عليها من نتائج وتبعات سواء في الدنيا أو الآخرة ، وإليك جملة من كلامهم في ذلك :
قال ابن تيمية رحمه الله : ( أعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي
من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدنيا فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين وحرم الجنة على الكافرين وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان
وقال ابن الوزير رحمه الله:( وكم بين إخراج عوام فرق الإسلام أجمعين ، وجماهير العلماء المنتسبين إلى الإسلام من الملة الإسلامية وتكثير العدد بهم وبين إدخالهم في الإسلام ونصرته بهم وتكثير أهـله ، وتقوية أمره ، فلا يحل الجهد في التفريق بتكلف التكفير لهم بالأدلة المعارضة بما هو أقوى منها أو مثلها مما يجمع الكلمة ويقوي الإسلام ، ويحقن الدماء ، ويسكن الدهماء حتى يتضح كفر المبتدع اتضاح الحق الصادق وتجتمع عليه الكلمة )
قال الشوكاني رحمه الله :( اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ،ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
(وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله ، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله ، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله من أعظم أمور الدين ( وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة ، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم ..)

الفصل الخامس:جذور الإرهاب في الإسلام
المبحث الأول :
مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه:
بالتأمل نجد أن الإرهاب في البلاد الإسلامية لم يُعرف إلا في أواخر عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عندما قامت أول حركة ضالة مدبرة بزعامة اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أظهر الإسلام ليتسلل داخل صفوف المسلمين ، ويشعل نار الفتنة بينهم الأمر الذي تمخض عنه فيما بعد ظهور فرقة السبئية من الخوارج , و ما أشبه الإرهاب الذي تشتعل ناره الحارقة اليوم بيننا في منطلقاته وشعاراته بذلك الإرهاب الذي اصطلت بناره عاصمة الخلافة الإسلامية المدينة المنورة آخر عهد الخليفة عثمان بن عفان وأوائل عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
يقول الطبري رحمه الله ( كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أُمه أَمةٌ سوداء ، أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فأخرجوه حتى أتى مصراً فأقام فيها فقال لهم فيما يقول:(لعجب ممن يزَعم أن عيسى يرجع ويُكذِّب بأن محمداً يرجع وقد قال الله عز وجل  إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ 
فمحمدٌ أحـق بالرجوع من عيسى ثم قال: إنه كان ألفُ نبي ولكل نبي وصي ، وكان (علي) وصيّ ( محمد) ثم قال : محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء،ثم قال بعد ذلك : من أظلم ممن لم يُجِزْ وصية رسول الله 
ثم قال لهم: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله  فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه ، وابدؤوا بالطعن على أمرائكم واظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس وادعوهم لهذا الأمر )
فبث دعاته وكاتب من كان استنْفر في الأمصار وكاتبوه ، ودعوه في السر إلى ما عليه رأيهم، وجعلوا يكتبون في الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكتب أهل كلَّ مصرٍ منهم إلى مصرٍ آخر بما يضعون فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم
حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يبدون )
ثم قام بالتأليب على الخليفة عثمان رضي الله عنه ، وانتقل إلى مصر ونزل على كنانة بن بشر مرة ، ثم نزل على سودان بن حمران ثم تركه وانقطع إلى الغافقي وقد التف حوله خالد بن ملجم وعبد الله بن رزين وأشباههم ، فكلمهم في مسألة الوصية فلم يجيبوه فقال عليكم بباب العرب وحجرهم يعني عمرو ابن العاص رضي الله عنه ولسنا من رجاله فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا هذا العام شيئاً حتى تنكسر مصر ، فنشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم ونسأله من هو أضعف منه ونخلو بما نريد ، فنظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !
ثم خرجوا شاكين إلى عثمان عمرو بن العاص،و مستعفينه منهم ومطالبين بابن أبي السرح مكانه، فأقره على الخراج وترك عَمْراً على الصلاة،ثم أوقعوا بين عمرو وعثمان بن أبي السرح، حتى كتب كل واحدٍ منهما ما بلغه إلى عثمان فجمع مصر كلها إلى ابن أبي السرح
وبعد هذا عمت مصر ظاهرة جديدة ، هي التأليب على الإطاحة بعثمان رضي الله عنه وأرضاه 
كل ذلك بإعداد من ابن سبأ الذي قام بعد ذلك بالإعداد للإطاحة بالخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في عقر داره ؛ فزحف على المدينة تحت ستار أداء فريضة الحج بعد أن أشاع هو وأعوانه في الأمصار ، وبخاصة في مصر: أن الصحابة بالمدينة كتبوا إليهم أن أقدموا علينا ، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد
وفي سنة 35 هـ تكاتب السبئيون في الأمصار، وتواعدوا على اللقاء بالمدينة ، لتنفيذ ما خططوا له ، فخرج من مصر ما بين ستمائة وألف رجل يتزعمهم الغافقي بن حرب العكي ومعهم عبد الله بن سبأ متنكراً وهم يظهرون أنهم يريدون الحج ، وخرج عددٌ مماثل لهم من الكوفة ومثلهم من البصرة يقودهم حُكَيم بن جبلة وهم جميعاً يُظهرون الحج إلى بيت الله الحرام، وعسكروا حول المدينة المنورة ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولما علم عثمان بأمر السبئيين أرسل إليهم ( علياً ) يفاوضهم فسألهم عليٌّ رضي الله عنه ما تنقمون من عثمان ؟ فذكروا أشياء منها: أنه حمى الحمى وأنه حرَّق المصاحف وأنه أتم الصلاة في الحج وأنه ولّى الأحداث ، وأنه أعطى بني أمية أكثر من الناس فأجابهم ( عليٌّ رضي الله عنه ) على أسئلتهم بما يأتي: أما( الحمى ) فإنما حماه عثمان بن عفان رضي الله عنه لإبل الصدقة لتسمن ولم يحمه لإبله ولا لغنمه وقد حماه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وأما المصاحف فإنما حرَّق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه الذي ثبت في العرضة الأخيرة وأما إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتم الصلاة وأما تولية الأحداث فلم يُولِّ إلا رجلاً عدلاً وقد ولَّى رسول الله  عتاب بن أُسَيْد على مكة وهو ابن عشرين سنة ، وولَّى أسامة بن زيد بن حارثة وقد طعن الناس في إمارته.وأما إيثاره بني أمية فقد كان رسول الله  يؤثر قريشاً على الناس.فاقتنعوا بإجاباته ، ثم أمرهم علي رضيّ الله عنه بالرجوع عن المدينة فخرجوا عنها لكن عادوا مرة أخرى وأحاطوا بالمدينة وتجمع جمهورهم عند دار عثمان وقالوا للناس : من كفَّ يده فهو آمن ، فكف الناس أيديهم ولزموا بيوتهم. وقد ذهب إليهم ( عليٌّ ) مع نفرٍ من الصحابة فقال لأهل مصر : ما ردكم بعد ذهابكم ؟ فقالوا: وجدنا مع بريد كتاباً إلى والي مصر من الخليفة يأمره بقتلنا ، وقال أهل الكوفة وأهل البصرة : جئنا لنصر أصحابنا.فقال الصحابة : كيف علمتم بذلك من أصحابكم وقد افترقتم عنهم وصار بينكم مراحل؟ إن هذا أمر اتفقتم عليه
فأجابهم الثائرون : احملوه على ما أردتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ، ليعتزلنا ونحن نعتزله ، يعنون بذلك التنازل عن الخلافة ! ثم أقبلوا على عثمان رضي الله عنه ، فقالوا : كتبت فينا بكذا وكذا ، فقال : إنهما اثنان، إما أن تقيموا رجلين من المسلمين
يشهدان أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت ، وقد يُكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم على الخاتم .فلم يقبلوا منه وحاصروه في بيته أربعين يوماً ومنعوا عنه الماء حتى أشرف هو وأهل بيته على الهلاك عطشاً
ليبقي ثلة من الصحابة وبعض أبناء الصحابة يدافعون عن عثمان ولكنهم تكاثروا عليهم وحرَّقوا الباب واقتحموا الدار وقتلوه رضي الله عنه ، ظلماً وعدواناً وهو يقرأ القرآن ، فسالت دماؤه الطاهرة على المصحف الشريف ، وقتلوا بعض غلمانه و انتهبوا ما وجدوه في الدار من متاع ، وما على النساء من حلي ، واستولوا على ما وجدوه في بيت مال المسلمين ، ودُفِن عثمان رضي الله عنه ليلاً على يد نفرٍ قليل من الصحابة وهم في حالة كبيرة من الخوف والفزع
يروي الربيع بن مالك بن عامر عن أبيه قال: ( كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قُتِل ، حملناه على باب ، وإن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به ، وإن بنا من الخوف لأمراً عظيماً حتى واريناه قبره فكان قتله رضي الله عنه خسارة للمسلمين ومصيبة عظيمة ، حيث لم يخطر ببال الصحابة رضي الله عنهم أن يقتل ولكن ظنوا أن الخوارج الذين حاصروه أعتبوه في شيء , وأن الأمر يؤدي إلى تسكين وسلامة )
ولهذا كان موقف الصحابة رضي الله عنهم من الفتنة ومن الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه واضحاً فقد روي في تاريخ الرَّسل أن علياً رضي الله عنه حين أتاه الخبر بمقتل عثمان : قال رحم الله عثمان وخلف علينا بخير ، وقيل : ندم القوم فقرأ :  كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 
وفي رواية الإمام الطبري رحمه الله ( عن عائشة رضي الله عنها كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عماله ويأتوننا فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ، ويرون حسناً منه كلامنا في صلاح بينهم ، فننظر في ذلك فنجده بريّاً تقيّاً وفيّاً ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون ، فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلُّوا الدم الحرام والبلد الحرام بلا تره )
وروى ابن شبّة عن طَلْق بن خُشَّاف قال : ( قلت لعائشة : فيم قتل أمير المؤمنين عثمان ؟ قالت : قتل مظلوماً ، لعن الله قتلته ) وقالت أم سليم الأنصارية رضي الله عنها لما سمعت بقتل عثمان رضي الله عنه ( رحمه الله أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دماً )
ورُوي عن بعض أزواج النبي  أنَّهنَّ قلن حين قتل عثمان رضي الله عنه ( هجم البلاء، وانكفأ الإسلام) وعن أبي مريم قال ) رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله ضفيرتان وهو ممسك بهما وهو يقول
(قتل والله عثمان على غير وجه الحق) و عن أبي بكرة رضي الله عنه قال :( لئن أخرّ مـن السماء إلى الأرض أحب َّ من أن أُشرَك في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه )
قال ابن الزبير رضي الله عنه : ( لُعِنتْ قتلة عثمان رضي الله عنه ، خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية ، فقتلهم الله كل قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب يعني هربوا ليلا وأكثر المسلمين كانوا غائبين وأكثر أهل المدينة الحاضـرين لم يكونوا يعلمون أنهم يريدون قتله حتى قتلوه وقال كنانة مولى صفية :( كنت أقود بصفية ، لترد عن عثمان فلقيها الأشر فضرب وجه بغلتها حتى (مالت) فقالت :ردوني ولا يفضحني هذا الكلب ، ولما أخفقت في الوصول إلى دار عثمان ، وضعت خشباً بين سطح منزلها وسطح منزل عثمان رضي الله عنه وكانت جاره لنقل الطعام والشراب)
فهذا يدلنا على هذا الموقف المجمع عليه من الصحابة رضي الله عنهم في استنكارهم لهذا الحدث المفجع الذي وقع من أولئك الغلاة الذين استحلوا دم خليفة المسلمين وقتلوه وهو يقرأ القرآن الكريم ظلماً وعدواناً ، فكان موقف الصحابة رضي الله عنهم موقف المستنكر لهذا التصرف وأن العنف لا ينتهي عند حد فقد كان هذا الانحراف الفكري لدى أولئك السبب الرئيس في إسالة دم الخليفة الراشد الثالث وهم يظنون أنهم يؤدون عبادة ويفعلون قربة نعوذ بالله من الضلال ,,
المبحث الثاني :
مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
عُظمت المصيبة بكل ما تحمله الكلمة من مرارة وآسى في مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي رأى العنف بعينيه أثناء خلافة عثمان وأراد بكل ما أوتي من حكمة ودراية إخماد الفتنة وجمع شمل المسلمين ووحدة الأمة الإسلامية على عثمان بن عفان لكن قُتل ولم يستطع ردهم ولا منعهم حتى تولى الخلافة هو بنفسه فجد واجتهد وسعى إلى وأد الفتنة التي بدأت بوادرها تظهر بين المسلمين من جديد، وذلك حينما طالب عدد من المسلمين من علي رضي الله عنه أن يقتص من قتلة عثمان رضي الله عنه هنا خاف من العاقبة وشرها أن يكون الاقتصاص من هؤلاء سبباً في إشعال فتنة جديدة تضر بالمسلمين وتؤثر في وحدتهم، لكنه قدر الله الذي لا مرد له إلا هو فاشتعلت الفتنة من مجموعة من الخوارج الذين كانوا يظهرون الولاء لعلي رضي الله عنه والغيرة على الدين والحمية للشريعة لكنهم في الواقع كانوا ينقمون في باطن أمرهم ولاية قريش ، فنتج عما سعى إلى بثه هؤلاء الخوارج من إشاعات وأباطيل وإثارة للاضطرابات أن وقعت بين المسلمين معارك منها وقعة الجمل وصفين والتي كانت بين كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما فلما شعر علي رضي الله عنه بتأثيـر هـؤلاء الخوارج في وحدة الأمـة الإسلامية حاربهم في مواقع كثير حتى أخمد شوكتهم وقضى على معظمهم بكل قوة وحزم ودون تردد لكن
لم يترك بقايا الخوارج الأمر فقام نفر منهم بالتخطيط لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً اعتقاداً منهم بأن قتلهم سيقضي على الفتنة التي هددت وحدة المسلمين ، وأحدثت شرخاً كبيراً في الدولة الإسلامية . وقصة هؤلاء النفر كما يرويها الطبري بدأت حينما اجتمع عبد الرحمن بن ملجم و البراك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي وعابوا على ولاتهم وذكروا أهل النهر فترحموا عليهم قائلين ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً . إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة دينهم والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد ،وثأرنا بهم إخواننا فقال ابن ملجم :( أنا أكفيكم علي بن أبي طالب)وكان من أهل مصر وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له : هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال:وما ذاك؟ قال :قتل علي بن أبي طالب ، قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إداًّ كيف تقدر على علي بن أبي طالب قال : أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه ، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، وإن قُتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قال : ويحك لو كان غير علي لكان أهون عليَّ ، قد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبي  ، وما أجدني أنشرح لقتله قال :أما تعلم أنه قتل أهل النهر ، العباد الصالحين ، قال: بلى قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا ، فأجابه . فذهبا في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها علي رضي الله عنه وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيب بالسيف ووقع سيفه بعضادة الباب أوالطـاق وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف فقتل علي رضي الله عنه يوم الجمعة سحراً . وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة
قالت عائشة بنت الصديق رضي الله عنها لما بلغها مـوت علي رضي الله عنه :( لتصنع العرب ما شاءت ، فليس لها أحد ينهاها
ونقل جرير عن مغيرة أنه قال : لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرطة في يوم صائف ، جلس وهو يقول:إنا لله وإنا إليه راجعون ، وجعل يبكي ، فقالت : ويحك فقال: إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره)
لقد قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين وأول من أسلم من الغلمان دون البلوغ علي أيدي الخوارج ولم يلتفتوا إلى مكانته وفضله في الأمة فهو أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسباً لرسول الله  وهو الذي صحب رسول الله  مدة إقامته بمكة مقيماً في منزله وتحت كفالته ، وصحبه بعد ذلك وحضر المشاهد كلها وله مواقف شريفة في بدر وأحد والأحزاب وغيرها ، حتى توفى رسول الله  وهو عنه راض وقد شهر الرسول بحبه ولرسوله وبحب الله ورسوله له ، وزوجه ريحانته وأعلن أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، قتله الخارجي ابن ملجم وضربه بسيف الغدر قتله تقرباً إلى الله تعالى بزعمه وزعم الخوارج لأنه قد كفر بالله العظيم حسب تأويلاتهم وفقههم ، لقد كانت مؤامرتهم أعظم من ذلك ، لقد أردوا قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص ووصفوهم بأنهم الضلال ورؤوس الكفر وأن في قتلهم راحة البلاد والعباد وقربة إلى الله تبارك وتعالى بزعمهم وأنهم إن ظفروا بذلك فقد حازوا شرف الدنيا والآخرة لذلك كان ابن ملجم حين ضربه لعلي يقول ويردد بأعلى صوته
(لا حكم إلا الله ) وها هم الخوارج يمتدحون القاتل ويعظمونه لجليل فعله بزعمهم فقد قال شاعرهم ابن حطان :
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكـره يوما فأ حـسبه أو في البــرية عند الله ميزانا
هذا فقههم وهذا دينهم الذي ينخر في الأمة ويمزق وحدتها ويشغلها بنفسها عن الدعوة إلى دين الله ونشره في الآفاق بين عباد الله
ولهذه لما قتل علي رضي الله عنه أخرج ابن ملجم ليقتل فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع ، فجعل يقرأ أقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق حتى ختمها وإن عينيه لتسيلان فعولج على قطع لسانه فجزع فقيل له لم تجزع؟ فقال: أكره أن أكون في الدنيا مواتاً لا أذكر الله وكان رجلاً أسمر في جبهته اثر السجود
إنَّ التاريخ حافل بمؤامرتهم وحروبهم وخروجهم على أئمة الإسلام ونزع يد الطاعة وتأليب الناس عليهم وإشاعة الفوضى وزعزعة الأمن وإثارة الفتن في الأمة الإسلامية ، فلكم شغلوا خلفاء بني أمية بالحروب الداخلية وكم سفكوا دماء المسلمين ونهبوا أموالهم وهتكوا أعراضهم في شرق البلاد وغربها ، لقد انشغلت الدولة بهم شغلاً عظيماً أثناهم عن الفتوح والجهاد في الثغور الإسلامية وغيرها ، وكما فعلوا مع خلفاء بني أمية فعلوا مثله وأكثر مع خلفاء بني العباس ، كل ذلك وهم يتقربون بقبائحهم تلك إلى الله تعالى بزعمهم ، وما دخلوا يوما تحت سلطان وطاعة الحكام والأمراء والخلفاء ولم يعتقدوا لهم بيعة وطاعة في دين الله وما ذلك إلا لاعتقاد أنهم كفار خارجون عن دين الله فلا طاعة لهم ولا ولاية لأحد عليهم من المخالفين لهم في عقائدهم وأفكارهم تلك .
وإن محنة القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل والتي تولي كبرها في الأمة المعتزلة المعطلة محنة عظيمة يصفها الإمام ابن كثير رحمه الله بقوله : ( ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهماء فلا حول ولا قوة إلا بالله ) وقد ابتدأت هذه المحنة والفتنة من سنة 218 هـ في خلافة المأمون واستمرت في خلافة المعتصم وانتهت بعد خلافة الواثق في دولة بني العباس ، وقد تعرض فيها علماء أهل السنة لعذاب شديد كان بعده الفرج والرفعة في الدنيا والآخرة ,,,

المبحث الثالث :
تعريف الخوارج:
تعريف الخوارج في اللغة
قال ابن فارس:(خرج : الخاء والراء والجيم أصلان, وقد يمكن الجمع بينهما، إلاّ أنا سلكنا الطريق الواضح, فالأول : النَّفاذ من الشيء, والثاني: اختلاف لونين. فالأول: قولنا: خرج يخرج خروجاً )
تعريف الخوارج اصطلاحاً
قال ابن نجيم رحمه الله : ( الخوارج : قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتاله بتأويلهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله  )
وقال النووي رحمه الله : ( الخوارج : صنف من المبتدعة يعتقدون أن من فعل كبيرة كفر، وخلد في النار، ويطعنون لذلك في الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعات )
قال ابن تيمية رحمه الله : ( وهؤلاء الخوارج ليسوا ذلك المعسكر المخصوص المعروف في التاريخ بل يخرجون إلى زمن الدجّال)
وتخصيصه  للفئة التي خرجت في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما هو لمعان قامت بهم, وكل من وجدت فيه تلك المعاني ألحق بهم، لأن التخصيص بالذكر لم يكن لاختصاصهم بالحكم بل لحاجة المخاطبين في زمنه  إلى تعيينهم )
قال الآجري رحمه الله: ( لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسول وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم لأنهم قوم يتألون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين(
ولهذا عندما خرجوا لقتال علي رضي الله عنه: قال بعضهم لبعض تهيأ للقاء الرب الرواح الرواح إلى الجنة. وقالوا: والله ما قنعنا بالبقاء في الدنيا شئ بعد أخواننا الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو أنا شرينا أنفسنا لله والتمسنا غير هؤلاء الأئمة الضلال فثأرنا بهم إخواننا وأرحنا منهم العباد

المبحث الرابع :
مناظرة ابن عباس للخوارج :
أصل القصة
ناظر العالم الرباني ترجمان القرآن وخادم رسول الله عبد الله بن عباس الخوارج لبين لهم الفهم الصحيح للنصوص فرجع مَن رجع منهم، وبقي من لم يرجع على ضلاله وقصة مناظرته لهم في مستدرك الحاكم وفيها قول ابن عباس رضي الله عنه:
(أتيتكم من عند صحابة النَّبي  من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون،فعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بالوحي منكم، وفيهم أنزل، وليس فيكم منهم أحد، فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإنَّ الله يقول:  بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  يقصد عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد كان قرشيا وهو ابن عم رسول الله 
قال ابن عباس: وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهاداً منهم مسهمة وجوههم من السهر، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم فمضى من حضر، فقال بعضُهم: لنكلِّمنَّه ولننظرنَّ ما يقول قلت أخبروني ماذا نقمتم على ابن عمِّ رسول الله  وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا: ثلاثاً، قلت: ما هنَّ ؟ قالوا: أمَّا إحداهنَّ فإنَّه حكم الرِّجالَ في أمر الله، وقد قال الله تعالى :
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَِ 
وما للرِّجال وما للحكم، فقلت: هذه واحدة !!
قالوا: وأما الأخرى فإنَّه قاتَل ولَم يسْب ولَم يغنَم، فلئن كان الذي قاتل كفَّاراً لقد حلَّ سبيُهم وغنيمتهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم، قلت: هذه ثنتان فما الثالثة ؟؟
قالوا: إنَّه مَحا نفسَه من أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين قلت: أعندكم سوى هذا؟ قالوا حسبنا هذا !!!
فقلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنَّة نبيِّه ما يُردُّ به قولُكم أتَرضَون ؟ قالوا: نعم!
فقلت: أمَّا قولكم: حكَّم الرِّجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم ما قد رُدَّ حكمُه إلى الرِّجال في ثمن ربع درهم، في أرنب ونحوها من الصيد فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ 
فناشدتكم الله :
أحُكم الرِّجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟! وأن تعلموا أنَّ الله لو شاء لَحَكم ولَم يُصيِّر ذلك إلى الرِّجال، وفي المرأة وزوجها قال الله عزَّ وجلَّ:  وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًان يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا 
فجعل الله حكم الرِّجال سنة مأمونة، أخَرَجتُ من هذه؟ قالوا: نعم! قال: وأمَّا قولكم: قاتل ولم يسْب ولم يغنم، أَتَسبُون أمَّكم عائشة، ثمَّ تستحلُّون منها ما يُستحلُّ من غيرها؟! فلئن فعلتم لقد كفرتُم، وهي أمُّكم، ولئن قلتُم: ليست أمَّنا لقد كفرتُم!!!
إنَّ الله يقول: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ  فأنتم تدورون بين ضلالَتين أيّهما صرتُم إليها صرتُم إلى ضلالة، فنظر بعضُهم إلى بعض، قلت أخرجتُ من هذه؟ قالوا نعم! وأمَّا قولكم: مَحا اسمَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمَن ترضَون وأريكم، قد سمعتُم أنَّ النَّبيَّ  يوم الحُديبية كاتَبَ سُهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب، فقال رسول الله  لأمير المؤمنين اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله فقال المشركون: لا والله! لو نعلم أنَّك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله : اللَّهم إنَّك تعلمُ أنِّي رسول الله، اكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، فو الله لرسول الله خيرٌ من علي وما أخرجه من النبوة حين محا نفسَه
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه :( فرجع من القوم ألفان وقُتل سائرُهم على ضلالة )
المبحث الخامس :
دروس مستفادة من الأثر :
 الدرس الأول 
لقد أتى الخوارج من قبل فهمهم السقيم لنصوص الشرع ويرجع ضلالهم إلى أسباب أهمها:
1/ فهم النصوص ببادئ الرأي، وسطحية ساذجة، دون التأمل والتثبت من مقصد الشارع من النصوص، فوقعوا في تحريف النصوص وتأويلها عن معناها الصحيح.
2/ أخذهم ببعض الأدلة دون بعض، فيأخذون بالنص الواحد ويحكمون على أساس فهمهم له دون أن يتعرفوا على باقي النصوص الشرعية في المسألة نفسها، فضربوا بعض النصوص ببعض وبهذا أسكتهم ابن عباس رضي الله عنه فقد كان يأتيهم بباقي الأدلة في الموضوع نفسه، فلا يجدون لذلك جواباً وسبب ضلال الخوارج هو سبب ضلال طوائف عديدة من المسلمين
 الدرس الثاني 
الحرص على وحدة المسلمين وجماعتهم، وتوحد صفهم وهذا ظاهر من موقف على رضي الله تعالى عنه ابتداء حين جعل يأتيه الرجل فيقول يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك فيقول دعهم حتى يخرجوا، فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوا وسوف يفعلون فكان رضي الله عنه حريصًا على أن لا يأتي إلى الخوارج بشيء من القتال ونحوه يفرق به المسلمين، ويضعف شوكتهم ما لم يخرجوا هم عليه أو يؤذوا المسلمين ببدعتهم وهذا الأصل متمثل أيضًا في موقف ابن عباس رضي الله عنهما في حرصه على الخروج إليهم وانتدابه نفسه للتفاهم معهم، وتفنيد شبهتهم وإرجاعهم إلى الحق.فهذا الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون من الامتناع عما يضعف شوكتهم، ومن بذل الجهد في جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم،
 الدرس الثالث 
إن وحدة المسلمين بمعناها الشرعي الصحيح، تعني أن يعودوا جميعًا إلى الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله  على فهم السلف الصالح، هكذا وهكذا - فقط - يمكن أن نتحد، وهذا هو السبيل الوحيد لوحدة الصف، وهذا الذي سلكه ابن عباس وأقره عليه على رضي الله تعالى عنهما جميعا
ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج حتى يعيدهم إلى الصف الإسلامي، فبين لهم أولاً وقبل أن يناظرهم المنهج الصحيح، فقال: ( أرأيت إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيه مالا تنكرون ...) إذن هو الكتاب والسنة والعودة إليهما، وقد كان صرح لهم قبل ذلك بالفهم الذي ينبغي أن نفيء إليه إذا اختلفت أفهامنا فقال: (جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله  ومن عند صهره، عليهم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله ) فما أنصع هذا المنهج وما أشد وضوحه، الرجوع إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح
وبعد أن بين لهم المنهج شرع يدحض حجتهم ، ويفند شبهتهم ويوضح فساد منهجهم فمن عاد منهم وتنازل عن معتقداته وآرائه، واعتقد اعتقاد جماعة المسلمين فقد عاد إلى الصف، ومن أبى وأصر على معتقده فهو خارج على الصف ولا سبيل للوحدة معه، بل عندما آثار بقية الخوارج الفتنة، قام إليهم علي رضي الله عنه فقاتلهم ولم يتحرج في ذلك.
 الدرس الرابع 
الحكم في تقييم الرجال : إن أحوال الخوارج من كثرة العبادة والاجتهاد فيها غير خافية على أحد وقال ابن عباس في وصفهم كما في هذا الأثر: (لم أر قط أشد اجتهادًا منهم أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود ) ومع كل هذا فلقد أتوا ببدعة خطيرة، ووضعوا بذور الخلاف بين المسلمين وليس من مسلم سليم العقيدة إلا ويذكرهم في معرض الذم ولم يذكرهم العلماء في مصنفاتهم إلا للتحذير من بدعتهم وبيان فساد معتقدهم دون أدنى فخر واعتزاز بعبادتهم
إن المنهج الإسلامي الواضح، يدلنا على أنه يجب تقييم الرجال أولاً من منطلق معتقداتهم وتصوراتهم، وجميع السمات الأخرى إذا أقرها الشرع تأتي بعد ذلك لا قبله. فلو انطلقنا في الحكم على الخوارج من خلال شدة اجتهادهم في العبادة وجعلنا ذلك هو المقياس الأول في الحكم عليهم، لكان ينبغي أن نجلهم ونحترمهم، فنرفع درجتهم حتى فوق درجة الصحابة، إذ يقول الرسول لصحابته في شأن الخوارج:
(تحقرون صلاتكم مع صلاتهم) ولكن الأمر يختلف تمامًا، ويعود إلى نصابه الصحيح،عندما يحكم عليهم خلال معتقداتهم وتصوراتهم فنرى أنهم قد ابتدعوا في دين الله بدعة خطيرة فاحشة، فوضعوا بذور الخلاف والفتنة.
إن الاعتقاد الصحيح، يليه العمل الصالح،هو الذي يُميز المسلـم الحق المنتمي إلى أهل السنة والجماعة، أما كل الاعتبارات الأخرى فإنه يشترك فيها المسلم الحق مع غيره من أهل البدع والضلال. فلا ينبغي أن تكون معيارًا أساسيًا.
لقد شاع تعظيم بعض الرجال وتقديسهم على ما هو أقـل من ذلك، مثل قدمه في مجال الدعوة، أو كثرة الأفراد الذين اهتدوا على يديه، أو شدة التعذيب الذي لاقاه في السجن ،أو أنه أمضى حياته في أرض الجهاد, ولا نعني بكلامنا أبداً أن مثل تلك الأعمال لا وزن لها، بل لها فضل عظيم إن صح الأصل الأول، وحتى لو لم يصح فنحن نعترف بالحق، ونثبت الفضل لكل صاحب فضل،ولكن المحظور هو الانسياق وراء العواطف الجيِّاشة بحب الله والجنة ،فنعظم الرجال ونتحمس لهم، ونشهد بعدلهم وصدقهم ونزاهتهم، بل وكثيًرا ما نسمع من يشهد لهم بالجنة !! لأجل اعتبار من تلك الاعتبارات.
الدرس الخامس 
إن تبني الخوارج لموقفهم ابتداء لم يكن عن تثبت وتمحيص ونظر ولذلك فقد زالت شبهتهم، ودحضت حجتهم بعد دقائق معدودة من بداية المناظرة، وإن كان القسم من الخوارج الذي فاؤوا إلى الحق يمدحون على ذلك لتجردهم وعودتهم إلى الجادة الصحيحة حينما تبين لهم ذلك دون مماراة ولا مماطلة، وإن كانوا يمدحون على ذلك فإنهم ينتقدون على سرعة تبنيهم للفكرة ابتداء دون تثبت وتمحيص.إن الذين لا يعتنقون الفكرة عن اقتناع عميق بالفكرة ذاتها، وبعد تثبت من أدلتها الشرعية الصحيحة بمنهج سليم، يكثرون التنقل.
( الدرس السادس 
إن مخالفة ابن عباس التامة للخوارج في جميع الأفكار والتصورات لم تمنعه من العدل في القول، فقد كان بمقدوره السكوت لكن العدل مع المخالفين جعله يصفهم بما وجد فيهم قال : ( فدخلت على قوم لم أر قط أشد اجتهادًا منهم في العبادة ) فعلى العاملين في حقول الدعوة إلى الله الاتصاف بالعدل مع مخالفيهم، وعدم الامتناع من ذكر محاسنهم، بل ويحرصوا على أن يستفيدوا منها
الدرس السابع 
ما كان هذا الدرس بحاجة إلى أن يذكر لظهوره ووضوحه وكثرة الأدلة عليه، لولا أن التفريط فيه قد وقع من كثير من العاملين للإسلام فضلاً عن عامة الناس، ألا وهو الحرص على صلاةالجماعة ولقد سمعنا حوادث عديدة عمن يفرطون في حضور الصلاة جماعة مع المسلمين في المساجد بحجة انشغالهم بطلب العلم، أو ببعض البحوث الهامة، أو أنه وإخوانه يتداولون أمرًا يهم المسلمين فيعتذرون بذلك عن تفويتهم الجماع فعلى هؤلاء وغيرهم، أن يتأملوا في حال ابن عباس، وقـد انتدب نفسه لمهمة عظيمة، لا شك في أن فيها مصلحة للمسلمين، ومع ذلك فحرصه على صلاة الجماعة شديد إذ يقول لعلي رضي الله عنه ( أبرد عن الصلاة، فلا تفتني حتى آتي القوم فأكلمهم )
 الدرس الثامن 
ينبغي على الدعاة إلى الله عز وجل، من أصحاب المنهج الصحيح ألا ييأسوا من عودة الطوائف المنحرفة إلى المنهج القويم ممن أمعنوا في الضلال، فهاهم الخوارج على شدة بدعتهم وتمسكهم بها (حتى أن عبد الرحمن بن ملجم قد قتل عليًا تقربًا إلى الله بقتله) ومع ذلك فقد عاد منهم كثير إلى الحق بعد أن تبين لهم، فلا ينبغي أن نيأس من عودة تلك الطوائف المنحرفة إلى الحق، خاصة وأن كثيرًا من المنتسبين إليها هم من الأتباع حجبهم مشايخهم و متبوعوهم عن الاستماع للمخلصين خوف تذبذب موقفهم وتخليهم عنهم، فلم يصل الحق إلى كثير من الأتباع حتى تحصل لهم المقارنة بينه وبين ما هم عليه.فعلى الدعاة إلى الله أن يحرصوا على الوصول إلى الأتباع بعيدًا عن الملأ والمشايخ والقادة هذا، ولا يزال في القصة دروس عظيمة، منها أسلوب المناظرة والجدل مع أهل البدع ولعلنا نفرد هذا في مقال خاص، ونشير في الختام إلى بعض الدروس الأخـرى التي لا يتسع المقام للتفصيل فيها، ولعل في الإشارة إليها كفاية لأولي الألباب ففيها أن ينتدب الكفء نفسه للمهام وأن الإخلاص وحده لا يكفي في صحة العمل، وأن على الداعية أن يغشى الناس في مجالسهم، وعليه أن لا يستثار لانتقاد ذاته، وفيها أيضًا استئذان الفرد قائده إذا هم بفعل ما.
قال ابن كثير رحمه الله ) :وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم فسبحان من نوع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم . وما أحسن ما قيل عن الخوارج إنهم المذكرون في قوله تعالى قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحسِنُونَ صُنْعًا 
والمقصود أن هؤلاء الجهلةُ الضُلال والأشقياء في ألأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين ،وتواطئوا على المسير إلى المدائن ليملكوها على الناس و يتحصنوا بها ويبعثوا إلى أخوانهم وأضرابهم ممن هو على رأيهم ومذهبهم ، من أهل البصرة وغيرها ، فيوافوهم إليها ، ويكون اجتماعهم عليها ، قال لهم زيد بن حصين الطائي إن المدائن لا تقدرون عليها فإن بها جيشاً لا تطيقونه وسيمنعونها منكم ، ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخا ، ولا تخرجوا من الكوفة جماعات ، ولكن اخرجوا وحداناً لئلا يُفطن بكم فكتبوا كتاباً عاماً إلى من هم على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يداً واحدة على الناس ثم خرجوا يتسللون وحداناً لئلا يعلم أحدٌ بهم فيمنعوهم من الخروج فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابة ، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات ، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر والذنوب والموبقات والعظائم والخطيئات , وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السموات الذي نصب العداوة لأبينا آدم ثم لذريته مادامت أرواحهم في أجسادهم وقد تدارك جماعةٌ منهم بعض أولادهم وقرابتهم وإخوانهم فردوهم ووبخوهم فمنهم من استمر على الاستقامة ، ومنهم من فر بعد ذلك ، فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة ، وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ، ووافى إليهم كاتبوه من أهل البصرة وغيرها ، واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة ، وهم جندٌ مستقلون وفيهم شجاعةٌ وثباتٌ وصبرٌ وعندهم أنهم متقربون بذلك إلى الله عز وجل ، فهم قومٌ لا يصطلى لهم بنارٍ ولا يطمع أحدٌ أن يأخذ منهم بثأرٍ وبالله المستعان.
هناك جذور وأسباب كثيرة للإرهاب فمنها ما هو ديني يغذيها رصيد عقدي أو مذهبي وربما كانت الأسباب نفسية بحتة بقصد لفت النظر إلى الفاعل أو تفريغ شحنة نفسية أو حسداً لمن تقع الجريمة ضده .وهناك جذور اجتماعية كالاختلاف من حيث الشعب أو القبيلة أو الحزب أو الفئة أو نحو ذلك مما يؤدي ببعض المظلومين إلى الخروج عليهم بعمليات يطلق عليها أصحابها فدائية وجهادية ويطلق عليها شرعا إرهابية ولعل أخطر أنواع الإرهاب على الإطلاق تلك المدعومة بفكر ديني متطرف حيث يتم تجنيد الشباب وبخاصة السطحيون منهم للقيام بعمليات انتحارية يرجون من ورائها الجنة ورضا الرب عز وجل بينما هم في الحقيقة يقومون بأعمال تبعدهم عن الرب سبحانه وتجعلهم أهلا لسخطه ومقته وعذابه .

المبحث الخامس :
حقيقة الإرهاب الديني :
إن هؤلاء الإرهابيين يكشفون في الحقيقة عن تبعية عمياء لما يُملى عليهم مما يدل على ضحالة فكرهم وسذاجة تفكيرهم وبالتأمل يتضح أن جميع الاعتداءات الإرهابية التي نفذت على أرض هذه البلاد قام بها أشخاص يحملون أفكاراً منحرفة عقدياً يريدون أن يفرضوا قناعاتهم على البلاد والعباد بالإرهاب وترويع مجتمع مسلم اختار منهجه في الحياة انطلاقاً مما جاء في القرآن الكريم وسنة رسولنا  واسترشادا بما كان عليه الصحابة والتابعون ومراعاة لمقتضيات المصلحة العامة للبلاد ومواطنيها والمقيمين على أرضها والتعامل بإدراك ووعي مع المتغيرات التي يشهدها الزمن الحاضر والتي لا يمكن لأي مجتمع معاصر أن يتجاهلها أو يتغافل عنها محافظة على كينونته ومصالحه من جهة وبناء مستقبل أفضل لأجياله الناشئة من جهة أخرى )
وفعلاً إن كثيراً من هؤلاء الذين فجروا أنفسهم ودمروا غيرهم أو أولئك الذين تم القبض عليهم قبل ممارسة فسادهم وإرهابهم من صغار السن والمنحرفين فكرياً حيث تم استقطابهم وتضليلهم من قبل محترفين في نشر الإرهاب وإزهاق النفوس وتدمير المال العام والخاص وقد قاموا بتغسيل أدمغة الشباب من خلال اجتماعاتهم بهم في خلاياهم الخاصة أو عن طريق كتب وأشرطة مشبوهة
أعتقد أن الغلو الفكري أحد المسببات الرئيسة للإرهاب وجذوره المتجددة في الإسلام وخصوصاً الغلو المتصف بعدم قبول الرأي الآخر فإن هذا النوع من الغلو يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة في التفاصيل والجزئيات فضلاً عن الكليات والثوابت التي لا يختلف فيها خصوصاً لأتباع الدين الواحد وتبعاً لهذا الادعاء فإن أصحاب هذا النوع من الآراء يحاولون دائماً إقصاء الآخر والآخر هنا يعني كل من يخالفهم في الرأي ولو جزئياً وللإقصاء عدة مظاهر أقلها نسبة الضلال للآخر وأكثرها نسبة الكفر والشرك له )
وبناء على ذلك فإن هذا الفكر المنحرف يحاول إلغاء الآخر تماماً ومحوه إما بضمه إلى خطه إن استطاع أو بتصفيته وإنهائه من الوجود ويتوسل إلى هدفه بكل وسيلة حتى ولو كانت هي الإرهاب والعنف لكنه لا يسمي ذلك عنفاً أو إرهاباً أو تطرفاً بل يغلفه باسم الجهاد ويعد أتباعه من الشباب والجهلة بأن ما يقومون به من اغتيالات وتخريب للممتلكات وإزهاق للأنفس عين الصواب بل هو الطريق إلى الجنة وهو الجهاد المأمور به من الله عز وجل ومن مظاهر الإرهاب خطف الطائرات والقطارات والحافلات وهذا الشكل من الإرهاب قد يقوم به فرد وقد يقوم به جماعة ويختلف السبب المؤدي لذلك باختلاف الخاطف فقد يكون هارباً يطلب اللجوء إلى بلد آخر وقد يكون مبتزاً يطلب فدية وأموالاً وقد يكون ذلك لطلب تحرير سجناء أو للإعلام ولفت الأنظار أو لزعزعة النظام والسلام أو غير ذلك .وكما تخطف الطائرات فقد يخطف الناس ، فقد يخطف طفل بريء لعائلة غنية بغية الحصول على فدية مالية وقد يخطف بعض الساسة لإحراج الحكومات وابتزازها.
ومن مظاهر الإرهاب المعروفة في هذا الزمان تفجير المجمعات السكنية كما حصل في الرياض وغيرها وتدمير أماكن اللهو كما حصل في موسكو وبالي بإندونيسيا وتدمير أنفاق المترو ( قطارات تحت الأرض )كما حصل في اليابان وحصل منذ فترة وجيزة في موسكو ومن مظاهره ما يسمى بإرهاب الدولة ، حيث الحكم بالحديد والنار وممارسة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات ولعل المقابر الجماعية التي اكتشفت أخيراً في العراق خير دليل على ذلك
وقد برعت إسرائيل في هذا اللون من الإرهاب ولها ممارسات يومية ضد الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم فهي تهدم المنازل وتزيل الأشجار وتخرب المزارع وتقتل الناس وتمنع عنهم سائر سبل العيش الكريم بغية تركعيهم وانقيادهم لمخططاتها وقد برعت إسرائيل بالذات في صيد القيادات وتدميرهم في سياراتهم أو منازلهم بطائراتها وكذلك نجحت في خطف كثير من الساسة لتزج بهم في السجون أو تغتالهم ولها يد طولى في هذا اللون من الإرهاب تتعدى حدودها وقد وصلت سابقاً إلى تونس وإلى بلدان أخرى مجاورة لها أو بعيدة عنها للفتك بمن تريد الفتك بهم . وسهل ذلك غلو بعض أهل الإسلام في النصوص الشرعية وفهمها فهما خاطئا سهل للكفر وأهله التسلط على ديار المسلمين وثرواتهم أو ربما أندس الأعداء بين المسلمين لتفريق وحدتهم والنيل من مقدراتهم وإضعافها لتكون فريسة سهلة للافتراس وقد حصل ذلك خلال قرون مضت تم استعراضها خلال الأسطر الماضية من كل هذا وغيره يتضح أن الدين الإسلامي لا علاقة له بالتطرف والعنف والإرهاب وذلك بمفهومه الخاص لا من قريب ولا من بعيد فهو دين التسامح الذي ينبذ التطرف والغلو ويدعو إلى الوسطية والسلام والاعتدال .
إن الإسلام يدعو لمراجعة النفس بحثا عن مواطن الخلل والرجوع إلى الحق ويعد ذلك فضيلة ومنقبة وبكل صراحة ووضوح إن بعض ما تُسمى بالجماعات الإسلامية تحتاج إلى مراجعة وأن هناك خطأ ما في خطابها الديني يتركز في افتقاره للبعد المعنوي إنه من التجني على الإسلام والمسلمين نسبة الإرهاب إليهم بسبب دينهم فهناك الكثير من العصابات الإرهابية في الزمن الحاضر وعبر العصور القديمة التي مارست أشد الفتك وأعنفه وعاثت في الأرض فساداً ولم تعرف شيئاً عن الإسلام لا اسماً ولا رسماً ولم تتصل بجماعة إسلامية فجماعة الألوية الحمراء الإيطالية والجيش الأحمر الياباني وحركة القوميين الباسك والجيش الجمهوري الأيرلندي ونمور التأميل في سيرلانكا وبادرماينهوف في ألمانيا والطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي والنمور السود في أمريكا وغيرها من المنظمات الإرهابية كلها مارست العنف والإرهاب والابتزاز ولم يربطها أحد بأي دين وهذا هو المطلوب لأن الأديان - كل الأديان - تدعوا إلى الخير وتنهى عن الشر وإن اختلفت في ذلك نسبياً أو نوعياً والإسلام يأتي في المقدمة فهو الدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان فعلينا إذاً الرجوع إلى الكتاب والسنة لنستخرج منهما حاجاتنا من النصوص المربية للنفس الإنسانية على الحب والوئام والرحمة والألفة والعدالة واحترام حقوق الناس و نضمنها خطابنا الديني لنرى كيف يتغير الحال ويعود السلام إلى الأرض كما يعود الإسلام إلى سيادته وعزه ..

الباب الثاني المجتمع والإرهـاب 
الفصل الأول:
المجتمع وحاجته للأمن :
إنَّ الأمن ضرورة ملحة للمجتمع الإسلامي إذ به تتحقق رفاهية الفرد ويعم الخير جميع أفراده ويرتقي به المجتمع إلى مصاف الدول المتحضرة لذا نجد الإسلام قد أولاه اهتماماً بالغاً ونوه عنه في تشريعاته لقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة المطهرة تؤكده وتحث عليه وتأمر به ،تـأمل قوله تعالى:  الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ 
أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن الكامل في الدنيا والآخرة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قال تعالى :  وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ 
إن من لا هم له إلا إهلاك الحرث والنسل بالقتل والسبي أو بالإضلال المفضي إلى القتل والسبي يعتبر جريمة في حق المجتمع فالأمن ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها حياةُ البشرية، ودعامة كبرى يرتكز عليها إبداع وعطاء الإنسانية ومقصِدٌ سام، يتطلع لتحقيقه الأفراد والجماعات، وتسعى لتوفيره الدول والحكومات، ويرتبط ما يطمحُ إليه المجتمع من رقي وازدهار، بقدر ما يتحقق في أرجائه من أمنٍ واستقرار، ويتعطشُ المجتمع للأمن كلما حَلَّت المآسي والنكبات، ولامست أرجاءه القلاقل والاضطرابات والمجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات بتشريعاته الفريدة، في ضبط الأمن ونُظُمِه الخاصة، التي يستقيها من عقيدته الصافية، ويستمدها من جوهر شريعته الغراء السامية فوحدته قوية، ورابطته وثيقة، عَمَّت أفراده على اختلاف ألوانهم وتعدد أجناسهم، وتفاوت مستوياتهم،وإذا جئنا إلى الأحاديث المروية عن رسول الله  ، نجدها تجسّد مبدأ الأمن )
ولذا لما دخل  مكة فاتحاً بدأ به فقال  مقالته المشهورة
( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن )
وختم  حياته الكريمة بترسيخ هذا المبدأ فقال  في حجة الوداع أمام الناس يسمعها الحاضر ويبلغها للغائب ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)
ولم يكتف الإسلام في تشريعاته على الأمر به والحث عليه ، بل إنه وضع عقوبات زاجرة لمن يخل به ، خذ مثلاً قوله تعالى :
 إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  فلاجزاء للذين يحاربون الله ورسـوله ويسـعون في الأرض فساداً، إلا ما ذكر الله من التقـتيل أوالتصلـيب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، أو النفي من الأرض لأنه اعـتداء على الحق والعدل الذي أنزله وقوله تعالى وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا  أي يفسدون لما صلح من أمور الناس في نظام الاجتماع وأسباب العيش ) وفي هذا أبلغ الأثر في الردع والزجرلإن إيجاب العقوبات في الإسلام لمن ينتهك الأمن يعتـبر حماية من حدوث الفوضى والاضطراب في المجتمعات فالأمن بكل جوانبه عملية مهمة لا بد من تضافر الجهود لتحقيقها فالكل مسؤول عنها المسجد ، والبيت, والأسرة, والجامعة,والقضاء والمؤسسات على اختلافها شرعية وتربوية وأمنية حيث يعد الأمن ركيزة هامة للحياة والشعور بالإستقرار لكافة أفراد المجتمع منذ الولادة ومرورا بالطفولة والفتوة والشباب وإنتهاء بالكهولة والعجز فالأمن نعمة عظيمة لا تقدر بثمن مهما كان فاستتباب الأمن في حياة الأفراد والشعوب نتيجة للحب والولاء واحترام حقوق الغير والقيام بوجبات الضيافة والوفادة لغير المسلم في المجتمعات المسلمة ومنحهم كافة حقوقهم الشرعية والأمنية التي يتعبد المسلمون بها ربهم ولايخالفونه .

الفصل الثاني  دور مؤسسات المجتمع 
المبحث الأول :  المسجــد 
المطلب الأول : أهمية المسجد
ينظرُ الإسلام إلى المسجد نظرة خاصة وهامة، من حيث اعتبارها ميداناً واسعاً، ومكاناً رحباً، يُعْبَدُ اللَّهُ تعالى في أرجائه ، ويطاع في سائر نواحيه وأجزائه, ولذا منحه فضائل فريدة، وميَّزَه بخصائص عديدة، باعتباره منطلق الدعوة إلى الخالق جل وعز ومركز الإشعاع الأول، الذي انطلقت من جنابته أحكام التشريع وانبعثت من ردهاته أشعة الإيمان ولقد عَظَّم الإسلامُ المسجد وأعلى مكانتَه، ورسَّخَ في النفوس قدسيتَه، فأضافه اللَّهُ تعالى إليه إضافةَ تشريفٍ وتكريم فقال تعالى:  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا
فالمسجد يحتل مرتبةً مميزة ومعظمة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان فرسالة المسجد شاملة ومتنوعة، وضافية ومتعددة، تنتظم مجالاتٍ مختلفة لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية، التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبحُ فيهم جموح الغرائز وشهواتها، وترسّخ أواصر المحبة، وروابط الألفة بين الأفراد، وبسط الأمن الوارف في ربوع المجتمع، ونشر الاستقرار والاطمئنان في أرجائه، وتوطيد قواعده، وتثبيت دعائمه .
المطلب الثاني : المسجد مصدر الأمن والأمان
للمسجد قدسية خاصة، ففيه آياتُ القرآن الكريم، ويسمع في أنحائه كلُّ ما يطهر القلوب، ويصفي النفوس، وينقي الأفكار والأذهان، ويزكي الأرواح ويهذبها، ويغذيها ويشحنها بروح اليقظة الإيمانية، والاستقامة السلوكية.فكلما ازداد تردد المسلم على المسجد، كلما ازداد تعلقا به، والتصاقا بخالقه، فحاسب النفس وابتعد عن النوازع العدوانية، والدوافع الإجرامية.
إن الفرد حين يلتصق بالمسجد التصاقا وثيقا، ينعكس أثر ذلك إيجابا على المجتمع بأسره، حين يتلقى في المسجد معاني الفضيلة وسمات الصلاح وقيم الإسلام السامية ، التي تشيع في النفوس الاطمئنان، فتستقيم على المنهج الحق، وتنحسر فيها دواعي الشرور والإفساد, والتفكير في دورب العنف والتطرف بمحافظته على الصلاة فهي مصدر الأمن والاستقرار، وينبوع السعادة والاطمئنان ونهر الوسطية والاعتدال .
قال ابن تيمية رحمه الله :( القلبُ فقيرٌ بالذات إلى الله تعالى من جهتين: من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل.
فالعبادة تأطرها على أن تكون منبع خير وأمان، ومصدر ضبط واعتدال واتزان فإذا اصطبغت بذلك نفوس المصلين، وأصبح سلوكها تبعاً للوحي الإلهي، والنهج القرآني، سار المجتمع بأفراده على الصراط السوي، وسلم من كل ما يعكر صفوه، أو يثير في أوساطه ما يزعزع أمنه وبذلك يظهر الأثر القوي، والدور الحيوي للمسجد في ترسيخ دعائم الأمن، وتوطيد قواعد الاستقرار في ربوع المجتمع، فالصلاة ذات أثر مباشر في تقويم سلوك الأفراد، وهي وسيلة فاعلة للوقاية من الانحراف والجريمة .
المطلب الثالث : دور المسجد في التوعية بالجرائم الأمنية
المساجد هي صمام الأمان للمجتمع الإسلامي، ولا تستقيم حياة مجتمع دون توفر الآمان لأفراده وجماعاته، إضافة إلى ما يقوم به المسجد من عملية تأمين للمجتمع من الأفكار والأفعال المنحرفة ويظهر ذلك في محاربته لآثار هذه الأفكار الوافدة التي تدعو إلى الشك والإباحية والفساد الخلقي والاجتماعي. وفى هذا الإطار يبرز ما امتازت به الشريعة الإسلامية من مبادئ أساسية في العبادات والمعاملات، وإصلاح الحياة الاجتماعية بصورة يسود فيها الأمن والعدل بين الناس، وصيانة الحريات الخاصة بالأفراد والحقوق العامة للجماعة على أن الدور الذي لعبه المسجد في توجيه الناس وإرشادهم على مدي التاريخ الإسلامي لم يكن مستقلاً عن بقية هيئات المجتمع فكان المسجد يشعّ على كلّ هيئات ومؤسسات المجتمع أنوارَ الهداية والرّشاد. وحين نستعرض بعض الآثار التي تركها المسجد على مؤسسات المجتمع فإننا لا نجد مؤسسة من هذه المؤسسات إلا ولها صلة مباشرة بالآثار الإيجابية للمسجد. فدور المسجد هو العمل على تلقين النّاس الدّين الحق بلا غلو ولا تفريط
المبحث الثاني :
خطبة الجمعة وأثرها في أمن المجتمع :
خطبة الجمعة مشكاة من النبوة ، ومنبع من النور والتقى، ومنارة حق للأمن والسلام والهدى، فدورُها في حياة المجتمع المسلم واضح لا يخفى، وراسخ لا يُنسى، فهي الدعامة الأولى، والركيزة الكبرى لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتعميق الوحدة ونبذ الفرقة، وتغذية الأمة بالتوجيه الروحي والفكري ولئن كانت تلكم المعاني ثابتة لمن تأمَّل خطبة الجمعة ، إلا أنها لن تكون ذات أثر فاعل إن لم يكن القائم بها على قدر من المسؤولية والقدرة على إ براز تلك المعاني وإظهار القيم السامية لدورها المؤثر في حياة الفرد والمجتمع
فالمسجد يتوافد عليه في يوم الجمعة أعداد كبيرة لسماع الخطبة والإنصات لها لذلك فهم يحتاجون إلى التذكير والتنبيه، واستغلال حضورهم للإرشاد والتوجيه ، ومعالجة مشكلات المجتمع، والإسهام في إصلاح الحياة العامة، وإعادة الفرد إلى قواعد الدين ومبادئه وإشاعة روح المودة والإصلاح بين الناس وإن خطيب المسجد وإمامه أشد فاعلية، وأكثر وقعاً في نفوس الجماهير، من أي وسيلة أخرى يمكن أن تؤثر في المجتمع
خطيب الجمعة يقتلع جذور الشر في نفس المجرم ، ويبعث في نفسه خشية الله تعالى ، وحب الحق ، وقبول العدل ومعاونة الناس وإصلاح الضمائر ، وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة، وبناء الضمائر الحية ، وتربية الروح على الآداب الفاضلة والأخلاق الحميدة، وتسكين الفتن، وتهدئة النفوس , فهو يستقي التوجيهات من كتاب الله وسنة رسوله  ولكي تكون خطبة الجمعة قوية لها أثرها البالغ اعتنى العلماء والفقهاء بها العناية الفائقة , وذكروا عوامل رئيسة لنجاحها و عظيم فائدتها ..

المطلب الأول :
عوامل نجاح الخطبة :
فهم الواقع 
ولا يمكن أن ينجح الخطيب في أداء مهمته على الوجه المطلوب، إلا إذا استطاع الأخذ بألباب سامعيه، بالأسلوب البليغ، والحجة الظاهرة، والخطبة الباهرة، والإثارة والتشويق، وأنى للخطيب أن يفيد إن لم يراعِ مقتضى الحال، فلكل مقام مقال ، فيجدر به مواكبة الأحدث، ومسايرة الوقائع، وملائمة موضوع الخطبة للأحداث الجارية، والملابسات الواقعة، فالكلام في حال الأمن يختلف عنه في حال القلق، واختلاف الظروف وتقلبات الأحوال تتطلب من الخطيب أن يكون فطناً مسايراً لما يحدث حوله، وأن لا يكون في وادٍ، وحال المجتمع في وادٍ آخر، كأن يكون بعيدا عن تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، ورد الشبهات والأباطيل التي يثيرها خصومه لبلبلة الأذهان، ومواجهة الأفكار الهدامة والمضللة، بتقديم الإسلام الصحيح، وإبراز خصائصه من السماحة والشمول والتوازن والعمق والإيجابية. فيجب لتحقيق الهدف المنشود من الخطبة ربطها بأحداث المجتمع، وبالواقع الذي يعيشه الناس، والتركيز على علاج أمراض المجتمع، وتقديم الحلول لمشكلاته. كما يجب تثبيت معنى الأخوة الإسلامية،ومقاومة النـزعات والعصبيات العنصرية المفرقة للأمة، المشتتة لشملها، والمثيرة للأحقاد والبغضاء.
 الحث على طاعة ولي الأمر
ينبغي لخطباء المساجد التركيز على أمن المجتمع واستقراره وإشاعة السلام والطمأنينة في سائر أرجائه، وتخليصه من أسباب الفرقة وبواعث الشر والخلاف، ومن أهم ما ينبغي طرقه وتذكير الناس به، والتعرض له بين الفينة والأخرى وبالأخص في أوقات المحن والشدائد، كما يجب عليه أن يحفز المصلين على تقوية إيمانهم وترسيخه في قلوبهم، ليثمر الشعور بمراقبة الله تعالى، وخوفَهم من عذابه، وأليم عقابه، ويدعوهم إلى الاستقامة السلوكية، وتصحيح المواقف، وتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع الشرور والمفاسد بالتأكيد على الضمانات الأمنية والوسائل الكفيلة بترسيخ أمنه والمحافظة عليه التي من أهمها طاعةُ ولاة الأمر، فهي أصلٌ مهم وقاعدة كبرى، ومنهج واضح، وأساسٌ قوي لتحقيق الأمن الاجتماعي، واستقرار البلاد، واطمئنان الرعية بوجوب طاعة ولي الأمر، وتحريم عصيانه أو الخروج عليه، ففي الطاعة اجتماع لكلمة المسلمين، وفي العصيان فسادٌ للأحوال في الدارين، وما نزعت يد من طاعة إلا وصافحها الشيطان، فا العاقل يدرك خطورة عصيان ولاة الأمر، وما يجلبه من شرور عظمى، وأخطار ومفاسد كبرى ويعلم ما في الطاعة من الخير والهدى، وتحقيق السعادة، واستتباب الأمن، وترابط المجتمع وتماسكه، ونصرة المظلوم، ودحر الباطل والجور، والعناية بمصالح العباد والبلاد، وحماية الحياة الاجتماعية من الفوضى والاضطراب، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين وردع البغاة والمجرمين.
إن طاعة ولي الأمر، واحترام شخصيته وهيبته، مما هو واجب على الرعية لما في مخالفة ذلك من نشر المفاسد، وإثارة الفتن والقلاقل مما لا يمكن رده ولا دفعه، فذوو العقول السليمة، والفطر المستقيمة يدركون أهمية الطاعة، ويقدرون العواقب، طريقهم طريق الحق والهدى، ويلتقون على الخير والرشاد والتقوى، وينأون بأنفسهم عن مواطن الشر والأذى، ويحذرون من مزالق الرذيلة والهوى، وطريق المؤمنين حفظ ألسنتهم، والاحتكام إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم  وإنَّ طَرْقَ موضوع وجوب طاعة ولاة الأمر، من أهم ما يجب أن يذكر به الخطيبُ المصلين بين الحين والآخر، وأن يؤكد عليهم الالتزام بالطاعة، وأن التفاف الأمة حول قيادتها دليلُ وحدتها، وطريق فلاحها، وسبيل رقيها ونهضتها ونجاحها، ومصدر عزتها ومنعتها، ومعاونة ولاة الأمر في أداء مهمتهم، ومساعدتهم في حماية المجتمع من المفاسد والشرور، من أهم ما يلزم الرعية والإبلاغ عن المشبوهين الذين يتربصون لإحداث الفوضى، واجب كل مسلم حماية للبلاد من السفهاء والمفسدين، وتجنيباً لها من القلق والفوضى، وقطعاً لطمع الطامعين، ودحراً للسفلة والمعتدين.
الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية
أن خطيب المسجد، عليه أن يعنى بترسيخ معنى الوحدة في نفوس المصلين، وتعميق أواصر المحبة بينهم، ويذكرهم بأن الإسلام اعتمد الأخوة دعامةً لوحدة المجتمع، وركيزة للترابط بين أفراده، فلا يسمح الإسلام بقيام أحزاب أو تجمعات من شأنها تمزيق وحدة المجتمع، وتبديد قوته، وتفريق كلمته، أو بروز خلافات ينتج عنها التناحر، أو تسفر عن القطيعة والتناحر، فذلك شرٌّ عظيم، وخطر جسيم، ينتج عنه الكثير من الأحداث المروعة، والمآسي المفجعة ويزعزع أمن المجتمع، ويؤدي إلى قلقه واضطرابه، وإن مسارعة الخطيب أو الإمام إلى إزالة أي خلاف قد تظهر بوادره من أبرز ما يجب أن يضطلع به، فيبادر إلى الإصلاح بين الناس في خصوماتهم وإزالة خلافاتهم، وتوطيد علاقاتهم الأخوية، وترسيخ دواعي الألفة والانسجام، لأن ذلك من أقوى دعائم ترسيخ أمن المجتمع، وضمان الاطمئنان والحياة السعيدة، وعليه أن يذكرهم بأنهم وحدة قائمة، متشابكة متآلفة، كل عضو منه يعمل في سبيل مصلحة الجميع، على نحو قول المصطفى  (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )
الوسطية والاعتدال 
إن دعوة الإسلام إلى الوسطية والاعتدال من أهم ما يجب أن يتحدث عنه الإمام والخطيب في المسجد، ومن أبرز ما يجب أن يوضحه للناس، وأن يكشف لهم وسطية الإسلام واضحة في سائر تشريعاته، وأن على جميع أفراد المجتمع أن يستشعروا منهج الإسلام الرصين في دعوته إلى التوازن والاعتدال، والواقع يشهد أن المغالين والمتنطعين أضيق الناس صدراً، وأشدهم قلقاً واضطراباً وأكثرهم غضباً وغلياناً، وربما عمدوا إلى استخدام القوة لحمل الآخرين على موافقتهم في آرائهم، وسلوك منهجهم، وقد انزلق البعض في هذا المسلك، حيث سرى في أوساط فئة من الشباب الحكم بكفر فلان، أو وصفه بالفسق أو العلمنة أو نحو ذلك، وهذا له آثار سيئة تجرع المجتمع آلامها وغصصها، وعاشت الأمة محنها وشرورها، فقد زاغت قلوب تلك الفتن، وطاشت عقولهم وانحرفت أفهامهم ورغبت أنفسهم عن سلوك المنهج الحق وأطلقوا لألسنتهم العنان في الحكم على الآخرين بما يرونه، وإخراجهم عن دائرة الإسلام اعتماداً على الأقاويل والشائعات، والشكوك والظنون، والأخبار الكاذبة، والمصادر الواهية.
العناية بالشباب 
للخطيب أثر فاعل في توجيه الناس وبالأخص الشباب للزوم المنهج الحق، والاستقامة على شرع الله وأمره وصراطه المستقيم، وتقوية الوازع الديني، وإيقاظ الضمير، وتزكية النفس، وبيان محاسن الاستقامة، ومساوئ الانحراف، والتنفير من الإقدام على الجريمة، وإيراد النصوص الشرعية المحذّرة من ارتكابها، المبعدة حتى عن مجرد التفكير فيها، وأن إفلات المجرم من العقوبة الدنيوية لا يعنى أنه سلم ونجا من العقوبة الأخروية، كما أنه لا يستطع الهروب من تأنـيب الضمير، والشعور بالخوف من الله تعالى، ومساورة القلق النفسي، والاضطراب الملازم له طوال حياته، وأَنَّ تظاهره أمام أفراد مجتمعه بالاستخفاف واللامبالاة ، لا يقلل من إحساسه الداخلي بعظم الذنب، وفداحة الجريمة.وعليه أن يوضح لهم حفظ الإسلام للضرورات الخمس الدين، والنفس، والعقل، والعرض والمال وحمايته لها، وتحذيره من العبث بها والاعتداء عليها، وأنه قرر عقوبات جزائية رادعة للنفوس المريضة المعتدية، تمنع تصرفاتها الطائشة التي تتحكم بها الأهواء الفاسدة، والأفكار المنحرفة والنفس الأمارة بالسوء، وأن تلك العقوبات شرّعت لسدّ منافذ الجريمة، وإغلاق أبواب العدوان، والقضاء على العصابات الإرهابية الباغية، التي تعمل على تخويف الآمنين، وتسعى إلى نشر الخوف في نفوس المسلمين، وبث الرعب والقلق في أوساط المطمئنين، وتعتدي على النفوس البريئة، وتسلبها حقها في الحياة وتعبث في الأرض فساداً وإفساداً.
إنَّ على الخطيب مسؤولية كبرى في توعية الناس والشباب خاصة بالضوابط الأمنية المحكمة التي قررها التشريع الإسلامي لحفظ المجتمع من الجريمة، ووقايته من الانحراف، ومحاربة الأعمال الإرهابية، والتصرفات الشاذة التي تسعى إلى الخروج على النظام العام، والإخلال بالأمن، وسفك الدماء، وسلب الأموال، وتدمير الممتلكات، وإثارة الفتن، وتفريق جماعة المسلمين، والعبث بأمن المجتمع واستقراره، وإن كل مخالفة لما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية، يعتبر تعدياً، وتصرفاً مقتبساً، وانتهاكاً صارخاً لقدسيتها، يستوجب العقوبة الحاسمة التي قررتها، حتى تستأصل مِن المجتمع دواعي الإجرام، ومسببات الفتنة، وبواعث القلق، ويعيش الجميع في ظلال الإسلام، في أمن وأمان، واستقراره وراحة واطمئنان.
العلاقة مع غير المسلمين 
إنَّ الخطيب عليه أن يبرز مِن على منبر المسجد، ويوضح للناس تلك القيم الإسلامية السامية، والمواقف الحكيمة والعادلة، في نظرة الإسلام إلى غير المسلمين في المجتمع المسلم، وأن وجود جماعات وطوائف عديدة متعايشة مع المسلمين دليل على التزام ظاهرة التسامح، وتجنب الفرقة والاضطهاد، وأن المجتمع الإسلامي لا يعرف النعرات، بل يحرص على إضفاء روح المودة، ونشر الأمن والاطمئنان، والتعايش مع الآخرين لإشاعة أجواء السلام والأمان وتجنب الخصومات والمنازعات، والبعد عن إثارة الفتن والمنغصات وما يعصف بأمن المجتمع واستقراره، أو بجلب الضرر لجميع فئاته أو يزرع الأحقاد والعداوة في صفوفه فمن سمات المجتمع الإسلامي إقراره للتعايش وفق منهجه السمح في تعامله مع المخالفين والمسالمة مع المسالمين، وقد أولى رسول الله  هذا الجانب عناية فائقة وجعله من أولى اهتماماته عند تأسيسه الدولة الإسلامية الأولى في المدينة ليقيم نظاماً أمنياً مشتركاً مع الفئات الأخرى، حيث اعتبر توفير الأمن من أهم المطالب، ولم يكن المجتمع مقصوراً على المسلمين فحسب، بل ضمَّ فئات مختلفة من أصحاب الديانات الأخرى لذلك وضع الإسلام قواعد وأحكاماً تنظم علاقة المسلمين معهم وتبرز التعايش بينهم وبين المسلمين في المجتمعات الإسلامية على مر العصور، وفي مختلف الأزمان.
لقد قرر الإسلام التعايش الاجتماعي الآمن من المخالفين والمسالمين المقيمين في كنف الدولة الإسلامية، وأباح أكل طعامهم، وأحَلَّ ذبائحهم، وجَوَّزَ مصاهرتهم،وأوصى رسول الله  بحفظ حقوق أهل الكتاب، ورعايتها، وصيانة دمائهم وأموالهم، وعدم الاعتداء عليهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عام ) ً
وهذا يظهر روح الإسلام السمحة، وعدالته القائمة، وأنها مبذولة للبشرية كلها، لنشر الرحمة، وإشاعة الأجواء الآمنة وتوثيق العلاقات الإنسانية
إن الإسلام لا يحكم بالفناء على جميع العناصر التي تعيش داخل مجتمعه ممن لا تدين به، بل يوطّد العلاقة بينها وبين المسلمين ويحترم المواثيق، ويعنى بالعهود، ولا يقبل الغدر والخيانة.
المطلب الثاني :
خطبة الحرم المكي والمسجد النبوي :
إن المتابع لخطب الحرمين الشريفين يرى وبكل جلاء ووضوح موقف أصحاب الفضيلة الخطباء من فهم الواقع ومتابعة الحدث أول بأول ومن ذلك الحرب ضد العنف والتطرف وتجريم الأعمال المقيتة التي هي غريبة عن ديننا الحق وبعيدة عن سياسة بلادنا المستقيمة على أحكام الإسلام وأن ما حدث من أعمال إرهابية إجرام واعتداء وعدوان ، ومما يفرح الخاطر ويسر الفؤاد أن خطبة مكة المكرمة تنقل على الهواء مباشرة على الأقمار الصناعية من تلفزيون المملكة العربية السعودية ( القناة الأولى ) وخطبة المسجد النبوي الشريف كذلك على الهواء مباشرة عبر ( القناة الثانية ) ويشارك التلفزيون السعودي مجموعة كبيرة من الفضائيات التي تنقلها من التلفزيون السعودي فضلا عن مشاركة إذاعة البرنامج العام من الرياض والبرنامج الثاني من جدة في نقلها مما يعطي خطبة الحرمين الشريفين حضور واهتمام بالغ من العالم الإسلامي .
أنموذج من خطبة الحرم المكي الشريف
ومن ذلك الخطبة التي ألقاها معالي الشيخ د . صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى بالمملكة وإمام وخطيب المسجد الحرام والتي كانت بعنوان : كيف يعُالج الإرهاب ؟؟ وكيف وظف عناصرها في محاربة الإرهاب والتطرف والعنف ممن يحمل أو يتعاطف مع أصحاب الفكر المنحرف
1/ خطر الإر هاب
الإرهاب شرّ يجب التعاون على اجتثاثه واستئصاله، كما يجب منع أسبابه وبواعثه، عانت منه دول، وذاقت من ويلاته مجتمعات بدرجات متفاوتات، الإرهابيون يرتكبون فظيع الجرائم عندما يُقدمون على قتل الأبرياء، وتدمير الممتلكات، ويُفسدون في الأرض والله لا يحب الفساد.
الإرهاب شر كُله، وخراب كله، وأحزان كله، وفساد كله. محْترف الإرهاب مُنحرف التفكير، مريض النفس، ومن ذا الذي لا يُدين الإرهاب ولا يمقته ولا يُحذّر منه.
الإرهاب يخترق كل المجتمعات، وينتشر في كل الدول بين جميع الأعراق والجنسيات، والأديان والمذاهب، عمليات إرهابية تتجاوز حتى مصلحة مُنفّذيها، فضلاً عن أنها تكلفهم حياتهم وأرواحهم، عمليات تتجاوز حدود المشروع والمعقول، وتتجاوز تعاليم الأديان، ومألوف الأعراف، وضابط النظم والقوانين.
الإرهاب كلمة مقصورة محصورة في الإقدام على القتل والتخويف، والخطف والتخريب، والسلب والغصب، والزعزعة والترويع، والسعي في الأرض بالفساد.
الإرهاب إزهاق للأرواح المعصومة، وإراقة للدماء المحترمة، من غير سبب مشروع.
الإرهاب لا يعرف وطناً ولا جنساً، ولا دينًا ولا مذهبًا، ولا زمانًا ولا مكانًا، المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره، والبراءة منه ومن أصحابه، فهو علامة شذوذ، ودليل انفراد وانعزالية.
2/ وجوب إدانة الإر هاب
المسلم حين يُدين الإرهاب، فإنه لا يستمدّ موقفه هذا وإدانته تلك من إعلام الإثارة والتهويل، ولا من الفلسفات الاعتذارية التي تغلب على تفكير بعض قاصري النظر، ولكنها إدانة من مسلم منطلق من إسلامه الذي يمنع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ويقرن ذلك قرآنه بحق الله في إخلاص التوحيد، والخلوص من الشرك ,فالإسلام يؤكد كل معاني الحماية للمدنيين والعزّل والضّعفة ممن ليسوا أهلاً للقتال، وليسوا في حال قتال. وابن آدم الأول قابيل حين قتل أخاه ظلماً فباء فإثمه وإثم أخيه، قال فيه نبينا محمد  ( لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ منها لأنه كان أول من سن القتل )
يتحمل قابيل كفلاً من كل دم إنساني يسفح عدواناً في الماضي وفي الحاضر والمستقبل أكوام من الآثام المتراكمة، لماذا ؟ لأنه أول من استباح دم نفس إنسانية، وأول من بسط يده بالقتل
إن الإسلام يُعظم حرمة الدم الإنساني، الويل ثم الويل لمن يقتل أنفسًا، ويروع آمنين، ويدمر ممتلكات، يقصدهم في مساكنهم وأسواقهم ومرافقهم، في أسواق ومرافق تعجّ بالرجال والنساء والأطفال. وفي خطبة أخرى لفضيلته عن الإرهاب قال :
3/ خطر العنف وسفك الدماء وهدر المقدرات
الإرهاب كلمة وسلوك يتوجه على تخويف الناس بالقتل والخطف والتخريب والنسف والتدمير والسلب والغصب والزعزعة والترويع والسعي في الأرض بالفساد والإفساد والإرهاب إزهاق للأرواح وإراقة للدماء المعصومة بغير حق مشروع .
إن أساليب العنف ومسالكه من تفجير وتدمير وسطو ونسف لا تهزم الدول الكبيرة ، ولا تقوض المنجزات الشاهقة ، ولا تحرر شعباً , ولا تفرض مذهباً ، ولا تنصر حزباً ، إن العنف والإرهاب لا يمكن أن يكون قانوناً محترماً أو مسلكا مقبولاً ، فضلاً عن أن يكون عقيدة أو ديناً ، ولن يكسب تعاطفاً بل يؤكد الطبيعة العدوانية والروح لتوجهات أصحابه الفكرية . والإرهاب لا يعرف وطناً ولا جنساً ولا زماناً ولا مكاناً ، والمشاعر والعقول كلها تلتقى على استنكاره ورفضه والبراءة منه ومن أصحابه ومن ثم فإنه يبقى علامة شذوذ ودليل انفراد وانعزالية ، الإرهاب يورث عكس مقصود أصحابه ، فيقوي التماسك الشرعي والسياسي والاجتماعي في الأمة المبتلاة ، والمجتمع لن يسمح لحفنة من الشاذين أن تملي عليه تغيير مساره أو التشكيك في مبادئه ومسلماته .
4/ وحــدة الأمــة
أيها المسلمون ، ذلكم أن الناظر والمتأمل ليقدر هذه الوقفة الواحدة التي وقفت الأمة صفاً واحداً خلف قيادتها وولاة أمرها تستنكر هذا العمل وتدينه ولا تقبل فيه أي مسوغ ، وتتبرأ من فاعليه والأمة مؤمنة بربها متمسكة بدينها مجتمعة حول ولاة أمرها محافظة على مكتسباتها ، وكلنا بإذن الله حراس للعقيدة حماة للديار غيارى على الحرمات ، فيجب على من علم أحداً يعد لأعمال تخريبية أن يبلغ عنه ، ولا يجوز التستر عليه كما أننا جزء من هذا العالم نسهم في بنائه على الحق والعدل ، ونحافظ على منجزات الخير فيه لصالح الإنسانية وسلامتها حسب توجيهات شرع ربنا ، وهذه البلاد لن تهتز بإذن الله من أي نوع من التهديد أو الابتزاز الذي يحاول النيل من ثوابتها الإسلامية وسياستها وسيادتها ، وإن الأمة والدولة واثقة من خطوها ثابتة على نهجها من شجاعة وصبرٍ وحلم وتوازن وبعد في النظر والرؤية وهذا محل الوقفة التالية
5/ وصيته للعلماء الاهتمام بالشباب
أمة الإسلام ، وثمة وقفة أخرى يحملها ويتحملها أهل العلم والرأي إننا نحتاج إلى فتح أبواب الحوار الصريح والشفاف ، يقوده علماؤنا في حوار بناء ، إن العدل في الحوار يتطلب شفافية ومصارحة ومصداقية من جميع الأطراف حتى تصل الأمة جميعاً بأبنائها على ساحة الأمن الفكري الوسط في التدين والمنهج والخطاب وإن المسؤولية في ذلك كبيرة ، إنها توعية الناشئة وتبصيرهم بما يحميهم من التخبط في أوحال الدعوات المضللة والعصابات المنحرفة وينبغي أن لا تضيق صدور العلماء الأجلاء بأسئلة السائلين مهما تكن في نوعيتها ومظهرها وأسلوبها ودلالاتها حتى يزول اللبس عن الأذهان ويرتفع الحرج من النفوس ويكون التقارب والقبول والاستيعاب، تسلح من قبل أهل العلم بسلاح الصبر في الإفهام من أجل تنقية العقول من اللوث وغسل الأفكار من الدرن، ولا بد من توسيع دائرة الاتصال والثقة المتبادلة بين الناشئة والعلماء والمربين والموجهين، والبعد عن التجهم لأسئلتهم أو تجاهل استفساراتهم مهما بدا من غرابتها أو سذاجتها أو سطحيتها أو خشونتها أو خروجها عن المألوف فالأمور لا تعالج بالازدراء والتنقص والتهوين من الأحداث أو الأشخاص، كما لا تعالج بالتسفيه والهجوم المباشر من غير إظهار جلي للحجة والغوص في أعماق المشكلة والشباب إذا ابتعد عن العلم الصحيح والعلماء الراسخين ولم يتبين له رؤية واعية تتزاحم في فكرة خطوات نفسية وسوانح فكرية ، يختلط عنده فيها الصواب بالخطأ والحق بالباطل
وفي إشارة معاليه على أنه مع تجريم الإرهاب وأعماله بقوله :
( فإن الحوار مع المخدوعين هو أحد طرق القضاء عليه وما من شك أن ذلك من أهم الطرق من محاربته وتفنيد شبهاته وأفكاره الزائفة ) ولاسيماوفعل الإرهاب وجريمته تتأسس على فكر منحرف وضلال وتلبيس يخلط المفاهيم والتصورات بحيث يتوصل معاقروه على ترويجه والتغبيش بملوثاته وشبهاته مغررين بذلك من قل علمه وضعف فهمه )
أنموذج لخطبة المسجد النبوي
أنموذج رائع ومتابع للحملة المباشرة ضد الإرهاب في مهده ومكافحته بالنص الشرعي والعقلي وقد برز أصحاب الفضيلة بخطب قوية ضد الغلو والعنف والتطرف حفظتها لهم النقل المباشر والاعادة المسجلة عبر والفضائيات الإذاعات المختلفة ومن تلك النماذج الرائعة خطبة لفضيلة د علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام المسجد النبوي الشريف وخطيبه الذي شدد على أن ما يفعله الإرهابيون من قتل وإفساد وتدمير هو سلوك غريب عن ديننا ونهج بلادنا وأن ذلك إجرام ومحرم شرعاً ومنبوذ عقلاً فجاء في خطبته إبان أعمال التفجير في مدينة الرياض قوله : " إن ما وقع في هذه الأيام من تفجير لمبان في الرياض قتل بسببه مسلمون وغير مسلمين عمل إجرامي وإرهابي شنيع ، لا يقره دين ولا يقبله عرف والإسلام بريء من هذا الفعل الإرهابي ، والمنفذون له مفسدون في الأرض مجرمون قتلة ، قد باؤوا بجرم عظيم يحاربه الإسلام أشد المحاربة ويدينه اشد الإدانة ، ويستنكر هذا التخريب والإرهاب كل ذي علم ودين وعقل ، قال الله تعالى :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ 
وقد جمع هؤلاء القتلة – والعياذ بالله – المفسدون بين قتل النفوس الآمنة وبين قتل أنفسهم ظلمات بعضها فوق بعض ، والله قد توعد من قتل نفسه بالعذاب الأليم في جهنم ، فكيف بمن يقتل النفس المحرمة ؟! قال تعالى :  وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً 
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  قال: ( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ) وهذا العمل خيانة وغدر ، قال الله تعالى :  إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً  وترويع للآمنين ، وأن هذا الإجرام تحاربه مناهج التعليم لدينا ويحاربه علماء هذه البلاد ويحاربه أئمة الحرمين الشريفين ، ويحاربه مجتمعنا كله . والمناهج الدينية لدينا مبينة على قول الله الحق، وعلى قول رسول الله  الحق ، والحق خير كله للبشرية ، ولا يترتب عليه باطل ، وولاة أمر هذه البلاد بالمرصاد لمن يسعى بالقتل والتدمير أو الإفساد الذي يستهدف الأمن انطلاقاً مما توجبه الشريعة الإسلامية من الحفاظ على دماء الناس وأموالهم وحقوقهم ، وينفذون فيه ما تحكم به الشريعة .
أيها الناس ، إن أمن بلدكم واجب على الجميع ويجب شرعاً على من علم أحداً يعد لأعمال تخريبية أن يرفع أمره للسلطات لكف شره عن الناس ، ولا يجوز التستر عليه ونحذر بعض الشباب المغرر بهم من الفكر الخارجي الذي يكفر الأئمة ويكفر من لم يوافقه فقد أمر الله بطاعة ولي الأمر من غير معصية .
المبحث الثالث :
العلماء والدعــاة 
لقد أكرم الله هذه الأمة بالعلماء والدعاة وأعلى من شأنهم، وقد أصبح لزاماً عليهم، ومن صلب عملهم، دعوة الناس إلى طريق الحق والخير والعدل، سبيلهم في ذلك اللين والرشاد وغزارة العلم الصحيح من الكتاب والسنة، فالحق سبحانه وتعالى أمر موسى  وأخاه هارون  بالتوجه إلى فرعون مصر فقال جل وعلا :
 اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى  وقال عز وجل : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً  وفي مجال الحكمة والسداد والأخذ بأسباب الإقناع هناك تدرج منهجي وأسلوب عميق في التعامل مع الآخرين للدعوة بينه الله عز وجل في قوله تعالى ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  فهذه الآية من الأصول التي يحرص عليها الدعاة الصالحون لأنها تتضمن ثلاث درجات من العمل الدعوي تبدأ بالحكمة التي يجب على العلماء والدعاة أن يدركوا بها حقيقة مهمة ثابتة لا يمكن التغافل عنها أو الالتفات عن أهميتها. ألا وهي أن سلوك الإرهاب والعنف والتطرف نتيجة ظاهرة لمرضٍ في قلب من يسعى إليه أو يشارك فيه.فعلى من يتطلع للتصدي لهذا السلوك أن يحدد الداء قبل أن يصف الدواء فإذا أدرك العلماء والدعاة هذه الحقيقة ولم يسعوا إلى الدواء وعلاج هذا المرض فيخشى أن يكون في هذا إهمال وصدّ عن ترغيب رسول الله  في المداواة والمعالجة
في هذه الحال يجب على العلماء والدعاة أن ينهضوا لتحمل هذه الأمانة العظيمة ، فهم مطالبون ببذل قصارى جهدهم لوصف الدواء الناجع لهذا المرض وهذا مما ائتمنهم الله عليه ليكونوا ورثة الأنبياء كما أن عليهم السعي الدءوب لمعرفة توعية هؤلاء المتورطين وما يسيطر عليهم من أفكار وأحوال نفسية فالعلماء والدعاة مكلفون بتحمل المسؤوليات لأنهم على وعي باحتمالات المضار ومواقع المنافع. فهو واجب ثقيل تترتب عليه سعادة الأمة في حاضرها ومستقبلها وذلك بحفظ دينها وقيمها وأمنها واقتصادها ووحدتها. وإن مما يشرح الصدر عند البحث في هذه المشكلة أن الأمة ولله الحمد قد توحدت على ضرورة القضاء على مظاهر آفة الإرهاب وهي قادرة بحول الله وقدرته وتعاون المجتمع على تحقيق ذلك )
قيام العلماء والدعاة بوظيفتهم تجاه هذه المشكلة يعد محورًا مهمًا في النهوض والتصدي لهذه الظاهرة وحماية المجتمع من الانهيار بمعاول الفساد التي يحملها المنحرفون الذين يسعون لهدم هيكل المجتمع بوجه عام أو يحدثوا شروخا عميقة فيه ليزعزعوا الأمن ويحدثوا الفوضى فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد
إن من أول الأهداف التي يضعها العلماء والدعاة لمحاربة سلوك الإرهاب بيان غاية الشريعة الإسلامية التي تتمثل في حفظه مصلحة الفرد والمجتمع وهي الغاية نفسها التي جاءت جميع الأديان السماوية بحمايتها ،بل شرعت العقوبات الرادعة لمن أراد أن يمسها أو يفسدها وهي المعروفة بالضرورات الخمس:
الأول: حفظ الدين .
الثاني: حفظ النفس .
الثالث: حفظ العقل .
الرابع: حفظ النسل .
الخامس: حفظ المال
فعلى العلماء والدعاة أن يبينوا حرمة هذه الأمور الخمسة والاعتداء عليها وتجريم من فعل ذلك مهما كانت نيته وغايته فالغاية لا تبيح الوسيلة في الفكر الإسلامي الصحيح بل يجب احتواء السلوك الإرهابي بالكشف عن الأسباب التي تشجع على هذا السلوك ، ويتسنى ذلك بالوقوف على أنماط شخصيات أصحاب هذا السلوك والفئات التي ينتمون إليها ودراسة هذه الشخصيات لمعرفة ما يسيطر عليها من أفكار وما تردده من آراء لتحديد الدوافع لهذا السلوك ويتم الكشف المراد في نظري بالحوار معهم ، والاطلاع على منتدياتهم في وسائل الاتصال الحديثة ، ومعرفة الرموز التي يسمعون لها ويطيعونها ماذا تقدم وعلى أي شيء تركز منطلقات حديثها إليهم في رسم الوسطية ومحاربة الغلو والتطرف وهنا تُعظم الأمانة على العلماء والدعاة في أن يوصلوا إلى الناس النظرة الوسطية للتمسك بالدين بصورة حكيمة تجعل هؤلاء الناس يتصورون الدين بوضوح يحميهم من الانحرافات والجنوح عن الصراط المستقيم, وكم هو جميل أن يٌهتم الدعاة والعلماء بتفعيل الانتماء الوطني الذي يُعد من المشاعر
الفطرية للإنسان كيف لا !! وهو حب فطري تجاه الأرض التي ولد على ترابها ونشأ في جنابتها ،وليس هذا الحب للمكان الجغرافي المادي ما لم يكن مقدسًا وإنما يتعداه إلى الناس المقيمين فيه وعلاقاتهم العاطفية ومبادئهم القيمة التي تحدد سلوكياتهم .كمن يسكن مكة والمدينة وفلسطين فمثل هذا المجتمعات حري بأن ينشأ الناشئة على حبها والتمسك بها والدفاع عنها فضلاً عن قدسيتها كما ينشأ الناشئة على تحقيق المحبة والأخوة بينهم على هذا الأساس، لأن الأخوة الصادقة مفتاح كل خير، وصمام أمان ضد كل شر ،كما ينبغي للعلماء والدعاة أن يبرز هدف مهم يبين الأثر السلبي الذي يحدثه السلوك الإرهابي في الصد عن دين الله تعالى وإقناع غير المسلمين بأن الإسلام لا يصلح ديناً يعتنقونه ، لأنه في نظرهم دين يقوم على القتل والترويع والإتلاف ، فسوء التصرفات هذا هو الذي يشوّه سمعة الإسلام ، فنحن أمة ينظر العالم إلينا بعين تختلف عن غيرنا ، حتى إذا ما وجد أعداء الإسلام في هؤلاء المسلمين خللا أو تقصيرًا سعوا جاهدين لاستغلال هذا الخلل في طمس صورة الإسلام الحقيقية وأبرزوا هذا الخلل بكل وسيلة من وسائل الإعلام حقداً وزورا ، وهذا ما يحدث هذه الأيام ونشاهده عبر كل وسيلة إعلامية. فعلى العلماء والدعاة بيان ذلك للناس حتى لا يحمل أحد معول هدم للدعوة والإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعا ويرفع دين الله تعالى كما أنه يجب احتواء السلوك الإرهابي الذي يقوم على أسس مهمة عندهم وشبهات يجب أن يراعيها العلماء والدعاة حتى يؤتي عملهم ثمرته ويلتزم بمنهج واضح للجميع مستعينين بالصبر والأناة وسعة الصدر، وحسن الخلق مصداقاً لقول الله : وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 
المبحث الرابع :
الإرهاب والقضاء الشرعي 
القضاء من أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله تعالى ، وقد قام الله به جل جلاله ، وبعث به رسله ، فقاموا به صلوات الله وسلامه عليهم أتم قيام ،وقام به من بعدهم أئمة العدل قال تعالى :
 إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً  وقال تعالى :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 
الإرهاب بمفهومه الواسع الحديث يراد به الأعمال المتصلة بالجور والاعتداء والظلم وهو ما يقوم به المجرمون والمعتدون لترويع الآمنين وإزهاق أرواحهم ،وزعزعة أمن مجتمعهم بأي أسلوب وطريقة كانت من فعل أو قول أو إجراء وهو ما قرره علماء الشريعة تحت مسمى ( الإفساد في الأرض ) وهذا هو الوصف الذي تقرر في هذا الزمن وأصبح مصطلحاً متعارفاً عليه وهو الذي يُعد جريمة من أعظم الجرائم التي يعاقب عليها القضاء الشرعي بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله  من الحدود الشرعية وتقرير العلماء لعقوبات التعزير الراجعة لاجتهاد القاضي .
نظرة القضاء للأعمال الإرهابية :
أولا : تضافرت النصوص الشرعية على تحريم الظلم والإفساد في الأرض ففي الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)
قال تعالى :  وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا 
قال ابن كثير رحمه الله : ( ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك)
وقال القرطبي رحمه الله : ( نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد ، قلَّ أو كثر ، بعد صلاح قلَّ أو كثر ، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال)
فهذه الأعمال الإجرامية تتضمن الغدر،والخيانة،والعدوان ،والبغي والإثم ،فضلا عن الظلم والإفساد الذي يجب التعامل معه تعاملاً يحقق القضاء عليه كليا وإراحة المجتمع منه وقطع دابر شره وضرره وتحقيق مقاصد الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال وسبق الحديث عنها .
ثانيا : الأعمال الإرهابية تتخذ في تنفيذ أهدافها الإجرامية طابع العنف والتخويف والترويع لمن يعيش في المجتمع المجني عليه ولهذا نجد من يقوم بالواقعة الإرهابية لا يفرق بين مواجهة محارب ومسالم آمن ، لأن هدفه إشاعة الفوضى والفساد ،فتجده يقصد المجمعات السكنية التي يقطنها النساء والأطفال والعجزة، حتى المستشفيات ومؤسسات التعليم لم تسلم من شرها وآذاها لتصبح مقدرات البلد ومنشئاته الحيوية ومراكزه الأمنية في طلائع أهداف تلك الأعمال المشينة ، كل ذلك يراها القضاء الشرعي أنها من العدوان على مقدرات البلد ومن يعيش فيه
ثالثا :لقد شوهت الأعمال الإرهابية صورة المجتمع المسلم وألحقت الضرر بالأمة التي ينتمي إليها من قام بها ودبرها، حتى ألصقت تهمة الإرهاب بالإسلام وكان لبعض أهل الإسلام سبب رئيس في إلحاق هذه التهمة بهم وبدينهم وذلك لرعونة التصرف وسوء الفعل فأفعال من ينتسب إلى دين ؛ يلحقها الآخرون بهذا الدين ، ومما لا شك فيه أن الوقائع الإرهابية التي وقعت في هذا الزمن قد جرّأت أعداء الدين على محاربته وحرصت على تنفير الناس من الدخول فيه وفتحت الأبواب للطعن في الدين الإسلامي الخالد الذي أنزله الله ديناً خاتماً صالحاً لكل زمان ومكان .

الإجراءات الشرعية للتحقيق مع الإرهابيين في جرائمهم :
1/ الاستعانة بالخبراء لإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالتحقيق المجرى
2/ انتقال المحقق فور الإبلاغ بالجريمة إلى مكان وقوعها لإجراء المعاينة اللازمة قبل زوالها أو طمس معالمها أو تغييرها
3/ تفتيش المساكن التي يقيم فيها الشخص المتهم بارتكاب الجريمة وكذلك تفتيش المتهم نفسه
4/ الاستماع إلى أقوال الشهود الذين يطلب الخصوم سماع أقوالهم ما لم ير المحقق عدم الفائدة من سماعها
5/ استجواب المتهم والتثبت من شخصيته وإحاطته بالتهمة المنسوبة إليه ، ومواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود
6/ توقيف المتهم إذا تبين بعد استجوابه أن الأدلة كافية ضده في الجريمة ، أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه
7/ إذا كانت الأدلة كافية ضد المتهم ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة ،ويكلف المتهم بالحضور أمامها ،وذلك بعد انتهاء التحقيق , فإذا وجد الفعل المقترن بالمظاهر الإجرامية المذكورة واقترن بذلك أركان الجريمة التي تكتمل بوجودها منظمة الجريمة لينطبق عليها هذا الوصف وهي كما يأتي :
أولاً : الركن الشرعي الذي يبين الجريمة ويُحرم ارتكابها ويحدد عقوبتها .
ثانياً : القصد الجنائي ، أهلية التكليف لإيقاع العقوبة .
ثالثاً : التنفيذ أو الشروع في إحدى مراحله .
فإنه يعد القائم بهذه الواقعة مداناً بها ويتم إيقاع العقوبة المناسبة لجريمته مما يحقق العدالة ويحفظ للمجتمع مصلحته
التدابير الوقائية والعلاجية للوقائع الإرهابية :
1/ نشر الوعي القضائي والفقه الجنائي بين الناس ليظهر أن لكل جناية ما يناسبها من العقوبات وليتم تعاون المواطنين معها على أتم أسلوب وأقوى داعم .
2/ الاهتمام بالجانب الإصلاحي لمن وقعت منه الجناية لأن الوقائع الجنائية وقطع أسبابها قبل وقوعها مقدم على رفعها عند وقوعها
3/ توجيه العقوبات إلى أفضل الطرق التي تعين على دفع الجرائم وقطعها من أصولها .
4/ إيقاع العقوبات المناسبة المؤثرة للوقائع الجنائية حتى ولو كانت صغيرة وليس لها اتصال مباشر بالوقائع الإرهابية ، لأن الجرائم والمعاصي يجر بعضها بعضاً .
5/ التشديد في العقوبات على الوقائع الجنائية العامة إذا اقترنت بالشبهة الإرهابية لأن الاقتران يعظم الواقعة المقترنة بها
6/ إيجاد العقوبات المساندة للعقوبات الأساسية بحسب ما يقتضيه الحال ، كالتشهير والإعلان ونحو ذلك .
7/ تطبيق العقوبات الشرعية الإلهية على وقائعها الإجرامية بدقة وحرص وعدم تنحيتها عن الوقائع الخاصة بها ، لأن الله جلّ وعلا قد شرعها لإصلاح شأن العباد وهو سبحانه وتعالى خالق الخلق الذي يعلم ما يصلح شأنهم وما يناسب حالهم . قال تعالى :
 أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 
8/ تطوير الأجهزة القضائية والأمنية التي تتعقب الجريمة قبل وقوعها وتباشر تمحيص أصولها ، وتقترح التوصيات الشرعية والمعالجات العلمية والاجتماعية والإعلامية المناسبة والسعي لتنفيذها على أكمل وجه .

العقوبات القضائية على الوقائع الإر هابية
يمكن تقسيم العقوبات القضائية على الوقائع الإرهابية إلى أقسام متعددة بحسب هذه الجناية ، وهذه العقوبات إما أن تكون عقوبة مقدرة من الشارع كالحدود وإما أن تكون غير مقدرة ويترك تحديدها للقاضي ليوقع من العقوبة ما يوافق الجناية ويناسبها وهي عقوبة التعزير بأنواعه بحسب الفعل الذي صدر من الجاني كما يأتي
1- العقوبة على التخطيط .
2- العقوبة على التحريض .
3- العقوبة على المساعدة والإعانة .
4- العقوبة على الشروع في الجناية وعدم إتمامها .
5- العقوبة على التنفيذ .
6- العقوبة على العلم وعدم الإبلاغ " التستر .
فيجب أن يكون لكل فعل ما يناسبه من العقوبة وليس ترتيبها هنا بناءً على ترتيب عقوبتها فرب محرض أو مخطط يستحق من العقوبة أكثر ممن نفذ أو باشر، وكذلك لا بد أن تكون العقوبة المقررة مما يجوز إيقاعها شرعاً على الجاني فالعقوبة لابد أن تكون جائزة شرعاً وكذلك لا بد أن تكون العقوبة منحصرة على المجرم ولا تتعداه إلى غيره ممن لم يسهم معه في جنايته
المبحث الخامس :
الأســـــرة 
المطلب الأول : اهتمام الإسلام بالأسرة
لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً كبيراً وجعلها الخلية الأولى في المجتمع، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة من شؤونها إلا وأوضحها بما لا يدع مجالاً للشك قال تعالى :  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورحمة
(إن الأسرة في الإسلام هي المحضن الطبيعي للناشئة الصاعدة، فيها تشب على مشاعر المحبة والرحمة والتكافل – وركائز الإسلام هي هذه المشاعر الثلاثة جميعاً – لتصبح هذه الركائز جزءاً من طبيعتها، وخلقاً أصيلاً يكيف ويضبط سلوكها، ليبنى على أساسها مجتمع التقوى والعمل الصالح)
الأسرة مظلة إنسانية ضرورية لبناء النفس، وممارسة المعيشة الهانئة في الحياة. أما بناء النفس الإنسانية المتكاملة للرجل أو المرأة فيتم عن طريق الزواج الذي يشبع النزعات الفطرية، والميول الغريزية ويلبى المطالب النفسية والروحية والعاطفية والجسدية، وذلك من أجل التوصل إلى تحقيق منهج الوسطية والاعتدال، دون حرمان من الإشباع الجنسي، ودون إباحية تؤدى إلى الانحلال من الفضيلة وأما ممارسة المعيشة الهانئة في الحياة فتحصل من خلال الأسرة التي توجد تجمعاً صغيراً يبنى أصول حياته ومعيشته بهدوء، ويحقق تعاوناً بناء وقوياً في التغلب على مشكلات المعيشة والمكاسب، وتخيم فيها أجواء المحبة والود والأنس والطمأنينة والسلامة.
إن الأسرة المسلمة هي المعقل الأول الذي ينشأ فيه الطفل في جو التربية الإسلامية، وإن أهم أهداف تكوين الأسرة هي إقامة حدود الله: أي تحقيق شرع الله ومرضاته في كل شؤونهما وعلاقاتهما الزوجية، وهذا معناه إقامة البيت المسلم الذي يبنى حياته على تحقيق عبادة الله، أي على تحقيق الهدف الأسمى للتربية الإسلامية وهكذا ينشأ الطفل في بيت أقيم على تقوى الله فيقتدي بذلك إذ يمتص ويكتسب تلك العادات الأبوية السمحة من خلال المعايشة اليومية، ومن ثم يقتنع بعقيدتهما الإسلامية حين يصبح واعياً. إضافة لتحقيق السكون النفسي والطمأنينة , فإذا اجتمع الزوجان على أساس من الرحمة والاطمئنان النفسي المتبادل فحينئذ يتربى الناشئ في جو سعيد يهبه الثقة والاطمئنان والعطف والمودة، بعيداً عن القلق وعن العقد والأمراض النفسية التي تضعف شخصيته أو تزرع فيه العنف والإرهاب فعلى الأبوين تقع مسؤولية تربية الأبناء ووقايتهم من الخسران والشر والنار، التي تنتظر كل إنسان لا يؤمن بالله، أو يتبع غير سبيل المؤمنين .
وعلى رغم تشابك العلاقات الأسرية إلا أننا في هذا المقام نسعى لإلقاء الضوء على علاقة الوالدين بالأبناء ، وهي علاقة قررها الحق في قوله :  وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً 
وقال تعالى :  أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ 
المطلب الثاني : وظيفة الأسرة
الأسرة هي الأساس والأصل في تكوين البناء الإنساني روحياً وعقلياً وعقائدياً وجسدياً ووجدانياً وانفعالياً واجتماعياً، لذا نجد الإسلام قد حرص على هذا التكوين ،وذلك ليضمن سلامة النسل من الأمراض الوراثية التي تنجب أولاداً معتوهين ومعوقين وكما اهتم بسلامة النسل عقلاً وجسداً قبل مولده نجده بيَّن دور الأسرة في البناء الروحي والعقائدي للإنسان بعد مولده في قوله  :( ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسَّانه )
لقد تكفل الإسلام ببيان أحكام الأسرة مع الإشارة إلى أسرار التشريع مفصلة تارة، ومجملة أخرى، في آيات وسور متعددة وأحاديث كثيرة، من إرث ووصية ونكاح وطلاق، وبين أسباب الألفة ووسائل حسن المعاشرة، وشيد صرح المحبة بين أفرادها على تأسيس حقوق معلومة في دائرة محدودة، فمتى روعيت تلك الحدود عاشت الأسرة في أرغد عيش وأهنأ حياة، وحذر من هدم الأسرة، وحث على تماسكها واتحادها، ونفر عن كل ما يدعو إلى تفكك عراها.
فإذا قام الأبوان بدورهما كاملاً في تنشئة أبنائهما على تشرب روح التعاليم الإسلامية، وحرصا على تفادي عناصر التفكك الأسري فإن هذه الخلية ستكون صالحة وتنبت رجالاً ونساء صالحين يسهمون في إسعاد أنفسهم وتقدم مجتمعهم نحو الأفضل ومن هنا تبرز لنا الآية الكريمة في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  وبهذا تخرج البشرية من طور الفردية إلى رحابة الإنسانية لتدخلها من أوسع أبوابها وهو باب التعارف الذي يقود إلى التعاون والتآزر وحرية الحركة والتنقل والفكر والتجارة وغيرها من المصالح المرسلة بين الناس وبضمان صلاح أفراد الأسرة فإن المجتمع كله سوف يتجه إلى الصلاح وتنحسر مسببات العنف والآفات التي تنخر في المجتمع وتسهم في ارتفاع هجمة الإرهاب والتطرف.
وبطبيعة الحال فهناك مسببات أخرى أدت إلى زيادة ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب في مختلف المجتمعات على رغم أن البناء الأسري قد ظل على حاله دون زعزعة على امتداد عشرات بل مئات السنين . وهذه حقيقة مسلم بها، إلا أن إسهام الأسرة يأتي بتعرض أبنائها إلى طائفة من الأفكار الغريبة التي لم تكن متاحة من قبل ، فدخول القنوات الفضائية وشبكة "الإنترنت" قد شكل تدخلاً سافراً في خصوصية الأسرة المسلمة، ومع إيماننا بأهمية هذه العناصر وفائدتها إلا أنها أثبتت من الوهلة الأولى أنها سلاح ذو حدين ، إذا أسيء استخدامها فإنها تؤدي إلى نتائج وخيمة، وإذا أحسن التعامل معها والاستفادة من مخزونها المعرفي فإنها كنز لا غنى عنه لكل أسرة ، وبالتالي فإن دور الوالدين يزداد أهمية بمراعاة هذه العناصر الجديدة التي وفدت إلى بيوتنا ، ولا بد من تكريس المزيد من الوقت لمتابعة نشاطات الأبناء، والحرص على عدم انجرافهم مع التيارات التي تسعى في الأرض فساداً . علماً بأن الأسرة المسلمة مستهدفة بطريقة سافرة وهناك جهات كثيرة تسعى لتقويضها حتى يفسح لها المجال لمزيد من التخريب داخل المجتمع الإسلامي وبالتالي فإن غسل عقول بعض الشباب والدفع بهم إلى أتون العنف والإرهاب قد تم بالتأكيد بعيداً عن رقابة الأسرة التي يفترض أن تكون على معرفة تامة بتحركات أبنائها وبناتها وعلى إدراك كامل بعلاقاتهم الاجتماعية والجهات التي يستقون منها أفكارهم، حتى لا يفاجأ الوالدان بتبدل عادات أبنائهما بعد تكرار تواصلهم مع بعض الجهات المشبوهة، وكثيراً ما تقع الكارثة ويستفحل الأمر قبل تداركه، لذا ينبغي على الأسرة أن تعي دورها جيداً وتعمل وفق منهج التربية الإسلامية وتحمل كامل المسؤولية من كل فرد .
المطلب الثالث : دورها في الحد من الانحراف والجريمة
الوظائف التي تقوم بها الأسرة سبع وظائف افتراضية أساسية تقوم بها وقد لخصت هذه الوظائف فيما يلي
* الإنتاج الاقتصادي والمادي والخدمات الأساسية.
* إعطاء الفرد مكانة اجتماعية.
* تربية الصغار.
* تنمية الاتجاه الديني عند الصغار.
* الحماية.
* تجديد النشاط.
* الحب .
وعلى الرغم من أنه يمكن حماية ورعاية الطفل عن طريق المؤسسات الاجتماعية الأخرى إلا أن حماية ورعاية الأسرة أكثر فعالية وذلك لأن الأسرة مؤسسة اجتماعية تجمع بين الاستجابة الشخصية الحميمة والرعاية الاجتماعية المتماسكة وفي المجتمعات العربية الإسلامية نجد أن وظيفة الأسرة تمتد لتصل إلى روح الإنسان فتصقلها وتوجهها الوجهة السليمة التي تفق مع فطرته التي فطره الله عليها وإذا اتفق التوجيه الأسري مع فطرة الإنسان أدى ذلك إلى صلاح الفرد باستقامته وأمنه النفسي والاجتماعي وبذلك فإن وظيفة الأسرة في الإسلام إضافة إلى ما تقدم فهي تعتبر المنبع الذي يغذي الطفل بالعقيدة الصحيحة والفكر المعتدل من القرآن الكريم والسنة النبوية.
إن الإنسان يكتسب عادة الأساليب السوية للسلوك والتفكير من خلال التفاعل الاجتماعي والاحتكاك بالآخرين وأن الأبوين هما في العادة الأوائل الذين يقومون بعملية التطبيع الاجتماعي فالطفل يستجيب للأبوين ويستجيبان له وهذا من شأنه أن يزيد العلاقة الشخصية القائمة بين الطفل وأبويه
من هنا يبدو واضحاً دور الأسرة في السلوك الإجرامي مؤداه أن الأسرة هي المسئولة الأولى عن ظهور مثل هذا السلوك وعن ظهور أي سلوك منحرف كما أن الأسرة كذلك مسئولة عن تكوين السلوك السوي ويأتي ذلك عن طريق تأثر الأبناء بطبائع الآباء. أو الحرمان الشديد لمدة طويلة ، أو عدم استقرار الأسرة وسيطرة المشكلات والخصومات بين الأفراد ذلك أنها المسئولة عن التكوين الوراثي للمنحرف كما أن الأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية تتلقى الطفل لإعداده وتنشئته طبقاً لمتطلبات المجتمع الذي تعيش فيه فشخصية الآباء ووجودهم وأسلوب تنشئتهم من المحددات الأساسية في ظهور وتكوين السلوك السوي أو الإرهابي فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع بعد الفرد وهذا يلقي عليها عبئاً كبيراً ذلك أنه إذا صلحت الأسر صلح المجتمع ولو حافظت الأسر على صلاحها أستمر المجتمع في صورة صالحة. كما أن الأسرة هي المؤسس الاجتماعي الوحيدة التي تقوم على أساس عضوي وليس على أساس وظيفي وهذا يعطيها فرصة نادرة لتخفيف الضغوط النفسية والمادية على أفرادها.
الأسرة إذا هي المسئولة عن توجيه الناشئ إلى مبدأ عقدي أو فكري أو ثقافي معين أو صرفه عن مبدأ عقدي أو فكري أو ثقافي وقد سبق وأشرنا إلى الحديث الذي يؤكد أن المولود يولد على فطرة الإسلام وبلغ من أثر الأسرة في توجيهه أن الأسرة تهوده أو تمجسه أو تنصره بحسب ما ترغب هي في توجيهه إليه إما عن طريق الأب أو الأم أو كليهما معاً.
إن دور الأسرة في أمن المجتمع عظيم فهي خط الدفاع الأول الذي يقف سداً منيعاً يف وجه الأشرار . لكنها لا تستطيع القيام بهذا الدور الحيوي إلا إذا كانت مترابطة في كيانها متينة في علاقاتها الداخلية والخارجية . فعلى قدر ما تتمتع به الأسرة من ترابط وتماسك بين أفرادها على قدر ما تدرك الطريق السليم لتربية أبناءها وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين لمجتمعهم وأمتهم .
إن من الجوانب التي يجب أن توليها الأسرة أهمية كبيرة حتى تستطيع أن تقوم بدورها ككيان أساسي في المجتمع هو التخطيط الأسري لحياة الأبناء ونشاطاتهم وممارساتهم وبالأخص أثناء الإجازات والعطل الصيفية حتى تتم الاستفادة من أوقاتها فيما يعـود بالنفع على الفرد والأسرة والمجتمع فهناك صلة وثيقة بين سوء استغلال وقت الفراغ لدى الأبناء وعشرة قرناء السوء والوقوع في الانحراف وسوء السلوك . فيجب الاهتمام بحسن استغلال وقت الفراغ بالسفر أو الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية المفيدة .
إن الأسرة من منطلق حرصها على التنشئة الاجتماعية السليمة وحسن استغلال وقت الفراغ والتفاعل بجدية مع مؤسسات المجتمع المختلفة تسهم بشكل حيوي في صناعة الفرد الصالح في المجتمع والفرد الصالح في المجتمع أمان للمجتمع في حاضرة ومستقبله .

المبحث السادس :
 المـدرسة 
المطلب الأول : الدور الأمني للمدرسة
الطالب والمنهج والأستاذ وبيئة المدرسة مقومات أساسية لغرس جانب الاعتدال والإنصاف أو لشحن العنف والتطرف ولا يمكن لنا مناقشة الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف بمعزل عن التطوير والمكاشفة بأخطائنا في التعليم ومخرجاته فالتعليم في المجتمع المسلم يقوم على حفظ الطالب المعلومة لفترة مؤقتة حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وعلى هذا فالطالب يُعد وعاء لتلقي المعلومة فقط دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها والأفراد الذين يمرون بهذه التجربة يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير أو النقاش، فمثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيداً سهلاً ليصبحوا أدوات تنفيذ فكرياً وعملياً.
إن تفعيل الدور الأمني للمدرسة في مقاومة السلوك المتطرف يجب أن يقوم على أساس تعويد الطلاب على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.
ويجب على المدرسة ممثلة في المدرسين والعاملين فيها تحديد الجماعات المستهدفة أو الهشة داخل المجتمع الكبير والتي يمكن أن تكون عرضة للانسياق وراء الأفكار الهدامة ومحاولة توجيههم ووضع برامج خاصة لهم. كما أن عدم القدرة على استيعاب حاجات الطلاب يمكن أن يؤدي إلى تسربهم خارج السلك الدراسي مما يدفعهم إلى ممارسة السلوك الإجرامي وقد يكونون فريسة سهلة للجماعات الإرهابية لتنفيذ مخططاتهم. ولهذا يمثل الأستاذ النواة التي يمكن توصيل المعلومة من خلالها إلى الطالب وإذا لم يكن الأستاذ متمكناً من المادة العلمية التي يعرضها لطلابه فإنه لن يستطيع توصيلها بشكل سليم إلى الطلاب وبذا تفشل العملية التعليمية.والمعلمون يمثلون بدائل الآباء، وهم الراشدون خارج نطاق الحياة الأسرية الذين يقومون بأدوار مهمة في حياة الصغار والشباب,ومن المعلمين من يعين الطالب في التغلب على الإعاقات والقصور والمشكلات التي تعيق فهمه وتعترض ميوله ومنهم من يعرقل المسيرة الصحيحة المعتدله أمام أبنائه من التلاميذ والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في التطبيع الاجتماعي يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة، فهو يرون المعلم شخصية كاملة يأخذون منها التعامل الأمثل , والأسلوب الأفضل .

المطلب الثاني :
أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف
المدرسة يجب أن تتحمل الدور المناط بها في تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع حيث إن الأمن يرتبط ارتباطاً وثيقاً وجوهرياً بالتربية والتعليم، إذ بقدر ما تغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار ويمثل النسق التربوي أحد الأطراف الاجتماعية المهمة التي تؤدي عملاً حيوياً ومهماً في المحافظة على بناء المجتمع واستقراره ،وذلك من خلال ما تقوم به التربية والتعليم من نقل معايير وقيم المجتمع من جيل إلى آخر ومما لا شك فيه أن التعليم يؤدي عملاً حيوياً ومهماً في الحفاظ على تماسك المجتمع وخلق الانتماء الوطني ومشاعر الوحدة الوطنية بين أفراده للمحافظة على بقائه وتكامله والتي تنعكس بالضرورة على مكتسبات الوطن الأمنية ومن هذا المنطلق فسوف يتم توضيح الدور الأمني للمدرسة في مكافحة سلوك العنف والإرهاب والتطرف على رغم الكثير من الأصوات حول فشل المناهج الدراسية في تشريب الناشئة المعايير والقيم الاجتماعية الإيجابية فهناك من يعتقد أن المناهج الدراسية كانت لها آثار إيجابية في الماضي تمثلت في استقرار النظام الاجتماعي والثقافي في المجتمع ومازالت تؤثر حتى الوقت الحاضر وعلى رغم كل ما يطرح عن فشل المناهج الدراسية وضرورة إعادة النظر فيها إلا أننا نعتقد أن هناك عناصر إيجابية في المناهج الدراسية ينبغي إبرازها والاعتراف بأنها ساعدت ومازالت تساعد وبشكل مباشر على المحافظة على الأمن فالماضي ليس كله شر كما أن الحاضر ليس بالضرورة هو الأفضل,والأيام حُبلى بالجديد والقادم غيب قال تعالى :  وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ 
المطلب الثالث : مناهج التربية الإسلامية
خير شاهد على الواقع لنجاح مناهج التعليم في مكافحة العنف والتطرف فهي تساهم بدور فاعل في خدمة الأمن لدى الطلاب فمواد التربية الإسلامية تدرس في جميع المراحل الدراسية منذ المرحلة الابتدائية إلى أعلى المراحل الدراسية مع اختلاف مسمياتها في الدول العربية والإسلامية وتقوم مواد التربية الإسلامية على ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الطلاب في المراحل الأولى للتعليم ، ومما لا شك فيه أن انعكاس هذه العقيدة على سلوك التلميذ سوف يجعل منه مواطناً صالحاً مساعداً في أمن وطنه وأمانه وباستعراض افتراضي لدروس التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية مثلا نجد أنها ترتكز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تربي النفس على القيم الفاضلة وتحذر من انتهاك المحرمات والفساد في الأرض ومناقشة موضوعات مهمة في مجال الأمن مثل آثار الخلاف والعداوة بين المسلمين ومفسدات علاقة المسلم بأخيه وتحريم الظلم.
مناهج التربية الإسلامية المعتدلة تكرَّس الثقافة الأمنية لدى التلاميذ وإبعادهم عن مواطن الشبهات حيث يناقش مواضيع مهمة لمراحلهم العمرية المتقدمة في ضوء الكتاب والسنة حسب لجان التخصص في وضع المناهج الذين يرعون في إعدادها قطع دابر العنف والتطرف وإحياء الوسطية والاعتدال ومن ذلك توضيح حرمة أذى الناس وخطورة الإشارة بالسلاح على المسلم أو ترويعه وتحريم حمل السلاح على المسلمين وقتالهم إلى غير ذلك من موضوعات أمنية تتعلق بأمن المجتمع وحمايته من الجريمة والانحراف من خلال استعراضه لموضوعات مناهج التربية الإسلامية الخالدة التي منها الحدود , حرمة الدماء , الحربة , وجوب طاعة ولي الأمر, تحريم الانتحار , التعامل مع الكفار , أحكام المرتدين , ضوابط التكفير, موضوعات الجريمة في الفقه الإسلامي حافلة بمؤلفات للعلماء القدامى والمعاصرين في التعريف بالجريمة وأقسامها وأضرارها على المجتمع وكذلك العقوبة وأقسامها وآثارها في المجتمع لتوضيح الحد الفاصل بين المقبول في المجتمع وغير المقبول ولردع من تسول له نفسه اقتراف الجرم لمعرفة نوع العقوبة التي سوف تطبق عليه وهذا يعد منهجاً علمياً تدعو له بعض نظريات الجريمة حيث ترى النظرية الكلاسيكية أن معرفة الشخص بنوع العقوبة التي سوف تطبق عليه عند ارتكاب السلوك الإجرامي وسيلة لردع الأفراد عن ارتكاب السلوك الإجرامي.
وتجدر الإشارة إلى أنه على رغم أن المواد الدينية في المدارس الإسلامية ضعيفة لحدٍٍ ما أو هامشية تحت مسمى ( الثقافة الإسلامية ) إلا أن المملكة العربية السعودية تشكل مناهج التربية الإسلامية حجر الزاوية في التوعية الأمنية لحفظ المجتمع من الجريمة والانحراف إضافة للمواد الأخرى التي تؤدي دوراً مهماً في مساعدة المواد الدينية على تأصيل هذا الجانب ويبقى ( المعلم ) بيت القصيد في نجاح هذه المناهج ووصولها للمتلقي باعتدال ووسطية محمودة العواقب , جميلة النتائج وذلك انطلاقاً من السياسة العليا للتعليم في المملكة العربية السعودية التي تؤكد في أكثر من مادة من موادها على أن تربية المواطن المؤمن هو الهدف الأساس لهذه السياسة حتى يكون لبنة صالحة في بناء أمته ووطنه ويكون قادراً على الدفاع عن وطنه عند الحاجة لذلك فالمدرسة في المجتمع السعودي تؤدي دوراً حيوياً في نشر الوعي الأمني بين التلاميذ، وتشكل لبنة مهمة من لبنات الأمن في المجتمع السعودي فالمواد الدراسية في مجملها تهدف إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع حيث أصبحت كلمة الوطنية في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية الناشئة حتى أصبحت التنشئة السياسية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للسلطة الرسمية ويبرز الدور المهم الذي يجب أن تؤديه المدرسة في تأكيد أهمية عملية التربية الوطنية حيث إن الأمن يتحقق فقط عندما يشعر الجميع بمسؤوليتهم نحو الوطن.
وأعتقد أن التربية الوطنية يجب أن تصاغ بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث تصبح جزءاً من المناهج الدراسية ، فالوطنية ليست مادة تدرس وإنما سلوك يجب أن يتفاعل من خلال المواد الدراسية جميعها ويجب أن يكون الأستاذ والمدرسة بجميع العاملين فيها قدوة ونموذجاً للطلاب لتكريس مفهوم الولاء الوطني ليكون سلوكاً وممارسة وليس مواد نظرية تدرس بعيداً عن الواقع.
إن المجتمعات الحديثة اتجهت بوظيفة المدرسة من مجرد مؤسسة للتعليم إلى مؤسسة تعليمية ذات وظيفة اجتماعية مسايرة لتطورات الحياة الاجتماعية كما أصبحت المدرسة توصف بأنها مجتمع صغير يُدربُ طلابه على العمل المحلي وعلى تحمل المسؤولية حيث يتمثل التلاميذ معنى النظام وفكرة الحق والواجب ،بل أصبح بعضهم يصف المدرسة بأنها مؤسسة تنظيمية تقوم على خدمة المجتمع ودراسة البيئة والتعرف عليها والوقوف على مواردها واحتياجاتها واشتراك الأهالي في تمويل المشروعات وتنفيذها لأن المؤسسة الوحيدة التي ترتبط بجميع أفراد البيئة هي المدرسة ، وهكذا تطورت وظيفة المدرسة كمؤسسة اجتماعية إلى المساهمة في أعمال المجتمع الكبير بعد أن كانت منعزلة عنه وأتاحت للآباء والأمهات أن يدخلوها ليتشاوروا في مصالح أبنائهم ومصالح المدرسة
إن التوسع الذي شهدته المدرسة لكونها مؤسسة اجتماعية رائدة قل نظيرها في المجتمعات المعاصرة، يدعو إلى محاولة سبر غور هذه المنشأة الهامة وتشريح دورها فالبيت بغض النظر عن قيامه بدوره وواجباته يدفع بالأبناء إلى بوابة المدرسة حيث تتكفل أجهزة التربية والتعليم بالقيام بصقل تلك العقول الغضة وتلقينها أسس الفضائل من خلال المناهج الدراسية ليكونوا مواطنين صالحين في مستقبل أيامهم ، فهي مصنع الشباب والفتيات الذين سوف يقودون زمام المجتمع في يوم ما ، وتلك حتمية الحياة وصيرورتها الأزلية . وتكمن الخطورة في استغلال هذه العقول الصغيرة وتوجيهها إلى مسارات تبتعد بها عن جادة الطريق السوي، وأعني قيام بعض من لهم علاقة بالعملية التعليمية بغرس أفكارهم الخاصة ومفاهيمهم وما يعتقدون أنه صواب ( من وجهة نظرهم فقط ) والإصرار على تلقين الطلاب تلك الأفكار، والتركيز على أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع أنها أفكار خاضعة للأخذ والرد .
إننا أمام إشكالية انحراف البعض بمسيرة التعليم بالرغم من الضوابط المنهجية التي تفرضها الجهات المعنية، ذلك أن علاقة الطالب بأستاذه لا تنحصر في الصف الدراسي فقط، بل تتعداه كما هو معلوم إلى النشاطات غير الصفية ، وهي مجال خصب وبيئة صالحة لتفريخ الكثير من الأفكار الغريبة ، والتوجهات التي تسعى إلى فرض نفسها بأساليب أقلها العنف والشدة ، والنتيجة أن ينحرف سلوك الطالب تجاه أقرانه ليفرض عليهم أفكاره التي استقاها دون تثبت من بعض أساتذته، فهو لا يملك أدوات التثبت لأنه غير مطلع على المصادر التي تتناول الموضوعات الخلافية وتنظر فيها بعين التدبر والعمل على إخضاعها لموازين الكتاب والسنة وأقوال العلماء وأهل الاجتهاد . وللأسف يخرج هذا الجيل – وهم قلة والحمد لله – وقد حمل بذرة العنف والإرهاب والتطرف، ويكون ديدنه بين الناس، فهو عندما يغادر المدرسة (المجتمع الصغير ) يجد نفسه وجهاً لوجه أمام مجتمع كبير يجمع كل ألوان الطيف الثقافي والفكري والديني بمختلف مذاهبه، بينما يكون متشبعاً بأفكار لا يتزحزح عنها ويرى أنها الحق ولا شيء غيره، ومع ذلك تكتنف عقله هالة من القدسية تجاه ما يؤمن به ويحسب أن مفاتيح الجنان معلقة بتنفيذ أفكاره على أرض الواقع حتى إذا ما اصطدمت بالنظام أو الدولة رفض بكل التعاليم الدينية التي تدعو إلى التسامح وعدم الغلو ونبذ التطرف، فهو ربما لم يسمع بها، أو أنها تتنافى مع معتقداته الفاسدة الضالة، وهكذا تجد هذه الفئة المنحرفة نفسها في جيوب منعزلة وتعمل في الظلام لتنفيذ مآربها، وتصل الكارثة إلى قمة المأساة عندما يقوم هؤلاء الإرهابيون المجرمون بتدمير الممتلكات بالمتفجرات ظناً منهم أن ذلك من الدين، والدين منه براء .
أن المدرسة تسعى لضبط علاقة الطالب بالمجتمع الصغير وفق أنظمة ولوائح تضمن الحقوق والواجبات، وهذا تدريب عملي على ممارسة الانضباط نفسه في المجتمع الكبير، بين الفرد ومن حوله في العمل والبيت ومع الدولة بمختلف مؤسساتها ، كل ذلك وفق أنظمة وقوانين تنظم هذه العلاقة وترعى مصالح الجميع ، علماً بأنه يتم التمهيد لكل ذلك من خلال إتاحة الفرصة للتلاميذ لكي يتدربوا على استخدام عقولهم وأفكارهم واستنباط حلول للمشكلات التي تعترضهم بعيداً عن العنف والإرهاب كما أن الجمعيات الأدبية والمنابر الخطابية وغيرها من وسائل التعبير عن النفس ذات أثر كبير في تذويب الفوارق بين التجمعات الطلابية ويجب أن تسير هذه المنظومة في إطار بعيد عن تدخل الكبار إلا من قبيل التوجيه عن بعد ، ولكنها حتماً سوف تفسد فساداً كبيراً إذا تبنت أفكار الآخرين وأصبحت تغذيها بأسلوب يمنع عنها الاحتكاك بالأفكار الأخرى مع رفض الآخر والعمل على عزله وإنكار حقه في التعبير عن ذاته .بعد عرض جميع النشاطات المختلفة على نصوص الشريعة وما شذ منها وكان بعيدا عن معنى الوحدة والتسامح والحب والوفاء بالعهد فإنها ستكون هذه التوجهات هي البذرة الأولى والأكثر خطورة في إذكاء روح العدوانية والعنف والتطرف والإرهاب.
المبحث السابع :
المؤسسات الأمنية :
الأمن بمعناه الواسع ومقاصده السامية هو أساس كل تنظيم لأنه العمود الفقري للحياة الإنسانية كلها وأساس الحضارة والمدنية والتقدم والازدهار في سائر فروع المعارف البشرية والفنون والآداب والتجارة والسياحة وأداء المناسك والشعائر الدينية وقد أوكلت إلى الجهات الأمنية مهمات الحفاظ على هذه المكتسبات القيمة، فهي مثقلة بكثير من المهام الكبيرة المناط بها تحقيقها حفاظاً على الأمن والأمان اللذان هما عصب الحياة ومنبع حركتها ومصب إنجازاتها والمتتبع لتطور لوزارة الداخلية في العالم التي تقع تحت مظلتها جميع الأجهزة الأمنية يجد أنها تشتمل على أقسام عديدة تُعنى بالأمن إضافة إلى كليات وأكاديميات وأنشطة تدريبية تقنية تهدف لرفع مستوى رجال الأمن فالنشاطات الأمنية أصبحت معروفة لدى العام والخاص فمن المعلوم أن مهمة قوات الأمن هي المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وحماية الأرواح والأعراض والأموال، ومن مسؤوليات رجال الأمن التأكد من استمرارية النشاط العادي للمجتمع بسلام ولذلك فمن واجبهم أن يضبطوا ويقبضوا على أولئك الأفراد من أعضاء المجتمع الذين لا يتجاوبون مع رغبات مجتمعهم في استمرار الهدوء والاستقرار ومنع الاضطرابات
مهمة الضبط التي تقوم قوات الأمن بها تتعلق بصفة مبدئية بأولئك الأشخاص الخارجين على المجتمع ، ولا يتسنى السيطرة الكاملة على هؤلاء حتى يوضع شرطي على كل زاوية من زوايا الشوارع ،ولكن المجتمع يحتاج إلى ظروف تقلل الاضطراب والفوضى وهذه الظروف ينبغي أن تتوافر في إطار التقاليد والعادات الاجتماعية والأنظمة التي تعمل على خدمة المجتمع والمحافظة عليه ،وقوات الأمن في المجتمعات المتقدمة تعد مسئولة عن المجتمع وتعمل على خدمته ولكي تواجه قوات الأمن مسؤولياتها فإنها يجب أن تضطلع بأربع مهمات:
1/ ضبط الجريمة
2/ منع الجريمة
3/ تنظيم السلوك
4/ الاستعداد للخدمة
إن هذا التاريخ الناصع في العمل الأمني في المملكة العربية السعودية كمثال يُحتذى يجعلنا ندرك الدور الخطير والهام الذي تضطلع به هذه القوات المتنوعة المهارات والتدريب ، بيد أن الهجمة الشرسة التي تعرضنا إليها أخيراً على يد الإرهاب وأعوانه ومنفذوه جعلتنا نقف لوهلة أمام مرض غامض لم يخطر ببال أحدنا أن يكون من بني جلدتنا، ولكن بعودة رباطة الجأش وتماسك الجبهة الداخلية سريعاً عادت المبادرة إلى يد قوات الأمن وبسطت سيطرتها على الوضع تماماً،وانتقلت المهمة من مطاردة فلول الإرهابيين بعد تنفيذ عملياتهم القذرة، إلى استطلاع وإحباط تلك العمليات قبل وقوعها ، وهذه قمة العطاء وأقصى ما يطمح إليه المواطن والمقيم على ثرى هذا البلد الحبيب ، وإنني على يقين أن القيادات الأمنية لقادرة بإذن الله على تفكيك كل جيوب الإرهاب واقتلاع شأفتها ودحرها إلى غير رجعة ، فهي نبت شيطاني مصيره إلى زوال، ومن بقي منهم على قيد الحياة فإنه عائد لا محالة إلى حضن الوطن المقدس بأحب البقاع عند الله مكة والمدينة يعود التائب إلى مرافئ الأمان بعد أن يتبين له الضلال والغي الذي سدر فيه ، وهنا لا بد أن تتكاتف جميع الجهود المدنية والأمنية لرأب الصدع واللجوء إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وفي ذات الوقت شحذ همم الحزم والقوة والردع لكسر موجة الإرهاب وتحجيمه إلى أقصى حد ممكن وفي هذا الإطار فإن كل ما تقدم يذوب وينصهر في بوتقة واحدة تسير وفق وتيرة موحدة ومتناغمة لخدمة أثمن ما نملك وهو الأمن والأمان.
واجب المجتمع تجاه رجال الأمن
الأمن ضرورة من ضرورات الحياة وعامل أساسي لبقائها ومن المستحيل أن يقوم المجتمع ولا يتم الأمن إلا برجاله والقائمين على ضبطه مهما اختلفت المسميات والوظائف التي تجتمع كلها في حفظ الأمن الذي شرف الله من سعى في ضبطه من باب قدسية النعمة الإلهية وهم تبع لها لقيامهم على حفظها والعناية بها وإيقاع أقصى العقوبات لمن أراد النيل منها أو الإخلال بها فمشاريع الحياة لا تقوم إلا بالأمن ففي ظله تحفظ الأعراض والأموال،وتدوم الحياة بحفظ الدماء المحترمة والمعصومة فضعف الأمن هو الشرارةُ الأولى لإثارة الفتن والحرب الداخلية لاسيما أنَّ انقلاب الأمن وزعزعة الاستقرار أسهل بكثير من إمكانية ضبط إعادته وإذا انعدم الأمن حصلت مفاسد القتلُ والاغتيالات والتفجيراتُ وغيرها من الأعمال الإرهابية فجهود رجال الأمن كالشمس في رابعة النهار لا ينكرها إلا جاهل أوحاقد ويكفيهم فخرا ضبطهم لكميات الأسلحة والمتفجرات المخيفة قبل استخدامها من مواد C4أو TNT أو القنابل اليدوية والمواد البيولوجية أو الآربحي التي عرضت وسائل الإعلام صورا لها مما تسبب زعزعة الأمن في المجتمع لولا أن الله أعان رجال الأمن فضبطت قبل استخدامها في إعمالهم الإرهابية المشينة التي كانت التداعيات المصاحبة لها شاهد عيان لشرها وعظيم خطرها من القتل والترويع وإزهاق الأنفس المحترمة وسفك الدماء المعصومة , أن كيلوا واحدا من TNT يكفي لتدمير بناية بمساحة 100متر مربع وقوة تدمير PBX كافية لإزالة بناية مكونة من 10طوابق استطاع رجال الأمن أن يحبط عددا منها بتوفيق الله وحده .
رجال الأمن صمام آمان لهذه الأمة من الأخطار والفساد ويجب دعمهم والوقوف معهم ضد المفسدين والمخربين ولهم منا كل الشكر والتقدير لما يبذلونه من وقت نفيس في حماية أرواح المجتمع وأن عملهم هذا من نوع الجهاد لاحرمهم الله الأجر والعافية ودعوتي لكافة أفراد المجتمع أن يتعاونوا معهم وأن يتحملوا تفتيشهم الدقيق وطول الانتظار فما ذاك إلا لمصلحة الجميع وأن أصابكم أحدنا الملل والسآمة من ذلك فلنتذكر جهود رجال الأمن وتحملهم لساعات طويلة واقفين يتعرضون لتغيرات الجو الطبيعية صابرين على تصرفات لا تليق من بعض إفراد المجتمع لاسيما وأن الوقت حرج والأحداث مخيفة تتطلب مثل هذه الإجراءات التنظيمية فضلا عن شعورنا النبيل تجاه رجال بذلوا حياتهم رخيصة لأجل الأمن واستتبابه .
إن ما حصل من قتل لرجال الأمن أثناء المداهمات أو حين القبض على بعض الإرهابيين لهوشرُكبير يجب محاربته وإنكاره والوقوف ضد مرتكبيه بكل قوة مهما كانت ومشاهد دماء رجال الأمن وجنائزهم محفورة في الذاكرة لا تنسى لكن عزاؤنا أننا نحتسبهم شهداء عند الله فهم أصحاب الأعين الساهرة في حفظ اشرف البقاع عند الله وحين نتحدث عنهم فإن الأمانة على كواهلهم عظيمة فهم صمام الآمان لأقدس بلاد على وجه الأرض ومهما قدموا من التضحيات فهي عند الله مأجورة ولهم في رسول الله  وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما الأسوة الحسنة في عمل رجل الأمن وواجباته وعليهم بالصبر والاحتساب في تقصي المجرمين والقضاء عليهم فجهودهم مشكورة وأعمالهم مشروعة وقد كان رسول الله يرسل العيون من الصحابة وفي حادثة العرنين الذين قتلوا الراعي واستاقوا الإبل أرسل الرسول في طلبهم والبحث عنهم وأوقع بهم أشد العقوبة إذ قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وما يقال من شدة رجال الأمن وقسوتهم فهذا يتطلبه الحدث ومستواه الحقيقي ولم تكن الشدة والقسوة عذرا لاختلال الأمن بل الضبط يتطلب نوعا من ذلك ولا حرج وأعمال التحقيق لا تخلو من المتابعة والإيقاف لحين ظهور الحق وبيانه أما التجسس المنهي عنه فهو تكشف العورات وانتهاك الحرمات لأجل شهوة دنيوية وليس عمل الإخوة من رجال الأمن من ذلك في شيء
رجال الأمن جزء من المجتمع فكلمة أهمس بحروفها لأمهات وآباء وزوجات وأولاد رجال الأمن هنيئا لكم هذا الشرف بانتساب ذويكم لهذا الجهاز الهام كيف لا!! وهو يقدم أعظم الأعمال وأزكاها عند الله بحفظ هذه البلاد المقدسة من المجرمين والمفسدين وهو نوع من الجهاد الذي يؤجرون عليه وواجب عليكم أن تقفوا معهم وتخففوا عليهم ما يعانونه من الأعمال الشاقة في ضبط الأمن , وكم هو جميل أن يرى رجل الأمن والدا أو أخا أو ابنا من عائلته التقدير والاهتمام وربما أقول وبصراحة الدعم النفسي هو ما يحتاجه رجل الأمن فلئن كان الدنيا مصاعب فإن الأهل سلونها فدعوة للزوجات خاصة أن تخفف على زوجها رجل الأمن فهي السكن له والراحة والاطمئنان ولو كان ذلك مقابل التنازلات لبعض الحقوق وتقليل المناسبات والطلبات العائلية قدر الإمكان ولتعلم الزوجة أن وقت زوجها ليس ملكه بل ملك الجميع وهذه سنة الله وقدره ويجب عليها أن تكون عند مستوى الحدث الذي تعيشه البلاد وهكذا نقول لأمهاتنا وآبائنا أن يقلوا اللوم على الأبناء رجال الأمن باعتذارهم المتكرر عن بعض المواعيد الطبية أو المناسبات العائلية بعد حدوث بعض الأعمال الإرهابية وملاحقة من تسبب فيها وأما من مات من رجال الأمن فعاجل البشرى لأهله أنه شهيد إن شاء الله ...
المبحث الثامن :
الملتقيات واللقاءات المحلية والدولية :
كم هو جميل أن نرى ونشاهد تفاعل أرباب الكلمة وصُناع القرار في دعم الملتقيات المعنية في مكافحة الإرهاب التي تأتي لتبين النظرة الحقيقة والصادقة لموقف الإسلام عن الإرهاب والعنف وأنه يرفض كآفة أصناف الاعتداء على الآخرين وتروعيهم بأي وسلية كانت وخاصة ممن يقيم بينهم من أصحاب الديانات الأخرى وقد شرفت المملكة العربية السعودية باستضافة مؤتمرين عالميين خلال من عام 1423 وحتى عام 1425 هـ عن الإرهاب كان لهما متابعة جيدة عبر أواسط الإعلاميين في كافة أنحاء العالم ونقل الصورة الحقيقة لموقف الإسلام في محاربة الإرهاب فضلا عن الملتقيات المحلية على مستوى مؤسسات المجتمع المختلفة .
المؤتمر الأول :  المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب
والذي نظمته وزارة الخارجية وعقد بمركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات بالعاصمة الرياض تحت رعاية كريمة من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير/ عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وبمتابعة مباشرة من سمو وزير الخارجية وضم قرابة خمسة وسبعين دولة ومنظمة واتحاد عربي ودولي على مستوى الخبراء لتناول وتبادل المعلومات والوسائل التقنية لمكافحة الإرهاب الذي يأتي ردا مباشرا لمن يُسيء لسمعة الإسلام والمسلمين الذي هو دين التسامح والوسطية والاعتدال
أهداف المؤتمر
* توضيح المفاهيم الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة بارزة على السطح
* رصد التطورات التاريخية والفكرية لهذه الظاهرة
* التعرف على الجوانب التنظيمية للمنظمات الإرهابية وتشكيلها
وطرق عملها ومكافحة التنظيمات الداعية للعنف والتطرف
* دراسة مدى العلاقة بين الإرهاب من جانب وغسيل الأموال من جانب آخر
محاور المؤتمر:
* جذور الإرهاب
* العلاقة بين الإرهاب والمخدرات
* الثقافة والفكر الإرهابي
* العلاقة بين الإرهاب وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال
توصيات المؤتمر
من أهمها :
* الإجماع على إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب
* اعتبار الأمم المتحدة المنتدى الرئيسي لتوحيد التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب
* يجب الاتفاق على تعريف شامل ( للإرهاب )
* حث الدول على اتخاذ كآفة التدابير الكفيلة بمنع الإرهابيين من امتلاك أسلحة دمار شامل
* الدعوة لتعزيز التعاون على المستويات الدولي والإقليمي والثنائي لتحديد وتفكيك الخط المالي للإرهاب
* دعم جهود الإصلاح الوطني للتصدي للظروف التي تعزز العنف والتطرف
* دعوة الدول إلى اعتماد استراتيجيات وطنية وفاعلة وشاملة وموحدة لمكافحة الإرهاب
* التشجيع على إنشاء مراكز وطنية وإقليمية متخصصة في مكافحة الإرهاب

المؤتمر الثاني :  موقف الإسلام من الإرهاب
والذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية وقد شارك فيه لفيفٌ من أصحاب الفكر وقادة الرأي في عدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. وتم توزيع الدراسات والمناقشات التي جرت في المؤتمر بشكل فوري بخمس لغات وهي العربية والانكليزية والفرنسية والاسبانية والفارسية كما ويمكن الاطلاع عليها في الموقع الكتروني على الانترنت الذي أعد لهذا الغرض وعنوانه : www.islamstand.org
أهداف المؤتمر
* الكشف عن جذور الإرهاب والعنف والتطرف ، وأنه نتاج لفكر منحرف عن تعاليم الإسلام
* بيان وسطية الإسلام وعدالة تعاليمه وبعدها عن العنف ودعوتها إلى الحوار والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن.
* توضيح الرأي الشرعي المستند إلى الدليل حول الأحداث الأخيرة.
* الإسهام في الدفاع فكريّاَ وعلمياَ عن المملكة العربية السعودية وفضح ما يروج عنها في الخارج وما يلفق حول موقفها من أكاذيب وتهم.
* تقديم المقترحات العلمية والتربوية والنفسية والاجتماعية للجهات المختصة إسهاماَ في العلاج المطلوب.
* توضيح موقف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بجلاء من الفكر المنحرف ومن ثم إبطال التهم التي يحاول البعض إلصاقها بها.
* الإسهام مع سائر القطاعات في المملكة العربية السعودية في حماية وتأمين جبهته الداخلية
المحور الأول : حقيقة الإرهاب والعنف والتطرف
* المفاهيم واختلاف وجهات النظر حولها .
* الجذور .
* المظاهر والأشكال .
المحور الثاني :الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان الشرع
* في القرآن والسنة .
* في مواقف الصحابة والتابعين .
* في مواقف العلماء ماضياَ وحاضراَ .
المحور الثالث :الإرهاب والعنف والتطرف ( التاريخ ، الأسباب ، النتائج )
* التاريخ .
* الأسباب :( الفكرية ، الاقتصادية ، السياسية ، الاجتماعية ، النفسية ، التربوية وغيرها ) .
* النتائج :( الفكرية ، الاقتصادية ، السياسية ، الاجتماعية ، النفسية التربوية وغيرها ) .

المحور الرابع : التعامل مع الإرهاب والعنف والتطرف
* وظيفة العلماء والدعاة .
* وظيفة الأسرة .
* وظيفة المدرسة .
* وظيفة المؤسسات الاجتماعية .
* وظيفة المؤسسات الإعلامية .
* وظيفة المؤسسات الأمنية .
المحور الخامس : وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار
* وسطية الإسلام .
* سماحة الإسلام .
* دعوته للحوار .
المحور السادس : موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب والعنف والتطرف ماضياَ وحاضراَ
* الأسس التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف في الماضي ( داخلياَ ، وخارجياَ ) .
* جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف في الحاضر .
توصيات المؤتمر
* التأكيد على رفض الإرهاب المتمثل في العدوان سواء كان مصدره الأفراد أو الجماعات أو الدول وأن الإرهاب عمل إجرامي لا تقره الأديان السماوية ولا القوانين الوضعية، كما أنه ظاهرة عالمية لا ترتبط بدين ولا ثقافة ولا جنس.
* أهمية الاتفاق العالمي على تحديد مفهوم دقيق للإرهاب يمكن الاحتكام إليه عند الاختلاف والمنازعات حتى لا يصبح هذا المصطلح مجالا للتأويلات والادعاءات.
* أهمية استمرار الجامعة وغيرها من المؤسسات العلمية في إقامة الملتقيات والندوات العلمية بصفة دورية لبحث هذه الظواهر المعاصرة التي تهم المجتمعات المحلية والدولية.
* التأكيد على بيان مفاسد الغلو والتطرف والإرهاب العدواني من حيث كونه بدعة في الدين وسبباً لهلاك الأمم وفيه مشابهة لأهل الضلال وأنه يناقض ما بنيت عليه الشريعة من السماحة، ومطالبة العلماء بتبصير عامة المسلمين وغيرهم بسماحة الشريعة الإسلامية ومراعاتها لحقوق جميع البشر.
* تأليف كتب وبحوث علمية دقيقة متخصصة في موضوع الإرهاب والتطرف والعنف والغلو وترجمتها إلى اللغات العالمية.
* التأكيد على معالجة أسباب التطرف وبواعثه من خلال نشر العلم وتحقيق العدالة وإزالة أسباب الظلم في المجتمعات، واحترام حقوق الإنسان وخصوصيات الشعوب.
* الحرص على تحصين الشباب وحمايتهم من الانجراف إلى التطرف والعنف بوسائل منها :
أ- الحوار والإقناع.
ب- شغل أوقات الشباب بما ينفعهم وينمي مهاراتهم.
ج- التأكيد على مفاهيم التسامح والبعد عن الغلو من خلال مناهج التعليم ووسائل التثقيف والإعلام.
* ضرورة التفريق بين الإرهاب الذي تمقته الشريعة الإسلامية وجميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية وبين المقاومة المشروعة في سبيل التحرر من الظلم والاستبداد والاحتلال الأجنبي.
* التأكيد على أن الدعوة الإصلاحية التي قام بهاو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي دعوة إسلامية تقوم على مبادئ الإسلام الصافية البعيدة عن الغلو والتطرف والإرهاب.
* تأسيس مركز للدراسات الإسلامية المعاصرة والحوار بين الحضارات يهدف إلى دراسة العوامل المؤثرة في العلاقة بين الحضارات وما يعيق التواصل بينها من ظواهر سلبية كظواهر العنف والإرهاب والتطرف.
* التأكيد على تعزيز التواصل وتبادل الزيارات بين العلماء والمفكرين من المملكة ونظرائهم من علماء الغرب وغيرهم من أجل الإسهام في تعزيز الحوار وإزالة سوء الفهم حول الكثير من القضايا.
* التأكيد على أهمية قيام العلماء ببذل المزيد من التواصل الفكري مع الشباب من خلال تكثيف اللقاءات والحوارات حول الإرهاب والعنف والتطرف.
* التأكيد على أهمية دور وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في احترام القيم والأخلاق والآداب العامة.
* نشر بحوث المؤتمر ومداولاته في سجل علمي وترجمتها إلى عدد من اللغات العالمية

المبحث التاسع :
 الإرهاب الإلكتروني 
وجد الإرهابيون مساحة واسعة لبث و نشر أفكارهم الباطلة والدعوة إلى مبادئهم السيئة للمجتمع على شبكة الإنترنت العالمية التي ينطلقون منها بأمان محدود وبأسماء مستعارة عبر مواقعهم ومنتدياتهم النصية والصوتية والمرئية حتى غرف نظام المحادثات الصوتي الكبير المعروف بالبالتوك لم يسلم من أهدافهم الإلكترونية لتغذية الفكر الإرهابي واصطياد اكبر عدد ممكن من الشباب و المتعاطفين معه وتجنيدهم لدعمه ماليا ومعنويا بشتى الوسائل الممكنة تحت عبارة ( تفجير نت ) و( تكفير كوم ) حتى تم تعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات الإرهابية وذلك بإنشاء مواقع لتعليم صناعة المتفجرات وطرق الاغتيال وإحراق المؤسسات الحيوية وأبرز أساليب الخطف وتنظيف الأسلحة الخفيفة وإعادة صيانتها فضلا عن الإسعافات الأولية وطرق المداهمة واستهداف رجال الأمن مع نشر كآفة الطرق الإلكترونية لكيفية اختراق وتدمير المواقع، وطرق اختراق البريد الإلكتروني ، وكيفية الدخول على المواقع المحجوبة ، وطريقة نشر الفيروسات وغير ذلك
الإنترنت مكان آمن للالتقاء :
إذا كان التقاء الإرهابيين والمجرمين في مكان معين لتعلم طرق الإرهاب والإجرام ، وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات صعبا في الواقع فإن الإنترنت تسهل هذه العملية كثيراً ، إذ يمكن أن يلتقي عدة أشخاص في أماكن متعددة في وقت واحد ، ويتبادلوا الحديث والاستماع لبعضهم عبر الإنترنت ، بل يمكن أن يجمعوا لهم أتباعاً وأنصاراً عبر إشاعة أفكارهم ومبادئهم من خلال مواقع الإنترنت ومنتديات الحوار ، وما يسمى بغرف الدردشة ، فإذا كان الحصول على وسائل إعلامية كالقنوات التلفزيونية والإذاعية صعبا ، فإن إنشاء مواقع على الإنترنت ، واستغلال منتديات الحوار وغيرها لخدمة أهداف الإرهابيين غدا سهلاً ممكناً، بل تجد لبعض المنظمات الإرهابية آلاف المواقع ، حتى يضمنوا انتشاراً أوسع ، وحتى لو تم منع الدخول على بعض هذه المواقع أو تعرضت للتدمير تبقى المواقع الأخرى يمكن الوصول إليها.
لقد وجد الإرهابيون بغيتهم في تلك الوسائل الرقمية في ثورة المعلوماتية، فأصبح للمنظمات الإرهابية العديد من المواقع على شبكة المعلومات العالمية الإنترنت، فغدت تلك المواقع من أبرز الوسائل المستخدمة في الإرهاب الإلكتروني.
جهود المملكة العربية السعودية في التصدي للإرهاب الإلكتروني
تتميز المملكة العربية السعودية باعتمادها على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة شريعة وحكما في جميع شؤون الحياة ، ومن هذا المنطلق فإن التعاملات المرتبطة بتقنية المعلومات ، كغيرها من مجالات الحياة ، تخضع للأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة , وفي ضوء تلك الأحكام تقوم الجهات المعنية بوضع اللوائح المحددة لحقوق والتزامات الأطراف المختلفة ، كما تقوم الهيئات الأمنية والقضائية والحقوقية بتنزيل تلك الأحكام واللوائح على القضايا المختلفة.
ولقد صدرت في المملكة العربية السعودية بعض الأنظمة واللوائح والتعليمات والقرارات لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني ، ونصت تلك الأنظمة على عقوبات في حال المخالفة لهذه الأنظمة والتعليمات واللوائح ، كقرار مجلس الوزراء رقم (163) في عام 1417هـ الذي ينص على إصدار الضوابط المنظمة لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها ، ومن ذلك :
1/الامتناع عن الوصول أو محاولة الوصول إلى أي من أنظمة الحاسبات الآلية الموصولة بشبكة الإنترنت ، أو إلى أي معلومات خاصة ، أو مصادر معلومات دون الحصول على موافقة المالكين أو من يتمتعون بحقوق الملكية لتلك الأنظمة والمعلومات أو المصادر
2/ الامتناع عن إرسال أو استقبال معلومات مشفرة إلا بعد لحصول على التراخيص اللازمة من إدارة الشبكة المعنية بالخدمة
3/ الامتناع عن الدخول إلى حسابات الآخرين ، أو محاولة استخدامها بدون تصريح.
4/ الامتناع عن إشراك الآخرين في حسابات الاستخدام أو إطلاعهم على الرقم السري للمستخدم .
5/ الالتزام باحترام الأنظمة الداخلية للشبكات المحلية والدولية عند النفاذ إليها.
6/ الامتناع عن تعريض الشبكة الداخلية للخطر ، وذلك عن طريق فتح ثغرات أمنية عليها.
7/ الامتناع عن الاستخدام المكثف للشبكة بما يشغلها دوماً ويمنع الآخرين من الاستفادة من خدماتها.
8/ الالتزام بما تصدره وحدة خدمات ( الإنترنت ) بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من ضوابط وسياسات لاستخدام الشبكة.
9/ نص القرار على تكوين لجنة دائمة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية وزارات: الدفاع ، والمالية ، والثقافة والإعلام والاتصالات وتقنية المعلومات، والتجارة ، والشؤون الإسلامية والتخطيط ، والتعليم العالي، والتربية والتعليم ، ورئاسة الاستخبارات ، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، وذلك لمناقشة ما يتعلق بمجال ضبط واستخدام (الإنترنت) والتنسيق فيما يخص الجهات التي يراد حجبها ، ولها على الأخص ما يأتي :
أ / الضبط الأمني فيما يتعلق بالمعلومات الواردة أو الصادرة عبر الخط الخارجي للإنترنت والتي تتنافى مع الدين الحنيف والأنظمة .
ب/التنسيق مع الجهات المستفيدة من الخدمة فيما يتعلق بإدارة وأمن الشبكة الوطنية .
وهذا القرار يبين مبادرة المملكة العربية السعودية وسعيها لتنظيم التعاملات الإلكترونية وضبطها.
ولقد بدأت المملكة العربية السعودية في عقد دورات تدريبية ، هي الأولى من نوعها حول موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي بمشاركة مختصين دوليين، وتقدر تكلفة جرائم الحاسب الآلي في منطقة الشرق الأوسط بحوالي 600 مليون دولار ، 25% من هذه الجرائم تعرض لها أفراد ومؤسسات من السعودية خلال عام 2000م فقط ، وفيما تعمل لجنة سعودية حكومية مكونة من وكلاء الوزارات المعنية بهذا الموضوع على الانتهاء من إنجاز مشروع نظام التجارة الإلكترونية ، فهي مكلفة أيضاً بوضع النظم والبيانات ، وتقييم البنية التحتية ، وجميع العناصر المتعلقة بالتعاملات الإلكترونية ، وتأتي هذه الاستعدادات للحد من انتشار هذا النوع من الجريمة محلياً بعد فتح باب التجارة الإلكترونية فيها خاصة أن العالم يعاني من انتشارها بشكل واسع بعد أن تطورت بشكل لافت للنظر فيما يخص ماهية هذا النوع من الجرائم ومرتكبيها، وأنواعها ووسائل مكافحتها ، إلى جانب الأحكام والأنظمة التي تحد من ارتكابها .
وتهدف الإجراءات في المملكة العربية السعودية إلى تنمية معارف ومهارات المشاركين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الكمبيوتر ، أو عبر شبكة الحاسب الآلي ، وتحديد أنواعها ومدلولاتها الأمنية ، وكيفية ارتكابها ، وتطبيق الإجراءات الفنية لأمن المعلومات في البرمجيات وأمن الاتصالات في شبكات الحاسب الآلي ، والإجراءات الإدارية لأمن استخدام المعلومات ، ويرتكب هذا النوع من الجرائم بواسطة عدة فئات مختلفة ، ولعل الفئة الأخطر من مرتكبي هذا النوع من الجرائم هي فئة الجريمة المنظمة التي يستخدم أفرادها الحاسب الآلي لأغراض السرقة أو السطو على المصارف والمنشآت التجارية ، بما في ذلك سرقة أرقام البطاقات الائتمانية والأرقام السرية ونشرها أحياناً على شبكة الإنترنت ، كما تستخدم هذه الفئة الحاسب الآلي لإدارة أعمالها غير المشروعة كالقمار والمخدرات وغسيل الأموال , وعلى رغم تنوع الفئات التي ترتكب هذه النوعية من الجرائم إلا أن الطرق المستخدمة في الجريمة تتشابه في أحيان كثيرة .
ولذلك فإن أجهزة الأمن بحاجة إلى الكثير من العمل لتطوير قدراتها للتعامل مع جرائم الكمبيوتر ، خاصة في مسرح الجريمة ، حتى يكون رجل التحقيق قادراً على التعامل مع الأدوات الإلكترونية من أجهزة وبرامج
أصبح الإرهاب الإلكتروني هاجسا يخيف العالم الذي أصبح عرضة لهجمات الإرهابيين عبر الإنترنت الذين يمارسون نشاطهم التخريبي من أي مكان في العالم ، وهذه المخاطر تتفاقم بمرور كل يوم ، لأن التقنية الحديثة وحدها غير قادرة على حماية الناس من العمليات الإرهابية الإلكترونية والتي سببت أضراراً جسيمة على الأفراد والمنظمات والدول. ولقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير لمواجهة الإرهاب الإلكتروني ، إلا أن هذه الجهود قليلة ولا نزال بحاجة إلى المزيد من هذه الجهود المبذولة لمواجهة هذا السلاح الخطير.
فالإرهاب الإلكتروني أصبح خطراً يهدد العالم بأسره ، ويكمن الخطر في سهولة استخدام هذا السلاح مع شدة أثره وضرره ، فيقوم مستخدمه بعمله الإرهابي وهو في منزله ، أو مكتبه ، أو في مقهى ، أو حتى من غرفته في أحد الفنادق.
عوامل حفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني :
توصل فضيلة د/ عبد الرحمن السند إلى عوامل تحفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني :
أولاً :أن التعاملات المرتبطة بتقنية المعلومات كغيرها من مجالات الحياة يجب أن تخضع للأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة ، وفي ضوء تلك الأحكام تقوم الجهات المعنية بوضع اللوائح المحددة لحقوق والتزامات الأطراف المختلفة، كما تقوم الهيئات القضائية والأمنية والحقوقية بتنزيل تلك الأحكام واللوائح على القضايا المختلفة ، وفض النزاعات الناتجة عنها.
ثانياً :أن من أعظم الوسائل المستخدمة في الإرهاب الإلكتروني استخدام البريد الإلكتروني في التواصل بين الإرهابيين وتبادل المعلومات بينهم ، بل إن كثيراً من العمليات الإرهابية التي حدثت في الآونة الأخيرة كان البريد الإلكتروني فيها وسيلة من وسائل تبادل المعلومات وتناقلها بين القائمين بالعمليات الإرهابية والمخططين لها.
ثالثاً : اختراق البريد الإلكتروني خرق لخصوصية الآخرين وهتك لحرمة معلوماتهم وبياناتهم والله سبحانه وتعالى نهى عن التجسس،والشريعة الإسلامية كفلت حفظ الحقوق الشخصية للإنسان وحرمت الاعتداء عليها بغير حق. كما أن الاعتداء على مواقع الإنترنت بالاختراق أو التدمير ممنوع شرعاً، ويعد تدمير المواقع من باب الإتلاف وعقوبته أن يضمن ما أتلفه فيحكم عليه بالضمان.
رابعاً :يقوم الإرهابيون بإنشاء وتصميم مواقع لهم على شبكة المعلومات العالمية الإنترنت لنشر أفكارهم والدعوة إلى مبادئهم ، وتعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات الإرهابية ، فقد أنشئت مواقع لتعليم صناعة المتفجرات ، وكيفية اختراق وتدمير المواقع وطرق اختراق البريد الإلكتروني ، وكيفية الدخول على المواقع المحجوبة وطريقة نشر الفيروسات وغير ذلك.
خامساً: حجب المواقع الضارة والتي تدعو إلى الفساد والشر ومنها المواقع التي تدعو وتعلم الإرهاب والعدوان والاعتداء على الآخرين بغير وجه حق من الأساليب المجدية والنافعة لمكافحة الإرهاب الإلكتروني.
سادساً :على الرغم من إدراك أهمية وجود وتطبيق أحكام وأنظمة لضبط التعاملات الإلكترونية والتي تعتبر وسيلة من وسائل مكافحة الإرهاب الإلكتروني، فإن الجهود المبذولة لدراسة وتنظيم ومتابعة الالتزام بتلك الأحكام لا يزال في مراحله الأولية ، وما تم في هذا الشأن لا يتجاوز مجموعة من القرارات المنفصلة واللوائح الجزئية التي لا تستوعب القضايا المستجدة في أعمال تقنية المعلومات كما لا توجد بصورة منظمة ومعلنة أقسام أمنية ، ومحاكم مختصة ، ومنتجات إعلامية لشرائح المجتمع المختلفة.
سابعاً :إن أجهزة الأمن تحتاج إلى كثير من العمل لتطوير قدراتها للتعامل مع جرائم الكمبيوتر والوقاية منها ، وتطوير إجراءات الكشف عن الجريمة ، خاصة في مسرح الحادث بحيث تتمكن من تقديم الدليل المقبول للجهات القضائية وأيضاً يلزم نشر الوعي العام بجرائم الكمبيوتر ، والعقوبات المترتبة عليها ، واستحداث الأجهزة الأمنية المختصة القادرة على التحقيق في جرائم الكمبيوتر ، والتعاون مع الدول الأخرى في الحماية والوقاية من هذه الجرائم.
ثامناً :تضطلع المملكة العربية السعودية بجهود جبارة في مكافحة الإرهاب الإلكتروني ، ولقد أصدرت مجموعة من الأنظمة واللوائح والتعليمات والقرارات لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني ، إضافة إلى عقد دورات تدريبية، هي الأولى من نوعها حول موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي بمشاركة مختصين دوليين.
تاسعاً : على مستوى دول العالم ومع مواكبة التطور الهائل لتقنية المعلومات سنت أنظمة لضبط التعاملات الإلكترونية، وتضمنت تلك الأنظمة عقوبات للمخالفين في التعاملات الإلكترونية ومكافحة الإرهاب الإلكتروني .

المبحث العاشر :
 الأمــــن الفكري 
أمن المجتمع فكريا من أهم وسائل مكافحة الإرهاب بل هو مطلب رئيس لكل أمة إذ هو ركيزة استقرارها وأساس أمانها واطمئنانها فهو كما قيل لب الأمن وركيزته الكبرى
لقد اهتم الإسلام بمنع وتحريم الاعتداء على عقيدة المجتمع المسلم ومحاولة تغييرها والإخلال بأمنهم الفكري والسعي في انحراف الفكر ولاسيما عند الشباب فالأمن الفكري يضطرب إذا انتشرت البدع ولم تكن هناك مرجعية للإفتاء في مسائل تخص المجتمع نفسه وعلاقته بالآخرين ومن ذلك العلاقة مع غير المسلمين كما أن المجتمع بحاجة لفهم التوازن والوسطية والاعتدال ونشرها بين أفراده صغارا وكبارا في ظل طوفان البث الفضائي المرئي والمسموع وظهور شبكة الإنترنت بما فيها من السلبيات والإيجابيات مما جعل مصادر التلقي في مجال الفكر والتربية متعددة ومتنوعة ولم تعد محصورة في المدرسة والمسجد والأسرة وغيرها من مؤسسات المجتمع وقد حمل هذا الطوفان غثاًّ كثيراً وثميناً قليلاً ، إضافة إلى تسويق الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي جعلت تيار الوسط يفقد كثيراً من سالكيه لصالح تيار الجفاء والتفريط في ثوابت الفكر والخلق في أكثر الأحيان أو تيار الغلو والإفراط في أحيان أقل .
الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري
1/ إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه وترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.
2/ معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها فلا بد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها قبل وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها لأن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ ولا مجال لحجبه عن المجتمع
3/ إتاحة الفرصة الكاملة للحوار داخل المجتمع الواحد وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع
4/الاهتمام بالتربية في المدارس والمساجد والبيوت وكم يؤلم أن نرى ونسمع هذا الانفصال الشعوري بين الآباء والأبناء ، وبين المعلمين والطلاب وبين الخطباء والمصلين في كثير من الأحيان بل سمعنا عن معظم المشاركين في أحداث التفجيرات أنهم انفصلوا عن أهلهم وخرجوا من بيوتهم منذ مدة طويلة وغابوا عن مجتمعهم دون سؤال عنه
5/ الدعاء : وهو سلاح عظيم له أثر كبير في حلول الأمن الفكري وقد أهمله كثير من الناس فلا تكاد الأيدي ترتفع سائلة الله الهداية إلى الصواب مع أن النبي r وهو المؤيد المسدد بالوحي كان يدعو الله كثيرا بالثبات على الدين .
الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري
1/ دعوة المخطيء إلى الرجوع عن خطئه : وبيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد تكون صادقة
2/تجنب الأساليب غير المجدية التي تستنزف الكثير من الجهد والوقت وقد تكون ثمرتها محدودة في العلاج .
3/وجوب الأخذ على أيديهم : ومنعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع ولو أدى ذلك إلى إجبارهم على عدم مخالطة الآخرين لاتقاء شرهم ، وقد ضرب النبي r مثلاً بليغاً لمثل هذه الحالة فقال :( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونحوا جميعاً)
4/ النهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري : الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراق أهلها بخوضهم في آيات الله وتجرؤهم على الفُتيا بغير علم وقد قال تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ غيره)
5/ ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل وبين من أخل بفعله بالأمن في مجتمعه : فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت عليه شرعاً فيجب محاسبته على ما بدر منه كائناً من كان وعقابه بما يستحقه شرعاً حتى ولو كان ظاهره الصلاح والاستقامة فيما يرى الناس شأنه في ذلك شأن من كان ظاهره الصلاح لكنه وقع في السرقة والزنا أو القذف على سبيل المثال ، فإن ما ظهر للناس من صلاحه واستقامته لا يشفع له ويسقط المحاسبة عنه لكن العبرة هنا بالثبوت الشرعي المعتبر لجرمه التخريبي .
الباب الثالث :
السعودية والإرهاب 
الفصل الأول : المراجعات السعودية :
المبحث الأول :
نظرة تاريخية لتفجيرات السعودية
وموقف العلماء منها
مرَّت المملكة العربية السعودية بسلسة من العمليات الإرهابية المتمثلة في تفجيرات آثمة راح ضحيتها أنفس محترمة وأرواح معصومة يُحسن بنا أن نتحدث عن أهمها بإيجاز لنعرف مدى أهمية الموقف الشرعي في تجريمها
1/ تفجير بمكة المكرمة 1409 هـ
2/ انفجار سيارة ملغومة بحي العليا بمدينة الرياض 1416 هـ
3/ أربعة انفجارا بسيارات مفخخة في ثلاثة مجمعات سكنية في أنحاء مختلفة من الرياض 1424 هـ
4/ تفجير سيارة مفخخة مجمع المحيا بمدينة الرياض 1424هـ
5/ تفجير سيارة مفخخة بمبنى الأمن العام القديم بالوشم بمدينة الرياض 1425 هـ
6/ تفجير سيارة بالقرب من وزارة الداخلية بمدينة الرياض 1425 هـ
إضافة لعدد من حالات التفجير الجزئي المحدود والاعتداء على المستأمنين من الدول المسلمة وغير المسلمة بالخطف والاغتيال والاعتداء على بعض رجال الأمن بمختلف مناطق المملكة كما تم بفضل الله ضبط عدد من السيارات المفخخة قبل تفجيرها إضافة لمجموعة من الأسلحة المتنوعة والمتفجرات المختلفة والقنابل اليدوية والأسلحة الثقيلة قبل استعمالها في إعمالهم الإرهابية . وقد بلغ في خلال عامي 1424 ,1425 هـ ما مجموعه 22 عملية إرهابية متنوعة في المملكة خلفت 90 قتيلاً و507 مصاباً ومليار ريال خسائر مالية بينما تم ولله الحمد مقتل 92 ضالا وإصابة 17 منهم وإحباط 52 عملية إرهابية
علماً بأن المملكة قد شهدت عام 1400 هـ هجوما مسلحا على المسجد الحرام بمكة المكرمة تولى جرمه المدعو : جهيمان العتيبي مع مجموعة ضالة معه أدعو فيها خروج المهدي فارتكبوا أعظم جرم وأشد ذنب بالتجرؤ على قدسية الحرم المكي الشريف وإخافة الآمنين إلا أن الدولة استطاعت بفضل الله من القبض عليهم وإخراجهم وتنفيذ حد الله فيهم .

المطلب الأول :
بيانات هيئة كبار العلماء
في المملكة العربية السعودية
البيان الأول :
 حول حوادث التخريب 
الحمد لله رب العالمين،والعاقبة للمتقين ،ولا عدوان إلا على الظالمين،وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين،وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ، وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة " الطائف " ابتداءً من 12/1/1409هـ إلى 18/1/1409 هـ بناءً على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء،وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها،قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة،ومن ذلك :
نسف المساكن ، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة ،ونسف الجسور والأنفاق،وتفجير الطائرات أو خطفها،وحيث لوحظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة،وبما أن المملكة كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية؛ فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملاً تخريبياً ، سواءً كان موجهاً ضد المنشئات العامة والمصالح الحكومية،أو كان موجهاً لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن .
وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور - من حيث الجملة - على وجوب حماية الضروريات الخمس ،والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي :
( الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال ) وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة الفوضى والاضطراب ،وإخافة المسلمين ،وممتلكاتهم والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص،ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى:  مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 
وقوله تعالى:  إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان،ورَدْع مَنْ تُسَوِّل له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم ،وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المـُحَارَبة في الأمصار وغيرها على السواء، لقوله سبحانه :  وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا
والله تعالى يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
وقال تعالى :  وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ 
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :( ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض،وما أضره بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد،ثم وقع الإفساد بعد ذلك؛ كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك )
وقال القرطبي رحمه الله :( نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد ، قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر ، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال ) (
وبناء على ما تقدم ، ولأن ما سبق إيضاحه يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة،يطلبون حصولهم عليها من مال أو عَرَض وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة واجتثاث عقيدتها وتحويلها عن المنهج الرباني ؛ فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي :
أولا من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن: بالاعتداء على النفس،والممتلكات الخاصة والعامة،كنسف المساكن،أو المساجد،أو المدارس،أو المستشفيات،والمصانع،والجسور،ومخازن الأسلحة،والمياه ،والموارد العامة لبيت المال،كأنابيب البترول ، ونسف الطائرات أو خطفها،ونحو ذلك ؛فإن عقوبته القتل ، لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المُفْسِد، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم؛ أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق، فيعتدي على شخص فيقتله، أو يأخذ ماله ، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة .
ثانياً أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية،وهيئات التمييز،ومجلس القضاء الأعلى ؛ براءة للذمة واحتياطاً للأنفس ، وإشعاراً بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءات اللازمة شرعاً لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.
ثالثا يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد  وآله وصحبه

البيان الثاني :  تفجير العليا 1416 هـ 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،محمد وآله وصحبه ، وبعد :فإن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية علمت ما حدث من التفجير الذي وقع في حي " العليا " بمدينة " الرياض " قرب الشارع العام ، ضحوة يوم الاثنين 20/6/1416هـ وأنه قد ذهب ضحيته نفوس معصومة ، وجُرح بسببه آخرون ، ورُوّع آمنون ، وأُخيف عابر السبيل ولذا: فإن الهيئة تُقرر أن هذا الاعتداء آثم ، وإجرام شنيع ، وهو خيانة وغدر ، وهتك لحرمات الدين في الأنفس والأموال والأمن والاستقرار ، ولا يفعله إلا نفس فاجرة ، مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان وكراهية الحياة والخير ، ولا يختلف المسلمون في تحريمه ، ولا في بشاعة جُرمه وعظيم إثْمه، والآيات والأحاديث في تحريم هذا الإجرام وأمثاله كثيرة ومعلومة .
وإن الهيئة إذ تقرر تحريم هذا الإجرام ، وتُحذر من نزعات السوء ومسالك الجنوح الفكري والفساد العقدي ، والتوجه المردي وإن النفس الأمارة بالسوء إذا أرخى لها المرء العنان؛ ذهبت به مذاهب الردى ، ووجد الحاقدون فيها مدخلاً لأغراضهم وأهوائهم التي يبثونها في قوالب التحسين والواجب على كل من علم شيئاً عن هؤلاء المخربين أن يبلغ عنهم الجهة المختصة وقد حذر الله سبحانه في محكم التنـزيل من دعاة السوء والمفسدين في الأرض، فقال:  إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وقال تعالى :  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ  نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، أن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين ، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين،وان يحمي هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه ، وأن يوفق ولاة أمرنا وجميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد ، إنه خير مسئول، وصلى الله على نبينا محمد  .
البيان الثالث :
حادثة تفجير الخبر 1417 هـ
الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد وآله وصحبه،وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، في جلسته الاستثنائية العاشرة،المنعقدة في مدينة "الطائف" يوم السبت 13/2/1417هـ استعرض حادث التفجير الواقع في مدينة "الخبر" بالمنطقة الشرقية يوم الثلاثاء 9/2/1417هـ ،وما حصل بسبب ذلك من قتل، وتدمير، وترويع، وإصابات لكثير من المسلمين وغيرهم.
وإن المجلس بعد النظر والدراسة والتأمل ؛قرر بالإجماع ما يلي :
أولاً :إن هذا التفجير عمل إجرامي بإجماع المسلمين،وذلك للأسباب الآتية :
1/في هذا التفجير هَتْكٌ لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة؛هَتْكٌ لحرمة الأنفس المعصومة،وهَتْكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم،وغدوهم ورواحهم،وهَتْكٌ للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها،وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله، وظلم عباده، وأخاف المسلمين، والمقيمين بينهم،فويلٌ له، ثم ويلٌ له من عذاب الله ونقمته،ومن دعوة تحيط به،نسأل الله أن يكشف ستره، وأن يفضح أمره .
2- أن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام: هي كل مسلم،وكل من بينه وبين المسلمين أمان،كما قال الله تعالى:  وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
وقال سبحانه في حق الذمي في حكم قتل الخطأ: وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً
فإذا كان الذمي الذي له أمان، إذا قتل خطأً ؛ ففيه الدية والكفارة فكيف إذا قُتل عمداً ؟ فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر، وقد صح عن أنه قال :( من قتل معاهداً ؛ لم يرح رائحة الجنة )
فلا يجوز التعرض لمستأمَنٍ بأذى - فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء-وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً،وأنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة،نعوذ بالله من الخذلان .
3- إن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدرٍ،وخيانة،وبغي،وعدوان،وإجرام آثم،وترويع للمسلمين وغيرهم،وكل هذه قبائح منكرة، يأباها ويبغضها الله ورسوله  والمؤمنون .
ثانياً : إن المجلس إذْ يبين تحريم هذا العمل الإجرامي في الشرع المطهر؛ فإنه يعلن للعالم: أن الإسلام بريء من هذا العمل،وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه ،وإنما هو تصرف من صاحب فِكْرٍ منحرف، وعقيدة ضالة،فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، والمتمسكين بحبل الله المتين
وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة،ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه ،محذرة من مصاحبة أهله
قال الله تعالى :  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ 
وقول الله تعالى :  إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف ستر هؤلاء الفَعَلَة والمعتدين ، وأن يُمكن منهم، ليُنَفَّذَ فيهم حُكْمُ شرعه المطهر،وأن يكف البأس عن هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته، وجميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وقَمْع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه،ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

البيان الرابع :
 حادثة تفجيرات 3 مجمعات بمدينة الرياض 1424 هـ
كما بيّن مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الأربعاء 13/3/1424هـ وقد استعرض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11/3/1424هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم. حيث إنه من المعلوم أن شريعة الإسلام جاءت بحفظ الضروريات الخمس، وحرمت الاعتداء عليها وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل.ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة والأنفس المعصومة في دين الإسلام، إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام يقول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ً
ويقول سبحانه جل وعلا :
 مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً 
قال مجاهد رحمه الله: ( في الإثم وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق)
ويقول النبي  : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة )
ويقول النبي  : ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله )
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي  قال: ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم )
ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال :ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)
كل هذه الأدلة وغيرها كثير تدل على عِظم حُرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق. يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما : ( بعثنا رسول الله  إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا بلغ النبي  فقال يا أسامة: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم )
وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك وهم مجاهدون في ساحة القتال لما ظفروا به، وتمكنوا منه نطق بالتوحيد فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله،ولم يقبل النبي  عذره وتأويله ، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها
وكما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة محترمة بقول النبي  :( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )
وهذا الكلام قاله النبي  في خطبة يوم عرفة وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر وبما سبق يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق. ومن الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي  قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)
ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي  : ( لم يرح رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة. يقول النبي  (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم )
ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي فأخبرته فقال :( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله. إذا تبين هذا فإن ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الإسلام وتحريمه جاء من وجوه:.
1/ أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين ، وترويع للآمنين فيها.
2/ أن فيه قتلا للأنفس المعصومة في شريعة الإسلام .
3/ أن هذا من الإفساد في الأرض.
4/ أن فيه إتلافا للأموال المعصومة.
وإن مجلس هيئة كبار العلماء إذ يبين حكم هذا الأمر لَيُحَذِّر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات، ويحذرهم من مكايد الشيطان فإنه لا يزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك: إما بالغلو في الدين، وإما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله.
والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد؛ لأن كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه.وما قام به مَنْ نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها فهو داخل في عموم قول النبي  : ( من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة )
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً. ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )
ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب وهم يفرحون بالذرائع التي تسهل لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم واستغلال خيراتهم. فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغراً لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الجرم . كما أنه يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة في المدارس والجامعات وفي المساجد ووسائل الإعلام. وتجب العناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي على الحق فإن الحاجة بل الضرورة داعية إليه الآن أكثر من أي وقت مضى. وعلى شباب المسلمين إحسان الظن بعلمائهم والتلقي عنهم وليعلموا أن مما يسعى إليه أعداء الدين الوقيعة بين شباب الأمة وعلمائها وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم فالواجب التنبه لهذا..
وقى الله الجميع كيد الأعداء، وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلن والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.
نسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

البيان الخامس :
 حيازة الأسلحة والمتفجرات والسيارات المفخخة 
كما أن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والخمسين التي انعقدت في مدينة الطائف ابتداء من تاريخ 11/6/1424هـ - وقد استعرض ما جرى مؤخرا في المملكة العربية السعودية من تفجيرات استهدفت تخريباً وقتل أناس معصومين وأحدثت فزعاً وإزعاجاً.
في ضوء ذلك أصدر المجلس بياناً يوضح الرأي الشرعي حول الخلايا الإرهابية وأفكارها ومناهجها وسلوكياتها ، ومما ورد فيه: أن المجلس استعرض ما اكتشف من مخازن للأسلحة ومتفجرات خطيرة معدة للقيام بأعمال تخريب ودمار في هذه البلاد التي هي حصن الإسلام وفيها حرم الله وقبلة المسلمين ومسجد رسول الله  ولأن مثل هذه الاستعدادات الخطيرة المهيأة لارتكاب الإجرام من أعمال التخريب والإفساد في الأرض مما يزعزع الأمن ويحدث قتل الأنفس وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة ويعرض مصالح الأمة لأعظم الأخطار، ونظراً لما يجب على علماء البلاد من البيان تجاه هذه الأخطار ومن وجوب التعاون بين جميع أفراد الأمة لكشفها ودفع شرها والتحذير منها وتحريم السكوت عن الإبلاغ عن كل خطر يبيت ضد هذا الأمن ورأى المجلس وجوب البيان لأمور تدعو الضرورة إلى بيانها في هذا الوقت براءة للذمة ونصحاً للأمة وإشفاقاً على أبناء المسلمين من أن يكونوا أداة فساد وتخريب وأتباعاً لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة وقد أخذ الله تعالى على أهل العلم الميثاق أن يبينوا للناس قال الله سبحانه :  وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ 
لذلك كله وتذكيراً للناس وتحذيراً من التهاون في أمر الحفاظ على سلامة البلاد من الأخطار فإن المجلس يرى بيان ما يأتي :
أولاً أن القيام بأعمال التخريب والإفساد من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات عمل إجرامي خطير وعدوان على الأنفس المعصومة وإتلاف للأموال المحترمة فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة بنصوص الشريعة ومقتضيات حفظ سلطانها وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها يقول النبي  :( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها و فاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه )
ومن زعم أن هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل من الجهاد فليست من الجهاد في سبيل الله في شيء. ومما سبق فإنه قد ظهر وعلم أن ما قام به أولئك ومن وراءهم إنما هو من الإفساد والتخريب والضلال المبين وعليهم تقوى الله عز وجل والرجوع إليه والتوبة والتبصر في الأمور وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة ترفع لتفريق الأمة وحملها على الفساد وليست في حقيقتها من الدين وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين وقد تضمنت نصوص الشريعة عقوبة من يقوم بهذه الأعمال ووجوب ردعه والزجر عن ارتكاب مثل عمله ومرد الحكم بذلك إلى القضاء
ثانياً وإذا تبين ما سبق فإن مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما تقوم به الدولة -أعزها الله- بالإسلام من تتبع لتلك الفئة والكشف عنهم لوقاية البلاد والعباد شرهم ولدرء الفتنة عن ديار المسلمين وحماية بيضتهم ويجب على الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذا الأمر الخطير لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به في قوله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 
ويحذر المجلس من التستر على هؤلاء أو إيوائهم فإن هذا من كبائر الذنوب وهو داخل في عموم قول النبي  : ( لعن الله من آوى محدثا (
وقد فسر العلماء المحدث في هذا الحديث بأنه لمن يأتي بفساد في الأرض فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم فكيف بمن أعانهم أو أيد فعلهم .
ثالثاً يهيب المجلس بأهل العلم أن يقوموا بواجبهم ويكثفوا إرشاد الناس في هذا الشأن الخطير ليتبين بذلك الحق .
رابعاً يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تسوغ هذا الإجرام أو تشجع عليه لكونه من أخطر الأمور وأشنعها وقد عظم الله شأن الفتوى بغير علم وحذر عباده منها وبين أنها من أمر الشيطان قال تعالى :  يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 
ويقول سبحانه :  وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ،مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ويقول جل وعلا :  وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً 
وقد صح عن رسول الله  أنه قال : ( من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء ) ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى أو الآراء التي تسوغ هذا الإجرام فإن على ولي الأمر إحالته إلى القضاء ليجري نحوه ما يقتضيه الشرع نصحاً للأمة وإبراء للذمة وحماية للدين وعلى من آتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة وبيان فسادها وكشف زورها ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل ، ومن القول في دين الله بالجهل والهوى لأن ذلك استهداف للإغراء من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى والتدليس عليهم بحججها الواهية والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة ، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من أعظم أسباب تفريق الأمة ونشر العداوات بينها .
خامساً على ولي الأمر منع الذين يتجرؤون على الدين والعلماء ويزينون للناس التساهل في أمور الدين والجرأة عليه وعلى أهله ويربطون بين ما وقع وبين التدين والمؤسسات الدينية . وإن المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية كما يستنكر استغلال هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح والنيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
سادساً إن دين الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع وأوجب الله ذلك في كتابه وحرم التفرق والتحزب يقول الله عز وجل  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا 
ويقول سبحانه  إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ 
فبرأ الله رسوله  من الذين فرقوا دينهم وحزبه وكانوا شيعا وهذا يدل على تحريم التفرق وأنه من كبائر الذنوب وقد علم من الدين بالضرورة وجوب لزوم الجماعة وطاعة من تولى إمامة المسلمين في طاعة الله يقول الله عز وجل :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  :( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني )
وقد سار على هذا سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم في وجوب السمع والطاعة .
لكل ما تقدم ذكره فإن المجلس يحذر من دعاة الضلالة والفتنة والفرقة الذين ظهروا في هذه الأزمان قلبوا على المسلمين أمرهم وحرضوهم على معصية ولاة أمرهم والخروج عليهم وذلك من أعظم المحرمات يقول النبي  : ( إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان ) وفى هذا تحذير لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة وتحذير لمن سار في ركابهم عن التمادي في الغي المعرض لعذاب الدنيا والآخرة والواجب التمسك بهذا الدين القويم والسير فيه على الصراط المستقيم المبنى على الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ، ووجوب تربية النشء والشباب على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم حتى يسلموا بتوفيق من الله من التيارات الفاسدة ومن تأثير دعاة الضلالة والفتنة والفرقة وحتى ينفع الله بهم أمة الإسلام ويكونوا حملة علم وورثة للأنبياء وأهل خير وصلاح وهدى ، ويكرر التأكيد على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها ويزداد الأمر تأكداً في مثل هذه الأوقات أوقات الفتن كما يحذر الجميع حكاماً ومحكومين من المعاصي والتساهل في أمر الله فشأن المعاصي خطير وليحذروا من ذنوبهم ، وليستقيموا على أمر الله ويقيموا شعائر دينهم ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه

المطلب الثاني :
بيانات رابطة العالم الإسلامي
والهيئات التابعة لها
البيان الأول : بيان مكـة  :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مجلـس المجمع الفقهـي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م، قد نظر في موضوع: (التفجيرات والتهديدات الإرهابية: أسبابها – آثارها – حكمها الشرعي – وسائل الوقاية منها) وقد قدمت فيه أبحاث قيمة. شخصت هذا الداء الوبيل وحذرت مما ينجم عنه من الفساد العريض والشر المستطير وأوضحت حكمه في شرع الله بالقواطع من الكتاب والسنة والحكمة والتعليل، ووصفت العلاج الناجع لقطع دابره، وقلع نبتته الخبيثة من مجتمعات المسلمين
وقد عرضت ملخصات لهذه الأبحاث من قبل مقدميها، وجرت حولها مناقشات مستفيضة أكدت الحاجة إلى بيان حكم الشرع المطهر فيه لعموم المسلمين أفراداً وجماعات ودولاً وشعوباً، ولغير المسلمين من مفكرين ومنظمات وهيئات ودول.والمجلس إذ يدرك بألم بالغ وحزن عميق خطورة آثار الأعمال الإرهابية والتفجيرات التدميرية في البلدان الإسلامية بخاصة، وفي أقطار العالم وأممه بعامة وما خلفته من ضحايا بشرية بريئة، ومآس إنسانية خطيرة، وإتلاف للأموال التي بها قوام حياة الإنسان، ودمار في المرافق والمنشآت وتلويث للبيئة التي ينتفع بها الإنسان والحيوان والطير. وإذ يذكر المجلس ببيان مكة المكرمة بشأن الإرهاب الصادر عنه في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في الفترة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه 5-10/1/2002م وما اشتمل عليه من بيان لتحريمه وتجريم مرتكبيه في شريعة الإسلام، وشجب واستنكار لما يلبس به المغرضون والحاقدون من ربطه بدين الإسلام واتهامه به زوراً وبهتاناً، فإنه يقرر إصدار هـذا البيان باسـم يبان مكة المكرمة بشأن التفجيرات والتهديدات الإرهابية
وذلك وفق ما يلي:
أولاً إن الإرهاب مصطلح، لم يتفق دولياً على تعريف محدد له يضبط مضمونه ويحدد مدلوله.
لذا فإن مجلس المجمع يدعو رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم إلى الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب تنزل عليه الأحكام والعقوبات، ليتحقق الأمن وتقام موازين العدالة، وتصان الحريات المشروعة للناس جميعاً، وينبه المجلس إلى أن ما ورد في قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ يعني إعداد العدة من قبل المسلمين ليخافهم عدوهم، ويمتنع عن الاعتداء عليهم وانتهاك حرماتهم وذلك يختلف عن معنى الإرهاب الشائع في الوقت الحاضر. ويشير المجمع في هذا الصدد إلى ما ورد في بيان مكة الصادر عن المجمع بأن الإرهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أوجماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنهـا، قال تعالى:  وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحبُّ الْمُفْسِدِين َ
ثانياً إن عدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب اتخذ ذريعة إلى الطعن في أحكام قطعية من أحكام الشريعة الإسلامية، كمشروعية الجهاد والعقوبات البدنية من حدود وتعزيرات وقصاص كما اتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والمحتلين والطامعين، وهوحق مشروع في الشرائع الإلهية والقوانين الدولية.
ثالثاً استنكار إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف دين الرحمة والمحبة والسلام ووصم معتنقيه بالتطرف والعنف، فهذا افتراء ظالم تشهد بذلك تعاليم هذا الدين وأحكام شريعته الحنيفية السمحة، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه. قال تعالى مخاطباً نبيه محمداًُ :  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وقال عز من قائل: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وقال:  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهـمْ وقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ  وقال:  ( بعثت بالحنيفية السمحة ") وقال لأصحابه: ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) وقال : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " وقال : ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه )
وقال: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) وقال: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )
رابعاً لوجود الغلو والإرهاب في بعض المجتمعات الإسلامية أسباب عديدة ومتنوعة، قد توجد جميعها في بيئة معينة أو زمن معين، وقد تختلف باختلاف البيئات والأزمان، منها ما يعود إلى المنهج العلمي كالتأويل واتباع المتشابه، أو إلى النهج العملي، كالتعصب ونحوه وتحديد الأسباب ومعالجتها، عمل علمي يجب أن يتوافر عليه مختصون، يدرسون الواقع عن علم، فلا تكون الأقوال ملقاة على عواهنها، وقد لحظ المجلس كثرة الخلط في الكتابات عن أسباب الغلو والإرهاب، مما يستدعي دراستها بعلم ورشد ووضع السبل لمعالجتها، ويرى المجلس في مقدمة هذه الأسباب:
أسباب الإرهاب
1)اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية، وأخذ الفتاوى والتوجيهات ممن لا يوثق بعلمه أو دينه، والتعصب لها. مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى وتوهين أمر السلطان الذي به قوام أمر الناس وصلاح أمور معاشهم وحفظ دينهم.
2) التطرف في محاربة الدين وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء والتصريح بإبعاده عن شؤون الحياة، والتغاضي عن تهجم الملحدين والمنحرفين عليه وتنقصهم لعلمائه أو كتبه ومراجعه وتزهيدهم في تعلمه وتعليمه.
3) العوائق التي تقام في بعض المجتمعات الإسلامية في وجه الدعوة الصادقة إلى الدين الصحيح النقي المستند إلى الكتاب والسنة وأصول الشرع المعتبرة على وفق فهم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين. فإن التدين فطرة فطر الله عباده عليها، ولا غنى لهم عنه، فمتى حرموا من العلم بالدين الصحيح والعمل به تفرقت بهم السبل وتلقفوا كل خرافة وتبعوا كل هوى مطاع وشح متبع.
4) الظلم الاجتماعي في بعض المجتمعات ؛ وعدم التمتع بالخدمات الأساسية، كالتعليم والعلاج، والعمل، أو انتشار البطالة وشح فرص العمل، أو تدهور الاقتصاد وتدني مداخيل الأفراد، فكل ذلك من أسباب التذمر والمعاناة، مما قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه من أعمال إجرامية.
5) عدم تحكيم الشريعة الإسلامية في بلاد غالبية سكانها من المسلمين، وإحلال قوانين وضعية محلها مع وفاء الشريعة بمصالح العباد وكمالها في تحقيق العدالة للمسلمين وغيرهم ممن يستظل بظلها، ويتمتع برعايتها، كيف لا وهي شرع الله الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
6) نزعة التسلط وشهوة التصدر التي قد تدفع ببعض المغامرين إلى نشر الفوضى وزعزعة أمن البلاد، تمهيداً لتحقيق مآربهم غير آبهين بشرع ولا نظام ولا بيعة.
خامساً آثار الإر هاب
إن أعمال الإرهاب عدوان على النفس والمال وقطع للطريق وترويع للآمنين، بل وعدوان على الدين، حيث تصور الدين بأنه يستبيح حرمة الدماء والأموال، ويرفض الحوار، ولا يقبل حل المشكلات والنزاعات مع مخالفيه بالطرق السلمية، كما يصور المسلمين بأنهم دمويون ويشكلون خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وعلى القيم الحضارية وحقوق الإنسان، وهذا يؤدي إلى أضرار ومفاسد تنعكس على مصالح الأمة الإسلامية الأساسية، وتعوق دورها الرائد في نشر السلام والأمن وتبليغ رسالة الإسلام للناس، وحماية حقوق الإنسان، وتضر في نفس الوقت بعلاقات المسلمين السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية مع غيرهم من الشعوب، وتضيق على الأقليات الإسلامية التي تقيم في دول غير إسلامية وتعزلهم سياسياً واجتماعياً وتضر بهم اقتصادياً، سواء أكان هؤلاء مواطنين في هذه الدول، أم وافدين إليها لدراسة أو تجارة أو سياحة أو سفارة أو مشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية.
سادساً: الحكم الشرعي في الأعمال الإرهابية من تخريب وتهديد وتفجيرات
الأعمال الإرهابية التخريبية من تفجير للمنشآت والجسور والمساكن الآهلة بسكانها الآمنين معصومي النفس والمال من مسلمين وغيرهم ممن أعطوا العهد والأمان من ولي الأمر بموجب مواثيق ومعاهدات دولية، وخطف الطائرات والقطارات وسائر وسائل النقل وتهديد حياة مستخدميها وترويعهم وقطع الطرق عليهم وإخافتهم وإفزاعهم، هذه الممارسات، تشتمل على عدد من الجرائم المحرمة التي تعتبر في شرع الإسلام من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رتب الشارع الحكيم على مرتكبيها المباشرين لها والمشاركين فيها تخطيطاً ودعماً مالياً وإمداداً بالسلاح والعتاد وترويجاً إعلامياً يزينها ويعتبرها من أعمال الجهاد وصور الاستشهاد، كل ذلك قد رتب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم، والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه سلوك مسلكهم، قال تعالى:  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
سابعاً وسائل الوقاية من التطرف وما ينجم عنه من أعمال الإرهاب والتخريب
1) المبادرة إلى إزالة الأسباب المؤدية للجريمة، والعمل على إحقاق الحق وإبطال الباطل، والاحتكام إلى شرع الله تعالى وتطبيقه في مختلف شؤون الحياة، فلا شرع أو في ولا أكمل منه في جلب مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم،ولا أرفق منه ولا أقوم بالعدل ولا أرحم  وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
2) بيان فداحة الضرر العام والخاص الذي يصيب الدولة والأمة والمجتمع والأفراد من جراء أعمال العنف والتخريب والتدمير.
3) التربية الواعية الهادفة المخطط لها من أهل العلم والصلاح والخبرة، ووضع منهاج عملي واضح سهل ميسر لتحقيق ذلك.
4) تحرير المصطلحات الشرعية وضبطها بضوابط واضحة، وذلك كمصطلح الجهاد، ودار الحرب، وولي الأمر، ما يجب له وما يجب عليه، والعهود: عقدها ونقضها.
نسأل الله عز وجل أن يحمي بلاد المسلمين وأجيالهم من كل سوء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

البيان الثاني :
تفجير 3 مجمعات سكنية بالرياض 1424 هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن والاه إلى يوم الدين أما بعد:
فقد تابعت الأمانة العامة لرابطة العالـم الإسلامي أحداث التفجير الإرهابية التي نفذتها في الرياض مساء يوم الاثنين 11/3/1424هـ عصابة إرهابية، دفعها الانحراف والجهل بحقيقة الإسلام إلى ارتكاب جرائم قتل للناس، وترويع للآمنين وهدم للمباني السكنية، وخروج على النظام، وطاعة ولي الأمر وذلك من خلال عمليات انتحارية، استخدم فيها المنتحرون سيارات مفخخة، بقصد قتل أكبر عدد ممكن من الناس الآمنين من سكان المباني التي استهدفوها.
وإذ تستنكر الرابطة والشعوب والمنظمات الإسلامية هذه الجريمة أشد الاستنكار، فإنها تعلن براءة الإسلام والمسلمين من هذا العمل الإرهابي الممقوت، الذي راح ضحيته عشرات من الناس بين مسلمين وغيرهم، قتلوا غيلة وغدراً وعلى حين غرة، بينما قتل المنتحرون أنفسهم، وارتكبوا بذلك جريمة مزدوجة حيث إنهم منتحرون وقتلة. إن رابطة العالم الإسلامي التي تلقت استنكار ممثلي الشعوب الإسلامية، وقادة المنظمات والمراكز والجمعيات الإسلامية، واستغرابهم لهذه الحوادث الإجرامية، واستهجانهم لها، فإنها ترى أن من الواجب بيان ما يلي:
أولاً تؤكد الرابطة أن الإرهاب دخيل على المجتمعات الإسلامية وهو عمل غريب ومقحم على المجتمع الآمن المسالم في المملكة العربية السعودية، وغريب على شعبها المحب للخير والبر والمرحمة وهو عمل مقيت عند أهلها الذين عاشوا ماضياً وحاضراً مع ولاة أمر حريصين على العمل بدين الله، وتطبيق شرعه، والدعوة إليه وعلماء ثقات، عرفوا بالاستقامة ومحاربـة الغلـو والبغي وأنواع العدوان.
ثانياً لقد قتل في الحوادث المذكورة عدد من المسلمين عمداً، وهو أمر محرم في الشريعة الإسلامية حرمة قطعية، توجب غضب الله سبحانه وتعالى ولعنته وعظيم عذابه يوم القيامة: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً
ثالثاً تم في الحوادث المذكورة قتل جماعة من السكان من غير المسلمين، وهم من المستأمنين الذين لا يجوز قتلهم: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وفي الحديث أن رسول الله قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)
رابعاً لقد روع المجرمون الآمنين بحوادث التفجير تحت أجنحة الليل المظلم، حيث أحدثوا بسياراتهم المفخخة بالمتفجرات الهائلة، رعبـاً وهلعاً بين الناس، وهذا ليس من الإسلام: قال رسول الله 
(لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)
خامساً لقد أقدم منفذو هذه الجرائم على قتل أنفسهم عمداً، إذ فجروا أنفسهم، فألقوا بأيديهم إلـى التهلكة التي حرم الله:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ  وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرا ً
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله قال: " من قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم "
وفي حديث آخر: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً... الحديث
سادساً إن وقائع الجريمة التي برزت في الحوادث المذكورة، وما اجتمع لها من عناصر هي من المحرمات القطعية في دين الله، ومما يدخل في الإفساد في الأرض، حيث تضمنت القتل والترويع والأذى وهدم المنشآت والخروج على طاعة ولي الأمر، وقد شرع الله سبحانه وتعالى الجزاء الرادع لهذا العمل وعده محاربة لله ورسوله:  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
سابعاً إن أنواع القتل والترويع والأذى وإرعاب الناس، ليس من الجهاد في شيء، وإنما هو من جرائم الإرهاب المحرم، الذي يتضمن إزهاق الأرواح وإراقة دماء الناس الآمنة، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، وتأكيداً لحرمة إراقة الدماء، وإزهاق الأرواح البشرية قال الله سبحانه وتعالى: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
إن رابطة العالم الإسلامي تعد ما حدث في مدينة الرياض من الأعمال التي لا يقرها الإسلام ولا يتصف بها المسلمون وهي تحذر جميع الفئات التي استهوت الأعمال الإرهابية من جهلة المسلمين ومنحرفيهم من الحساب الإلهي يوم القيامة، كما تحذر المسلمين من الانخداع بما يعرضه الإرهابيون القتلة من شعارات زائفة ليبرروا بغيهم وفسادهم في الأرض، فقد شنع الإسلام على هؤلاء أذاهم وفسادهم: قال تعالى :
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
إن الجريمة النكراء التي حدثت في الرياض قد يتكرر حدوثها في أي بلد إسلامي أو غير إسلامي، فالإرهاب لا وطن له، وهولا ينتسب إلى دين ولا جنسية، لكن مشاركة بعض المنتسبين إلى الإسلام فيه قد سبب إساءة بالغة إلى الإسلام وإلى الأمة المسلمة حيث اتخذ أصحاب الحملات على الإسلام من أعمال هؤلاء ذريعة لاتهام الإسلام، والتطاول على صاحب الرسالة الخاتمة نبينا محمد  وسب المسلمين واتهامهم بما ليس فيهم، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن سب آلهة غير المسلمين سداً لذريعة الاستفزاز:  وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ وهذه الآية عند العلماء عمدة في تقرير أصل سد الذرائع.
وبعد فإن رابطة العالم الإسلامي تدعو علماء الأمة وحكماءها وكل مخلص فيها إلى التعاون في سبيل مكافحة آفة الإرهاب الدخيلة على المجتمعات الإسلامية. وتؤكد الرابطة على الأهمية البالغة للتوجيه الإسلامي الصحيح في معاهد التعليم ومدارسه وتدعو إلى بذل المزيد من الجهود في تيسير التعليم الديني في مدارس المسلمين وفق المنهاج الوسطي الذي اختاره الله سبحانه وتعالى للأمة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
وفي هذا المنهاج مبادئ الاعتدال والتوازن والتراحم الذي ينبغي أن يستقيم أمر المسلمين عليها. وتهيب الرابطة بمؤسسات الإعلام والثقافة في المجتمعات الإسلامية أن تتعاون في معالجة أنواع الغلو والتطرف، وفي محاربة الإرهاب، وتدعوها إلى التعاون مع العلماء الثقات في معالجة هذه الآفة الخطيرة .
وإن الرابطة لتؤكد أن المملكة العربية السعودية بلد الإسلام الأول، والدولة التي تطبق شرع الله، وتحتكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، لن ينال منها ومن أمنها واستقرارها هذا العمل الأرعن، الذي يصب في خانة أعداء الله وأعداء المسلمين، وإن كل المسلمين في مختلف بقاع الدنيا ينظرون إلى المملكة العربية السعودية نظرة متميزة، لمكانتها الدينية، ويستنكرون أي عمل يسيء إليها وإلى أمنها واستقرارها، وإنهم على ثقة بأن الجهات الأمنية ستصل إلى الأيدي المجرمة ومن وراءها، وأنها ستتعامل مع هذا البلاء بحزم وأن شعب المملكة المسلم، يقف مع دولته وولاة أمره في مكافحة هذه الفتن، وإن الرابطة إذ تعلن شجب العالم الإسلامي لهذه الأعمال لتدعو المسلمين إلى الحذر من عواقبها الوخيمة، وتوصيهم بتقوى الله، وتطبيق شرعه، والتواصي على الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن كل ما يغضب الله، وتسأله سبحانه وتعالى أن يحمي بلاد المسلمين عامة وبلاد الحرمين خاصة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

البيان الثالث :
تفجير الأمن العام القديم بحي الوشم بمدينة الرياض
أدانت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، العملية الإجرامية التي نفذتها عصابة من الفئة الضالة في حي الوشم بمدينة الرياض بعد ظهر يوم الأربعاء 2/3/1425هـ وذلك بتفجير سيارة مفخخة، مما أدى إلى استشهاد عدد من رجال الأمن الأوفياء ومن المواطنين، وإصابة المبنى القديم للأمن العام – مقر الإدارة العامة للمرور - والمباني السكنية المجاورة له بأضرار كبيرة.
جاء ذلك في بيان أصدره معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، استنكر فيه الحادث ووصفه بأنه عمل إجرامي مقيت، استهدف أبناء الوطن وحٌرّاسه من رجال الأمن، الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن وطنهم، وحماية أهله وخدمته.وقال معاليه: إن هذا العمل الإجرامي، إنما يستهدف هذا الوطن الآمن المملكة العربية السعودية وأهله والمقيمين فيه، وهو خروج على طاعة ولي الأمر، وارتكاب لجريمة فظيعة، أٌزهقت فيها الأرواح، ودمّرت فيها المباني، وبثت الرعب في قلوب الآمنين، ولا يشك مسلم في حرمة هذه الأعمال، وعظم إثمها ومصير مرتكبيها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما ً
وأكد د. التركي أن ما حصل عملٌ ضالٌّ يخدم أعداء الإسلام والمسلمين، وأعداء الحرمين الشريفين، وقال: إن وحدة المملكة وتلاحم شعبها مع قيادتها، لن تؤثر فيها هذه الأعمال الإجرامية المتعارضة مع هدي كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وحيى معاليه رجال الأمن في المملكة، وأثنى على كفاءتهم وحرصهم على أمن وطنهم وأمن أهله،وأشاد بالمهام التي أنجزوها لتعقب الإرهابيين وإبطال العديد من محاولاتهم وخططهم في التفجير والقتل وإراقة الدماء، ودعا الله العلي القدير أن يحمي هذا الوطن وأهله من شر الباغين الضالين، وأن يرحم الشهداء الذي قتلتهم يد الغدر الآثم وأن يرزقهم جنات النعيم قال تعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 
البيان الرابع :
التفجير بالقرب من مبنى وزارة الداخلية بالرياض
الحمد لله رب العالمين، الـذي أوجب على المسلمين التعاون على البر والخيرات، ونهاهم عن فعل الإثم والعدوان:  وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً أما بعد:
فإن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، تابعت أحداث الإرهاب التي نفذتها عصابات من الفئة الضالة في المملكة العربية السعودية، بلد الحرمين الشريفين، وآخرها قيام أفراد من عصابة الإجرام يوم الأربعاء 17/11/1425هـ بتفجير سيارة مفخخة في أحد الأنفاق، وأخرى قرب معسكر قوات الطوارئ الخاصة في مدينة الرياض.ورابطة العالم الإسلامي إذ تدين هاتين الجريمتين، فإنها تؤكد أن الحادثين وأمثالهما من جرائم الإفساد في الأرض، ولا تقع إلا ممن انحرف عن الإسلام، وشوه مبادئه، وعبث بمقاصده، وأساء إلى رسالته الإنسانية العظيمة، وإن الرابطة لتحيي رجال الأمن في المملكة، وتثني على جهودهم التي نجحت في مواجهة الإرهاب وتعقب عصاباته، وحماية الوطن وأهله والمقيمين فيه من شروره
واستشعاراً من الرابطة بخطورة الانحراف الفكري، وضرورة تضافر وسائل الإعلام في التصدي لأفكار المنحرفين، ومفاهيمهم الخاطئة، ومنطلقاتهم الشاذة، واعتقاداً منها بأن التصدي لثقافة الغلو والانحراف والإرهاب، من المسؤوليات الجماعية، فإنها تؤكد أن الشذوذ الفكري الذي يؤدي إلى الخروج عن الجماعة وعصيان ولي الأمر، وتكفير المسلمين، وإراقة الدماء، والإضرار بالمنشآت العامة والخاصة، يحتاج إلى مواجهة جماعية، تشارك فيها مؤسسات الإعلام، إلى جانب العلماء ومؤسسات الدعوة الإسلامية.
إن الخلل في فهم بعض النصوص الشرعية ومقاصدها، مثل النصوص الواردة في الجهاد والـولاء والبراءة ،والأخذ بالفتاوى الشاذة المضللة، من أهم أسباب ظهور فئات غالية في الدين عمدت إلى تفريق الأمة في دينها، فوقعوا فيما حذر الله منه :
 إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
وقياماً بالواجب فإن الرابطة تدعو مؤسسات الإعلام ورجاله في العالم الإسلامي، للتعاون مع الهيئة الإسلامية العالمية للإعلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي الإسلامية في معالجة الفكر المنحرف للفئة الضالة ومحاربة ثقافة الإرهاب التي تلبستها، وذلك من خلال ميثاق مشترك يشارك في وضعه العلماء ورجال الإعلام يهدف إلى: تعريف الناس بأحكام الإسلام، بعيداً عن الأهواء وتأصيل صلة الإنسان بربه، وإحسان علاقته مع خلق الله والسعي في منفعتهم : ( خير الناس إلى الله أنفعهم للناس )
نقض مزاعم الغلاة والمتطرفين والإرهابيين وتفنيد دعايتهم وتقديم الفهم الإسلامي الصحيح لهم سعياً إلى إصلاحهم، ومحاربة الإفساد في الأرض بكل أنواعه، وبيان جزائه العظيم في الدنيا والآخرة.
إظهـار أن رسالة الإسلام رسالة أمن وسلام وتواصل وتعاون بين الناس على البر والتقوى، وبعد عن الظلم والعدوان، ولا يتحقق ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح:  الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
إبـراز أن رسالة الإسلام توجب العدل بين الناس، والإحسان إليهم، وتمنع البغي عليهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
تعريف الأجيال المسلمة بمبادئ اليسر والتسامح في الإسلام وتحذيرهم من خطر الانحراف عنها، مع حثهم على التقيد بالأسلوب الإسلامي الأمثل في الخطاب:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ والتأكيد على أهمية استعمال الرفق، وانتهاج الحسنى في الخطاب والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط:
 وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
وختاماً فإن الرابطة تدعو علماء الأمة ورجال الإعلام فيها إلى عقد لقاءات مشتركة وإلى التعاون لبيان الحكم الشرعي في كل ما يهم المسلمين، والتعاون في مواجهة الذين يفتون بغير علم ولا بينة، وتؤكد الرابطة على أهمية بحث القضايا المهمة التي تعرض للمسلمين، وبيان الرأي الصحيح فيها، ونشر ذلك في مختلف الوسائل الإعلامية، مستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لتضييق مجال الآراء الفردية الشاذة التي تسهم في الفوضى وتسبب القلق بين المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

البيان الخامس
بيان هيئة الإغاثة العالمية في العمليات الإرهابية
(الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في المملكة العربية السعودية تابعت الأعمال الإجرامية التي قامت بها الفئة الضالة في أنحاء متفرقة من المملكة العربية السعودية، وأزهقت خلالها الأنفس المعصومة، وروعت الآمنين، وأتلفت الأموال والممتلكات الخاصة والعامة، وخرجت على النظام، وعصت ولي الأمر، واستخفت بالمحرمات في بلد الحرمين الشريفين، ومبعث رسالة الإسلام، التي بعث بها نبينا  رحمة لجميع الناس: قال تعالى :  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ 
إن الهيئة إذ تستشعر مسؤوليتها الإسلامية والإنسانية والخيرية وأهدافها في إشاعة البر والرحمة بين الناس، وواجبها في محاربة الانحراف فإنها تدين أعمال الإرهاب الإجرامية التي حدثت في المملكة العربية السعودية، وتؤكد أن فاعليها أجرموا بحق الإسلام الذي استغلت جهات معادية حدوث جرائم الإرهاب لتشويهه فصوروه بأنه يستبيح حرمة الدماء والأموال، ويرفض الحوار ولا يقبل حل المشكلات والنزاعات مع مخالفيه بالطرق السلمية، كما صوروا المسلمين بأنهم دمويون يمثلون خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وعلى القيم الحضارية وحقوق الإنسان، وهذا يؤدي إلى أضرار ومفاسد تنعكس على مصالح الأمة الإسلامية، وتعوق رسالتها في نشر السلام والأمن وحماية حقوق الإنسان، وتضر في الوقت نفسه بعلاقات المسلمين بغيرهم وإذ تعرب الهيئة عن الأسف الشديد لما سببته أعمال الإرهاب من إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، فإنها تحذر الفئة الضالة من العقاب الإلهي على ما ارتكبته من جرائم بحق الدين والوطن وتؤكد لكل مهتم بالإنسان وأمنه ما يلي:
أولاً إن الإسلام دين الرحمة الذي كفل أمن الإنسان، حيث ينعم المسلمون في حماه بالحماية الكلية؛ وفق ما أوضحه الرحمة المهداة محمد  ( إن دماء كم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )
( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) ( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه )
ثانياًً إن أفراد الفئة الضالة خالفوا توجيه الإسلام فقتلوا العديد من المسلمين عمداً، وهو أمر محرم في الشريعة الإسلامية حرمة قطعية، توجب غضب الله سبحانه وتعالى ولعنته وعظيم عذابه يوم القيامة:  وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 
ثالثاً إن الحوادث الإرهابية أودت بحياة أفراد من غير المسلمين، وهم من المستأمنين الذين لا يجوز قتلهم: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ 
وفي الحديث أن رسول الله  قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة).
رابعاً إن منفذي بعض الجرائم الإرهابية في المملكة أقدموا على قتل أنفسهم عمداً، إذ فجروا أنفسهم، فألقوا بأيديهم إلى التهلكة التي حرم الله: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا 
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله  قال:" من قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم" وفي حديث آخر:"من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً... الحديث"
خامساً إن الوقائع التي برزت في حوادث الإرهاب، وما اجتمع لها من عناصر هي من المحرمات القطعية في دين الله، يجعلها تدخل في باب الإفساد في الأرض، حيث تضمنت القتل والترويع والأذى وهدم المنشآت، والخروج على طاعة ولي الأمر، وقد شرع الله سبحانه وتعالى الجزاء الرادع لهذا العمل وعده محاربة لله ورسوله  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
إن الهيئة إذ تحرص على أمن بلد الحرمين الشريفين، وعلى وحدة شعبه، فإنها تدعو أفراد الفئة الضالة للاستفادة من فرصة العفو الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود يوم 5/5/1425هـ وأن يعلنوا التوبة ويبادروا بتسليم أنفسهم للسلطات المختصة، كما تدعو المواطنين والمقيمين في المملكة للتعاون لحماية الوطن، ومنع الأعمال الإجرامية التي تستهدف أمنه والنيل منه.
وتهيب الهيئة بالمؤسسات الخيرية والإنسانية في العالم للتعاون في إشاعة قيم الخير والبر والتراحم والتعاطف والأمن والسلام التي حث عليها الإسلام بين الناس.
وأخيراً.. فإن الهيئة تقدم صادق العزاء لأسر الشهداء الذين قتلتهم يد الغدر، وتسال الله سبحانه وتعالى لهم الصبر والسلوان وانطلاقاً من المسؤولية الإسلامية للهيئة. فإنها عمّدت جميع مكاتبها في المملكة لتخصيص كفالات مادية لأبناء الشهداء وبناتهم، تتيح لهم الاستمرار في التعليم حتى نهاية المرحلة الجامعية، وإعادة تأهيل من كان منهم راغباً في الانضمام إلى الوظائف المتاحة في القطاعين الحكومي والخاص.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المطلب الثالث :
من بيانات العلماء الخاصة ومقالاتهم
أولا / سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله
مفتي عام المملكة سابقا
 حادثة مكة 1409 هـ 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد استنكر العالم الإسلامي ما حدث في مكة المكرمة من تفجير مساء الاثنين 7 / 12 / 1409 هـ واعتبروه جريمة عظيمة ومنكرا شنيعا ، لما فيه من ترويع لحجاج بيت الله الحرام ، وزعزعة للأمن وانتهاك لحرمة البلد الحرام ، وظلم لعباد الله ، وقد حرم الله سبحانه البلد الحرام إلى يوم القيامة ، كما حرم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلى يوم القيامة ، وجعل انتهاك هذه الحرمات من أعظم الجرائم ، وأكبر الذنوب ، وتوعد من هم بشيء من ذلك في البلد الحرام بأن يذيقه العذاب الأليم ، كما قال سبحانه : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 
فإذا كان من أراد الإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم وإن لم يفعل فكيف بحال من فعل ، فإن جريمته تكون أعظم ، ويكون أحق بالعذاب الأليم وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الظلم في أحاديث كثيرة ، ومن ذلك ما بينه للأمة في حجة الوداع حين قال عليه الصلاة والسلام : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت فقال الصحابة نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول : اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا الإجرام الشنيع بإيجاد متفجرات قرب بيت الله الحرام من أعظم الجرائم والكبائر ولا يقدم عليه من يؤمن بالله واليوم الآخر ، وإنما يفعله حاقد على الإسلام وأهله ، وعلى حجاج بيت الله الحرام فما أعظم خسارته وما أكبر جريمته فنسأل الله أن يرد كيده في نحره ، وأن يفضحه بين خلقه ، وأن يوفق حكومة خادم الحرمين لمعرفة وإقامة حد الله عليه إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

 حادثة العليا بالرياض 1416هـ
جاء ذلك في إجابة سماحته على سؤال لـ ( المدينة ) حول جزاء من يستهدف ترويع أمن الناس الآمنين كما حدث في حادث التفجير بالرياض الذي قام به مجرمون تسببوا في ترويع الآمنين وقتل الأبرياء ، وتخويف عباد الله جل وعلا وهذا نصه .
لا شك أن هذا الحادث أثيم ومنكر عظيم يترتب عليه فساد عظيم وشرور كثيرة وظلم كبير ، ولا شك أن هذا الحادث إنما يقوم به من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا صحيحا يعمل هذا العمل الإجرامي الخبيث الذي حصل به الضرر العظيم والفساد الكبير ، إنما يفعل هذا الحادث وأشباهه نفوس خبيثة مملوءة من الحقد والحسد والشر والفساد وعدم الإيمان بالله ورسوله نسأل الله العافية والسلامة ونسأل الله أن يعين ولاة الأمور على كل ما فيه العثور على هؤلاء والانتقام منهم لأن جريمتهم عظيمة وفسادهم كبير ولا حول ولا قوة إلا بالله ، كيف يقدم مؤمن أو مسلم على جريمة عظيمة يترتب عليها ظلم كثير وفساد عظيم وإزهاق نفوس وجراحة آخرين بغير حق ، كل هذا من الفساد العظيم وجريمة عظيمة ، فنسأل الله أن يعثرهم ويسلط عليهم ويمكن منهم ، ونسأل الله أن يخيبهم ويخيب أنصارهم ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمر للعثور عليهم والانتقام منهم ومجازاتهم على هذا الحدث الخبيث وهذا الإجرام العظيم .
وإني أوصي وأحرض كل من يعلم خبرا عن هؤلاء أن يبلغ الجهات المختصة ، على كل من علم عن أحوالهم وعلم عنهم أن يبلغ عنهم؛ لأن هذا من باب التعاون على دفع الإثم والعدوان وعلى سلامة الناس من الشر والإثم والعدوان ، وعلى تمكين العدالة من مجازاة هؤلاء الظالمين الذين قال الله فيهم وأشباههم سبحانه في كتابه  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ 
إذا كان من تعرض للناس بأخذ خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو مائة ريال مفسدا في الأرض فكيف من يتعرض بسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل وظلم الناس ، فهذه جريمة عظيمة وفساد كبير .
التعرض للناس بأخذ أموالهم أو في الطرقات أو في الأسواق جريمة ومنكر عظيم ، لكن مثل هذا التفجير ترتب عليه إزهاق نفوس وقتل نفوس وفساد في الأرض وجراحة للآمنين وتخريب بيوت ودور وسيارات وغير ذلك ، فلا شك أن هذا من أعظم الجرائم ومن أعظم الفساد في الأرض ، وأصحابه أحق بالجزاء بالقتل والتقطيع بما فعلوا من جريمة عظيمة . نسأل الله أن يخيب مسعاهم وأن يعثرهم وأن يسلط عليهم وعلى أمثالهم وأن يكفينا شرهم وشر أمثالهم وأن يسلط عليهم وأن يجعل تدبيرهم تدميرا لهم وتدميرا لأمثالهم إنه جل وعلا جواد كريم ، ونسأل الله أن يوفق الدولة للعثور عليهم ومجازاتهم بما يستحقون . ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

ثانيا / سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
عضو هيئة كبار العلماء
 حادثة الخبر 1417 هـ 
في خطبة جمعة صوتية ومفرغة على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت جاء فيها :(وعلى هذا فمن كان عندنا من الكفار بأمان فهو محترم محرم الدم وبذلك نعرف خطأ عملية التفجير التي وقعت في الخبر في مكان آهل بالسكان المعصومين في دمائهم وأموالهم ليلة الأربعاء العاشر من هذا الشهر شهر صفر عام أربعة عشر وأربعمائة وألف الذي حصل من جرائه أكثر من ثمانية عشر قتيلا وثلاثمائة وستة وثمانون مصابا منهم المسلمون والأطفال والنساء والشيوخ والكهول والشباب وتلف من جراء ذلك أموال ومساكن كثيرة ولا شك أن هذه العملية لا يقرها شرع ولا عقل ولا فطرة أما الشرع فقد استمعتم إلى النصوص القرآنية والنبوية الدالة على وجوب احترام المسلمين في دمائهم وأموالهم وكذلك الكفار الذين لهم ذمة أو عهد أو أمان وأن احترام هؤلاء المعاهدين والمستأمنين احترامهم من محاسن الدين الإسلامي ولا يلزم من احترامهم بمقتضى عهودهم لا يلزم من ذلك محبة ولا ولاء ولا مناصرة ولكن هو الوفاء بالعهد إن العهد كان مسئولا وأما العقل فلان الإنسان العقل لن يتصرف أبدا في شئ محرم لأنه يعلم سوء النتيجة والعاقبة وإن الإنسان العاقل لن يتصرف في شئ مباح حتى يتبين له ما نتيجته وماذا يترتب عليه وإذا كان  قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)
فجعل النبي  من مقتضيات الإيمان وكماله ألا يقول الإنسان إلا خيرا أو يسكت فكذلك يقال إن من مقتضيات الإيمان وكماله إلا يفعل الإنسان إلا خيرا أو ليمسك ولا شك أن هذه الفعلة الشنيعة يترتب عليها من المفاسد ما سنذكر ما تيسر منه إن شاء الله
مخالفات التفجير الشرعية
أولا وأما مخالفة هذه الفعلة الشنيعة للفطرة فإن كل ذي فطرة سليمة يكره العدوان على الغير ويراه من المنكر فما ذنب المصابين بهذا الحادث من المسلمين ما ذنب الآمنين على فرشهم في بيوتهم أن يصابوا بهذا الحادث المؤلم ما ذنب المصابين من المعاهدين والمستأمنين ما ذنب الشيوخ والأطفال والعجائز إنه لحادث منكر لا مبرر له أما المفاسد فأولا من مفاسد ذلك أنه معصية لله ورسوله وانتهاك لحرمات الله وتعرض للعنة الله والملائكة والناس أجمعين وألا يقبل من فاعله صرف ولا عدل ثانيا من مفاسده تشويه سمعة الإسلام فإن أعداء الإسلام سوف يستغلون مثل هذا الحدث لتشويه سمعة الإسلام وتنفير الناس عنه مع أن الإسلام برئ من ذلك فأخلاق الإسلام صدق وبر ووفاء والدين الإسلامي يحذر من هذا وأمثاله أشد التحذير
ثالثا من مفاسده أن الأصابع في الداخل والخارج سوف تشر إلى أن هذا من صنع الملتزمين بالإسلام من مفاسده أن الأصابع في الداخل والخارج سوف تشير إلى أن هذا من صنع الملتزمين بالإسلام مع أننا نعلم علم اليقين أن الملتزمين بشريعة الله حقيقة لن يقبلوا مثل ذلك ولن يرضوا به أبدا بل يتبرءون منه وينكرونه أعظم إنكار لأن الملتزم بدين الله حقيقة هو الذي يقوم بدين الله على ما يريد الله لا على ما تهواه نفسه ويملي عليه ذوقه المبني على العاطفة الهوجاء والمنهج المنحرف وهذا أعني الالتزام الموافق للشريعة كثير في شبابنا ولله الحمد
رابعا أن من مفاسده أن كثيرا من العامة الجاهلين بحقيقة الالتزام بدين الله سوف ينظرون إلى كثير من الملتزمين البرء من هذا الصنيع نظرة عداء وتخوف وحذر وتحذير كما سمعنا عن بعض الجهال عن بعض جهال العوام من تحذير أبناءهم من الالتزام لا سيما بعد أن شاهدوا صور الذين حكم عليهم في قضية تفجير المفجرات في الرياض وإنني بهذه المناسبة وإنني أيها الأخوة بهذه المناسبة لأعجب من أقوام أطلقوا ألسنتهم بشأن الحكم فيهم مع أن هذا الحكم صادر بأقوى طرق الحكم فقد صدر من عدد من قضاة المحكمة الذين يؤتمنون على دماء الناس وأموالهم وفروجهم وأيد الحكم بموافقة هيئة التمييز ثم بموافقة المجلس الأعلى للقضاء ثم جرى تنفيذه من قبل ولي أمر هذه البلاد أفبعد هذا يمكن أن يطلق المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته أن يطلق لسانه في هذا الحكم ويقول ما هو أقرب منه إلى الإثم من السلامة وإذا كان الإنسان يقول في هذا الحكم الصادر بأقوى أدوات الحكم وطرقه يقول ما يقول فإنه يمكن أن يقول فيما دونه ما يقول ومن المعلوم للخاصة والعامة أن بلادنا ولله الحمد أقوى بلاد العالم الآن في الحكم بما أنزل الله عز وجل يشهد بذلك القاصي والداني وإني لأظن أنه لو كان على احد من أهله ضرر من هذا التفجير لم يقل ما قال.
خامسا من مفاسد هذه الفعلة القبيحة أعني التفجير في الخبر أنها توجب الفوضى في هذه البلاد التي ينبغي أن تكون أقوى بلاد العالم في الأمن والاستقرار لأنها تشمل بيت الله الذي جعله مثابة للناس وأمنا ولأن فيها الكعبة البيت الحرام التي جعلها الله قياما للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم قال الله عز وجل وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً 
وقال تعالى جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ  ومن المعلوم أن الناس لن يصلوا إلى هذا البيت لن يصلوا إليه إلا عن طريق المرور بهذه البلاد جميعها من إحدى الجهات سادسا ومن مفاسد هذه الفعلة الشنيعة ما حصل بها من تلف النفوس والأموال وتضرر شئ منها كما شاهد الناس ذلك في وسائل الإعلام شاهد الناس في وسائل الإعلام ما شاهدوا منها وإن القلوب لتتفجر والأكباد لتتفتت والدموع لتذرف حين يشاهد الإنسان الأطفال على سرر التمريض ما بين مصاب بعينه أو بأذنه أو يده أو رجله أو أي شئ من أجزاء بدنه تدور أعينهم فيمن يعودهم لا يملكون رفعا لما وقع ولا دفعا لما يتوقع فهل أحد يقر ذلك أو يرضى به هل ضمير لا يتحرك لمثل هذه الفواجع ولا أدري لا أدري ماذا يراد من مثل هذه الفعلة أيراد الإصلاح فالإصلاح لا يأتي بمثل هذا إن السيئة لا تأتي بحسنة ولن تكون الوسائل السيئة طرقا لإصلاح أبدا وإننا وغيرنا من ذوي الخبرة والإنصاف ليعلم أن بلادنا ولله الحمد خير بلاد المسلمين اليوم في الحكم بما أنزل الله وفي اجتناب سفا سف الأمور ودمار الأخلاق ليس في بلادنا ولله الحمد قبور يُطاف بها وتعبد وليس فيها خمر تباع علنا وتشرب وليس فيها كنائس ظاهرة يعبد فيها غير الله عز وجل وليس فيها مما هو معلوم في كثير من بلاد المسلمين اليوم فهل يليق هل يليق بناصح لله ورسوله والمؤمنين هل يليق به أن ينقل الفتن إلى بلادنا ألا فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا وليفعلوا فعلا حميدا اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا في انتظار فريضة من فرائضك أن تقضي على الفساد والمفسدين اللهم أقضي على الفساد والمفسدين اللهم أجعل كيدهم في نحورهم وتدبيرهم تدميرا عليهم يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تقي بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم قنا شرور أنفسنا وشرور عبادك وأدم على بلادنا أمنها وزدها صلاحا وإصلاحا إنك على كل شئ قدير ,,

ثالثا/ سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
مفتي عام المملكـــة
 تفجير مبنى إدارة المرور بالرياض 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد تابعنا ببالغ الألم حادث التفجير الذي وقع في مبنى الإدارة العامة للمرور بوسط مدينة الرياض وما نتج عنه من قتل لأنفس مسلمة معصومة وإصابات متنوعة لعدد كبير من المسلمين العاملين في المبنى أو المراجعين أو من كانوا في الطريق أو في المباني المجاورة وإتلاف للممتلكات من مبان وسيارات وغيرها .
وإني إبراءً للذمة ونصحاً للأمة وبياناً لحال هذه الفئة الضالة المنحرفة التي اتخذت الدين لها ستاراً لأبين لعموم المسلمين أن هذا العمل محرم بل هو من أكبر الكبائر لأدلة كثيرة منها :
قول الله تعالى  وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 
ويقول سبحانه وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ  ويقول عز وجل  وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمً ا
ويقول النبي  ( اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق . . ) ويقول ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) ويقول  ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) قال ابن عمر رضي الله عنهما
( من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله )
ويقول  ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركاً أو يقتل مؤمناً متعمداً ) ويقول  ( من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) . ويقول  ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار )  وهو يطوف بالكعبة ( ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك ماله ودمه وأن تظن به إلا خيراً ويقول  ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ) .
ويقول  ( يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه متلبثا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دماً حتى يأتي به العرش فيقول المقتول لرب العالمين هذا قتلني فيقول الله للقاتل تعست ويذهب به إلى النار )
وقد أجمع المسلمون إجماعا قطعياً على عصمة دم المسلم وتحريم قتله بغير حق وهذا مما يعلم من دين الإسلام بالضرورة ومما سبق من النصوص الثابتة الصريحة يتضح عدة أمور أهمها :
* تحريم قتل المسلم بغير حق وأنه من أكبر الكبائر .
* أن النبي جعله قريناً للشرك في عدم مغفرة الله لمن فعله .
* أن من قتل مسلماً متعمداً فقد توعده الله بالغضب واللعنة والعذاب الأليم والخلود في النار .
* أن الدم الحرام هو أول المظالم التي تقضي بين العباد وحصول الخزي يوم القيامة لمن قتل مسلماً بغير حق
* قتل المسلم بغير حق من أعظم الورطات التي لا مخرج منها
* عظم حرمة المسلم حتى إنه أعظم حرمة من الكعبة بل زوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم .
* الإعانة أو الإشارة أو تسهيل قتل رجل مسلم كلها اشتراك في قتله وهؤلاء جميعاً متوعدون بأن يكبهم الله في النار حتى لو اشترك في ذلك أهل السماء والأرض لعظم حرمة دم المسلم .
* أن من فرح بقتل رجل مسلم بغير حق لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
*أن قتل المسلم من أعظم ما يرضي عدو الله إبليس عليه لعنة الله.
هذا كله في قتل المسلم بغير حق فكيف إذا انضم إلى ذلك تفجير الممتلكات وترويع الآمنين من المسلمين والانتحار وغير ذلك من كبائر الذنوب التي لا يقدم عليها إلا من طمس الله على بصيرته وزين له سوء عمله فرآه حسناً كما قال تعالى  قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ويقول عز وجل  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ 
وإني إذ أبين حكم هذه الفعال القبيحة المنكرة لأؤكد على أمور
1/ أن دين الإسلام يحارب هذه الأفعال ولا يقرها وهو برئ مما ينسبه إليه أولئك الضالون المجرمون .
2/ أن الله قد فضح أمر هذه الفئة الضالة المجرمة وأنها لا تريد للدين نصرة ولا للأمة ظفراً بل تريد زعزعة الأمن وترويع الآمنين وقتل المسلمين المحرم قتلهم بالإجماع والسعي في الأرض فساداً .
3/ أنه لا يجوز لأحد أن يتستر على هؤلاء المجرمين وأن من فعل ذلك فهو شريك لهم في جرمهم وقد دخل في عموم قول النبي  ( لعن الله من أوى محدثاً )
فالواجب على كل من علم شيئاً من شأنهم أو عرف أماكنهم أو أشخاصهم أن يبادر بالرفع للجهات المختصة بذلك حقناً لدماء المسلمين وحماية لبلادهم .
4/ أنه لا يجوز بحال تبرير أفعال هؤلاء القتلة المجرمين .
5/ أن هذه البلاد ولله الحمد متماسكة تحت ظل قيادتها وولاة أمرها وأننا جميعاً ندين لله عز وجل بالسمع والطاعة لولاة أمرنا في غير معصية الله عز وجل اتباعاً لقول الله تعالى :
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
وقول  ( عليكم بالسمع والطاعة )
6/ أن ما أصاب المسلمين من شيء فبسبب ذنوبهم يقول الله عز وجل  وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
فالواجب على الجميع تقوى الله والمبادرة بالتوبة من الذنوب والمعاصي وأحب أن أخاطب إخواني رجال الأمن في هذه البلاد الطاهرة وأبشرهم بأنهم على خير عظيم وهم في ثغر من ثغور الإسلام فعليكم بالحرص واليقظة والعزيمة في الدفاع عن دينكم أولاً ثم عن بلاد المسلمين ضد هؤلاء الضالين .
سدد الله خطاكم وأعانكم على كل خير ثم إني أخاطب من سولت له نفسه القيام بمثل هذه الأفعال الإجرامية المحرمة أو زلت قدمه بذلك أو تعاطف مع أولئك ناصحاً لهم بالمبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل وأن يراجعوا أنفسهم ويتأملوا نصوص الكتاب والسنة مما سقناه وغيره وألا يعرضوا عنها فإن الله سائلهم عنها وعن ما اقترفوه يقول الله عز وجل  وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ 
أسال الله تعالى أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن يهدي ضال المسلمين وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم وأن يغفر لمن مات من المسلمين وأن يرزق أهلهم وذويهم الصبر إنه سبحانه قريب مجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

رابعا / معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
 تفجير 3مجمعات سكنية في الرياض 1424 
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإنه لما حدثت التفجيرات في الرياض وغيرها وقد قام بها ثلة من شباب المسلمين استغرب الناس هذا الحدث واختلفوا في تعليلاته وأسبابه. وكل أدلى برأي. والذي أراه سببا وحيدا لذلك هو تربية الشباب منذ صغرهم على مناهج دعوية وافدة تخالف المنهج السليم الذي كانت تسير عليه البلاد ويتلقون أفكارا من خلال تلك المناهج أدت بالكثير منهم إلى ما لا تحمد عقباه. لقد كان صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة يسيرون على منهج الكتاب والسنة الذي تركهم عليه رسول الله  وأوصاهم بالتمسك به فقال (إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) وقال (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)
والله تعالى قد أوصانا بإتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فقال سبحانه وتعالى وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 
ومنهج هؤلاء الذين أوصانا الله بإتباعهم يحتاج منا إلى معرفته وتعلمه ومعرفة ما يخالفه و بضاده حتى نتجنبه إذ لا يمكن لنا أتباع منهج السلف إلا بمعرفته؛ ولهذا قال سبحانهوَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان أي باعتدال من غير غلوّ ومن غير تساهل ولا تفريط، ولا يمكن ذلك إلا بتعلم هذا المنهج وعلم ما يخالفه ويضاده؛ ولذلك ألف الأئمة كتب العقائد التي فيها بيان منهج السلف وبيان منهج المخالفين لهم من شيعة وقدرية وخوارج وجهمية ومعتزلة ومشتقاتهم من الفرق الضالة التي أخبر عنها  بقوله (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)
واليوم شبابنا تتخطفهم مناهج مختلفة فيحتاجون إلى دراسة عقيدة السلف الصالح بعناية تامة وتحذيرهم من الانقسامات تبعاً للمناهج الوافدة عملا بقوله تعالى:  وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  وكثير ممّن ينتمون لمنهج السلف يجهلونه ولذلك اختلفوا بينهم؛ كلٌّ يزعم أن الصواب معه؛ فحصلت بينهم صراعات مريرة، بل وصل الأمر ببعضهم إلى التكفير لغيرهم أو التفسيق والتبديع نتيجة للجهل بمنهج السلف؛ فلم يتبعوه بإحسان، بينما فرق أخرى من الحزبيين تزهد بمنهج السلف وتتبع رموزاً من حركيين ومنظرين أبعدوهم عن منهج السلف فاعتنقوا أفكاراً غريبة عن منهج السلف. وكلا الفريقين من هؤلاء وهؤلاء على طرفي نقيض وفي صراع مرير أفرحوا به أعداء الإسلام، ولا ينجي من هذا الصراع والاختلاف بين صفوف شباب الأمة إلا الرجوع الصادق إلى الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها؛ قال الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته. وهذا لا يحصل ولا يتحقق إلا بتعلم العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهذا - ولله الحمد - مضمّن في مناهج الدراسة وكتب العقيدة المقررة في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا ومساجدنا؛ فيا أيها المدرسون الكرام ونحن في بداية العام الدراسي.. الله.. الله عليكم الجدّ والاجتهاد في توضيح هذه العقيدة الصحيحة السليمة لأبنائكم الطلاب حتى تكون لهم حصناً منيعاً - بإذن الله - يقيهم من الانحراف الفكري، وربوهم على التآخي في الحق وعفة القول فيما بينهم بدلاً من التراشق فيما بينهم بالاتهامات الجارحة والوقيعة في أعراض العلماء والدعاة؛ قال تعالى:  فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 
وحينما أقول: إن الشباب على طرفي نقيض حول منهج السلف فلست أعني كل الشباب؛ لأن هناك كثيراً من الشباب - ولله الحمد - على منهج سليم ومنهج وسط معتدل هو منهج السلف الصالح وهم قدوة صالحة لشباب الأمة نرجو الله أن يثبتهم ويرزقهم الفقه في دينه، لكننا نخاف عليهم التأثر بالتيارات المضللة التي اجتاحت فئات من شبابنا والحي لا تؤمن عليه الفتنة - كما قال بعض السلف: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة)؛ فيا شباب الأمة خذوا عن العلماء الربانيين الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله ويعلمونكم العلوم النافعة في المدارس والمساجد، وإياكم والأخذ عن أهل الضلال والجهال وأصحاب الأهواء، وخذوا عمن تثقون بعلمه ودينه وعقيدته كما قال بعض السلف: ( إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم فأقبلوا على طلب العلم الصحيح واحذروا من التفرق والتنابز بالألقاب )
قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ 
وقال تعالى:  وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 
وذلك بسبب تفرقهم واختلافهم وخذوا بوصية نبيكم  حيث قال:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وخوّفوا مما خاف منه  حينما قال: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المصلين) إنه ليس لنا إمام وقدوة سوى رسول الله  قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا 
قال ابن تيمية رحمه الله : (من قال هناك شخص يجب أتباعه غير الرسول  فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل )
ومعنى هذا أن غير الرسول لا يتبع إلا إذا اتبع الرسول. ومن خالف الرسول حرم أتباعه. وأبو بكر رضي الله عنه يقول: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا تطيعوني )
ومعنى هذا أنه ليس هناك متبوع معصوم غير الرسول  وعليكم معشر الشباب بتوقير العلماء والمدرسين حتى تستفيدوا من علمهم، فإن احتقرتموهم حرمتم من علمهم. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
هناك من يدعو إلى البقاء على التفرق في الآراء كما نقرأ لهم في الصحف والمجلات، ويقولون: إن هذا من يسر الإسلام في قبول الرأي والرأي الآخر ومن الأخذ بالاجتهاد. وهذا من المغالطة والتضليل؛ لأن الله لم يرضَ لنا البقاء على الاختلاف، بل حذرنا من ذلك؛ فقال سبحانه: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
قال ابن عباس رضي الله عنهما : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل الفرقة والإضاعة والأخذ بأقوال المجتهدين، وهو الذي يعبر عنه بقولهم: لا إنكار في مسائل الاجتهاد؛ فذلك حينما لا يتبين الدليل مع أحد المختلفين فإذا تبين وجب الأخذ بما قام عليه الدليل وترك ما خالفه، وهو معنى قوله تعالى:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ وأصحاب هذه الفكرة يقولون: لا تردون مسائل النزاع إلى الله والرسول وإنما كلّ يبقى على قوله، ويجوز لنا الأخذ بأي قول دون نظر إلى مستنده. نحن لا نتعصب لإمام معين؛ لا نأخذ إلا بقوله، وإنما نتبع الدليل مع أي إمام كما أمرنا الله ورسوله بذلك. قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : إذا جاء الحديث عن رسول الله  فعلى الرأس والعين، وإذا جاء الحديث عن الصحابة فعلى الرأس والعين. وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال؛ أي هم مجتهدون ونحن مجتهدون؛ حيث لا دليل.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله  لم يكن له أن يدعها لقول أحد). وقال رحمه الله : (إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط) وقال الإمام مالك رحمه الله: (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء؟).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقبل هؤلاء الأئمة يقول ابن عباس رضي الله عنهما لما خالفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في مشروعية فسخ الحج إلى العمرة مع أن سنة رسول الله  واضحة في مشروعية الفسخ
قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال  وتقولون: قال أبو بكر وعمر)
أقول: فكيف بالذين يقولون الآن: قال المفكر الفلاني والكاتب والفلاني ممّا يخالف كلام الله وكلام رسوله، ويسر الإسلام ليس بأتباع الأقوال وإنما هو بالأخذ بالرخص الشرعية.
اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول ونسألك الثبات على الحق ونعوذ بك من أتباع الهوى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
 تصحيح مفاهيم في العنف والتطرف
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:في مقالات مضت تناولت بالبيان بعض الشبهات التي يتعلق بها هؤلاء الذين غرر بهم من أبناء المسلمين فأساءوا إلى دينهم ومجتمعاتهم بسببها، ولا شك أن الفتن على قسمين فتن شبهات وتكون في العقيدة والدين، وفتن شهوات وتكون في الأفعال والسلوك والأخلاق، ويروج هذه الشبهات بقسميها أعداء الإسلام والمسلمين، كما قال الله تعالى:  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ وقال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
والمسلم على خطر من هذه الشبهات أن تؤثر عليه وتضله، فهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام خاف على نفسه من فتن الشبهات فقال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 
ونبينا  يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) والراسخون في العلم يقولون:  رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ 
ولا شك أن هذه الشبهات يجب أن تعرض على أهل العلم ليكشفوا زيفها ويبيّنوا بطلانها حتى يسلم المسلمون من شرها وشر أهلها ولا تعرض على الجهال وأنصاف المتعلمين أو تعرض على علماء الضلال فإن هؤلاء لا يزيدونها إلا شراً، ونحن الآن في فتن عارمة استهوت كثيراً من شباب المسلمين فنتج عنها التخريب في بلاد المسلمين وقتل الأبرياء من المسلمين والمستأمنين وإتلاف الأموال والممتلكات. وقد قال النبي : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) وقال : (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)
ودماء المستأمنين من الكفار وأموالهم كدماء المسلمين وأموالهم فلا يجوز قتل المستأمن عمداً وإن قتل خطأ فإنه على القاتل الدية والكفارة، قال  في قتله عمداً: (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة) وقال تعالى في قتله خطأ  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 
وهذا يدل على وجوب وفاء المسلمين بالعهود وتحريم الغدر بها حتى مع الكفار إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وهؤلاء الذين يقتلون الكفار في بلاد المسلمين قد خالفوا الكتاب والسنّة وعصوا الله ورسوله وعملهم هذا غدر وخيانة وإن سموه جهاداً فهو جهاد في سبيل الشيطان وشبهتهم في ذلك عموم حل دم الكافر وماله ولم يعلموا أن هذا الحكم خاص بالكافر الحربي دون الكافر المعاهد والمستأمن والذمي، كذلك من شبهتهم في قتل رجال الأمن المسلمين أن الصائل يقتل دفعاً لشره. ولم يعلموا أنهم هم الذين ينطبق عليهم حكم الصائل لأنهم يصولون على المسلمين والمستأمنين، ورجال الأمن هم الذين يدفعون الصائل في هذه الحالة ولو أنهم كفوا أذاهم عن المسلمين ولم يشهروا السلاح في وجوه المسلمين لما تعرض لهم رجال الأمن، ففي الحقيقة هم الصائلون الذين يجب دفع شرهم عن المسلمين ورجال الأمن لهم الأجر في ذلك ومن قُتل من رجال الأمن فإنه ترجى له الشهادة في سبيل الله لأنه يدفع الصائل عن نفسه وعن المسلمين.
ومن شبه هؤلاء المخربين أنهم يقولون إن دول الكفر تقتل المسلمين وتشردهم ونحن نقتل هؤلاء الكفار الذين يقيمون في بلاد المسلمين انتقاماً من الدول الكافرة التي تقتل المسلمين، ونقول لهؤلاء أولا: هؤلاء الكفار المقيمون في بلادنا بالأمان والعهد يحرم قتلهم بموجب العهد والأمان ( من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة )
وغيره وهذا وعيد شديد لأن هذا العمل غدر وخيانة.
ثانياً: هذا العمل من قتل الأبرياء الذين لم تحصل منهم إساءة في حق المسلمين والله تعالى يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وإنما هذا من فعل الجاهلين وإذا كنتم تزعمون أن هذا العمل انتقام من الكفار فأنتم تمشون في مخططاتهم فهم الذين يزرعون التخريب في بلاد المسلمين ويدربون المخربين، أليسوا يؤون المطاردين أمنياً من بلاد المسلمين ويحمونهم ويفسحون لهم المجال في بث الدعايات السيئة ضد المسلمين ويسمونهم بالمعارضين، فلا تكونوا عوناً للكفار على المسلمين وجنداً لهم.
وختاماً: أحذرُ شباب المسلمين من الانخداع بهذا الفكر المنحرف وأدعو من انخدعوا به إلى التوبة والرجوع إلى الصواب والانضمام إلى إخوانهم وبلدانهم فالرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

خامسا /
فضلية الشيخ /عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو لجنة الإفتاء المتقاعد
تفجير3 مجمعات سكنية بالرياض 1424 هـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فقد أكد الله الوفاء بالعهد، في مثل قوله تعالى : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا 
وقوله تعالى :  وبعهد الله أوفوا 
وقوله تعالى :  وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ
والعهد هو : أن يتعهد المسلم أو المسلمون لغيرهم من مسلمين أو كفار على عدم الحرب، وعدم القتل، وقد ذكر العلماء أن للكفار مع المؤمنين أربع حالات:
الأولـى أن يكونوا من أهل الذمة إذا بذلوا الجزية.
والثانية أن يكون له عهد ، كما عاهد النبي قريشاً.
الثالثـة أن يدخلوا بأمان،لقوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ 
الرابعة المحاربون. فيصح الأمان للكافر، ويكون الذي يؤمنه من المسلمين حتى ولو امرأة، لقول : ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) وقوله : ( المسلمون تتكافأ دمائهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم )
والذمة هي العهد، فإذا دخل بلاد المسلمين أحد من المشركين بأمان من الدولة، أو بأمان من أحد الأفراد، سواء دخل لحاجة المسلمين كالعمال والعاملين، أو دخل لحاجته هو، فإنه يجب على أفراد المسلمين ألا يغدروا به، فإن الغدر من صفات المنافقين
لقوله  :( وإذا عاهد غدر )
وقد شهد الكفار للنبي  أنه لا يغدر وقد أمره الله تعالى بالوفاء للذين عاهدوا، كما في قوله تعالى:
 إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ 
وقد أكد النبي على المؤمنين احترام أهل العهد حتى قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة")
وسواء كان هؤلاء المعاهدون من اليهود أو النصارى أو غيرهم من أصناف الكفار فإنه يجب الوفاء لهم وعدم إيذائهم حتى يصلوا إلى بلادهم،وما حصل في هذه الليالي القريبة من تلك التفجيرات، والتي مات على إثرها خلق كثير وجرح آخرون لاشك أن هذا من أفظع الجرائم،وقد وقع من تلك التفجيرات وفيات وجراحات للآمنين، ولبعض المسلمين الساكنين في تلك البنايات، وذلك بلا شك من الغدر ومن إيذاء المستأمنين وإلحاق الضرر بهم،فالذين حصل منهم هذا التفجير يعتبرون مجرمين، ومن اعتقد منهم أن هذا جهاد وأن هؤلاء الساكنين في هذه الأماكن من الكفار ومن الذين تحل دماؤهم بكفرهم، قيل له: إن هذا من الخطأ، فإنه لا يجوز قتالهم ولا قتلهم إلا بعد إخبارهم بذلك، ونبذ عهدهم إليهم، لقول الله تعالى:  وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ  فليس قتلهم وهم آمنون من المصلحة، بل إن فيه مفسدة شرعية وهي اتهام المسلمين بالخيانة والغدر وأن فيهم إرهابيون بغير حق فنقول لمن اعتقد حل دمائهم لكونهم غزوا بعض البلاد الإسلامية: إن هذا غير صحيح، وأن الذين غزوا بلاد الإسلام غير هؤلاء، فلا يجوز الغدر بهؤلاء الذين لم يحصل منهم قتل ولا قتال، وقد قال الله تعالى:  وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
ولاشك أن كل من شارك في هذه العمليات الإجرامية يأثم ويستحق التعزير،سواء الذي باشر هذا التفجير، أو الذي ساعده بهذه المتفجرات، أو أعان على نقلها لدخولهم في قول الله تعالى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وقد نهى الله تعالى عن ظلم الكفار إذا كانوا مستأمنين، فقال تعالى:  وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى 
وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا
والشنآن هو البغض والحقد، فنصيحتنا للشباب المسلمين ألا يفتحوا علينا وعلى بلاد المسلمين باب فتنة، وأن يرفقوا بإخوانهم المسلمين، وأن يقوموا بما يجب عليهم من الدعوة إلى الله على حد قوله تعالى:  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فإن هؤلاء الكفار قد يهديهم الله ويسلمون إذا رأوا معاملة المسلمين لهم بالاحترام، وبالرفق بهم والإكرام، فيدخلون في الدين الإسلامي، وقد قال النبي: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه"، ولما دخل بعض اليهود على النبي وقالوا: السام عليكم، فقال:وعليكم، قالت لهم عائشة بل السام عليكم و لعنكم الله وغضب عليكم أنكر عليها النبي وقال: مهلاً يا عائشة ، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش ونصيحتنا لهؤلاء الشباب الذين معهم هذه الحماسة وهذه الغيرة نقول لهم: على رسلكم، أربعوا على أنفسكم، ولا تعجلوا، ولا يحملكم ما ترون أو تسمعون من أعمال الكفار على هذا الاعتداء والظلم، وتعريض إخوانكم وشباب المسلمين للتهم والأضرار والعذاب الشديد، وتفتحوا باباً على عباد الله الصالحين باتهامهم واتهام كل صالح ومتمسك بأنهم متهورون، وأنهم غلاة ومتسرعون، فتعم التهمة للصالحين، وليس ذلك من مصلحة المسلمين، ونشير على شباب المسلمين أن يعلنوا البراءة من هذه الأعمال الشنيعة، مع إظهار بغضهم للكفار، ولأعمالهم الشنيعة مع المسلمين، ومع البراءة من موالاة الكفار ومحبتهم، كما نهى الله تعالى عن المولاة والتولي، الذي يستلزم المحبة ورفع المكانة لقول الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 
ولا يدخل في موالاتهم استخدامهم، أو عقد العهد معهم لكف شرهم، فإن ذلك لا يستلزم محبتهم ومودتهم، فإن الله تعالى قطع الموالاة بين المؤمنين وبين الكفار ولو كانوا أقارب، ولم يحرم تقريبهم لإظهار محاسن الإسلام، فقد ثبت أن بعض الصحابة كانوا يصلون أقاربهم الكفار، فقد أهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلة لأخيه الكافر، وأمر النبي  أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن تصل أمها وهي كافرة لأجل التودد، ولما يحصل بذلك من تصور الكفار للإسلام، وأنه دين العدل والمساواة، وأنه بعيد من الظلم والجور والعدوان. والله المستعان

المبحث الثاني(قراءة في المراجعات السعودية)
ويتضمن ثلاثة مباحث للمشايخ الذين تراجعوا عن فتاوى وأراء كانوا ينشرونها في مؤلفتهم ومواقع الإنترنت التي سببت عددا من حوادث التفجير أو تعميم التكفير وقد كان لها أثرا إيجابيا في تراجع الفكر المنحرف لدى كثير من الشباب المتأثر به وقد بث التلفزيون السعودي القناة الأولى هذه التراجعات للمشايخ :
1/ علي بن خضير الخضير
2/ ناصر بن محمد الفهد
3/ أحمد بن فهد الخالدي
وأدار اللقاء وأعده د/ عائض بن عبد الله القرني وقد قمت بتفريغ المواد الصوتية والمرئية لهذه المراجعات فوجدت فيها معلومات جديرة بالعناية والبحث والتأصيل لبعض المسائل الفقهية الهامة في مكافحة العنف والتطرف مع الوقوف على اللحظات التاريخية لمن دخلوا تجربة العنف والصدام مع المجتمع وخرجوا دون الحصول على شيء من أهدافهم التي رسموها سوى الدمار وإزهاق الأرواح البريئة وتشويه صورة الإسلام عند غيره كالأحداث المصرية المؤسفة التي استمرت لسنوات طويلة انتهت بالمراجعات المصرية وكذلك تجربة الجزائر التي سيطر عليها العنف والتطرف وقتل الأنفس البريئة التي طالت النساء والأطفال في أبشع صورة وأقسى مشهد مؤثر لا تقبله العقول والديانات
هذا المطلب قراءة هادئة في كلام المشايخ المتراجعين وربط كلامهم بالتأصيل الشرعي والتاريخي
المطلب الأول / الشيخ علي بن خضير الخضير :
كلمة د/ عايض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآله أيها الأخوة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته اللهم رب جبريل ومكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تعلم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدنا لما اختلفا فيه من الحق بأذنك أنك تهدي لمن تشاء إلى صراط مستقيم ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيأ لنا من أمرنا رشدي أيها الأخوة المشاهدون هذه الحلقة مع فضيلة الشيخ علي بن خضير الخضير والذي كان له فتوى ومواقف واجتهادات سابقة ودعيت اليوم لمبنى التلفزيون لأنني أخبرت أن فضيلته قد تراجع عن أقواله السابقة التي تخالف الدليل والبرهان وقد جلست معه وليس معه إلا الله وسألت بالله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم هل مورس ضدك ابتزاز بإخراج هذا التراجع أو الاعترافات التي تناقض ما قاله من سابق أو أوذي أو اكره على ذلك فأقسم بالله الذي لا اله إلا هو انه من محض إرادته ومن تصوره إلى وان يقول كلمة الحق التي يجير الله بها سبحانه وتعالى في مسألة سوف أعرضها مع فضيلته في هذه الليلة وما شهدنا إلا بما عالمنا وما كنا بالغيب حافظين ويعلم الله أننا نريد الخير لبلادنا ومجتمعنا وأمتنا الإسلامية فمن هذا أردت أن نلتقي بفضيلته وانتم تسمعون منه وهو بمحض إرادته وطوعه ورغبته فأن يقول كلمة ينفع بها وأتوجه له وأرحب بكم فضيلة الشيخ على في هذا اللقاء وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد
كلمة الشيخ / علي بن خضير الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين نريد الإصلاح ما أستطاع وكما قال  في الحديث الصحيح أن النصيحة لله ولرسوله ولأمة المسلمين عامة
وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه إلا بالله قضاء أن بعود فيه أن نرى فيه صواب ولذلك من باب النصح للمسلمين ومن باب النهي لبلادنا ومجتمعنا وأولادنا وأفراد المسلمين جميعا فإني أرحب بكم وأرحب بإخواني واعبر من ما اعتقده وما سوف أوضحه للأخوة المشاهدين أما بالنسبة للتفجيرات التي وقعت في الرياض فلا شك أنها مرفوضة وانأ أدينها ولا أرى لها بوجه حق فإن التفجيرات سببت الويلات وسببت المفاسد وذهبت منها أنفس معصومة وأرواح بريئة وأزهقت فيها ممتلكات وهذا لاشك انه لا يرفق لا من ناحية الدين ولا من ناحية العقل وهذا في تصوري بما فيها من فساد وما ترتب عليها من إزهاق هذه النفوس المعصومة كافية في معرفة حكمها في الوضع والأنفس لاشك أنها معصومة ودلت الأدلة من الكتاب والسنة ومن الإجماع وهي من الضروريات الخمس بل اتفقت عليها الشرائع والأديان فأزهقها بهذه الطريقة لاشك أنها لا تقبل مهما كانت المبررات ومهما كانت الأسباب ومهما كانت وراء الدوافع من ذلك
موجز المراجعات الشرعية
ذكر الشيخ أثناء اللقاء التلفزيوني المسجل عدد ا من العناصر الهامة لمن يحمل الفكر المنحرف وإجابات شافية لمن تأثر أو تعاطف معه وقد سمعت اللقاء مرات عديدة صوتا وصورة ورأيت من الأهمية التوقف والتأكيد على أبرز هذه المراجعات لاسيما أن الشيخ له حضور جيد في الأحداث وخاصة بعد تراجعاته وعرض تجربته للمشاهدين ومما يزيد الأمر أهمية أن الإعداد للقاء التلفزيوني يحتاج إلى تحضير وإعادة حتى تصل الفكرة للمتابع إلا أن هذه الأسطر هي خلاصة لهذه التراجعات التي لا غنى للباحث عن الحق عنها في شتى أنحاء المعمورة فالحكم واحد والنص واحد والشريعة سمحاء بيضاء نقية والرسول واحد والإله واحد والدين عنده الإسلام ومن تلك النقاط الهامة :
1/إزهاق النفوس التي حرم الله ليست من الجهاد في شيء وأنها اعتداء وبغي بمنطوق ومفهوم الأدلة الصحيحة والصريحة والمتواترة التي حرمت البغي عليها وكذلك على المجتمعات
2/من أقدم على هذه التفجيرات فهم بغاة على المجتمع وعلى ممتلكات أهله وفيهم شبه بالخوارج في التكفير واستباحة الدماء
3/الدولة السعودية دولة مسلمة وحكامها مسلمون ولا يجوز تكفير العموم من تكفير الوزراء والعلماء وتكفير المجتمع وان هذا المسلك سلكه الخوارج والعياذ بالله ونبرأ إلى الله منه وأنه يجب لولي الأمر البيعة والالتزام بها والطاعة وهذه من ضرورة كونه مسلما
4/يحرم الاعتداء على المعاهد والمستأمن وهو الرجل الذي من بلاد كافره دخل إلى بلاد الإسلام فيعطى عهد أو أمان بأن لا يُمس وبذلك يستحق أن يُعصم له ماله ودمه فإذا دخل الإنسان إلى هذه البلاد سوى كان هذا من الدولة أو من الأفراد فإن هذا يعتبر أمانا والفيزة هي أمان لأن الأمان والعهد ليس له ألفاظ معينة بل كل ما دل دليل على انه مأمون فلن يمسه شر فهذا يعتبر آمان ويحرم قتله ويكون دمه معصوما وأمواله معصومة حتى يخرج
5/نداء للشباب وهو أنه لا يجوز تكفير المجتمع على وجه العموم ولاسيما إذا كانت شعائر الإسلام موجودة في هذا المجتمع من الصلوات والأذان فتكفير المجتمع عموما أو بعضه لا يأتي بخير وهو من أصول الخوارج
6/ تراجع الشيخ عن مسألة ( دفع الصائل ) وهي خاصة في مدافعة رجل الأمن وقال : تراجعت عنها وهذا لعلها تكون هذه الرسالة للإخوة المستمعين وهي رسالة واضحة للتراجع عنها وحكى الإجماع عن ابن المنذر في تحريم مدافعة السلطان أو من يرسله في الطلب وأنه يُستنى من دفع الصائل
7/عرض الشيخ رأيه في ( معسكر السلطان ) لمحمد المقدسي فقال عنها :
اطلعت له على رسالة وهي عدة رسائل وعدة مذكرات وتأثر بها الشباب كثيرا وهذه المذكرة والرسالة كانت ينطلق فيها على أنها أنواع العسكر أو الجيش وكل ما انتسب إلى الأمن فأنه يلحق أو يكون حكمه حكم الحاكم فهم طغاة مثله وهذا لاشك انه خطأ وتعميم وليس عندهم أدله في هذا الجانب لأن أصل العصمة باقية واصل الإسلام باقي فهذه الفتوى خطأ ولا ينبغي للشباب أن يقرءوها لأنها تؤدي إلى تصورات خاطئة ليس على مجالس السنة أو الجماعة
8/تحدث الشيخ بوضوح عن( مسألة التترس )وأفاض فيها وبين أن هذه الفتوى قديمة وكان التصور فيها القديم يختلف عن التصور الحاصل في هذا العصر فقد فسرت خطأ أنها استغلت هذه المسألة بقتل المسلم أنفسهم إذا حدد جهة أنها كافرة يقتل هذه الجهة وان كان معها أطفال بحجة التترس فتوسع في هذه الفتوى وتوسع في هذا المقام وإلا هي ثابتة قديما بالنسبة للحضارة التي كانت واضعة في الزمن القديم إلا أن في زمننا لا يمكن مع تقدم الأسلحة وتقنياتها لأن مسألة ضبط الهدف صعب فعندما تضرب نفسا محددة سينال القتل والدمار الأبرياء وهذا خطر عظيم جدا إضافة إلى أن التترس يكون في المعركة والحرب أما ما يحصل في المدن وبين المعا هدين والمستأمنين فهذا أشِد خطرا
9/ضرب الأهداف الاقتصادية في بلادنا الإسلام من باب إضعاف العدو لا يجوز وهو إتلاف لأموال المسلمين المحترمة بحجج باطلة واهية
10/لا تُسمى هذه العمليات استشهادية بل هي قتل للنفس وانتحار يُخشى على فاعلها من العقوبة

11/ يحرم التستر على من ساهم في هذه العمليات وأنه يجب الإبلاغ عنهم والإخبار عما يخططون له من فساد وإفساد وأنه من النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين عامة
12/ثم تحدث الشيخ عن بيان 19 المطلوبين أمنيا فقال :
هؤلاء الأشخاص طبعا أصدرنا بيانا التسعة عشر قبل أحداث الرياض وما كنا نعلم بأحداث الرياض وجاء بعض إلينا وصوروا أنهم أبرياء وان هذه كذبه عليهم وكان بعضهم نعرفه فاستعجلنا وأصدرنا هذا البيان في تزكيتهم لكن وقعت الأمور وعرفنا جدية الأمور الأخرى وندمنا عليها لأنها خاطئة ومخالفة للحق وكان ينبغي التأني والنظر إلى عواقب هذه الأمور لكن فيها تجربة على كل حال فما كنا نتصور هذه الأمور كنا نسمع عن الجزائر ونسمع عن ما حصل فيها وكنا نرى أن الشباب لن يصلوا إلى هذه المرحلة لكن مرحلة المرحلة القريبة التي ترى شيئا منها التأجيج وشيئا من الإثارة تؤدي الأمور شيئا فشيئا حتى الآن يجب أن يقف هذا العامل أو أن يقف هذا النزيف حتى لا ندخل إلى هذا النفق المظلم
13/ أوصى الشيخ طلبة العلم في بيان الحق للناس كما هو وأن تتضافرا جهود المجتمع مع رجال الأمن لمعالجة هذه المشكلة ومعالجة هذه الأمور قبل أن تستفحل أو قبل أن تحدث أمور اشد وأوصى مرة ثانية الدعاة أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويجتهدون في إيصال الكلمة وإيصال الحق إلى الناس وان لا يجادلوا وخصوصا إذا تعلقت الأمور في مسألة الدماء وفي مسألة ضياع المجتمع فلابد أن يكونوا صريحين وان يبينوا الحق من الباطل رضي من رضي و غضب من غضب فمن لا يعرف الحق فلا بد منه فأراء أن يهتم الدعاة بالشباب ويفتحوا باب الحوار معهم الذي فيه هذه الشبهات فيناقشونهم ويتكلمون معهم وكذلك يبينون الحق ويوضحوا الأمور ويتركون قضية المواجهة وقضية التعميم وقضية الفتوى العامة والفتوى التي تثير ويتخذون التي هي أحسن
14/ تحدث الشيخ عن نعمة المراجعات فقال :
لاشك هي على كل حال تجارب وأحب أن انقل إلى الإخوة الآخرين هذه التجربة وهي أخطاء مارستها في القديم فاجتهدنا فيها ولكننا لم نوفق في الصواب فيها وكنت أتمنى أني ما فعلتها ولكن بقي في الوقت فسحه للتصحيح والمساهمة في هذا التصحيح وهو ما كنا إن شاء الله ننوي أن نفعل بإذن الله في نفع المسلمين وتصحيح في هذه الأمور في أذهان الشباب وفي أذهان الآخرين
15/ أجاب الشيخ عن شبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب
الحديث حق ولكن فهمه خطأ إخراج اليهود من جزيرة العرب لا يعني ذلك انه لا يجوز أنهم لا يأتون بحاجة المسلمين فإذا دخول في حاجة المسلمين وفي حاجة ينتفع بها أهل الإسلام فهذا جائز وهم ليسوا بمحاربين ومحرم قتالهم لأنهم دخلوا في هذا وبقائهم الآن لمصلحة ولذلك لا يدخل في الحديث ما ورد من الدخول والإقامة فيها دائمة ولذلك كانت خيرا موجودة من فترة من الفترات من زمن عن الرسول ولما استغنوا عنهم أخرجوهم ومازال أهل الإسلام يستقبلون الكافر والمعاهدين ويجلسون ويبيعون ويستخدمون لمصالح لهم ثم بعد ذلك يعودون إلى بلادهم.
16/ قال في جهاد فلسطين :
الجهاد موجود في فلسطين وما يقومون به فهذا أمور تشرح الصدر ولله الحمد فهذه باقية ولا تزال طائفة من أمتي الحق
17/ بين أن الجهاد يلزمه إذن الإمام فيه ولابد من إعلانه للجهاد أو الإذن به
18/ قال عن الجهاد في العراق :
العراق أصبحت الآن مكان فتنه لا يدري القاتل فيما قتل والمقتول فيما يقتل فكيف يذهب هي الآن وقت فتنه والشباب تحت مسئولة لها وليعرفون عواقبها وليعرفوا من يكسب النصر وليعرفون الرايات التي فيها فكيف يذهبون إلى هناك وهم على هذا الجهل العظيم فيعني لا ينبغي الذهاب أبدا ولا آفتي فيه ولابد من ولي الأمر لأنه عالم في هذه المصالح
19/ تحدث الشيخ عن الشباب والفكر المنحرف وبين أن هناك عدة عوامل منها الجهل أولا الذي كان له الأثر العظيم في هذه المسألة ومنها الحماس واخذ الأمور بالحماس واندفاع ثم اختلاطهم بأناس على غير منهج أهل السنة والجماعة وبين الشيخ أن هناك مجموعة من الشباب هؤلاء عادوا للجادة والصواب في السجون بعد الحوار والمناقشة
20/ تحدث الشيخ عن ( التكفير ) وأنه حق لله ولرسوله ولا يجوز لإنسان أن يقدم عليه يقول الله سبحانه وتعالى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ فتكفير المسلم بغير حق منه القول على الله بغير علم وكذلك قول الله سبحانه وتعالى  وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ 
وفيه أيضا وعيد شديد جاء عن النبي كما في الصحيحين عن حديث ابن عمر من قال عنه أخيه كافر فقد باء ي احدهما وكذلك في حديث أبي ذر من قال لأخيه عدو الله أو يا كافر فقد حارت عليه فقد رجعت عليه)
فهذا كله وعيد شديد في الإقدام والجراء على مثل هذه الأمور وتكفير المسلم المصلي القائم بشرائع الدين هذا لاشك انه إثم عظيم وأنه يترتب على تكفير الوالي وتكفير المجتمع ترتب عليها الخروج وترتب عليها إهدار الدماء وإهدار الأموال المعصومة وهذه من الأمور المحرمة
21/ تحدث الشيخ عن الأخطاء الموجودة وأنه لا يُعقل أن يوجد مجتمع صافي ومجتمع ليس فيه شيء ولكن مع ذلك كل هذه المبررات لا تبرر مثل هذه التفجيرات ولا تبرر مثل هذا التكفير ولا تبرر الخروج ولا تبرر نزع اليد من الطاعة.
22/ تحدث الشيخ عن من يسمي العلماء بمشايخ السلطة وأنه من الخطأ لاسيما أن هؤلاء العلماء أمضوا أعمارهم في الإسلام ولهم قدم من الصدق فيه ومنذ عرفنا أنفسنا ونحن نسمع منهم الحق ونسمع البيان الصادق ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله وبقيت المشايخ الفضلاء وفقهم الله فهنا لابد من الأخذ منهم ولذلك لما كانت هناك عدم مرجعية وعدم الرجوع لهم تسببت أمور كثيرة وهي طبيعة بعض الشباب إذا لم يكن مقتنع بما عندك تبرئ منك وسهل عنده أن يلزمك بالسلطان أو كونك من أتباع السلطان فلا شك أن هذا مسلك خطأ ولا أيده فيه بل لابد من المرجعية ولابد من الأخذ منه.
23/ تراجع الشيخ عن فتوى له في تكفير المعين
1/ منصور النقيدان
2/ تركي الحمد
3/ عبد الله أبو السمح
وأنه يبقى فيهم العصمة ويبقى فيهم الإسلام
24/ قال عن نهاية هذه التفجيرات :
هذا لاشك هذه المفاسد التي ترتبت عليها هذه العمليات تشويه سمعة الإسلام والمسلمين والعلماء بل وسبب لضياع ممتلكات المجتمع ونشوء البغض والفرقة فيه واختلاف الكلمة وأيضا التأخير في مجال الدعوة و التسلط على مشاريع البذل والخير والعمليات الاغاثية فلا شك إضافة لمفاسد عظيمة من أهمها صد بعض الشباب على التدين بل أننا سمعنا أن بعض الآباء الآن بدأ يتخوف على أبناءه أن يسلك هذا المسلك وبعض الأمهات وبعض الأقارب يخشون على أبناءهم الآن أن ينزلقوا في هذا المزلق فأثر كثيرا على مجال الدعوة ومجال الشباب
25/ تحدث الشيخ عن المجتمع السعودي فقال :
هو من أفضل المجتمعات لاشك وتلاحظون أن كثيرا بعض أهل الإسلام يتركون بلادهم الإسلامية ليعيشوا هنا في مجتمع تظهر الشعائر الإسلامية والخير العظيم فلازال المجتمع فيه بركه وفيه خير وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى أضف إلى الأمن الذي نعيشه وهذا نعمة عظيمة
26/ تحدث بعد ذلك عن نعمة الأمن فقال :
لاشك الأمن هو من نعم الله سبحانه وتعالى فإن حصل الأمن استطعت أن تُصلي استطعت أن تذهب إلى المسجد إذا حصل الأمن استطعت أن تلقي الدرس استطعت أن تذهب إلى أقاربك أما إذا ضاع الأمن كيف تصلي كيف ترى أقاربك أين مصير الأموال أين مصير الأنفس فالأمن من نعم الله سبحانه وتعالى أمتنه الله سبحانه وتعالى على البشرية وأمتنه على قريش قال تعالى
ِ إِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ
فهي من نعم الله سبحانه وتعالى وذكر اله في سورة النحل لما عدد النعم التي منها نعمة الأمن ونعمة السكون ونعمة الرجوع إلى البيت مطمئنين فهذه من النعم التي يجب علينا إن لا نهدرها ونضيعها من أيدينا
27/ تحدث عن تجربة الجزائر :
سبقنا في هذه التجربة عدد من البلاد الإسلامية ودخلوا في النفق المظلم وتشتت رأيهم وسفكت الدماء المعصومة وأزهقت الأنفس من خلال التفجيرات فالجزائر مثال واضح وكثر ما يستشهد به خاض الإسلاميين صراع ومواجهة قديمة ولازالوا عشرات السنين عشرين سنة ولا زالوا بذلك حتى الآن لم يحصل لهم شيء كذلك في مصر حصل في أماكن أخرى فلا يمكن للإسلاميين أن يحققوا إقامة حكومة إسلامية في مواجهة مع الحكام والصراع معهم لأن هذه يؤدي إلى مفاسد عظيمة والنهاية لن يكسبوا شيئا.
28/ تحدث عن تجربة الجماعات الإسلامية بمصر :
اطلعت على بعض الصحف ورأيت منها ذلك لأن الجماعة الإسلامية في مصر أصدروا كتاب على هذا النحو( نهر الذكريات ) وحمدت لهم هذا الموقف إذا تضافرت المفاسد وزادت وعظمت والتراجع كان أفضل من التمادي في العنف
29/وجه الشيخ كلمة صادقة مؤثرة لحاملي السلاح :
أوجه له كلمة وأقول اعلم أن هناك آخره وان هناك موت وان هناك يوم سوف تسأل فيه عن الدماء التي تراق وعن الأموال التي تزهق وعن الترويع للأمنيين الذي يحصل من ذلك ولن يستفيد من ذلك شيئا وأنا أقول له بإخلاص وصدق وأتمنى ذلك من قلبي بأن يتقي الله سبحانه وتعالى أن يخشى الله في نفسه وفي أهله ويترك هذا العمل ويلقي هذا السلاح كفى من هذه الأعمال التي حصلت التي ينفطر منها القلب وتتألم منها النفوس المؤمنة
30/ ليس مبررا قتل الكفار بالسعودية انتقاما مما يفعل بالمسلمين بفلسطين ونحوها فلا يجوز أن يُنتقم له في بلاد آمنه دخل فيها وهو معصوم الذمة هذا خطأ
31/ تحدث عن طريقة الشيخين ابن باز وابن عثيمين فقال :
ليس لي تعقيب وإنما من خلال تجربة وأنا خضت تجربتين تجربة قديمة وتجربة حديثة وجدت أن مسلكهما وطريقتهما هي الأقرب إلى الخير والأنفع في مجتمعنا والأنسب لحصول الخير وان كان يتأخر قليلا لكن يحصل ويحصل فيها نوع من التصحيح والتعديل والرفق ما كان في شيء إلا زانه وشيخنا الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله من المشايخ التي درست عليهم سنوات أربع سنوات رحمة الله قد استفاد منه المجتمع واستفاد منها الناس في مشارق الأرض ومغاربها فهو المسلك الناجح وهو المسلك الذي ينبغي أن نسلكه فطريقة العنف والمواجهة فيها تشتت وعاقبتها لا تحمد فالرجوع عن الفتوى حق فقد كان أهل العلم لهم قول في هذه المسألة قديما وجديدا كما كان الشافعي له قديم وجديد وأقول هذه كانت في مرحلة وقلتها في فترة معينة والآن لا تأخذ فيها ولا أرى احد أن يرجع إليها أو يقرأها.
32/ ثم تحدث عن ( الخروج على الإمام ) فقال :
الخروج على الوالي كما في الحديث الصحيح إذا رأى كفرا بواحا وليس ذلك فقد صح على النبي  أن الحاكم اظهر كفرا بواحا فهذا يخرج عليه إذا ثبت فعلا الكفر البواح وليس له فيه تأويل وكفر يجتمع عليه الناس ثم إذا كانت هناك قدرة موازية لتحقيق الحق ولتحقيق الصواب وهذا لم أرى انه حصل حتى الآن في مجتمعنا وينظر إلى المجتمعات الأخرى بالشروط المعلومة شرعا
33/ تحث الشيخ عن الشباب والمنكرات فقال :
ثبتت من التجربة أن الشاب اقرب إلى العامي في فهمه وإدراكه فبعض الشباب يدرك بعض الأدلة دون بعض وقد يدرك بعض الأدلة ولكن لا يعرف المخصصات لها ولا يعرف كيف يجمع بين جوانبها ويضخم جانبا دون جانب ويقرأ حديثا ويجعله هو المنهج فالشباب ليسوا أهلا لمثل هذه الأمور بل عليهم أن يسألوا أهل الذكر ويجب إحياء مسألة أن العصمة لا تكون للبشر لكن هم بذلوا واجتهدوا وأصدروا فتاوى وتكلموا في الخطب وفي الإذاعة وفي البرامج واجتهدوا في هذا الجانب والإنسان يبذل ما يستطيع لكن الحاجز الذي يشعر به الشباب كان هو الحائل دون ذلك ولكن لو زال هذا الحاجز لأصبح هناك قبولا سريعا وقبولا جيدا
34/ تحدث الشيخ عن ( وحدة الأمـة ) فقال :
يجب المحافظة عليها لاشك هذه مكاسب مثل ما أشرت قبل قليل هذا أمن ومكاسب يجب علينا أن نحافظ عليها ويجب علينا أن نحمد الله سبحانه وتعالى عليها الآن المجتمعات الأخرى تتمنى مثل هذه الأمور فلماذا نحن نخرب بيوتنا بأيدينا فيجب علينا أن نحمد الله على هذه النعمة ونسعى على بقائها ونسعى على بقاء الاجتماع والاجتماع على المخالفات التي لم تصل إلى حد عظيم فهذا خير وليس من مناهجنا ما قد حصل لكن من الحماس الزائد ومن وجود جمع من طلبه العلم والعلماء والذين قد يسهمون في تأجيج الشباب حتى من الخارج والداخل لقنوا الشباب بما يكتبونه من فتاوى يفهمه الشاب ويظن أنها تحوي العلم لأنها تنزيل الإحكام على المعينين و هذا ما لا يدركه الشباب فلم يدركوا مثل هذه الفتاوى العامة فيقرؤها الشباب فينزلها كما يريد ثم تحدث عن مخاطر فهم مسائل التكفير والتفجير والولاء و البراءة والمظاهرة وإثارة الشبهات حولها فيقع الشباب ضحية الجهل والخطأ فتضعف وحدة الأمة وقوتها ثم بين أن البطالة موجودة قديما واستشهد بكلمة احد الخطباء عندما قال ( أصل الآباء قديما كانوا أكثر منا جوعا) لكنهم أحسن منا مثل هذه الأمور فلماذا كانت موجودة وهذا كلمة طيبة يعني هذه الأفعال لا يمكن أن تجعل الشاب يتوظف أو يسد حاجته وفقره ليس حلا وليس معنى ذلك إذا جعت أن تقتل غيرك وليس معنى ذلك إذا لم تجد فرصه عمل أن تعتدي على الآخرين وليس معنى ذلك إذا لم تجد ما تتوظف فيها أن تأخذ ذلك بالقوة مما يؤدي إلي ضعف وحدة المجتمع
35/ وجه الشيخ كلمة للمعلمين والمربين فقال :
دورهم الآن خصوصا المراحل المتقدمة في المجتمعات وفي الثانوي من الواجب على المدرسين أكثر في بيان مفاسد هذه الأمور وبيان ما فيها من مخاطر إذا وجدوا شبابا قد يمكن أن ينتهجوا ذلك المنهج بأن يكلمهم وينصحهم فيما بينهم وبين أنفسهم فهذا واجب أيضا وكذلك إمام المسجد يبذل من هذا الجهد ويجعل له كلمة لجماعة المسجد يبين فيها الحق والخطيب أيضا كلا هؤلاء يجب أن يبذلوا ما يستطيعون
36/ بين الشيخ حرمة دماء رجل الأمن الذي يحرس ويضبط الأمن في المجتمع وأن قتله جريمة وإزهاق لنفس حرم الله قتلها
37/ كلمة للشباب :
الذي أحب أن أوجهه خصوصا للشباب أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وان لا يستعجلوا وان لا يتحمسوا وان يراجعوا إلى العلماء والى المرجعية العلمية ويستندوا في ذلك ويتقوا الله سبحانه وتعالى ويحكموا كتاب الله في أنفسهم ويعتصموا بالكتاب والسنة. إذا كانوا يدعون إلى التحكيم في كتاب الله في مراحل المجتمع فيجب إن يرجعوا إليه ويحكموا في أنفسهم في ذلك فكيف يجرؤن على أنفس معصومة وكيف يجرؤون على تكفير بغير حق باطل كل هذه الأمور أجد الفرصة المناسبة لأدعو الشباب أن يتقوا الله سبحانه وتعالى فهناك بينهم من قد يوجد أحيانا وقد يدفعهم إلى أمور يغررون بها فيدفعهم إلى أشياء لم يتوقعوها وهذا يحصل من بعض الشباب فيغرر بهم فعليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وان لا يأخذوا بأيدهم وان يراعوا حرمات هذا المجتمع وأمنه وبلادنا ولله الحمد في امن وخير فلا يكونوا سبب هذه الفرقة وسبب هذا الشرور والعياذ بالله.
الدكتور عايض القرني
بارك الله فيك وأثابكم ونفع الله بما قلتم ..

المطلب الثاني :
مراجعات الشيخ ناصر بن محمد الفهد
مقدمة د/ عايض القرني :
أيها الأخوة المشاهدون سلام الله عليكم معنا اليوم حق ورجوع للصواب وإتباع للدليل وليس هناك غموض وليس هناك أسرار ولا ألغاز ولا مؤامرة وراء الكواليس نريد الحق نريد الخير نريد أن يرضى عنا ربنا وحده سبحانه أن تعلم ما تريد
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام هضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
معنا هذه الليلة الشيخ ناصر بن محمد الفهد في حوار وفي رشد وفي رجوع إلى الدليل وإتباع للصواب حياكم الله يا شيخ ناصر
بداية كلمة الشيخ ناصر الفهد
جميع ما أقوله مقتنع فيه تماما ولم يمارس علينا أي ضغط و أمر هذه المقابلة أنا طلبت ترتيبها من اجل إبراء الذمة
موجز المراجعات
1/ ذكر الشيخ أسباب المراجعات وهي أن ما حصل خلال الستة شهور الماضية جعلته يفكر كثيرا ويراجع في كثير من أقواله وفتاواه التي ساقت أحوال واتت بأمور لا تحمد عقباها وأدخلته في أمور سأل الله أن يكفينا شرها ومع التفكير ومع القراءة ومن الاستفادة ومع الأحداث التي حصلت حصل في نفسه تغير كثير جدا وصدم صدمة عظيمة لما حصل خلال شهر رمضان من تفجير مجمع المحيا حين رأى المسجد قد هدم في رمضان ورأى الحارس السوداني وهو أب لخمسة أطفال ورأى كذلك مجموعة من الأسر المصرية والأردنية مصابين في هذا التفجير المشين فعده من الفساد في الأرض وليس من الجهاد في سبيل الله وقال :
( نحن نبرأ إلى الله منه ومن يعمل مثله أنا نفسي طلبت كتبت طلب إبراء للأزمة من اجل يعرف الناس أننا لا نقر مثل هذه الأمور وان هذه الأمور محرمة فانا الذي طلبت وأنا اقسم على ذلك حتى لا يقال أن مارست علينا ضغوط أبدا وقد صدمت جدا يعني ما صدمت ربما في حياتي يعني أول ما قرأت التفاصيل وشاهدت الصور رأيت اثنين من النساء فقدت كل واحدة منها عين ورأيت الأطفال حتى الأطفال من المسلمين رأيت اسر مصرية واسر لبنانية واسر أردنية يعنى حال لا يقره بمثل هذه الأمور ونحن نبرأ إلى الله منها شعرت بصدمة شديدة لما رأيت هذا وهذا الذي جعلني اطلب هذه المقابلة من اجل إبراء الذمة وبيان للناس بأننا لا يمكن بحال أن نقر بهذه الأعمال)

2/ هذه التفجيرات ليست من الجهاد في سبيل الله بل من الفساد كما ذكر الرسول أن الخمر تشرب في آخر الزمان وتسمى بغير اسمها ومثل ذلك من يفجر في بلاد الإسلام ويقتل أطفال ويقتل المسلمين ويسميه جهادا والحق أنه فساد فالأسماء لا تُغني
3/ تحدث الشيخ عن من فجر نفسه بأن ذلك ليس من الشهادة ويشهد له ما جاء عن الرسول  كما في الحديث أن رجلا به جراحة فقتل نفسه فقال الله تعالى (بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة )
فمثل هذا يعتبر انتحارا فكيف يقتل مسلمين ونفوس معصومة ويتلف أموالا محترمة وفي بلاد الإسلام فهذه لا تعتبر شهادة أبدا والذي يدل هذا الدليل السابق
4/ أوضح الشيخ أن تأشيرة الدخول كافية لئن يكون بها الكفار من المعاهدين المستأمنين والتأشيرة تعتبر عهد أمان وذكر العلماء أن سلام المسلم على الكافر الحربي تجعله من المستأمنين والرسول  قال: ( وذمت المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن اخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )
ومن أعظم ذلك ان ينتهك حرمة هذا المستأمن إذا آمنه المسلم حتى بالسلام فضلا عن أن يأتي مجموعة من المسلمين يعني يتعاقد معه ويعطيه آمان ويعطيه تأشيرة ويأتي به إلى هنا فهذه أمانات أكثر من واحدة فهذا الذي يعتدي عليه يخفر هؤلاء كلهم فيكون معرض إلى الوعيد كما حديث الرسول (من قتل معاهد لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما)
5/ ذكر الشيخ قاعدة مهمة جدا من كلام ملائم للأحداث الراهنة وهي ما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب مدارج السالكين قال فيه إن الأمر لو كان ملتبس لا تعرف هل هو حق أو باطل حلال أو حرام قال فلينظر إلى نتيجته أو ماله إذا كانت مفاسده أكثر من مصالحه يكون محرما وماذا كانت مصالحة أكثر من مفاسده يكون مباح فالآن حتى لو كانا لا نعرف الحكم سابقا ولكن نعرف النتائج نرى النتائج الآن أمامنا واضحة منها قتل نفوس مسلمة و قتل نفوس معصومة وانتهاك بلدان وترويع الآمنين يعني مفاسد كثيرة مترتبة على هذه الأعمال السيئة
6/ ذكر الشيخ تراجعه عن تعميم الفتيا والبيانات التي كانت فيها حماس غير منضبط وفيها تعميم وفيها أمور يعني أخطأنا نحن وفيه أمور اخطأ الناس في فهمنا لها لأنه أصلا عممنا وتكلمنا بأمور الحقيقة ما كنا نعرف أن الأوضاع ستصل إلى ما وصلت إليه لكن الحمد لله الأمور بيد الله سبحانه وتعالى و هو يقدر لحكم قد نعلمها وقد لا نعلمها ومن الفوائد أنها بينت لنا هذه الأخطاء لذلك اعتبر نفسي متراجعا كثيرا من الفتاوى والأمور التي ذكرتها
7/ تحدث الشيخ عن خطر الفتيا والإقدام عليها وأن الصحابة رضوان الله عليهم وهم خير البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يتدافعون الفتية وكان يتدافعها العشرة والعشرين كل رجل يريد أن يتحمل أخوه عنه هذه الفتية ثم هناك مرجعية للفتية وأهل العلم الكبار المعروفين وهذا يكفينا ولله الحمد
8/ ذكر الشيخ منكرات التفجيرات التي حصلت بمجمع المحيا بمدينة الرياض وما سبقها من تفجيرات مماثلة ومنها :
المنكر الأول ..
أن فيه قتلا لنفوس مسلمة والله يقول وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ا
ويقول الرسول  : ( لا يزال الرجل في فسحه من دينه حتى يصيب دم حرام ) و (لزوال الدنيا وما عليها أهون عند الله من قتل رجل مسلم فكيف بقتل مجموعة )
المنكر الثاني ..
قتل المعاهدين والمستأمنين وسبق ذكرت لك حديثا من الصحيحين حديث عمرو بن العاص يقول رسول الله ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد منها مسيرة أربعين عاما ) و ( أن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن اخفر مسلما فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا )
المنكر الثالث ..
قتل النساء والصبيان ففي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (أن الرسول مر على أمرة كافرة مقتولة في غزوة بين المسلمين والكفار وأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان ))
يعنى تصور معركة بين المسلمين والكفار وامرأة كافرة في غزو ومع ذلك نهى عن قتلها فكيف بنساء وصبيان وفي بلاد الإسلام وبعضهم مسلمين وبعضهم مستأمنين ؟؟؟
المنكر الرابع ..
إتلاف الأموال المحترمة شرعا وحفظ المال من الضروريات الخمس التي أتت جميع الشرائع بحفظها وثبت في الصحاح والسنن والمسانيد من عن أبي بكر وعائشة وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس رض الله عنهم أن الرسول  قال (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلكم هذا)
فقرر حرمة المال مع حرمة الدم وهذه أتلفت أموالا وخربت بيوتا
المنكر الخامس ..
أنها روعت المسلمين وذكر عن رسول الله انه نهى عن ترويع المؤمن بل أعظم من ذلك ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال (إذا أشار الرجل على أخيه بحديدة لعنته الملائكة )
يعنى مجرد إشارة بحديدة تلعنه الملائكة فكيف يكون نصيب من قتل ؟؟ وأتلف ؟؟ وروع ؟؟ وأخاف ؟؟ وأفسد ؟؟
المنكر السادس..
أن هذا فيه إخلالا بالأمن وهو من أعظم نعم الله سبحانه على البشر بعد نعمة دين الإسلام لذلك الله سبحانه وتعالى امتن به على قريش فقال سبحانه وتعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ
وقال تعالى  الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ  وهذه التفجيرات جعلت الناس يخافون على أنفسهم بل أنها روعت الآمنين في بيوتهم .
المنكر السابع ..
أنها شوهت صورة الجهاد في سبيل الله ما هذا من الجهاد في سبيل الله ؟؟!! أتفجر في بلاد الإسلام وتقتل مسلمين وتقتل نفوسا معصومة وتعتبر هذا من الجهاد في سبيل الله والله هذا ليس من الجهاد بل انه من الفساد

المنكر الثامن ..
أنها ربما سلطت أعداء الإسلام على الإسلام إذا روي مثل هذه الأعمال لا سمح الله
المنكر التاسع ..
أنها أضرت بمشاريع خيرية كبرى وكثير لان كثيرا من التجار وأهل الخير أحجم عن التبرعات مخافة أن يؤل المال إلى مثل ما صار إليه تلك الأعمال أو تستخدم في دعمه
المنكر العاشر ...
شوهت صورة الملتزمين الآن كثيرا فمن الناس إذا رأى الرجل الملتحي يعتقد أن في جيبه قنبلة أوانه يبحث عن نفس يقتلها وصارت صورته انه سفاك للدماء وانه يريد فقط أن يهدم البيوت على ساكنيها ولو أردت أن نستقصي كثير من المفاسد لجمعت عددا منها لكن سيطول الوقت
9/شرح الشيخ شبهة ( دفع الصائل ) إذا كان رجل أمن وأنه يجوز للمشتبه فيه أن يقاتله ويقتله بحجة دفع الصائل فأجاب بأن الجندي مسلم ومادام انه من المسلمين ويشهد أن لا اله إلا الله فعن انس بن مالك أن رسول الله  قال ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فذلك المسلم)
أما قتله بحجة دفع الصائل فقد ذكر ابن المنذر إجماع العلماء على استثناء السلطان من باب دفع الصائل حتى و إن صال عليه السلطان فان يستثنى و لا يقتل
10/ أبان الشيخ المفاسد التي ترتب على حمل السلاح وأنها واضحة للعاقل ونتائجها الوخيمة لا تحمد بل تسؤ وهذه من فوائد التجارب فقد يكون الإنسان يستفيد من التجارب أكثر مما يستفيد من القراءة والمدارسة ورأينا ما ترتب على حمله من سفك للدماء وترويع الناس والمسلمين فأما حمل السلاح فلا يجوز إلا إذا كان هناك حرب بين المسلمين والكفار
11/ أوضح الشيخ تحريم تكفير المجتمعات وأن هذا هو فكر الخوارج و معروف مذهبهم في تكفير المسلمين والتكفير بالمعاصي والتساهل بالإقدام على سفك الدماء هذا كله من فكر الخوارج مما يجوز تكفير المجتمع حتى لو وجد التقصير والقصور يبقى في المجتمعات من نقص البشر فلا يجوز للإنسان تكفير المجتمع
12/ وجه الشيخ رسائل هامة للمطلوبين أمنيا لمن يحملون السلاح ويصنعون المتفجرات بقصد استخدامها في ترويع الآمنين بحجج واهية لا دليل لها فقال :
الرسالة الأولى
أن يتقوا الله في المسلمين وقد رأينا الحقيقة والنتائج قُتلت نفوسٌ مسلمةُ ونفوس معصومة وهدم بيوت على ساكنيها وروع الناس وحصلت أمور ما كنا نعتقد أن تصل إلى ما وصلت إليه
الرسالة الثانية
أن يتقوا الله ويتركوا سفك الدماء
الرسالة الثالثة.
أن يتقوا الله في أنفسهم وان يتوبوا مما عملوا والله سبحانه وتعالى يقول فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  وكما ذكر الرسول  (كل بني أدم خطاء وخير الخطائين التائبون )
وليس من العيب أن تٌخطئ ولكن العيب الإصرار على الخطأ فادعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق والرجوع إلى الحق فضيلة.

12/ دعا الشيخ أن يكف عن الفتاوى التي تتعلق بالقضايا المهمة المصيرية وأمر العامة وأمر الدماء والأموال وان تعاد إلى صاحب المرجعية وهيئة كبار العلماء وأن هذا من فوائد التجارب التي مر بها لاسيما التضارب في الفتاوى والإقدام عليها بدون نظر ولا مراعاة للمصالح العامة للأمة
13/ فند الشيخ شبهة من علل بجواز التفجيرات بما يحصل له من تضييق وإيذاء وظلم فقال : ما ذنب المسلمين إذا وقع فقر أو بطالة أو وقع عليه ظلم أن يروع المسلمين أو غير ذلك فعلية أن يصبر قد يبتلى المسلم في السراء أو الضراء فعليه أن يصبر
14/ تحدث الشيخ بكلام نفيس عن الخروج على السلطان :
ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في منهج السنة كلاما جميلا عن الخروج على السلطان حتى لو كان ظالما ولو ترتبت المفاسد التي حصلت على الخروج أعظم من حصول النتائج فيحرم وذكر أمثله منها من خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي وهو من أشهر الظلمة ومع ذلك لم خرج عليه من خرج وحصلت الواقعة عام 83هـ سفكت دماء وقتلت نفوس ولم تحصل نتيجة وضرت أكثر مما نفعت ومثلها حادثة الحسين بن علي رضي الله عنهما مع يزيد بن معاوية لما أراد الحسين أن يخرج عليه قتل ومجموعة وضرت أكثر مما نفعت وذكر نماذج لذلك جماعها أنه لا يحفظ التاريخ مصلحة للخروج على السلطان حتى لو كان ظالما إلا وتكون المفاسد أكثر من المصالح
15/ تراجع الشيخ عن فتوى جلب العمال من أميركا والإنجليز وجواز الاعتداء عليهم فقال :
نعم كما ذكرت لك مجرد الإتيان بالكافر مهما كانت جنسيته إلى بلاد الإسلام بعقد آمان فهذا معروف من قديم فقد كان بعض المسلمين يأتون بالكفار بعقد آمان سواء العقد الدائم مثل عقد أهل الذمة في بلاد الذي يجوز فيه أن يدوم كبلاد غير عرب أو عقد مؤقت مثل عقد الهدنة أو عقد الأمان وهذا كله يجعلهم نفوس معصومة فالكافر حتى لو كان حربي إذا أعطى عقد أمان أوكان معاهد يعصم دمه وماله
16/ تحدث الشيخ عن خطر التكفير فقال :
التكفير أمره خطير لأنه يترتب عليها أمور عظيمة لأنك إذا كفرت المسلم معنى هذا انك أهدرت دمه ومعنى هذا انك أبطلت نكاحه ومعنى هذا انك قطعت الولاية بينه وبين أهله وأقاربه وغير ذلك وميراثه وغير ذلك وقد عظم الرسول  هذا فقال كما في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول قال ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما) فالإقدام على التكفير غير محمود مطلقا ومثل هذا الكفر له ضوابط وشروط معروفه وموانع تمنع من ذي ولا يعرفه إلا العلماء الكبار الراسخون في العلم فلا يقدم عليها إي رجل وحينئذ يكون الناس في فوضى هذا يكفر هذا وذاك يكفر هذا خصوصا إذا مررت على مسألة سلسلة التكفير من لم يكفر كافر .
17/ سُئل الشيخ عن هذه التفجيرات التي يقصد بها الأهداف الاقتصادية كالبنوك ، والمؤسسات بحجة أضعاف قوة العدو فأجاب هذا لا يجوز مطلقا هذا ممكن إذا وقع حرب بين دولة الإسلام ودولة الكفار وقع حرب ممكن أن ينظر في هذه ينظر لها الإمام وينظر لها العلماء الراسخون في العلم في استهداف اقتصاديات بلاد الكفار عند وقوع الحرب أما في بلاد الإسلام وبين المسلمين هذا يضر نفس الإسلام ويضر نفس المسلمين من حيث اقتصادياتهم التي لا تعود بالضرر إلا على المسلمين أنفسهم
18/ أوضح الشيخ أن الذي يملك حق الإذن بالجهاد واستنفار الأمة وقت الطلب أو الدفاع عن الأوطان هو ولي أمر المسلمين لأن أصل الجهاد يعتبر من السياسات العامة والسياسات العامة كما ذكرها العلم موكولة إلى إمام المسلمين
19/ قال في الذهاب من السعودية للعراق للجهاد :
لا.. لا أوافق لأن أصل القتال في العراق قتال فتنه يعني لا يدرون من القاتل ومن المقتول وما هدف القاتل وما ذنب المقتول تحصل تفجيرات وقتال ولا يعرف من وراءه.
20/ تحدث الشيخ عن أمن المجتمع السعودي فقال :
لا أرى هناك بلادا أحسن من بلادنا هذه البلاد التي نشئت فيها وتعلمت فيها وهي بلادي واعرفها معرفة تامة وتأملها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب لن ترى أحسن منها مشاعر الإسلام ظاهرة للشعب وان كان هناك قصور لكنا الشعب يعني عندهم طبيعة حب الدين حب الخير والتعاطف مع أهل الخير فلن يجد أصلا وان يهاجر لن يجد أحسن من هنا ويجب على كل مسلم هنا المحافظة على الأمن ولا يمنع هذا من الدعوة ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن بل إنه لا تتحقق الدعوة ولا يتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تتحقق إقامة شعائر الإسلام ولا صلة الرحم ولا غيرها من الأمور التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده إلا عند وجود الأمن إذا صار الأمن معدوما إذا كان الأمن معدوما كيف تتحقق ذلك كيف تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر كيف تدعوا إلى الله كيف تقيم شعائر الإسلام كيف تصل الرحم كيف تطلب العلم كيف تفيد الناس كيف تنفذ مصالح المسلمين ؟؟!!
كلها لا تقوم إلا عند وجود الأمن ..
21/ تحدث الشيخ عن طريقة الشيخ ابن باز رحمه الله فقال :
هذه التجربة اثبت فعلا أن منهج الشيخ ابن باز رحمه الله هو المنهج الصائب في مثل هذه الأمور منهج الحكمة فالإنسان يبري ذمة بالنسبة للمنكرات فيأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ولكن بطريقة الرفق واللين والموعظة الحسنة والتي هي أحسن وهذه أثبتتها حقيقة التجارب .
22/ أفاض الشيخ في تجربته الخاصة ووجه نصيحة من القلب للشباب فقال :
والله انصحهم بأخذ العبرة من غيرهم يعني الإنسان خاض تجارب ومر بأمور ومراحل حتى انتهى إلى درس استفاد منه ويعطيكم خلاصة هذه التجربة وخلاصة هذا الدرس فمن الفوائد أنكم تأخذون الفائدة من رجل جرب ومارس وانتهى إلى نتيجة بدل من أن تمروا بنفس المقدمات التي مر بها حتى تستخلصوا النتيجة فلا خير في العنف ولا حمل السلاح ولا الإقدام على مالا تحمد عقباه قد رأينا الحقيقة ما والله تصورنا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه مطلقا ولكن عموما هي تجربة مفيدة
23/ بين الشيخ ضوابط التكفير :
الشرط الأول / أن يكون يصاحب الحكم دليل صحيح صريح على أن هذا الأمر كفرا
الشرط الثاني /أن يتلبس هذا الرجل بنفس المكفر أحيانا وقد لا يتلبس بنفس المكفر مثل ترك الصلاة كفر قد تجد الرجل لا يصلي ولكن قد يكون معذورا كأن يكون مسافرا أو يكون جمع فيكون فعلا تلبس بنفس ما صلى لكن عنده عذر
الشرط الثالث/ قيام الحجة الذي يعرفه أهل العلم الكبار..
الشرط الرابع / انتفاء الموانع المشهورة وهي الخطأ والجهل والتأويل والإكراه ، فقد يكون الدليل صحيحا صريحا بان هذا كفر وقد يكون الرجل متلبسا بهذا المكفر وقد تكون قامت عليها الحجة ولكن يوجد مانع من خطأ أو جهل أو تأويل أو إكراه ومثل هذه الأمور لا يعرف تفاصيلها ولا البت فيها إلا علماء كبار أما طلبة العلم الصغار أو الجهال فإقدامهم على هذه الأمور غير محمود ولذلك يقعون في أخطاء كثيرة وقد نجد من المفاسد التي رأينا بعضها من الإقدام على الأمور فتبين فعلا خطا هذا المنهج

23/ تحدث الشيخ عن بيعة الإمام فقال :
معروف بان الإمامة إلى إمام المسلمين كان سابقا الخليفة واحد وكانت الخلافة لرجل واحد ثم لما تمزقت الخلافة بعد خلافة بني العباس وتعددت الدول ذكر أهل العلم انه يجوز عقد الإمامة لأكثر من إمام بسبب الضرورة فصار في الأندلس إمام وصار في المغرب إمام وصار في مصر إمام وصار في الشام والحجاز إمام فصار للمسلمين إمام كل بلد في بلده فإذا كنت منتمي إلى بلاد فإمامتك إذا كان مسلما فإمامتك للإمام الذي أنت في بلده
24/ تحدث الشيخ عن مراجعات الشيخ /علي الخضير فقال :
أبدا الشيخ علي نجتمع نحن وإياه في نفس الاستفادة من التجربة التي خضناها في السابق وكما فربما المراجعات هذه ربما لم تكن يعني لولا الأحداث الأخيرة ربما لم تحصل لكن من فوائد هذه الأحداث أن جعلت الواحد يراجع نفسه ويراجع ما سبق أن طرحه وما قاله وما أفتى به الشيخ على يعني ذكر خلاصة تجربة خضناها وهذه نتيجتها فلعل أن شاء الله من يسمع هذا الكلام أن يأخذ الفائدة فتنفعه بدلا من أن يسلك مقدمات قد لا توصل به إلى نتيجة
24/ علق الشيخ على واجبنا نحو الكفار في بلادنا فقال :
مادام أن الكافر دخل بلاد الإسلام بعقد أمان فالطريق المناسب له دعوته إلى الله وهي أصلا دعوة الأنبياء فالرسول  مكث في مكة فترة أكثر مما مكثه في المدينة وكان كلها في الدعوة لمي حمل سيف لوجود الضعف والآن ليس فيه نتيجة أصلا سفك الدماء وجدناه ظاهرة ولم أتكلم عن خيال أو أقول ربما يكون كذا أو يقول واحد انك تتوهم أو انك تظن أو تقدر أمور تقع نحن رأيناها فعلا رأيناها وقعت مما تضرر من ذلك المسلمون وما تضرر إلا الإسلام وما انتفع من ذلك إلا أعداء الدين وما حصل في الحقيقة بسبب هذه الأمور إلا إضرارا بالإسلام والمسلمين هذه رأيناها نتيجة وليست تخيلات فهذا أمر وجدناه عيانا
قال سبحانه وتعالى  ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 
فوظيفة الأنبياء الدعوة إلى الله ووظيفة العلماء الدعوة إلى الله وكان أهل العلم دائما دعاه إلى الله وما كانوا يحملون السلاح إلا في ضد الكفار في حالة الحرب ولذلك كان شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى على الرغم مما حصل له في السجن إلا انه لم يرفع سيفه على أمامه وما رفع سيفه إلا ضد التتار عندما حصلت الواقعة بينهم أما المسلمون فكانوا في سلام نحن كلنا وأهل السنة كلنا على ابن تيمية رحمه الله في علمه
25/ بعث وصية لطالب العلم والداعية فقال :
الإمام احمد رحمه الله استمر الابتلاء معه أكثر من عشرة سنوات في خلافة المأمون وخلافة المعتصم وخلافة الواثق سجن سنوات وضرب أمام المعتصم حتى أغمى عليه حتى كان ينخس بالسيوف ولا يشعر واستمر مختفيا عن الواثق طيلة فترة الواثق إلى أن رفع المحنة المتوكل يرحمه الله ومع ذلك كلما سئل عن الإمام احمد قال آلا لا ننابذهم بالسيف قال لا تكون فتنه يقتل فيه البريء ولكن عليكم بالدعاء ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرفع البلاء عن الأمة وان يصبروا وهذا سبيل الصالحين ثم على الداعية أن يراعي والي الأمر ويناصح بالتي هي أحسن بالطرق السليمة الراشدة التي تجمع الكلمة ولا يفسد ويفرق فتكون أضرارها أكثر من منافعها حتى لو الإنسان يسمع كلامي الآن يقول هذا متشائم لا نحن رأيناها عيانا رأينا الأمور التي حصلت ما تضرر منها إلا الإسلام وأهله.
26/ بين الشيخ أسباب هامة لما حصل فقال :
جعل السبب واحد أوان يكون السبب فيما جرى واحدا هذا خطأ لأن القدرات متفاوتة والأشخاص متفاوتون وقد يكون هناك رجل سبب انحرافه هذا بسبب الجهل وقد يكون هناك أخر بسبب التأثير من الخارج وقد يكون هناك آخر بسبب حماس زائد غير منضبط بضوابط العلم المعروفة وقد يكون هناك آخر تجتمع فيه الأسباب هذه مجتمعه فليس هناك سبب معين ولكن قد تجتمع أسباب فتسبب مثل هذا الخلل
27/ تحدث الشيخ عن ( الجماعات المصرية ) فقال :
الجماعة الإسلامية في مصر وصلت إلى نتيجة أن هذا الطريق مسدود ونفق مظلم وعادوا وأعلنوا توبتهم وتراجعوا في كتاب قرأت مقتطفات منه في بعض الصحف نهر الذكريات .. أكرم زهدي ومعه مجموعة .. نعم قرأت هذه وهم ذكروا خلاصة تجربة كما نعرضها الآن ولله الحمد نحن لم نصل تقريبا ما وصلوا إليه لكن ولله الحمد تبين بدايات الأمر خطورته وما ترتب عليه من مفاسد ولله الحمد
أنا أقولها الآن وانقل تجربة للإخوة ويأخذونها من رجل جرب ومارس ورأينا الآن النتائج ننظر لها عيانا نتائج الحقيقة لا تسر أي مسلم قتل فيها أهل الإسلام وأضرت الإسلام وأهله وضيقت على المسلمين كثيرا في الأمور وحجبت مشاريع الخير يعني أمور كثيرة ترتب على ما حصل حتى لو الإنسان ليس عنده علم شرعي تكفي هذه النتائج في معرفة الحكم
28/ كلمة ختامية د: عايض القرني
أنا أقول للمشاهدين والمسلمين عموما هذه شجاعة والعودة إلى الحق شرف والاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الصواب فضيلة كان عليه سلفا الصالح قديما رضوان الله عليهم منهم من تراجع عن أقواله وأعلنها على المنابر وفي كتبه والمعصوم عندنا فقط هو محمد والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أما البقية فهم عرضه للخطر وبالمناسبة يا شيخ ناصر أشكركم على هذه الصراحة وهذا الوضوح وهذا الطرح المتميز في هذه المقابلة واسأل الله أن يهدينا جميعا وان يؤلف قلوبنا مع ولاة أمرنا على ما يحبه ويرضاه وان يجمع كلمتنا الحق وان يجعلنا آمنين مطمئنين في أوطننا منصورين مكرمين معززين وشكر الله لكم وبارك فيكم وفي الإخوة المشاهدين وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته,
المطلب الثالث/
الشيخ: أحمد بن فهد الخالدي
الكلمة الافتتاحية د/ عايض القرني :
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والصلاة والسلام علي إمام المتقين وعلى آله وصحبه والتابعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المشاهدون الكرام ، الحق بين بيان الشمس ، وقد قال إمامنا وأسوتنا محمد بن عبد الله (تركتكم على الحجة البيضاء ) وما مات حتى بين لنا البيان الملة وأكمل لنا الدين ،واستشهد من حضره من المسلمين بين لنا  مسائل الطهارة وآداب المشي إلى المسجد والغسل من الجنابة ولم يترك بأبي وأمي هو مسائل الدماء والأعراض والأموال والتكفير والجهاد ومسائل الإيمان لأي أحد وقد نبه  أن كل الطرق غير طريقة ضالة فقال  (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ) محذر من محدثات الأمور ونبه  إلى الصراط المستقيم صراط الذي أنعم عليه ربنا سبحانه وتعالى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ونحن نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الصراط المستقيم لا نضل و لا نُضل لا نزل ولا نزل لا نجهل ولا يجهل علينا لا نظلم ولا نظلم ونحن امة الوسط إن شاء الله ومعنا في الليلة الشيخ أحمد بن فهد الخالدي نسمع منه في مراجعاته نسأل الله لنا وله ولجميع المسلمين الثبات في الدين و الهداية والسداد حياكم الله يا شيخ احمد وأهلا وسهلا

كلمة الشيخ : أحمد بن فهد الخالدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد ، لاشك أن الإنسان عرضة ومحل للزلل إلا من رحم الله عز وجل لأن الإنسان قد ركب من مادتين مادة الظلم والجهل إلا من رحم الله سبحانه وتعالى وكما قال النبي  (كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )
ولاشك أنه تبين من بعض الفتاوى التي صدرت خصوصا فتوى (دفع الصائل) بان الخطأ والزلل ومجانبة الحق وهي المسألة كانت جزئية ولكن قد توسع فيها وقد تبين أن في هذه التجربة وان هذا الاجتهاد خاطئ وليس مطابق للصواب من كل وجه ثم إن الفائدة التي ذكرتها وهي أصل السؤال لاشك أن الإنسان إذا جلس مع نفسه وحاسب نفسه يعلم علم اليقين ما صنع وما قدم من قبل ، وبذلك أمر الله عز وجل أن ينظر المرء ما قدمت يداه فيحاسب نفسه فكانت فترة سجني فترة محاسبة لمحاسبة النفس وأيضا ما توالت من الأحداث التي داهمت المسلمين جعلت الإنسان يراجع نفسه ويحقق في أمره وحقيقة أمره ومبدأه وآخره فتبين في هذه التجربة أن هناك خطأ ولذلك نسأل الله العفو والعافية ونسأل الله من جميع المسلمين سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فاستفدنا منها أن الإنسان لا يقوم بشيء حتى ينظر ما فيه من الخير والشر أيضا الناصح أو يطلب النصح من المشايخ الفضلاء أو العلماء الكبار حتى لا يقع في مثل هذا

موجز المراجعات /
1/ تراجع الشيخ عن قتل رجال الأمن بحجة دفع الصائل فقال :قلت هذه مسألة جزئية هي (دفع الصائل) هي مسألة مطروقة في كتب الفقه ولكننا نتراجع في هذه المسألة الجزئية وهي دفع الصائل وهم رجال المباحث أو غيرهم
2/ تحدث الشيخ عما حصل من تفجير مجمع المحيا ج1
لاشك أن الدماء والأموال والأعراض معصومة وهذا دلت عليه نصوص الكتاب والسنة عليه بالإجماع ولا يخالف على هذا الكلام عاقل فضلا عن مسلم فالأصل أن دم الأدمي معصوم بالعصمة الأصلية ومن منع الله المؤمنين من قتله في بداية الإسلام حتى عد موسى عليه السلام في قتله القبطي ذنبا في الدنيا والآخرة فلاشك أن الدماء كما ذكر النبي في خطبته في حجة الوداع حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال النبي  ( إن أموالكم ودمائكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم في عامكم هذا.. ) وأيضا قال النبي (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا الله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا هذا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها) فهذا الأصل أن لا تزهق الأنفس إلا بحق الله كما جاء في الحديث إلا في إحدى ثلاث فلا شك أن هذه الدماء معصومة ، والأموال شرعا وأيضا محرمة علينا وكذلك الأعراض , فلا شك أن هذا قام عليه الإجماع وسنة الرسول ولا يخالف في ذلك مسلم فضلا عن عاقل حتى أو طالب علم .
2/ كلمة حول الجهاد :ج1
لاشك أن الجهاد له شروط لا يقوم إلا عليها و بها ذكرها الفقهاء في كتب الفقه كما جاء في عبارة صاحب الزاد لما ذكر الجهاد قال هو فرض كفاية ويتعين عليها من حضر أي من صف القتال أو حاصر بلده عدو أو إذا استنفره الإمام هذه مواطنه أيضا لا يكون إلا بعد المفاصلة والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقاتل قريش إلا بعد المفاصلة والهجرة فلذلك أتت الهجرة مربوطة بالجهاد وفي رواية ما بقى الجهاد في سنن سعيد بن منصور رحمه الله
3/ حرمة دماء المعاهدين :
ذكر العلماء منهم ابن قدامة رحمة الله عليه قال في كتاب الجهاد (ومن قال لحربي قد أمنتك أو أجرتك أو لا بأس عليك فقد أمنه) حتى انه جاء في آخر عبارة رحمه الله عليه ومن دخل دارهم بأمانهم فقد أمنهم فلا شك أن استقدم العمالة والعمال والأيدي العاملة وما شابه ذلك بفيزة أو بأمان أو بأخذ بل حتى العلماء أجازوا آمان الطفل المميز ويأتي ذلك في مذهب الإمام احمد رحمه الله عليه واختلفوا في قول القي سلاحك أوقف أولا بأس عليك حتى في حديث الذي ذكره سعيد بن منصور رحمة الله عليه عن أنس رضي الله عنه أن عمر قال لرجل تكلم لا بأس عليك فلما تكلم أراد أن يقتله فقال له رجل قد أمنته وليس لك عليه سبيل وشهد على ذلك الزبير فحقن الدم ولاشك أن شبهة الأمان يعصم من كان فيها ويرجع إلى مأمنه ، ومن استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله هذا هو الأصل فالأصل أن المرأة تجير كما في حديث أم هانئ قد أجرنا من أجرتي يا أم هانئ وأمنا من أمنتني يا أم هانئ والطفل الصغير يجير فكيف بباقي المسلمين وتتعلق فيه ذمم كثيرة وتترتب عليه أمانات كثيرة كذلك فلاشك أن يكون أشد حرمه وأعظم جرما أن يرتكب الإنسان ويقتل من استأمنه المسلمون
4/ كلمته في التكفير:
لا شك أن التكفير بغير موجب وبغير حق هذا من قول الله بغير علم ومن التعدي على حدود الله لأن التكفير حد من حدود الله ليس يرجع إلى الرأي والعقل وإنما أسماء شرعية علقت بأوصاف وأقوال واعتقادات متى قام المقتضي بذلك كان الاسم الشرعي مطابقا لذلك الوصف ا ما كون الإنسان يكفر هكذا مجرد لهوا أو لعصبية أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز في الشرع أيضا كما قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه ذكر أنه حد من حدود الله ليس أن من زني بأهله أن يزني بأهل الآخرين فكذلك التكفير حد من حدود الله سبحانه وتعالى وأيضا إجماع المسلمين بأمر على أمر بأنه خطأ أو صواب لاشك أنه إجماعهم حجه .
5/ كلمته في المخرج من الفتن :
لاشك الاستمساك بالكتاب والسنة هو الأصل ثم بأقوال العلماء الراسخين بالعلم والمشايخ الفضلاء والحمد لله البلاد مليئة بهذا الصنف فضلا عن طلبة العلم المنتشرين في كل مكان أيضا الأصل أن الإنسان لا يتبع كل من قال قولا أن يتبع وإنما كما قال يعرف الحق تعرفه وهذا هو الأصل وان كنا لا ندعي العصمة لأحد بعين والخطأ جائز على كل إنسان فكل يأخذ من قوله ويرد إلا صاحب القبر أما ما سواه فعرضه للخطأ لكن العلماء الراسخين هم أولى بالإصابة وخاصة إذا اجتمع رأيهم فلاشك لا أحد يخالف فيه عقلا ولاشرعا ثم تحدث الشيخ بعد ذلك عن أحد الذين ليسوا أهلا للفتوى إذا سئل في إحدى مسائل الطهارة لم يحسنها وهو يتكلم في مسائل عظيمة في مسائل تترتب عليها دماء وأموال و أعراض وأشياء كبيرة لأن الأسماء والأحكام هي التي ينبني عليها الدين وهو أول نزاع حدث في الأمة كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عليه
6/ كلمته في تفجير مجمع المحيا : ج2
والله كان مثل الصاعقة نعم هذا أمر لا يكاد الإنسان أن يتصوره أوان يعمله إنسان وهو يعتقد حرمة دماء المسلمين إلا إنسان يستحل ولا أظن أن أحدا يستحل دماء المسلمين وهو على طريق صحيح أبدا لا يستحله إلا احد رجلين إما من الخوارج الذين يكفرون الناس عموما فلا يبالي من قتل ولا من سفك ولا من أخذ معه وإما أن يكون إنسان متأول ظاهره منه كما فعل خالد رضي الله عنه عندما قتل فتبرأ الرسول من صنيعة لكن هذا الأمر لاشك انه معيب ومشين ارتكب جرما عظيما
7/ أجابته عن شبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب :
كما معروف أن هذه الدماء معصومة منهم المسلم ومنهم المستأمن وإذا قلنا الإجماع قد قام بحقن دماء هؤلاء من المستأمنين أو المسلمين لكن كلهم سواء في التحريم كما في حديث عبد الله بن عمر (من قتل معا هدا لم يرح رائحة الجنة )
هذا هو الأًصل وذكرت الأمر الآخر وهو أن الإخراج لا يقوم به أي إنسان لأن هذا الأمر يحتاج أولا هل هؤلاء قدموا بأمان أم بغير أمان ومن ناحية ثانية الحكم هذا لا يجري على أفراد الناس وعامتهم إنما هذه الأمور ترجع لولي الأمر وهذا هو الأصل ولا ترجع لأشخاص وأفراد
8/ كلمته حول ( الجهاد) ج2
قال بن قدامة رحمة الله عليه أن الجهاد موكول للإمام واجتهاده لأنه ينظر إلى قلة المسلمين وكثرتهم وضعفهم وقوتهم فالنبي  تارة يقاتل وتارة يطلب الجزية وتارة يأخذ خراجا ويعامل بعض الكفار تارة حتى أنه في غزوة الخندق أراد أن يعامل على بعض الكفار بشيء مما يخرج من تمور المدينة في أحكام السلطان ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية 228 في الجهاد الفتاوى
9/ مسألة الاستهزاء بالله ووقع الخطأ في الفتوى :
من استهزأ بالله أو آيته أو رسوله كفر لكن من يطلق الحكم بهذا الشيء هم فئة محددة من أهل العلم الراسخين منهم وإقامة الحد عليه هو من خصائص ولي أمر المسلمين لكن أتت نابتة يطلقون الحكم وينفذون الحكم كذلك أليس هذا من الضلال
الأصل أن نرجع إلى القضاة الشرعيين أن كانت قامت علية البينة فهناك قضاة شرعيون وهناك محاكم شرعية تنظر في هذا الأمر إن كان هنالك احد يطبق عليه بعد قيام البينة يطبق علية لاشك منعا لما يدعي الإنسان على غيره بالكفر وقد يكون كاذبا الاستهزاء ينقسم قسمين استهزاء صريح واستهزاء خفي وهو الذي يدخل في النفاق وهم ليسم بأشر من عبد الله بن أبي سلول وأما من كان ظاهرا فهو الأمر الذي ذكرت فمسائل التكفير هي التي يترتب عليها أحكام شرعية في الدنيا أو في الآخرة وكلامنا في أمر الدنيا فلا نتكل على طلبة العلم المبتدئين ولا للعامة هذه نتركها للعلماء الكبار ولاشك أن الإنسان ينظر في حال الصحابة كان يتدافعون إلى الفتية فيم بينهم حتى ترجع إلى الأول تنتهي ولاشك أن مسالة الخطأ لا يمكن حصرها يعني أن يكون لها أسباب معينة فالناس متفاوتون فيها ولكن هو غالبا أما من تقصير في العلم أو قصور في طلب الحق يعني لا يخرج عن هذين السببين أما قصور في العلم أو تقصير في طلب الحق ولاشك انه لازالت الأحداث في وقت النبي صلى الله عليه وسلم خرّجت رؤوس الخوارج من زمن الرسول عليه الصلاة والسلام خرّجت المنافقين وهكذا توالت لاشك أن هذا ليس خاصة في بلد حتى نقول هذا البلد لا يمكن أن يدخله شيء وهكذا بالعكس بالمدينة وفي مكة وفي غيرها من البلدان حدثت فيها أشياء ولازالت فالواجب على طلبة العلم بيان الحق في هذه المسائل خصوصا وإظهار المسائل والأحكام الشرعية المتعلقة بها كذلك يجب إظهار الحدود الشرعية وأحكامها وإقامتها في عبادة الله عز وجل هذا هو الأصل لا يمكن أن تستقيم الأمور إلا بتحكيم شرع الله في الكل
10/ تحدث الشيخ عن حرصه على إعلان التراجع فقال :
هذا لاشك فيه صحيح وهذا الذي هو جعل المراجعة من أول الأيام ولكن كما ذكرت لم يتسنى الكتابة أما مثل ما ذكرت السبب والله لعله الإنسان أحيانا قد يقصد خيرا فلا يصيبه ولا يوفق إلى الصواب
ثم تحدث الشيخ عن تعجله في فتوى دفع الصائل وذكر غياب الاستثناء في السلطان فقال : أو يكون لذلك ضابط كما ذكره ابن المنذر رحمه الله عليه وهو استثناء السلطة يعني مثل هذا الضابط قد غاب في أثناء تسجيل الفتيه ثم سطر بعجله وعرض الشيخ تراجعه بدافع محاسبة النفس وأنها فعلا وافق عليها الجميع الفتية هذي أو صدرت من أشخاص محدودين وهذا إلي جعل الأمر لم يوافق عليه أهل العلم في الجانب الآخر فجعل نوع ردة فعل يعني الإنسان يحاسب نفسه على هذه الفتية هل هي فعلا صحيحة مستقيمة وسأله د/ عايض هل شعرت بألم بندم يعني لمت نفسك فأجاب بنعم كما قلت لك من أول الأيام ولكن أردنا الكتابة ولم يتسنى لنا ونقول لغيرنا لا يبتدئ من حيث انتهى غيره فنحن انتهينا وغيرنا كذلك فالرجوع إلى العلماء والأخذ من العلماء والطلب من العلماء لاشك هو الأمر المطلوب وهو الأصل حتى لا يقع أشياء تترتب عليها مفاسد وأشياء اكبر منها اشد وأعظم فأهل الاستلام لابد أن يكون لهم أصل وهو هذا الأصل المعمول به في هذه البلاد خصوصا والرجوع إلى المشايخ وطلبة العلم ونحن لا نعمم الخطأ على كل الناس، نحصر الخطأ فمن أخطأ والكلام هذا كله فيمن اخطأ وليس الكلام على آخرين ولكن نقول من وقع منه هذا الخطأ والشذوذ فسببه الخروج عن الطريق فلذلك لا يمكن أن نصف جميع شباب المسلمين بأنهم خرجوا عن الطريق فيكون هذا إجحاف وإنما هؤلاء الذين وقعوا في الخطأ هم الذين حاذوا عن الطريق والطريق لازال سالك إلى الآن.
11/ قال في فتنة الخوارج
لا شك أن الخوارج لهم أصول وامتداد من المكفرين للكبائر والمعاصي وهناك ضابط بين الخوارج المتقدمين والمتأخرين هنا خرجت أصول جديدة وهي التعميم بالكفر على جميع الناس هذا أصل من أصول الخوارج المعاصرين أيضا قاعدة من يكفر الكافر على إطلاقه لا يفرقون بين الكافر الذي لا ينتسب إلى الإسلام وهو الكافر الأصلي والذي ينتسب وهو يقع فيه نوع شبهه وتعليم هذه القاعدة من غير استثناء أو ضابط أو قيد أيضا كل من عمل عند كافر فهو كافر عندهم وكذلك كل من لم يكن منهم أو خالف أصولهم فهو كذلك كافر هذه أصول الخوارج وإما بناء الأمور على هذه الأصول فلا شك أنه يقع عليه سفك الدماء ونهب الأموال كما فعل الخوارج فهم اتفقوا في عدة أصول ولكن هؤلاء المعاصرين زادوا أشياء.
12/ مفاسد التفجيرات :
لاشك أمرها واضح لدينا سفك الدماء وانتهاك حرمات المسلمين وترويع المسلمين وتشويه صورة الإسلام عموما والمجاهدين خصوصا والجهاد المشروع الذي شرعه لله سبحانه وتعالى في كتابه وقام به النبي  وأصحابه وهو باقي إلى قيام الساعة أيضا ما ترتبت عليه من المفاسد من الصد عن سبيل الله فإذا نظر الكافر إلى هذه الأمور وما يحدث في للمسلمين لاشك انه سيقول إذا كانوا يقتلون كل من يأتيهم كل من يرونه غير مسلم يقتلونه فهو لا يرى أن هناك دعوة وأصول يتقدم الجهاد قد لا يترتب عليها يعني مفاسد كبيرة من الصد عن سبيل الله كذلك تحجيم الأمور الخيرية والى غير ذلك من الأشياء التي صراحة يعجز حصرها
13/ كلمته لمن يحمل السلاح
أقول لهم : أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أنفسهم وان يلقوا السلاح وان ينخرطوا في المجتمع ويعودوا إلى إخوانهم وأهليهم فلسنا بأعداء لهم ولا يوجد لهم أعداء حتى يحملوا السلاح وليس بجهاد ولا يوجد عندنا إلا مستأمن وإما مسلم معصوم الدم والمال والعرض ومن أخطا فعليه أن يعود إلى رشده و يخاطب من يستطيع أن يصل إليه مثلا من المشايخ أو طلبة العلم إن كان عنده شبهه يطرحها يناقشها فلا شك أن واجب طلبة العلم والمشايخ مناصحة هؤلاء ومراسلتهم و إيصال الحقيقة بأي طريقة سواء بشريط أو بمحاضرة أو برسالة أو بما تقوم وتتم به الحاجة
14/ تحدث الشيخ عن نعمة ( الأمن ) بأنها اشمل واعم من كلمة أو كلمتين أقولها يعني الأمن عام كل في موضعه وليس خاصا برجل الأمن أو الشيخ أو طالب العلم أو المدرس أو غيره كل إنسان في موضعه
15/ رد الشيخ على من لجأ للعنف بسبب الفقر :
كان الآباء والأجداد اشد فقرا منا المعاصرين والحمد لله ما هنا فقر يعني حسب ما يتصور ولكن هذا هم يبررون ويفسرون ويحللون الحالات النفسية وانه يبررون الدين والالتزام بالفقر وما أشبه ذلك واللجوء إلى الجهاد وهذا ليس صحيحا النبي كان  كان إمام المجاهدين وكان فقيرا ولكن هم يبررون هذا بالأشياء النفسية ولكن هذا ليس مسوغا ليقتل غيره هذا ما يتصوره أن يقوله إنسان عاقل

16/ تحدث الشيخ عن من ينال من هيئة كبار العلماء ومن الخطأ الفادح مخالفتهم وخاصة في الأحداث الكبرى التي لا تقبل رأيا فرديا وبين الشيخ على أن السر في مخالفة كبار العلماء يمكن انه لا يرى أهلية هؤلاء العلماء أو أن العلماء سلطة دنيا عنده
17/ تحدث الشيخ عن الهجرة طلبا للمحاكم الشرعية : :
الواقع خير شاهد الآن يعني ولله الحمد والمنة لا توجد محاكم شرعية حسب علمي لأن في بعض الدول وليس كلها الناس تهاجر من بلادهم إلى المحاكم الشرعية وذكر الشيخ بن عمران رحمه الله عليه في فتاويه أنهم يهاجرون من الديار التي تحكم بالقوانين الوضعية إلى البلاد التي حكم بالشريعة هذا هو الأصل في الهجرة ذكره الشيخ رحمه الله عليه في فتاويه ومن يريد الهجرة إلى أين يذهب؟ لاشك انه بحاجه إلى الأحكام الشرعية والى الله عز وجل ولله الحمد والمنة ولا يمنعون من العبادات فلا شك أن هذا فضل عظيم من الله سبحانه والواجب المحافظة عليه بل الزيادة في ثباته لأن قيد النعم الشكر.
18/ تحدث الشيخ عن طريقة تعامل هؤلاء مع مؤلفات العلماء السابقين :
هؤلاء يأخذون بعض الكلام المتشابه أو المجمل فيفصلون من كتب العلم في الإسلام مثل كتب احمد حنبل أو ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله مع العلم كتب هؤلاء قرأناها وتربى عليها الجيل وليس فيها شيء من التكفير هذا ولا من الدعوة إلى التفجير والفساد في الأرض فما ادري لماذا هذه الإشكالية التي تحصل لهم فلاشك هنا حمل كلام أهل العلم على غير الواقع أو حمل فتية في وقت يعني ملابسات وأشياء حدثت تحمل على نفس على زمن آخر ليس في نفس الملابسات والقرائن لاشك أن هذا يقع فيه فهم خاطئ وكذلك حمل النصوص الشرعية على غير الواقع الذي يعني عملت فيه واستعملها السلف لاشك أيضا هذا يقع في خطر كبير والذي يقرأ كلام أئمة الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحفاده يجد أنهم يتكلمون عن أصول فالذي لا يجيد أصول هؤلاء لاشك انه لا يعرف كلام هؤلاء فيعمل الكلام ويفهمه هو تجد الشخص يقرأ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية يحمله على أصوله فتجد الخارجي يستدل والمرجئ كذلك يستدل والسني يستدل والكل يدعي انه مسلم ولاشك أن المسلم واحد في هذه المسائل ليست من مسائل اجتهاد هذه ليس فيها اجتهاد

19/ كلمته لمن بقي يحمل هذا الفكر المتطرف :
نعم لاشك الواجب عليه انه يرجع ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويلتزم ما في الكتاب والسنة ويعمل لبقاء الخير ودوامه , فالشريعة أتت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها هذا هو الأصل هذا التي قامت عليه نصوص الكتاب والسنة كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عليه , فالإنسان يحافظ على النعمة ويشكر الله سبحانه وتعالى ويكثر من الإنابة والتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى حتى يديم الله سبحانه وتعالى علينا النعم ويزيدنا الله سبحانه وتعالى ويدفع عنا النقم .
20/ تحدث الشيخ عن درجات إنكار المنكر :
الأصل إن الإنسان يعمل بما يجب عليه ويستطيع وقدرته فاتقوا الله ما استطعتم وليس الإنسان يستطيع أن يعمل كل ما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) فالقوة والقدرة هذه من خصائص الأمارة ولاشك هو مذهب السلف كما ذكر شيخ الإسلام في القاعدة التي ذكرتها قبل قليل وكذلك أيضا ذكر رحمة الله عليه انه يفوت أحد الخيرين لتحصيل أعلاهما ويتحمل أذى المفسدين لدفع أعلاهما لو كان هناك مفاسد يعني يتحمل الإنسان لتدفع أعلى مفسده لاشك أن الإنسان يحافظ على الخير الموجود ويسأل الله أن يدفع عنها لشر حتى يتم له الخير
21/ كلمة ختامية للشيخ
الأول هو التحذير من فكر الخوارج وعقيدة الخوارج لأنه مثل من ذكرت إن كان الأمر منتشر وأنا لا اعلم طائفة كبيرة موجودة إلا أفراد قلائل لكن إذا وجدت هذه الطائفة لاشك انه هو التحذير من معتقد هؤلاء وأفضل مذاكرتهم أو جلبهم للمشايخ وطلبة العلم ومذاكرتهم لعل الله يردهم إلى الصواب ذكرنا أصولهم الأول التكفير بالذنوب والكبائر تكفير الناس بالعموم ثم تكفير الجيش والشرطة دم كل من عمل في سلك الدولة أيضا تكفير كل من استخرج الوثائق من بطاقة أحوال وما أشبه ذلك وأيضا تعميم قاعدة من لم يكفر الكافر وهم لا يفرقون بين الكافر الأصلي الذي لا ينتسب للإسلام وغيره ويحملون القاعدة على إطلاقه لاشك أن هذي يحذر من هؤلاء ويدعون بالتي هي أحسن ثم أن لم يرتدعوا يهجروا وان كنا نسأل الله سبحانه وتعالى طلب العلم لهم لعل الله يرشدهم ويعودوا وإذا لم يعودوا فا لشرع موجود
كلمة د/ عايض القرني الختامية
أيها الإخوة الكرام سمعتم مراجعات وعودة إلى الحق الصواب وهو مطلب كل مؤمن ومن الذي لا يخطئ من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط لكن باب المراجعة مع واحد الأحد مفتوح وهو الذي يقول سبحانه وتعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . ومعلمنا وإمامنا يقول (كل بن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون ) إن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف وعز وهي شأن بني آدم منذ أن خلق الله الخليقة لأن الإنسان مركب على النقص وعلى الخطيئة وعلى الذنب فهنيئا لمن راجع نفسه وتاب إلى الله سبحانه وتعالى وسعى في إصلاح العام والخاص فأسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق وان يصلح ولاة أمورنا وان يهديهم سواء السبيل وان يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضاه ونشكر الشيخ احمد بن حمود الخالدي على هذا اللقاء وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى وآله وصحبه ومن والاه.

المبحث الثالث : ( فقهيات المراجعات )
جاء في المراجعات السعودية للمشايخ علي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي عدد من الفوائد التي لا تحصى التي كانت وبحق إجابات مقنعة ممن خاض التجربة ورأى الخطأ وتراجع عنه بكل مسؤلية واقتدار وبالتأمل أجد أنها فوائد علمية يُصعب تجاهل أهميتها أو الوقوف عندها والتعليق عليها وربما كانت ظروف البرنامج التلفزيوني وتغطية لأكبر عدد ممكن من المحاور والمسائل التي أعدها فضلية المعد والمقدم هو السبب في عدم تفصيلها وهنا تأتي أهمية هذ الفصل الذي يبين عددا من المسائل او يزيل الشبهات في غيرها أو يوضح عددا من المفاهيم التي وردت في المراجعات وينقسم الفصل هذا إلى المباحث التالية :
المطلب الأول :
شبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب 
أنواع الكفار في الإسلام وأحكامهم :
الكفار على أربعة أقسام :
ذميون، ومعاهدون، ومستأمنون، وحربيون وتعريفهم هو :
الذمي : هو من أقام بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد .
والعهد: هو عقد بين المسلمين وأهل الحرب على ترك القتال مدّةً معلومة . فالمعاهد : هو من أهل البلد المتعاقد معهم .
وأهل الحرب: هم أهل بلاد الكفر التي لم يجرِ بينهم وبين المسلمين عهد وأما المستأمن: فهو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لأمرٍ يقتضيه.) فالفرق بين الحربي والمعاهد أن الحربي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا صلح، بخلاف المعاهد والفرق بين الذمي والمستأمن أن الذمي هو من يقيم إقامة دائمة بأمان مؤبد، أما المستأمن فحربي دخل بلاد الإسلام لغرض متى انتهى ذلك الغرض خرج لبلده والمعاهد والذمي والمستأمن جميعهم معصوم الدم، لا يجوز الاعتداء عليهم ولا التعرّض لهم قال تعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِم 
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً
ثم أن الكفر ليس موجباً للقتل بكل حال؛ لأدلة كثيرة:
1/ قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 
2/ ما شرع من تخيير الكفار بين الإسلام وبذل الجزية والقتال.
3/ النهي عن قتل من لا شأن له بالقتال، كالنساء والصبيان وكبار السن والمنقطعين للعبادة الذين لا يشاركون المقاتلين بالفعل أو الرأي.
أما الاستدلال بحديث: ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) فالإجابة عنه من وجوه:
الوجه الأول
هذا الحديث لا يدل على جواز قتل مَن في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين البتة، لا بدلالة منطوقه ولا بدلالة مفهومه ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم نجد من قال بذلك من أهل العلم وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين، ولو كان فاجراً
ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد؛ لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له.
حكى العلماء في القفه أنه إذا أشير إلي الحربي بشيء غير الأمان فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يراه العدو من الكفار أنه أمانٌ فهو أمان، ومن ذلك إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمّنه، قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله :
فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه"
كما أن الأمان يجوز من الإمام الأعظم للكفار، ومن سائر المسلمين لآحاد الكفار، "ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا –أي عبداً- أو أنثى بلا ضرورة من إمام لجميع المشركين ومن أمير لأهل بلدة ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين فيصح الأمان لهؤلاء الكفار من الإمام ومن سائر المسلمين.
الوجه الثاني
لا يُسلَّم بقول من قال بأن هؤلاء لا عهد لهم ولا أمان ولا ذمة فقد قال الشافعي رحمه الله :( فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ  فهذا فرض الله على المسلمين ما أطاقوه، ولا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم، وقد كفَّ رسول الله  عن كثيرٍ من أهل الأوثان، بلا مهادنة مثل بني تميم وربيعة وأسد وطي، حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن الرسول  ناساً، ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير ما خرج أخذه منهم)
قال ابن تيمية رحمه الله: ( ويجوز عقدها أي الهدنة مطلقاً ومؤقتاً، والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء، وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة) .
وقال ابن القيم رحمه الله ( والقول الثاني هو الصواب أنه يجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً، فإذا كان مؤقتاً جاز أن تجعل لازمة ولو جعلت لازمة جعلت جائزة بحيث يجوز لكل منهما فسخها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن ينبذ إليهم على سواء، ويجوز عقدها مطلقة وإذا كانت مطلقة لا يمكن أن تكون لازمة التأبيد بل متى شاء نقضها، وذلك أن الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة والمصلحة قد تكون في هذا وهذا، وعامة عهود النبي  كانت كذلك مطلقة غير مقيدة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر مع أن خيبر فتحت وصارت للمسلمين، ولكن سكانها كانوا هم اليهود).
الوجه الثالث
أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب يُحمل على ما إذا لم يحتج المسلمون إليهم في عمل لا يحسنه غيرهم، أو لا يُستغنى عن خبراتهم فيها ويدل لذلك إقرارُ النبي  اليهود على الإقامة بخيبر ليعملوا فيها بالفلاحة، لعجز الصحابة وانشغالهم عن ذلك ولذا أبقاهم أبو بكر طيلة حياته، وعمر صدراً من خلافته؛ لحاجة المسلمين إليهم.ولما كثر عدد المسلمين في آخر عهد عمر، وقاموا بشأن الفلاحة والزراعة؛ استغنوا عن اليهود ونقض بعضهم ذمته فأجلاهم عمر رضي الله عنه إلى الشام.
يقول الإمام الطحاوي رحمه الله :
بعد ما ساق مصالحة رسول الله  ليهود خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ما بدا لرسول الله أن يبقيهم: (فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غالوا في المسلمين وغشوهم ورموا ابن عمر من فوق بيته ففدعوا يده
فقال عمر رضي الله عنه من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم، فقال رئيسهم: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله، فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله  لك: ( كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً). وقسمها عمر رضي الله عنه بين من كان شهد خيبر يوم الحديبية)
قال ابن تيمية رحمه الله:: ( لما فتح النبي  خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحةً لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسَّم النبي  بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم يعني الجهاد فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت البلاد ، وكثر المسلمون، واستغنوا عن اليهود فأجلوهم وكان النبي قد قال:"نقركم فيها ما شئنا". وفي رواية "ما أقركم الله". وأمر بإجلائهم عند موته – فقال:"أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب". ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين يقصد الجزيرة بالجزية ، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي المسألة نزاع ليس هذا موضعه)
وقال ابن القيم رحمه الله : بعد أن ذكر أن الكفار: إما أهل حرب أو أهل عهد، وأن أهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة وأهل أمان، قال عن أهل الأمان ـ : "وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجوا، ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به
ولم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربيا كما كان"
وفي قصة مقتل عمر رضي الله عنه الطويلة، وفيه أنه لما قُتل أمر ابن عباس أن ينظر من الذي قتله، فلما أخبره أنه أبو لؤلؤة قال عمر : (قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال أي ابن عباس : إن شئت فعلت ! أي إن شئت قتلنا، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم !...)
فهذا الصنيع من عمر رضي الله عنه وهو الذي أجلا اليهود إلى تيماء وأريحا دليل على أنه فَهِمَ من الأمر بالإخراج أنه إخراج خاص بالمواطنين، وأما المقيمون من هؤلاء إقامة غير دائمة، أو الواردون على المدينة وهي من الجزيرة بالإجماع فلا يشملهم النهي
ولم يكن عمر وهو مَنْ هو في قوته في دين الله ليجامل العباس أو ابنه في بقاء العلوج وهو يرى أن ذلك محرم ،ولكنه كان يرى أن ذلك أي عدم استقدامهم أولى، ولكنه لم يلزم به، مع أنه إمام هدى، وأمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين، ومثله لإمامته العامة يسوغ له أن يأمر بما يرى مصلحته، وإن كانت المسألة من مسائل الاجتهاد، ويجب السمع والطاعة له، ومع ذلك لم يفعل عمر من ذلك شيئاً !
فأي برهان أوضح من هذا على دلالة حديث الأمر بإخراج اليهود والنصارى الذي كان عمر أحد رواته كما ثبت في صحيح مسلم.
كما يشهد لهذا قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه في قوله تعالى: إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"..الآية قال: ( إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة أي له عقد أمان مع المسلمين، وليس المقصود أهل الذمة بالاصطلاح الفقهي المعروف فتُحمل إذاً دلالة حديث إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب على المنع من استيطان المشركين لجزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت، أو التجارة كما هو شأن الكفار الوافدين لاسيما أن الكفار في البلاد في الجملة أهل وفادة وليسوا من أهل الإقامة، وهذا لا يسوّغ الدخول لكل وافد من الكفار، فإن هذا يُمنع بمناط آخر، لكن من احتاجه المسلمون ساغ وفوده , وقد قاله النبي  في وصيته التي فيها ذكر إخراجهم: ( وأجيزو الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) وكأنه تنبيه على الجمع بين الحكمين, وأنه لا تعارض بينهما. ولهذا فإن عمر لما أخرج اليهود؛ استند إلى الحديث, لكنه مع ذلك ترك بعض أعيان الكفار من الرقيق وغيرهم لم يخرجهم فتأمل هذا.
الوجه الرابع
أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب يلزم منه أن تكون دماء الكفار من غير الأمريكيين تحديدا مهدرةً وأموالُهم مباحةً؛ فليس انتقاض العهد بالإقامة في الجزيرة مخصوصاً بالنصارى الأمريكان والأوربيين وحدهم!فيلزم من القول بإهدار دماء نصارى الأمريكان والأوربيين القولُ بإهدار دماء وإباحة أموال نصارى الدول الأخرى، إذ جميعهم نصارى مشركون، وهم في الحكم سواء. ولا شك أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب، ومن ثم إهدار دمه وإباحة ماله يفضي إلى فوضى واضطراب وظلم.ومما يعجب له أنه على مدار عشرات السنين لم يثر هذا الأمر ليكون سبباً لقتال أهل الأمان مع وجودهم بين ظهرانينا.إن هذا ظاهر في أن مسألة جزيرة العرب لم تكن مسألة أصلية لدى هؤلاء، وإنما استدعيت لتقوية الموقف الحادث من هذه التفجيرات.
الوجه الخامس
أن كفر الحاكم ليس موجباً لبطلان عقد الأمان؛ لأن الكافر دخل بلد الإسلام على أن الحاكم نافذ الكلمة وله الولاية والسلطة
والأمان ليس من الأمور التي لا تقام إلا بأمر الأمير وحده، ولا يشترط فيها تمام شروط الولاية بل الثابت عكس ذلك ؛لحديث علي بن أبي طالب في قول النبي  عن المؤمنين: (يسعى بذمتهم أدناهم) وكذلك أمان أم هانئ للمشركين: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)
ولذا نص العلماء على أن الأمان يصح من كل مسلم ولو عبداً أو أنثى ومهما يكن من شيء: فقد اختلف العلماء في المقصود بإخراجهم وهي مسألة محل اجتهاد هذا طرف منه، كما أن هناك خلافا معروفا في تحديد معنى وحدود الجزيرة العربية فمنهم من جعلها مكة والمدينة ومنهم من زاد عليها ولكل أدلته القوية في اجتهاده لكن يبقى احترام رأي العلماء وتوقيرهم والوقوف عند أقوالهم إذا صح مع أحدهم الدليل

المطلب الثاني :
سماحة الشريعة في التعامل مع غير المسلمين 
شرح المشايخ في مراجعاتهم أهمية التعامل مع الكفار وفق الضوابط الشرعية وذلك بعدم ظلمهم أو الاعتداء عليهم فضلا عن تحريم قتلهم وسفك دمائهم كما حصل في هذه التفجيرات الآثمة بل يجب علينا أن نحسن وفادتهم في بلادنا وندعهم للإسلام الخالد الكامل في تشريعاته وأحكامه و لقد تعدد صور السماحة في هدي النبي  وأصحابه مع غير المسلمين التي كانت مثالا واضحا وجلي على الرحمة والشفقة بهم ودعوتهم للإسلام وخاصة المقيمين بينهم ومن ذلك أمثلة كثير نذكر منها على سبيل المثال :
قصة الطفيل بن عمرو الدوسي
قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا : يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فقال  : ( اللهم أهد دوسا وائت بهم )
قصة إسلام أم أبي هريرة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله  ما أكره فأتيت رسول الله  وأنا أبكي قلت : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله  ( اللهم أهد أم أبي هريرة ) ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله  فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت : مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله  فأتيته وأنا أبكي من الفرح
قصة إسلام ثقيف
جاء الأنصار إلى رسول الله  فقالوا : يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال رسول الله  : ( اللهم أهد ثقيفا ) ، قالوا يا رسول الله ادع عليهم فقال : ( اللهم أهد ثقيفا ) ، فعادوا فعاد فأسلموا فوجدوا من صالحي الناس إسلاما ووجد منهم أئمة وقادة
عطاس اليهود عند رسول الله
كان من اليهود حيث كانوا يتعاطسون عند النبي  رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فلم يحرمهم من الدعوة بالهداية والصلاح فكان يقول ( يهديكم الله ويصلح بالكم )
قبول الرسول لهدايا اليهود
قبل رسول الله  هدايا مخالفيه من غير المسلمين فقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم في خيبر حيث أهدت له شاة مشوية قد وضعت فيها السم
قصة الغلام اليهودي
في البخاري عن أنس رضي الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي فمرض فأتاه النبي  يعوده فقال أسلم فأسلم( )
قصة أم أسماء بنت أبي بكر
كان  يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : ( صلي أمك )
غير المسلمين في المدينة المنورة
في المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول عاش في كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان  غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي ، فقد ضمن  لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن يحظى بمحاجة النبي  لمن ظلمه فقال  : ( ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )
وشدد الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال  : (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما ) ( )
كتاب أبي بكر الصديق لخالد بن الوليد
كتب لخالد بن الوليد رضي الله رعنهما في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق وكانوا من النصارى ( وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته ويعطى من بيت مال المسلمين هو وعياله)
وكان أبو بكر يوصي الجيوش الإسلامية بقوله ( وستمرون على قوم في الصوامع رهبانا يزعمون أنهم ترهبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم )
وصية عمر بن الخطاب بأهل الذمة
أوصى عمر الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم
ومر عمر بن الخطاب  بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند وضع عنه الجزية وعن ضربائه
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه لما قدم الجابية من أرض الشام استعار ثوبا من نصراني فلبسه حتى خاطوا قميصه وغسلوه وتوضأ من جرة نصرانية . وصنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال أين هو قالوا: في الكنيسة فكره دخولها وقال لعلي  : اذهب بالناس فذهب علي  بالمسلمين فدخلوا فأكلوا وجعل علي  ينظر إلى الصور وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل
وعن عبد الله بن قيس قال : كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة مقدمه من الشام فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلسون وهم قوم يلعبون بلعبة لهم بين أيدي الأمراء إذا قدموا عليهم بالسيوف والريحان فقال عمر  : مه ردوهم وامنعوهم فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم أو كلمة نحوها وإنك إن تمنعهم منها سروا أن في نفسك نقضا لعهدهم فقال : دعوهم عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة
ققص من فعل السلف الصالح
1/ صلى سلمان وأبو الدرداء رضي الله عنهما في بيت نصرانية فقال لها أبو الدرداء رضي الله عنه : هل في بيتك مكان طاهر فنصلي فيه ؟ فقالت طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما فقال له سلمان رضي الله عنه : خذها من غير فقيه
2/ أن عمر بعث عميرا عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ولم يبعث له شيئا لبيت مال المسلمين ، فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير فو الله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا فأخذ عمير لما وصله كتاب عمر جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق أداوته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه فدخل على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله قال عمر: ما شأنك ؟ قال ما تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرونها ؟ قال عمر: وما معك ؟ وظن عمر أنه جاءه بمال قال : معي جرابي أجعل فيه زادي وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، ومعي عنزتي أتوكأ عليها و أجاهد بها عدوا إن عرض لي ، فو الله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي وسأله عمر عن سيرته في قومه وعن الفيء فأخبره ، فحمد فعله فيهم ثم قال :جددوا لعمير عهدا.
قال عمير : إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني : أخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر ، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك.
3/وعن مجاهد قال كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي فقال رجل من القوم : اليهودي أصلحك الله ؟ قال : سمعت النبي  يوصي بالجار حتى خشينا أو روينا أنه سيورثه
4 / في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة : وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه
5/ أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله مناديه ينادى : ألا من كانت له مظلمة فليرفعها ، فقام إليه رجل ذمي من أهل حمص فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال وما ذاك ؟ قال : العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي . والعباس جالس ، فقال له عمر : يا عباس ما تقول ؟ قال : نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد وكتب لي بها سجلا ، فقال عمر ما تقول يا ذمي ؟ قال : يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى ، فقال عمر : نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد قم فاردد عليه ضيعته فردها عليه
6/ في عهد الرشيد كانت وصية القاضي أبي يوسف له بأن يرفق بأهل الذمة حيث يخاطبه بقوله :( ينبغي أن ترفق بأهل ذمة وصية نبيك محمد  حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم"

المطلب الثالث :
مســألة التترس 
ظهر في مراجعات المشايخ مسألتان هامتان جدا أولها مسألة دفع الصائل وهو الذي يعتدي على الإنسان ن بدون وجه حق فيشرع له أن يدافعه بالأسهل والأخف فإن صال عليه قتله ومن هنا أحتج بعض الفارين عن العدالة بجواز مدافعة رجال الأمن من هذا الباب ولو أدى إلى قتلهم وقد وجدت في تراجعات المشايخ الإجابة الكافية الشافية ولاسيما في تراجع الشيخ أحمد الخالدي الذي لما عرف إجماع العلماء على استثناء السلطان ومن أرسله من دفع الصائل كما حكاه ابن المنذر وأنه يجب الطاعة له والانقياد لمن أرسله ومنهم رجال الأمن فوجدت نفسي مكتفيا بهذا الكلام النفيس في إجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة وبقيت المسألة الثانية وهي مسألة التترس التي تحتاج مزيدا من الشرح فهناك من يقيس قتل المسلمين في عمليات التفجير في الرياض على قتل المسلمين إذا تترّس بهم الكفار
وهو قياسٌ مع الفارق من عدة وجوه:
الوجه الأول
ما قرره أهل العلم من أن قتل المسلمين المتترس بهم لا يجوز إلا بشرط أن يُخاف على المسلمين الآخرين الضرر بترك قتال الكفار فإذا لم يحصل ضرر بترك قتال الكفار في حال التترس بقي حكم قتل المتترَّس بهم على الأصل وهو التحريم. فجوازه إذاً لأجل الضرورة،وليس بإطلاق وهذا الشرط لا بد منه إذ الحكم كله إعمال لقاعدة دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص
قال القرطبي رحمه الله :(قد يجوز قتل الترس وذلك إذا كانت المصلحة ضروريَّة كلية، ولا يتأتى لعاقل أن يقول لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه, لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين)
أما لو قتل المسلمون المتترَّس بهم دون خوف ضرر على المسلمين ببقاء الكفار، فإننا أبطلنا القاعدة التي بني عليها الحكم بالجواز
فقتل المسلمين ضرر ارتكب لا لدفع ضرر عام بل لمجرد قتل كُفَّار قال ابن تيمية رحمه الله :
(ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك)
فأين هذه الضرورة في قتل المسلمين الذين يساكنون النصارى في تلك المجمعات السكنية المستهدفة ؟؟
الوجه الثاني
أن مسألة التترس خاصة بحال الحرب (حال المصافّة والمواجهة العسكرية) وهؤلاء الكفار المستهدفون بالتفجير لسنا في حال حرب معهم، بحيث يكون من ساكنهم من المسلمين في مجمعاتهم في حكم المتترَّس بهم. بل هم معاهدون مسالمون
الوجه الثالث
اختلاف حال المتترَّس به عن حال الحراس ونحوهم؛ فالمتترَّس به عادة هو أسير لدى الكفار ينتظر الموت غالباً على أيديهم، لكنهم يتقون به رمي المسلمين، أما الحراس فضلاً عن المارة والجيران فهم آمنون في بلادهم فبأي وجه يفاجئهم أحد من المسلمين بأن يقتلهم لكي يقتحموا على من يحرسون من المعاهدين والمسلمين المقيمين معهم أو المتعاملين معهم ؟؟
الوجه الرابع
أن الله تعالى بيّن أن من مصالح الصلح في الحديبية أنه لو سلط المؤمنين على الكافرين في ذلك الحين لأدى إلى قتل أقوام من المؤمنين والمؤمنات ممن يكتم إيمانه، فلولا ذلك لسلط المؤمنين على أولئك الكافرين، قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 
قال القرطبي رحمه الله ( لم تعلموهم أي لم تعرفوا أنهم مؤمنون أن تطأوهم بالقتل والإيقاع بهم..والتقدير: ولو أن تطأوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة ولسلطكم عليهم، ولكنَّا صُنَّا من كان فيها يكتم إيمانه. وقوله (فتصيبكم منهم معرّة) المعرة العيب...إي يقول المشركون: قد قتلوا أهل دينهم...لو تزيّلوا أي تميزوا، ولو زال المؤمنون عن الكفّار لعذب الكفار بالسيف...وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن )
فتبين من هذه الأوجه أن قياس المسلمين الذين يساكنون الكفار في المجمعات السكنية على مسألة التترُّس قياسٌ غير صحيح .

المطلب الرابع
 وجوب طاعة ولي الأمر 
ذكرالمشايخ في تراجعاتهم عظم حق ولي الأمر ووجوب السمع والطاعة له في غير معصية الله وأن البيعة تكون له من أصحاب الحل والعقد وأن الله يجمع عليه الناس بقلوبهم قبل أقوالهم وأفعالهم فأمور المجتمع لا تتحصل ولا توجد إِلا بوجود إِمام يلتف الناس حوله يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ، يردع الظالم ويضع الحق في نصابه فبدون ولي الأمر إِمامة لا تقوم للدين قائمة ولا يشاد له مَعْلم ولقد حفلت الشريعة الإسلامية بنصوصها من الكتاب والسنة بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية ، وفي هذا انتظام شؤون العباد الدينية والدنيوية ، ويوم لا يعلن المجتمع ذلك ولا يدين به ، فلا وجود حقيقي لإِمامة ولا اعتبار لحاكم ومن مشهور الكلم ( لا إمامة إلا بسمع وطاعة)
ومما جاء من النصوص الشرعية في ذلك ما يلي :
قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ 
و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال  ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إِلا أن يؤمر بمعصية ) يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :
(وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالحُ العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على إِظهار دينهم وطاعة ربهم )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : ( من أطاعنـي فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعنـي ، ومن يعص الأمير فقد عصاني )
قال شيخ الإِسلام ابن تيميه رحمه الله :
( فطاعة الله والرسول واجبة على كل أحد ، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله . ومن كان لا يطيعهم إِلا لما يأخذه من الولاية والمال ، فإِن أعطوه أطاعهم وإِن منعوه عصاهم ؛ فماله في الآخرة من خلاق)
وقد أجمعت الأمة على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر مبنيُّ على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك
حتى لو وقع في معصية فقد أرشد الرسول  أمته للتعامل الصحيح معه كما في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال : قال  ( ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله ولا ينزع يداً من طاعة )
أن الواجب على كل مسلم أن يتجنب ما يخالف قوة السلطان وإهانته بالقول والفعل ومن ذلك الوقيعةُ في أعراض الأمراء والملوك والرؤساء والاشتغال بسبهم وذكر معايبهم فقد عد العلماء السابقون والمتأخرون خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة ، وذم فاعلها وهي نواة الخوارج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فكل ُّ نص في تحريم الخروج وذم أهله فهو دليل على تحريم السب وذم فاعله
قال رسول الله  :( لا تسبوا أمراءكم ولا تغـشـوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب )
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله 
( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إِنس ) قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : ( تسمع وتطيع للأمير وإِن ضرب ظهرك وأخذ مالك)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  :(سيكون بعدي أمراء فتعرفون و تنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع ) قالوا أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال (لا ما أقاموا فيكم الصلاة )
وعن أبي بكرة قال : قال رسول الله : ( السلطان ظل الله في الأرض فمن أهانه أهانه الله ومن أكرمه أكرمه الله )
وعن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله
( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)
وعن وائل بن حجر قال : قلنا يا رسول الله : أرأيت إِن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : ( اسمعوا و أطيعوا فإِنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )
إن اللائق بالمؤمنين الطائعين لله حق طاعته أن يشيع فيه مبدأ التناصح بينهم وبين ولاة أمورهم بالطرق الشرعية المذكورة في مؤلفات العلماء الربانين فلئن كانت حاجةُ المجتمع المسلم حاجة شديدةً إِلى النصيحة ، فإِن حاجة وليِّ الأمر إِليها أشدُّ وأعظم ، لأنه القائمُ على شؤون الناس والراعي لمصالح مجتمعهم
فلما ينهض به من جليل الأعمال وعظيم المهام احتاج إِلى الناصح الأمين والموجه المخلص ،ومن هنا حض المصطفى $ على إِزجاء النصيحة لولي الأمر في غير ما حديث تناقلتها كتب السنة ومنها
حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال قال  :الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال : ( إِن الله يرضى لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ،وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي  قال في خطبته بالخَيْف من منى (ثلاث لا يُغِلُّ عليهن قلبُ أمريء مسلم إِخلاص العمل لله و مناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين)
ولا يتوهَّمنَّ أحد أن مناصحة ولي الأمر لا تكون إِلا في الوقوف أمامه ووقْفِه على مواضع تقصيره ،كلا ،بل مفهوم المناصحة أوسع من ذلك إِذ يشمل هذا وغيره مما هو أكثر منه ، وفي ظني أن الناس إِنما دخل عليهم النقص والخلل في نصيحة أولي الأمر،حين لم يفقهوا ما تشمله تلك النصيحة ، ذلك أن نصيحة ولي الأمر تشمل ما يلي :
1/ طاعته والسمع له بالمعروف.
2/ عدم الخروج عليه.
3/ إرشاده إلى الحق بالحسنى ، وإعانته عليه .
4/ طي عيوبه ونشر محاسنه.
5/ الذب عن عرضه.
6/ الدعاء له بالتوفيق والصلاح.

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:
( وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم ؛من السلطان الأعظم إِلى الأمير إِلى القاضي إِلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد إِمامتهم والاعترافِ بولايتهم ووجوبِ طاعتهم بالمعروف ،وعدم الخروج عليهم وحث الرعية على طاعتهم ، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله ،وبذل ما يستطيع الإِنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إِليه في رعايتهم ، كلُّ أحد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحَهم صلاحٌ لرعيتهم
واجتناب سبِّهم والقدح فيهم وإِشاعة مثالبهم ، فإِن في ذلك شراًّ وضررا وفسادا كبيرا، فمن نصيحتهم الحذرُ والتحذيرُ من ذلك وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن يُنبِّههم سراً لا علنا ، بلطف وعبارة تليقُ بالمقام ويحصل بها المقصود ، فإِن هذا مطلوب في حق كل أحد ، وبالأخص ولاةُ الأمور ، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ،وذلك علامة الصدق والإخلاص .)
فكل هذه الأمور الجليلة كما ترى داخلة في النصيحة لولي الأمر وعلى كل مسلم يريد القيام بما أوجب الله عليه ، أن يأتي بما تتطلبه هذه النصيحة أو بما يستطيعه من ذلك ، بحسب قدرته وحاله
ومن أعظم حقوق النصيحة لولي الأم أمر غَفَل عنه كثير من الناس في هذا الزمان المتأخر ولا يسع أحدا تركُه، لأنه في مقدروهم جميعاً ، ألا وهو الدعاء لولي الأمر .
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله ( ولا نرى الخروج على أئمتنا
وولاة أمورنا وإِن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة )
وقال البربهاريُّ رحمه الله :( فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعوا عليهم وإن ظلموا وإن جاروا لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم و للمسلمين )
وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله ( ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين و غيرهما من الصلوات خلف كل إِمام ، برا كان أو فاجراً ، ويرون جهاد الكفرة معهم ، وإِن كانوا جَوَرة فجرة ويرون الدعاء لهم بالإِصلاح والتوفيق والصلاح ،وبسط العدل في الرعية )
وذكر ابن الجوزي رحمه الله : في مناقب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله حرصه على الحث على طاعة السلطان والدعاء له ،وأنه كان أيضاً دائم الدعاء له ،وبخاصة إِذا مر ذكره ، أو عَرَض له ذكر في أثناء مسألة
قال أبو بكر المروذي رحمه الله : سمعت أبا عبد الله وذُكر الخليفةُ المتوكل ، فقال : ( إِني لأدعو له بالصلاح والعافية ..)
قال الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله :( إِني لأدعو للسلطان بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار وبالتأييد وأرى ذلك واجبا عليَّ ) ولهذا حين اقتحم رجال الخليفة المتوكل على الإِمام أحمد بيته على إِثر وشاية كان فيما قال لهم رحمه الله :( إِني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلنية ،وفي عسري ويسري ومنشطي ومكرهي وأثرة علي وإِني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ) ففي قول الإِمام أحمد :( وإِني لأدعو له ) تأكيد لما يعتقده من السمع والطاعة وإِقرار به ، ولهذا ؛ خلَّى سبيله رجال الخليفة ولقد بالغ هذا الإِمام في حث الناس على الدعاء لولي الأمر فأرسل مقولته التي اشتهرت اشتهار الشمس ، وأصبحت حكمةً تتناقلها الألسنة ، وهي : ( لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إِلا في السلطان )
قال ناصر الدين ابن المُنَيِّر ( الدعاء للسلطان الواجب الطاعة ، مشروع بكل حال )
قال أبو محمد البربهاري رحمه الله : ( وإِذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإِذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله )
قال الإِمام الآجري رحمه الله ( قد ذكرتُ من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم عن مذهب الخوارج ، ولم بر رأيهم ، وصبر على جور الأئمة وحَيْف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه ، وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ، ودعا للولاة بالصلاح ، وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين ، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين ، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم )
ومن أعظم فوائد الدعاء لولي الأمر أن عائد نفعه الأكبر إِلى الرعية أنفسهم ، فإِن ولي الأمر إِذا صلح ، صلحت الرعية واستقامت أحوالها ، وهنئ عيشها.
عن قيس بن أبي حازم أن امرأة سألت أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالت :ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم )
قال ابن حجر رحمه الله :( أي : لأن الناس على دين ملوكهم فمن حاد من الأئمة عن الحال ، مال وأمال )
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ، ما استقامت لهم ولاتهم وهداتُهم )
وقال القاسم بن مخيمرة رحمه الله : ( إِنما زمانكم سلطانكم فإذا صلح سلطانكم صلح زمانكم ، و إِذا فسد سلطانكم فسد زمانكم)
وقال ابن المنير رحمه الله (نُقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم ، فقيل له : أتدعو له وهو ظالم ؟ فقال : إِي والله أدعو له ، إِن ما يَدفعُ الله ببقائه ، أعظمُ مما يندفع بزواله.
قال ابن الُمنِّير : لا سيما إِذا ضُمِّن ذلك الدعاء بصلاحه وسداده وتوفيقه)
ولقد سئل الفضيل بن عياض رحمه الله حين سمع يقول :( لو كانت لي دعوةٌ مستجابة ما جعلتها إِلا في السلطان) فقيل له : يا أبا علي فَسِّر لنا هذا ، فقال :( إذا جعلتُها في نفسي لم تَعْدُني وإِذا جعلتها في السلطان صَلَح فصَلَح بصلاحه العبادُ والبلاد )
وفي بعض الروايات :( لأنه إِذا صلح الإِمام أَمِن البلادُ والعباد)
قال الفضيل رحمه الله :( أما صلاح البلاد ، فإِذا أمن الناس ظلم الإِمام عَمَروا الخرابات ، ونزلوا الأرض ، وأما العباد فينظر إِلى قوم من أهل الجهل ، فيقول : قد شغلهم طلب المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلم القرآن وغيره ، فيجمعهم في دار ، خمسين خمسين أقل أو أكثر ، يقول للرجل : لك ما يصلحك ، وعلم هؤلاء أمر دينهم ، وانظر ما أخرج الله عزوجل من فيئهم مما يزكي الأرض فرده عليهم . قال : فكان صلاحُ العباد والبلاد )
أن وليَّ الأمر إِذا بلغه أن الرَّعية تدعو له ، فإِنه يُسرُّ بذلك غاية السرور ، ويدعوه ذلك إِلى محبتهم ورفع المؤن ونـحوها عنهم ولا يزال يبحث عمَّا فيه سعاتهم ، وربما بادلهم الدعاء بالدعاء
روى عبد الله بن الإِمام أحمد من خبر والده حين كتب كتابا أجاب فيه عن الخليفة المتوكل عن مسألة القرآن وكانت مسألة معرفة لا مسألة امتحان .قال عبد الله : فلما كتب أبي الجواب ، أمَرَنا بعَرْضه على عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وظاهر أن الإِمام أحمد يستشير هذا الوزير في أسلوب الخطاب وما يناسب الخليفة ، لا مضمونه ، وحسنا فعل ، فإِن الوزراء أعرفُ من غيرهم بما يلائم نفوسَ مستوزريهم.
قال عبد الله : قال أبي : ( فإِن أمركم – أي ابن خاقان – أن تَنْقُصوا منه شيئا ، فانقصوا له ، وإِن زاد شيئا فرُدُّوه إِلىَّ حتى أعرف ذلك ).
فلما وقف ابنُ خاقان على الجواب ، بادر قائلا : ( يحتاج أن يُزادَ فيه دعاءٌ للخليفة فإِنه يُسرُّ بذلك ..).
فأخبر هذا الوزير بما يُبهجُ الخليفة ويدخلُ السرورَ على نفسه ولهذا استجاب الإِمام أحمد لرأيه ، وضمَّن جوابه جملا من الدعاء كقوله :( إِني أسأل الله عز وجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين أعَزه الله بتأييده ...)

المطلب الخامس
 التكفير والتفسيق 
خطر التكفير والتفسيق
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سمع النبي  يقول ( لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)
من منطوق هذا الحديث يتبين لنا أن الواجب على كل مؤمن ألا يخوض في مسائل التكفير وألا يتسرع في إطلاق الأوصاف والأحكام على عباد الله ، وعليه أن يعلم أن التكفير حكم شرعي وحق لله تعالى وحده ، والأحكام إنما تترك للعلماء الراسخين الذين يعرفون مراد الله ومراد رسوله ، ويعرفون سبيل سلفهم الصالح في مثل هذه الأمور والمسائل والنوازل وليس للأحداث وطلاب العلم أن يتصدروا وعليهم الأتباع في ذلك والوقوف عند أقوال المحققين من العلماء فقد ثبت عن رسول الله  أنه قال ( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر )
يقول الإمام الطحاوي رحمه الله :
(ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ) .
قال ابن أبي العز رحمه الله:
( واعلم رحمك الله وإيانا أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمة الفتنة والمحنة فيه ، وكثر فيه الافتراق وتشتت فيه الأهواء والآراء وتعارضت فيه دلائلهم )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
( إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، وتفسيق ومعصية ، إلا إذا علم أنه قد مات عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى ، وأني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخيرية القولية والمسائل العملية )
وقرر ابن الوزير رحمه الله تواتر الأحاديث في النهي عن تكفير المسلم ثم قال ( وفي مجموع ذلك ما يشهد لصحة التغليظ في تكفير المؤمن، وإخراجه من الإسلام مع شهادته بالتوحيد والنبوات وخاصة مع قيامه بأركان الإسلام وتجنبه للكبائر )
ويقول أيضاً ( وقد عوقبت الخوارج أشد العقوبة ، وذمت أقبح الذم على تكفيرهم لعصاة المسلمين مع تعظيمهم في ذلك لمعاصي الله تعالى ، وتعظيمهم الله تعالى بتكفير عاصيه ، فلا يأمن المكفر أن يقع في مثل ذنبهم ، وهذا خطر في الدين جليل ، فينبغي شدة الاحتراز فيه من كل حليم نبيل )
ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله محذراً من هذا المنزلق الخطير (إعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية عن طريق جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
ويقول ابن تيمية رحمه الله ( أعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة ، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا )

ضوابط التكفير :
الضابط الأول
1- الاعتقاد الجازم بأن الكفر والتكفير حكم شرعي توقيفي : فالكافر من كفر بالله ورسوله وليس لأحد من الناس الحق في ذلك بل هو محض حق الله تعالى ورسوله .
قال ابن تيمية رحمه الله : ( الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه ، وليس ما كان خطأ في العقل يكون كفراً في الشرع )
ويقول أيضاً رحمه الله ( فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ، وإن كان المخالف يكفرهم ، لأن الكفر حكم شرعي ، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ، كمن كذب عليك ، وزنى بأهلك ، ليس لك أن تكذب عليه ، ولا تزني بأهله ، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى وكذلك التكفير حق الله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله )
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: فالحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا ، بل هو إلى الله تعالى ورسوله فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة فيجب التثبت فيه غاية التثبيت ، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره وفسقه والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه لما فيه من محذورين عظيمين :
أحدهما :افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم والمحكوم عليه .
الثاني :الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه .
مع وجوب النظر قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق في أمرين :
الأول :دلالة الكتاب والسنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق .
الثاني :انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تستوفي شروط التكفير والتفسيق في حقه وتنتفي عنه موانعه
شروط التكفير والتفسيق :
من أهم الشروط:
1/ أن يكون عالماً بمخالفته الموجبة للكفر أو الفسق ، فلا يكفر إن كان جاهلاً كحديث عهد بالإسلام أو كمن نشأ ببادية بعيدة عن العلم والعلماء .
2/ أن يقول الكفر أو ما يفعله مختاراً مريداً فلا يكفر المكره على فعل أو قول الكفر .
3/ ألا يكفر المسلم إلا بعد إقامة الحجة عليه وبيان المحجة له بصورة واضحة جلية فلا يكفر من كان متأولاً في فعل أو قول الكفر . )
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
( إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية ودون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر ، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغر والمجنون ، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب )
الضابط الثاني
وجوب التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين :
إن أهل السنة والجماعة يفرقون فيقولون لمن تلبس بقول أو بفعل جاء النص على أنه كفر فيقولون : من قال كذا وكذا فهو كافر ، أو من فعل كذا أو كذا فهو كافر .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات ، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه )
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفراً ، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر ، ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها )
الضابط الثالث
وجوب التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي لأن الكفر ذو أصول وشعب
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وكذلك الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر ، والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من الكفر ، والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر ، والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر ، والمعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان ، وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية وكذلك شعب الكفر نوعان : قولية وفعلية
ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافراً وقد يجتمع في الرجل كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد وتقوى وفجور ونفاق وإيمان وهذا من أعظم أصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة .
ومسألة خروج أهل الكبائر من النار تخليدهم مبنية على هذا الأصل ، إذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله  كفراً وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام
هذه بعض الشروط العامة ، وهناك في أقوال أهل العلم شروط تفصيلية دقيقة جدير مراجعتها لمن أراد الحق والدليل في هذه المسألة الخطيرة من التكفير والتفسيق
يقول الإمام أحمد رحمه الله ( ألا إن الإيجاب والتحريم والثواب والعقاب والتكفير والتفسيق هو إلى الله ورسوله ليس لأحد في هذا حكم وإنما على الناس إيجاب ما أوجبه الله ورسوله وتحريم ما حرمه الله ورسوله وتصديق ما أخبر الله به رسوله )
ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله ( ولا نشهد عليهم أهل القبلة بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك ، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى ، وذلك لأنا قد أمرنا بالحكم بالظاهر ونهينا عن الظن وإتباع ما ليس لنا به علم )
ويقول الغزالي رحمه الله : والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه (الاحتراز من التكفير ما وجه إليه سبيلاً فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم )

المبحث الرابع : ( مراجعات تأريخية )
المطلب الأول :
( المرجعات المصرية )
تحدث مشايخ المراجعات السعودية الثلاثة كلهم عن المراجعات المصرية وحمدوا توبتهم ورجوعهم للحق وخاصة ما كان في كتاب ( نهر الذكريات ) الذي عرضت عدد من الصحف العربية فصولا منه لأهميته إضافة إلى كتاب ( تفجيرات الرياض ) ولعلنا نتوقف الآن مع هذه المرجعات في النقاط التالية:
 بداية الجماعة الإسلامية 
برزت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية بصعيد مصر في السبعينيات وارتبط ظهورها بأمرين الأول انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين بخطاب واضح متشدد،والثاني المعارضة الشديدة للدولة خصوصا اتفاقية كامب دافيد وما تلاها وأعلنت عن نفسها بمجموعة من أحداث العنف والمظاهرات الصاخبة والاشتباكات الطائفية مع النصارى في محافظة المنيا في صعيد مصر، والتي أدت إلى هروب أحد قيادات الجماعة وهو كرم زهدي من المنيا إلى القاهرة فرارا من المطاردات الأمنية، وفي القاهرة التقى محمد فرج مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" ميثاق جماعة الجهاد في مصر وعبود الزمر المقدم السابق بالمخابرات المصرية حيث اتفقوا على تكوين تنظيم واحد، واختاروا الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور عمر عبد الرحمن مفتيا له، ونفذ التنظيم الجديد عمليات في صعيد مصر ضد النصارى عكست فكره بالنسبة لاستحلال أموالهم ، منها سرقة محل ذهب في مدينة نجع حمادي التابعة لمحافظة قنا في 16/6/1981 ميلادي حيث استولوا على محتوياته من ذهب وأموال وقتلوا أصحابه وهم فوزي مسعود وجرجس فوزي، وفي 28/6 قاموا بقتل أحد القساوسة في أسيوط. وفي القاهرة تم إلقاء عدة قنابل على كنسية في حي شبرا أسفرت عن مقتل وجرح العشرات، ومضى التنظيم في عملياته إلى أن خطط لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وقد كان لهم ذلك في العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981،وكان من بين القتلى في هذه العملية (متى المسكين )وهو أحد الأساقفة ممن اختارهم السادات لخلافة البابا شنودة.وإثر عملية الاغتيال تم القبض على كل قيادات التنظيم والجماعة الإسلامية وتمت محاكمتهم في قضيتين، الأولى اغتيال الرئيس السادات، والثانية تنظيم الجهاد وحكم على قيادات الجماعة الإسلامية في الأولى بالسجن 15 عاما، وفي القضية المعروفة بتنظيم الجهاد بالأشغال الشاقة المؤبدة 20 عاما على كرم زهدي وعاصم عبد الماجد و فؤاد الدواليبي. أما ناجح إبراهيم وعصام دربالة وعلي الشريف وأسامة حافظ فكانت أحكامهم عشر سنوات (جميعهم داخل السجن من عام 1981 باستثناء أسامة حافظ الذي أفرج عنه في عام 1991 وأعيد اعتقاله في عام 1992وكانت الجماعة الإسلامية تعتقد أن النصارى محاربون وألا ذمة لهم ويجب عليهم دفع الجزية وعلى هذه الفلسفة استحلت دماءهم وأموالهم وبررت ذلك في أدبياتها ومنشوراتها وراحت الجماعة الإسلامية تعلن عن وجودها بعد انفصالها عن تنظيم الجهاد وأسست فكرا خاصا بها شمله كتاب "ميثاق العمل الإسلامي" الذي يعتبر أبرز مؤلفيه ومن شاركوا في إعداده عاصم عبد الماجد. ومع حلول عام 1985 بدأت الجماعة الإسلامية بعد الإفراج عن عدد من أعضائها
ومع نهاية الثمانينيات بدأت دوامة العنف والصراع مع الدولة والأقباط وازدادت في التسعينيات بشكل أعنف وبصورة لم يتخيلها المراقبون إذ شملت الاعتداء على السائحين والأجانب وهو مدخل من العنف لم تشهده مصر من قبل والإحصائيات خير دليل علي حوادث العنف ضد الأقباط وضد السائحين الأجانب وضد رجال الشرطة حتى عام 1997، وهو العام الذي شهد مبادرة وقف العنف، ثم ما تلا ذلك من مراجعات فكرية للجماعة الإسلامية والاعتراف بأخطائها. فقد بلغ عدد حوادث الاعتداء على السائحين الأجانب، وهم طبعا من أهل الكتاب، حتى شهر 11 من عام 1997 الذي شهد حادثة الأقصر الشهيرة 35 حادثة، وبلغ عدد الوفيات 93 وعدد المصابين 68 ومن هذه العمليات:
1- إلقاء قنبلتين على معبد الكرنك شهر يونيو 1992
2- اعتداء بالرصاص علي باخرة سياحية قرب المنيا.
3- إطلاق الرصاص على أتوبيس سياحي في محافظة قنا وإصابة 6 سائحين.
4- إطلاق الرصاص على أتوبيس سياحي بديروط ومقتل سائحة إنجليزية.
5- إطلاق الرصاص على أتوبيس سياحي في أسيوط.
6- حادث فندق أوروبا بالهرم وقتل فيه 18 سائحا يونانيا 18/4/1996
7ـ حادث الأقصر وهو الأخير يوم 17/11/1997 وقتل فيه 58 سائحا أجنبياً .
أما عدد حوادث العنف ضد الأقباط فقد بلغت حتى عام 1997 31 حادثة وعدد الوفيات 42 والمصابين 45 وقد شهدت تلك الأحداث مدن أسيوط والمنيا وأبو قرقاص بالمنيا وببني سويف وبهجور بسوهاج والاعتداء على الكنائس والأفراد. أما عدد قضايا وحوادث التعدي على رجال الشرطة فقد بلغت 83 حادثة ، وعدد القتلى 382 وعدد المصابين 400 وذلك ما بين ضباط وصف ضباط وجنود.
بالإضافة إلى حوادث أخرى متفرقة، شملت اعتداء على شخصيات عامة مثل الاعتداء على كل من رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، والمفكر المصري فرج فودة، والأديب نجيب محفوظ، ووزير الداخلية الأسبق زكي بدر، ووزير الإعلام صفوت الشريف، ومرافق عامة .
مبادرة وقف العنف ( المراجعات ) 
وعند الإعلان عن مبادرة وقف العنف في 5/7/1997 توقفت تماما الحوادث في مصر لذلك فكما كانت دورات العنف في قسوتها وشدتها مذهلة، كانت مراجعات الجماعة الإسلامية مفاجأة للجميع وشجاعة تحسب لمن قام بها حيث الاعتراف بالأخطاء والأضرار التي سببتها تلك الحوادث للدعوة الإسلامية من تشويه وإساءة.لذلك فإن كتب المراجعات الأربعة التي طرحت في أوائل عام 2002 وظهرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب للبيع للجمهور تعتبر تحولا استراتيجيا للجماعة الإسلامية، وتحولا عن ثقافة العنف تماما والاعتراف بأن طريق العنف مسدود ونتائجه أشد ضررا على الإسلام والمسلمين والكتب الأربعة هي:
1- مبادرة وقف العنف رؤية شرعية ونظرة واقعية
2- حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين
3- تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء
4- النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين
إضافة لكتابين هامين جدا
1/ إيضاح الجواب لأسئلة أهل الكتاب
2/ نهر الذكريات
وجدير بنا أن نتوقف مع بعض هذه الكتاب بشكل موجز :
الكتاب الأول  حـــرمــــة الغـــلو في الـــدين 
هو من تأليف علي الشريف وناجح إبراهيم، وهما من قادة الجماعة الإسلامية وحكم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة. وقبل أن نبدأ بإيجاز ما في الكتاب نلفت النظر إلى أن المؤلفين شاركا فيما سمي أحداث العنف بأسيوط عام 1981 وقاما باحتلال مديرية الأمن بأسيوط كما ذكرناه سابقا
والكتاب مقسم إلى باب أول عن (الغلو في الدين أسبابه ومظاهره) ويقسم إلى أربعة فصول. الفصل الأول يتناول حكمة تحريم الغلو في الدين، الفصل الثاني من مظاهر الغلو في الدين الفصل الثالث من أسباب الغلو في الدين، الفصل الرابع الإسلام بين الغلو والتقصير. الباب الثاني يستطرد في الرد على بدعة التكفير وينقسم إلى ثلاثة فصول. الفصل الأول الغلو في تكفير عصاة المسلمين، الفصل الثاني بدعة تكفير جهلة المسلمين والرد عليها، الفصل الثالث وهو على مبحثين المبحث الأول الرد على من ادعى كفر كل موظفي الحكومة والمبحث الثاني الفرق بين الموالاة الممنوعة والمخالفة المشروعة ويبدأ الكتاب بمقدمة تتحدث عن آفة التكفير التي عششت في عقول كثير من أبناء الإسلام وجعلتهم يكفرون المسلمين بدون مقتضى شرعي، فأهدروا الدماء واستحلوا الأموال بدون دليل من الشرع أو حجة من الدين، ولم يكونوا مؤهلين للخوض في هذه المسائل المهمة من الدين. مع تتويج الكتاب بمقدمة عن الحديث عن الخوارج وتحذير  من رمي المسلم بتهمة الكفر، ثم تختتم المقدمة بالحديث عن بدعة التكفير وكيف نشأت في الفترة الأخيرة، وكيف نشأت داخل السجون في مصر في الستينيات بسبب قسوة التعذيب. ثم يمضي المؤلفان في الكتاب من الباب الأول في الحديث على أسباب تحريم الغلو في الدين
1- لأنه منفر.
2- الغلو قصير العمر.
3- الغلو لا يخلو من جور على حقوق أخرى في الأمور الاجتهادية والاحتمالية.
4- إلزام جمهور الناس بما لم يلزمهم به الله والتشدد في غير موضعه.
5- الغلظة والخشونة.
6- سوء الظن بالناس .
7- النظرة المثالية للمجتمع الذي ينبغي أن يكون فيعتقد أن المجتمع يجب أن يكون مثالياً.
وأن أسباب الغلو في الدين هي ضعف البصيرة بحقيقة الدين ولذلك مظاهره أهمها مظاهر الجهل وتشمل:
1- الاتجاه الظاهري في فهم النصوص.
2- الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى.
3- الإسراف في التحريم بغير دليل.
4- إتباع المتشابهات وترك المحكمات.
5- عدم التعليم على أيدي علماء.
6- ضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ وسنن الكون.
ويمضي المؤلفان للحديث عن الآثار السلبية في تكفير عصاة المسلمين وأصل بدعة التكفير وكيفية نشأتها في موقعة صفين وظهور الخوارج وفرقهم المتعددة.
ويستطرد الكتاب في السرد على من يكفر عصاة المسلمين ويؤكد على أهمية العذر بالجهل.
ويختتم الكتاب بالحديث عن أمر هام يقع فيه كثير من الشباب المسلمين وهو الغلو في تكفير المسلمين بالموالاة الظاهرة وعدم التفريق بين الموالاة الظاهرة والباطنة، لأن عدم التفريق بينهما يؤدي إلى التكفير، وهو أمر خطير وآثاره الضارة شديدة على المسلمين. ويختتم الكتاب بمسائل لم يرد على ذهن أحد من المتابعين للجماعة الإسلامية أن تكون مراجعاتها لأخطائها وتصحيحها لمسيرتها بهذا الوضوح والشجاعة. فهم يؤكدون على جواز عيادة المريض الكافر، والتهنئة بالزواج والإنجاب والعودة من السفر لليهودي والنصراني والمشرك غير المحارب وإنفاق المسلم على قرابته من أهل الكفر يهوديا أو نصرانيا

الكتاب الثاني :
 نهـــــر الــــذكــــريـــــات 
مع إطلاق السلطات المصرية سراح زعيم الجماعة الإسلامية المصرية المحظورة كرم زهدي بعد 22 عاماً قضاها في السجن في قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بدأت الجماعة في إصداركتب مراجعات جديدة. وقد نشرت «الشرق الأوسط» تفاصيل «نهر الذكريات)) الكتاب الأحدث الذي يتناول زيارات قادة الجماعة للسجون المصرية المختلفة للالتقاء بأعضائها في جولات استغرقت ما يقرب من 10 أشهر
1/ مؤلفوا الكتاب
شارك في تأليف وإعداد الكتاب 8 من القيادات التاريخية للجماعة، هم:
1/ كرم زهدي
2/ ناجح إبراهيم
3/ علي محمد علي الشريف
4/ أسامة إبراهيم حافظ
5/ حمدي عبدا لرحمن
6/ فؤاد محمد الدواليبي
7/ عاصم عبد الماجد محمد
8 / محمد عصام الدين دربالة
وكتب مقدمة الكتاب ناجح إبراهيم، وهو من مواليد أسيوط عام 1955 وأقام في بندر ديروط، وحاصل على بكالوريوس الطب، وعمل طبيباً في مستشفى ديروط واستعاد ابراهيم في المقدمة المفاجأة التي أطلقتها الجماعة التي وصفها بأنها «أصابت الجميع بالذهول، عندما وقف محمد أمين في المحكمة العسكرية يوم 5 يوليو (تموز) عام 1997 أثناء نظر القضية العسكرية رقم 235 ليلقي بياناً مذيلاً وموقعا بأسماء ستة من قادة الجماعة الإسلامية، يعلنون فيه إيقاف جميع العمليات العسكرية بالداخل والخارج ضد الدولة، ووقف جميع البيانات المحرضة عليها دون قيد أو شرط ومن جانب واحد.
وقال ابراهيم: ( كان هذا البيان من البداية، أو لنقل هو الحجر الذي ألقي في الماء الراكد، وبعده توالت موجات الأحداث، فكان رد الفعل في البداية مشجعاً، وأثنى الكثيرون على هذا التوجه ودارت عجلة التفاعلات، وكادت المبادرة تؤتي ثمارها وتظهر آثارها منذ ذلك الحين، لولا حادث الأقصر بكل تداعياته المؤلمة، وتفاصيله المفجعة، والذي أعلنا وقتها، وما زلنا نردد، أنه كان طعنة شديدة في ظهورنا )
2/ * حادث الأقصر
أثار حادث الأقصر كثيرا من التداعيات على مختلف الأصعدة سواء داخل الجماعة أو خارجها فقد كانت نقطة فاصلة في تاريخ الجماعة وتعديل موقفها فقد كان للصدى المدوي الذي أحدثه هذا الحادث أثر كبير في توقف كثير من أبناء الجماعة الذين عارضوا المبادرة في بدايتها أمام أنفسهم ومراجعة ما سبق ثم كان أن أدركوا خطأ هذا المنحى الذي كانت تسير فيه الجماعة وسرعان ما بادروا إلى التراجع عن موقفهم المعارض واحدا وراء الآخر حتى انتهت هذه المعارضة بفضل الله إلى غير رجعة من جميع أبناء الجماعة.
لقد كانت بالفعل حادثة غريبة إذا وصف العنف بغير المسبوق كيف لا!! وقد تجاوز كل الخطوط الحمراء بالعدوان على النساء والأطفال والعجائز من السياح المسالمين الذين جاءوا إلى مصر وهم يأمنون إليها فإذا بهم يتحولون إلى ضحايا لنزاع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، وبهذه الطريقة البشعة، اختتمت هذه المأساة بمقتل هؤلاء الشباب الذي تجمع النصوص الشرعية على تحريم قتل هؤلاء السياح والحديث عن حرمة ذلك من عدة وجوه ذكرت في كتاب نهر الذكريات وكان من أهمها عدم مشروعية قتل النساء والصبيان والعجائز حتى ولو كانوا من ديار تحارب بلاد المسلمين من أهل الكفر ( من دار الحرب) ، وفيها من النصوص الكثير نسوق منها:
1 ـ قوله تعالى:  وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ 
اتفق أكثر المفسرين على أن من العدوان قتل النساء والصبيان والعجائز ومنهم الحسن البصري، سعيد بن جبير، أبو العالية
2 ـ قال الإمام النووي: ( أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذ لم يقاتلوا)
3 ـ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي  نهى عن قتل النساء والصبيان.
4 ـ بل إن النبي  أنكر أشد الإنكار على خالد بن الوليد سيف الله المسلول لما أخبر أنه قتل امرأة، وعلل ذلك بقوله ) ما كانت هذه لتقاتل( وأمره أن لا يقتل ذرية ولا عسيفا.
وبهذا المعنى تكلم العلماء من منع قتل النساء والصبيان حتى في الحرب ـ ما لم يقاتلوا ـ وحتى لو كانوا من أهل الكفر المحاربين للإسلام وعللوا ذلك بأن القتال والقتل إنما يكون لمن ينتصب لقتال المسلمين، وهؤلاء ليسوا كذلك حتى من عللوا بغير ذلك من العلل فإنهم أكدوا على ذلك المنع.
3/ شبهة قتل السياح :
هنا أثيرت شبهة وهي أن هؤلاء السياح إنما جاءوا ليفسدوا في البلاد بنشر الخمور والزنا والتبرج، بل إن منهم من يحمل داء الإيدز لينشره بين أبناء بلدنا، ومنهم من جاء ليتجسس على بلادنا لصالح أعدائها ألا ينبغي أن نتصدى لهم حماية لشبابنا وبلادنا منهم؟
والإجابة أن إصدار الأحكام الكلية شيء مخالف لنهج الشرع الشريف في الحكم على الناس، وان نسبة لا بأس بها من هؤلاء السياح من بلاد إسلامية جاءوا إلى بلد الأزهر بين متعلم ومستمتع بمناخها الجميل أو متعرفا على ثقافة البلد وأبنائه، أما من لم يكونوا من بلاد الإسلام فإن إطلاق الحكم العام عليهم أيضا خاطئ، فإن أكثرهم جاء أيضا لأهداف مشروعة لا غبار عليها ولو كان فيهم القليل ممن تصف فإن الجريمة في الشرع والقانون شخصية ولا تعمم، قال تعالى:  وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى  هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، فإن إنزال العقوبة بالمجرمين من ناشري الفساد والجواسيس ليس من اختصاص الأفراد، إذ أن الأمر يتطلب إلى جانب سطوة السلطان التي تسعى في حماية البلاد وأبنائه، إلى تحقيق قضائي يثبت الجرائم بوسائل الإثبات الدقيقة ليكون صاحبها بعد ذلك مستحقا للعقوبة، وهذا لا يتأتى إلا للدولة بإمكاناتها وسلطانها أما الأفراد فإنهم يعجزون عن ذلك، فيضعون الأمر في غير موضعه.

4/ * تكفير الشرطة
وحول سؤال عن أن الجماعة تكفر رجال الشرطة لأنهم يحاربون الإسلام في شخص شباب الجماعات الإسلامية، يجيب القادة التاريخيون بقولهم أن الكفر والإيمان لا يوجه للأجهزة والحوائط والأبواب، وإنما هو حكم شرعي يوجه للأفراد المكلفين دون غيرهم، إذا توافرت فيهم مواصفات معينة، وبالتالي فجهاز الشرطة كجهاز لا يوصف بكفر ولا إيمان ثم لم يقل فيما نعلم أحد من الفقهاء إن هناك وظيفة يكفر صاحبها بمجرد وجوده فيها، وإنما يوصف الإنسان بالكفر إذا عمل عملا كفريا ، أو اعتقد اعتقادا كفريا توافرت شروطه وأسبابه وانتفت موانعه ولا يحكم بكفره إلا بعد إقامة الحجة عليه التي يكفر تاركها والتي لا يردها إلا معاند، وعليه فرجال الشرطة مثل أي شريحة من شرائح المجتمع، لا يحكم على أحدهم بالكفر إلا إذا تحققت فيه المواصفات السابقة.
ولا ينبغي أن يفوتنا ونحن نتعرض لهذه القضية أن نلفت إلى أثر هذه الدعوى الخطيرة في تمزيق شمل الأمة وتشتيت جهود أبنائها في تكفير بعضهم البعض وإشاعة التباغض والاحتراب بينهم ورجل الشرطة هو أخي وأخوك وابني وابنك، وكثيرا ما تجمعنا صلاة الجماعة في المسجد وأداء الحج والعمرة.فحبذا لو توجهت الجهود وبدلا من تضييعها في الحكم على الناس بالكفر والإيمان إلى العمل على نشر الدين والدعوة إليه وترك الحكم بالكفر والإيمان في مثل هذه المسائل الشائكة إلى أهله من أهل العلم والاجتهاد، فنحن دعاة لا ولاة.
أسباب المراجعات المصرية
* حقنا لدماء الجماعة والدماء عموما في مصر.
* حفاظا على الأنفس أن تهلك في غير ميدان، أو أن تقتل من دون مصلحة شرعية صحيحة، أو أن تزهق دونما هدف شرعي.
* خدمة للإسلام والمسلمين ثم خدمة للوطن
* صونا لحرمات البيوت أن تنتهك، وحماية للبيوت والأسر المسلمة من أن تُهدم، ولوقف مسلسل اليتم والترمل والطلاق، فالمبادرة جاءت من أجل مئات اليتامى من الفريقين، ومن أجل مئات الأرامل من الفريقين ومن أجل مئات الثكالى من الفريقين.
* هي الأقرب إلى الحق، وهي الأهدى سبيلا،وذلك بأدلة شرعية صحيحة لا تلتبس على كل ذي عقل سديد، وهي ناتجة أيضا عن رؤية مستبصرة للواقع من تحريم الاقتتال بين المجتمع المسلم
* وقفا ومنعا للعنف الذي أدى إلى أحقاد ونزاعات وثارات تولدت وكبرت في مصر وكادت تنسى الفريقين أنهما من ملة واحدة ومن دين واحد ويصلون إلى قبلة واحدة
إيجابيات المراجعات المصرية 
أولا: تحقيق مصلحة الإسلام العظيم ودفع الكثير من المفاسد التي نجمت عن الأحداث، ورفع الكثير من العقبات والعراقيل التي اعترضت سبيل الدعوة إلى الله تعالى، والتي كان من أهمها تجرؤ الكثيرين من خصوم الإسلام عليه حتى أصبح مألوفاً لدى أي مصري أن يواجه في أي مكان أو وسيلة إعلامية بالهجوم الشرس على الإسلام وشريعة الإسلام وهديه الطاهر، بل ومكانة علماء الإسلام والدعاة إليه.
ثانياً: تحقيق مصلحة الوطن في مصر ، والتي تمثلت في هذا الأمن والأمان، وتوحيد الكلمة ليلتفت الوطن بكل طوائفه وفئاته لمواجهة العدو المشترك للجميع، والذي يتربص بهذا الوطن ويتحين الفرص لينال من حريته وسيادته، وعلى كل مسلم مخلص عاقل محب لوطنه ألا يكون أداة لتحقيق أهداف عدوه في تحجيم دور مصر قلب الإسلام النابض
في نصوص المراجعات :
إن أكثر شيء نتقرب به إلى الله تعالى، بعد الإيمان بالله ورسوله وأداء فرائضه، هو هذه المبادرة التي كانت كشجرة طيبة لم تنتج من الثمار إلا طيباً، وإن أكثر ما نتوسل به إلى رب العالمين سبحانه هو هذه المبادرة التي أرجو الله تعالى أن يتقبلها قبولاً حسناً وأفضل عمل نرجو له القبول عند ربي جل وعلا هو هذه المبادرة التي أدعو الله أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم. بل إننا نقول، إن أفضل سنوات عمرنا وأجلها تلك السنة المباركة التي تم فيها تفعيل المبادرة لتدخل الفرحة بيوتاً وصدوراً طالما سكنتها وقوضت أركانها بالآلام والأحزان ويعم الخير أرض الكنانة التي أناط الله تعالى بأهلها مهمة القيام بدور القلب النابض بالحياة للأمة الإسلامية.
وإن أفضل قربة إلى الله سبحانه هي قضاء حوائج الناس وتفريج كربهم، وقد يكون هذا العمل في هذا الوقت أفضل من نوافل الطاعات، وقد كانت المبادرة بفضل الله جل شأنه سبباً في قضاء الكثير والكثير من حوائج الناس وتفريج كرب الكثيرين وحقن دماء مسلمة طاهرة وتجفيف دموع وتخفيف آلام مئات الأسر التي طال عناؤها.
والحق أن هذه المبادرة حصاد رؤية ذات أبعاد متعددة، وثمرة لتجربة عريضة وواسعة، بل ومؤلمة في كثير من أحوالها، وثمرة أيضا لحوار واسع وطويل مع أطراف متعددة ودراسات جادة في أمهات الكتب، ونستطيع أن نوجز هذه الأبعاد في الآتي: تصدت المبادرة لإيقاف الصدام الدامي الذي عانينا منه جميعا أبناء هذا البلد منذ صيف سنة 1992، والذي مزق أوصاله وأشاع حالة من الفوضى والتناحر، وذلك لتحقيق الهدوء تمهيدا لحل المشكلات القائمة بين الدولة وبعض من أبنائها، وتحديد سبل العلاج التي تحمي المجتمع من تكرار ما حدث لتفوت الفرصة على أولئك الذين يذكون نار الفتن ليصعدوا على جماجمنا جميعا لتحقيق مصالح شخصية وآنية محدودة متجاهلين مصالح البلاد.
كما أثمرت المبادرة فرصة لتحقيق واجب شرعي هام شغلتنا الأحداث المتلاحقة عن تحقيقه وهو واجب المراجعة الشرعية ومحاسبة النفس حول مسار الجماعة في العقود السابقة بالبحث عن مواقع الإصابة وهي كثيرة لدعمها وتطويرها وكذا البحث عن نقاط الخلل لإصلاحها وعلاجها، فقد كان هناك من الخير الكثير في الدعوة والطاعات والسعي للأخذ بهذا الدين بالصدق والإخلاص، وكان هناك أيضا بعض الخلل هو الذي أثمر تلك المبادرة سعيا لإصلاحه من خلال الكتب الأربعة، وما تلاها من جولة في السجون وحوارات وبيانات وغيرها.
وطرحت المبادرة كثيرا من القضايا والمواقف وناقشت شرعيتها، فوجدت أشياء تحتاج لتوضيح لما ألصق بنا فيها من اتهامات نتيجة أخطاء حدثت من بعض أفراد الجماعة كانت تحتاج إلى تصويب وتصحيح.والمبادرة كانت استجابة لرؤية تستبصر الواقع من حولنا على الصعيد الداخلي في مصر وعلى الصعيد الخارجي في العالم، وما نلقاه جميعا من تحديات تواجه العالم العربي والإسلامي أفرادا وحكومات، وكان إنهاء العنف هو الاستجابة الوحيدة اللازمة لمواجهة هذه التحديات .

المطلب الثاني:
 جمـــاعـــة ا لتــــكــفــير وا لـــهـــجـــرة 
أرى لزاما علي وأنا اكتب صفحات عن التكفير والغلو والتطرف في مصر حامدا وشاكرا الله على وقف العنف فيها بهذه المراجعات السابقة أن أشير إلى جماعة تعتنق التكفير وتدعو إليه عبر مقالاتهم ومؤلفاتهم وكتاباهم في الصحافة وشبكات الإنترنت تحديدا وهي جماعة التكفير والهجرة التي تعد جماعة إسلامية نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية
 نشأة الجماعة 
نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر وبعد إطلاق سراح أفرادها تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات وخاصة بعد سنة 1965م وفي سنة 1967م دخلوا مع الدولة في صدمات ومنازعات فأعلنت كفرها وكفر نظامها بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم يكفرهم فهو كافر والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحاكم وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارها الشيخ على إسماعيل وهو أحد خريجي الأزهر ، وصاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول في الفترتين : (المكية والمدنية ) متأثرا في ذلك بأفكار الخوارج إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها وتاب إلى الله مما حصل منه .
فجاء بعده مصطفى شكري وهو من القادة الذين أيدوا هذا الفكر ودعموه بكل قوة ممكنة في عام 1971م ظهر بوضوح مجال تكوين الهيكل التنظيمي للجماعة ولذلك تمت مبايعة أميراً لهم وقائداً للجماعة كما سبق الذي بدوره عين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي في سبتمبر 1973م أمر أميرهم بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة أبي قرقاص بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض تطبيقاً لمفاهيمهم الفكرية حول الهجرة وفي 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة .
في 21 ابريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن الجماعة إلا أنها عاودت ممارسة نشاطها مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل ، حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة ، وإعادة تنظيم صفوفها ، وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل ، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة وقد هيأت الجماعة لأتباعها بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع،و أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته رغم أن أمير الجماعة كان مستبداً في قراراته إلا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعة عمياء بمقتضى عقد البيعة الذي أخذ عليهم في بداية انتسابهم للجماعة .
جوبهت الجماعة بقوة من قبل السلطات المصرية وبخاصة بعد مقتل الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق وبعد مواجهات شديدة بين أعضاء الجماعة والسلطات المصرية تم القبض على المئات من أفراد الجماعة وتقديمهم للمحاكمة في سنة 1977م

الأفكار والمعتقدات لجماعة التكفير والهجرة 
( التكفير ) ...
التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة .فهم يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل ، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك كما يكفرون كل من عضوا عليه فكرهم ولم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم ، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين .
( الهجرة ) ...
هي العنصر الثاني في فكر الجماعة ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقية ( برأيهم ) كما عاش الرسول  وصحابته الكرام في الفترة المكية ..
( الحجية )...
قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذين اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته .
( أمية الأمــة )...
دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث( نحن أمة أمية ... ) الحديث فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار وأن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة
( صلاة الجمعة والجماعة )...
قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعات بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد : المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً لغلآ إذا كان الإمام منهم

( طاعـة الأمـير )...
يزعمون أن أميرهم سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق على يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور للإسلام على جميع الأديان وأن زعماء الجماعة بلغوا درجة الإمامة والاجتهاد المطلق وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً
وبدارسة هذه الجماعة تاريخيا نجد أنها تحمل أفكارا غير هذه لكن تلك أبرزها ويتضح مما سبق أن هذه الجماعة هي جماعة غالية أحيت فكر التكفير ومفارقة الجماعة بسبب ضعف البصيرة بحقيقة الدين والاتجاه الظاهري في فهم النصوص والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة لدى بعض قادة هذه الحركة بالإضافة إلى أتباع المتشابهات وترك المحكمات وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة ومنهج أهل السنة والجماعة وقد انتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر وفي منطقة الصعيد على الخصوص ، ولها وجود في بعض الدول العربية مثل اليمن والأردن والجزائر وغيرها وقد استخدم بعض أفرادها شبكة الإنترنت لنشر هذه الأفكار المنحرفة والمبتدعة وقد رأينا الكثير من كتابات هؤلاء الأفراد في الكثير من المنتديات الإسلامية من تكفيرهم لبعض كتاب هذه المنتديات الذين يخالفونهم الرأي
ويردون على كتاباتهم وأباطيلهم بالأدلة أو بأقوال العلماء فلا حول ولا قوة إلا بالله ونسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يردهم إليه رداً جميلاً وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ومن أراد التوسع حول الموضوع فهذه مراجع مقترحة :
مراجع هامــة
1/ ذكرياتي مع جماعة المسلمين
(التكفير والهجرة)
عبد الرحمن أبو الخير
..........................................
2/ التكفير والهجرة وجهاً لوجه
رجب مختار مذكور
.........................................
3/ مناظرة الشيخ الألباني رحمه الله
مع جماعة التكفير بالأردن (( كاسيت ))
.............................................................
4/ مكالمة هاتفية مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
مع جماعة التكفير بالجزائر ( كاسيت )

المطلب الثالث :
( تجربة الجزائر )
تحدث مشايخ المراجعات السعودية عن تجربة الجزائروالعنف المسلح ودور علماء المملكة خاصة في تخفيفها وتجفيف منابعها وجدير بنا أن نتوقف مع هذه التجربة المسلحة وكيف لها أن توقفت وما الأسباب التي أدت إلى علاجها وإلقاء السلاح هناك
نظرة تاريخية للعنف
في التسعينات شهدت دولة الجزائر وشعبها المسلم العنف في أسوء المشاهد والأحداث الدموية التي لن ينسها التأريخ الحديث فباستعراض سريع وعاجل نجد أن العنف في الجزائر قسمين قسم يُقاتل الشعبَ كله، لا يفرق بين حاكم ومحكوم، وهم غلاة التكفير من الجماعة التي تحدثنا عنها قبل قليل المسماة بجماعة التكفير والهجرة الذين وصل آذاهم للجزائر في أبشع اعتداء تمثل في انتهاك أعراض النساء وقَتْل الشيوخ والعجَزة وذبح الصبيان، وتقطيع أعضاء آبائهم بالفؤوس وهم ينظرون، وتحريق العائلة بأسرِها مأسورة في سيارتها إلى غير ذلك من المشاهد المحزنة المؤسفة بحجة أنهم كفار أو ذوي كفار وقسم آخر يزعم أن عملهم شرعي ونظيف؛ لأنَّه يقتصر على رجال الدولة و الأمن وهؤلاء جميعاً هم جماعات تكفير؛ لأنّهم لم يستبيحوا قتال مَن ذكرتُ إلا بعد الحكم بتكفيرهم , وتكفييرُهم لهؤلاء لا برهان عليه من الله، ولا اتَّبعوا فيه أهل العلم الراسخين حتى أنهم داهموا في إحدى المرات أنفسا مسلمة من الجيش والشرطة وهي آمنة في مراكزها ؟! فضلا عمن أعمل السيف والفأس في إزهاق أرواح مسلمة في رمضان وهم يُؤدُّون صلاة التراويح ؟!
مراحل العنف في الجزائر
لقد مر العنف والتطرف بالجزائر بخمسة مراحل هي :
1/ التَّهيِّيج السياسي على المنابر باسم التَّوعية الإسلامية
2/ التعبئة الجماهيرية باسم المحافظة على الهوية الإسلامية
3/ الخروج على الحُكام باسم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
4/ التكفِير المسلمين باسمِ الولاءِ والبراء
5/ التفجيرات العشوائيّة والـمجازر الجماعية باسم الجهاد
قال الشيخ : عبد الملك بن أحمد رمضاني الجزائري
وزاد الأمر سؤ وإنني لأتعجب كل العجب من قوم يُباركون الفتنة القائمة في وطننا العزيز: الجزائر! ويا لله العجب! أعراضٌ تُنهك! ودماءٌ تُسفك! وأموالٌ تُبدّد! ودين يُهدَّد! ويأتي مَن أغمض عينيه عن هذا كله، وركب من الجهل كل مركب، ويقول: لِماذا لا تنصرون إخوانَكم ؟!وما هي إلاَّ ديار المسلمين! تركوا حبلها في اضطراب، وأبناءها في احتراب!ولو كان هذا من كافر واضح لزال العجب، فالعدوُ الخارجي لا يألونا خبالا، ولا يدخر عنَّا وبالا، تلك سنةٌ معلومة.إلا أنَّ المقلِق حقيقة قابليَّة المسلمين للتآكلِ الدَّاخليِّ، حتى كانت كوَخْزِ الإبَر في المضاجع !
ثم لا غنى لسائرِ الأقطار الإسلاميةِ عن هذه الرسالة؛ لأن البلاء واحد، والمسلمون لحمة واحدة. وإنني مُذكر من كان له قلب أو ألقى السمعَ وهو شهيد
أنَّ الحلول المقترحة اليوم لا تكاد تخرج عن إحدى ثلاث:
حلٌّ سياسي.
حلٌّ دعوي.
حلٌّ دموي.
وخيرها الحَل الدعوي، فهو الذي ندعو المسلمين اليوم إلى التركيز عليه، وقد اتَّحدَت كلمةُ الجزائر وأهلها بفتاوى سماحة الشيخ مفتي الأنام عبد العزيز بن باز رحمه الله الذي كان له وللشيخ محمد العثيمين والألباني رحمهم الله اليد الطولى بعد الله في وقف الدماء وانتهاك الأعراض وهدر الأموال

جاء في جريدة الصحافة العدد 112 بتاريخ 2 جمادى الثانية 1420الموافق 12 /9/ 1999م ص 3
شهادة من الضابط الشرعي لـ (( كتيبة الموت )) بالمنطقة الغربية ونصُّها:( يُثير المدعو عبد الحميد قضيةَ اقتناعهم بالتوبة، مشيراً إلى خطابات رئيس الجمهورية التي استمعوا إليها بشَغَف كما يقول، وقد فَهِمنا منها وجود ضمانات للتسليم لكن الاقتناع في حدِّ ذاته من خطابات الرئيس لم يكن ليتجاوز 40 بالمائة في كلِّ الأحوال، يضيف الضابط للجماعة مؤكِّداً أنَّ الوسيلةَ الوحيدةَ للاقتناع بالتوبة والتسليم تبقى للرسائل والفتاوى لأشهر علماء السلفية وعلى رأسهم ابن باز والعثيمين وناصر الدين الألباني )
أولا / فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
الجماعة الإسلامية المسلّحة بالجزائر قَولَتْكم أنَّكم تؤيّدون ما تقوم به من اغتيالات للشرطة وحمل السّلاح عموماً، هل هذاصحيح وما حكم فعلهم مع ذكر ما أمكن من الأدلّة جزاكم الله خيرا ؟
الجواب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلّى الله وسلّم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد نصحنا إخواننا جميعاً في كل مكان ـ أعني الدّعاة ـ نصحناهم أن يكونوا على علم وعلى بصيرة وأن ينصحوا الناس بالعبارات الحسنة والأسلوب الحسن والموعظة الحسنة وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، عملا بقول الله سبحانه: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ
وقوله سبحانه:  ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم
فالله جلّ وعلا أمر العباد بالدعوة إلى الله وأرشدهم إلى الطريقة الحكيمة ، وهي الدعوة إلى الله بالحكمة يعني بالعلم: قال الله, قال رسوله، وبالموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، عند الشّبهة يحصل الجدال بالتي هي أحسن والأسلوب الحسن حتى تزول الشّبهة.
وإن كان أحد من الدّعاة في الجزائر قال عنّي: قلت لهم: يغتالون الشّرطة أو يستعملون السّلاح في الدعوة إلى الله هذا غلط ليس بصحيح بل هو كذب
إنَّما تكون الدعوة بالأسلوب الحسن: قال الله، قال رسوله، بالتّذكير والوعظ والتّرغيب والتّرهيب، هكذا الدعوة إلى الله كما كان النبي  وأصحابه في مكّة المكرمة قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يَدْعُون الناس بالسّلاح، يدعون الناس بالآيات القرآنية والكلام الطيّب والأسلوب الحسن؛ لأنَّ هذا أقرب إلى الصّلاح وأقرب إلى قبول الحق.
أمَّا الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس هذا من سنّة النبي  ولا من سنّة أصحابه، لكن لَمَّا ولاَّه الله المدينة وانتقل إليها مهاجراً كان السّلطان له في المدينة وشرع الله الجهاد وإقامة الحدود، جاهد عليه الصلاة والسلام المشركين وأقام الحدود بعد ما أمر الله بذلك.
فالدّعاة إلى الله عليهم أن يَدْعُوا إلى الله بالأسلوب الحسن: بالآيات القرآنية والأحاديث النّبوية، وإذ لم تُجدِ الدعوة رفعوا الأمر للسّلطان ونصحوا للسّلطان حتى ينفّذ، السّلطان هو الذي ينفّذ، يرفعون الأمر إليه فينصحونه بأنّ الواجب كذا والواجب كذا حتى يحصل التّعاون بين العلماء وبين الرؤساء من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريّات، الدّعاة يرفعون الأمر إليهم في الأشياء التي تحتاج إلى فعل: إلى سجن، إلى قتل، إلى إقامة حدّ، وينصحون ولاة الأمور ويوجّهونهم إلى الخير بالأسلوب الحسن والكلام الطيّب، ولهذا قال جلّ وعلا: ولاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ إلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم
فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيرهم فعلى وليّ الأمر أن يعامله بما يستحق، أما الدّعاة إلى الله فعليهم بالرّفق والحكمة لقول النبي : ( إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزَع من شيء إلا شانه )) ويقول عليه الصلاة والسلام: (( مَن يُحْرَم الرّفق يحرم الخير كله )
فعليهم أن يَعِظوا الناس ويذكّروهم بالعذاب والأحاديث ومن كان عنده شبهة يجادلونه بالتي هي أحسن: الآية معناها كذا الحديث معناه كذا، قال الله كذا، قال رسوله كذا، حتى تزول الشّبهة وحتى يظهر الحق.
هذا هو الواجب على إخواننا في الجزائر وفي غير الجزائر فالواجب عليهم أن يسلكوا مسلك الرسول  حين كان في مكّة والصّحابة كذلك، بالكلام الطيّب والأسلوب الحسن؛ لأنّ السلطان ليس لهم الآن لغيرهم، وعليهم أن ينصحوا السلطان والمسئولين بالحكمة والكلام الطيب والزّيارات بالنيّة الطيبة حتى يتعاونوا على إقامة أمر الله في أرض الله، وحتى يتعاون الجميع في ردع المجرم وإقامة الحق.
فالأمراء والرّؤساء عليهم التّنفيذ، والعلماء والدّعاة إلى الله عليهم النصيحة والبلاغ والبيان. نسأل الله للجميع الهداية .
السؤال الثاني :
قامت الجماعة الإسلامية المسلّحة بتهديد أئمّة وزارة الشّئون الدينيّة بالجزائر، الذين لا يصرّحون بسبّ الحكّام على المنابر؛ إمّا توقيف صلاة الجماعة والجمعة وإمّا القتل بحجّة أنّه موظّف لدى الطّواغيت، وقد نفّذوا القتل في مجموعة من الأئمّة الذين لم يستجيبوا لهم كما تعطّلت صلاة الجماعة في بعض المدن فما حكم هذا الفعل؟
الجواب: ما يصلح هذا! هذا أيضا غلط، هذا ما يصلح! الواجب على الدّعاة أن ينصحوا الناس بالكلام الطيب ينصحوا الخطباء وينصحوا الأئمّة حتى يستعملوا ما شرع الله.
أمَّا سبّ الأمراء على المنابر فليس من العلاج، فالعلاج الدّعاء لهم بالهداية والتّوفيق وصلاح النّيّة والعمل وصلاح البطانة، هذا هو العلاج، سبّهم ليس من المصلحة، ولكن يُدعَى لهم بالهداية والتّوفيق والصّلاح حتى يقيموا أمر الله في أرض الله وأنّ الله يصلح لهم البطانة أو يبدلهم بخير منهم إذا أبوا، أن يصلحهم أو يبدلهم بخير منهم، أما سبّهم ولعنهم أو سب الشّرطة أو لعنهم أو ضربهم أو ضرب الخطباء كل هذا ليس من الإسلام
الواجب النصيحة والبلاغ والبيان قال الله جلّ وعلا: هذا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ فالقرآن بلاغ والسنة بلاغ ، قال جلّ وعلا:  وأُوحِيَ إليّ هذا القرءانُ لأُنْذِرَكم به ومَن بَلَغ 
قال جلّ وعلا:  وأَنذِرِ الناّسَ وقل جلا وعلا إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
فالعلماء هم خلفاء الرّسل، ينذرون الناس ويحذّرونهم من عقاب الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله، ويأمرونهم بتقوى الله، ويحذّرونهم من معاصي الله، وينصحون ولاة الأمور من الأمراء وغيرهم ينصحونهم، يوجّهونهم إلى الخير ويَدْعُون لهم بالهداية؛ لأنّ هذا أقرب إلى النّجاح وأقرب إلى الخير حتى تنتشر الدعوة، وحتى يتفقّه الناس في الدين، وحتى يعلموا أحكام الله.
أما إذا عُوملوا بالضّرب أو بالوعيد للخطباء وغيرهم كان هذا من أسباب ظهور الشّرّ وكثرة الشّرِّ وقلَّة الخير. لا حول ولا قوّة إلا بالله.
نعم ؟؟
السؤال الثّالث
قامت هذه الجماعة بقتل بعض النساء اللاّئي أبين ارتداء الحجاب، فهل يسوغ لهم هذا؟
الجواب: هذا أيضا غلط، لا يسوغ لهم هذا، الواجب النصيحة للنّساء حتى يحتجبن، والنصيحة لمن ترك الصلاة حتى يصلّي والنصيحة لمن يأكل الرّبا حتى يدع الرّبا، والنصيحة لِمَن يتعاطى الزنا حتى يَدَع الزنا، والنصيحة لمن يتعاطى شرب الخمر حتى يدع شرب الخمر، كلٌّ يُنصح، ينصحون: قال الله وقال رسوله: بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية، ويحذّرونهم من غضب الله ومن عذاب يوم القيامة.
أما الضّرب أو القتل أو غير ذلك من أنواع الأذى فلا يصلح للدّعاة، هذا ينفّر من الدعوة، ولكن على الدّعاة أن يتحلّوا بالحلم والصبر والتّحمّل والكلام الطيب في المساجد وفي غيرها حتى يكثر أهل الخير ويقلّ أهل الشّرّ، حتى ينتفع الناس بالدعوة ويستجيبوا
السؤال الأخير
يا شيخ! سؤال أخير بارك الله فيكم لعلّ بعض الإخوة مِمَّن يَميل إلى السلفية ويحبّ العلماء يصغي إلى كلام العلماء، فماذا تنصحون من تورّط في هذه الاغتيالات أو شيء من هذا يا شيخ؟
الجواب: أنصحهم بالتوبة إلى الله وأن يلتزموا الطريقة التي سار عليها السّلف الصّالِح بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، الله يقول: ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إلى اللهِ وعَمِلَ صَالِحاً
فلا يوَرّطون أنفسهم في أعمال تسبّب التّضييق على الدعوة وإيذاء الدّعاة وقلّة العلم لكن إذا كانت الدعوة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن كثر الدّعاة وانتفع الناس بهم، وسمعوا كلامهم واستفادوا منهم وحصل في المساجد وفي غير المساجد الحلقات العلميّة والمواعظ الكثيرة حتى ينتفع النّاس.
الله يهدي الجميع، نسأل الله للجميع الهداية والتّوفيق )) اهـ

نصيحة الشيخ ابن عثيمين إلى الجماعات المسلحة بالجزائر
من محمد الصالح العثيمين إلى إخواني في الجزائر الذين ما زالوا يحملون السلاح في الجبال والرِّمال وفَّقهم الله لِما فيه الخير والصلاح. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد: فإنَّ الواجب عليَّ أن أُبدي النصيحة لكم؛ لأنَّ ذلك من الدِّين كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم أنَّ: الدِّين النصيحة: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم فنصيحتي لكم أن تُلقوا السِّلاحَ وتحملوا السلام، وتُجيبوا ما دعت إليه الحكومة من المصالحة والسلام، ثمَّ يجري بين الجميع التفاهم وتحكيم الكتاب والسنة، وهذا سيكون فيه خيرٌ كثيرٌ، والخلاص من الفتن والقتال وهذا أعني وضع السلاح وحمل السلام واجب على الجميع. فالله الله أيُّها الإخوة بالمبادرة إلى المصالحة والتفاهم!وأسأل الله لنا ولكم التوفيق وأن يجعلنا من دعاة الخير وأنصار الحقِّ، إنَّه جوادٌ كريم
وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
كتبه الفقير إلى الله تعالى محمد بن صالح العثيمين .في مكة المكرمة يوم الأربعاء السادس عشر من ذي الحجة عام (1420هـ).
مكالمة مباشرة من ثوار الجزائر برؤوس الجبال
مع العلامة محمد بن عثيمين
بتاريخ: 1 رمضان 1420هـ
 الجزء الأول 
بعد أن اتَّصل أحدُهم بالشيخ بادره الشيخُ بهذا السؤال:
(( الإخوان الذين عندك عددهم كبير أو قليل؟
قال السائل مُعرِضاً عن الجواب: نحن ـ يعني ـ أوَّلاً: نُعلمكم أنَّ الذي يُخاطبكم الآن هم إخوانك المقاتلون، وبالضبط المقاتلون من (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، ونحن طبعاً سننقل كلامَكم ـ إن شاء الله عزَّ وجلَّ ـ إلى جميع إخواننا المقاتلين في هذه الجماعة وغيرها أيضاً.وذلك بعد أن بلغنا نداؤكم ونصيحتكم المؤرَّخة بتاريخ 13 من شهر صفر من العام الحالي
والجدير بالذِّكر أنَّ نداءَكم ذلك لم يصل إلينا إلاَّ منذ شهر ونصف، وهناك من الإخوة من لم يصلهم حتى الآن هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنَّ الكثير من الإخوة مِمَّن بلغَتْهم نصيحتكم وقعت لهم شبهةٌ حالت دون الاستجابة لِماَ دعوتم إليه، فكان لابدَّ إذاً من إجراء هذا الحوار الجديد مع فضيلتكم أملاً أن نتمكَّن من خلاله من الإجابة على جميع التساؤلات المطروحة، وإزاحة جميع الشُّبه، وبيان الحقِّ البواح؛ حتى نصبح على مثل المحجَّة البيضاء، لا يزيغ عنها إلاَّ هالك. وعلى هذا الأساس، فإنَّنا نلتمس من سماحتكم حفظكم الله إعطاءنا أكبر قدر من وقتكم، وأن تُسهِبوا في الشرح والبيان لأنَّه لا يخفى عليكم ـ يا شيخنا! ـ أنَّ الإخوة عندنا قد رسَّخَتْ فيهم سنواتُ القتال أفكاراً وعقائد ليس من السهل ـ يا شيخ! ـ ولا من البسيط التخلِّي عنها واعتقاد بطلانها، إلاَّ ببيان شافٍ منكم، وذلك لِمَا لكم في قلوب الإخوة عندنا من عظيم المنزلة ووافر التقدير والإجلال والاحترام؛ لأنَّنا نعتقد أنَّكم من أعلام أهل السنة والجماعة في هذا العصر.
وإليكم الآن الشبه المطروحة ـ يعني ـ عندنا.
الشيخ دعنِي أتكلَّم قليلاً، ثمَّ قال:
الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد، فإنَّني من عنيزة القصيم ـ المملكة العربية السعودية ـ وفي أول يوم من رمضان عام عشرين وأربعمائة وألف، أتحدَّث إلى إخواني في الجزائر، وأنا محبُّهم محمد بن صالح آل عثيمين.
أقول لهم: إنَّ النبيَّ  قرَّر في حجَّة الوداع تحريمَ دمائنا وأموالنا وأعراضنا تقريراً واضحاً جليًّا بعد أن سأل أصحابه عن هذا اليوم، والشهر، والبلد، وقال:( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ )
فهذا أمرٌ مجمعٌ عليه، لا يختلف فيه اثنان، والإخوة الذين قاتلوا
في الجزائر منذ سنوات قد يكون لهم شبهة ففي أوَّل الأمر، حينما
اتَّجه الشعب الجزائري إلى جبهة الإنقاذ، وعَلَت أصواتهم لصالح الجبهة، ولكن هذه الجبهة حتى سيطر غيرُها، ولا شكَّ أنَّ هذا مؤسفٌ، وأنَّ الواجب أتباع الأكثر الذي وافق ما ينبغي أن تكون عليه الأمة الجزائرية، من قول الحقِّ وأتباع الحقِّ.
ولكن هذا لا يقتضي ولا يسوِّغ حمل الإخوة السلاحَ بعضُهم على بعض، وكان الواجب عليهم من أول الأمر أن يمشوا ويُكثِّفوا الدعوة إلى تحكيم الكتاب والسنة، وفي الجولة الأخرى تكون أصواتهم ويكون وزنُهم في الشعب الجزائري أكبر، ولكن نقول: قَدَر الله وما شاء فعل؛ لو أراد الله أن يكون ما ذكرتُ لكان.
والآن، أرى أنَّه يجب على الإخوة أن يَدَعوا هذا القتال، لا سيما وأنَّ الحكومة الجزائرية عرضت هذا، وأمَّنت من يَضَع السلاح فلم يبق عذرٌ. والجزائر الآن تحمل الويلات بعد الويلات مِمَّا كانت عليه، وكنَّا قد تفاءلنا خيراً، حينما تولَّى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهدأت الأمور بعض الشيء.
لكنَّنا ـ مع الأسف ـ سمعنا أنَّه حصل بعضُ العنف في هذه الأيام القريبة، وهو مِمَّا يُؤسف له أن يعود العنفُ إلى الجزائر المسلمة ... شهر رمضان المبارك.
والذي يجب على المسلمين أن يجمعوا كلمتَهم على الحقِّ، في رمضان وفي غيره، لكن في رمضان أوكد فنصيحتي لإخوتنا المقاتلين ..
ثم قاطعه السائل قائلاً: ... أحيطكم به علماً ـ يعني ـ حتى يخرج جوابكم موافقاً أو نافعاً للإخوة، يعني كأنَّكم تعتقدون أو تظنون أنَّ الذي يخاطبكم الآن هم أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ يا شيخ! الآن الساحة القتالية الجزائرية تضمُّ ثلاث فصائل:
ـ أتباع (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) الذين خرجوا من أجل الانتخابات، وهلمَّ جرًّا تلك الأمور.
ـ وهناك (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، التي نكلِّمكم باسمها، ونحن من أعضائها، هذه ـ يا شيخ ـ ليس لها علاقة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، وليس لها علاقة بالتحزُّب، وليس لها علاقة بالانتخاب، إنَّما خرجت بناء على اعتقادها كفر هذا الحاكم، وجواز الخروج عليه.
ـ وهناك طائفة ثالثة ـ يا شيخ ـ (الهجرة والتكفير)، هذه التي لا زالت تمارس العنف، ولا تستمع إلى العلماء، أمَّا نحن المقاتلون في (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) فكما أسلفتُ لك منذ قليل نحبُّ العلماء ونجلُّهم، خصوصاً علماء أهل السنة والجماعة كأمثالكم،ونأخذ بأقوالهم غير أنَّه كما ذكرتُ لك ـ هناك بعض التساؤلات والشُّبَه حالت دون أن يُتلقَّى كلامُكم بالقبول التامِّ.
الشيخ فهمتُ من كلامِك الآن أنَّكم ثلاثة أقسام: جبهة الإنقاذ الجماعة السلفية، والجماعة التكفيرية، هكذا؟
السائل أي نعم، جيِّد يا شيخ!
الشيخ أمَّا جبهة الإنقاذ، فأظنُّها أنَّها وافقت المصالحة؟
السائل أي نعم، هم الآن في هُدنة يا شيخ!
الشيخ أما الجماعة السلفية فأرى أن يُوافقوا؛ لأنَّه مهما كان الأمر، الخروج على الحاكم ـ ولو كان كفرُه صريحاً مثل الشمس ـ له شروط، فمِن الشروط: ألاَّ يترتَّب على ذلك ضررٌ أكبر، بأن يكون مع الذين خرجوا عليه قدرة على إزالته بدون سفك دماء، أما إذا كان لا يمكن بدون سفك دماء، فلا يجوز؛ لأنَّ هذا الحاكمَ ـ الذي يحكم بما يقتضي كفره ـ له أنصار وأعوان لن يَدَعوه.
ثمَّ ما هو ميزان الكفر؟ هل هو الميزان المزاجي ـ يعني ـ الذي يوافق مزاج الإنسان لا يكفر، والذي لا يوافقه يكفر؟! من قال هذا؟!
الكفر لا يكون إلاَّ من عند الله ومن عند رسوله، ثمَّ إنَّ له شروطاً، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم لَمَّا تحدَّث عن أئمَّة الجَوْر ـ وقيل له: أفلا ننابذهم ـ قال: ( لا، إلاَّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )
وأين هذا ؟ كثيرٌ من الإخوة ولا سيما الشباب ، الكفر عندهم عاطفي، مزاجي، ليس مبنيًّا على شريعة، ولا صدر عن معرفة بشروط التكفير، لهذا نشير إلى إخواننا في الجزائر أن يضعوا السِّلاحَ، وأن يدخلوا في الأمان، وأن يُصلحوا بقدر المستطاع بدون إراقة دماء، هذا هو الذي يجب علينا أن نناصحهم به ومن وُجِّهت إليه النصيحة، فالواجب عليه على الأقل أن يتأنَّى وينظر في هذه النصيحة، لا أن يردَّها بانزعاج واستكبار وعناد، نسأل الله تعالى أن يُطفئ الفتنة، وأن يزيل الغُمَّة عن إخواننا في الجزائر.
السائل هم الإخوة عندنا يعتمدون في الحكم بكفر حاكمهم لكن بعد ناديتموهم بوضع السلاح مع اعتقادهم كفر حاكمهم شقَّ ذلك عليهم كثيراً وكبُر عليهم كثيراً وضع السلاح والعودة تحت حكم من يعتقدون كفرَه ـ يعني ـ هذه معضلة كيف حلُّها يا شيخ؟
الشيخ والله ليست معضلة؛ أوَّلاً: ننظر هل هناك دليل على كفر هذا الحاكم، والنظر هنا من وجهين:
الوجه الأول الدليل على أنَّ هذا الشيءَ كفرٌ.
الوجه الثاني تحقق الكفر في حقِّ هذا الفاعل؛ لأنَّ الكلمة قد تكون كفراً صريحاً، ولكن لا يكفر القائل، ولا يخفى علينا جميعاً قول الله عزَّ وجلَّ: مَن كَفَرَ مِن بَعْدِ إِيـمَانِه إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإِيمَانِ وَلَكِن مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
رفع الله عزَّ وجلَّ حكم الكفر عن المكره وإن نطق به.
ولقد أخبر النبيُّ  أنَّ الربَّ عزَّ وجلَّ أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجل فَقَدَ راحلتَه، وعليها طعامه وشرابُه، فلمَّا أَيِس منها اضطجع تحت شجرة، فبينما هو كذلك إذا بناقته حضرت،فأخذ بزمامها وقال: اللَّهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك، قال النبيُّ  :
( أخطأ من شدَّة الفرح )
وكذلك الرجل الذي كان ... وقال: ( لئن قدر الله عليَّ ليعذِّبنِّي عذاباً ما يعذِّبه أحداً من العالمين، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه في اليمِّ، فجمعه الله وسأله؟ فقال: فعلتُ ذلك خوفاً منك يا ربِّ ) ، ولم يكفر.
الحاكم قد يكون عنده حاشية تُرقِّقُ له الأمور العظيمة وتسهِّلها عليه، وتُزيِّنها في نفسه، فيمضي فيما يعتقد أنَّه حلال، ولكنه ليس بكفر، ولا أظنُّ أحداً من الجزائريِّين يقول: نعم! أنا أعلم أنَّ هذا حكم الله ولكنِّي أخالفه، ما أظنُّ أحداً يقول ذلك عن عقيدة، فإن كان قد يقوله في باب المناظرة، لكن عن عقيدة لا يمكن فيما أظن؛ لأنَّ شعبَ الجزائر شعبٌ مسلم، وهو الذي أخرج الفرنسيِّين عن إكراه من أرضه، فالواجب على هؤلاء أن ينظروا في أمرهم، وأن يُلقوا السلاح، وأن يصطلحوا مع أمَّتهم، وأن يبثوا الدعوة إلى الله بتيسير ... لا بعنف، نعم!
السائل شيخنا حفظكم الله هل يستلزم يعني لو فرضنا كفر الحاكم هل يستلزم الخروج عليه بدون شروط يعني ؟
الشيخ لا! لا بدَّ من شروط، ذكرتها آنفاً.
السائل أي نعم!
الشيخ لو فُرض أنَّه كافر مثل الشمس في رابعة النهار، فلا يجوز الخروجُ عليه إذا كان يستلزم إراقة الدِّماء، واستحلال الأموال.
السائل الآن بعض الإخوة عندنا مثلاً يقولون إنَّهم ما داموا خرجوا وحملوا السلاح وخاضوا هذه الحرب مع هذا النظام، هم اليوم وإن اعتقدوا أنَّ ما هم فيه ليس بجهاد؛ لأنَّهم كما ذكرتم لم يَستَوفوا الشروط، لكن رغم ذلك يسألون: هل يمكنهم رغم ذلك المواصلة وإن أيقنوا الفناءَ والهلاك، أم يُهاجرون، أم ماذا؟
الشيخ والله! لا يجوز لهم، والله! لا يجوز لهم المضيُّ فيما هم عليه من الحرب الآن؛ إذ أنَّها حرب عقيم ليس لها فائدة ولا تولِّد إلاَّ الشرَّ والشَّرَر.
السائل أي نعم، شيخنا هم يعني إذاً أنتم لا تعتقدون كفر حاكم الجزائر يعني، فترون ذلك؟
الشيخ لا نرى أنَّ أحداً كافر إلاَّ مَن كفَّره الله ورسوله وصدقت عليه شروط التكفير، من أي بلد، ومن أي إنسان، الكفر ليس بأيدينا، وليس إلينا، بل هو إلى الله ورسوله، إنَّ الرَّجلَ إذا كفَّر أخاه وليس بكافر عاد الأمر إليه: المكفِّر، وكفر إلاَّ أن يتوب.
السائل شيخنا! بعض الإخوة عندنا بعد أن سلَّموا بأنَّ هذا ليس بجهاد على وفق ما ذكرتم يعني لم يثقوا في الحكومة يعني نسبيًّا فيسألون هل يجوز لهم المكث في الجبال دون الرجوع إلى الحياة المدنية بدون قتال يعني يبقون بأسلحتهم في الجبال ويتوقَّفون عن القتال، لكن لا يرجعون إلى الحياة المدنية؟
الشيخ أقول: إنَّهم لن يبقوا على هذه الحال، مهما كان الحال، ولا بدَّ أن تحرِّكهم نفوسُهم في يوم من الأيام حتى ينقضُّوا على أهل القرى والمدن؛ فالإنسانُ مدنيٌّ بالطبع.
يبقى في رؤوس الجبال وفي تلالها وشعابها، ومعه السلاح؟!
في يوم من الأيام لا بدَّ أن تُهيِّجهم النفوسُ حتى يكونوا قطَّاعَ طرق!
السائل إذاً لا يجوز لهم المكث على هذه الحال؟
الشيخ هذا ما أراه، أرى أن ينزلوا للمدن والقرى ولأهاليهم وذويهم وأصحابهم.
السائل يعني الآن ما يجب على كلِّ في حالةِ إذا لم تستجب القيادة لندائكم هذا، إذا لم تستجب إذا لم يستجب رؤوس المقاتلين لندائكم هذا، ما واجب كل مقاتل في حقِّ نفسه؟
الشيخ الواجب وضع السلاح، وأن لا يطيعوا أمراءَهم إذا أمروهم بمعصية ؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
السائل شيخنا! هل يجوز أو هل يمكن يعني هل يجوز مخالفة ندائكم هذا من أجل فتاوى لبعض الدعاة ؟
الشيخ هذا يرجع إلى الإنسان نفسه، إن اعتقد أنَّ ما يقوله أولئك القوم الذين يَدْعون إلى الاستمرار، هو الحق لا يلزمهم الرجوع، ولكن يجب أن يتأمَّل الإنسان ويتدبَّر وينظر ما النتيجة في الاستمرار، كم للشعب الجزائري من سَنَةٍ، وهو يرقب الويلات بعد الويلات ولم يستفد شيئاً؟!
السائل الملاحظة أنَّ هؤلاء الدعاة الذين ذكرتهم يعني دعاة غير معروفون من أمثالهم أبو قتادة الفلسطيني الماكث في بريطانيا، هل تعرفونه يا شيخنا؟
الشيخ لا نعرفه.
السائل تعرفونه؟!
الشيخ لا!
السائل أبو مصعب السوري، ما تعرفونه ؟
الشيخ كلٌّ لا نعرفه، لكني أقول لك، إنَّ بعضَ الناس ولا أخصُّ هذا ولا هذا؛ إذا رأى الشباب اجتمعوا حوله، انفرد بما يُذكرُ به، كما يقول القائل: خالِف تُذكر، نعم!
السائل شيخنا! هناك أحدهم يُسمى أبا حنيفة الأريتيري، يدَّعي أنَّه تلميذكم،ويَدَّعي أنَّ الاتصالَ بكم أمرٌ صعب،والإخوة المقاتلين يعتقدون أنَّ الاتصال بكم بين الاستحالة والصعوبة، بناءً على كلام هذا الإنسان، هل هذا صحيح؟
الشيخ: غير صحيح، أبداً كلُّ الناس يأتون ويتصلون بنا، ونحن نمشي والحمد لله من المسجد إلى البيت، في خلال عشر دقائق في الطريق، وكل يأتي ويمشي، والدروس والحمد لله مستمرة ونقول ما شئنا مِمَّا نعتقده أنَّه الحق.
السائل هذا أبو حنيفة هل تعرفونه، أبو حنيفة الأريتيري هذا؟
الشيخ والله! أنا لا أعرفه الآن، لكن ربَّما لو رأيته لعرفته، لكن كلامه الذي قاله كذب، لا أساس له من الصحة ...
وبعد حوار بينهم وبين الشيخ حول الذين قُتلوا، وحول تأجيل هذه المكالمة.
قال الشيخ والله! لو أجَّلتمونا إلى ما بعد رمضان إذا أمكن؟
السائل يا شيخ! مستحيل؛ القضية جِدُّ شائكة كما ترى، وقضية دماء، وقضية أمة يا شيخ!
الشيخ إذاً غداً ...
ثمَّ تقدَّم سائلٌ آخر فقال: يا شيخ! لو تعطينا الآن خمس دقائق لسؤال أخير؟
الشيخ طيِّب!
السائل إخواننا من الجماعة السلفية للدعوة والقتال يُحبُّونكم، وينظرون إليكم على أنَّكم من علمائنا الذين يَجب أن نسير وراءكم، لكن ..
الشيخ جزاهم الله خيراً.
السائل لكن هناك أسئلة تدور في رؤوسهم، ومن بين هذه الأسئلة يقولون: أنَّنا إذا نقلنا إلى الشيخ عن طريق أشرطة مصورة وبيَّنا له فيها قتالنا أنَّنا لا نقتل الصبيان، ولا نقتل الشيوخ، ولا نفجِّر في المدن، بل نقتل من يُقاتلنا من هؤلاء الذين لا يُحكِّمون كتاب الله عزَّ وجلَّ فينا، فإنَّ الشيخ يعني بعد أن يعرف بأنَّ عقيدتنا سليمة، وأنَّ منهجنا سليماً وأنَّ قتالنا سليم، فإنَّ فتواه ستتغيَّر، ما قولكم في هذا بارك الله فيكم و جزاكم الله خيراً؟
الشيخ لا! قولي: إنَّ الفتوى لا تتغيَّر ـ مهما كانت نيَّة المقاتل فإنَّها لا تتغيَّر؛ لأنَّه يترتَّب على هذا أمور عظيمة، قتل نفوس بريئة، استحلال أموال، فوضى!
السائل شيخنا! حفظك الله، إذا كان في صعودنا إلى الجبال اعتمدنا على فتاوى، وإن كانت كما قال الأخ ظهر خطؤها ولو كانت من عند أهل العلم، وبعض فتاوى بعض الدعاة ظنًّا منَّا أنَّ ذلك حجة في القتال، فصعدنا إلى الجبال وقاتلنا سنين، يعني فما دور المجتمع الآن في معاملتنا؟ هل يعاملنا كمجرمين، أم أنَّنا كمجاهدين أخطأنا في هذه الطريق؟
الشيخ أنت تعرف أنَّ جميع المجتمعات لا تتفق على رأي واحد، فيكون الناس نحوكم على ثلاثة أقسام:
ـ قسم يكره هؤلاء ويقول: إنَّهم جلبوا الدَّمار وأزهقوا الأرواح وأتلفوا الأموال، ولن يرضى إلاَّ بعد مدَّة طويلة.
ـ وقسم آخر راضٍ يُشجِّع، وربَّما يلومهم إذا وضعوا السلاح!
ـ القسم الثالث: ساكت، يقول: هؤلاء تأوَّلوا وأخطئوا، وإذا رجعوا فالرجوع إلى الحقِّ فضيلة.
السائل شيخنا! حفظك الله، نريد كلمة توجيهية إلى الطرفين أقصد إلى الإخوة الذين سينزلون إلى الحياة المدنية وإلى المجتمع يعني: كيف نتعامل الآن؟ وأن ينسوا الأحقاد، نريد نصيحة في هذا الباب حفظكم الله؟
الشيخ بارك الله فيكم، أقول: إنَّ الواجب أن يكون المؤمنون إخوة، وأنَّه إذا زالت أسباب الخلاف وأسباب العداوة والبغضاء فلنترك الكراهية، ولنرجع إلى ما يجب أن نكون عليه من المحبة والائتلاف، كما قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ
نسأل الله التوفيق والسداد، وهل أنتم على عزم أن تتصلوا غداً أم لا ؟ أما الآن فنقطع، وما يمكن أن نزيد ...
وعند الموعد قال السائل: المهم ـ يعني ـ أهم حاجة أن التركيز على ما يمكن أن يؤثِّر على الإخوة عندنا ـ يعني ـ المقاتلين حتى يرجعوا إلى الحقِّ.
الشيخ طيِّب! توكَّل على الله.
 الجزء الثاني 
السائل إن شاء الله، أهمّ قضية يا شيخ ادعاؤهم أنَّكم لا تعلمون واقعنا في الجزائر، وأنَّ العلماء لا يعرفون الواقع في الجزائر، وأنَّكم لو عرفتم أنَّنا سلفيِّين أنَّ هذا سيغيِّر فتواكم، فهل هذا صحيح؟
الشيخ هذا غير صحيح، وقد أجبنا عنه بالأمس، وقلنا مهما كانت المبالغات فإراقة الدِّماء صعب، فالواجب الكفّ الآن والدخول في السِّلم.
السائل شيخنا! ما رأيكم فيمن يعتقد أنَّ الرجوع إلى الحياة المدنية يُعتبر رِدَّة؟
الشيخ رأينا أنَّ من قال هذا فقد جاء في الحديث الصحيح أنَّ من كفَّر مسلماً أو دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك عاد إليه
السائل شيخنا! ما رأيكم في قولهم أنَّه لا هدنة ولا صلح ولا حوار مع المرتدِّين؟
الشيخ رأينا أنَّ هؤلاء ليسوا بمرتدِّين، ولا يجوز أن نقول إنَّهم مرتدُّون حتى يثبُت ذلك شرعاً.
السائل بناءً على ماذا شيخنا ؟
الشيخ بناء على أنَّهم يُصلُّون ويصومون ويحجُّون ويعتمرون ويشهدون أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله.
السائل نعم! نعم يا شيخنا!
الشيخ فكيف نقول إنَّهم كفار على هذه الحال؟! إنَّ النبيَّ  قال لأسامة بن زيد لَمَّا قتل الرَّجل الذي ... بالسيف، فشهد أن لا إله إلاَّ الله، أنكر الرسول  على أسامة، مع أنَّ الرَّجل قال ذلك تعوُّذاً كما ظنَّه أسامة
السائل شيخنا! سؤال عقائدي في قضية الفرق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي في مسألة الحكم بغير أنزل الله؟
الشيخ يعني مثلاً من ترك الصلاة فهو كافر، من سجد لصنم فهو كافر، من قال إنَّ مع الله خالقاً فهو كافر، وهذا كفر عملي وأمَّا الكفر الاعتقادي ففي القلب.
السائل شيخنا! الكفر العملي هل يُخرج من الملة ؟
الشيخ بعضه مخرجٌ وبعضه غير مخرج، كقتال المؤمن، فقد قال النَّبِيُّ  : ( قتاله كُفْرٌ )
ومع ذلك لا يخرج من المِلَّة مَن قاتل أخاه المؤمن بدليل آية الحجرات: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا قال: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
السائل متى يُصبح الكفر العملي كفراً اعتقاديًّا شيخنا ؟
الشيخ إذا سجد لصنم، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، إلاَّ أن يكون مكرهاً.
السائل وفي قضية الحكم بغير ما أنزل الله ؟
الشيخ هذا باب واسع، هذا باب واسع، قد يحكم بغير ما أنزل الله عدواناً وظلماً، مع اعترافه بأنَّ حكم الله هو الحق، فهذا لا يكفر كفراً مخرجاً عن الملة، وقد يحكم بغير ما أنزل الله تشهيًّا ومحاباة لنفسه، أو لقريبه، لا لقصد ظلم المحكوم عليه ... ولا لكراهة حكم الله، فهذا لا يخرج عن الملة، إنَّما هو فاسق.
وقد يحكم بغير ما أنزل الله كارهاً لِحُكم الله، فهذا كافرٌ كفراً مُخرجاً عن الملَّة، وقد يحكم بغير ما أنزل الله طالباً موافقة حكم الله، لكنَّه أخطأ في فهمه، فهذا لا يكفر، بل ولا يأثم
لقول النَّبِيِّ : (( إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ فأخطأ فله أجرٌ واحد، وإن أصاب فله أجران )
السائل شيخنا! مثلاً عندنا للأسف الشديد مسجد حُوِّل إلى ثكنة عسكرية، تشرب فيها الخمور، وتسمع فيها الموسيقى، وتُعطل فيها الصلاة ويسبُّ فيها الله ورسوله ـ يعني ـ هذا ما حكمه؟
الشيخ هذا فسوق، فلا يَحلُّ تحويل المسجد إلى ثكنة عسكريَّة لأنَّه تحويل للوقف عن جهته وتعطيل للصلاة فيه.
السائل شيخنا! كلامكم واضح والحمد لله، وبهذه الصيغة يزيح إن شاء الله الشبهَ التي تحول دون أن يعملَ الحقُّ عملَه إن شاء الله.
الشيخ نسأل الله أن يهديهم، وأن يرزقهم البصيرة في دينه، ويحقن دماء المسلمين.
السائل هلاَّ شرحتم لنا قوله : (( مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده ..) الحديث ؟
الشيخ لا يتَّسع المجال؛ لأنَّه ما بقي إلاَّ دقيقة واحدة.
السائل أعطِنا تاريخ المكالمة واسمك.
الشيخ هذه المكالمة يوم الجمعة في شهر رمضان، أجراها مع إخوانه محمد بن صالح العثيمين من عنيزة بالمملكة العربية السعودية(1420هـ)، نسأل الله أن ينفع بهذا )

تنبيه : هام جدا جدا
قال صاحب المرجع كتاب ( فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر دماء أهل الجزائر) ما نصه: ما كان في فتاوى الشيخ هذه من زيادة أو نقصٍ فمِن تهذيب الشيخ نفسِه، كما سبق ذكرُه في أول الكتاب وذكر بعد ذلك المقابلة التالية في الصفحة التالية لهذه )

لقاء الجزائريين مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
يوم (17 من ذي الحجَّة 1420هـ)
السائل فضيلة الشيخ حفظك الله!ما هي نصيحتُكم وتوجيهُكم لأولئك الذين غُرِّرَ بهم ثمَّ تابوا وأَلقَوا السِّلاحَ، ورجعوا إلى حظيرَة المسلمين، وهم الآن يُصلُّون في مساجدهم، ويعيشون مع النَّاسِ، وقد يَجدون بعضَ الحرَج أو الإحراجَ من طرَف الغير، فما هي نصيحتُكم للناسِ في معاملتِهم لهم، ونصيحتكم لهم؟ كيف يُعاملون الناسَ؟ وكيف يُستَقبَلون؟ وكيف يعيشون في هذا الجوِّ الجديد بالنِّسبة إليهم؟ جزاكم الله خيراً.
الشيخ الحمد لله ربِّ العالَمين، نصيحتي للإخوان الذين مَنَّ اللهُ عليهم بإلقاءِ السِّلاحِ، ورجعوا إلى مُدُنهم وديارِهم أن يَشكروا اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمَةِ قبل كلِّ شيءٍ؛ لأنَّ هذه نعمةٌ من الله عليهم وعلى الجزائريِّين الآخرين.
ثانياً أن يَنسوا ما سبق، وألاَّ يعيشوا في أفكارهم السابقة، يمحضونها محضاً تامًّا من أفكارهم، ولا يتذاكروها، حتى إذا تذاكروها فليقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم.
ثالثاً أن يعيشوا مع النَّاسِ وكأنَّهم لَم يفعلوا شيئاً؛ لأنَّهم إذا عاشوا وهم يشعرون بأنَّهم فعلوا ما فعلوا بقُوا في نفْرَةٍ من الناس وبُعدٍ منهم، وهذا يَضُرُّ بالمصلحةِ العامة.
رابعاً أن يُقبِلوا على علم الكتاب والسُّنَّة، وعلى معاملة السَّلَف لحُكَّامهم، فها هو أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة يقول للمأمون: (يا أمير المؤمنين)! وهو الذي آذاه في القول بخلق القرآن، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مخاطبتِه لِمَن حبَسَه، تَجد خطاباً ليِّناً، قال الله لموسى وهارون:اذْهَبَا إِلَى فِرْعَونَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى 
خامساً بالنسبة للآخرين: أن يتلقَّوا هؤلاءِ بوجهٍ طلْقٍ وصدرٍ مُنشرِحٍ، وأن يفرحوا بهم، وأن يُكرموهم، وألاَّ يروهم جفاءً أو كراهيةً أو عبوساً في وجوههم؛ لأنَّ الحالَ بعد وضع السِّلاح ليس كالحال قبل وضع السِّلاح، وأن يتناسَوا كلَّ ما جرى.
سادساً: بالنسبة للدُّعاة أيضاً: يَحثُّون الناسَ على أن يتآلفوا ويتقاربوا، ويتعاونوا على البرِّ والتقوى، ويتناسَوا ما سبق، وتبدأ الحياة من جديد.
أمَّا ما سمعناه والحمد لله عن رجوع الكثير منهم إلى الصواب وإلقاء السِّلاح، وما سمعنا كذلك عن العفوِ العامِّ من قِبَل الدولة فقد سرَّنا هذا كثيراً، والحمد لله ربِّ العالَمين، نرجو اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُتَمِّمَ في الباقي، هذا رأيي في المسألة.
السائل يا شيخ! البقيَّةُ الباقية التي بقيت في الجبال، يعني الحكومة
كما قلتَ الآن يا شيخ ـ أعطت العفوَ، والكثير منهم بقوا في الجبال على أساس أنَّهم لا يُعطون الأمان للحكومة.
الشيخ لا يأمنونها ؟
السائل إي! لا يأمنونها، لكن الحكومة وعدت أنَّها لن تُصيبَهم بأذى، وقد نفَّذت هذا في الذين نزلوا، يعني: لَم تُصبهم بأذى وهي فقط تقول: سلِّموا السِّلاحَ، وعودوا إلى حياتكم الطبيعيَّة فالكثيرُ منهم يتردَّد ويقول: نحتاجُ إلى فتوى من مشايخِنا؛ حتى إمَّا ننزل، وإمَّا نجلس.
وبعضُهم نزل والحمد لله خاصَّة بعدما أُذيعت فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله في التلفاز، وفتوى الشيخ الألباني رحمه الله بعدَم جواز هذا الأمر، والبعضُ لا زال شاكًّا في هذا الأمر، فماذا تقولون في هذا؟
الشيخ نرى أنَّه يجبُ عليهم وضعُ السِّلاح وإلقاءُ السَّلام، وإلاَّ فكلُّ ما يترتَّب على بقائهم من قتلٍ ونهب أموالٍ واغتصابِ نساءٍ فإنَّهم مسئولون عنه أمام الله عزَّ وجلَّ، والواجب عليهم الرجوع، وقد سمعنا والحمد لله ـ أنَّ الكثيرَ منهم رجع، وهذا هو الواجب.ونحن نشكرُ الدولةَ على العفوِ العام، ونشكرُ مَن ألقى السِّلاحَ على استجابتِه.ولا يتشكَّكون في هذا أبداً، وليرجِعوا إلى حياتهم الطبيعية.
السائل مِن الذين تابوا بقيَ في أيديهم أموالٌ قد اغتصبوها وسلبوها أيامَ الفتنة، حُكمُ هذه الأموال بعد ما تابوا وقد جُهل أصحابها؟
الشيخ الأموال التي انتهبوها من المواطنين لا شكَّ أنَّها حرامٌ عليهم، فالمواطنُ مسلمٌ، والمسلمُ حرامٌ دمُه ومالُه وعِرضُه، فعليهم أن يَردُّوها إلى أصحابها إن عَلِموهم، أو إلى وَرثَتهم إن كانوا قد ماتوا، فإن لم يمكن فإمَّا أن تُجعلَ في بيت المال، وإمَّا أن يُتصَدَّق بها عن أصحابها.
السائل لعلَّه هذا المتيسِّر؛ لأنَّه لا يُمكن إرجاعُها إلى بيت المال.
الشيخ يُتصَدَّقُ بها عن أصحابها، والله يعلَم بهم عزَّ وجلَّ.
السائل بالنسبة للحاكم يا شيخ! الآن الشباب الذين طلعوا من السجون أكثرُهم لا زال فيهم بعض الدَّخَن، حتى وإن طلعوا من السجون وعُفي عنهم، لكن لا زالوا يتكلَّمون في مسألة التكفير، ومسألة تكفير الحاكم بالعين، وأن هذا الحاكم الذي في الجزائر حاكمٌ كافرٌ، ولا بيعة له، ولا سمع ولا طاعة لا في معروفٍ ولا في منكرٍ؛ لأنَّهم يُكفِّرونهم، ويجعلون الجزائر يا شيخ! أرض كفر.
الشيخ دار كفر؟
السائل إي، دار كفر، نعم يا شيخ! لأنَّهم يقولون: إنَّ القوانينَ التي فيها قوانين غربية، ليست بقوانين إسلامية، فما نصيحتُكم أولاً لهؤلاء الشباب؟ وهل للحاكم الجزائري بَيْعَة، علماً يا شيخ! بأنَّه يأتي يعتمِر ويُظهرُ شعائرَ الإسلام؟
الشيخ يُصلِّي أو لا يُصلِّي؟
السائل يُصلِّي يا شيخ!
الشيخ إذن هو مسلمٌ.
السائل وأتى واعتمر هنا من حوالي عشرين يوماً أو شهر، كان هنا في المملكة.
الشيخ ما دام يُصلِّي فهو مسلمٌ، ولا يجوز تكفيرُه، ولهذا لَمَّا سُئل النَّبِيُّ  عن الخروج على الحُكَّام قال: ( لا ما صلَّوا )
فلا يجوز الخروجُ عليه، ولا يجوزُ تكفيرُه، من كفَّره فهذا ... بتكفيره يُريد أن تعودَ المسألة جَذَعاً
أما موضوعُ القوانين، فالقوانينُ يجب قبول الحقِّ الذي فيها؛ لأنَّ قبول الحقِّ واجبٌ على كلِّ إنسانٍ، حتى لو جاء بها أكفرُ الناس، فقد قال الله عزَّ وجلَّ:  وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا 
فقال الله تعالى: قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالفَحْشَآءِ وسكت عن قولهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا لأنَّها حقٌّ، فإذا كان تعالى قبِل كلمةَ الحقِّ من المشركين فهذا دليلٌ على أنَّ كلمةَ الحقِّ تُقبلُ من كلِّ واحد، وكذلك في قصة الشيطان لَمَّا قال لأبي هريرة: ( إنَّك إذا قرأتَ آيةَ الكرسي لَم يزل عليك من الله حافظ ولا يَقرَبْك الشيطان حتى تُصبح ) قبِل ذلك النَّبِيُّ 
وكذلك اليهودي الذي قال: ( إنَّا نجد في التوراة أنَّ الله جعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع وذكر الحديث فضحك النَّبِيُّ  حتى بَدَت أنيابُه أو نواجِذُه؛ تصديقاً لقوله، وقرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
فالحقُّ الذي في القوانين وإن كـان مِن وَضعِ البشرِ مقبولٌ، لا لأنَّه قول فلان وفلان أو وضْعُ فلان و فلان، ولكن لأنَّه حقٌّ.
وأمَّا ما فيه من خطأ، فهذا يُمكنُ تعديلُه باجتماع أهل الحلِّ العقدِ والعلماء والوُجهاء، ودراسة القوانين، فيُرفَضُ ما خالف الحقَّ، ويُقبلُ ما يُوافِقُ الحقَّ.
أمَّا أن يُكفَّرَ الحاكم لأجل هذا؟!
مع أنَّ الجزائر كم بقيت مستعمَرة للفرنسيين؟
السائل 130 سنة.
الشيخ 130سنة! طيِّب! هل يُمكن أن يُغيَّر هذا القانون الذي دوَّنه الفرنسيَّون بين عشيَّة وضحاها؟! لا يُمكن.
أهمُّ شيء: عليكم بإطفاء هذه الفتنة بما تستطيعون، بكلِّ ما تستطيعون، نسأل الله أن يقيَ المسلمين شرَّ الفتن.
السائل فتكمِلة لمسألة الشباب الآن يا شيخ مثلاً في مناطق كثيرة، ليست كل المناطق، لكن في مناطق كثيرة لا زالوا يخوضون في مسألة هي كبيرة عليهم، يعني مسائل مثلاً يا شيخ! التكفير التشريع العام، والتكفير العيني، هذه المسائل يا شيخ! قد يأخذون الفتوى منكم، ثمَّ يُطبِّقونها على الحاكم، هكذا تطبيقاً يعني ...
الشيخ عملهم هذا غير صحيح.
السائل نعم! ثمَّ لَمَّا نقول له: يا أخي ما قالها الشيخ ابن عثيمين يقول لك: لكن الشيخ ابن عثيمين في كتبِه قال: التشريع العام: مَن حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر بدون تفصيل، والآن عندنا هذا الحاكم لا يحكم بما أنزل الله، فهو كافر، فهِمتَ المسألة يا شيخ؟
الشيخ فهِمنا، أقول بارك الله فيكم الحكم على المسألة بالحكم الذي ينطبق عليها غيرُ الحكم على شخصٍ معيَّن.
فالمهمُّ يجب على طلبة العلم أن يعرفوا الفرقَ بين الحكم على المسألة من حيث هي مسألة، وبين الحكم على الحاكم بها؛ لأنَّ الحاكمَ المعيَّن قد يكون عنده من علماء السوء مَن يُلبِّس عليه الأمورَ، وغالبُ حُكام المسلمين اليوم ليس عندهم علمٌ بالشرع، فيأتيهم فلانٌ يُموِّه عليهم، وفلانٌ يُموِّه عليهم، ألَم ترَ إلى أنَّ بعضَ علماء المسلمين المعتبرين قال: جميع مسائل الحياة ليس للشرع فيها تدخُّل! واشتبه عليهم الأمر بقوله : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) قال هذا رجالٌ نشهدُ لهم بالصلاح، ولكن تلبَّس عليهم، وهم لو تأمَّلوا الأمرَ لوجدوا أنَّ هذه بالنسبةِ للمصانع والصنعة وما أشبه ذلك؛ لأنَّ الرسولَ تكلَّم عن تأبير النخل، وهم أعلم به؛ لأنَّه  أتى من مكَّة، ما فيها نخل ولا شيء، ولا يعرفه، فلمَّا رأى هؤلاء يصعدون إلى ( النخل) ويأتون بلقاحه، ثمَّ يُؤبِّرون النخلةَ ويلقِّحونها، فيكون فيه تعب وعمل قال: (( ما أظنُّ ذلك يُغني شيئاً ))، فتركوه سنة، ففسدت النخلة، فأتوا إليه، فقالوا: يا رسول الله! فسد التمر! قال: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، ليس بأحكام دنياكم، لكن بأمور دنياكم ثم الناس يُلبِّسون الآن، ألَم تروا بعض العلماء في بلاد ما أباحوا الرِّبا الاستثماريِّ؟ وقالوا: المُحرَّم الربا الاستغلالي، وشبهتُه قوله تعالى: فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ
الحاكم إذا كان جاهلاً بأحكام الشريعة، وجاءه مثلُ هذا العالِم، أليس يُضلُّه؟
السائل يُضِلُّه.
الشيخ فلذلك لا نحكم على الحُكَّام بالكفر إذا فعلوا ما يَكفُر به الإنسانُ حتى نُقيم عليه الحُجَّة.
السائل مَن الذي يُقيم الحُجَّة يا شيخ؟
الشيخ ما دُمنا ما أقمنا عليهم الحُجَّة لا نحكم بكفرهم.
السائل سمعتُكَ يا شيخ! تقول في رمضان قلتَ: ( إلاَّ أن ترَوا )يعني: الرؤية العينية، قلتَ يا شيخ! فيما أذكر قلتَ: مثل رؤية العين.
الشيخ نعم! هذا هو، أي: أن نعلمَ علمَ اليقين مثل ما نرى الشمس كفراً بواحاً، صريحاً ما فيه احتمال )

 تهنئة الشيخ ابن عثيمين بإلقاء السلاح في الجزائر 
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العُثيمين إلى الأخ المكرم: حسان حطاب، أمير الجماعة المسلحة في منطقة الجزائر حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد،فإنَّ الله تعالى قال: فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
وقال عزَّ وجلَّ:  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  وقال النَّبِيُّ : ( كونوا عباد الله إخواناً، المسلمُ أخو المسلم ) ولقد منَّ الله تعالى على كثير من إخواننا في الجزائر فألقوا السِّلاحَ وأطفأوا الفتنة، وحصل لهم وللشعب الجزائري خيرٌ كثيرٌ، وإنَّا لنرجو الله عزَّ وجلَّ أن تكونوا أيُّها الأمير مثلهم عن قريب، والأمور التي فيها اختلاف بينكم يُمكن حلُّها بالطرق السلميَّة والتفاهم وسيتمُّ ذلك إن شاء الله مع نيَّة الإصلاح وسلوك الطريق الموصل إلى ذلك،
قال الله تعالى في الحَكَمين في شقاق الزوجين: إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا
آملُ منكم أيُّها الأمير أن تُبادروا بالإصلاح ووضع السِّلاح، وفَّقكم الله للخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجمعة 14 ربيع الأول سنة 1421هـ
عنيزة / الجامع الكبير

هذا مجمل أحداث الجزائر المؤسفة المؤلمة التي نتجت عن العنف والغلو والتطرف نقلتها وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء فما بين مصدق ومكذب هل يعقل أن يوجد أناس يدعون الإسلام لا يحملون في قلوبهم أدنى رحمة وشفقة بمجتمعهم لكنه الإرهاب القاتل والتكفير المدمر لحب الآخرين واستشعار حقوق الناس وتعبد الله بها .

المطلب الرابع :
جهود المملكة العربية السعودية
في مكافحة الإرهــــاب
المملكة العربية السعودية جزء من هذا العالم، وخلق من البشر يؤذيها ما يؤذيهم، فلا ترضى الإرهاب منها أو عليها، ولذلك فهي تسعى حثيثاً لقطع دابره، واجتثاث جذوره، إيماناً منها بهذا المبدأ، ووقاية لمجتمعها من أخطار الإرهاب وذلك لأنها تقع في منطقة مهمة وحساسة من خريطة العالم وقد ظهرت فيها أحداث من الإرهاب آلمت كل مسلم وكل منصف. كيف لا!! وهي منبع الإسلام الذي يسعى لقطع دابر الإرهاب والتخريب الذي يستهدف ترويع الآمنين، وسفك دماء الأبرياء، وتدمير المنشآت الحيوية،واستنـزاف خيرات الأمة وهدر ثرواتها وقد كان للملكة دور رائد في التصدي للإرهاب، انطلاقاً من التزامها الكامل بثوابتها، وقيمها، وأحكام الشريعة الإسلامية فالإسلام هو نقيض الإرهاب،وقد فرض في حق الإرهابيين أحكاماً مشددة، وعقوبات رادعة لا مثيل لها في نظام العقوبات لأي دولة من دول العالم، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يؤكد صحة ما ذكر، وقد سبق ذكر بعضها في باب المجتمع والإرهاب
جاء في النظام الأساسي للحكم ما نصه: ( المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة؛ دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله  )
ولذا فإن موقف المملكة من ظاهرة الإرهاب لا يتجاوز الموقف الإسلامي الرصين المبني على الكتاب والسنة ومن ذلك
إقــرار عقوبة الإرهاب وتنفيذ هـا
تم اعتماد العقوبة المغلّظة للإرهاب حسب فتوى هيئة كبار العلماء في فتوى الحرابة رقم 148 لعام 1409هـ الصادرة بالطائف والتي أكدوا فيها بأن الشريعة الإسلامية ترى الإرهاب عدواناً وبغياً وفساداً في الأرض لأنه حرب ضد الله ورسوله وخلقه وسبق نشرها في بيانان هيئة كبار العلماء وقد تم تنفيذ ذلك واقعا مشاهدا في بعض حالات الإرهاب والعنف كحادثة الاعتداء على الحرم 1400 هـ وحادثة تفجير العليا 1416 هـ وغيرها من حالات الاعتداء على أمن المجتمع ومن يعيش بين أهله بأمان وآمان .

نشر الوسطية والاعتدال
تأصيل منهج الوسطية ومعالجة الغلو والتطرف والتعصب الديني، مع تنمية الوازع الديني لدى أفراد المجتمع تقوم به كافة مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية واستخدام كافة الوسائل الممكنة لنشر الثقافة المعتدلة من خلال وسائل الإعلام بالأساليب المناسبة لتصل الرسالة الإعلامية الهادفة لشرائح المجتمع كافة.
المشاركات الدولية
تشارك الدولة في المؤتمرات والندوات العالمية والدولية التي تنظمها المنظمات والمؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب بل امتد ذلك إلى ماهو أكبر من تنظيم ملتقيات واستضافة شخصيات كما حصل في عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد بالرياض وشاركت فيه 57 دولة ومنظمة وملتقى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في موقف الإسلام من الإرهاب الذي شارك فيه قرابة 200 إعلامي على مستوى العالم.
توضيح الصورة للخارج
نشرت المملكة الصورة الحقيقية الواضحة لمكافحتها الإرهاب من خلال سفارتها ومراكزها ومعاهدها الإسلامية في مختلف أنحاء العالم وذلك بنشر الإسلام بشكله وجوهره الصحيح ، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وإبراز الصورة الحقيقية له كدين اعتدال وتسامح وتآخي بعيداً عن العنف والقسوة والإرهاب وكل ما يدعو إلى ذلك .
الأجهزة الأمنية
إنشاء أجهزة أمنية متخصصة لمكافحة الإرهاب، ومن مسؤولياتها التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات مع مثيلاتها من الأجهزة على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي وتزويدها بأحدث التقنيات وتدريب منسوبيها بأعلى مستويات التدريب مع الأخذ في الاعتبار تطوير التنظيمات والأساليب والقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب .
المستوى المحلي
على المستوى المحلي أثبتت المملكة للعالم أجمع جدّيهّ مطلقهّ، وحزماً وصرامة في مواجهة العمليات الإرهابية، وليس أدل من النجحات الأمنية المتلاحقة للقضاء على فلول المفسدين في الأرض الخارجين عن الصف , المفارقين للجماعة ,وقد جندت الدولة كافة أجهزتها لحماية المجتمع من خطرهم وشرهم ومن ذلك القضاء على أعداد كبيرة من العناصر الإرهابية في مختلف مناطق المملكة أو القبض عليهم كما قامت الجهات الأمنية بكشف و إحباط العديد من العمليات قبل تنفيذها فضلا عن مداهمة مواقع كثيرة ضبط فيها كميات كبيرة من الأسلحة المختلفة ومواد التفجير في حين استطاعت الجهات الأمنية والدينية من إقناع عدد من الفئات الضالة بتسليم أنفسهم بدون أي مقاومة أمنية حفاظا على أرواح المجتمع ومقدرات البلد من الهلاك والدمار فضلا عن انتشار فرق الأمن ووضع نقاط تفتيش عند مداخل ومخارج بعض الطرق والأحياء لما لهذا الإجراء من فائدة كبيرة في ضبط الإرهابيين وإكساب المواطنين الراحة والشعور بالأمن لوجود الفرق الأمنية بينهم
المرجعات الفكرية
نجحت الجهات المعنية بالمملكة العربية السعودية الحصول على تراجع الكثير من المشايخ المؤثرين في عناصر تلك الفئات الضالة عن فتاويهم التي استندت إليها عناصر الفئة الضالة في القيام بتلك الأعمال الإرهابية وأكدوا أن تلك الفتاوى فتاوى خاطئة وتراجعوا عنها وأعلنوا توبتهم ومن ذلك تراجعات الشيخ علي الخضير والشيخ ناصر الفهد والشيخ أحمد الخالدي وتراجع كذلك عددا من أعضاء الخلايا في السعودية أمثال المطلوبين الأمنيين خالد الفراج وعبد الرحمن الرشود الذين بثها التلفزيون السعودي بقنواته الأربع الأولى والثانية والرياضية والإخبارية إضافة للإذعات الرسمية والصحف المحلية وغيرها من وسائل الإعلام الإخبارية العالمية والعربية التي اهتمت بذلك الحدث وبث مقاطع منها وعلقت عليها بالتأييد على هذه الخطوة الجديدة في مكافحة الإرهاب من أصوله أو الداعمين له ولو بطريق الخطأ فإن الانتماء لهذه الفئات وتنفيذ أعمال العنف لا يقبل فيه الاجتهاد والتجارب لكن تبقى عذرا لمن لم يتورط في سفك دماء الناس وانتهاك حرماتهم
العفو الملكي
كان من أهم المبادرات الإيجابية للقضاء على الإرهاب المحلي الداخلي التي قدمتها الدولة في سبيل إتاحة الفرصة أمام المغرر بهم من الفئات المتورطين في ارتكاب العمليات الإرهابية يأتي القرار الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الذي تضمن عفواً يمنح من خلاله الفئات الضالة فرصة لمدة شهر للتراجع عن الخطأ وتسليم أنفسهم وكان لهذا العفو الأثر الكبير في نفوس المجتمع السعودي ونال رضاهم. وقد أثمر هذا العفو عن إيجابيات جيدة استفاد منه عدد كبير من العناصر الضالة وسلموا أنفسهم للجهات الأمنية متراجعين عن خطأهم بل وخرجوا من السجن وانخرطوا مع المجتمع واستفدوا من العفو الملكي الذي كان لهم سفينة نجاة في بحر الفكر المنحرف المتلاطم بالشبهات والتكفير
المكافآت المجزية
في خطوة رائعة وصادقة وعدت وزارة الداخلية بمكافأة مالية سخية جدا لكل من يبدي تعاونا مع الجهات الأمنية ويبلغ عن أشخاص إرهابيين أو يساهم في إحباط عمليات إرهابية تجاوزت السبعة ملايين ريال في بعض الحالات. وقد تفاعل معها المجتمع إعلاميا بشكل سريع وملفت للنظر حتى وصل إلى أعلى الدرجات في النجاح وهذا يدل على تعاون المجتمع مع الجهات الأمنية في مكافحة الإرهاب
الدعوة مستمرة
انتهجت الدولة أسلوباً فريداً في علاج ما ظهر من بعض أبنائها من أعمال إرهابية فقد طالبتهم بالتوبة والإنابة وتسليم أنفسهم وقبلت منهم عودتهم إلى الحق كما نشر التلفزيون السعودي في عدة حلقات مقابلات أجريت مع بعض أولئك العائدين إلى الحق، وقد أيد العلماء والمفكرون هذه الخطوة المباركة التي تعمل على رأب الصدع وتوحيد الأمة وعدّوا هذه المراجعات تقدماً كبيراً في مجال مكافحة الإرهاب، وكان هذا الأسلوب جمعاً بين الحل الأمني والحل الفكري لقضية الإرهاب على المستوى المحلي، والدولة بهذه السياسة الحكمية المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه  قد تقدمت على كثير من دول العالم في المزج في معالجة الظواهر الإرهابية بين الحل الفكري والحل الأمني،وهي سياسة ناجحة على المدى القريب والبعيد بإذن الله
الاهتمام برجال الأمن
قامت المملكة ممثلة في وزارة الداخلية بجهود متكاملة وعاجلة لرفع نفسيات رجال الأمن في الدفاع عن بلدها ومحاربة المجرمين وذلك بتصريحات علمائها بقدسية عمل رجل الأمن الذي يحرس الديار المقدسة ( مكة والمدينة ) مما دفع رجال الأمن إلى احتساب الأجر في حراستهم ودفاعهم عنها فضلا عن الدعم المالي المتمثل في رفع مرتباتهم ومكافأة شهرين لهم وغيرها من الدعم المعوي على أعلى المستويات في الدولة حتى تم منح أسر الشهداء والمصابين والمتضررين تعويضات ماليه وبمعدلات نالت رضا الجميع وأكدت وقوف الدولة بجانبهم أمام هذا المصاب الأليم وكانت بلسماً في حياة تلك الأسر قدمت لذوي الشهداء والمصابين دعماً معنوياً في مواقف كثيرة منها مثلاً المساعدة في البحث عن وظائف مناسبة لأبناء الشهداء وتسهيل إكمال دراسة بعضهم من خلال منح الأفضلية لهم كم تم استضافة اسر شهداء الواجب الذين استشهدوا في عمليات محاربة الفئة الضالة لأداء مناسك الحج لهذا العام على ضيافة وزارة الداخلية وذلك كعرفان بما قدمه أولئك الشهداء وأسرهم لوطنهم في هذه المهمة كما قامت الوزارة بمنح مرتبات شهريه لأسر الشهداء وكانت هذه بادرة عظيمة كفلت لهذه الأسر حق العيش المناسب
تفعيل قرارات مجلس وزراء داخلية العرب
ساهمت المملكة مساهمة فعالة في عدد من القرارات التي أصدرها مجلس وزراء الداخلية العرب والهادفة إلى تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية ومن أهمها:
الإستراتيجية الأمنية العربية.
الإستراتيجية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب.
الإستراتيجية العربية للحماية المدنية.
الإستراتيجية العربية الإعلامية للتوعية الأمنية والوقاية من الجريمة.

توقيع الاتفاقيات والمعاهدات
وقعت الدولة على عدد من الاتفاقيات منها:
* التوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام (1998م).
* الموافقة على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي حول الإرهاب.
* قامت المملكة كذلك بالتوقيع على إحدى عشرة اتفاقية دولية على صعيد الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب .
* توقع على توصيات جميع المحافل والمؤتمرات الدولية والمنظمات والهيئات والمجالس وغيرها مما له صلة بتكاتف الجهود لمكافحة الإرهاب، حتى إنها دعت إلى إعداد مؤتمر دولي يهدف إلى إبرام اتفاق دولي شامل لمكافحة الإرهاب
* تقود المملكة حملة قوية ضد الإرهاب والإرهابيين من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب الذي أنشئ عام 1982م .
ومما يجدر ذكره هنا أن لصاحب السمو الملكي الأمير / نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي، والرئيس الفخري للمجلس دوره الريادي والموفق في إقرار سياسات وخطط وبرامج عديدة لمكافحة الإرهاب ، لم يسبق لها مثيل إقليمياً ودولياً
* عقدت المملكة حوالي ( خمس عشرة ) اتفاقية أمنية ثنائية، احتلَّ موضوع مكافحة الإرهاب الأولوية فيها، مما يؤكد تعاونها التام مع المجتمع الدولي في الوقاية من مخاطر الإرهاب .
* صادقت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، منها اتفاقيات:
أ. اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14/9/1967م.
ب. اتفاقية لاهاي بشان مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 16/12/1970م.
ج. اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة المرتكبة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة بتاريخ 23/9/1971م. وغيرها.
ولمزيد من الطرح والتوثيق بإمكانك مراجعة بحث (من جهود المملكة في مكافحة الإرهاب )

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك