أسئلة المستقبل

أسئلة المستقبل

 

أن يعي المواطن في أي بلد من البلدان واجبه السياسي وأهمية دوره في صنع المستقبل أمر مهم وحضاري، ولكن أن يصبح الهاجس السياسي ومشكلات السياسيين مصدر قلق له أمر يثير الأسئلة والإحباط، إذ لا علاقة للأفراد بما يتعلق بخصومات الأحزاب والصراعات السياسية ، بل إن زج الناس في ذلك سيدخل البلد ـ أي بلد ـ في حالة من الفوضى والتعطيل على كافة المستويات ، ولا يمكن تقييم مايذاع في وسائل الإعلام من عرض لمشكلات ذات طابع " سجالي " يصل أحياناً الى درجة التشهير والتشنجات الا بطريقة متحفظة ، فلا مبرر لأن يعرف العالم كله بأن الشخصية الفلانية تتحامل على الأخرى، وأن الحزب الفلاني يتوعد بكذا، وهكذا في دراما سياسية لا تؤشر حالة صحية بقدر ما تؤكد للأسف وجود حالة من فقدان النضج السياسي، والحديث هنا ليس عن نشاط سياسي وتنافس على برامج ومحاسبة للمفسدين والمقصرين يمكن أن ترتقي بواقع العراق والعراقيين وتحفظ لهم حقوقهم، بل محض مكتسبات حزبية او شخصية أحياناً لهذا الطرف او ذاك.
يبرر بعض السياسيين ذلك بأنه إنما يدافع عن جماهيره لا عن شخصه، والسؤال البديهي هنا: هل يهم المواطن فعلاً اذا تمتع بكامل حقوقه أن يتقلد هذا السياسي أو ذاك المنصب المتنافس عليه؟ هل يمكن إختزال الديمقراطية الى مباراة سياسية تشغل الدولة عن واجباتها الحقيقية وتصطنع حالة القلق لدى الشعب؟ لو أجرينا استطلاع للرأي لدى غالبية الناس دون أن نضطرهم الى مجاملة أحد وسألناهم عن مطلبهم الحقيقي من الحكومة، لكان الجواب الذي يتكرر هو الحصول على الخدمات وسائر حقوقهم المدنية، فهل يعتقد بعض السياسيين إنه أصبح يمثل العراقيين والعراق من خلال شخصه؟ إن هذه الثقافة المتوارثة خاطئة بكل المقاييس، لأن جذرها الحقيقي يكشف عن عبادة للذات وتجاهل للآخرين، فليس بمقدور أحد أن يمثل العراقيين بقرار شخصي أو بمجرد اعتلاء المناصب، وكل السياسيين الوطنيين في تاريخ العالم يذكرون من خلال منجزات حقيقية لبلدانهم وشعوبهم جعلتهم يستحقون مثل هذا الإمتياز الجماهيري والتاريخي.
إن الفعل الحقيقي الذي ينتظره العراقيون من السياسيين جميعاً هو تحسين ظروف حياتهم والإلتفات الى إعمار العراق وإعطائه مايستحق من مكانة ودور كسائر البلدان، ولو أنفق السياسيون جهدهم في وسائل الإعلام وكل هذا الجدل في مناقشات مثمرة حول هذه الأهداف الوطنية، لتنازل الكثير منهم عن بعض مايعتقده صحيحاً ولسارت العملية السياسية بلا معوقات أو أزمات، والمراقب لما يجري من خلال الإعلام يندهش من تشبث كل طرف سياسي بموقفه، والمؤلم أن بعض السياسيين ممن يمثلون أحزابهم أو كتلهم، ينسون في حمى الجدال الممتد أن الملايين من الناس لا يعنيهم كل مايقال بقدر انقطاع الكهرباء مثلا ً، فمتى تصبح هموم السياسيين قريبة من بعضها وتصب جميعاً في خدمة الناس؟ ومن حق كل عراقي أمام هكذا أوضاع سياسية مبهمة أن يطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبله مادام بعض السياسيين لا يفعل ذلك، لأن جوهر القضية التي تشغله لا تتعلق بحزب أو بكتلة معينة بقدر ماتتعلق بمستقبل يأمل أن تتحقق فيه طموحاته  التي سرقتها الحروب والعنف والخسارات المتعاقبة.

المصدر: http://www.iq23.com/details-319.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك