الإرهاب يأتي من الافتئات على حق الجماعة
الإرهاب يأتي من الافتئات على حق الجماعة
في رد فعله على الحكم الذي أصدره القاضي اليمني محمد الأكوع، والذي قضى بإعدامه لقاء قيامه باغتيال اليمني جارالله عمر، قال أحمد جارالله قاتل الشخصية اليمنية البارزة موجهاً حديثه للقاضي «أنت مسؤول أمام الله أنا قتلت شخصاً خرج عن الشريعة الإسلامية وقد أجمع جميع الفقهاء على إهدار دمه» وزاد على ذلك بأن سجد على الأرض داخل قفص الاتهام في المحكمة تعبيراً عن رفضه للحكم وتمسكه بأحقيته بتنفيذ ما يراه حداً مستحقاً على القيادي اليمني البارز بالنيابة عن المجتمع والدولة.
هذا الفكر المنحرف الذي يُنصِّب الفرد من خلاله نفسه قاضيا وشاهداً ومحامياً ومدعياً ليصدر الحكم وحده وبنفسه على من يقررأنه خرج عن حمى الشريعة في دقائق معدودة وفي أماكن غير محددة، هو الذي يجعل من تلك القنابل البشرية التي تتحرك كخفافيش الليل في المدن العربية المكلومة جاهزة للضغط على زناد الإعدام لأي أحد يرونه غير متفق مع نظرتهم لبعض أمور الشريعة التي يسلكون فيها وفي الحكم عليها وفق نظرة أحادية قطعية تربوا خلالها على عدم السماح للآخرين بمخالفتها أو إيراد أية ملاحظات عليها أو تأويل مغاير للرأي الذي يحمله هؤلاء القتلة المغيرون على المحارم المزهقون للنفوس البريئة والدماء المعصومة في غفوة طويلة ومستمرة من ثقافة عامة لا تُعلم النشء أبسط حقوق الأنسان بصفته الآدمية قبل كل شيء آخركما لا تُعلمه التفرقة بين حق الفرد وحق الجماعة أو لنقل التفرقة بين مسؤولية الفرد ومسؤولية الدولة تجاه القضايا العامة .
قيام هؤلاء باغتيال الأبرياء اعتماداً على الظنون التى تخامرعقولهم لحظة انفلاتها من عُقُلها ترتكز في الأساس على مثلبتين رئيستين:
أولاهما: استسهال تكفير الناس وإخراجهم من حظيرة الإسلام لمجرد الاختلاف في الآراء حول فروع الشريعة في الغالب، إذ أن القاتل في القضية اليمنية الحاضرة كما هم القتلة في القضايا المشابهة لا يذكرون لضحاياهم تعدياً صريحاً على قطعيات الشريعة التي لا يسع أياً من المسلمين الخروج عليها، بل إن كل ما اقترفته الضحية في نظرهم يأتي ضمن ما هو متاح لتعدد الآراء فيه في الغالب لو كانت الثقافة التي يعايشونها تسع المخالفين، ولكن التربية العلمية والثقافية التي عاشوا في ظلها تجعلهم يتعاملون مع يُلقى في روعهم وما يُدرسوه ويُعلموه على أنه حق لا يأتيه الباطل أو حتى الشك من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم فسيكون المخالف في رأيهم خارجاً على حكم إسلامي مقطوع به حتى وإن أتى بما يستدل به لرأيه المخالف من أدلة ربما لو وُزنت بموازين الجَرح والتعديل لظهرت بمظهر الأقوى دلالة والأكثر إقناعاً، ولكن لأنهم لم يُعلَّموا أدب الاختلاف بل ولم يتثاقفوا على التعايش معه في الأساس فإنهم لن يجدوا بداً من رمي المخالف لما يحملونه من قناعات بالكفر والمروق من الدين.
ثانيتهما: وتعتبر فرعاً عن أولاهما ومبنية عليها بالضرورة ولكنها أسوأ منها نتائج وأكثر كارثية لكونها تأتي كآخر حلقة في سلسلة العنف، بحيث يتوصل المعايش لذلك الرأي الأحادي إلى ضرورة تصفية المخالف وقتله اعتماداً على ما يراه أنه ضرورة لتخليص المسلمين والإسلام قبلهم من شره، وهذه الخطوة ممعنة في التأتي والافتئات على حق الحياة الممنوح من الله تعالى للإنسان والذي لا يحق لأي كائن من كان أن يصادره تحت أي طائل يدعيه إلا وفق حكم قضائي مؤسس، أليس الله تعالى يقول في الآية الثانية والستين بعد المائة من سورة الأنعام (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) فالمحيا والممات كلاهما حق لله تعالى لا يجوز لآحاد الناس أن يتصرف بهما بأن يقوم من تلقاء نفسه بتنفيذ القتل وفق ما يعتقد بأنه حق له بالنيابة عن الناس، إذ أن إقامة الحدود وتقريركفرية الآخرين من عدمها حق مؤسسي لا يخول به أحد سوى الدولة فقط راعية السلام والأمن بين مواطنيها، ولو قرأ أحد من أولئك القتلة شيئاً من سيرة الصحابة الكرام مع النبي صلى الله عليه وسلم لعلموا كيف يكون احترام الإنسان واحترام مؤسسية الدولة ، فقد كان الصحابة إذ ذاك يعرفون الكثير من المنافقين بأعيانهم ومع ذلك لم يسمح أحدهم لنفسه بأن يغتال أحدهم بدعوى أنه حلال الدم رغم أن الله تعالى وصم أولئك المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار، وكان عبدالله بن أبي بن سلول أشهرهم في المدينة وأكثرهم معاداة للرسول صلى الله عليه وسلم وهوالقائل (لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز «يقصد نفسه» منها الأذل «يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم» ومع ذلك فلم يتجرأ أحد منهم أن يدعي أحقيته بقتله رغم أنه يسب الرسول علناً وفي الأسواق والمنتديات، بل حتى عندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على بعضهم بأعيانهم نهاه الله تعالى عن ذلك، ففي سنن الإمام النسائي رحمه الله من حديث ابن عمررضي الله عنه برقم (1068) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما رفع رأسه من الركعة الأخيرة في صلاة الصبح يدعوعلى فلان وفلان من المنافقين فأنزل الله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل برقم (14544) أن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي بعد ما أُدخل حفرته فوضعه على ركبته وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه) يصنع به هذا رغم كل ما فعله تجاهه من معاداة واستهزاءٍ وتثريب، وروى الإمام أحمد أيضاً في مسنده حديثاً برقم (14688) عن جابرأيضاً في قصة الشجار الذي حدث بين رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين وفيه أنه لما بلغ عبدالله بن أُبَي الخبر قال (فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزمنها الأذل) فسمع ذلك عمرفأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ياعمر دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) والله تعالى يؤكد لنبيه صلى الله عليه وسلم في محكم التنزيل بأنه ليس مسؤولاً عن هداية الناس وذلك بقوله تعالى (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ... الآية) فإذا كان صفوة الخلق لا يملك أمرهداية الناس وفي نفس الوقت ليس له من أمر ضلالهم أو هدايتهم شيء بل هوأمر الله تعالى أولاً وأخيراً فكيف بأولئك الناس الذين يريدون أن يجبروا الآخرين بقوة الرصاص على إاتباع ما يظنونه حقاً.
المصدر: http://www.alriyadh.com/2005/04/27/article59884.html