خطوة نحو توطين الثقافة الحرة

خطوة نحو توطين الثقافة الحرة

 

يوسف أبا الخيل

 

لعله من غير العسير على من عايش وقائع وفعاليات معرض الكتاب الدولي الذي أقيم بالرياض مؤخراً سواء حضوراً أو تفاعلاً بالسماع أن يكتشف أننا قد لا نتجاوز المعقول من الآمال عندما نتفاءل بأننا على أعتاب مرحلة جديدة مما يمكن لي أن أسميه ب (توطين الثقافة الحرة)، ذلك أنه على الرغم مما صاحب فعالياته الثقافية من توتير للأجواء تولى كبرها ممن لا يريدون للتنوير الثقافي أن يهيمن على المجتمع، وما صاحب فعاليات عرض الكتب أيضاً من محاولات وصائية فكرية معتادة تنشد فرز ما يجوز عرضه من الكتب عن تلك التي لا يجوز عرضها، أقول رغماً عن ذلك كله فانني لا اخالني متجاوزاً الحقيقة عندما أزعم بأن فعاليات ذلك المعرض قد شكلت نقلة نوعية اختلفت بشكل شبه جذري عما سبقها من فعاليات أخرى أقيمت في السابق، ذلك أن القياس في هذا الحكم من جانبنا لا يُبنى على نوعية الكتب التي عرضت في ذلك المعرض أو بشكل أدق على نوعية الكتب التي فُسح لها فيه ممن كانت تحسب على جانب المحذورعرضه في ما سبقه من معارض سابقة،فرغم أن فسح مثل تلك الاصدارات يعتبر علامة بارزة ولا شك على بداية انفراج الأزمة مع محنة وهم الغزو الفكري وتخريب الثقافات المحلية.

إلا أن الأهم منه في تقديري يكمن في أن التوجه التنظيمي والرعائي للمعرض أخذ على ما يبدو على نفسه عهداً بأن لا يكون العرض نمطياً كسابقه والذي كان قائماً على السماح لدور النشر العالمية والعربية بعرض بضاعتها من الكتب وفق لائحة ممنوعات ومفسوحات مسبقة، قدر ما يعني ضرورة أن يكون تنظيم المعرض ورعايته وفق إحساس بأن فعالياته لا تعني أكثر من أنها فتحة صغيرة على مكامن الثقافة الحرة المنفتحة، انني أكاد أجزم أن من تولوا أمر المعرض كان يجول بخواطرهم هاجس من نوع خاص، ألا وهو إخراج المعرض بمحتوياته ونشاطاته الثقافية ليكون مكوّناً مساعداً على إحلال ثقافة التنوير في مجتمعنا بدل اخراجه ليكون على خطى ما سبقه متمثلاً في عرض كمية من الكتب التي يستطيع المهتم بنوعيتها أن يجدها في مكتبات الرياض أو غيرها من مكتبات مدن المملكة الأخرى بحيث تكون الميزة الوحيدة التي ربما يتوافرعليها قاصد المعرض هي أن يجد تلك الكتب معروضة أمامه في مكان واحد بدل تجميعها من مصادر مختلفة وبعيدة.

تعويلاً على ذلك الاحساس الايجابي فان ما نأمله ونتوقعه في نفس الوقت أن تكون تلك الفعالية الثقافية النوعية بداية وخطوة مهمة لانفراج حقيقي للخروج من شرنقة الوصاية الفكرية التي ظللنا نرزح تحت ثقل مطارقها زمناً طويلاً ولا نزال، وصاية كانت ولا زالت تحدد لنا ماذا نقرأ وكيف نقرأ ومتى نقرأ!!!! لقد أتى علينا حينٌ من الدهر أدركته والكثيرون من أبناء جيلي كنا فيه لا نستطيع أن نقرأ مقدمة الكتاب فضلاً عن الاسترسال في قراءة فصوله وأبوابه قبل أن نعرضه على أحد شيوخنا ليحدد لنا إن كان من ضمن ما تجوز قراءته أم لا، ولكم أن تستغربوا عندما تعرفوا أن عينة من تلك الكتب التي يحظر علينا شيوخنا قراءتها لم تكن روايات عالمية أو كتباً تجديفية أو مما تمس بمحتوياتها العقائد والأديان، لا بل انها كانت كتباً سلفية سنية، لكنها كانت تحتوي على تخريجات فقهية أو عقدية لا تقع موقع الرضا منهم هي أو القائلون بها، لا أنسى ذلك اليوم الذي حملت فيه لشيخي كتاب «سبل السلام» وهو كتاب سلفي لمؤلف سلفي هو «محمد بن اسماعيل الصنعاني» أسأله عن بعض المسائل فيه فأنبني على قراءتي له ونصحني بترك القراءة فيه لتعمد مؤلفه ايراد آراء «الهادوية» وهي احدى الفرق الزيدية المعتدلة.

لقد كان أبرز معالم فعاليات ذلك المعرض ما بدا وكأنه شبه اقتناع من قطاع مهم من قطاعات المجتمع من أن فرض الرأي الواحد من خلال تحديد ما يجوز قراءته وما لا يجوز لن يؤدي وفق ماهو متصور الى تحقيق أمن فكري مرتقب، بل على العكس من ذلك، ففي ظل العولمة الثقافية المتسارعة لن يكون التعايش الفكري معها المفروض بطبيعته ممكناً ما لم يتم الافساح للرأي الآخر والكتاب الآخر لأن يتعايشا جنباً الى جنب مع ما كان حاضراً وحده من قبل.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2006/03/15/article138314.html

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك