أزمة ثقافية

أزمة ثقافية

يوسف القبلان

    حوار الحضارات، ورفض التطرف الديني، والإساءة للأديان هي شعارات وأهداف ينادي بها الجميع ليس كعملية مرحلية تهدف إلى مكافحة الإرهاب ولكن كهدف استراتيجي يحقق السلام العالمي والتعايش بين الناس في أمن وسلام واحترام متبادل.

ويبدو أن البعض لم يتمكن حتى الآن من التفريق بين الأعمال الإرهابية التي يقوم بها أفراد متطرفون - وهي أعمال يرفضها المسلمون - وبين الإسلام كدين يحترم الأديان، والتسامح، ويدعو إلى المحبة والسلام والتكافل الإنساني والرحمة والعدل والمساواة.

يرفض المسلمون الإرهاب، ويرفضون ربط الإرهاب بالأديان، ومن الحكمة أن يتوجه القياديون في هذا الاتجاه وأن يكون لهم دور فعال في الحوار الإيجابي بين الحضارات لمصلحة الإنسانية.

ولهذا فإن العبارة التي استخدمها الرئيس الأمريكي بوش عن الإسلام عندما استعار مصطلح الفاشية لربطها بهذا الدين هي بالتأكيد خطوة لا يمكن أن تنتمي إلى الحكمة ولا تعبر عن رؤية ثقافية للشأن العالمي والسلام العالمي.

وفي نفس الإطار تأتي تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر المسيئة للإسلام فهي أيضاً لا تخدم حوار الحضارات، ولا علاقات التسامح، ولن تفيد أبداً في خطط مكافحة الإرهاب بل هي بمثابة الدعوة لمزيد من أعمال العنف، ومزيد من الكراهية حتى وإن لم تكن تهدف إلى ذلك، ولكن، ما هي الأهداف التي يمكن أن تحققها تلك التصريحات، أليست هي تعبيراً عن تشدد قد يقود إلى مزيد من التشدد؟ أليس من الوارد أن تكون ترجمة لفكر سياسي أو ضغوط سياسية؟

إن تلك التصريحات، وغيرها من الأقوال التي يطلقها زعماء سياسيون ودينيون تحفز في الذهن علامات استفهام وتعجب عن مدى فهم أولئك «المصرحين» للإسلام وهل يتفق مع العقل والمنطق أن يصل إلى المواقع القيادية من لا تتوفر لديه ثقافة كافية تساعده على التفاهم والتفاعل والقدرة على إصدار الأقوال والأحكام الحكيمة؟ وهل يغيب عن أذهان القياديين أن السلوكيات الفردية غير الأخلاقية، والأعمال الشريرة موجودة لدى الأفراد مهما كانت ديانتهم، وأن الدين الإسلامي هو دين المحبة والسلام، وأن كون بعض الأفراد المسلمين يرتكبون أعمالاً مسيئة للإسلام فإن هذا لا يبرر التهجم على قيم الإسلام، وهو ما ينطبق على المسيحية أيضاً فالإسلام بريء من سلوكيات بعض الأفراد المتطرفين، والإسلام يحارب الإرهاب من المسلمين وغير المسلمين لكن لا يجوز ربط الإرهاب بالأديان، ولا يجوز التعامل مع السلوكيات الفردية ومعالجتها بالتهجم على الدين. هذه نصائح توجه للشباب والمبتدئين، والطلاب، وليس للقادة والعلماء والمثقفين، وعندما نرد مثل هذا الكلام البديهي فهذا يعني أن العالم يعاني من وجود خلل فكري، ومن أزمة ثقافية يفترض أن يتصدى لها الحكماء، والقيادات الدينية والسياسية، وأن تكون الجامعات والمؤسسات العلمية ميداناً للحوار الحضاري بين الثقافات وليست ميداناً لتبادل الاتهامات وانتقاد الأديان بسبب تصرفات فردية منافية للقيم التي تنادي بها هذه الأديان.

إن قيم الإسلام هي قيم السلام، والخير، والعدل، والمحبة، والتكافل، والتراحم، واحترام حقوق الإنسان، وإذا قام بعض المسلمين بالخروج عن هذه القيم فهذا تقصير يلام فيه الأفراد ويحاسبون، أما الإسلام نفسه فهو أكبر من أن يتهم بالعنف أو عدم الانسجام مع العقل.

وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ يناشد المؤسسات والمراكز والهيئات الإسلامية مضاعفة جهدها والقيام بدورها خير قيام بتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين وإبراز سماحة الدين الإسلامي.

وأظن أن أقوى الأدوار التي يمكن للمسلمين القيام بها هو السلوك الإنساني الذي يترجم أخلاق الإسلام وسماحته. السلوك الذي يحول قيم الإسلام إلى واقع، وأما المراكز والمؤسسات فإنها إذا كانت حتى الآن لا تقوم بدورها في بناء الجسور، والحوار فهي لن تفعل إلا بتطويرها ويمكن القول إن تقصيرها واضح في هذه الفجوة بين الشرق والغرب، وفي هذا التوتر الثقافي والفكري، فلو كانت تقوم بمسؤولياتها لقام حوار حضاري ولما حصل هذا القصور في فهم الإسلام. ولعل أبلغ رد على ما حصل هو أن لا نعالج الخطأ بالخطأ وأن نكون قدوة للآخرين.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2006/09/19/article187663.html

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك