الحوار كخيار إنساني

الحوار كخيار إنساني

 

يوسف الكويليت

 

في مدريد، عاصمة اسبانيا تكامل عدد المتحاورين في مؤتمر الأديان، وحتى خيار هذه العاصمة التي شهدت تاريخاً مشتركاً مع العرب والإسلام، هي التي ستنظم عقد هذا اللقاء، والذي من خلاله سنرى كيف يكون مجال التسامح عقداً مشتركاً ليس لمرحلة، أو مناورة لمن تكون لديه القوة والغلبة في الحجة ومصادرها الأخرى، وإنما بالفهم الحقيقي لمصلحة أصحاب الديانات والعقائد أن يجعلوا البشرية تعيش حقيقة التعايش والتصالح دون تنافس أو حروب ساخنة وباردة..

فالحضارة الإنسانية لم تكن صناعة عالم واحد، أو جنس متفوق على الآخر، بل جاءت اسهاماً من كل الأمم والشعوب، والأديان التي صعدت بالإنسان من التخلف ثم التلاؤم مع محيطه، وجعل الإيمان وسيلته العليا، هي الالتزام الحقيقي أمام إله واحد فرض علينا عبادته وطاعته، وإذا كان الإسلام خاتم الأديان ومتممها، فإنه فتح آفاقاً في القيم والأخلاق، ورفض انتزاع الحقوق، أو ممارسة الاعتداء، وقد تعايش في ظله، كل أصحاب الديانات والمعتقدات، ولعل المملكة بشخص خادم الحرمين الملك عبدالله، عندما يكون الداعي والراعي للمؤتمر العالمي لحوار الأديان، فهو لا يرمز أن يكون الباحث عن نجومية القائد متخطياً هذا المفهوم إلى رسم خط التعايش بين الأمم والشعوب والعقائد والمعتقدات والانفتاح على كل الأفكار والآراء..

وفي هذا الاجتماع الذي من خلاله يتم بحث أصول الحوار في الأديان والحضارات، ومضمون أن يلتقي أصحاب هذه العقائد على رابط يجمعها على الخطوط العريضة ويضع التسامح خطاً متواصلاً، فإنه أول فتح تتبنى فكرته وخطوطه رائدة العالم الإسلامي التي تضم الحرمين الشريفين، والمهم والمتميز في هذه اللقاءات أن مواضيعها ومواقفها وحتى نتائجها لم ترسمها الدول، بل المجاميع الدينية التي افترضت البعد عن السياسات وأحابيلها. ولذلك لن تقيدها الرسميات أو (بروتوكولات) الحكومات ودوائرها، ويأتي هذا الاهتمام من ضرورات رآها أصحاب اللقاء أنها يجب أن لا تخضع لأهداف خارج سياقها الطبيعي، وفي هذا اختزال للوقت وتثمين للأفكار والآراء التي تتعدى بمضامينها خطط الغايات والوسائل..

فاحترام صاحب كل دين ومعتقد للآخر، لا تبقى إيجابياته في الحدود الضيقة إذا كان الجميع على ثقة بإيمانهم وصدقهم مع أنفسهم والآخر، والتغير الوحيد هنا، أن القائمين على الحوار يقودون اتجاهاً جديداً بعيداً عن التعصب أو الإكراه والكره، لأن كل صاحب عقيدة لديه قناعاته ورسالته ولا يتوقف على جعلها وسيلة حرب، وإنما مجال تسامح تحدده طبيعة كل أمة ودين، وليست القطيعة إلا الخط الساخن الذي خسرنا من خلاله كيف نتفاهم ونتصالح على خط مشترك وندافع من خلال رسالتنا السماوية كل حالات الإخلال بالمعايير الأخلاقية، والعلاقة الإنسانية، ومكافحة كل أمر شاذ عن الإنسانية السوية في سلوكها ومعاييرها في وقف الجريمة، وكل ما يتعارض عن نواميس الحياة..

وإذا كان العالم يعاني نقصاً في تنمية وعيه الأخلاقي، وأن هذه القضايا تعم معظم الشعوب والدول، فإن الحلول الدينية هي التي بدعوتها المتسامحة تستطيع أن تعيد السلوك السوي لكل الأمم بوقف الحروب والمجاعات وردم الهوة بين الأغنياء، والفقراء وجعل العدالة هرماً أسمى يتعالى على التناقضات وكل الخلافات..

المصدر: http://www.alriyadh.com/2008/07/16/article359590.html

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك