السلام في الإسلام مبادئ ... مفاهيم ... تطبيق
السلام في الإسلام
مبادئ ... مفاهيم ... تطبيق
إعداد
جيهان أحمد عثمان حسين
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }
النساء94
تقديم
السلام مبدأ من المبادئ التى عمق الإسلام جذورها فى نفوس المسلمين ، فأصبح عقيدة لهم وجزء من الكيان الإسلامى الصحيح .
والإسلام والسلام يلتقيان فى توفير الأمن والسكينة لكل الناس ، ومن أسماء الله الحسنى ( السلام ) ، وتبدأ التحية من المسلمين لأخوانهم المسلمين بالسلام ولفظها ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ، فقد كانت هذه التحية تحية آدم عليه السلام فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك ، نفر من الملائكة ، جلوس ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن .(1)
حتى القاء التحية على المخالفين فى دين الله تعالى نلقى عليهم السلام فنقول ( السلام على من اتبع الهدى )
فعندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكاتبة الملوك والأمراء أمثال :نجاشى الحبشة، ومقوقس مصر، وكسرى الفرس ، وقيصر الروم ، والمنذر حاكم البحرين .. وغيرهم كان بداية كتابه عليه الصلاة والسلام:
( بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى ... سلام على من اتبع الهدى )
والرسول عليه الصلاة والسلام هو حامل راية السلام ، لأنه الهادى ، والبشير ، والرحمة لهذه الأمة فيقول الله تعالى عن نبيه وصفيه عليه الصلاة والسلام :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
ويصف صلى الله عليه وسلم نفسه فيقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا أسماء . فقال " أنا محمد ، وأحمد ، والمقفي ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة "(2)
ودليل على أن السلام هو جزء من خير وثواب يضفيه على المسلم فى قول رسول الله صلى الله عليه والسلام "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان : فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" (3)
ويوضح الرسول عليه الصلاة والسلام أن السلام تحية أمته ، وأمنا وسلاما لأهل الكتاب فيقول صلى الله
1) صحيح البخاري ( 6227 )
2) صحيح مسلم ( 2355 )
3) صحيح البخاري ( 6077 )
عليه وسلم :" السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا" (1)
وفى الصلوات الخمس المكتوبة التى هى أساس الإسلام ولايصح إلا بها ، يلقى فيها المسلم السلام على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى عباده الصالحين وهذا فى التشهد، يقول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه :" كنا نقول : التحية في الصلاة ، ونسمي ، ويسلم بعضنا على بعض ، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قولوا التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فإنكم إذا فعلتم ذلك ، فقد سلمتم على كل عبد لله صالح ، في السماء والأرض . (2)
وتحية الله تعالى للمؤمنين تحية سلام ، يقول الله تعالى:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً }الأحزاب44. والسلام هو صفة أهل الجنة ، فقال الله تعالى : {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }مريم62.
وحتى إذا تعرض المسلم إلى خطاب الجاهلين فرده عليهم سلاما ، يقول الله تعالى : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }الفرقان63
وفى هذا الكتاب المعنون بـ ( السلام فى الإسلام ) نوضح أن السلام هو من مبادئ الشريعة الإسلامية ، ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم . سلام قوة ، لااستسلام ضعف .
• محاور البحث :
• الفصل الأول : مفهوم شامل عن السلام فى الإسلام :
1) مفهوم السلام فى الإسلام .
2) مبادئ السلام فى الإسلام .
3) مكانة السلام فى الإسلام .
4) الغاية من تحقيق السلام وأثاره .
• الفصل الثانى : السلام مع الآخر فى ضوء الشريعة الإسلامية :
1) المعاهدات التى عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام مع الكفار وأهل الكتاب ، والنتيجة التى عادت على المسلمين منها .والمعاهدات فى عهد الخلفاء الراشدين .
2) معاهدات السلام فى العصر الحديث
1) كتاب الشهاب: 324 والحديث له شواهد تحسنه .
2) صحيح البخاري ( 1202 )
• الفصل الثالث : سلام قوة ... لا استسلام ضعف :
1) هل السلام يعنى الاستسلام ؟
2) الإسلام وقوة السلام .
3) مبدأ الشريعة الإسلامية فى قضايا الحرب والسلام .
4) هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟( من الشبهات المتكررة )
• الفصل الرابع : تطبيق السلام فى العصر الحديث .
• مرفقات : قالوا عن الإسلام ( القرآن الكريم – محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم – الإسلام – انتشار الإسلام ومعاملة غير المسلمين – الحضارة الإسلامية ).
الفصل الأول
مفهوم شامل
عن السلام فى الإسلام
{أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً }الفرقان75
الفصل الأول
مفهوم شامل عن السلام فى الإسلام
1) مفهوم السلام فى الإسلام .
2) مبادئ السلام فى الإسلام .
3) مكانة السلام فى الإسلام .
4) الغاية من تحقيق السلام وأثاره .
==================================================
1) مفهوم السلام فى الإسلام :
السلام .. ذكر الله تعالى لفظة السلام فى كثير من آياته الشريفة ، فاطلق على الجنة ( دار السلام ) وجعل تحية أهلها السلام ، وألقى السلام على كثير من الأنبياء ( سلام على موسى ... سلام على هارون ... سلام على إبراهيم ... سلام على المرسلين )
وكما ذكرنا سالفا أن السلام من أسماء الله الحسنى ، يقول الغزالى فى كتابه ( المقصد الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى ) (1) : (( السلام هو الذي تسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وأفعاله من الشر، حتى إذا كان كذلك، لم يَكُن في الوجود سلامة إلا وكانت معزوة إليه صادرة منه. وقد فهمت أن أفعاله سالمة من الشر، أعني الشر المطلق المراد لذاته لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه، وليس في الوجود شيء بهذه الصفة. فالسلام، باعتباره اسماً من أسماء الله الحسنى، له قيمة مطلقة حتى إذا نزلنا إلى مرتبة البشر كان السلام نسبياً بالإضافة لا مطلقاً، وكانت قيمته الانسانية أقل بطبيعة الحال من قيمته الإلهية)).
والسلام في الإسلام بمعنى الأمان والاطمئنان بمعنى أنك إذا سلمت على إنسان فرد عليك السلام فقد دخل في عهد وأمان من أن تناله بسوء .
والسلام لغة : مأخوذ من مادة سلم ، وهى تعنى السلم ، والسلام ، والسلامة ، والتسليم ، والاستسلام ، والبراءة من كل عيب .
والسلام فى الاصطلاح : الاستعداد واتخاذ كل الوسائل المادية والمعنوية التى ترهب العدو ، وتمنعه من الإعتداء والمحاربة والقتال الذى يهدد النفس والعقيدة والأوطان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإسلام والسلام . مقال لمصطفى الرافعى .
2) مبادئ السلام فى الإسلام :
أعطى الإسلام الأولوية لمبدأ السلام فى معاملاته الإنسانية سواء فى حالة السلم أو الحرب ، فنجد أن :
1) فقد أنعم الله تعالى على قريش بالأمن والسلام والطمأنينة، وطالبهم بمقابلة هذا بعبادته وتوحيده ، وتركهم لعبادة الأصنام والأوثان ، وذكّرهم تعالى بهذا السلام فى قوله تعالى : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4}.... قريش 3-4 ، وأيضا أقسم ببلدهم الأمين فى قوله تعالى : } وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{1} وَطُورِ سِينِينَ{2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{3}... التين 1-3
2) الأمن والأمان جعلهما الله تعالى جزاء للمؤمنين فى الدنيا وذلك لأنهم يقرنون الإيمان بالعمل ، فيقول جل وعلا : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82
3) جعل الله تعالى الخوف وانتزاع الأمن من العقوبات التى تحل بالعصاة ، فيقول الله تعالى : {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112
4) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها .الراوي: - المحدث: الشوكاني - المصدر: فتح القدير - الصفحة أو الرقم: 2/44 - خلاصة الدرجة: صحيح . فهذا يدل على أن الأمان والسلام من أركان السعادة فى الدنيا .
5) لابد أن يكون السلام منهاجا للمسلم فى معاملاته وضميره ، ومع أسرته وباقى أفراد جماعته ، ثم ينتقل بذلك إلى السلام الدولى (1) فكما قال عمرو بن العاص رضى الله عنه لقائد الروم فى معركة أجنادين (( إننا دعاة سلام وإسلام ، نجاهد من أجل الحق وإعلاء كلمة الله ))
6) أقر الإسلام السلام للمحافظة على العلاقات الإنسانية وبخاصة مع الشعوب والقبائل بكافة أجناسها ، طالما لاتعتدى ولاتتآمر على المسلمين .
7) الوفاء بالعهود التى تحافظ على السلام والأمن ، يقول جل وعلا : {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91
8) وأيضا من مبادئ السلام أن لايخون المسلم ، ويجب عليه الوفاء بالعهد حتى ولو مع أعدائه ، ماداموا
(1) سنتحدث فى هذه النقطة فى الفصل الثالث من هذا الكتاب .
يحافظون على العهد ولا ينقضوه ، يقول الله تعالى : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ }الأنفال58.
9) من مبادئ السلام أيضا عدم امتهان الكرامة الإنسانية ، ولا اعتداء على حقوق الغير ولكن بدون مهانة للمسلم ولا إذلال ، يقول الله تعالى : {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35
3) مكانة السلام فى الإسلام :
1) الإسلام كلمة مشتقة من مادة السلام ، والإسلام هو دين الله تعالى الذى يجمع كل شرائع وعقائد الأديان السابقة التى أُنزلت على الرسل السابقين عليهم السلام ، وهو خاتم الأديان ، وهو الدين عند الله تعالى الذى سيقبله من كل عباده . يقول الله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ .... }آل عمران19.
2) للسلام مكانة فى الإسلام والدليل على ذلك أنه اسم من أسماء الله الحسنى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }الحشر23
3) اطلق الله تعالى على الجنة اسم ( دار السلام) لتكون مستقرا لعباده المؤمنين {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
4) وكما أسلفنا أن السلام تحية الملائكة للمؤمنين فى الجنة { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24}... الرعد 23 ،24 . والأعظم من هذا أنها تحية الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة مكافأة لهم على إيمانهم وطاعتهم لله تعالى {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً }الأحزاب44
5) وكى يكون السلام منهاجا للمسلم جعله الله تعالى فى الصلاة المكتوبة وفى قراءة المصلى للتشهد ، والتى يصلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى خليل الله إبراهيم عليه السلام ، وعلى عباد الله الصالحين .
ثم ينهى المسلم صلاته بإلقاء السلام مرة على يمينه والأخرى عن يساره ، وإذا انصرف من الصلاة يقول كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، فقد روى فى صحيح مسلم عن ثوبان رضى الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت ياذا الجلال والإكرام ) قيل للأوزاعى – وهو أحد رواة الحديث – كيف
(1) الأذكار ... المنتخب من كلام سيد المرسلين الأبرار عليه الصلاة والسلام . الشافعى . القاهرة . مكتبة دار التراث .
الاستغفار ؟ قال : تقول : أستغفر الله ، أستغفر الله .
4) الغاية من تحقيق السلام وأثاره :
إن تحقيق السلام يساعد على استقرار المجتمع بكل طوائفه ، بكل أفراده مسلمين وغير مسلمين . ونأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام مثالا فى تحقيق السلام ، والأمن ، والطمأنينة فى المدينة المنورة بعد هجرته إليها فأول شيئ فعله صلى الله عليه وسلم أنه عقد ميثاق التحالف الإسلامى ، أى عقد المؤاخاة بين المؤمنين ( مهاجرين وأنصار) أولا ، ثم بين المسلمين وبين اليهود فى المدينة ، وكانت من بين بنود السلم معهم : أن اليهود أمة مع المؤمنين ، لهم دينهم وللمسلمين دينهم .
وبذلك استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مجتمعا فى المدينة يسوده الأمن والسلام ، لقد كانت غاية الإسلام أن يجعل العهد فى المدينة عهد استقرارا وأمنا ، بعهد عهد الاضطراب والخوف فى مكة .
وكان الهدف الذى يرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيش الجميع فى وطنهم آمنين على أنفسهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، وأهليهم ، وأن يكونوا أحرارا فى عقائدهم وآرائهم ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان .
• مثالية الإسلام :
يقول الله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... }البقرة256، من منطلق هذا المبدأ يؤيد الإسلام العدل ويحرم الظلم ، بل ويحث على التعاون والرحمة والمودة والمؤاخاة بين الإنسان وأخيه الإنسان . ومن خلال هذا الإحترام الإنسانى والعقلى والفكرى ، لايكره الإنسان على مايعتقده من عقيدة ، أو اعتناقه فكرة من الأفكار .
ويكون دور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ رسالة ربه ويكون مبشرا ونذيرا ، يقول الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46}.. الأحزاب 45 ،46
• العلاقات الإنسانية فى الإسلام :
حددت الشريعة الإسلامية ونظمت العلاقات بين الناس ، مسلمين كانوا أو غير مسلمين ، ومبادئ هذه المعاملات تجعل المجتمع يعيش فى أمن وسلام وطمأنينة ، ونستعرض هنا :
- العلاقات بين المسلمين بعضهم ببعض .
- العلاقات بين المسلمين وغيرهم .
- الحرية الدينية لغير المسلمين .
- العلاقات بين المسلمين بعضهم البعض :
يقول الله فى كتابه العزيز : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71
ويقول صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .(1)
فالرباط بين المسلمين فى الإسلام يجمع قلوبهم ، ويجعلهم صفا واحدا وهذا يقيهم عوامل الفرقة والضعف . ووحدة الكيان والصف تلك تحقق رسالة الإسلام فى عبادة الله تعالى وحده لاشريك له ، وإعلاء كلمة الإسلام والجهاد فى سبيل الله تعالى – إن استدعى الأمر ذلك – بهدف استقرار هذه المبادئ واعلاءها .
والمبدأ الأول الذى يجمع المسلمين بعضهم ببعض هو ( الإيمان ) فهو الذى يجعلهم إخوة ويؤلف بين قلوبهم فقد قال صلى الله عليه وسلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا . ثم شبك بين أصابعه . وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ، إذ جاء رجل يسأل ، أو طالب حاجة ، أقبل علينا بوجهه فقال : اشفعوا فلتأجروا ، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء .(2)
.وأوضح صلى الله عليه وسلم التراحم والتعاطف والمودة بين المؤمنين بعضهم ببعض فى قوله : ترى المؤمنين : في تراحمهم ، وتوادهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضوا ، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى .(3)
وقد حث الإسلام على الترابط فدعى الله تعالى على روح الجماعة ، فيقول صلى الله عليه وسلم : طعام الاثنين كافي الثلاثة ، وطعام الثلاثة كافي الأربعة .(4)
حتى العبادات فلاتؤدى إلا فى جماعة ، فنرى الصلاة فى جماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ،
1) صحيح البخاري 6951
2) صحيح البخاري 6026
3) صحيح البخاري 6011
4) صحيح البخاري: 5392
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة .(1)
وأيضا الزكاة تعامل بين الغنى والفقير ، ورحمة من الغنى على الفقير . ويتساوى فى الصيام جميع أفراد المجتمع من غنى وفقير ويكون الجوع والعطش متساو لهم جميعا فى نهار رمضان ، وتتضح الجماعة فى وقت الأفطار فكل المسلمون يتناولوا طعام الإفطار فى موعد محدد وهو وقت أذان المغرب .
وأكثر مثالا يدل على روح الجماعة فى الإسلام وترابط المؤمنين وقت الحج ، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الترابط وعدم الفرقة حتى ولو فى المظهر الخارجى لهم ، فنهاهم عن الجلوس متفرقين .
فالفرقة تؤدى إلى الضعف ، والضعف يؤدى إلى الهزيمة ، والتفكك يؤدى على عدم شعور بالأمان والسلام ، ويؤدى الضعف أيضا إلى مهاجمة أعداء الإسلام لديار المسلمين فتذهب السلامة والأمان والطمأنينة ، يقول الله تعالى محذرا من الفرقة . {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }آل عمران105
ولكن هناك فئة من الممكن أن تضل وتفترق عن روح الجماعة وتكون طائفة باغية من المسلمين ، وهذه الطائفة تهدد الأمن والسلام المنشودان لهذا المجتمع ، وهى بذلك تهدد استقراره وأمنه .
فماذا يحدث إذا بغت هذه الفئة المسلمة ؟ وماذا يفعل المسلمون حيال هذا البغى ؟
يقول الله تعالى : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9
فهنا أمر من الله تعالى أن يصلحوا (2)-أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما, فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك, فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله, فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف .
أى وجبت الشريعة الإسلامية قتال الباغى حتى يرجع إلى العدل ويعود إلى جماعة المسلمين ، وقد قاتل الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضى الله عنه مانعى الزكاة . وأجمع الفقهاء أن هذه الفئة لاتخرج من الإسلام لأن الله تعالى وصفهم بالإيمان فى الآية الكريمة .
1) اصحيح مسلم 650
2) التفسير الميسر . تفسير سورة الحجرات .
وبذلك لايقع عليهم من أحوال الحروب ما يقع مع الأعداء فلايقتل زعيمهم ، ولاتغنم أموالهم ، وليس لهم سبايا ، ومن قُتل منهم يغسل ويُصلى عليه .
ولتحقيق الأمن والسلام فى المجتمع كان لابد من تحديد مواصافات هذه الفئة الباغية حتى لايعبث ضعاف النفوس أو غيرهم ويطلقون على أى فئة من المؤمنين هذا التعبير ( الفئة الباغية ) ويبيحوا لأنفسهم قتالهم والبغى عليهم ، وهذه المواصفات هى :
1) الخروج عن طاعة الحاكم العادل التى جعلها الله واجبة على المسلمين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
2) لابد أن تكون الفئة الباغية عددها كبير ، ولها قوة معترف بها أى لايتم القضاء عليها إلا عن طريق اعداد العدة والعداد .
3) يكون لها قائدا مطاعا تنفذ كل أوامره .
4) لها قانونا أو منهجا فكريا تتبعه .
الفصل الثانى
السلام مع الآخر فى ضوء الشريعة الإسلامية
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي َأَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
الفصل الثانى
السلام مع الآخر فى ضوء الشريعة الإسلامية
1) المعاهدات التى عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام مع الكفار وأهل الكتاب ، والنتائج التى عادت على المسلمين منها. والمعاهدات فى عهد الخلفاء الراشدين .
2) معاهدات السلام فى العصر الحديث .
======================================================
حدد الله تعالى العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم من غير المسلمين على سبيل أنهم خلق الله جميعا ، وأنهم شعوبا وقبائل وأساس علاقتهم التعارف . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
وهذه الآية الكريمة توضح أن هذه العلاقة ، علاقة بر ورحمة ، وتعاون ، وعدل . ووصانا الله تعالى فى كتابه الكريم أن نتسم بالعدل مع غير المسلمين ، ونبرهم ، ولاتُقطع الصلات الإنسانية معهم ، يقول الله تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8
أى : لا ينهاكم الله(1) -أيها المؤمنون- عن الذين لم يقاتلوكم من الكفار بسبب الدين, ولم يخرجوكم من دياركم أن تكرموهم بالخير, وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرِّكم بهم. إن الله يحب الذين يعدلون في أقوالهم وأفعالهم.
ولكن علينا أن لانخلط بين المعاملة بالحسنى وتقوية الصلات الإنسانية وبين موالاة الكافرين ، والتى تتمثل فى فى مناصرتهم على المسلمين ، والرضى على كفرهم ، مشاركتهم فى احتفالات أعيادهم ، يقول الله تعالى : {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ }آل عمران28
* الموالاة التى نهى الله تعالى عنها :
نهى الله تعالى على اتخاذ غير المسلمين بطانة أو تقوية عدادهم ضد المسلمين ، بل أجاز الله تعالى
(1) تفسير الجلالين . المصحف الرقمى الألكترونى .
مقاطعتهم وجعله أمرا دينيا واجبا ، ففى الآية الكريمة : {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }النساء89
فهنا توضح الآية الكريمة تمنَّى المنافقون (1) لكم أيها المؤمنون, لو تنكرون حقيقة ما آمنت به قلوبكم, مثلما أنكروه بقلوبهم, فتكونون معهم في الإنكار سواء, فلا تتخذوا منهم أصفياء لكم, حتى يهاجروا في سبيل الله, برهانًا على صدق إيمانهم, فإن أعرضوا عما دعوا إليه, فخذوهم أينما كانوا واقتلوهم, ولا تتخذوا منهم وليّاً من دون الله ولا نصيرًا تستنصرونه به.
ووصف الله تعالى من يواليهم بالمنافقين ، فقال سبحانه وتعالى : { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً{139}....النساء 138-139
فوصفت هذه الآيات المنافقين بصفات ، هى :
1) المنافقون هم من يتوددون للكفار ، وينصروهم على المؤمنين سرا .
2) يعتقدون بذلك أنهم يكسبون العزة والقوة من الكافرين ، ونسوا قول الله تعالى { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8
3) ليس لهم انتماء لأحد فإذا انتصر المسلمون والوهم ، وإذا انتصر الكفار انتظروا مكسبا ماديا منهم لمساعدتهم فى الانتصار على المسلمين .
4) وحكم الإسلام فيهم واضح لأن أفعالهم تلك تعد خيانة للمسلمين ، وزعزعة الاستقرار والأمن فى المجتمع الإسلامى ، وبذلك تضيع سبل السلام فيه . وأول حكم لهم أن لايصلى عليهم عند الوفاة ، يقول الله تعالى : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة84
وفيه أمر من الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام ، فيقول الله تعالى : ولا تصلِّ -أيها الرسول- أبدًا على أحد مات من المنافقين, ولا تقم على قبره لتدعو له; لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.
وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحاربهم ، فيقول جل وعلا :
(1) تفسير الجلالين . المصحف الرقمى الألكترونى .
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}المائدة33
• لاإكراه فى الدين :
كفل الإسلام الحرية الدينية لغير المسلمين ، وعدم إكراه أحدهم على اعتناق الدين الإسلامى بالقوة ، ماداموا يعيشوا فى ديار المسلمين فى سلام ، ولا يتآمروا عليهم ، ويدفعون الجزية.
ومن مظاهر الكفالة الدينية التى كفلها الإسلام لغير المسلمين :
أولا :لايتم إكراههم على اعتناق الإسلام ، تبعا لقول الله تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256
ثانيا :أعطى الإسلام الحق لغير المسلمين فى ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهم ‘ فلا تُهدم لهم كنيسة ، ولايُكسر لهم صليب .فقد ترك صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى فى المدينة على دينهم إلا من آتى بقلب سليم وهداه الله للإسلام .
ثالثا : أباح لهم الإسلام مايحل لهم من طعام ، فلا يقتل لهم خنزير ولا تراق لهم خمر .
رابعا : لهم الحرية التامة فى قضايا الزواج ، والطلاق ... إلخ وفقا لشريعتهم .
خامسا : جعلت لهم الشريعة الإسلامية الحق فى الجدل والمناقشة فى حدود العقل والمنطق ، مع عدم التطاول وسب ، فيقول الله تعالى : {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
وأيضا وصى المسلمين باحترام دينهم ولا نتطاول عليهم حتى يسبوا الله ورسوله عن جهالة ، فحذر الله تعالى المسلمين من ذلك فى قوله : {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام108
بل وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأذى ذميا فيقول عليه الصلاة والسلام : من آذى ذميا فأنا خصمه .(1)
سادسا : أحل الإسلام طعامهم ، والتزوج بنسائهم فى قوله تعالى :
1) حديث حسن ذكره الزرقانى فى مختصر المقاصد 960
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة5
سابعا: أعطى لهم الإسلام كافة حقوق المسلم ماعدا الميراث فلايرث كافر مسلم ، ولا مسلم كافرا .
ثامنا : أباح الاسلام زيارتهم ، وعيادة مرضاهم .
• المعاهدات التى عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام مع الكفار وأهل الكتاب :
1) كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار :
هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعدما شعر أن مكة أصبحت دارا غير آمنة للدعوة الإسلامية وللمسلمين ، وبناء على أمر الله تعالى لنبيه كان لابد أن يهاجر إلى مجتمع جديد يتواجد فيه الأمن والآمان حتى يتمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء مجتمعا إسلاميا جديدا ليكون نواة للدولة الإسلامية التى ارتضاها الله تعالى لعباده ، والتى يدينون فيها بالدين الإسلامى الذى يرتضيه الله تعالى لعباده . {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ .... }آل عمران19
2) المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار :
بعد أن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد النبوى الذى لم يكن لأداء الصلوات فقط ، ولكن مكانا لتلقى تعاليم الدين الإسلامى .
قال ابن القيم : (( ثم آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا ، نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار .... إلى آخر كلامه )) (1)
وبهذا الإخاء ذابت كل عصبية ، وتلاشت كل فروق من نسب ولون ، فلا انتماء سوى للإسلام . وقد وضع فى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة بنود حتى تقوى هذه المؤاخاة وتدوم ، وهى :
1- أنهم أمة واحدة ، والمهاجرون من قريش على حالهم قبل الإسلام وكذلك الأنصار ، وكل طائفة تساعد ضعفائها وتأمرهم بالمعروف وتعدل بينهم .
2- يتحالف المؤمنون فيما بينهم على من بغى منهم ، أو ابتغى ظلما أو فسادا بينهم .
3- لايُقتل مؤمن مؤمنا بكافر ، ولا يُنصر كافرا على مؤمن .
4- من اتبع المسلمون من اليهود عليهم مثل ما على المسلمين من نصرة .
(1) زاد الميعاد 2/56 .
5- إن سلم المؤمنين واحدة ، لايسالم مؤمنا دون مؤمن فى قتال فى سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم .
أثر هذه المؤاخاة على المجتمع المدنى :
1- أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد يقوم على دعائم الإسلام ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يتعهد المسلمين بالتعليم ، ويحثهم على مكارم الأخلاق ، ويعلمهم كيفية عبادة الله تعالى وطاعته . أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : ( تطعم الطعام ، وتقرأ السلام ، على من عرفت ، وعلى من لم تعرف ) .
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 28
خلاصة الدرجة: [صحيح]
2- أُزيلت كل أسباب الحقد والحسد التى كانت موجودة فى الجاهلية ، اتباعا لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) . (1)
3) المعاهدة مع يهود المدينة :
نظم الرسول عليه الصلاة والسلام العلاقة مع غير المسلمين ، بقصد ارساء دعائم الأمن والسلام فى المجتمع . وكانت اليهود تجاور المسلمين من المهاجرين والأنصار فى المدينة ، فكان لابد من عقد معاهدة معهم لإرساء قواعد هذا الأمن والسلام .
وكانت بنود المعاهدة فيها عدل وإنصاف لليهود(2) ، وهى :
1- أن اليهود أمة مع المؤمنين .
2- أن بين اليهود والمسلمين النصح والبر .
3- إذا حدث خلافا بين اليهود والمسلمين فمراده لله تعالى ولرسول الله صلى الله عليه وسلم .
4- لاتجارة مع قريش ولا مع من يحالفها .
ومن أثر هذه المعاهدة صارت المدينة تحت كلمة الإسلام والمسلمين يعيش أهلها بكافة عقائدهم فى سلام .
(1) صحيح البخاري: 2442
(2) سيرة ابن هشام 2/92
4)صلح الحديبية :
بعد أن أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم المجتمع الإسلامى فى المدينة ، وأصبحت الظروف لصالح المسلمين بعد انتصارهم على الكفار فى غزوات عدة ، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا أنه دخل المسجد الحرام مع أصحابه معتمرين ومحلقين ، فدعى المسلمين للخروج للعمرة فخرجوا معها ، ولكن أبت قريشا أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتمرا .
وبعد مباحثات عدة ذكرتها كتب السيرة تم عقد صلح الحديبية ، وكانت بنوده :
1- يرجع الرسول عليه الصلاة والسلام من عامه هذا فلا يدخل مكة ، وفى العام القابل يدخلها مع المسلمين ثلاثا ليس معهم سوى سلاح الراكب .
2- وضع الحرب بين قريش والمسلمين مدة عشر سنوات .
3- من أحب أن يدخل فى عهد محمد دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل فى عهد قريش دخل فيه .
4- من أتى محمدا من قريش من غير إذن وليه – أى هاربا منه – رده محمدا إليهم ، ومن جاء قريشا من عند محمد – أى هاربا منه – لا ترده قريش إليه .(1)
الأثار التى ترتبت على صلح الحديبية :
1- اعترفت قريشا بالمسلمين كقوة ، وأنها لاتستطيع مقاومتهم .
2- بدأت زعامة قريش الدينية تتقلص عن البيت الحرام .
3- تفرغ الرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمين للدعوة ، فقد كان عدد المسلمون حتى وقت الهدنة ثلاثة ألاف ، صار بعد سنين وفى فتح مكة عشرة ألاف .
4- أما البند الرابع فيه مكسب للمسلمين عن قريشا ، فمن كان مسلما حقا فلا يفر من الإسلام ، ومن يرتد فإن انفصاله عن المجتمع الإسلامى خير من بقائه فيه ، وقد أبعده الله عن المسلمين ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث مطول رواه مسلم فى باب صلح الحديبية : ( إنه من ذهب منا إليهم ، فأبعده الله . ومن جاءنا منهم ، سيجعل الله له فرجا ومخرجا ) .(2)
5- فى السنة لسابعة من الهجرة أسلم أبطال قريش : عمرو بن العاص ، وعثمان بن طلحة ، وخالد بن
(1) اعترض الفاروق عمر رضى الله عنه على هذا البند . فأتى أبا بكر وقال : فعلام نعطى الدنية فى ديننا ؟ فقال : الصديق رضى الله عنه : ياعمر الزم غرزه فإنى أشهد أنه رسول الله ( سيرة بن هشام 3 / 261 )
(2) صحيح مسلم 1784
الوليد رضى الله عنهم وأرضاهم حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها ).
6- بدأت فى سنى المعاهدة أن تركز النشاط فى الدعوة ومكاتبة الملوك والأمراء . فكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى : النجاشى ملك الحبشة ، والمقوقس ملك مصر ، وكسرى ملك الفرس ، وقيصر الروم ، وصاحب اليمامة ، وصاحب دمشق ، وملك عمان .
وبدأ ايضا النشاط العسكرى وتكوين الجيش الإسلامى الذى كانت نتيجته فتح مكة .
5) معاهدات الرسول عليه الصلاة والسلام مع القبائل المجاورة للمدينة :
كان الهدف من المعاهدات التى عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام فى العام الثانى الهجرى (1) مع القبائل المجاورة للمدينة ، هو :
1- اتخاذ صفة المحايدة لتلك القبائل وعدم تعاونها مع المشركين ضد المسلمين .
2- تأمين الحدود الخارجية للدولة الإسلامية الجديدة .
3- اعتراف هذه القبائل بدولة الإسلام .
4- تهيئة هذه القبائل لقبول الإسلام .
معاهدة بنى ضمرة :
نص وثيقة المعاهدة : "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ -إلا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ - مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى ." . وكانت هذه المعاهدة عقب أول غزوة للنبي وهي الأبواء أو ودان (في صفر 2هـ - أغسطس 623 هـ )
كما عقد النبي معاهدة مع بَنِي مُدْلِجٍ في ( جمادي الأولى 2هـ- نوفمبر 623 م) ، وكانت على نفس النحو من وثيقة بني ضمرة .
معاهدة جهينة :
وتسكن هذه القبيلة فى منطقة ( العيص ) وهى على ساحل البحر الأحمر ، ونص المعاهدة لايختلف كثيرا عن المعاهدات السابقة :
(1) لم يتحدد التقويم الهجرى إلا فى عهد الخليفة الراشد الثانى الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
( أنهم أمنون على أنفسهم وأموالهم ‘ وإن لهم النصرة على من ظلمهم أو حاربهم إلا فى الدين والأهل ...)
وتدل هذه الوثائق والمعاهدات على أخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم السامية ، التى تأمن السلم والسلامة لحيرانه من القبائل الأخرى ، ويضمن لهم صلى الله عليه وسلم الأمن والأمان على الأموال والأنفس .
حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على نشر السلام :
1) موقفه من بناء الكعبة قبل البعثة :
كان حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على استخدام الحل السلمى حتى قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، ونأخذ حادثة بناء الكعبة التى حدثت قبل البعثة كدليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على حط أوزار الحرب واللجوء للحل السلمى أولا .
لما بلغ محمد صلى الله عليه وسلم الخامسة والثلاثين ، تعرضت الكعبة للهدم بسبب ( سيل العرم ) فاضطرت قريشا إلى تجديد بنائها مع حرصها على بقاء الحجر الأسود مكانه .
واختلفوا فيما بينهم من سينال شرف وضعه فى موضعه ، وتنازعوا أياما حتى كادت أن تنشب بينهم حربا إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحتكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد (1) فارتضوا بهذا الحكم ، فشاء الله تعالى أن يكون أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( محمد الأمين كما كانوا يطلقون عليه ) .
فطلب صلى الله عليه وسلم رداء فوضع الحجر الأسود وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه حتى إذا أوصلوه إلى موضعه ، رفعه بيده الشريفة ووضعه فى موضعه .
وبهذا بهذه الحكمة والحرص على الأمن والسلامة والسلام مُنعت حربا كانت ستقوم بين القبائل وذلك بحكمة وتفكير صلى الله عليه وسلم الذى يميل للسلم ويحرص على انتشار الأمن حتى قبل بعثته ، وهذا ما قال عنه الله تعالى فى وصفه لنبيه فى آياته المحكمات ، يقول الله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ .... }آل عمران159
2) موقف له صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب :
من المواقف الدالة على حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على الحل السلمى أولا ، ماحدث فى غزوة
(1) ابن سيد الناس .عيون الأثر 1 / 75
الأحزاب ( شوال 5هـ / مارس 627م ) فقد حاصر المشركون المدينة ، واشتد الحصار والبلاء على المسلمين مما أدى إلى أن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف ( قائدا غطفان فى جيش الأحزاب ) وعرض عليهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا ممن آتى معهم لمحاربة المسلمين.
فأحضر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيفة والدواة ودفعهما لعثمان بن عفان رضى الله عنه ليكتب الصلح ، فبعث صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضى الله عنهما واستشارهما ، ولكنهما رفضا الفكرة ونزل الرسول عليه الصلاة والسلام على رأىالجماعة ولم يتم الصلح .(1)
والشاهد من هذا الموقف أن رسول الله كان حريصا كل الحرص على تجنب لحل العسكرى وكان يميل صلى الله عليه وسلم نحو الحل السلمى أولا .
3) موقف الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمير بن وهب :
جلس عمير بن وهب (2) مع صفوان بن أمية بعد غوة بدر ، وذكرا قتلى المشركين فى بدر . فقال صفوان: مافى العيش خير بعدهم . فقال عمير : والله صدقت ، أما والله لولا دين علىّ ليس له عندى قضاء ، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى ، كنت آتى محمدا حتى أقتله .
فاغتنم صفوان الفرصة وقال له : علىّ دينك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا . فكتما الأمر ، وأخذ عمير سيفه ووضع عليه السم وذهب إلى المدينة . فبصره الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال : ( هذا الكلب عدو الله عمير ماجاء إلا بشر ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأدخله علىّ . فأدخله عمر بن الخطاب بعد أن أخذ سيفه ، فقال عمير : أنعموا صباحا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك ياعمير ، بالسلام تحية أهل الجنة . وأخبره الرسول عليه الصلاة والسلام بما جرى بينه وبين صفوان بن أمية . فقال عمير : أشهد أنك رسول الله فقد كنا يارسول الله نكذبك بما تأتى به من خبر السماء وبما ينزل عليك من الوحى ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله لا أعلم ما أتاك به إلا الله تعالى فالحمد لله الذى هدانى للإسلام وساقنى هذا المساق ، ثم شهد شهادة الحق .
الشاهد هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثر السلام مع عمير برغم أن عميرا كان يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لديه من القوة أن يأمر عمر بن
(1) ابن كثير . البداية والنهاية ( السيرة النبوية 3 / 201 )
(2) صلاح بدوى . مواقف ايمانية فى سيرة خير البرية صلى الله عليه وسلم 1 / 33
الخطاب رضى الله عنه بقتله ولكنه آثر أن يبدأه بتحية الإسلام ، تحية الله تعالى ، تحية أهل الجنة ، فكانت النتيجة دخول عميرا فى الإسلام .
وكما حرص صلى الله عليه وسلم على السلام والأمن وعقد المعاهدات لتنعم روح الطأنينة فى الجزيرة العربية ، حرص الخلفاء الراشدين من بعده على ذلك .
المعاهدات أثناء الخلافة الراشدة :
أولا: خلافة أبو بكر الصديق رضى الله عنه :
- كتاب خالد بن الوليد لأهل الحيرة :
بسم الله الرحمن الرحيم : (( إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أمرنى أن أسير بعد مثنصرفى أهل اليمامة إلى أهل العراق من العرب والعجم ، بان أدعوهم إلى الله جل ثناؤه ، وإلى رسول رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ,ابشرهم بالجنة وأنذرهم من النار ، فإن أجابوا فلهم ما للمسلمين وعليهم ماعلى المسلمين .
وقد دعا خالد بن الوليد أهل الحيرة إلى دعوة الله ورسوله ، ولكن طلبوا منه أن يصالحهم على ماصالح غيرهم من أهل الكتاب فى إعطاء الجزية ، فصالحهم على ستين ألفا يدفعون الجزية ، واشترط عليهم :
1- لايعينوا كافرا على مسلم من العرب أو العجم .
2- لايدلوهم على عورات المسلمين .
3- إن حافظوا على هذا العهد والميثاق ، فلهم ما للمعاهد ، وعلى المسلمين المنع لهم ، وإن خالفوا فلا ذمة لهم ولا أمان .
4- على المسلمين مساعدة الفقراء والشيوخ منهم ، وعليهم أيضا نفقتهم ونفقة عيالهم ماداموا فى دار الإسلام .
5- لهم كل مالبسوا من الزى إلا زى الحرب .
وكذلك كاتب خالد بن الوليد رضى الله عنه معاهدة مع أهل باروسما وأليس ، ومن باب عدم التمثيل بالجثث كاتب الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضى الله عنه (1) يمنع فيها إرسال رؤوس كبار القنلى إليه ، فكتب لعامل الشام : ( إنما يكفيكم الكتاب والخبر )
(1) سنن سيد بن منصور . القسم الثانى . رقم 2653
ثانيا : خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه :
- تعليمات عمر بن الخطاب للمجاهدين : لاتغلوا ، ولاتغدروا ، ولاتمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، واتقوا الله فى الفلاحين الذين لاينصبون لكم الحرب ، ولاتفرقوا بين الأخوين ، ولا بين الأم وولدها (1) .
- كتاب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص حين فتح العراق (2) : وفيه وصية لسعد بن أبى وقاص رضى الله عنه :
1) ينظر ما أجلب الناس عليه إلى العسكر من كراع ومال ، فيقسمه بين من حضر من المسلمين .
2) يترك الأرضين والأنهار لعمالها .
3) يدعو من لقيه إلى الإسلام قبل القتال ، فإن قبل منهم أحدا الإسلام فهو رجل من المسلمين وماله لأهل الإسلام .
- معاهدة مع أهل النوبة : نصها : ( عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبى سرح لعظيم النوبة ، عهد عقدهعلى الكبير والصغير من أهل النوبة أن جعل لهم أمانا وهدنة جارية بينهم وبين المسلمين . وأن معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله ، أن لايحاربوهم ولا يغزوهم مادامت الشرائط بينهم (3).
* المعاهدات الدولية فى العصر الحديث :
تعددت أشكال المعاهدات فى العصر الحديث ، منها التجارية ،والملاحية ، وحقوق الإنسان ... إلخ هذه المعاهدات . والتاريخ البشرى والدولى يعرض العديد والعديد من تلك المعاهدات .
اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات :
اُعتمدت هذه الإتفاقية من قبل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن قانون المعاهدات ، وعُقد بموجب قرارى الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2166 / 5ديسمبر 1966م ، وقرار رقم 2287 / 6 ديسمبر 1967 م .واعتمدت الإتفاقية فى ختام أعماله فى 22 مايو 1969م ، وعُرضت للتوقيع فى 23 مايو 1969م ، ودخلت حيز التنفيذ فى 27 يناير 1980 م .
(1) سنن سعيد بن منصور . القسم الثانى .رقم 2625
(2) ابن الجوزى . تاريخ عمر بن الخطاب صفحة 69
(3) والأمثلة كثيرة فى العهد النبوى وعهد الخلفاء الراشدين ، ننصح بمراجعة كتب السيرة والمغازى لتبيين مدى سماحة الدين الإسلامى وحرصه على بعث روح الأمن والسلام والطمأنينة فى المجتمعات الإسلامية واحتراما لمن يجاوروهم من قبائل أولا ثم دولا .
واحتوت هذه الاتفاقية على أن تعترف الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية ، وتقديرا منها للدور الأساسى للمعاهدات كمصدر للقانون الدولى وتطوير التعاون السلمى بين الدول مهما كانت نظمها الدستورية والإجتماعية .(1)
وتأكيدا منها بأن المنازعات المتعلقة بالمعاهدات يجب أن تسوى بالطرق السلمية ووفقا لمبادئ العدالة والقانون الدولى .
أثار المعاهدات الدولية على المجتمعات الدولية (2) :
- مشروع قانون المعاهدات الذى وضعته لجنة القانون الدولى عام 1966م شكل نقطة تحول هامة لصالح المعاهدات الدولية .
- تنعكس أثار المعاهدات الدولية على الدول الأطراف فى مدى قوتها الإلزامية ، وعدم رجعيتها ، وفى مجال تطبيقها .
- وتنعكس تلك الأثار أيضا على النظام الداخلى للدول والقواعد المنظمة لسلطاتها الداخلية : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية ، وتنظم أيضا حقوق الأفراد وحرياتهم .
- والإلتزام بالاتفاقيات أو المعاهدات الدولية تلك أتت بها الشريعة الإسلامية من قبل وضع أى مواثيق أو مواد لتلك المعاهدات فى قوله جل وعلا :
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91
وأكدته السنة النبوية الشريفة فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة . وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال ، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ، ولا تابع في هذا الأمر ، إلا كانت الفيصل بيني وبينه .(3)
(1) شبكة المحامون العرب ( موقع ألكترونى )
(2) إيزغوين . آثار المعاهدات الدولية . مذكرة لنيل شهادة الماجستير فى القانون الدولى والعلاقات الدولية . جامعة الجزائر .
(3) صحيح البخارى 7111
الفصل الثالث :
سلام قوة ... لا استسلام ضعف
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139
الفصل الثالث
سلام قوة ... لا استسلام ضعف
1) هل السلام يعنى الإستسلام ؟
2) الإسلام وقوة السلام .
3) مبدأ الشريعة الإسلامية فى قضايا الحرب والسلام .
4) هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟ ( من الشبهات المكررة )
==========================================================
1) هل السلام يعنى الإستسلام :
إن الأمة الإسلامية ترحب بالسلام ، السلام الذى يعطى كل ذى حق حقه ، ويرد الظالم عن ظلمه . إن الأمة الإسلامية أمة السلام ، والدين الإسلامى ولاشك هو دين السلام . يقول الأستاذ / سام محمد حامد على : (1) ( السلام الحقيقى نحو المسلمين نرحب به بكل الترحيب صحيح أنهم يتهموننا نحن المسلمون بأننا أمة حرب ، وأن الإسلام انتشر بحد السيف وأن الأمة الإسلامية لاتعرف سوى السيف . وهذا كذب على الأمة وافتراء على الدين ، فالسيف لايفتح قلبا ولاعقلا ، قد يفتح أرضا ولكن من الذى يفتح العقول والقلوب لتؤمن ، ليس هو السيف ، والإسلام إنما شهر السيف فى وجه أعدائه الذين حاربوه بالسيف وبالعنف من أول يوم ، كان رفع الإسلام للسيف دفاعا عن نفسه ، عن حرمانه من الدعوة التى صدوا عن سبيلها ووقفوا فى وجهها ، ولاننسى موقف الرسول عليه الصلاة والسلام لمن يأتيه من أصحابه الذين صبت عليهم قريشا العذاب . فكانوا يعرضوا حمل السلاح عليه صلى الله عليه وسلم للدفاع عن أنفسهم ، فكان يجيب عليه السلام : ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) ، حتى آذن لهم الله تعالى بالجهاد ، عندما نزل قول الله تعالى : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39
ليس معنى هذا أن صمت الرسول صلى الله ععليه وسلم عن أذى قريش ، أو عدم أمره لأصحابه بالدفاع عن أنفسهم فيه شيئ من الضعف . ولكن لعدة أمور :
1) كان عدد المسلمين قليلا بحيث لايستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم ، لأنهم بالنتيجة المنطقيةتكون قوتهم ضعيفة أمام قريشا بمالها منسلطة وقوة وبذلك يتم القضاء عل الدعوة الإسلامية فى مهدها .
2) كانت بداية الدعوة إرساء مبادئ الوحيد لله تعالى ، أى نشر الدعوة الإسلامية بين أكبر عدد من الأفراد
(1) صاحب ومدير موقع المسلمون الأحرار عن مقال للشيخ القرضاوى ( بتصرف )
حتى يكونوا أساساً متيناً للدعوة ولإنتشار الدين الإسلامى .
3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر من قِبل الله تعالى بالجهاد ، فهو رسول الله لاينطق عن الهوى إنما هو وحى يوحى ، فلم يأمره الله تعالى بالجهاد عن طريق الوحى ، وعندما فُرض الجهاد نفذه عليه الصلاة والسلام من ساعته .
الشاهد هنا أن المسلمون الأوائل هم الذين اضطهدوا وتم إيذائهم ، وطردوا من ديارهم ، وسُلبت أموالهم .وكان ذنبهم أنهم قالوا : ربنا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الدين عند الله الإسلام .
كان سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام قوة وعزة لهذا الدين ، فقد رأينا فى الفصل السابق كيف عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع اليهود فور هجرته للمدينة المنورة ، وكيف كانت بنود تلك المعاهدات منصفة وتعطى لليهود حرية العقيدة ولم يكن هناك إكراه على الدخول فى الإسلام وتجعلهم يعيشون فى آمن وطمآنينة ... فى سلام .
ولكن حينما نقضوا العهد هب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاربتهم ، ولنا فى فتح مكة أكبر دليل فعندما نقضت قريشا صلح الحديبية وقتلت ثلاثة وثلاثون مسلما عُزل من السلاح فى الحرم ، هب رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين قوامه عشرة آلاف مقاتل ، ومع ذلك دخل مكة فاتحا ، فتحها سلما ، بل وعفا عن قريش عندما قال لهم : ماذا ترون إنى فاعل بكم ؟ فقالوا : أخ كريم وإبن أخ كريم فقال صلى الله عليه وسلم : اذهبوا فأنتم الطلقاء . سلام الإسلام ، سلام قوة ، ليس سلام ضعف .
حيز السلام ... وحيز الإستسلام :
مادام لديك الإختيار بين السلام وغيره ... فأنت فى حيز السلام ، أما عندما تكون مجبرا على أن تُملى عليك تصرفاتك وتُعطى الأوامر بحيث تجعلك مطأطأ الرأس ، وتوافق عليها مجبرا دون القدرة على تغييرها وتبديلها ... فأنت فى حيز الإستسلام .
وعندما تُفرض الشروط عليك فرضا ، والتهديد والوعيد إذا خالفتها . عندما تتحول العلاقة بين الأفراد وبين الدول إلى علاقة العبد بسيده ، وتتجرد من كل حق .. فأنت أيضا فى حيز الإستسلام .
إن السلام لايأتى إلا فى كامل القوة والقدرة على التفاوض مع الخصم .
إن السلام يعنى الإحساس بالطمأنينة والاستقرار المادى والنفسى والمعنوى ، ويعيش أفراده فى كنف الحرية بدون خوف ، بدون رهبة ، بدون تهديد .
إن الإسلام هو دين السلام بدون منازع ، مهما فعل لأعداؤه الذين يرسموا صورة سلبية للإسلام ويصفونه
بالعنف . إن الإسلام دين العدل ومراعاة الحقوق والمساواة ولافرق بين الناس سوى فرق التقوى والعمل الصالح . يقول صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس : ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى ، أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ثم قال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام ، قال : أي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام ، قال : أي بلد هذا ؟ ، قالوا : بلد حرام ، قال : إن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدري ، قال : أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : ليبلغ الشاهد الغائب . (1)
والدليل الحى على ذلك أن هناك من أهل الكتاب يعيشون فى العالم الإسلامى أو الدول الإسلامية منذ أن فتحها المسلمون ومازالوا على دينهم ومعتقدهم ، لقد كان أجدادهم وقت الفتح الإسلامى على دينهم (يهودا كانوا أم نصارى ) وتوارث إلى الآن أحفادهم معتقدهم ولم يتم إكراههم على اعتناق الدين الإسلامى لأنهم يتبعون قول الله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256
بل ويمارسون شعائرهم الدينية فى حرية تامة ، ويتمتعون ويمارسون كل حقوقهم القانونية والمدينة وفقا لشريعتهم ، وقد عرضنا فى هذا البحث أن رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم عقد المعاهدات مع القبائل ، وكيفية شروطها التى تضمن لهم حرية العقيدة وحمايتهم والعمل على أمنهم .
2) الإسلام وقوة السلام :
الجهاد فى الإسلام لايعنى العدوان أو القضاء على اتباع الديانات الأخرى (2) ، ولقد حرض الإسلام على إقامة السلام لأن فى وجود السلام على ثلاث محاور أو دعائم حتى يعم الإطمئنان والسلام :
- السلام النفسى :
هو الذى يتحقق بالإيمان ، والإيمان هو الإذعان لعبادة الله تعالى القادر ، الفرد ، الصمد ، خالق الكون
(1) كتاب الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1536
(2) راجع الفصل الثانى من هذا البحث ( من صفحة 18 إلى صفحة 22 )
(3) د.وهبى الزحيلى. مجلة حضارة الإسلام . العدد الثالث . السنة الرابعة .صفحة 46/56
مالك يوم الدين .
وبهذا الإيمان تقوى عزيمة المؤمن وترتفع الهمة وتسمو النفس البشرية وتنعم بالأمن والطمأنينة وتتخلص من الأهواء وبواعث أسباب الحيرة والقلق والإرتباك .
والسلام النفسى مهم بالنسبة للمسلم وفى الدعاء يطلب المسلم من الله العفو والعافية فيقول : اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي ، وأهلي ومالي . اللهم استر عورتي وأمن روعتي ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بك اللهم أن أغتال من تحتي .(1)
والطمأنينة فى النفس تؤدى بالإنسان إلى كل نواحى الخير والسعادة فى الدنيا والآخرة ، يقول الله تعالى :
} يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}... الفجر 27 - 30
- السلام الاجتماعى :
هدم الإسلام كل دعوى الجاهلية من عصبية وقبلية ، وجعل التميز بين الناس على أساس من الفضيلة والتقوى ، فيقول تعالى : } .... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
ويقول صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس : ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى ..... الحديث .(2)
وحرم الله تعالى الله تعالى كل ما يؤدى إلى التنازع من نميمة ، وغيبة ، وقذف .. إلى آخر هذه المساوئ التى تخلق العداوة والكراهية بين أفراد المجتمع ، وقد جعل الله تعالى السخرية بين الأفراد فسق وضلال بل وخروج عن الإسلام ، فيقول جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11
وتؤكد السنة النبوية الشريفة هذا المعنى فى قوله صلى الله عليه وسلم : إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تناجشوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا
(1) ذكره البزار فى تفسير القرآن وهو حديث حسن 3/391
(2) الصحيح المسند 1536 -
عباد الله إخوانا .(1)
بل ويُحذر رسول الله أن كل مايخص المسلم حرام ، والحرام هنا يدل على عدم انتهاكه والإعتداء عليه سواء إعتداء ماديا أو معنويا ، بل ويجعله من الفسوق والكفر ، يقول صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر .(2)
وبذلك يُدعم الإسلام الرابطة بين المسلمين عل أساس المحبة والأُلفة والتعاون والتضامن والإيثار .
- السلام العالمى ( الدولى ) :
على مدى تطور تاريخ الدعوة الإسلامية وضح أن السلام العالمى هو المقصد الأسمى للإسلام ، وكما ذكرنا سابقا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لقوا من العذاب ولم يردوه عنهم حتى أمره الله تعالى برد هذا الظلم والعدوان بعد ما أصبحت لهم القوة اللازمة للدفاع عن أنفسهم وعن الدعوة ، ويخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34
وفيها توصية للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبدأ بالحسنة أولا وأن يدفع بعفوه وحلمه وإحسانه لمن أساء إليه ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان وبذلك يصبح المسيئ إليه والذى بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عداوة يكون قريبا منه مشفقا عليه .
_ القوة فى الإسلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله . ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا . ولكن قل : قدر الله . وما شاء فعل . فإن لو تفتح عمل الشيطان .(3)
والمراد بالقوة فى الحديث الشريف : عزيمة النفس الصادقة ، والهمة العالية ، والقوة الجسمانية التى يحكمها الإيمان حتى لايستخدمها الإنسان فى غير موضعها .
(1) صحيح البخاري 6066
(2) صحيح البخاري: 7076
(3) صحيح مسلم 2664
وهذه القوة لها منزلة رفيعة ومكانة سامية فى الإسلام ، لأنها هى السبيل الوحيد للجهاد الذى هو الطريق الوحيد للدفاع عن هذا الدين من أعدائه . يقول الله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من مظاهر الضعف والعجز ، فيقول عليه الصلاة والسلام اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والهرم ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ، وأعوذ بك من عذاب القبر .(1)
- فوائد القوة الإيمانية والجسمانية للمؤمن :
1) الجراءة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . ولنا أمثلة كثيرة فى رجال الدين الذين لايخشون فى الحق لومة لائم مثل مهنة الامام أحمد فى مسألة خلق القرآن وسجنة وتعذيبه .
وأيضا موقف شيخ الإسلام ابن تيمية مع غازان التترى : ففى سنة 699هجرية هزم جيش التتار بقيادة غازان جيش الناصر بن قلاوون وخلت دمشق من حاكم أو أمير . فقام شيخ الإسلام بجمع بمن بقى صامدا من الناس واتفقوا على توليه أمر دمشق ويذهب بوفد لملاقاة غازان التترى .
فعندما لقيه قال له (( إنك تزعم إنك مسلما ، ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذن – على مابلغنا – فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟ وأبوك وجدك كانا كافرين وماغزوا بلاد المسلمين بعدما عاهدونا ، وأنت عاهدت فغدرت ، وقلت وماوفيت ))
وقدم غازان طعاما للوفد فرفض ابن تيمية أن يأكل منه قائلا : ((كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس ، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس ))
هذا موقف شيخ الإسلام ومع هزيمة جيش المسلمين كانت فيه قوة الجهاد ، وهنا الجهاد بالكلمة لم يخش القائد التترى المنتصر . والآن كم تسافر وفودا لمباحثات السلام ولكن تذهب ضعيفة ، متخاذلية . كم تعقد معاهدات سلام ولكن فى الأصل لابد أن تُسمى معاهدات استسلام . رفض شيخ الإسلام أن يأكل من طعام التترى والآن كم من الموائد تمد عليها نباتات مطبوخة من اغتصاب مزارع وحقول أناس كثيرين ، الأغنام التى لمح عليها شيخ الإسلام تقدم الآن مسبوغة بدم الشهداء والضحايا من الشيوخ والأطفال والنساء ، وتقدم الكئوس فيها عصائر من دموع الثكالى والأرامل والأيامى .
(1) صحيح البخاري 2823
2) حب الجهاد والإسراع فى الخروج إليه مثل ما فعل حنظلة بن أبى عامر ( غسيل الملائكة ) فى غزوة أحد فقد خرج للجهاد وهو جُنب وقد كان تزوج قبل غزوة أحد بيوم واحد .فما منعه نداء الجهاد إلا أن يترك الدنيا وزخرفها ولبى النداء مسرعا وغسلته الملائكة رضوان الله عليه .
3) الصبر على الأذى واحتمال المشاق فى ذات الله تعالى وفى سبيل نشر الدعوة ، مثل ما وقع على المسلمين الأوائل فى مواجهة أذى واضطهاد كفار قريش .
4) المحافظة على الشعائر والعبادات الخاصة بالدين
- الطريق إلى اكتساب القوة الإيمانية :
* الإخلاص لله تعالى فى القول والعمل ، بحيث لايكون العمل إلا لوجه الله تعالى مصداقا لقول الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الأنعام 162
* التحلى بقوة الله وحده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا من قول لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإنها كنز من كنوز الجنة .(1)
* مقاومة الشعور بالضعف والعجز .
* المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل ، وكثرة الإستغفار وقراءة القرآن . قال الله تعالى فى الحديث القدسى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .(2)
* نبذ حياة الترف ، والتقشف فى العيش لتعويد النفس على الصبر وقوة التحمل ولنا فى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة حيث كان يظل أياما لاتوقد فى داره نارا ، فعن أم المؤمنين عائشة رضى اله عنها كان يمر بنا هلال وهلال وما يوقد في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، قلت : أي خالة ! فبأي شيء كنتم تعيشون ؟ قالت : بالأسودين : الماء والتمر .(3)
(1) صححه الألباني فى السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1528 والحديث صحيح بمجموع طرقه
(2) صحيح البخاري 7405
(3) ذكره أبو نعيم من حديث عائشة فى حلية الأولياء /294 والحديث صحيح من حديث أبي حازم عن يزيد بن رومان عن عروة .
* الحرص على حضور مجالس العلم والعلماء ، ليكون سببا فى السكينة والوقار ومدارسة العلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : .... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده . ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه . غير أن حديث أبي أسامة ليس فيه ذكر التيسير على المعسر .(2)
* مصاحبة ومجالسة الصالحين ، يقول صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب .(3)
* الإبتعاد عن المعاصى ماظهر منها ومابطن ، والبعد عن كل صفة تسئ للمسلم وتصفه بالنفاق ، يقول صلى الله عليه وسلم : أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر . ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها .(4)
_ فضل القوة فى الإسلام :
* القوة فى الأخلاق دليل رسوخ الإيمان (1) فإلقاء السلام عبادة ، عيادة المريض عبادة ، وزيارة االأخ فى الله عبادة ، وتبسمك فى وجه أخيك صدقة . ومن القوة ثبات الأخلاق ورسوخ القيم فى الفرح والشدة والخوف والألم ، مع الصديق والعدو ، والغنى والفقير ، والقوى والضعيف . يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8
ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أراد الغزو أن لايقتلوا طفلا ولا إمرأة ولاشيخا .
(1) مسلم: 2699
(2) الشيخ عبد البارى الثبيتى . خطبة الجمعة فى المسجد النبوى بعنوان القوة فى الإسلام . 13/10/1425هـ ( بتصرف )
(3)صحيح البخاري 6168
(4) صحيح البخاري 3178
انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين .(1)
* القوة تنصر المبادئ وترسخ القيم والقوة فى الأخلاق ، لقد فعل مشركو مكة برسول الله مافعلوا وآذوه وحاصروه وكذبوه ، وفى فتح مكة بعد انتصاره عليهم ماذا فعل صلى الله عليه وسلم ؟
صعد على جبل الصفا وقال لهم : ماتظنون إنى فاعل بكم ؟ . قالوا : أخ كريم وإبن أخ كريم . قال : فاذهبوا فانتم الطلقاء .
* القوة فى الإرادة بمغالبة الهوى والإستعلاء على الشهوات ، قال تعالى :} .... وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26
قال ابن القيم : (( اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لاببدنه ، والتقوى فى الحقيقة تقوى القلوب لاتقوى الجوارح ، قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32
وقال صلى الله عليه وسلم : خير الزاد التقوى .(2)
* القوة فى ضبط النفس والسيطرة عليها وأيضا كظم الغيظ ، قال صلى الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصرعة . إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .(3)
ويقول الله تعالى : } ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
* تحصيل القوة البدنية من أهداف الشريعة الإسلامية التى وضعها الله تعالى لعباده ، فحرم الله الخبائث من الطعام والشراب ( الخمر – الميتة – الدم – لخم الخنزير ) ، فقال الله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
(1) ذكره أبو داود فى سننه 2614والحديث سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
(2) حديث حسن ذكره الزرقاني فى مختصر المقاصد 430خلاصة الدرجة: حسن .
(3)صحيح : مسلم: 2609
وحث الإسلام أيضا على التداوى وابتغاء العلاج حتى يحافظ المسلم على قوته الجسمانية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس تداووا فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام والسام الموت.(1)
والآن ابتعد أكثر الناس عن أسباب القوة وغفلوا عن كل ماوصفته الشريعة الإسلامية عن أسباب القوة فقعدوا عن النهوض ، وأُصيب عقلهم بالتبلد ، وتجمد فكرهم ، وجعلوا بأمور الدين وغفلوا عن تعاليمه ولابد أن يعلم هؤلاء أن قوة المسلم ضرورة لابد من تحقيقها لتكتمل دعائم الإيمان ، ولايصبح المسلمون بضعفهم وتهاونهم فتنة للناس ويكون وصفهم كما تنبأ لهم صلى الله عليه وسلم وقال : يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قيل : يا رسول الله ! فمن قلة يومئذ ؟ قال لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يجعل الوهن في قلوبكم ، وينزع الرعب من قلوب عدوكم ؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت. (2)
3) مبدأ الشريعة الإسلامية فى قضايا الحرب والسلام :
أولا : مفهوم الحرب والسلام فى الإسلام .
ثانيا : مراحل تشريع القتال فى الإسلام .
ثالثا : أهداف القتال فى الإسلام .
رابعا : حكم الجهاد وفضله .
أولا : مفهوم الحرب والسلام فى الإسلام :
تتعدد وجهات النظر بتعدد الإنتماءات الفكرية للأفراد أو للشعوب على حد سواء ، وقضية الحرب والسلام أيضامن تلك الأفكار التى تتعدد وجهات النظر بها و لذلك بتنوع مفهوم الحرب من مفكر إلى آخر أو من شخص لأخر .
يقول الأستاذ إبراهيم يحيى الشهابى : ( الحرب برأى لينين إما أن تكون مشروعة أو لاتكون ، دفاعية ثورية أو لاتكون ، وهذا وفقا لأهدافها واختلاف طبقتها التى تشنها ، وكذلك تبعاً للسياسة التى تتبعها ) .
(1) ذكره ابن عبدالبر برواية عبد الله بن عباس فى التمهيد - الصفحة أو الرقم: 5/284
(2) ذكره الألباني عن ثوبان مولى رسول الله: 8183 ( الجامع الصحيح )
وعلى ذلك فحرب الدول الإشتراكية ضد القوى الرأسمالية تُعد حربا مشروعة لصالح الطبقات الكادحة ، ومن هذا المنظور يُعد حلف ( وارسو ) حلفا دفاعيا ، فى حين يُعد حلف ( الناتو ) حلفا عدوانيا . والعكس صحيح .
ولكن النتيجة أنه اجتمع هذان الحلفان وأيدا قيام دولة مثل ( إسرائيل ) على أرض مغتصبة ، ودعامة هذه الدولة العنصرية والعدوان متجاهلين ماتسببه من عدوان وقتل للفلسطنيين ، ولكن ظن كل من هذين الحلفين أن هذه الدولة تخدم مصالحه وأهدافه .
1) وجهة نظر الإسلام للحرب :
يرى الإسلام أن الحرب أمرا غير مرغوب فيه ، وأساس التعايش بين الناس هو السلام أو التفاعل السلمى والإسلام ينظر إلى السلام على أنه الظاهرة الصحية للمجتمعات البشرية ، ومهمة الإنسان ورسالته التى خلقه الله تعالى لها هى ( الإعمار فى الأرض ) .
وقد وصف الله تعالى فى كتابه العزيز القتال بأنه كره على المسلمين ، فقال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216
والتاريخ الإسلامى يشهد أن المسلمين لم يخوضوا يوما حربا عدوانية أو فيها ظلم على أى دولة من الدول ، والحروب التاريخية تشهد بذلك أيضا من أول غزوة بدر مرورا بالحروب مع القبائل الكافرة حتى حروب التتار والصليبين وصولوا للحرب فى العصر الحديث مع الاستعماريين وأخيرا مع الصهاينة . فقد بدأ هؤلاء أولا بالعدوان على المسلمين محاولة منهم لقهر المسلمين واستغلال طاقاتهم واشتغلال ثرواتهم .
إن المسلمون لايقاتلون إلا دفاعا عن الإسلام ، ومن أجل الحفاظ على حقوق الإنسان وحريته ، واقامة العدل ، والدليل فى الآية الكريمة السابقة الذكر .
• متى يُعلن الجهاد ؟
يُعلن الجهاد نتيجة للأسباب الآتية :
1) الدفاع عن النفس وصد المعتدين . {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194
2) الدفاع عن الإسلام وعن حرية الإنسان بما فى ذلك من حرية التفكير والمعتقد . {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ
أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة217
3) تأديب من ينقض العهود والمواثيق المعقودة مع المسلمين . { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ{12} أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ{13} التوبة 12-13
4) منع كل وسائل الفتنة والشقاق التى يستعملها الأعداء لفض صفوف المسلمين بهدف تفتيت وحدتهم {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }البقرة193
5) الدفاع عن الضعفاء من المسلمين . { الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً{76} النساء 75-76
وبذلك تؤكد الشريعة السمحاء أن مهمتها أو غايتها السامية هى تحرير الإنسان من العبودية والإستغلال والإضطهاد ، وإيجاد الظروف الملائمة للتعايش السلمى والتفاعل على أسس الأخوة الإنسانية والمحبة والسلام
ثانيا : مراحل تشريع القتال فى الإسلام :
لخص ابن القيم المراحل التى شرع فيها القتال أو الجهاد(1) ، قائلا :
" أَوّلَ مَا أَوْحَى إلَيْهِ رَبّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ رَبّهِ الّذِي خَلَقَ وَذَلِكَ أَوّلَ نُبُوّتِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ إذْ ذَاكَ بِتَبْلِيغٍ ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ { يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } [ الْمُدّثّرُ 1 ، 2 ] فَنَبّأَهُ بِقَوْلِهِ { اقْرَأْ } وَأَرْسَلَهُ ب { يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ } ثُمّ أَمَرَهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ ثُمّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ ثُمّ أَنْذَرَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، ثُمّ أَنْذَرَ الْعَرَبَ قَاطِبَةً ثُمّ أَنْذَرَ الْعَالَمِينَ فَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ نُبُوّتِهِ يُنْذِرُ بِالدّعْوَةِ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا جِزْيَةٍ وَيُؤْمَرُ بِالْكَفّ وَالصّبْرِ وَالصّفْحِ . ثُمّ أُذِنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ ثُمّ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ وَيَكُفّ عَمّنْ اعْتَزَلَهُ وَلَمْ يُقَاتِلْهُ ثُمّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتّى يَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ ثُمّ كَانَ الْكُفّارُ مَعَهُ
(1) ابن القيم .زاد الميعاد فى هدى خير العباد (3 / 858 ) ... بتصرف
بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ وَأَهْلُ حَرْبٍ وَأَهْلُ ذِمّةٍ فَأُمِرَ بِأَنْ يُتِمّ لِأَهْلِ الْعَهْدِ وَالصّلْحِ
عَهْدَهُمْ وَأَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِهِ مَا اسْتَقَامُوا عَلَى الْعَهْدِ فَإِنْ خَافَ مِنْهُمْ خِيَانَةً نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ حَتّى
يُعْلِمَهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَأُمِرَ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ . وَلَمّا نَزَلَتْ ( سُورَةُ بَرَاءَةٌ ) نَزَلَتْ بِبَيَانِ حُكْمِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ كُلّهَا ، فَأَمَرَهُ فِيهَا أَنْ " يُقَاتِلَ عَدُوّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَوْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَرَهُ فِيهَا بِجِهَادِ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ فَجَاهَدَ الْكُفّارَ بِالسّيْفِ وَالسّنَانِ وَالْمُنَافِقِينَ بِالْحُجّةِ وَاللّسَانِ .
وَأَمَرَهُ فِيهَا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ عُهُودِ الْكُفّارِ وَنَبْذِ عُهُودِهِمْ إلَيْهِمْ وَجَعَلَ أَهْلَ الْعَهْدِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمًا أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ وَهُمْ الّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَلَمْ يَسْتَقِيمُوا لَهُ فَحَارَبَهُمْ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ . وَقِسْمًا لَهُمْ عَهْدٌ مُؤَقّتٌ لَمْ يَنْقُضُوهُ وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمّ لَهُمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدّتِهِمْ . وَقِسْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ وَلَمْ يُحَارِبُوهُ أَوْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ مُطْلَقٌ فَأُمِرَ أَنْ يُؤَجّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْسَلَخَتْ قَاتَلَهُمْ وَهِيَ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [ التّوْبَةُ 2 ] وَهِيَ الْحُرُمُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [ التّوْبَةُ 5 ] فَالْحُرُمُ هَا هُنَا : هِيَ أَشْهُرُ التّسْيِيرِ أَوّلُهَا يَوْمُ الْأَذَانِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ الّذِي وَقَعَ فِيهِ التّأْذِينُ بِذَلِكَ وَآخِرُهَا الْعَاشِرُ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ هِيَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ { إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [ التّوْبَةُ 36 ] فَإِنّ تِلْكَ وَاحِدٌ فَرْدٌ وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ رَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمُ . وَلَمْ يُسَيّرْ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنّ هَذَا لَا يُمْكِنُ لِأَنّهَا غَيْرُ مُتَوَالِيَةٍ وَهُوَ إنّمَا أَجّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمّ أَمَرَهُ بَعْدَ انْسِلَاخِهَا أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَقَتَلَ النّاقِضَ لِعَهْدِهِ وَأَجّلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ أَوْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمّ لِلْمُوفِي بِعَهْدِهِ عَهْدَهُ إلَى مُدّتِهِ فَأَسْلَمَ هَؤُلَاءِ كُلّهُمْ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إلَى مُدّتِهِمْ وَضَرَبَ عَلَى أَهْلِ الذّمّةِ الْجِزْيَةَ . فَاسْتَقَرّ أَمْرُ الْكُفّارِ مَعَهُ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُحَارِبِينَ لَهُ وَأَهْلِ عَهْدٍ وَأَهْلِ ذِمّةٍ ثُمّ آلَتْ حَالُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالصّلْحِ إلَى الْإِسْلَامِ فَصَارُوا مَعَهُ قِسْمَيْنِ مُحَارِبِينَ وَأَهْلَ ذِمّةٍ وَالْمُحَارِبُونَ لَهُ خَائِفُونَ مِنْهُ فَصَارَ أَهْلُ الْأَرْضِ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ بِهِ وَمُسَالِمٌ لَهُ آمِنٌ وَخَائِفٌ مُحَارِبٌ . وَأَمّا سِيرَتُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ فَإِنّهُ أُمِرَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللّهِ وَأَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِالْعِلْمِ وَالْحُجّةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَيُغْلِظَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُبَلّغَ بِالْقَوْلِ الْبَلِيغِ إلَى نُفُوسِهِمْ وَنَهَاهُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَقُومَ عَلَى قُبُورِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنّهُ إنْ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ فَهَذِهِ سِيرَتُهُ فِي أَعْدَائِهِ مِنْ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَأَمّا سِيرَتُهُ فِي أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَأَلّا تَعْدُوَ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَيُشَاوِرَهُمْ فِي الْأَمْرِ وَأَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِمْ . وَأَمَرَهُ بِهَجْرِ مَنْ عَصَاهُ وَتَخَلّفَ عَنْهُ حَتّى يَتُوبَ وَيُرَاجِعَ طَاعَتَهُ كَمَا هَجَرَ الثّلَاثَةَ الّذِينَ . خُلّفُوا . وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ أَتَى مُوجِبَاتِهَا مِنْهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ شَرِيفُهُمْ وَدَنِيئُهُمْ
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِ عَدُوّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ بِأَنْ يَدْفَعَ بِاَلّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَيُقَابِلَ إسَاءَةَ مَنْ أَسَاءَ إلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ وَجَهْلَهُ بِالْحِلْمِ وَظُلْمَهُ بِالْعَفْوِ وَقَطِيعَتَهُ بِالصّلَةِ وَأَخْبَرَهُ أَنّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَادَ عَدُوّهُ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ . وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِهِ عَدُوّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنّ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاَللّهِ مِنْهُم وَجَمَعَ لَهُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ( سُورَةِ الْأَعْرَافِ ) و ( الْمُؤْمِنُونَ ) فَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الْأَعْرَافِ 199 - 200 ] فَأَمَرَهُ بِاتّقَاءِ شَرّ الْجَاهِلِينَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَبِاتّقَاءِ شَرّ الشّيْطَانِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَجَمَعَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَالشّيَمَ كُلّهَا ، فَإِنّ وَلِيّ الْأَمْرِ لَهُ مَعَ الرّعِيّةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَإِنّهُ لَا بُدّ لَهُ مِنْ حَقّ عَلَيْهِمْ يَلْزَمُهُمْ الْقِيَامُ بِهِ وَأَمْرٍ يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَلَا بُدّ مِنْ تَفْرِيطٍ وَعُدْوَانٍ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي حَقّهِ فَأُمِرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْحَقّ الّذِي عَلَيْهِمْ مَا طَوّعَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَسَمَحَتْ بِهِ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَشُقّ وَهُوَ الْعَفْوُ الّذِي لَا يَلْحَقُهُمْ بِبَذْلِهِ ضَرَرٌ وَلَا مَشَقّةٌ وَأُمِرَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْعُرْفِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الّذِي تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ السّلِيمَةُ وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَتُقِرّ بِحُسْنِهِ وَنَفْعِهِ وَإِذَا أَمَرَ بِهِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَيْضًا لَا بِالْعُنْفِ وَالْغِلْظَةِ . وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَابِلَ جَهْلَ الْجَاهِلِينَ مِنْهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ دُونَ أَنْ يُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ فَبِذَلِكَ يَكْتَفِي شَرّهُمْ . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ { قُلْ رَبّ إِمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ رَبّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ وَإِنّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [ الْمُؤْمِنُونَ 93 - 97 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم فُصّلَتْ { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقّاهَا إِلّا الّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَا إِلّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ وَإِمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ فُصّلَتْ 134 ] فَهَذِهِ سِيرَتُهُ مَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ إنْسِهِمْ وَجِنّهِمْ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ .(1)
(1) زاد المعاد ( ج 3 / ص 143 )
مراحل الجهاد على ضوء كلام ابن القيم :
1) أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحى أن يقرأ فى نفسه أولا ، ثم أمره بالتبليغ فى قوله ( يا أيها المدثر ) لعشيرته الآخريين ، ثم ينذر قومه ، ثم العرب من حولهم ، ثم ينذر العالمين .
2) أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة ينذر عشيرته بدون قتال ، بل ويأمر أصحابه بالصبر والصفح .
3) آذن الله تعالى بالهجرة وكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة حيث الملك العادل ( النجاشى ) ، ثم الهجرة الثانية إلى أرض يثرب التى أُطلق عليها ( المدينة المنورة ) .
4) أمره الله تعالى بقتال من يقاتله صلى الله عليه وسلم ، ويكف عن من لم يقاتله ، ثم أمره جل وعلا بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله .
5) اتخذ قتال الكفار ثلاثة أقسام ، هى :
- قسم أهل الصلح والهدنة :وأمره الله تعالى أن يوفى العهد ما استقاموا هم على العهد ، وإن خشى منهم خيانة رد عهدهم ولايقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد ، وأمره أن يقاتل من نقض عهده معه {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ }الأنفال58
- قسم أهل حرب : وهم الذين ذكرتهم سورة براءة ، فيقاتل صلى الله عليه وسلم الأعداء من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، أو يدخلوا فى الإسلام {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29
- قسم أهل ذمة : وهم من يدفعون الجزية .
6) كان جهاد المنافقين (1) عبارة عن مجادلتهم بالعلم والحُجة ، ويعرض عنهم ، ونهاه أن يُصلى عليهم ولايستغفر لهم .
(1) هم من أعلنوا إسلامهم ولكنهم يضمرون الكفر .
آداب القتال فى الإسلام :
- سمو الهدف لتعلو كلمة الله تعالى جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل رياء ، فأي ذلك في سبيل الله ؟ قال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله .(1)
- ينشد المسلمون فى قتالهم الصلاح والفلاح فهم ثابتون على دينهم سواء سلما أو حربا ، ويذكرون الله تعالى حتى فى حربهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ }الأنفال45
- لايختال المسلمون ، ولايستكبرون ، ولايستعرضون ، يقول الله تعالى {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }الأنفال47
- المسلمون لايخونوا فى الحرب ، وهذا لايُنافى مبدأ الحرب خدعة ، يقول الله تعالى : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ }الأنفال58
- المسلمون لايؤذوا أسيرا ، يأمرهم الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال70
بل تُكرم الأسيرة . وارسول صلى الله عليه وسلم أكرم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث وتزوجها وكانت أسيرة حرب وأصبحت رضى الله عنها من أمهات المؤمنين .
- لاتُقتل النساء ، ولا الأطفال ، ولا الشيوخ ، ولا الرهبان فى معابدهم .
- الهدف من الجهاد قتال الكفار ليدخلوا فى دين الإسلام ويكون الإيمان علاجا لقلوبهم المريضة بالكفر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في السلاسل و هم كارهون .(2)
- لولا الجهاد لانتشر الفساد فى الأرض ببقاء الكفر والضلال ، قال الله تعالى : {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251
(1) صحيح البخاري: 7458 -
(2) حديث حسن ذكره الألبانى عن أبى هريرة وأبى أمامة ( صحيح الجامع 3983 )
- لايُهاجم المسلمون العدو إذا سمعوا الآذان لقوله تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة114
- لاسرقة ولاغلول من المحاربين المسلمين ، لقوله صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين . (1)
وفى هذا الحديث نجد أ، ارسول صلى الله عليه وسلم لم يصل على من مات فى الحرب وهو غُل .
ثالثا : أهداف القتال فى الإسلام :
حددت الشريعة الإسلامية توجيهات أخلاقية وتشريعات قانونية لقوانين الحرب حتى يشملها العدل والرحمة ، لم يجعل الله تعالى القتال وفقا لأهواء أو أطماع أو مشاعر تحكمها الغرائز ، وإنما جعل له أهدافا لايخرج عنها حتى يكون قتالا لا إعتداءً ، وهذه الأهداف (2) هى :
1) رد الإعتداء : وهو من أولويات أهداف القتال والحرب والسلام فى الإسلام ، ولابد أن يكون الإعتداء واقعا إما على دين أو وطن أو أرض ، ونحلل هذه العناصر :
- الإعتداء الذى يقع على الدين ، هو كل مايفتن المسلمين عن دينهم ، واضطهادهم بسبب عقيدتهم ، والتصدى للدعوة وللدعاة بالقتل .
الإعتداء على دماء وأعراض وأموال وأرض الإسلام ومُقدسات الإسلام ... إلخ ، فكل إعتداء يقع على أى أرض من أرض الإسلام فيكون إعتداء على الأمة الإسلامية كلها .
- وأيضا الإعتداء على حرمات الأفراد .
- والإعتداء على أهل الذمة تعتبره الشريعة الإسلامية مثل الإعتداء على المسلمين ماداموا ذوى عهد معهم ، وماداموا فى ديار المسلمين .(3)
(1) ذكره أبو داود فى سننه عن زيد بن خالد الجهنى ( 2710 )
(2) نحن والغرب . الشيخ يوسف القرضاوى . رمضان 1472هـ = 2006م
(3) وقد وضحنا هذا فى الفصل السابق من معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم وفى بنود المعاهدات التى عقدها الرسول مع اليهود .
يجمع الله تعالى فى سورة البقرة من الآية 190 إلى الآية 194 كل اسباب القتال ، نوضحها :
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ{190} وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ{193} الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{194}... البقرة 190-194
وجملة الأحكام فى الآيات الكريمة ، هى :
1) أمر الله تعالى بقتال من يقاتلون المسلمين ، أى الذين يبدأوا فى قتال المسلمين ، ويكون قتال المسلمين فى سبيل الله تعالى .
2) تحريم الإعتداء (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )
3) يعامل المسلمون هؤلاء المعتدين بمثل ما اعتدوا عليهم .
4) قرر الله تعالى أن الفتنة أشد من القتل ، فالقتل اعتداء بدنى على الإنسان ، والفتنى اعتداء معنويا على الإنسان ( روح – عقل – إرادة )
5) النهى عن القتل فى المسجد الحرام ، لأن له حرمة ولكن صرح الله تعالى بالقتل فى المسجد الحرام إذا بدأ المعتدون بالقتال فيه ، لأن حُرمة المسلمين أشد من حرمة المسجد الحرام .
6) غاية القتل فى الإسلام . اتقاء الفتنة ، وتأكيد حرية العقيدة ، يُقتل المعتدين الذين يفتنون الناس فى دينهم ، وبذلك يؤيد الإسلام حرية العقيدة والمعتقد .
7) مشروعية رد العدوان فى الإسلام .
2) منع الفتنة أو تأمين حرية الدعوة :
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }الأنفال39
الفتنة فى اللغة : الإختبار والإمتحان ، والفتنة فى المصطلح : الإضطهاد والإيذاء والتعذيب لمن دخل فى الإسلام حتى يرجع عن دينه .
وبذلك شرع الإسلام القتال فى سبيل منع الفتنة للمسلمين ، وقد واسى الله تعالى المسلمين الأوائل فى مكة فى القرآن الكريم عندما فُتنوا فى دينهم حيث قال جل وعلا :} الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}...العنكبوت 1 – 3
وفتنة المسلمين عُرفت على مر العصور والأزمان ، وقد قصها علينا القرآن الكريم علينا القرآن الكريم فى قصة أصحاب الأخدود { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{10}... البروج 4-10
والفتنة عند الله تعالى أشد من القتل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة217
ذكر الإمام الرازى (1) فى تفسير معنى الفتنة فى قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) : الفتنة أصلها عرض الذهب على النار لاستخلاصه من الخبث ، ثم صار اسما لكل ماكان سببا للامتحان تشبيها بهذا الأصل ، والمعنى أن إقدام الكفار على الكفر وعلى تخويف المؤمنين ، وعلى تشديد الأمر عليهم بحيث صاروا مجبورين إلى ترك الأهل والوطن هربا من إضلالهم فى الدين ، وتلخيصا للنفس مما يخافون ويحذرون ، فتنة شديدة بل هى أشد من القتل الذى يقتضى التخلص من عموم تلك الفتنة .
3) انقاذ المستضعفين :
أى انقاذ المستضعفين من خلق الله تعالى من ظلم الجبارين وتسلطهم من دون حق ، وهم الذين يستخفون بحرمات الضعفاء ، وقد وضحها الله تعالى فى الآيات الكريمة الآتية : {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76
- أساليب القتال الممنوعة فى الإسلام :
يُعرف الدكتور اسماعيل محمد حنفى فى مقاله المعنون بـ ( أساليب القتال الممنوعة فى الإسلام ) :
هى تلك الوسائل والأساليب التى تنحرف بأهداف القتال وغاياته فلا تحققها أو لا تتحقق بها على الوجه المطلوب شرعا ، وإنما تؤدى إلى أمور أخرى حظرها الشرع ، مثل إهانة وإذلال الإنسان الذى كرمه الله ،
(1) التفسير الكبير للإمام الرازى ( 5 / 143 )
أو إيلامه أو تعذيبه مع أن الله رحمه ودعا إلى الرحمة به ، فقد خلق الله تعالى الكون له ليسعد ويعبد الله على علم بالله وحب له سبحانه وتعالى . أو يسعى الإنسان إلى شقاءه وهذا الشقاء يؤدى به إلى افنائه أو افناء مجموعات منه تحقيقا لأهواء نفر من الناس ، كل هذا أمورا تناقض ماجاء به الإسلام بل ماجاءت به كل الآديان قبل الإسلام (1) لأنها أمور تتعارض مع الفطر السوية )
وهذه الأساليب الغير مشروعة ، تتلخص فى الآتى :
1) الاستهتار بالإنسان أو بما يمتلك .
2) عدم الإعتداء على البشر أو الممتلكات دون التفريق بين من يُشارك فى القتال أو غيرهم ( كما نقول عليهم اليوم المدنيين ) وهذا ممنوع بنص القرآن الكريم {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190
3) عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ وكبار السن ،و نتأمل وصية أبي بكر الصديق رضي الله تعالي عنه ليزيد حينما بعثه أميرا علي الشام نعلم مدي حرصه علي التدمير في أضيق نطاق ممكن , يقول الصديق رضي الله عنه : ( يا يزيد لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا لا بعيرا إلا لما تأكله ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن )
4) منع الغدر لأنه علامة من علامات النفاق ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تعتدوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا .(2)
5) عدم تعذيب المقاتلين الأحياء ( الأسرى ) أو التمثيل بالجثث والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (الإنسان:8
وأما فى السنة النبوية الشريفة فعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى
(1) الأديان السماوية التى أنزلها الله تعالى على أنبياءه عليهم السلام وليست الآديان التى تم تحرفيها الآن ، وقد أخبرنا الله تعالى عنها بقوله : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79
(2) ذكره ابن عبد البر فى التمهيد برواية بريدة بن الحصيب السلمى ( 24 / 232 )
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ
فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-..." الحديث (رواه مسلم كتاب الجهاد والسير. باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، وانظر. صحيح ابن حبان: 4/42
أما التمثيل بالجثث فلنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فعن حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم ناداني فرجعت إليه فقال إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.(1)
وقال الإمام الترمذي : وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُثْلَةَ .وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال : " أَيْ حَرَّمُوهَا فَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ عَرَفْت فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْحُرْمَةَ " .ا.هـ.
6) التحلى بالأخلاق الربانية وبتعاليم الدين الإسلامى من المحافظة على الأعراض فلا انتهاكا لها ، ويحمى الإسلام عرض الذمى وكرامته ، كما يحمى عرض المسلم وكرامته فلا يجوز لأحد أن يسبه أو يتهمه بالباطل ، أو يُشنع عليه بالكذب ، أو يغتابه ، ويُذكره بما يكره ، فى نفسه ، أو نسبه ، أو خَلقه ، أو خُلقه.
يقول الفقيه المالكى شهاب الدين القرافى فى كتاب " الفروق " : ( إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقا علينا ، لأنهم فى جوارنا وفى خفارتنا "حمايتنا " وذمتنا وذمة الله تعالى ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام ، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة ، فقد ضيع ذمة الله ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذمة دين الإسلام ).
_ حُرمة الإنسان فى الإسلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق.(2)
فمكارم الأخلاق هى المعاملات التى تكون بين البشر عامةوبين المسلمين خاصة ، وأيدت الشريعة الإسلامية الأمن والآمان فى بلاد المسلمين (3) وعصمة دماء المسلمين وكذلك المعاهدين وحفظ الدين والنفس والمال والعِرض للمسلم وغير المسلم .
(1) حديث صحيح ذكره ابن حزم فى المحلى عن رواية محمد بن حمزة الأسلمى ( 10 / 376 )
(2) ذكره الالبانى فى الصحيحة عن أبى هريرة برقم 45 وهو حديث صحيح
(3) أبو إسلام أحمد بن على . حرمة الإنسان فى الإسلام . 1429هـ = 2008 م .
ولننظر لعظمة الشريعة الإسلامية فى إقرار حُرمة الإنسان فى العناصر الآتية :
1) الإسلام فرض الدية والكفارة للكافر الذى أخذ عهد الآمان فى بلاد المسلمين فى حال القتل الخطأ ، يقول الله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء92
وفى السنة النبوية الشريفة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما .(1)
وأيضا قال صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال - وأعراضكم ، عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب . وكان محمد يقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك : ألا هل بلغت . مرتين .(2)
2) عدم الظن السيئ بالإنسان وعدم التجسس عليه ، وعدم حسده عما أعطاه الله تعالى من رزق وصحة إلى آخر هذه النعم التى يُنعم الله تعالى على عباده الصالحين .
3) عدم كشف ستر المؤمن فى بيته وعرضه ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) . (3)
4) الإستئذان قبل الدخول على أى قوم وإلقاء السلام عليهم ، وتحية المسلمون (( السلام عليكم )) ولغير المسلمين (( السلام على من اتبع الهدى )) . يقول جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور27
(1): صحيح البخاري 3166
(2صحيح البخاري: 105
(3) صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2442
5) النهى عن النميمة وهى نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض بغرض الإفساد بينهم وهؤلاء لهم جزاء عظيما عند الله تعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
6) النهى عن الغيبة وهى التحدث عن الإنسان بما يكره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته . وإن لم يكن فيه ، فقد بهته .(1)
وفى القرآن الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12.
7) عدم الخوض فى الأعراض . قال صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .(2)
وقال عليه الصلاة والسلام فى حديث آخر : إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق .(3)
8) عدم التكبر والخُيلاء . فقد نهى الله تعالى عن التكبر وأخبر أنه لايحبه ، قال الله تعالى : }... إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى وقال : يقول الله تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته .(4)
(1) صحيح مسلم 2589
(2) صحيح البخاري 6857
(3) ذكره محمد جار الله الصعدي فى النوافح العطرة برقم 77 وهو حديث صحيح
(4) حديث صحيح ذكره ابن تيميةفى مجموع الفتاوى 6/139 وهو حديث صحيح .
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : من جاء يوم القيامة بريئا من ثلاث دخل الجنة : الكبر ، والغلول ، والدين .(1)
رابعا : هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟ (( من الشبهات المكررة ))
وقف البابا ( بندكت السادس عشر ) وقال على الملأ : (( أن الإسلام لم ينتشر إلا بحد السيف ، وأنه تم إخضاع الناس لعقيدته بالقوة العسكرية ، ولولا هذا ما انفتحت له القلوب ، ولا اقتنعت به العقول ولكنها أُكرهت عليه إكراها تحت بريق السيوف ، فخيرهم بين الإسلام والقتل ، فإما أن يُسلم وإما أن يطير عنقه))
هذه الفرية أو الأكذوبة انتشرت مثل انتشار النار فى الهشيم ، وأعلنها كثيرون من الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى فى كتابه - الذين يهاجمونه - {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256. وأيضا أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99
وإدعاء أعداء الإسلام أن المسلمون خيروا الناس بين الإسلام والسيف دعوة باطلة فقد ثبت تاريخيا أن الفتوحات الإسلامية خيروا الناس بين ثلاثة أمور : الإسلام ، أو دفع الفدية ، أو قتال من يقاتلوهم ، ونحن نعلم أن الجزية تؤخذ من أهل الذمة ، وتؤخذ فقط من الرجال القادرين على حمل السلاح ، ولاتؤخذ من المرأة ، ولا الصبى ، ولا الأعمى ، ولا الفقير ، ولا الراهب ، وقيمتها متفاوتة بين الناس وهذه الجزية مقابل حمايتهم وكفالتهم .
وقد أثبت التاريخ أن (2)كثيرا من البلاد الإسلامية - التى نعرفها الآن – انتشر فيها الإسلام عن طريق التجارة ، وكان المسلمون الذين دخلوا هذه البلاد كانوا تجارا ولم يكونوا علماء ولادعاة ، ولكن أقبل سكان هذه البلاد على الإسلام مما رأوه من هؤلاء التجار من صدق الإيمان ، وحسن الخُلق ، وحب الخير للناس . وهذه البلاد هى ماليزيا وأندونيسيا والفلبين .
(1) ذكره الألباني فى صحيح الترغيب برواية ثوبان مولى رسول الله برقم 1351 وهو حديث صحيح
(2) مقال الشيخ القرضاوى . نحن والغرب
- أكذوبة حد السيف للمستشرقين :
اتخذ المستشرقون الفتوحات الإسلامية دليلا على انتشار الإسلام بحد السيف ، ولكنمن المؤكد أن السيف يفتح أرضا ، ولكن لايفتح قلبا وعقلا .
ونأخذ مثالا حيا على أن تلك الفتوحات الإسلامية لم تجبر أحدا على الدخول فى دين الإسلام قهرا :
فتح مصر : فُتحت مصر فى عهد الخليفة الراشد الثانى الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، لم يجبر أحدا من النصارى على ترك دينه وظلوا مئات بل آلالاف السنين على دينهم وهم يعيشون فى مصر الآن فى آمان ويمارسون شعائرهم الدينية ، وتُبنى كنائسهم ، ويتمتعون بالآمن والآمان فى مصر .
وللنظر إلى الحكم الإسلامى فى مصر بعد فتحها على يد عمرو بن العاص فيقول بتلر .ج. ألفرد فى كتابه ( فتح العرب لمصر ) : " فقد حاول القبط أن يسعوا إلى الإيقاع باتباع المذهب الملكانى والاقتصاص منهم مما رأوه من أضطهاد منهم برغم أنهم على المسيحية سواء بسواء . ولكن ماكان عمرو ليبيح لهم هذا الأمر فإن حكمه يسير إلى نهج الاعتدال والتسامح والدليل على ذلك ذكر " سايروس " أن كان هناك قسا ملكانيا ظل على مذهبه حتى أن مات لم يمسسه أحد بأذى "
ونذكر أيضا نص العهدة العمرية(1) التى عقدها عمرو بن العاص مع أهل إيليا لتكون دليلا آخر على أن الإسلام لم يُجبر أحدا فى الدخول فيه : أوردَ مجير الدين العليمي المقدسي المتوفى سنـة 927 هـ نصاً منقـولاً عن نص الطـبري، الـذي أسنـده لسيف عن أبي حازم وأبي عثـمان عن خالـد وعبادة، بأن عمر بن الخطاب صالح أهل إيلياء (القدس) بالجابية وكتب لهم:
« بسم الله الرحمن الرحيم
"هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين، أهلَ إيليا من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملته؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيِّزها ، ولا من صليبهم ولا من شيءمن أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يضارّ أحد منهم ، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيليا أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن . وعليهم أن يُخرِجوا منها الرومَ واللصوصَ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم . ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية .ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم (أي كنائسهم) وصُلُبَهم(أي صلبانهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعِهم وصُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم.
(1) العهدة العمرية الدكتور شفيق جاسر أحمد محمود رئيس قسم التاريخ الجامعة الاسلامية في المدنية المنورة
ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان ، فمن شاء منهم قعد وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رحل إلى أهله ، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم .وعلى ما في هذا الكتاب عهدُ الله ، وذمّةُ رسوله ، وذمّةُ الخلفاء ، وذمّةُ المؤمنين ، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .
شهد على ذلك : خالد بن الوليد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة"»
ونأخذ مثالا آخر وهو الرجل القبطى الذى أنصفه الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه من ابن والى مصر " عمرو بن العاص " ، هذا الرجل لم يدخل فى الإسلام برغم أنه رأى عدل وإنصاف الإسلام للحق ، ولم يجبره أحد على اعتناق الإسلام ، يقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد فى كتابه " الإسلام وأباطيل خصومه " : (( أراد قائله أنه دين يفرض الجهاد ومنه الجهاد بالسلاح ، ولكنه غلط بين إذا أُريد به أن الإسلام قد انتشر بحد السيف ، أو أنه يضع القتال فى موضع الإقناع ))
وقد فطن لسخف هذا الإدعاء كاتب غربى كبير هو " توماس كاريل " صاحب كتاب " الأبطال وعبادة البطولة " فهو اتخذ الرسول عليه الصلاة والسلام مثالا لبطولة النبوة ، وقال فيما معناه :
(( إن اتهامه بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الإستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ، إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل سيفه ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته ! فقد آمنوا به طائعين مصدقين ))
لم بلجأ المسلمون إلى القوة المحاربة إلا إذا تم الإعتداء عليهم وأثبت تاريخ البشرية أن المسلمون هم الذين كانوا يتم اضطهادهم من بداية الدعوة وتعذيب كفار قريش لهم ، حتى ما يلاقيه إخواننا المسلمون فى الشيشان ، وكشمير ، والبوسنة والهرسك ، وأخيرا شعب الإيجور (1) .
وقد ذكر " ول ديورانت " فى كتابه " قصة الحضارة " أن الحروب الإنسانية عددها 3421 عاما ، وعدد أعوام حروب المسلمين 268 عاما . هنا السؤال : هل هذا العدد من الأعوام يدل على انتشار الإسلام بحد
السيف ؟ مجرد سؤال !!
(1) شعب الإيجور :هو من الأقليات المسلمة ، عددها ثمانية ملايين نسمة ، تقطن إقليم تركستان الشرقية ( سينجيانغ ) وهو أكبر أقليم الصين ، ويحكمها الملك " داود محسود " . ويتكلمون لغة محلية تركمانية ، ويخطون بالكتابة العربية ، لهم ملامح القوقازيين .أصدرت منظمة " هيومن رايتس دونش " الحقوقية الأمريكية بالتعاون مع منظمة حقوق الإنسان فى الصين تقريرا توضح فيه القمع المستمر لمسلمى الإيجور وانتهاك حقوقهم الدينية والثقافية تحت ذريعة محاربة " الحركات الإنفصالية الإرهابية " .
( المصدر : عاصم زيدان . مقال " الإيجور ... هل ينتصر الأمل على الجراح والأمل ؟ . مجلة لواء الشريعة . 2008 م )
- هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إرهابيا ؟!
وصف الله تعالى صفيه ورسوله عليه الصلاة والسلام بالرأفة والرحمة ، والآيات القرآنية تدل على ذلك فقد قال الله عز وجل : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128
وقال أيضا : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
وسمى نفسه صلى الله عليه وسلم فقال لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب .(1)
ومن العجب العجاب أن يتهمه أعداء الدين بالإرهاب ، ويسخرون منه صلى الله عليه وسلم – عليهم من الله مايستحقون – وصفوه بالإرهاب وذلك لأسباب واهية ترجع إلأى القصر فى تفكيرهم ، وحقدهم الأسود على هذا الدين ، ونفد هذه الأهداف :
1) عدم النظر للنصوص الدينية كوحدة متكاملة ، فالتشريع الإسلامى يشمل كل نواحى الدين والدنيا ، ولا ينفصل ذاك عن تلك .
2) عدم الإلمام بأسباب النزول الخاصة بالنصوص الدينية .
3) الجهل باللغة العربية ، فقراءة النص بلغته الأصلية تكون مختلفة عن ترجمة اللغات الأخرى .
4) الجهل بفلسفة الحياة بما فيها من سلم وحرب ، والدين الإسلامى يُنظم هذه الفلسفة الحياتية حتى لايتركها للأهواء والغرائز .
5) الجهل بالسيرة النبوية ، وتفسيرها بنظرة طائفية .
6) الحقد والتعصب وكراهية الدين الإسلامى ، وقد أخبر عنهم الله تعالى فى قوله : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
وقال أيضا : {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }النساء89
(1): صحيح البخاري 3532
س ماهو الإرهاب ؟
هو إيقاع الأذى المادى أو المعنوى بالآخرين ، ورفض الإستماع إليهم أو التحاور معهم ويبدأ الأذى بالتكذيب والتشهير ، وينتهى بحرب الإبادة والتصفية الجماعية ، وبين هاتان المرحلتان مراحل كثيرة من العدوان الإعلامى ، والاقتصادى ، والاجتماعى ، والأخلاقى .
وتبعا لهذا التعريف ومما يُعرَف عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نجده بعيدا كل البعد عن هذا الوصف. وقد تعرض النبى صلى الله عليه وسلم إلى مختلف أنواع الإرهاب من قومه(1) حتى نجاه الله منهم ، قال تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30
سؤال لباباالفاتيكان : نعم انتشر الإسلام بحد السيف ! فماذا فعلت اليهودية والنصرانية ؟!
إن الفرية القديمة التى قالها بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بحد السيف ، وقد كانت أول فرية أُفتريت هى زعمه أن الإسلام يُخالف العقل .
وقد قال سابقا الإمبراطور " مانويل الثانى " لمحاوريه : (( هات لى شيئا جديدا آتى به محمدا ، قال لم تجد إلا كل شر وكل شرير وخبيث مثل أنه كان ينشر الدين الذى كان يُبشر به بحد السيف )) (2)
هذه الفرية قديمة جدا وقد اعترفت وثيقة الفاتيكان الصادرة فى سنة 1970م أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف ، وأن مفهوم الجهاد يتقارب مع مفهوم الحرب المقدسة فى النصرانية ، وليس فيها الإبادة للشعوب كما فى اليهودية ، وذكرت هذه الوثيقة أن الحروب الصليبية قد ارتكبت الجيوش الصليبية أبشع الجرائم فى حق الإنسانية .
وعندما يتكلمون عن الفتوحات الإسلامية فهذه حقيقة فقد حارب المسلمون تحت شعار الجهاد ، وهناك فرقا بين الجهاد والقتل ، وذكروا أكاذيب منها أن الناس دخلوا فى الدين بالإكراه ، فهم يذمون الحق لأنه مخالف لباطلهم .
والقضية تلك فيها أكاذيب وفيها حقائق ، والحقائق لامجال للتفاوض فيها ، ولاسبيل للنقاش فيها ، ولا
(1) الرجوع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فى سيرة بن هشام المجلد الأول ، والبداية والنهاية لإبن كثير ( مجلد السيرة النبوية ) لمعرفة مالاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من اضطهاد وتعذيب من كفار قريش فى بداية الدعوة .
(2) الشيخ عبد المنعم الشحات . محاضرة مسموعة . مسجد عباد الرحمن بمنطقة الساعة بالأسكندرية . الأربعاء 27 من شعبان 1427هـ ، الموافق 20 من سبتمبر 2006م .
تكون تحت بند التقويم ، وهى التشريعات الإسلامية .
س هل من يخالفك فى المذهب هل يوافقك على مذهبك ؟
الإجابة بالطبع لا ، فنرى مثلا العلمانية مذهبها يٌخالف مذهب المرأة فى الإسلام ، فعندهم المرأة لها الحرية الكاملة فى ارتداء ماتريده ، وتحيا حياة فيها حرية مطلقة ، بعكس الإسلام . فلابد إذن أن تهاجم العلمانية الإسلام بل وتنتقض وتبحث عن النقائص – حاشا لله أن يُنتقص من ديننا – والفرية الأولى التى قالها بابا الفاتيكان أن الإسلام يناقض العقل ، فرية لا أساس لها فنجد أن العقل الإسلامى من أنشط العقول فنشأـ علوم الفقه من إشارات ، والآن يلجأ الغرب لدراسة أصول الفقه للإستعانة بها فى وضع قوانينه ، فعذه الأصول الفقيه توضح العلاقة بين الوحى والعقل فى الإسلام .
فنجد فى النصرانية مايخالف العقل وذلك قولهم أن الله نزل إلى رحم إمرأة – مريم العذراء – والتحم بجسدها ، وأنجب السيد المسيح من مريم ، وأن الله ثالث ثلاثة . فهل هؤلاء نناقشهم فى العقل ؟! والأعجب أنهم يتهمون الإسلام بمخالفة العقل .(1)
نجد أيضا فى اليهودية أن الجهاد موجود ولكن بصورة الإبادة الجماعية للأعداء ، ويتهموا الإسلام بالإنتشار بحد السيف !!
ونتفحص فى الكتاب المقدس الإصحاحات الدالة على أن اليهودية والنصرانية تُشجع الإبادة ولاسبيل للرحمة فيها على أعدائها .
* فقال لهم هكذا قال الرب اله اسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومرّوا وارجعوا من باب الى باب في المحلّة واقتلوا كل واحد اخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه. ( سفر الخروج 27 – 32 )
*وقال الملك للسعاة الواقفين لديه دوروا واقتلوا كهنة الرب لان يدهم ايضا مع داود ولانهم علموا انه هارب ولم يخبروني.فلم يرض عبيد الملك ان يمدوا ايديهم ليقعوا بكهنة الرب. ( صموئيل 1 17 – 22)
*الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك.ولا تقربوا من انسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي.فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين امام البيت. ( حزقيال 6-9)
(1) ننصح بقراءة كتاب : منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب . المؤلف ابن معمر, عبد العزيز بن حمد بن ناصر .
الفصل الرابع
تطبيق السلام فى العصر الحديث .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ
وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11
الفصل الرابع
تطبيق الإسلام فى العصر الحديث
أولا : الإسلام والغرب وحقوق الإنسان .
ثانيا : الإسلام والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين فى العصر الحديث .
==========================================================
أولا : الإسلام والغرب وحقوق الإنسان :
تشغل قضية حقوق الإنسان فى العصر الحديث الشغل الشاغل لكل الحركات على كافة أنواعها : دينية ، ثقافية ، مذهبية ، علمانية .. إلخ . ولكن أكثرها يتفق على شيئا واحدا هو مهاجمة الإسلام وأنه سببا فى الظلم والإكراه على الأوامر والنواهى المتعلقة فى شريعته ، ويتخذون دليلا على أن البلاد الإسلامية الآن تعيش فى فقر ، وحرمان ، واضطهاد ، وديكتاتورية .
وبالنظر على حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية (1) نجد الآتى :
1) لم تقتصر الحقوق على المسلمين فقط ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من آذى ذميا فأنا خصمه . (2)
2) ووصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة على كل مخلوق سواء كان انسانا أم حيوانا ، سواء كان مسلما ، أم كافرا ، أم ذميا . قال صلى الله عليه وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله. (3)
3) إقامة العدل وإعطاء للمظلوم حقه وقد ذكرنا سابقا قصة الفاروق عمر بن الخطاب مع قبطى مصر وقصاصه من الأكرمين ، ابن عمرو بن العاص رضى الله عنه .
(1) سعيد عبد العظيم . حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب . مقالات إسلام ويب . 30 / 7 / 2003 م .
(2) حديث حسن ذكره الزرقاني فى مختصر المقاصد برقم 960
(3) ذكره الترمذي فى سننه برواية عبد الله بن عمرو بن العاص برقم 1924 وهو حديث حسن صحيح
ونتسآل هنا : أين حقوق الإنسان التى تنادى بها المنظمات الحديثة فى أحداث العداوة للأقليات المسلمة فى جميع أنحاء العالم ، البوسنة والهرسك ، وشعب فلسطين ، وذكرنا قبلا شعب الإيجور .
للأسف حقوق الإنسان الغربية تساعد على الإلحاد والزندقة وتنشر الفلسفات المارقة تحت شعار حرية الفكر ، والحرية الشخصية ، وحرية المرأة . فهى تحاول نشر العربدة والفسق والفجور والإنحلال الأخلاقى وزادت هذه الأيام الدعوة إلأى حرية الشذوذ الجنسى ( لواط – سحاق ) وقد أخبر عنهم الله تعالى فى القرآن الكريم لأنهم يفعلون فعل قوم لوط {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ }الشعراء165. وأوضحت الآيات عقاب الله لهم{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ }هود82
ويقول صلى الله عليه وسلم : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به .(1)
وبذلك هم يحققون ميثاق إبليس الذى وعد به فى بدء خلق آدم عليه السلام ، حيث تطاول على رب العزة جل وعلا حين قال : {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }الأعراف16
والحل : إقامة النظام الإسلامى الذى وضعه الله تعالى وآتى به الرسول عليه الصلاة والسلام فى أعظم رسالة وأعدل شريعة لمواجهة هذا النظام الغربى الذى يتبع إسلوب إبليس ( عليه لعنة الله )
- حقوق الإنسان بين المفهوم الغربى والمفهوم الإسلامى :
مفهوم ( حقوق الإنسان ) مفهوم ظهر حديثا من كثرة ما أُتهكت محارم الإنسان على مر التاريخ ‘ فتبلور هذا المعنى إلى حقوق الإنسان للمساعدة على الحفاظ على كرامة الإنسان وآدميته ، والحفاظ على حقوقه الدينية ، والإجتماعية ، والإقتصادية ... إلخ
ومن أشهر المواثيق التى تكلمت عن حقوق الإنسان فى العصر الحديث ( الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ) الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948 م (2)
ومن الصعب متابعة وثائق حقوق الإنسان فى العالم الغربى لأنه مفهوم حديث كما ذكرنا . فى حين أن مبدأ الحفاظ على حقوق الإنسان نشأ مع الدين الإسلامى ، وأول حق هو حق الله تعالى على العباد وهى توحيد عبادته ، وحق العباد على الله أنه من جاء إليه موحدا يوم القيامة فجزاءه الجنة .
(1) رواه الإمام أحمد فى تنقيح تحقيق التعليق: 3/302 - صحيح
(2) وسام فؤاد . من حقوق الإنسان الغربية إلى واجبات الإستخلاف الإسلامية . مقالات إسلام ويب . 2003 م
وقد نشأ هذا المفهوم فى الفكر الغربى مع كتابات مفكرى نظرية العقد الإجتماعى : هوبر ، ولوك ، وروسو وكان الهدف من هذه النظرية فضل العملية السياسية بصفة عامة والدولة بصفة خاصة من سلطان الكنيسة .
ونتسآل هنا : هل ظهر فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آتى بعده من الخلفاء الراشدين أنه تم فصل الدولة عن المسجد ؟
الإجابة : بالطبع لا . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده وكذلك العصور الإسلامية بصفة عامة كانت دينا ودولة معا.
ونرى ذلك عن الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما آتى في يوم من الأيام جاء رسول كسرى إلى المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فسأل عن قصره، قالوا: ليس له قصر.سأل عن حصنه، قالوا: ليس له حصن.
قال: فأين يسكن، فأشاروا إلى بيت أمير المؤمنين.فلما دنا منه إذا هو كأبسط بيوت فقراء المسلمين.
فقال لأهله أين أمير المؤمنين، قالوا: هو ذاك الذي ينام تحت الشجرة.فلما دنا منه وجده نائما في ملابس بسيطة تحت ظل شجرة قريبة. فقال مقولته الشهيرة: “حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”.
يقول شاعر النيل حافظ ابراهيم، يمدح سيدنا عمر في هذا الموقف.
وَراعَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَراً **بَينَ الرَعِيَّةِ عُطلاً وَهوَ راعيها
وَعَهدُهُ بِمُلوكِ الفُرسِ أَنَّ لَها **سوراً مِنَ الجُندِ وَالأَحراسِ يَحميها
رَآهُ مُستَغرِقاً في نَومِهِ فَرَأى **فيهِ الجَلالَةَ في أَسمى مَعانيها
فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِلاً **بِبُردَةٍ كادَ طولُ العَهدِ يُبليها
فَهانَ في عَينِهِ ما كانَ يَكبُرُهُ **مِنَ الأَكاسِرِ وَالدُنيا بِأَيديها
وَقالَ قَولَةَ حَقٍّ أَصبَحَت مَثَلاً **وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويها
أَمِنتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بَينَهُمُ **فَنِمتُ نَومَ قَريرِ العَينِ هانيها
_ مراحل تأسيس مفهوم حقوق الإنسان فى الفكر الغربى :
أولا : مفهوم القانون الطبيعى :
كان مفهوما غير ملموس فى فكر مفكرى اليونان القدامى ، وهو عبارة عن مجموعة من العادات والقيم والسلوكيات والأخلاقيات التى تنسب للإنسان على أساس وجوده فى هذه الحياة .
وامتد هذا المفهوم حتى الحضارة الرومانية ، ومن ثم الحضارة المسيحية حتى قيام الثورة الفرنسية عام 1789م
ثانيا :مفهوم نظرية العقد الاجتماعى :
بدأ المفكرون يبحثون عن أساس لادينى بين الدين والسياسة ، وكانت نظرية العقد الاجتماعى التى تبرز مفهوم الحق على أنه قانون راسخ ، وقد فرض كل من "توماس هوبر " و " جون لوك "على أن قيام الدولة بموجب عقد بين الحاكم والمحكومين .
وهذه النظرية تؤيد أن الطبيعة الإنسانية طبيعة شريرة ، وأن هناك صراعات بين الفرد والجماعة ، ولإحداث التوافق فى الجماعة لابد من التعاقد مع حاكم قوى يُكفل إدارة الجماعة البشرية لتحقيق الأمن للمجتمع .
ونرى فى فكر " توماس هوبر " أن فكرة تخلى الجماعة لكافة حقوقها لذلك الحاكم ليكفيهم حالة الحرب ، ويضمن الأمن للجميع .
أما " جون لوك " يرفض هذا المبدأ ، وأن الجماعة تتنازل فقط عن بعض حقوقها ، وهى ماتُسمى اليوم " بالحقوق السيادية " والمقابل تكفل الحاكم بحماية سائر حقوق الأفراد بما فيها حق الملكية .
أما " جان جاك روسو " يختلف معهم ، ويقول : " أن أصل طبيعة البشر الطبيعة الخيرية وبين أن سبب نشأة الدولة إلى العوامل الاقتصادية ، وقال : أن بداية البشر ليست حالة حرب ولكن حالة من الرفاهية ، وفى هذه الحالة تتراجع لقلة الموارد ، وبذلك من الضرورى الاتفاق مع حاكم قوى قادر على تأمين عمليه تداول القيم الاقتصادية ، ويتنازل الأفراد عن بعض حقوقهم مقابل كفالة تلك الرفاهية .
ثالثا : أسس حقوق الإنسان فى الغرب :
قامت على ثلاث أسس ، هى :
_ التعاقد : وهو الاتفاق مع حاكم لوقف الصراعات ، وتكون منفعة تستحق تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم .
_ الصراع : وهى طبيعة الإنسان الشريرة – كما قال هوبز ولوك – مما أدى إلى نشوب الصراعات بين الأفراد ، وحتى " روسو " الذى خالفهم اسند على أن الصراعات سوف تقوم لقلة الموارد ، وبذلك سيتند الفكر الغربى إلى أن : ندرة الموارد وتزايد الحاجات البشرية تؤدى إلى الصراعات .
_ المنفعة : هذه الفكرة نشأت فى الفكر الغربى كمحاولة لتبرير الملكية ورأس المال ( النظم الرأسمالية ) ، ونشأ مفهوم ( البراجماتية ) أو( المذهب النفعى ) ومن أظهر مفكريها " تشارلز بيرس " ( 1839م – 1914م ) وهى ترفض كل الأفكار والقيم مادامت لاتحقق المنفعة للإنسان .
رابعا : الطرح الإسلامى لحقوق الإنسان :
الإسلام لديه منظومة لحقوق الإنسان قبل الفكر الغربى بمئات السنين ، وإذا نظرنا إلى الأسس السابقة نجد الآتى :
- فالتعاقد : الإسلام كله تعاقد على التسليم لله رب العالمين فى مقابل الجنة .
- المنفعة : وهى أساس إسلامى للحقوق ، ولدينا فى أصول الفقه الإسلامى ما يؤيد ذلك . والتشريع الإسلامى الذى ينظم أمور الدنيا من قضايا ، وسياسة ، وحروب فقد أُمر رسول الله بالشورى فيها والنزول على رأى الجماعة .
وهناك قواعد وضعها التشريع الإسلامى لتحقق المنفعة لكل أفراد المجتمع ، ه :
1) عدم السؤال عن الحوادث مالم تقع , وذلك لقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }المائدة101
2) تجنب كثرة السؤال ، يقول صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها
فهنا يوضح صلى الله عليه وسلم أن لكل انسان له حدودا لايتعادها وبذلك تتحقق المنفعة له ولمجتمعه ، فلا يسأل عن شيئ لايكون محرما فيُحرم من كثرة مساءلته .(1)
3) عدم التفرق فى الدين ، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }الأنعام159
فالتفرق فى الدين وعدم اتباع سبله تنفى منفعة الفرد والمجتمع .
4) رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة ، لابد من تحكيم كتاب الله وسنته فى كل شيئ فيه نزاع حتى لاتُترك الأهواء للتحكم فيه مصداقا لقول الله تعالى : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }الشورى10
ولأن هذا الكتاب لايترك صغيرة ولا كبيرة فى أمور الدنيا والدين إلا كانت تجلب المنفعة للأفراد والمجتمع داخل النظام الإسلامى ، دون التعدى على حقوق الغير .
(1)ذكره النووي فى الأربعين النووية برواية أبى ثعلبة الخشنى 30 وهو حديث حسن
_ الصراع : وهذه القضية يهتم بها الإسلام ويحاول أن ينزع الصراع بين أفراد مجتمعه حتى يعيش فى سلام
والفارق الأساسى فى المفهوم الغربى لحقوق الإنسان وبين المفهوم الإسلامى له ، فهو الفارق بين مفهوم الصراع والإيمان . ففى الغرب تأسس مفهوم حقوق الإنسان على أساس الصراع بين الجميع بعضهم البعض أما مفهوم حقوق الإنسان فى الإطار الإسلامى فأساسه الإيمان ويتوالد هذا المفهوم من خلال الأخوة والتراحم ، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
يقول الشيخ محمد الغزالى : ( الإسلام لم يعاج قضية الحقوق كما عالجها الغرب ، فالغرب وضع للناس حقوقا فى مواجهة بعضهم البعض ، فتحولت العلاقات الإنسانية إلى تناقض مصلحى ، ثم إلى تنافس ، ثم إلى صراع .
بينما صاغ الإسلام حقوق الناس فى صورة واجبات تقع على عاتق المحيطين بهم ، يسألهم الله تعالى عنها يوم القيامة ، فحقوق الزوجة واجبات على الزوج ، وحقوق الزوج واجبات على الزوجة ، وحقوق الجار واجبات على جاره ، وهكذا ومن ثم تحولت منظومة الحقوق فى الحضارة الإسلامية إلى منظومة عطاء وتراحم وتراض لامنظومة تفاوض مصلحى وصراع وتنافس وغصب وإكراه . ومن هنا نجد أن الأساس الإيمانى للحقوق فى الإسلام كواجبات فى الإسلام فجعل البشر يتسابقون للوفاء بها ، فى حين تحولت الحقوق فى الغرب إلى أعباء يمكن للفرد أن يتخلص منها متى غابت أعين القانون أو غَفل رعاته ) أ.هـ
خامسا : مراعاة حقوق الإنسان مابين المفهوم الغربى والمفهوم الإسلامى :
منظومة الحقوق فى الإسلام استندت إلى إذعان الإيمان بالله تعالى ، فالحقوق فى الإسلام هى حقوق الخلق أجمعين ولافرق فيها بين البشر بكافة ألوانهم وجنسياتهم .
أما منظومة الغرب تحقق المنفعة ، وفكرة المنفعة نسبية تتغير دائما باختلاف الزمن والقوانين الموجودة فى فترة من الفترات .
والحضارة الغربية فيها تمييز بين الخلق أو البشر ، فنجد أن الغرب ينكر حقوق الإنسان غير الغربى ، وأحداث التاريخ مليئة بهذه النماذج . وكما ذكرنا من قبل أن لا أحد من هذه المنظمات التى تدعى المحافظة على حقوق الإنسان لاتحرك ساكنا فى حرب العراق ، أو فلسطين ، أو الشيشان أو شعب الإيجور . وكان قبلا البوسنة والهرسك .
ثانيا : الإسلام والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين فى العصر الحديث :
- أحوال الأقليات الغير مسلمة فى البلاد الإسلامية .
- أحوال الأقليات المسلمة فى البلاد الغير إسلامية .
- تطاول الغرب على الرسول صلى الله عليه وسلم .
1) أحوال الأقليات الغير مسلمة فى البلاد الإسلامية :
ذكرنا فى هذا البحث أن الإسلام راعى أهل الذمة وكيف كانت المعاهدات التى عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين ثم فى الفتوحات الإسلامية ، ولم تكره أحدا على الدخول فى الإسلام .
والأقليات الدينية التى تعيش الآن فى أرجاء العالم الإسلامى أكبر دليل على التسامح الدينى واحترام الآخر فى الدين الإسلامى ، والمفهوم القديم للأقلية هو " أهل الذمة " ويعنى هذا اللفظ من هم فى ذمة المسلمين وفى رقبتهم بالرعاية والضمان والأمان (1) مما ينفى كل اضطهاد داخلى أو عدوان خارجى يقع عليهم بل لقد لجأ بعضهم إلى القضاء الإسلامى لما وجدوا فيه من العدل والإنصاف ، والدليل أيضا فى العصر الحديث أن أهل الكتاب فى الدول الإسلامية لهم القضاء الخاص بهم والتابع لعقيدتهم وتضمنه الدول بالرعاية والإستمرارية ، وأيضا هم يمارسون عاداتهم ويحتفلون بأعيادهم دون اضطهاد ودون منع سواء من الدول أو الأفراد .
الأمة الإسلامية ليست أمة من المسلمين فقط بل هى أمة متعددة الأعراق (2) واللغات والعقائد والمذاهب والطوائف يجمعها ميثاق شرف واحد ، عدم العدوان ، والمساواة فى الحقوق والواجبات والوقوف صفا واحدا أمام العدوان الخارجى على الأمة ، فالولاء للأمة وليس للعرق أو الطائفة أو الدين ، والانتساب للجماعة الأم وليس للفئة أو القبيلة .
هكذا عاش المسلمون فى تاريخهم ، وازدهرت ثقافتهم فى البصرة وفى بغداد ، والقاهرة ، والقيروان ، وبلغت ذروتها فى الأندلس . وهذا مايتفق حاليا مع مفهوم المواطنة ، فكل أفراد الأمة مواطنون بصرف النظر عن جذروهم العرقية ، والقبلية ، والطائفية ، واللغوية ، والثقافية . والأمة قديما هى الوطن حديثا .
(1) دكتور حسن حفنى . مقال الإسلام والأقليات B.BC Arabic ، 2003 م .
(2) المرجع السابق (بتصرف )
والدولة الإسلامية ، هى :
- الدولة الثيوقراطية ( أى دولة الحكم ) : فهى الدولة التى تطبق الشريعة الإسلامية وحكم الله ، وتكفل المصالح العامة لجميع القانطين فيها بغض النظر عن أصولهم العرقية أو الطائفية ... إلخ
- الدولة الديموقراطية : تنشأ فيها السلطة وفقا لنظام حر عن طريق البيعة ، وتكون البيعة للإنسان الصالح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس ! إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى ، ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فليبلغ الشاهد الغائب ، ثم ذكر الحديث في تحريم الدماء والأموال والأعراض . (1)
- الدولة الإشتراكية : تقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، فالملكية وظيفة اجتماعية للمالك حق الانتفاع بها واستثمارها والتصرف فيها ، ولكن ليس له حق الاحتكار والاستغلال . فهى الدولة التى توفر الخبز والحرية ، الطعام والأمن لكل القانطين فيها ، وهو مقياس لإيمان لله تعالى ، فهذا الأمن والطعام لابد أن يُرد بعبادة الله تعالى { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4}قريش 3-4
- الدولة التعاونية : أى يتعاون أفرادها مع بعضهم البعض ، فللفقراء حق فى أموال الأغنياء فى الزكاة {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }الذاريات19
والعمل فيه قيمة الإنسان فقد حث الإسلام على العمل ، فقال صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعى غنم ، و بعث إبراهيم وهو راعى غنم ، و بعثت أنا وأنا أرعى غنما لأهلي بأجياد .
وقال فى حيث آخر : ما أكل أحد طعاما قط ، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده . (3)
_________________________________________________________________
(1) ذكره الألبانى فى صحيح الترغيب برواية جابر بن عبد الله وهو حديث صحيح لغيره ( 2964 )
(2) أورده الأبانى من صحيح الأدب المفرد عن رواية عبدة بن حزن وهو حديث صحيح ( 449 )
(3) : صحيح البخارى 2072
إذن الدولة الإسلامية دولة عصرية تقوم على المواطنة والولاء للوطن الواحد ، وهى الدولة الوحيدة التى تقوم على حق الإختلاف فى العقيدة والمذاهب والرأى ، وهى دولة لاتقوم على الظلم والعدوان فهى التى تحمى الحق والحرية والسلام ، بل كان هناك تحالفا مع الدول الأخرى غير الإسلامية ثل دولة " النجاشى " فى الحبشة وتعاونه مع المسلمين فى هجرتهم الأولى .
2) أحوال الأقليات المسلمة فى البلاد الغير إسلامية :
لقد سردنا أحوال الأقليات الغير مسلمة – أو أهل الذمة كما أطلق عليها الإسلام – وأثبتنا أنهم يعيشون فى آمن وسلام تحت رعاية الدين الإسلامى ، وتمتعت بالحرية الدينية والعقائدية ، بل وتمتعت أيضا بالعدل والمساواة بينها وبين المسلمين .
ننظر الآن إلى أحوال المسلمين أو الأقليات المسلمة نجد الاضطهاد منذ بداية نشر الدعوة مع المسلمين الأوائل وتم تعذيبهم من كفار قريش ، بل وطردوا من بلادهم ( مكة ) وكانت الهجرة الأولى للحبشة والثانية للمدينة .
وما أشيه اليوم بالبارحة فبجانب الأمن والحرية والمساواة التى تعيشها الأقليات غير الإسلامية فى الدول الإسلامية ، نجد الاضطهاد والتطهير العرقى للأقليات المسلمة فى الدول الغير إسلامية ، فهذه الأقليات تواجه مشكلات اقتصادية وثقافية وعقائدية لمحاولة القضاء على هويتها .
وقد زاد التحدى والاضطهاد بعد سقوط الدولة الشيوعية واتخاذ الإسلام كعقيدة بديلة لهذه المذاهب السياسية ، ويواجه هؤلاء المسلمون المحاربة فى أرزاقهم ، وعدم الاعتراف بحقوقهم (1) وفرض القيود على تمثيلهم السياسى فى تلك الدول ، وتتخذ وسائل الإعلام الأساليب السلبية للتسخيف من دينهم بعرض صورا وأخبار تشويه دينهم .
- مفهوم الأقلية المسلمة : تدل على جماعة من الناس تشترك فى عدد من المقومات الثقافية أو الطبيعية أو المصالح المشتركة .
ويشير مفهوم الأقليات المسلمة هو التجمع البشرى الذى يعتنق الإسلام ويعيش فى البلاد الغير إسلامية ، وتقل نسبته عن 50% من تعداد الدولة الموجود بها والتى تحكمها قوانين غير إسلامية تكون تابعة للدولة الموجود فيها الأقليات .
(1) د. محى الدين عبد الحليم . الأقليات الإسلامية فى الدول الغير إسلامية . القاهرة : وزارة الأوقاف ( المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) ، ب.ت
دخل الإسلام إلى أوربا عن طريق الأندلس خلال الفتوحات الإسلامية ، ونشر الإسلام حضارته فى أوربا برغم موقف الكنيسة الشديد لمقاومة الوجود الإسلامى فى أوربا .
وبرغم هذا الموقف المتشدد دخل الإسلام إلى البوسنة والهرسك ، ومقدونيا ، وألبانيا ، والجبل الأسود ، وبلغاريا ، ورومانيا .
وأيضا استقدمت بعض الدول الأوربية ، الأيدى العاملة المسلمة أثنا الحروب الصليبية فى بعض المهن والأعمال المتواضعة ، وتج عن ذلك تجمعات إسلامية فى تلك الدول . وفى العصر الحديث هاجر العديد من المسلمين إلى أروبا فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وبخاصة مسلمى الجزائر .(1)
وأيضا الفترة التى جاءت بعد الحرب العالمية الثانية شهدت تدفقا كبيرا من المسلمين لاحتياج هذه الدول للأيدى العاملة الرخيصة لإعادة إعمارها .
ونستطيع أن نصنف الأقليات المسلمة ، إلى :
1) أبناء الدول الغربية نفسها نفسها والذين دخلوا الإسلام وحافظوا عليه .
2) المهاجرون من المسلمين بغرض العمل .
3) الطلاب الذين سافروا للدراسة وانتهى بهم المقام إلى الإستقرار فى هذه البلاد .
4) أصحاب الكفاءات العلمية الذين استضافتهم هذه الدول للعمل أو استكمال دراستهم العلمية .
5) الشباب المسلم الذى سافر بغرض السياحة أو الزيارة ولكنه موجود فى تلك الدول بطرق غير قانونية .
6) اللاجئون السياسيون .
- صورة المسلمين فى الثقافة الغربية :
للأسف تبث القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الغربية صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين ، ممايؤدى إلى انعكاس هذه الصورة السيئة على الثقافة الغربية بصفة عامة ، وعلى الثقافة الأمريكية بصفة خاصة . والصورة السيئة التى يتخذها الغرب ضد الإسلام متأصلة الجذور منذ الحروب الصليبية ، برغم أن التاريخ أثبت أن المجازر التى حدثت فى بيت المقدس كانت من قبل الجيوش الصليبية . فى حين اتسم حكم صلاح الدين الأيوبى بالعدل والتسامح والحرية الدينية .
(1) زوزو عبد الحميد : دور المهاجرين بفرنسا فى الحركة الوطنية الجزائرية فيما بين الحربين العالميتين . الجزائر : بدون ناشر .ص 56
وقد أجرى الأستاذ " جاك شاهين " دراسة مع ثلاثة آلاف من الأمريكيين لمعرفة نظرتهم للإسلام وللمسلمين ، فكشفت الدراسة على أن : 43% منهم يرى أن المسلمون إرهابيون بكافة المقاييس ، وأن 47% منهم يرى أن المسلمون معادون للغرب .
وتساهم وسائل الإعلام الغربية – كما نوهنا من قبل – فى ترسيخ هذه الصورة السيئة ، بل وتشن حربا ثقافية ضد العرب والمسلمين . وتتنكر الصحافة الغربية الإيجابيات الموجودة فى العالم الإسلامى ، وبرغم كثرة الصحف لا تذكر أى منها خبرا عن الإسلام وإن ذكرت تكون الأخبار التى تتصف بالتعصب والإرهاب .
- المشكلات التى تواجه الأقليات المسلمة فى العالم :
1) تتعرض هذه الأقليات لتفتيت وحدتها مما تقابله من النعرات القومية ونشوب الصراعات فيها وذلك لعدم التجانس اللغوى والعرقى بين السلالات الإسلامية .
2) أدى التزاوج بين المسلمين وغيرهم من الثقافات الأخرى إلى مشكلات أسرية شديدة .
3) ضياع الهوية الإسلامية لشباب المسلمين الذين سايروا الحياة الغربية .
4) تتنافس السياسات فى هذه المجتمعات لاستبعاد الأقليات المسلمة من التمثيل السياسى والنيابى . ولذلك بدأت تظهر الحركات الإنفصالية أو الإستقلالية مثل ماحدث فى الفلبين والهند والصين .
5) زيادة ههوة الانفصال بين أبناء هذه الأقليات وبين دينهم عدم إلمامهم باللغة العربية التى هى أساس الدين الإسلامى .
6) انخاض المستوى الاقتصادى لتلك الأقليات أدى بها إلى السكن فى أحياء فقيرة ، وعدم مشاركتها فى الأنشطة الاجتماعية المختلفة .
7) نشر الصورة السيئة للإسلام على أنه دين الإرهاب ودين الإكراه وتعدد الزوجات ، إلى آخر هذه المهاترات .
8) أدى ظهور الحركات اليمينية المتطرفة فى أوربا التى هدفها طرد الأجانب إلى تعقب هذه الأقليات ومحاولة القضاء عليها ، مثل محاولة القضاء على الأقلية التركية فى ألمانيا .
9) ضعف تأثير المراكز الإسلامية فى تلك البلاد لضعف الإمكانيات المالية والبشرية بها .
10) تأثر أنشطة الدعوة بالحكومات وبالتالى تتأثر بالنواحى السياسية والخلافات فيما بينها مما يجعلها عرضة للتوقف فى أى لحظة .
11) عدم اعتماد الجهود الدعوية على وسائل التقنية الحديثة واعتمادها على الوسائل التقليدية التى لا تُعطى النتيجة المرجوة للدعوة .
12) عشوائية العمل فى هيئات الدعوة الإسلامية .
13) السلوكيات السيئة لبعض الأشخاص المسلمين ، تسئ لصورة الدين الإسلامى .
وفى النهاية نؤكد أن هذه الأقليات من الممكن أن تكون وحدة وقوة ضغط كبيرة على صناع القرار إذا انتظمت جهودها وأُستثمرت إمكانياتها . فلابد من التنسيق بين هذه الأقليات وتنظيم عملها وفقا لخطة موحدة تحت إشراف جهاز إسلامى واحد ، يوحدها ويُذيب مابينها من خلافات .
3) تخوف الغرب من انتشار الإسلام :
- لماذا يخشى الغرب الإسلام ؟
- لماذا يُهاجم الإسلام كل هذا الهجوم ؟
- لماذا لانرى تخوفا من انتشار أى ديانة أخرى عن ما نرى هذا الخوف من انتشار الدين الإسلامى ، واعتناق الكثير لهذا الدين ؟
نحلل الآن . لماذا هذا الخوف من الإسلام فى الغرب ؟
إن المتخوفين من الإسلام فى الغرب يرفضون انتقادات الدين الإسلامى للثقافات وللمجتمعات الغربية بما فيها من انحلال خلقى وتفكك اجتماعى ، وعدم احترام الغير .
وقد ازدهرت الحضارة الإسلامية على مر العصور لأنها تقوم على أُسس إلهية راسخة ، وبذلك أنهت النظريات الغربية القائمة على ديانات مُحرفة ووضعية ، فكان طبيعيا حالة الخوف المنتشرة فى الغرب من الإسلام لأنه يقف ضد الحريات المطلقة بدون ضابط ولارابط ، ويحد أيضا من الشهوات التى أطلق لها الغرب العنان تحت شعار حقوق الإنسان الطبيعية والحرية الشخصية .
وقد ساهم اليهود فى نشر أن القرآن الكريم كتاب بلا روح – عليهم من الله مايستحقون – وأن من يتعبه هم أقواما متخلفون وإنما يستخدمونه للوصول إلى مناصب سياسية وعسكرية . وهذا ليس غريبا على اليهود فالتاريخ يزخر بخياناتهم بداية مع النبى صلى الله عليه وسلم وتآمرهم على الإسلام فى المدينة المنورة ، ومحاولة قتله عليه الصلاة والسلام .
ومن اسباب الخوف أيضا الجهل بالتعاليم الإسلامية الصحيحة ( والإنسان دائما يخشى ما يجهله )
والغرب يؤمن بالحريات المطلقة للأشخاص ، وإباحية فى العلاقات بعيدا عن العلاقة الزوجية الصحيحة ،
وأيضا تناول المحرمات من شرب خمر وأكل لحم الخنزير . والمعروف أن الإسلام يُحرم كل هذا فيعتبرونه هم قيد على تصرفاتهم وحرياتهم المزعومة ، ولكن ويم الله أنهم عبيدا لشهواتهم وغرائزهم ويُزين لهم الشيطان أعمالهم .
-الإسلاموفوبيا :
الفوبيا : مرض نفسى . ويعنى الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو أنشطة أو أشخاص أو أماكن ... إلخ بطريقة تجعل الإنسان غير قادرا على التفكير أو التصرف .
وأعراض هذا المرض على الأشخاص : الشعور بالإختناق ، سرعة خفقان القلب ، تقلب المعدة ، والإرتعاش الشديد (1)
ونتسآل هنا هل من الممكن أن تُصاب المجتمعات بهذا النوع من الفوبيا ؟!
الإجابة : نعم ، من الممكن أن تُصاب المجتمعات بالفوبيا الاجتماعية أو السياسية والتى تكون فى صورة الهلع الثقافى ويحدث نتيجة للتحذير من دولة ما ، أو دعوة دينية ما ، أو حركة سياسية .
ونأخذ مثالا تخوف العام الرأسمالى من الشيوعية أثناء صعود الإتحاد السوفيتى السابق ، والآن الخوف والفزع من الإسلام برعاية الولايات المتحدة الأمريكية دول أوربا وإسرائيل .
ظهر هذا المسمى بوضوح بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م ، وقد نشأت نواته فى مؤسسة تُدعى " رانى ماد " وهى مؤسسة فكرية مستقلة فى بريطانيا 1997م ، وهى تتسم بالتعصب ضد المعتقدات الثقافية والدينية لدى المسلمين .
والرُهاب من الإسلام واقع سياسى اجتماعى منذ ظهور الرسالة ونزول الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولة اليهود تشويه الدين الإسلامى ، ونقدهم للعهود ومحاربتهم للنبى عليه الصلاة والسلام ولأصحابه ، وأيضا ما سربه اليهود من الإسرائيليات فى الثقافة الإسلامية وبخاصة فى التفسير والتأويل .
وتدرج وتزايد هذا الرُهاب بعد الإنتشار السريع للإسلام فى الفتوحات الإسلامية والقضاء على أكبر قوتين فى ذلك الوقت هما الفرس والروم ، والحروب الصليبية هى أصدق مثالا على هذه الكراهية للإسلام .
ومن المواقف التى توضح هذه الكراهية موقف " اللورد لنبى " القائد البريطانى بعد الانتصار على العثمانيين فقد وقف على جبل الزيتون وقال : " الآن انتهت الحروب الصليبية "
(1) صلاح عبد المتعال . المنظور السيولوجى الحضارى للإسلاموفوبيا . مجلة الوعى الإسلامى ، العدد 527 , 7/9/2009
وأيضا موقف الرئيس السابق " جورج بوش الإبن " عندما أعلن أن الحرب ضد العراق هى حربا صليبية .
ويتزايد هذا الرُهاب ويجد من ينميه ففى إدارة الرئيس السابق نيكسون عقب أحداث ميونخ 1972م عندما اُخذ بعض الإسرائليين المشاركين فى الدورة الأوليمبية المقامة فى ألمانيا كرهائن لتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية .
وقد تأسست فى ذلك الوقت لجنة الدفاع عن اليهود ضد العرب والمسلمين (1) وكانت نتيجة هذه اللجنة :
- خطف الطائرة اللبنانية 1985م .
- اغتيال بعض النشطاء العرب الأمريكان .
- الهجوم على المراكز الدينية والثقافية العربية والإسلامية .
- قيام إدارة ريجان بضرب ليبيا 1986م .
- اتجاهات العنف ضد عرب ومسلمى الولايات المتحدة إثر حرب الخليج 1991م .
- إعلان قانون الأدلة السرية فى إدارة كلينتون وبخاصة بعد تفجيرات " أوكلاهوما " .
- سارت حملة الاعتقالات على أشدها ومنها : اعتقال مازن النجار الأستاذ فى جنوب فلوريدا ، وأستاذ الفيزياء أنور هدام الجزائرى .
وقد ارتفعت نغمة الكراهية بعد أحداث سبتمبر فسجلت 2000 جريمة اُرتكبت ضد المسلمين والعرب ، وخُربت المراكز الثقافية والدينية الإسلامية .
_ تم ترحيل 6000 طالب من الشرق الأوسط من أمريكا عام 2002 م.
- اتهمت وزارة العدل الأمريكية 2004م جمعية " الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية " الخيرية الإسلامية بأمريكا وسبعة من مكاتبها بتمرير ملايين الدولارات لأشخاص ومنظمات على علاقة بحركة حماس .
- وقد اُعتقل البروفسور " عبد الحليم أشقر " بحجة عصيان المحكمة الأمريكية ورفضه الشهادة ضد مؤسسات ومنظمات فلسطينية وإسلامية ، وكتب " جون اسبوزيتو " فى مقالته عن الإسلاموفوبيا أراء تدل على مدى التطرف والحقد على الإسلام والمسلمين ، ومنها :
* آن كولتز : يجب غزو بلاد المسلمين واغتيال قادتها وإجبارهم على اعتناق المسيحية !
* ميشيل سافج : أريدكم أن تعرفوا أن أكبر نسبة من الأمريكيين يؤيدون إلقاء قنبلة نووية على أكبرعاصمة
(1) أين لجنة الدفاع عن مسلمى الإيجور الآن والذى أصبح زعيمهم مزارا سياحيا مربوطا فى عربة تقودها فتاتان صينيتان .
عربية ، ويجب اجبار هؤلاء على اعتناق المسيحية وهى الوسيلة الوحيدة لأن يتحولوا إلى كائنات بشرية !
* وفى تعليقه حول حوادث التعذيب فى سجن " أبو غريب " قال : " رش ليمباه " : إن هؤلاء السجناء فاسدون ومنحرفون وخطرون وهم دون مستوى البشر !!
* وفى النهاية يتطاول قزما اسمه " جيرى فالويل " على سيد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام ، فى برنامج 60 دقيقة بقناة C.B.S ويصفه بأنه إرهابى .
سأختم بقول الله تعالى وهو أصدق تعليق على موقف هؤلاء الأقزام . {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120
4) تطاول الغرب على الرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمين :
يقول الأستاذ / محمد جلال القصاص فى مقال له بعنوان " التطاول على الحبيب صلى الله عليه وسلم رؤية أعمق وأشمل " أن جذور التعدى على النبى عليه الصلاة والسلام ينبع من عُباد الصليب ، الذين أصدروا (دائرة المعارف الإسلامية ) وهى عمل ضخم يضم مفاهيم مغلوطة لكثير من المفاهيم الإسلامية ولشخصياته وأحداثه وبخاصة أحداث القرن الأول الهجرى .
وللأسف هناك أيضا من تجرأ على التراث الإسلامى ، كُتابا ينتمون إلى الإسلام اسما ولكن انتمائهم الحقيقى إلى الغرب . وظهر أيضا بعض من الكتاب النصارى الذين يكتبون عن الوحى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضافوا مفاهيمهم الخاطئة عن الإسلام ، فتارة يقولون أنه صلى الله عليه وسلم مَلِك يبحث عن مُلك ، وتارة يقولون أن القرآن الكريم حكايات يهود وآساطير ، ويظنون أنهم يعظمونه ويقولون العظماء مائة وأعظمهم محمد ويضعونه على قدر سواء بالفلاسفة والمفكرين الغربيين ، ونتيجة لهذا التطاول الذى اتخذ كل الوسائل المتاحة لهدم هذا الدين أنه :
1) حدثت بلبلة فى الفكر وارتد بعض من ضعاف الأنفس وقليلى الإيمان وكم رأينا على برامج التلفاز من ارتد ويتطاول على الإسلام وأنه وجد النجاة فى دين المرتدين ويعتبرها حرية شخصية .
2) نشط ( القرآنيون ) بحجة الدفاع عن الدين ، وأنكروا السُنة النبوية الشريفة وتطاولوا على الصحيحيين .
3) تجرأ الملحدون وكتبوا كتبا تهاجم النبى صلى الله عليه وسلم بل وتطاول عليه ، بغرض الوصول إلى الشهرة والحصول على التميز الواهى .
4) أُثيرت بعض القضايا مثل : رضاع الكبير ، حد الردة ، مدة الحمل ، الجهاد ، أهل الذمة . وكل هذه القضايا نابعة من وسوسة النصارى ومعاونيهم من يهود وملحديين وهدفهم فقط التطاول على أشرف خلق الله عليه الصلاة والسلام .
5) ظهر ما يسمى بالدعاة الجدد وهم ليسوا أهل علم فلا نسمع منهم متنا صحيحا وللأسف وجدوا من يسمعهم .
وهنا نتسآل لماذا هذا التطاول على الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ ونحن لازلنا نعيش مأساة الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصادرة من الدنمارك .
وهذا التطاول من ملاحدة ، ومدعى الحريات ، وممن من كتبوا الكتاب بأيديهم له أسبابه : (1)
1) العداوة القديمة بين الحق الذى يمثله الدين الإسلامى ، وبين الباطل الذى يتمثل فى أفكارهم المريضة وأديانهم الوضعية .
2) الجهل بحقيقة الإسلام ، وحقيقة نبيه صلى الله عليه وسلم .
3) انحراف كثير من المسلمين عن الدين .
4) الواقع المتردى الذى تعيشه بعض البلدان الإسلامية .
- حكم من سب النبى صلى الله عليه وسلم ، وحال المسلمون هذه الأيام :
كرم الله تعالى خاتم الأنبياء ، والصادق المصدوق ، وأشرف خلق الله ، والنبى الأمى ، الصادق الأمين : محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فى شريعته . وهذا التكريم الإلهى جعل له مكانة مقدسة برغم بشريته عليه الصلاة والسلام ، ونعرض الأيات التى تكرم صلى الله عليه وسلم :
*} أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} .... الشرح 1-4
*} إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3}... الكوثر
والإقرار ببشريته يتضح فى قول الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }فصلت6
ولقد حباه الله تعالى مكانة عالية بين العالمين ، وصان رسالته لتكون آخر رسالة يدعو بها نبى أو رسول ، ويكون دينه هو الدين الذى يقره الله تعالى للبشر ‘ قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}آل عمران19
(1) الشيخ ناصر بن سليمان العمر . إلا تنصروه فقد نصره الله . سلسلة مجلة البيان .
ويكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، فيقول صلى الله عليه وسلم عن نفسه : إن مثلي مثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بيتا ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ، ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين .(1)
ولذلك جُعلت سبه وسب دينه جريمة ، يقول الدكتور " أحمد الفرجانى " فى فتوى له على موقع إسلام ويب (2) يؤكد فيها أن اللعانين لاينالوا شفاعة ولارحمة من الله تعالى ، وبما أن لعن المؤمن لايجوز بل حتى لعن الحيوان البهيم ، فكيف بالتطاول على النبى صلى الله عليه وسلم . واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى ، والمؤمن ليس بطعان ولا لعان ولافاحش ولابذئ الألفاظ .
ويقول الله تعالى فيمن يؤذون الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم مطردون من رحمة الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }الأحزاب57
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( إن سب الله أو سب رسوله كُفر ظاهرا وباطنا وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرما أو كان مستحلا له ، أو كان ذاهلا عن اعتقاده ))
وقال القياضى عياض فى كتابه الشفا : (( اعلم – وفقك الله وإياك – أن جميع من سب النبى أو عابه أو ألحق به نقصان فى نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عَرّض به أو شبهه بشيئ على طريق السب له أو الإزدراء عليه ، أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له ، فهو ساب له . والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما كما نبينه ولانمترى فيه تصريحا )) ثم نقل رأى الإجماع على قتل ساب الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد اتفق العلماء على أن جريمة سب النبى صلى الله عليه وسلم وكذلك سائر الأنبياء له عقوبة فى الدنيا وأخرى فى الآخرة . والعقوبة فى الدنيا تختلف بحال الساب إذا كان مسلما أو ذميا أو كافرا .
أولا : العقوبة الواجبة على المسلم الذى يسب النبى عليه الصلاة والسلام :
1) القتل : قال أبو بكر بن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبى صريحا يُقتل (3) وهناك أدلة من الكتاب والسنة على تلك العقوبة ، وهى :
(1) صحيح البخاري 3535
(2) فتحى إبراهيم بيوض . التطاول على الذات الإلهية . الدوحة .
(3) ممدوح إسماعيل . سب النبى بين الشريعة والقانون . لواء الشريعة ، 2008م .
- الأدلة من القرآنالكريم : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }الأحزاب57
{ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}الذاريات 10
_ الأدلة من السنة النبوية : * أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف بسبب آذاه للرسول وقول الشعر فيه (1)
* وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر – وهو جزء من الدرع يوضع على الرأس فى أوقات الحرب – فلما نزعه جاء رجل ( هو أبو برزة الأسلمى رضى الله عنه ) فقال : إن ابن أخطل (2) متعلق بأستار الكعبة ، فقال : اقتلوه وجاريتيه (3)
_ الأدلة من الأثر : روى أبو برزة الأسلمى رضى الله عنه ، قال : كنت يوما جالسا عند أبى بكر الصديق فغضب على رجل من المسلمين ، وفى رواية أتيت أبا بكر وقد أغلظ لرجل فرد عليه .قال . فقلت : ياخليفة رسول الله دعنى أضرب عنقه ، فقال : اجلس فليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرجه أبو داود وصححه الألبانى ).
وكذلك جاء فى كتاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة – وقد استشاره فى قتل رجل سب عمرا – فكتب إليه : إنه لاجب قتل امئ مسلم بسب أحد من الناس إلا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سبه فقد أُحل دمه . ( أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى )
2) عدم قبول التوبة : اتفق العلماء على أن ساب النبى صلى الله عليه وسلم إذا تاب توبة نصوحا فلعل التوبة تنفعه فى الآخرة ولكنهم اختلفوا فى أمر التوبة فى اسقاط عقوبته فى الدنيا ، فتحولوا لرأيين :
الأول : تقول المالكية والشافعية والحنابلة أنه لاتوبة للمسلم الذى يسب النبى عليه الصلاة والسلام ، وحتى لو تاب لاتُقبل توبته ولاتُسقط عنه العقوبة وهى القتل .
الثانى : ترى الحنفية أن المسلم الذى سب النبى صلى الله عليه وسلم إذا تاب تُقبل توبته ، ودلوا بذلك بالحديث القدسى :
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك ، كتاب معرفة الصحابة . ذكر مناقب محمد مسلمة الأنصارى .
(2) ابن أخطل : كان قد أسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الزكاة وبعث معه رجلا من الأنصار فقتله فى الطريق وارتد مشركا ، واتخذ قنينتين – جاريتين – تغنيان له بهجاء رسول الله
(3) صحيح البخارى 2/655 رقم 1749و2879و4035و5471
قال النبي صلى الله عليه وسلم - أراه - : ( قال الله تعالى : يشتمني ابن آدم ، وما ينبغي له أن يشتمني ، ويكذبني ، وما ينبغي له . أما شتمه فقوله : إن لي ولدا ، وأما تكذيبه فقوله : ليس يعيدني كما بدأني .(1)
وعلى ذلك يستتاب الساب فإن تاب عفوا عنه ، وإلا قُتل كالمرتد .
ثانيا : العقوبة الواجبة على الذمى الذى يسب النبى صلى الله عليه وسلم :
تتفرع هذه العقوبة على ثلاثة مسائل ، هى :
1) عقوبة الذمى وهو على دينه : اجمع العلماء على عقوبة الذمى الذى يسب النبى صلى الله عليه وسلم ولكنهم اختلفوا فى نوعية العقوبة على وجهين :
- يقتل على رأى المالكية ، الشافعية ، والحنابلة وذلك لأن المسلمين لم يعطوه الذمة والعهد على هذه المخالفة . واستدلوا من الكتاب { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُون} التوبة 12
والدليل من السنة أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم دمها .(2)
- يرى أبو حنيفة والثورى أنه لايُقتل لأن ماهو عليه من الشرك أعظم ، ولكن يُؤدب ويُعزر ، واستدلوا بذلك من السنة ماروى عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك ، فقلت : بل عليكم السام واللعنة ، فقال : ( يا عائشة ، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) . قلت : أولم تسمع ما قالوا : قال : ( قلت : وعليكم ) . (3)
2) عقوبة الذمى الذى أسلم :اختلف العلماء فيمن أسلم من أهل الذمة الذى سب النبى صلى الله عليه وسلم هل يسقط قتله فكانوا على رأيين :
- يسقط القتل عنه بالإسلام وهو رأى الحنفية والمالكية ونقل بن المنذر عن الأوزاعى أنه يستتاب .
(1) صحيح البخاري: 3193
(2) حديث حسن برواية على برواية على بن أبى طالب ذكره ابن حجر فى مشكاة المصابيح ( 3 / 409 )
(3) صحيح البخاري ا6927
- يرى الحنابلة أنه لايسقط عنه القتل بالإسلام لأنه حق النبى صلى الله عليه وسلم ، قال القاضى عياض : يُقتل حدا لاكُفرا .
وأما بالنسبة للعهد فترى المالكية والحنفية والشافعية أن العهد لايتأثر بالسب إلا إذا شُرط عليه عدم السب فى العهد ، ففى هذه الحالة يُنتقض العهد . قال ابن القيم : حكى ابن المنذر والخطابى عن الشافعى أيضا أن عهده يُنقض بسب النبى ويُقتل .
ثالثا : عقوبة الكافر الذى سب النبى صلى الله عليه وسلم :
اتفق العلماء على أن الكافر الذى يسب الرسول عليه الصلاة والسلام يُهدر دمه ويجب قتله . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب الصارم المسلول : قال الامام احمد (( كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فعليه القتل وارى ان يقتل ولا يستتاب ))
- الأدلة من الكتاب : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }التوبة 12
- الأدلة من السنة : كان رجل يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يكفيني عدوا لي ؟ فقال خالد بن الوليد : أنا فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقتله .(1)
- حقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام :
لابد أن يُعاقب كل من سب النبى صلى الله عليه وسلم أو تطاول على الذات الإلهية بالقتل سواء كان مسلما أم كافرا أم ذميا أسلم أم ظل على دينه ، لأن هذا السب يتعلق بعدة حقوق ، هى :
1) حق الله تعالى : ويكون من سب كفر بالله وبرسوله وعادى أولياؤه ، وأيضا طعن فى كتاب الله ودينه ورسالته وبالتالى الطعن فى ألوهيته جل وعلا . فإن الطعن فى الرسول طعنا فى المرسل وتكذيب له وانكارا لكلمته وصفاته واسمائه .
2) حق رسول الله : وذلك الخوض فى عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تفعل الرافضة ، والطعن فى نبوته ورسالته وهذا يؤدى إلى تأثر بعض الناس من سوء الظن بالرسول عليه الصلاة والسلام وبذلك يفسد عليهم إيمانهم .
والخلاصة أن من سب الرسول عليه الصلاة والسلام من الكفار " مقتول "
(1) دذكره ابن حزم فى المحلى برقم 11/413 حديث صحيح
_ تجريم الإساءة للنبى عليه الصلاة والسلام فى القانون الدولى :
ظهرت المواثيق العالمية التى تدافع عن حقوق الإنسان ، وكما ذكرت قبلا أن أشهرها ( الإعلان العالمى لحقوق الإنسان 1948) وغيرها من هذه الاتفاقيات ، منها : الإتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصرى ، وصدرت عدة مواثيق دولية تُحرم الإعتداء على الرموز الدينية وبخاصة التى تهتم بموضوع كرامة الإنسان : *ففى الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان 1950م وكفلت فيها المادة 15 منه " التمتع بالحقوق والحريات المقررة دون أى تمييز سواء بالجنس أو اللون أو العقيدة أو اللغة ، ولايسخر إنسان من إنسان آخر .
لقد سبق القرآن الكريم هذا الميثاق – الذى لاحاجة لنا به – يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11
* إعلان طهران الصادر فى 13 مايو 1968م وأكد على هذه الحقوق فى مادته 25 .
* إعلان القاهرة لحقوق الإنسان فى الإسلام 1990م نصت المادة الرابعة أن : (( لكل إنسان حرمته ، والحفاظ على سمعته فى حياته وبعدموته ، وعلى الدول والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه ))
ونص فى المادة 22 أن لكل إنسان الحق فى التعبير عن رأيه بشكل لايتعارض مع المبادئ الشرعية ، وكذلك لايجوز استخدام الإعلام للتعرض على المقدسات وكرامة الأنبياء ولايجوز إثارة روح الكراهية القومية والمذهبية ، والإساءة للرسل من الأمور المؤدية لذلك .
ونناقش هنا فكرة الإعلام فنراه مُسخر لأفكار أعدائنا بما فيه من برامج تناقش تارة ، وتنقض تارة مبادئ إسلامية راسخة ، ومن هذه الأمثلة حجاب المرأة وتحت شعار فاسق " حرية المرأة " ، ونجد ما يشجعه هؤلاء من دعوى للإباحية تحت مسمى الفن ورسالة الفن .
ويكفى ماتعرضه المسلسلات والمسرحيات والأفلام من صورة المأذون الشرعى وتُظهر شخصيته بصورة كاريكاتورية تبعث إلى السخرية والإهانة .
والصحافة التى تستند على حرية الرأى ومبدأ القلم الحر ظهر تحت هذا المسمى كُتابا وصحافيون لاهم لهم سوى الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام .
وهذا ما رأيناه عندما نشرت إحدى الصحف الدنماركية رسوما للسخرية من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاربين عرض الحائط بكل القيم والأخلاقيات التى تحترم حقوق الإنسان التى يتشدقون بها .
لأننا نرى أن هذه المواثيق والقوانين لم تضع أى مادة تُعاقب من يتطاول على ذات النبى صلى الله عليه وسلم
وإنما يُحاكم مرتكبها فقط بجريمة ازدراء الأديان ، وتضيع القضية تحت مسمى حرية الرأى والتعبير ، وإذا ثارت الشعوب المسلمة وأرادت الدفاع عن نبيها ، يصبحون إرهابيون .
وقد ثار المسلمون فى كل بقاع الأرض وصدرت بيانات تُدين هذا التصرف ، ومنها بيانمجلس الوزراء السعودى حيث استنكر هذه الإساءة فى جلسته بتاريخ 23/12/ 1426هـ ، وتم استدعاء السفير السعودى من الدنمارك . وقد أصدر سماحة الشيخ / عبد العزيز آل شيخ الرئيس العام لإدارة البحوث والإفتاء استنكاره لهذه الإساءة .
وطالبت الشعوب الإسلامية بالمقاطعة الإقتصادية بل اعتبرها البهض واجبا دينيا .
ختـــام
ختــــــــــام
كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ) .
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6389-خلاصة الدرجة: [صحيح]
ختـــــــــام
فى الختام نجد أن الإسلام والشريعة الإسلامية تدعو إلى السلام وهذا بدلائل ، وهذه الدلائل هى :
1) أن السلام تحية المسلمين ولفظها " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " فالرسول عليه الصلاة والسلام يدعو إلى رد التحية بأحسن منها ، عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا فإن الله يقول { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } (1)
2) السلام هو اسم الجنة {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام127 ، والسلام تحية أهل الجنة {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }يونس10، والسلام هو اسم من أسماء الله تعالى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }الحشر23
3) لم يبدأ المسلمون بالاضطهاد والتعذيب وظهر هذا من تعذيب كفار قريش لهم فى بداية ظهور الدعوة فى مكة مما أدى إلى هجرة المسلمين إلى الحبشة كهجرة أولى ، ثم إلى المدينة المنورة كهجرة ثانية ومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4) أن الإسلام لم يبدأ أى حرب إلا إذا كان هناك اعتداء وبخاصة أن هناك أمرا إلهيا بذلك {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190
ولكن فى نفس الوقت لم يطلب من المسلمين التهاون أو التخاذل فقد قال الله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60
5) ظهرت سماحة الإسلام فى عقد المعاهدات التى عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود والقبائل المحيطة بالمدينة ، وكيف ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده وكذلك فى الفتوحات الإسلامية أوصوا بعدم التعرض للأطفال أو النساء أو الرهبان .
6) مبادئ السلام فى الإسلام تضمن الأمن والطمأنينة للبشر بل جعل الله تعالى بعث الخوف وانتزاع الأمن
(1) رواه الهيثمي فى مجمع الزوائد برقم 8/44 والحديث رجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة
من العقوبات التى تحل بالعصاة {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112
7) ورأينا مراحل تشريع القتال فى الإسلام وأنه يُسمى جهادا ، والله تعالى شرع الجهاد للدفاع عن النفس وعن الإسلام ممن يحاولوا القضاء عليه .
8) ووضحنا شبهة انتشار الإسلام بحد السيف – وهذه فرية على الإسلام – وأثبتنا أن كثير من البلاد انتشر فيها الإسلام عن طريق التجارة ، ومن خلال أخلاقيات وسلوكيات التجار المسلمين .
9) وتمت المقارنة بين حقوق الإنسان فى الإسلام وفى القوانين الغربية ووجدنا أن الإسلام يساوى بين الخلق جميعا فى الحقوق والواجبات دون التفريق بينهم فى اللون ، أو العقيدة ، أو الجنس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إن ربكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم .(1)
أما القوانين الغربية فتكيل بمكيالين تبحث عن حقوق الإنسان فيما يخصها هى ، ولاتنظر للشعوب الأخرى والدليل على ذلك انتهاك حقوق الإنسان فى بعض الدول دون الحيلولة من ذلك لأنها لاتخدم مصالحها وبخاصة انتهاك حقوق الإنسان فى فلسطين .
10) وجدنا أيضا أن الأقليات المسلمة فى البلاد الغير إسلامية تعانى اضطهادا ، وتعذيبا ، ولا يستطيعوا أن يمارسوا شعائرهم الدينية ، ولاحتى حقوقهم المدنية والسياسية ، والشاهد على ذلك مايحدث فى كشمير ، والبوسنة والهرسك ، وشعب الإيجور.
11) تخوف الغرب من انتشار الإسلام ، وتم توضيح السبب لأنهم يخشون الحق لتسلط أنفسهم الضعيفة الآمرة بالسوء فى تحليل ما حرمه الله تعالى ، وإطلاق لغرائزهم ولشهواتهم العنان ، والإسلام هو الرادع لها ، ووصل هذا الخوف لدرجة الرُهاب لدرجة أنهم عقدوا مؤتمرا وأطلقوا عليه اسم " الإسلاموفوبيا "
12) ظهر مدى الحقد والكراهية للإسلام وللرسول عليه الصلاة والسلام والشاهد ماحدث فى الدنمارك من اساءة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وتطاول بابا الفاتيكان على الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى كتاب الله .
13) ووضحنا بالمراجع الفقهية المعتمدة عقوبة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سواء كان مسلما أو ذميا ( أسلم أم ظل على ديانته ) ، أو كافرا .
(1) حديث صحيح رواه الألباني فى غاية المرام برواية جابر بن عبد الله 313
وكانت الخلاصة على اجماع العلماء على وجوب قتل من سب الرسول عليه الصلاة والسلام .
وأخيرا ندعو الله تعالى أن ينصر الإسلام بازدياد معتنقيه فالله ظاهر نوره ولو كره الكافرون ، ومهما تطاولوا فهم أقزام .
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه
اللهم اجعلنا ممن يكون } آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }يونس1
جيهان أحمد عثمان حسين
السبت
10/10/2009 م
20 من شوال 1340 هـ
مرفقــــــــات
ماذا قال الغرب المنصف عن الإسلام ؟
مرفقات
ماذا قال الغرب المنصف عن الإسلام
أولا : عن القرآن الكريم
1) للمسلم أن يعتزَّ بقرآنه، فهو كالماء فيه حياة لكل من نهل منه
إبراهيم خليل أحمد Ibrahim Khalil Ahmad
قس مبشر من مواليد الإسكندرية عام 1919، يحمل شهادات عالية في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية، ومن جامعة برنستون الأمريكية. عمل أستاذًا بكلية اللاهوت بأسيوط. كما أرسل عام 1954 إلى أسوان سكرتيرًا عامًا للإرسالية الألمانية السويسرية. وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام. لكن تعمقه في دراسة الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين وأشهر إسلامه رسميًا عام 1959.
2) ".. إننا نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار Alvar [ الإسباني ] الذي عرف بتعصبه على الإسلام، يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل، حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به.."
سير توماس أرنولد ( 1864 – 1930). Sir Thomas Amold
من كبار المستشرقين البريطانيين
3) ".. إن أعظم نتائج العلم يمكن أن تستخدم في أغراض هدمية أو بنائية. وربما كان هذا هو المقصود بما ورد في القرآن خاصًا باستخدام الحديد: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد 25]. وأظهر مثال من هذه الآية بالضرورة هو استخدام النشاط الذري – الذي نشطت بحوثه – لضرورة حربية..
د . ميلر بروز
رئيس قسم لغات الشرق الأدنى وآدابه وأستاذ الفقه الديني الإنجيلي في جامعة (ييل). وعمل أستاذًا بجامعة
براون، وأستاذًا زائرًا بالجامعة الأمريكية في بيروت، ومديرًا للمدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية بالقدس
4) ".. يخلق الروح القرآني مناخ عيش ينتهي به الأمر إلى مناغمة التعبيرات الذهنية والمساواة بين العقليات والنظم الاجتماعية بأكثر مما تفترض التصريفات السياسية والطوابع الإيديولوجية التي تسند إلى الدول.
ولا يكفي قط ما يتردد عن درجة تأثير القرآن الكبرى في (الذهنية الإسلامية) المعاصرة، فهو ما يزال مصدر الإلهام الفردي والجماعي الرئيسي، كما أنه ملجأ المسلمين وملاذهم الأخير
مارسيل بوازار M. Poizar
مفكر ، وقانوني فرنسي معاصر. أولى اهتمامًا كبيرًا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان
ثانيا : عن محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
1) "إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية".
(العالم الأمريكي مايكل هارث)
2) "كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به"
رودي بارت Rudi, Part
عالم ألماني معاصر، اضطلع بالدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة علوم العربية والإسلام
3) "جاء محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."
إدوار بروي Edourd Perroy
باحث فرنسي معاصر، وأستاذ في السربون.
4) "أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره
الدكتور م. ج. دُرّاني Dr. M. H. Durrani
سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام "كما يأتي فصل الربيع"، فعاد إلى دين آبائه وأجداده.
5) "كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب
دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana
ولد في تونس، ودرس في روما، أحرز الدكتوراه في القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي، وفي سنة 1910 عين أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامي.
6) ".. هل رأيتم قط .. أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا.. إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل..
توماس كارلايل ( 1795 – 1881 ) Th. Carlyle
الكاتب الإنجليزي المعروف
ثالثا : عن الإسلام
1) "إذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون جميعنا مسلمين؟".
(الأديب الألماني غوته)
2) قرأت قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات 13]، وقرأت ما جاء بالإنجيل: (إذن لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة) وزال عني العجب عن التفرقة العنصرية عند الأمريكيين في أيامنا هذه بين البيض والسود، وزاد إعجابي وإجلالي للمسلمين. أن سيد القوم يقف بجانب المواطن العامل والمزارع والتاجر والموظف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، راكعين ساجدين، يخشون ربهم ويرجونه الرضا والعفو، فأيقنت أن مجد الإسلام والمسلمين في هذا التساند الجميل والتآخي الحبيب..
إبراهيم خليل أحمد
3) "إن تعاليم الإسلام هي تعاليم عملية تقدم نموذجًا لبناء الأمم، كمايمنح الإسلام للضالين إحساسًا بالأمل والاتجاه. ويمكن الفرد المسلم من فهم واجباته نحو الله ونحو بني الإنسان بصورة أفضل
الدكتور دوغلاس أرشر : عبد الله أرشر Douglas Archer
شاب من جامايكا، في منتصف العقد الخامس من العمر، يعمل مديرًا للمعهد التربوي في منطقة الكاريبي، جامايكا، كان بروتستانتيًا، وبعد أن انتمى للإسلام قدم استقالته من عمله كأستاذ لعلم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تخصص هناك، وعاد إلى بلاده لكي يسهم في دعوة أبناء وطنه إلى الإسلام.
4) "أنا اليوم ابن الإسلام وإني سعيد أكثر مما كنت في أي يوم من أيام حياتي، وفي مدنيتي الغربية ومع ثيابي الغربية. سعيد كمؤمن يدين بالإسلام الخالد الذي هو أكمل دين سماوي ارتضاه الله للبشرية
ركس انجرام R. Ingram
ولد في اسكتلندا، في أواخر القرن الماضي، وشارك في الحرب العالمية الأولى، ثم رحل إلى العديد من بلاد الشرق، ودرس لغاتها وأديانها، وانتهى به المطاف مصورًا سينمائيًا في هوليود. اعتنق الإسلام بعد أن وجد فيه ضالته المنشودة.
5) ".. الإسلام، على عكس الهندوكية والنصرانية، لا يحتفظ بأي جزء من تعاليمه ويجعله حكرًا لطبقة خاصة من الناس. بمعنى أنه في الإسلام لا يوجد كهنوت ولا رجال دين كطبقة منفصلة متميزة لها امتيازاتها.. فالتعاليم الإسلامية موجهة إلى كافة البشر وهي بسيطة سهلة يستطيع كل إنسان أن يفهمها بكل يسر. فالإسلام يؤكد في تعاليمه أن على الناس أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم في الأمور الدينية.."(
ماري أوليفر Mary Oliver
مسيحية لم تستطع عقيدتها أن تمنحها القناعة، فأخذت تدرس البوذية والهندوسية وإذ لم تجد فيها ما كانت تبحث عنه، انتهى بها المطاف إلى الإسلام، حيث اعتنقته مؤمنة بأنه الدين الوحيد الذي يستجيب لمطالب الإنسان.
رابعا : عن انتشار الإسلام ومعاملة غير المسلمين
1) "كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام، من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".
المؤرخ البريطاني توماس آرنولد
2) "فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب.. لكنه بدا أنه يرفض الحوار في الوقت ذاته على الصعيد اللاهوتي حين.. أزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفًا مخالفًا للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة. وأتاح منطق تعاليمه القوي وبساطة عقيدته وما يرافقها من تسامح، أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية تفوق بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية نفسها.."
مارسيل بوازار
3) ".. أن العرب المتنصرين التعساء المعروفين بالموريسكو Moriscos لقوا من المسيحيين من المعاملة السيئة مالا يقابله إلا ما لقيه المسيحيون من المسلمين من التسامح في مرحلة سابقة من تاريخ إسبانيا الإسلامية والمسؤول عن كل ذلك الأمر من بدايته إلى نهايته هم رجال الكنيسة..
"( جون براند ترند (1887 – 1958) J. Brand Trend
رائد من رواد تاريخ إسبانيا. أستاذ في جامعة كمبردج. قام بعدة رحلات في إسبانيا والبرتغال ومراكش ومكسيكو واشتغل في معهد الدراسات الشرقية بلندن.
4) "ولما تدانى أجل (عمر بن الخطاب) أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم)(3) وفي الأخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول، وهي شهادة (عيثويابه) الذي تولى كرسي البطريركية من سنة 647 على 657م إذ كتب يقول: (أن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، أنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملّتنا ويوقرون قسيسينا وقدّيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا). والظاهر أن الاتفاق الذي تم بين (عيثويابه) وبين العرب كان من صالح النصارى، فقد نصّ على وجوب حمايتهم من أعدائهم، وألا يحملوا قسرًا على الحرب من أجل العرب، وألا يؤذوا من أجل الاحتفاظ بعاداتهم وممارسة شعائرهم، وألا تزيد الجزية المجباة من الفقير على أربعة دراهم، وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهما، وإذا كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه لا يحق لسيدها أن يجبرها على ترك دينها أو إهمال صلاتها والتخلي عن صيامها
آرثر ستانلي تريتون A. S. Tritton
ولد عام 1881 وتعلم في عدد من الكليات البريطانية وعين مساعد أستاذ للعربية في أدنبرا (1911) وكلاسكو (1919) وأستاذ في عليكرة في الهند (1921) ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن (1931-38-47) وقد وجه جل اهتمامه إلى الفقه وطوّف في عدد من البلدان العربية
جورج حنا
1) ".. أن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم.."
2) ".. لم يرو المؤرخون المسيحيون أنفسهم مثل هذه الوحشية [التي مارسها الصليبيون] على المسلمين. لم يكن هؤلاء وحشيين في معاملة الأسرىالأهلين المسيحيين. فإذا انتصروا كانوا يكتفون بضرب الجزية على أعدائهم ولا يفظّعون بهم. بعد معركة طبرية التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي على خصمه الملك (غي ده لوسينيان).. عف صلاح الدين عن التفظيع بالأسرى الذين نجوا من الموت المريع أثناء المعركة، وجردهم من السلاح وضرب عليهم الجزية وأطلق سراحهم مع قائدهم الملك (غي). وليست هذه الحادثة وحدها هي الدليل على الفرق الكبير بين معاملة الغزاة لأعدائهم، وبين معاملة أعدائهم.. هي واحدة من المئات التي جاءت في كتب التاريخ عن الحروب الصليبية ومعظمها من تأليف المؤرخين المسيحيين من الفرنج بالذات .
روجيه جارودي
3) "أسطورة أخرى ينبغي القضاء عليها: تلك التي أراد الاستعمار الفرنسي فرضها حين صوّر التوسع العربي بدءًا من القرن الميلادي الثامن على أنه تدفق (الهمجية الآسيوية) على الغرب
خامسا: عن الحضارة الإسلامية
1) "حضارة الإسلام – التي سيطرت على العالم مئات خمسًا من السنين – كانت وليدة الإيمان، والإيمان وحده". (الباحث والأديب العربي اللبناني نصري سلهب)
2) إبراهيم خليل أحمد
"كان للفتوحات الإسلامية الأثر البعيد في البلاد التي دخلت تحت لواء الإسلام، وظهر هذا الأثر بوضوح في شمال أفريقيا، إذ تحول مصر بأكملها من الحضارة اللاتينية إلى الحضارة العربية
3) سير توماس آرنولد
"أدخل العرب الظافرون الإسلام في أسبانيا سنة 711م وفي سنة 1502م أصدر فردناند وإيزابيلا مرسومًا يقضي بإلغاء شعائر الدين الإسلامي في جميع أنحاء البلاد. ولقد كتبت إسبانيا الإسلامية في القرون التي تقع بين هذين التاريخين، صفحة من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى. وقد امتد تأثيرها من ولاية بروفانس Provance إلى الممالك الأوروبية الأخرى، وأتت بنهضة جديدة في الشعر والثقافة، ومنها تلقى طلاب العلم المسيحيون من الفلسفة اليونانية والعلوم ما أثار في نفوسهم النشاط العقلي حتى جاء عصر النهضة الحديثة .."
4) الدومييلي
"ترك كتاب (المناظير) لابن الهيثم تأثيرًا عميقًا، بل كان – فيما بعد – باعثًا إلى البحوث والأعمال التي قام بها روجير بيكون Roger Bacon .. ولعل الأثر الذي تركته مؤلفات هذا العالم العربي في البصريات والذي يبدو في أعمال بيكون.. هو السبب في أن كتب ابن الهيثم لم تنشر مبكرة في عصر النهضة، كما أنها بعد ذلك لم تنشر كثيرًا.."
5) "كان عرب إسبانيا.. هم الذين أهدوا إلى الغرب اللاتيني هباتهم النفسية في ميادين العلم والفلسفة.. وكان الطب كالرياضيات ومن مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة.."
سرارنست باركر (1874-1960) Prof. Sir Ernest Barker
من كبار الباحثين، كان أستاذًا للعلوم السياسية في كمبردج 1928-1939
6) ديبورا بوتر
"لقد جاء الإسلام بعصر التنوير الحقيقي في المجالات العلمية والثقافية والفنية بصورة لم يسبق لها مثيل في عظمتها إلى يوم الناس هذا.. فبين عام 700 و1400 بعد الميلاد وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق في عصور الظلام المسماة بالعصور الوسطى، كان العلماء المسلمون قد توصلوا إلى المنهج التجريبي في البحث الذي حلّ محل المنهج المنطقي العقيم الذي كان سائدًا عند الإغريق قبل ذلك.. لقد أنتجت هذه الحقبة من الزمان للدنيا رجالاً عظماء.. ساهموا مساهمة عظيمة في تشييد صرح الحضارة الإنسانية وكانوا يستلهمون هديهم من القرآن الكريم في جميع نشاطاتهم.."
7) عائشة برجت هوني
"يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص الروح والنفس. فكل من يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق والحيرة العالمية التي تختفي خلف بريق التقدم والإبداع المادي الزائف. فالناس في الغرب (والشرق) يبحثون عن مخلّص من العقبات التي تحيق بهم. ولكنهم لا يرون منها مخرجًا. فبحثهم عقيم.. والانسجام اللطيف في الإسلام بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح يمكن أن يمارس تأثيرًا قويًا في أيامنا هذه. وبوسعه أن يبيّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي إلى الفلاح والخلاص الحقيقيين وأن يقدم للرجل الغربي التصور الحقيقي للحياة وأن يقنعه بالجهاد في سبيل مرضاة الله..
8) مونتكومري وات
"لا تزال – للمسلمين – إمكانية في تقديم دفاعهم بشكل أفضل وأكمل لسائر العالم. فهل بإمكانهم الالتفات إلى حياة محمد [صلى الله عليه وسلم]، واستخلاص القيم العامة بعد فصلها عن التأثيرات الخاصة، واكتشاف مبادئ أخلاقية تكون إضافة فعلية لتحسين حالة العالم اليوم؟ أو هل يستطيعون، على الأقل، أن يظهروا أن نبيهم [صلى الله عليه وسلم] يقدم، بحياته، أحد النماذج الممكنة للإنسان المثالي الذي يعيش في عالم موحد القيم الأخلاقية؟ إذا قدم المسلمون دفاعًا بارعًا، فهناك مسيحيون على استعداد للاستماع إليهم والأخذ عنهم كل ما يمكن أخذه .
مصادر البحث
4) المصحف الشريف بالرسم العثمانى .
5) إبراهيم يحيى الشهابى . مفهوم الحرب والسلام فى الإسلام .. صراعات وحروب أم تفاعل وسلام ؟ .ـ ط1.ـ دمشق : مؤسسة مى للطباعة والتوزيع ،1990م.
6) السيد سابق . فقه السنة .ـ ج3.ـ القاهرة : دار التراث ،ب.ت
7) أنور محمود زناتى . معجم افتراءات الغرب على الإسلام .ـ موقع نصرة رسول الله على الشبكة العنكبوتية ( قسم شبهات وردود ) ، 28/10/2008م .
8) حسن السيد حامد خطاب .جريمة سب النبى محمد صلى الله عليه وسلم وعقوبتها بين الفقه الإسلامى والقانون الدولى .ـ القسم الثانى .ـ المدينة المنورة : مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة ( العدد 28 )
9) عبد الله بن جار الله الجار الله . تذكير الأنام بأحكام السلام .ـ مكتبة المشكاة الإسلامية : موقع المشكاة الإسلامية .
10) علوى بن عبد القادر السقاف . موسوعة الدر السنية .
11) على بن نايف الشمود . مراحل تشريع القتال فى الإسلام .ـ ط1 .ـ بهانج : دار المعمور ، 1430هـ = 2009م .
12) عماد الدين خليل . قالوا عن الإسلام .ـ مكتبة صيد الفوائد ( نشرة الندوة العالمية للشباب الإسلامى )
13) مبادئ الدين الإسلامى ( بحث غير معروف كاتبه ) .ـ موسوعة مقاتل من الصحراء .ـ الإصدار العاشر ، 2009 م .
14) محمد جميل الله . مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة .ـ طبعة مصححة ومنقحة ومزيدة ط5 .ـ بيروت : دار النفائس ، 1405هـ = 1985م .
15) محمد عمارة . الإسلام وحقوق الإنسان .ـ الكويت : المجلس الوطنى للثقافة والفنون ، ب.ت
16) وزارة الأوقاف . صور من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة .ـ القاهرة : مراكز الثقافة الإسلامية ، السنة الأولى