نماذج تاريخية ومعاصرة من مآسي الافتراق

نماذج تاريخية ومعاصرة من مآسي الافتراق

د. محمد حسن عقيل موسى الشريف

مقدمة
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فإن قضية الافتراق قضية مزعجة مؤرقة، مؤلمة مقلقة، وذلك لأنها تفصم العروة الوثقى، وتهدم الآمال العظمى، وتبعد النصر، وتزيد القهر، والافتراق مرض مهلك، ومسلك مربك، نهى عنه الشارع في الكتاب الكريم والسنة الشريفة المطهرة المكملة للتنزيل، والتاريخ شاهد على ذلك وبإيضاحه كفيل، وقد كثرت الكتابات التي تتحدث عن الافتراق ومحاذيره، ومشكلاته وعواقبه، وقد ذكر علماء المسلمين من القواعد الضابطة، والإشارات الهادية، للتخلص من هذه المشكلات وتجاوز تلك العقبات وضبط هذه المسالة ما يملأ رَف مكتبة! لكن أين المستجيب؟

 

لذلك سأسلك في هذه الرسالة مسلكاً آخر عملياً؛ وهو أن أذكر الوقائع التاريخية المعاصرة التي ابتلينا فيها بالافتراق، وترتب على ذلك مآسٍ محزنة، فلعل سوق تلك الأحداث يُوقظ الضمائر، ويهز المشاعر،ويلهب النفوس، ويشد العزائم حتى نخرج من هذا التيه، ونفارق هذا الطريق المعوج.

 

 وأوردت بعض ما وقفت عليه من هذه الوقائع مرتباً مهذباً، واستثنيت ما جرى بين الصحابة، وما وقع لتلك العصابة رضي الله عنها وأرضاها؛ وذلك لأن الكف عما شجر بينها من أصول الدين، والسكوت عما حصل منهم في الفتنة من الكمال المتين، وهذا من طريقة السلف الكرام ألا يخوضوا فيما حدث بين أولئك العظام، أما من دونهم فقد ذكرت لهم وقائع وأحداثاً، وطرائق وأفعالاً تبيِّن شؤم الافتراق، وتنفِّر من تبعات نتائجه، لعله أن يهتدي بها أولو الألباب، ويرتدع بها سالكو هذه المسالك الصعاب.

 

هذا وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث وذيلت بخاتمة فيها النتائج والتوصيات، والمباحث هي:

 

المبحث الأول: المآسي المترتبة على الخلاف المذهبي الفقهي.

 

المبحث الثاني: المآسي المترتبة على الخلاف العقدي.

 

المبحث الثالث: المآسي المترتبة على الفرقة في العصر الحديث من القسمين السابقين.

 

المبحث الرابع: المآسي المترتبة على الفرقة السياسية. 

 

 

 

والله تعالى أسأل التوفيق من الزلل، وإن كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان من صواب فمن الله العظيم، وبه أستعين، وبحبله أستمسك فهو متين، وصلوات ربي على المختار من كنانة والمبعوث من تهامة، ومن له الفخر والعز آية وعلامة، وآله الأطهار، وأصحابه الأبرار، وتابعيهم إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

 

المبحث الأول

 

المآسي المترتبة على الخلاف المذهبي الفقهي

 

 

 

من رحمة الله تعالى بالأمة أن نوَّع أفهام علمائها، وفاوت بين مداركهم، ففهم هذا من النص ما لم يفهم ذاك، وصحح هذا شيئاً لم يصححه ذاك، وكان خلافهم في الجملة رحمة، ودلالة على سعة هذه الشريعة، وكمال هذه الطريقة، وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنه الدين الحق بين الأديان، فمهما اختلف العلماء فهم يرجعون إلى أصل واحد ويستمسكون بعروة وثيقة. وعلى هذا مضى الصدر الأول رضي الله عنهم في المسائل الفقهية والخلافات الفرعية المذهبية، فقد اختلفوا ولكن لم يتركوا الوئام، وتنوعت أفهامهم وفتاواهم وما تفرقت منهم القلوب وما مسهم من الخلاف سقام، وكان كلٌ من كبارهم يمثل اتجاهاً في الاستنباط والتفكير تحوَّل فيما بعد إلى مدرسة لها أتباع وتنظير، فابن عباس له اتجاه، وابن عمر له مسلك آخر، وابن مسعود له طريق ثالثة، وغيرهم رضي الله عنهم سلك مسالك أخرى، ولم يعب واحد منهم الآخر، ورضي كلٌ بما قسم له من الفهم والاستنباط، وهذا هو المسلك الحميد والرأي السديد، وكان خلافهم لنا توسعة، وبنا ورحمة، وعلينا بركة كما قال القاسم بن محمد بن أبي بكر رحمه الله وهو أحد فقهاء المدينة السبعة: "اختلاف الصحابة رحمة"([1">)، ثم ما برح الخلاف يفقد آدابه، ويتنكب الطرق السليمة حتى صار علينا عيباً، وبنا شيناً، وأصبح مؤدياً للافتراق، جالباً للبغضاء، محركاً لإحن الصدور، ذاهباً بألباب ذوي العقول، ولا أدري والله ماذا أقول.

 

وللتاريخ البعيد والقريب شواهد على ما تردى إليه أمر الخلاف المذهبي ومآسي كثيرة مسطورة، وأفعال مكتوبة منكورة، لم نراع فيها الخلاف، ولم نرتق فيها إلى مرتبة الأخوة التي عبر عنها الشافعي الإمام بقولة رائعة، فعن يونس الصدفي ــ وهو أحد أئمة المصريين وعقلائهم ــ قال:

 

"ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال يا أبا موسى: ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة"([2">).

 

وقال الإمام الذهبي تعليقاً على هذا الكلام النفيس: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.

 

ومن الأمثلة على الخلاف الذي لم يراع فيه الأدب، وجانب الصواب ولازمه الغضب ما يلي:

 

- لما دخل الشافعي مصر أتاه أصحاب مالك مقبلين هاشين، لأنه كان تلميذ مالك ولم يظنوا أنه يخالف مالكاً في شيء! فلما رأوه مستقل الفكر، واسع العلم، يخالف مالكاً في أشياء جفوه! وتنكروا له! بل أن العالم الكبير أشهب بن عبد العزيز المالكي المصري كان يقول في سجوده:

 

اللهم أمت الشافعي؛ لا يذهب علم مالك!([3">)

 

وهذه إحدى العجائب والغرائب الدالة على ضيق الصدر بالخلاف وعدم تقبل الرأي الآخر.

 

- وهذا بَقيّ بن مَخْلَد، العالم الأندلسي الكبير المتوفى سنة 276 رحمه الله تعالى، كان قد أخذ الحديث من المشرق ودخل به الأندلس ونشره نشراً عظيماً وهاجم به شيوخ الأندلس، فثاروا عليه، لأن علمهم إنما كان بمسائل مالك، وكان بقي يفتي بالأثر فخالفهم في الفتيا مخالفة عظيمة، فعقدوا له المجالس، وبدّعوه،  ونسبوه إلى الزندقة، وإلى أشياء أخرى([4">)، وكان ذلك في حقه مخالفة تامة لآداب الخلاف، وبعداً كاملاً عن الوئام والوفاق الذي ينبغي أن يكون في مثل هذه الأحوال، ومن قرأ سيرته عرف عظم أحواله وبراءته مما نُسب إليه.

 

- وهذا الخلاف بين الحنفية و الشافعية، الذي كان له صور كثيرة من أشدها على النفوس وأمرِّها ما ذكره ياقوت الحموي صاحب كتاب "معجم البلدان" الشهير حيث تكلم فيه عن مدينة أصفهان وذكر مجدها القديم ثم قال:

 

"وقد فشا فيها الخراب في نواحيها لكثرة الفتن، والتعصب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين، فكلما ظهرت طائفة نهبت محلة الأخرى، وأحرقتها وخربتها، لا يأخذهم في ذلك إلٌ ولاذمة، وكذلك الأمر في رساتيقها وقراها"([5">) وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

وقال عن الري بعد مروره بها سنة 617 ومشاهدته خرابها:

 

"وقعت العصبية بين الحنفية والشافعية، ووقعت الحروب بينهم، كان الظفر في جميعها للشافعية؛ هذا مع قلة عدد الشافعية، وكان أهل الرستاق –وهم الحنفية – يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاكي([6">) ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئاً حتى أفنوهم.."([7">)!

 

 

 

ولا أريد أن أذكر أكثر من هذا، فحسبك به دلالة على شؤم الافتراق، وأثره البالغ في إضعاف الأمة وإذهاب ريحها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

المبحث الثاني

 

المآسي المترتبة على الخلاف العقديّ

 

وهذا الافتراق هو الأقسى والأقوى أثراً، وهو الأنكى في الأمة، وينقسم إلى افتراق عقدي بين أهل السنة أنفسهم، وافتراق بين أهل السنة وغيرهم من طوائف وفرق المسلمين، والافتراق في القسم الأول أصعب على النفس وأشد وأقسى؛ وذلك أن أهل السنة كان ينبغي لهم أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم، فلما حصلت هذه الفرقة أدت إلى تمزق في الصف، وانقسام في الجبهة الواحدة، وتجرأ عليهم غيرهم من أعدائهم وخصومهم وضعفت الأمة تبعاً لذلك. 

 

ومن أمثلة القسم الأول ــ أي الفرقة بين أهل السنة أنفسهم ــ ما يلي:

 

(1) الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة:      

 

وهذا أدي إلى تصدع مريع، وخلاف طويل، بل أدى إلى فرقة خطيرة تركت أسوأ الآثار في المجتمع المسلم، ومن أمثلة ذلك:

 

ما حصل للإمام الكبير أبي نُعيم الأصبهاني؛ أحمد بن عبد الله، الثقة، شيخ الإسلام المتوفى سنة 430، والذي كان من حفاظ الدنيا، فقد هُجر بسبب المذهب، وقام إنسان مرة في مجلس تحديث يعلن عن مجلس أبي نعيم الأصبهاني فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل([8">)!

 

وصدق الذهبي حين علق على الحادثة قائلاً:

 

"ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم"([9">).

 

وقال الذهبي:

 

"كان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيل وقال، وصداع طويل"([10">).

 

وهذا العالم العلامة الأصولي، شيخ القراء أبو عبد الله محمد بن عتيق التميمي القيرواني المعروف بابن كُدِّية الذي كان متعصباً لمذهب الأشعري، جرت بينه وبين الحنابلة فتن وأوذي غاية الإيذاء"([11">).

 

وهذا العالم الواعظ أبو بكر عتيق البكري المغربي الأشعري، المتوفى سنة 476، كان قد قدم بغداد، فجلس الناس إليه وامتلأ المجلس، فذكر الحنابلة وحطَّ عليهم، وبالغ، ونبزهم بالتجسيم، فهاجت الفتنة، وكفَّر هؤلاء هؤلاء، والطريف أنه لما عزم البكري على التحديث بجامع المنصور قال نقيب النقباء: قفوا حتى أنقل أهلي فلا بد من قتل ونهب! ثم أغلقت أبواب الجامع، وصعد البكريّ وحوله الأتراك بالقسيّ! إلى آخر القصة المحزنة([12">).

 

ومن الأمثلة أيضاً على الخلاف بين أهل السنة ما وقع بين أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الأشعري وهو ابن الإمام أبي القاسم القشيري، المتوفى سنة 514 رحمه الله تعالى، وبين الحنابلة، فقد ورد بغداد سنة 469، وجلس في المدرسة النظامية، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، ومال لنصرته الإمام أبو إسحاق الشيرازي وجماعة، فوقعت الفتنة، وقتل أناس وجرح آخرون! وحصلت مأساة انتهت بتسكين الفريقين وإخراج القشيري من بغداد إلى نيسابور([13">).

 

ومن المآسي الكبيرة  ما وقع لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي عبد الله بن محمد بن علي، حيث قدم السلطان الكبير السلجوقي ألب أرسلان إلى هراة ــ بأفغانستان الآن ــ فاجتمع عنده مشايخ البلد ورؤساؤه، وحدَّثوه أن الأنصاري مجسم، وأنه يعبد صنماً يزعم أن الله تعالى على صورته ــ وكانوا قد تمالأوا على وضع صنم في قبلة محراب أبي إسماعيل في داره ــ فبعث السلطان جماعة إلى دار أبي إسماعيل استخرجوا الصنم من قبلة محرابه، وكان صنماً صغيراً من نحاس دسوه تحت سجادته، فغضب السلطان غضباً عظيماً وأحضر أبا إسماعيل وواجهه قائلاً: "ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصُفْر شبه اللعبة. فقال: لست عن هذا أسألك. فقال: عن ماذا يسأل السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا الصنم, وأنك تقول أن الله على صورته، فقال الأنصاري: سبحانك هذا بهتان عظيم، بصوت جَهْوري وصولة، فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم: اصدقوني القصة أو أفعل بكم وأفعل، وذكر تهديداً عظيماً، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بليّة من استيلائه علينا بالعامة وأردنا أن نقطع شرّه عنا، فصرفهم السلطان إلى منازلهم بعد إهانتهم وأخذ غرامة منهم مبلغاً عظيماً من المال يؤديه إلى خزانة السلطان عقاباً لهم على جنايتهم([14">).

 

وفي ذلك الخلاف وتلك الفرقة يقول الإمام الذهبي رحمه الله:

 

"ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يَشْغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيراً، بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين، فتمسَّك بالسنة، والزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فردَّه إلى الله ورسوله، وقف وقل: الله ورسوله أعلم"([15">).

 

وهذا نص ثمين يلخص فيه الذهبي الآثار السيئة للخلاف والافتراق، ويذكر العلاج الناجح.

 

(2) الخلاف بين أهل الحديث:

 

ومن أمثلة ذلك أيضاً ما جرى بين الإمام البخاري رحمه الله تعالى وبعض علماء عصره وعلى رأسهم الإمام محمد بن يحيى الذُهْليّ الذي حسد الإمام البخاري على اجتماع الناس عليه، واتهمه بالقول بمسألة: لفظي بالقرآن مخلوق ــ وهي مسألة دقيقة، أُخذ بها البخاريّ بغير وجه حق ــ وهذا أحد تلاميذ البخاري يقول له: يا أبا عبد الله أيش الحيلة لنا فيما بينك وبين محمد بن يحيى؟ كل من يختلف إليك يُطرد، فقال البخاري رحمه الله تعالى: كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء. فقال له التلميذ: هذه المسألة التي تحكى عنك؟ قال: يا بني هذه مسألة مشؤومة، رأيت أحمد بن حنبل، وما ناله في هذه المسالة، وجعلت على نفسي ألاّ أتكلم فيها.

 

ثم انتهى بالبخاري الأمر إلى أن أخرج من نيسابور ولم يشيعه إلا واحد فقط([16">). ومات غريباً وحيداً رحمه الله تعالى، ألا قبَّح الله الفرقة والاختلاف.

 

وما أحسن الذهبي عندما قال: "السكوت عن توسع العبارات أسلم للإنسان"([17">).

 

 

 

 

 

(3) الخلاف في العصر الحديث:

 

وهو بلاء وأي بلاء؛ إذ في الوقت الذي يجتمع فيه أعداء الإسلام على حربه وتحطيمه نجد بين صفوفنا من يساهم في تلك الحروب ويؤجج نارها ويعظم شررها، ولعلي أقتصر في ذكر الطعن العقديّ في العصر الحديث على مثال واحد، وهو الأستاذ حسن البنا ــ رحمه الله تعالى ــ حيث إن بعض من زعم أنه يريد الحق ويرد الباطل قام بالتشنيع على هذا الأستاذ الذي ما سمح الزمان بمثله في مجموع خصاله وآثاره في العصر الحديث، فصار ينال منه ويتهم عقيدته اتهاماً عجيباً باطلاً، والناظر إلى تلك الأقوال يعلم بطلانها لكني أردت بالوقوف عليها بيان حجم المأساة التي أوصلنا أنفسنا بأيدينا إليها:

 

هذا الرجل قد وُجِّهت إليه سهام مغرضة واتهم في عقيدته بغير حق، كيف لا وهو القائل:"العقيدة أساس العمل"([18">).

 

وهو القائل أيضاً: "ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني([19">) إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره برد اليقين فلا تعدل به بديلاً.."([20">). فماذا بعد هذا يا عباد الله!

 

وقد قال أيضاً: " وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من المتشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل "([21">).

 

وقال أيضاً وكل بدعة في دين الله لا أًصل لها ــ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو النقص منه ــ ضلالة تجب محاربتها.."([22">).

 

وقال أيضاً: "لكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا، ونداءهم لذلك وطلب الحاجات منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور، وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سداً للذريعة"([23">).

 

وهذا اتهام آخر عجيب لا أدري وجهه، يقول فيه صاحبه ناعياً على البنا دعوته للجهاد: "قلنا: أي جهاد الذي دعا إليه البنا إذا كان قد أقرَّ الشرك الأكبر المخرج من الملة"([24">).

 

كيف لعاقل أن يصدق أن البنا أقرَّ الشرك الأكبر؟ إن هذا لشيء عجيب!

 

ثم يتهم البنا بأنه صوفيّ وأنه بهذا قد ثُلم توحيده، وأتى ببعض ما ظنه شواهد على هذا!

 

هذا ولقد انبرى شيخ فاضل([25">) للدفاع عن البنا فقال لهذا المتهم: "فأنا أنصحك أيها الشيخ أن تصون لسانك وقلمك عن الوقيعة في هذا الداعية الذي نفع الله به".

 

فما كان منه إلا أن شن عليه غارة عظيمة، وعدّه صاداً عن سبيل الله بهذه النصيحة، وعدّه خاذلاً للحق، متظاهراً مع أهل الباطل، ثم اتهمه بأنه بدفاعه عن البنا قد خدش توحيده! وقدح فيه، وأمره بالتوبة، ثم أفحش القول في البـنا باتهامه أنه فعل الشرك الأكبر وأقر فاعليه عليه([26">).

 

وكل تلك الغارة الهائلة بسبب أمور في التصوف ابتدأ بها البنا حياته، مثل الكثرة الكاثرة من صالحي العالم الإسلامي الذين يحيط بهم التصوف من كل جوانبهم([27">)، لكن هذا المتهم لم ينظر في أقوال البنا في الصوفية حيث قال بعد كلام عن الصوفية الأولى مادحاً لها ــ كما مدحها شيخا الإسلام من قبل: ابن تيمية وابن القيم ــ: "لكن فكرة الدعوة الصوفية لم تقف عند حدود علم السلوك والتربية، ولو وقفت عند هذا الحد لكان خيراً لها وللناس، ولكنها جاوزت ذلك بعد العصور الأولى إلى تحليل الأذواق والمواجد، ومزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة لكل زنديق أو ملحد أو فاسد الرأي والعقيدة ليدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوة إلى الزهد والتقشف.. وأصبح كل ما يكتب أو يقال في هذه الناحية يجب أن يكون محل نظر دقيق من الناظرين في دين الله والحريصين على صفائه ونقائه..".

 

فهل بعد هذا الإيضاح والبيان مزيد؟

 

وفي النهاية أقرر أن البنا ليس بمعصوم، وأنه قد أخطأ في أقوال وأفعال لكن ذلك الخطأ لا يخرجه عن كونه قدوة يُقتدى بها، وعلماً من أعلام الإسلام في العصر الحديث، والله تعالى أعلم([28">).

 

وأظن ــ والله تعالى أعلم ــ أنه لو جُمعت جهود الإخوان والسلفيين وصُبَّت في بوتقة واحدة لتغير وجه التاريخ في العصر الحديث، ولما استطاع أعداؤنا أن يتجرأوا علينا كما هو حاصل اليوم،لكن كان الذي خاف الصالحون أن يكون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

القسم الثاني: الفرقة بين أهل السنة ومن سواهم:

 

ومن أمثلة ذلك الخلاف:

 

(1) الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة:

 

وللمعتزلة أصول عقدية لا يسعنى إيرادها في هذا البحث الموجز، لكني سأذكر قضية خلق القرآن التي أثارها المعتزلة بمساعدة الخليفة العباسي المأمون، وثارت على إثرها فتن طويلة استمرت زمان المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل الذي أمر برفع هذه الفتنة عن الناس، وقتل بسببها الشهيد العالم أحمد بن نصر الخزاعي مظلوماً، ومات علماء في السجون وهم مقيدون([29">)، وامتحن الإمام أحمد على جلالته وضُرب وسُجن وأُلقي في القيود، وتشدد المعتزلة في هذه القضية حيث إنهم في زمان الواثق بالله العباسي تنمروا للناس، وامتحنوا الأئمة والمؤذنين، وامتحنوا العوام، ومن العجائب أن الواثق بالله العباسي افتدى أربعة آلاف وستمائة أسير مسلم من الروم فقال وزيره المعتزلي المشهور أحمد بن أبي دُؤاد: من لم يقل القرآن مخلوق فلا تَفكّوه([30">)!

 

ومن أمثلة ما حصل بينهما أيضاً:

 

لما وصل شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي إلى بَلْخ ــ وهي في أفغانستان اليوم ــ وصل محمولاً على أعناق الرجال، فلما أراد أن يدخل إلى بلخ خرج أهلها إليه، وهمُّوا برجمه، لولا أن الله قيض له من دافع عنه وردَّ عنه كيدهم، وإنما هموا به لأنهم كانوا معتزلة شديدي الاعتزال، وكان شيخ الإسلام مشهوراً في الأفاق بالحنبلة والشدة في السنة([31">).

 

(2) الخلاف بين أهل السنة والشيعة:

 

وهذا أيضاً أدى إلى نتائج صعبة وخيمة وحروب كثيرة، فمن ذلك:

 

(أ) ما وقع في بغداد مراراً بين الفريقين، فمن ذلك ما نقله ابن الأثير في كامله في حوادث سنة 443، حيث ذكر أن الفتنة وقعت بين السنة والشيعة، وعظمت أضعاف ما كانت قديماً، وسببها أن أهل الكرخ ــ محلة ببغداد فيها الشيعة ــ عملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب: محمد وعلي خير البشر، وأنكر أهل السنة هذا، ثم حصلت أمور أدت إلى قتال ونهب بسبب مقتل هاشمي من أهل السنة، فقصد الناس المشهد ونهبوا ما فيه، وأضرموا حريقاً أتى على كثير من قبور الأئمة، فقصد الشيعة إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه، وقتلوا مدرس الحنفية أبا سعد السرخسيّ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء([32">).

 

(ب) ومما لا ينبغي أن ينسى ما اقترفه الوزير الرافضي ابن العلقمي في بغداد سنة 658، حين سَوّل لهولاكو اقتحام بغداد وكاتبه وأطمعه في العراق، وهذا بسبب نقمته على أهل السنة حين وقعت الفتنة المهولة ببغداد بين السنة والرافضة، فقُتل بسبب صنيعه هذا من الناس ببغداد فوق المليون شخص([33">)! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

(ج) ولا ينسى ما فعلته الدولة الصفوية الشيعية في إيران من طعن الدولة العثمانية من الخلف في أشد الأوقات وأصعبها؛ حال اشتغال الدولة العثمانية بفتوح أوروبا، وذكر الحروب التي جرت بينهما أمر صعب مؤلم لا يحتمله هذا البحث، ولا تطيقه النفوس المتطلعة إلى الوئام والاجتماع([34">).

 

(د) الفتن بين السنة والزيدية:

 

وهي فتن كثيرة متعددة كانت تجري في اليمن، لكني سأجتزئ منها واحدة فقط ذكرها  الإمام الشوكاني ــ رحمه الله تعالى ــ متحدثاً عنها، وقد ذكر فتناً كثيرة كانت تجري في صنعاء بسبب التعصب الشيعي، وقد بيَّن الشوكاني ذلك أثناء ترجمته لأحد علماء الفرائض والرياضيات في صنعاء:

 

السيد يحيى بن محمد الحوثي ثم الصنعاني، ولد تقريباً سنة 1160، ونشأ بصنعاء فاشتغل بعلم الفرائض والحساب والضرب والمساحة، ففاق في ذلك أهل عصره وتفرد به ولم يشاركه فيه أحد، وصار الناس عيالاً عليه في ذلك ولم يكن له بغير هذا العلم إلمام، مع أنه قد توجه إلى الطلب، ولكن كان كل حظه في هذا العلم، وهو رجل خاشع متواضع كثير الأذكار سليم الصدر إلى غاية يعتريه في بعض الأحوال حدة مفرطة، وقد كان حصل معه جنون في أيام شبابه ثم عافاه الله من ذلك، وما زال مواظباً على الخير لكنه قليل ذات اليد بما يضيق صدره لذلك مع كثرة عائلته ويسر الله له ما يقوم به بعد مزيد امتحان، وهو شيخي أخذت عنه علم الفرائض والوصايا والضرب والمساحة.

 

وفي شهر رمضان سنة 1216 ثارت بسببه فتنة عظيمة بصنعاء وذلك أن بعض أهل الدولة ممن يتظهر بالتشيع مع الجهل المفرط والرفض باطناً أقعد صاحب الترجمة على الكرسي الذي يقعد عليه أكابر العلماء المتصدرون للوعظ، وأمره أن يملي على العامة كتاب "تفريج الكروب" للسيد إسحاق بن يوسف المتوكل، وهو في مناقب علي كرم الله وجهه، ولكن لم يتوقف صاحب الترجمة على ما فيه بل جاوز ذلك إلى سبِّ بعض السلف مطابقة لغرض من حمله على ذلك لقصد الإغاظة لبعض أهل الدولة المنتسبين إلى بني أمية، كل ذلك لما بين الرجلين من المنافسة على الدنيا والمهافتة على القرب من الدولة وعلى جمع الحطام، فكان صاحب الترجمة يصرخ باللعن على الكرسي فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة وهم جمع جم، وسبب حضورهم هو النظر إلى ما كان يسرج من الشمع وإلى الكرسي لبعد عهدهم به وليسوا ممن يرغب في العلم، فكان يرتج الجامع ويرتفع الصراخ ومع هذا فصاحب الترجمة لا يفهم ما في الكتاب لفظاً ولا معنى بل يصحِّف تصحيفاً كثيراً ويلحن لحناً فاحشاً، ويعبِّر بالعبارات التي يعتادها العامة ويتحاورون بها في الأسواق، وقد كان في سائر الأيام يجتمع معهم ويملي عليهم في مسجد الإمام صلاح الدين فأراد أن يكون ذلك في جامع صنعاء الذي هو مجمع الناس ومحل العلماء والتعليم لقصد نشر اللعن والثلب والتظاهر به، فلما بلغ ذلك مولانا خليفة العصر حفظه الله جعل إشارة منه إلى عامل الأوقاف، السيد إسماعيل بن الحسن الشامي أن يأمر صاحب الترجمة أن يرجع إلى مسجد صلاح الدين، فأمر السيد المذكور الفقيه أحمد بن محسن حاتم رئيس المأذنة أن يبلغ ذلك إلى صاحب الترجمة فأبلغه.

 

فحضر العامة تلك الليلة على العادة ومعهم جماعة من الفقهاء الذين وقع الظلم بهذا الاسم بإطلاقه عليهم فإنهم أجهل من العامة، فلما لم يحضر صاحب الترجمة في الوقت المعتاد لذلك وهو قبل صلاة العشاء ثاروا في الجامع ورفعوا أصواتهم باللعن ومنعوا من إقامة صلاة العشاء، ثم انضم إليهم من في نفسه دَغَلٌ للدولة أو متستر بالرفض، ثم اقتدى بهم سائر العامة فخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء وقد صاروا ألوفاً مؤلفة، ثم قصدوا بيت الفقيه أحمد حاتم فرجموه، ثم بيت السيد إسماعيل بن الحسن الشامي فرجموه، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات ونحوها، وقصدوه إلى مدرسة الإمام شرف الدين يريدون قتله فنجاه الله وهرب من حيث لا يشعرون، وقد كانوا أيضاً قصدوا قتل الفقيه أحمد حاتم فهرب من الجامع إلى بيتي، ونحن إذ ذاك نملي في شرحي للمنتقى مع حضور جماعة من العلماء، ثم بعد ذلك عزم هؤلاء العامة وقد تكاثف عددهم إلى بيت السيد علي بن إبراهيم الأمين ورجموه وأفزعوا في هذه البيوت أطفالاً ونساءً وهتكوا حرماً، وكان السبب في رجمهم بيت السيد المذكور أنه كان في تلك الأيام يتصدر للوعظ في الجامع ولم يكن رافضياً لعاناً، ثم عزموا جميعاً وهم يصرخون إلى بيت الوزير الحسن بن عثمان العلفي وإلى بيت الوزير الحسن بن علي حنش، والبيتان متجاوران فرجموهما، وسبب رجم بيت الأول كونه أموي النسب ورجم بيت الآخر كونه متظهراً بالسنة متبرياً من الرفض، فأما بيت الفقيه حسن حنش فصعد جماعة من قرابته على سطحه ورجموهم حتى تفرقوا عنه وأصابوا جماعة منهم، أما بيت الفقيه حسن عثمان فرجموه رجماً شديداً واستمروا على ذلك نحو أربع ساعات حتى كادوا يهدمونه وشرعوا في فتح أبوابه ووقع الرمي لهم بالبنادق فلم ينكفوا لكونه لم يظهر لذلك فيهم أثر إذ المقصود بالرمي ليس إلا مجرد الإفزاع لهم، ثم بعد ذلك غار بعض أولاد الخليفة حفظه الله وبعض أصحابه فكفوهم فانكفوا وقد فعلوا ما لا يفعله مؤمن ولا كافر.

 

وفي اليوم الآخر أرسل الخليفة حفظه الله للوزير والأمراء وقد حصل الخوف العظيم من ثورة العامة وطال الترادد والمشاورة بينهم ومن بعد ذلك أرسل لي حفظه الله فوصلت إليه حفظه الله فاستشارني فأشرت عليه أن الصواب المبادرة بحبس جماعة من المتصدرين في الجامع للتشويش على العوام وإيهامهم أن الناس فيهم من هو منحرف عن العترة وأن التظاهر بما يتظاهرون به من اللعن ليس المقصود به إلا إغاظة المنحرفين ونحو هذا من الخيالات التي لا حامل لهم عليها إلا طلب المعاش والرياسة والتحبب إلى العامة، وكان من أشدهم في ذلك السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي، فإنه كان رافضياً جلداً مع كونه جاهلاً مركباً وفيه حدة تفضي به إلى نوع من الجنون، وصار يجمع مؤلفات من كتب الرافضة ويمليها في الجامع على من هو أجهل منه ويسعى في تفريق المسلمين ويوهمهم أن أكابر العلماء وأعيانهم ناصبة يبغضون علياً كرم الله وجهه، بل جمع كتاباً يذكر فيه أعيان العلماء وينفر الناس عنهم، تارة يسميهم سنية وتارة يسميهم ناصبة، ومع هذا فهو لا يدري بنحو ولا صرف ولا أصول ولا فروع ولا تفسير ولا حديث بل هو كصاحب الترجمة في التعطل عن المعارف العلمية لكن صاحب الترجمة يعرف فناً من فنون العلم كما قدمنا وأما هذا فلا يعرف شيئاً إلا مجرد المطالعة لمؤلفات الرافضة الإمامية ونحوهم الذين هم أجهل منه، ويشبه الرجلين رجل آخر هو أحد عبيد مولانا الإمام حفظه الله اسمه ضرغام رأس ماله الاطلاع على بعض كتب الرافضة المشتملة على السب للخلفاء وغيرهم من أكابر الصحابة فصار هذا يقعد في الجامع ويملي سب الصحابة على من هو أجهل منه، هذه الأمور هي سبب ما قدمنا ذكره.

 

فلما أشرت على مولانا الإمام حفظه الله بحبس هؤلاء وجماعة ممن يماثلهم حصل الاختلاف الطويل العريض في مقامه الشريف بين من حضر من أولاده ووزرائه، ومنشأ الخلاف أن من كان منهم مائلاً إلى الرفض وأهله فهو لا يريد هذا، ومن كان على خلاف ذلك فهو يعلم أنه الصواب وأنها لا تندفع الفتنة إلا بذلك فصمم مولانا حفظه الله على حبس من ذكر، ثم أشرت عليه حفظه الله أن يتتبع من وقع منه الرجم ومن فعل تلك الأفاعيل فوقع البحث الكلي منه ومن خواصه فمن تبيَّن أنه منهم أودع الحبس والقيد وما زال البحث بقية شهر رمضان حتى حصل في الحبس جماعة كثيرة، فلما كان رابع شوال طلب الإمام حفظه الله الفقهاء المباشرين للرجم فبطحوا تحت طاقته وضربوا ضرباً مبرحاً ثم عادوا إلى الحبس، ثم طلب في اليوم الثاني سائر العامة من أهل صنعاء وغيرهم المباشرين للرجم ففعل بهم كما فعل بالأولين وضربت المدافع على ظهور جماعة منهم، ثم بعد أيام جعلوا في سلاسل حديد وأرسل بجماعة منهم إلى حبس زيلع وجماعة إلى حبس كرمان، وفيهم ممن لم يباشر الرجم السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي المتقدم وسبب ذلك أنه جاوز الحد في التشديد في الغرض كما قدمنا، وأما صاحب الترجمة ومن شابهه في هذا المسلك فإنه حبس نحو شهرين ثم أطلق هو ومن معه، وبالجملة فهذه فتنة وقى الله شرها بالحزم الواقع بعد أن وجلت القلوب وخاف الناس واشتد الخطب وعظم الكرب وشرحها طويل، وبعد هذه الواقعة بنحو سنة عوَّل صاحب الترجمة في أن يكون أحد أعوان الشرع ومن جملة من يحضر لدي فأذنت له وصار يعتاش بما حصل له من أجرة تحرير الورق وذلك خير له مما كان فيه إن شاء الله([35">).

 

المبحث الثالث

 

المآسي المترتبة على الفرقة في العصر الحديث من القسمين السابقين

 

 

 

وفي هذا العصر تأجج الخلاف وعظُم بين أفراد الأمة، هذا الخلاف الذي له جذور تاريخية، ومؤثرات عصرية، من أهمها قوة وسائل الإعلام التي ربطت بين أرجاء العالم الإسلامي فأصبحت الفتاوى المختلفة، والتقريرات المؤثرة من المحيط إلى المحيط تنتقل في اليوم نفسه، أحياناً، إلى المسلمين مسببة لهم كثيراً من البلبلة وعدم الاتفاق نظراً لاختلاف المدارس الفقهية والعقدية التي كانت محصورة، فيما مضى، في مجتمعات محدَّدة ومعروفة، وإن كُتِب لها الانتشار فإنه في حدود ضيقة، وفي أوساط علمية محددة، وليس بين عوام المسلمين كما يحصل اليوم.

 

ويؤجج هذا الخلاف أيضاً، بروز كثير من الناشئة الذين ليس عندهم العلم الكافي ولا الخبرة للتصدي لأمر عظيم ألا وهو التوجيه الإسلامي للمجتمع في كل مناحيه وليس في الفتاوى فحسب، فكان مما صنعه هؤلاء الناشئة أن ساهموا،بقوة، في تعميق الخلاف بين المسلمين بل إثارة جذور الخلاف الماضي الذي ظُن أنه قد فرغ من البحث فيه. 

 

كل ذلك أدى إلى أن يفزع العلماء والمفكرون إلى كتابة عشرات الأبحاث التي عالجت، على الورق، كثيراً من الجوانب المهمة، ولا زالت تلك الأبحاث بحاجة إلى التطبيق العلمي الذي، بدون تشاؤم، يتعثر كثيراً نتيجة لعوامل كثيرة لا سبيل لذكرها في هذا البحث الموجز.

 

وإليك، أخي القارئ، بعض الوقائع المؤلمة التي تشي بما عليه مجتمعنا من سوء تطبيق، في أحيان كثيرة، لهذا الأدب الرفيع، أدب الخلاف، وغرضي من ذكر هذه الوقائع أن نعتبر بها فنعف عن أمثالها ونزجر من يجرؤ على ارتكابها:

 

(1) إمام في مسجد يتقدم ليؤمَّ الناس فيأتي شخص من خلفه ليعيقه عن التقدم بطريقة فظة، غليظة، ويأخذ مكانه إماماً للناس بحجة أنه أولى منه بالإمامة، علماً بأنه لا يحفظ القرآن، وذلك الإمام المنحَّى هو الحافظ المجيد، وقد تم ذلك نظراً للخلاف بينه وبين الإمام في بعض الجوانب التي ظن أنه لا يسوغ غفرانها والمسامحة فيها، أما حال المصلين وما سيحدثه ذلك التصرف فيهم وفيمن سمع الحادثة فذلك آخر اهتمامات ذلك الرجل المريض.

 

(2) رجل يشي باجتماع بريء لأحد التجمعات الإسلامية التي اختلف معها اختلافاً لا يؤديه إلى فعل ذلك شرعاً وعقلاً، ولكن أدب الخلاف اضمحل عنده ووصل إلى درك سحيق جعله يرتكب تلك الفعلة الدنيئة عرفاً، الآثمة شرعاً.

 

(3) رجل تتلمذ على شيخ، درس القرآن وبعض العلوم على يديه، فهو إذاً شيخه وأستاذه، فكان أن اختلف معه في مسألة، قد فرغ من أنه يسوغ فيها الخلاف، فما كان منه إلا أن نفض يديه من أستاذه وشيخه وأصبح همه الوحيد هو التشهير به عند الخاصة والعامة، بل سعى بكل جهده أن يخرج أستاذه من مسجده الذي هو إمامه فتكللت مساعيه، غير الحميدة، بالنجاح.

 

(4) اتفق مجموعة من صالحي الدعاة مع مدير مدرسة أن يتخذوا من مدرسته مركزاً صيفياً لاستيعاب الطلاب وحفظهم من الزيغ والملل، فما كان من فئة مريضة إلا أن حذرت المدير من إخوانهم الذين اختلفوا معهم في بعض الجوانب التي يسوغ فيها الخلاف، وخوَّفته عاقبة ضلال إخوانهم، وتأثيرهم السيئ على الطلاب في زعمهم وهو محض افتراء، فتوجس المدير خوفاً، ومعه كل الحق في الخوف على الطلاب الذين هم أمانة في عنقه يُسأل عنها يوم القيامة، وقام بسحب موافقته السابقة، وأوكل إدارة المركز لمن وشوا بإخوانهم ظلماً وبهتاناً، فهل رأيتم كيف يصل الأمر بمن فرَّط في مراعاة أدب الخلاف؟

 

(5) سئل رجل عن رأيه في الإمام الفلاني، فأبدى ما يفهم منه أنه مبتدع، وعندما سئل عن السبب قال: إنه قد (شمَّ) من حديثه البدعة! وكان هذا هو السبب لهذه الوصمة لا غير، وهذا الرجل المسؤول مقدَّم عند بعضهم مسموع الكلمة فيهم.

 

فبربكم هل سمعتم عن جرح مبني على مثل هذا الهراء؟

 

(6) دافع عالم فاضل عن فئة أخطأت بعض معالم المنهج الصحيح، ولكنها لا زالت في دائرة السنة والجماعة، وكان دفاعه ذلك بسبب أن واحداً من المشايخ أفرط في ذمهم إلى الغاية، فظن المفرط أن هذا العالم منهم فأكد له أنه على خلاف ذلك، وأنه لا يسلك مسلكهم، فلم يعتمد إلا ما ظنه وارتآه، فسلك في الوشاية بهذا الفاضل مسالك أدت إلى إبعاده عن مواقع قيادية في حياته العلمية.

 

(7) رجل تقدم لامتحان إلى لجنة من اللجان، فسئل: أين حفظت القرآن؟ ومن هم رفقتك؟ فلما أجاب ظن به أنه مبتدع لسوء ظن اللجنة بذلك المسجد وأهله، فحُرم من الغرض الذي أداه إلى المثول أمام تلك اللجنة الظالمة له بظنها الخاطئ فيه أنه من أهل البدع!

 

(8) وآخر تقدم لجامعة من الجامعات، فلما علم بعض إداريَّيها أنه مزكَّى من طرف فلان ظُنّ به أنه مبتدع، وحُرِم من القبول لأول الأمر، ولم يسمح له بالانتظام في سلك تلك الجامعة إلا بعد لأي شديد.

 

(9) عالم يحاضر في جمع، ثم بعد الفراغ من محاضرته يتوجه ذلك الجمع إلى المسجد لأداء الصلاة، وبعد الفراغ يفاجأ الجمع بمن يقوم مندداً بهذا العالم مبيناً مساوئه، في زعمه، فيتأثر ذلك العالم ويبكي، فيقوم عالم آخر ليدافع، فيكاد ذلك الاشتباك يفسد الجو العلمي الإيماني الذي عاشه ذلك الجمع المدهوش بما حدث لشيخه.

 

(10) شاب في مقتبل العمر يحضر محاضرة لشيخ معروف، فيسأل ذلك الشيخ بعد نهاية المحاضرة سؤالاً في القضاء والقدر، فيجيب الشيخ بما قرره أهل السنة والجماعة في هذا، فما كان من ذلك الشاب إلا أن قام في وسط الجمع ليعلن أنه لم يفهم جواب الشيخ، فأعاد الشيخ تقريره للمسألة، ففوجئ الحاضرون بالشاب يقرر أنه لم يفهم المسألة لأن الشيخ لم يقرر مذهب أهل السنة والجماعة فيها، ولم يشرحها بطريقة الشيخ الفلاني.

 

والشاب على الحقيقة، لم يفهم المسألة، وإنما أساء الأدب في الخطاب، والمسألة أكبر منه.

 

(11) رجل التزم منذ مدة وجيزة، فيأتي به الثناء الكاذب والتعالم إلى موقع يحاسب فيه أئمة وخطباء ويقوِّمهم، وبعضهم قد التزم الإسلام قبله بثلاثين سنة، فيكتب فيهم تقاريره بأنهم مبتدعة أو ضُلال أو جهلة، وهو، المسكين، لا يدري بأنه جاهل قد استدرج إلى هذه الهوة السحيقة، فنكب به عدد من الأئمة أولي الفضل، ممن أجَّلوا محاسبته حتى يمثلوا معه أمام ملك الملوك سبحانه.

 

(12) رجل من المتعالمين قد حقق بعض المخطوطات وصنف بعض التصانيف، اعتاد فيها أن يتناول علماء الأمة الذين مضوا باللمز والإساءة، فيصف هذا بأن عقيدته فاسدة جداً، وآخر بأنه جهمي جلد، وآخر بأنه بدت منه الزندقة، أو تجده يدعو على العلماء، أو يمتنع من الترحم عليهم بدعوى أنهم أهل بدع، أو يقلل من شأنهم، والخطير في هذا الأمر أن علماء الأمة وعقلاءها لم يحرِّكوا ساكناً للحد من سفاهة هذا الرجل وقلة أدبه والتقليل من خطره على النشء، إذ هو، كما يُذكر، قدوة لبعض جهلائهم وأغرارهم.

 

كانت تلك بعض الصور التي لا يستطيع القلب أن يسترسل في بيانها وجلب المزيد منها، ولولا الحاجة إلى التنبيه عليها بذكرها ما أتيت بها، لكني أزعم أن هذا الخلاف المتأجج الموجود في الساحة اليوم أدى إلى نتيجة سيئة وهي تأخير الصحوة عن بلوغ آمالها وأغراضها وزرع في الأمة بذور الفراق المذموم، والإحن التي تشتعل بها القلوب والصدور، والله المستعان.

 

المبحث الرابع

 

المآسي المترتبة على الفرقة السياسية

 

وهو بسبب ما كان من استئثار بعض الحكام بجهته أو مدينته، ورضاه بها عن الاجتماع الإسلامي، والأدهى من ذلك والأمرّ أن صار بعض الحكام يكيد للآخر، ويرضى أن يخدش دينه بمعاونة الكافرين على أخيه المسلم، وهذا من المصائب والدواهي التي ابتليت بها الأمة الإسلامية منذ تسعة قرون إلى الآن، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تكاد تنتهي، لكن أجتزئ منها قديماً ما حصل في الأندلس، وهو الذي بأيدينا فقدناه، وبمعاصينا نكبناه، والحديث فيما حصل فيه من فرقة بين حكامه يطول لكن قد يسأل سائل:

 

ألم يكن هناك دعاة لدين الله تعالى يحذرون الحكام المسلمين من الخلاف وينبهونهم إلى ما سيحل من العقاب؟ وهذا سؤال في محله، والجواب: بلى كان هناك دعاة إلى الاجتماع والاتحاد ولكن الحكام لم يكونوا متعاطفين مع تلك الدعوة؛ لأن معناها التنازل عما هم فيه من الترف والنعيم والتسليم لخليفة واحد لا يرضونه ولا يريدون حكمه.. هذا مع ما جُبلت عليه نفوسهم من حب المعاصي والخيانة وتذبذب الولاء والبراء.

 

وفي تاريخنا الإسلامي مثل مضيء لداعية من الدعاة لم يعجبه موقف الحكام الأندلسيين من سكوتهم على الخطر المنذر بالنهاية فـ "رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة لصلة ما انبتّ([36">) من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف أسماعاً واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعطف على أطلال داثرة، بيد أنه([37">) كلما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه في التأنيس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه رحمه الله بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالاً تثوب([38">) ومذنباً يتوب"([39">).

 

كان هذا الفقيه هو أبا الوليد الباجي رحمه الله تعالى، ولكنه كما قال المقري: " لم يفد شيئاً، فالله تعالى يجازيه عن نيته"([40">)، واستمر رحمه الله تعالى في دعوته تلك ثلاث عشرة سنة حتى "توفي بالمرية سنة 474، وكان جاء إلى المرية سفيراً بين رؤساء الأندلس يؤلفهم على نصرة الإسلام ويروم جمع كلمتهم مع جنود ملك المغرب المرابطين على ذلك فتوفي قبل تمام غرضه رحمه الله"([41">).

 

ولم يكن في الساحة وحده رحمه الله تعالى بل كان معه نجوم هو شمسهم منهم أبو حيان، وأبو الحزم جَهْور بن محمد بن جهور، وابن حزم، والإلبيري، والعسال الطليطلي، وابن عبد البر، كل هؤلاء شاركوا في جهود الإنقاذ والدعوة إلى الاتحاد والحذر من الخطر القائم، شاركوا بشعرهم وكتابتهم ودروسهم([42">).

 

لكن كل ذلك لم يُفد، واجتاحت النصارى بلاد الأندلس بلداً بلداً، والأمثلة على المآسي المترتبة على ما حصل من فرقة أكثر من أن تحصر لكن ليسمح لي القارئ بإيراد بعض الأمثلة التي تؤذي القلوب وتُهْمي العيون لكن لا بد حتى تُعرف المأساة المترتبة على الافتراق من ضياع الأوطان بل الدين والعياذ بالله:

 

(1) بعد أخذ النصارى ــ لعنهم الله ــ طليطلة، شرعوا في تغيير الجامع إلى كنيسة بعد شهرين مع أن نصوص تسليم المدينة قد نُص فيها على "أن يحتفظ المسلمون إلى الأبد بمسجدهم الجامع"، ولما ذهب النصارى إلى الجامع لم يجدوا فيه إلا "الشيخ الأستاذ المغامي آخر من صدر عنه، واعتمده في ذلك اليوم ليتزود منه.. وبين يديه أحد تلامذته يقرأ، فكلما قالوا له: عجل، أشار هو إلى تلميذه بأن أكمل، ثم قام ما طاش ولا تهيب، فسجد فيه واقترب، وبكى عليه ملياً وانتحب، والنصارى يعظمون شأنه ويهابون مكانه، لم تمتد إليه يد، ولا عرض له بمكروه أحد"([43">).

 

(2) وبعد سقوط بَرْبَشْتْرُ قدر عدد الأسرى والقتلى ما بين خمسين إلى مائة ألف شخص، "وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى، حتى إن الذي خص بعض مقدمي العدو، هو قائد خيل رومة، نحو ألف وخمسمائة جارية أبكاراً، ومن أوقار([44">) الأمتعة والحلي والكسوة خمسمائة جمل، واقتسم الفرنجة الناس وأخذ كل واحد منهم داراً بمن فيها من أهلها، وكان الفرنج ــ لعنهم الله تعالى ــ يفتضون البكر بحضرة أبيها، والثيب بعين زوجها وأهلها، وجرى من هذه الأحوال ما لم يشهد المسلمون مثله قط فيما مضى من الزمان، ومن لم يرض منهم أن يفعل ذلك في خادم أو ذات مهنة أعطاهن خدمه وغلمانه يعيثون فيهن عَيْثة، وبلغ الكفرة منهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة، ولما عزم ملك الروم على القفول إلى بلده تخير من بنات المسلمين الجواري الأبكار والثيبات ذوات الجمال ومن صبيانهم الحسان ألوفاً عدة حملهم معه ليهديهم إلى من هم فوقهم"([45">).

 

وأورد ابن حيان ــ رحمه الله تعالى ــ قصة تبكي القارئ وتذهل العاقل، وحاصلها أن تاجراً من تجار اليهود جاء بربشتر ليفتدي بعض بنات ذوي الوجوه المسلمين ممن نجين من الحادثة، وكن تلك البنات قد وقعن في سهم رجل من النصارى يعرفه، فقال:

 

"فهديت إلى منزله فيها، واستأذنت عليه فوجدته جالساً مكان رب الدار، مستوياً على فراشه، رافلاً في نفيس ثيابه، والمجلس والسرير كما خلفهما ربهما يوم محنته لم يغير شيئاً من رياشهما وزينتهما، ووصائفه مضمومات الشعور، قائمات على رأسه، ساعيات في خدمته، فرحب بي وسألني عن قصدي.. فأشرت إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه وفيهن كانت حاجتي، فتبسم وقال بلسانه: ما أسرع ما طمعت فيما عرضناه لك، أعرض عمن هنا وتعرَّض لمن شئت ممن صيرته لحصني من سبيي وأسراي أُقارِبْك فيمن شئت منهم.

 

فقلت له: أما الدخول إلى الحصن فلا رأي لي فيه، وبقربك أنست، وفي كنفك اطمأننت، فسُمْني ببعض من هنا فإني أصير إلى رغبتك.

 

فقال: وما عندك؟ قلت: العين الكثير الطيب، والبَزّ الرفيع الغريب، فقال، كأنك تشهيني ما ليس عندي،يا مَجّة، ينادي بعض أولئك الوصائف، يريد "يا بهجة" فغيَّره بعجمته، قومي فاعرضي عليه ما في ذلك الصندوق، فقامت إليه وأقبلت بِبَدَر([46">) الدنانير وأكياس الدراهم وأسفاط الحلي، فكُشف وجعل بين يدي العلج([47">) حتى كادت تواري شخصه، ثم قال لها: أدني إلينا من تلك التخوت، فأدنت منه عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر مما حار له ناظري وبهت، واسترذلت ما عندي.

 

ثم قال لي: لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به، ثم حلف بإلـهه أنه لو لم يكن عنده شيء من هذا ثم بذل له بأجمعه في ثمن تلك ما سخت بها يداه، فهي ابنة صاحب المنزل، وله حسب في قومه، اصطفيتها لمزيد جمالها لولادتي حسبما كان قومها يصنعون بنسائنا نحن أيام دولتهم، وقد رُدّ لنا الكرة عليهم فصرنا فيما تراه، وأزيدك بأن تلك الخودة الناعمة([48">) ــ وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى ناحية أخرى ــ مغنية والدها التي كانت تشدو له على نشواته إلى أن أيقظناه من نوماته، يافلانة، يناديها بلكنته، خذي عودك فغني زائرنا بشجوك.

 

قال: فأخذت العود، وقعدت تسويه وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها، فتسارق العلج مسحه واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا فضلاً عن العلج، فصار من الغريب أن أظهر الطرب منه، فلما يئست مما عنده قمت منطلقاً عنه، وارتدت لتجارتي سواه، واطلعت لكثرة ما لدى القوم من السبي والمغنم على ما طال عجبي به"([49">).

 

وكفى بهذه القصة دليلاً على ما أصاب المسلمين من الذل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

يا غافلاً وله في الدهر موعظة

 

إن كنت في سِنة فالدهر يقظان

 

وماشياً مرحاً يلهيه موطنه

 

أبعد حمص([50">) تغر المرء أوطان

 

تلك المصيبة أنست ما تقدمها

 

ومالها مع طول الدهر نسيان

 

ياراكبين عتاق الخيل ضامرة

 

كأنها في مجال السبق عقْبان([51">)

 

وحاملين سيوف الهند مرهفة

 

كأنها في ظلام النقع نيران

 

وراتعين وراء البحر في دَعَة

 

لهم بأوطانهم عز وسلطان

 

أعندكم نبأ من أهل أندلس

 

فقد سرى بحديث القوم ركبان

 

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم

 

قتلى وأسرى فما يهتز إنسان

 

ماذا التقاطع في الإسلام بينكم

 

وأنتمُ يا عباد الله إخــوان

 

ألا نفوسٌ أبيّات لها همم

 

أما على الخير أنصار وأعوان

 

يا من لذلة قوم بعد عزهمُ

 

أحال حالهمُ كفر وطغيان

 

بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم

 

واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

 

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم

 

عليهم من ثياب الذل ألوان

 

ولو رأيت بكاهم عند بيعهم

 

لهالك الأمر واستهوتك أحزان

 

يا رُبَّ أمٍ وطفل حِيل بينهما

 

كما تفرق أرواح وأبدان

 

وطَفْلة مثل حسن الشمس إذ طلعت

 

كأنما هي ياقوت  ومرجان([52">)

 

يقودها العلج للمكروه مكرهة

 

والعين باكية والقلب حيران

 

لمثل هذا يذوب القلب من كمدإن كان في القلب إسلام وإيمان([53">)

 

 (3) وبعد سقوط غرناطة يحدثنا التاريخ عن هذا المشهد:

 

"صعد الكردنال إلى إحدى الأبراج بالقصر (قصر الحمراء) ونصب فوقه صليباً كبيراً من فضة ولواء الملكية المسيحية.. وما إن أبصرت الملكة الصليب منصوباً فوق قصر الحمراء حتى انحنت نحو الأرض واقفة على ركبتيها وهي تصلي وتوجه الشكر إلى ربها، أثار المشهد الحماس في نفوس أعضاء حاشيتها فعكفوا يرتلون الأناشيد الدينية. عند ذلك بدأ فيرديناند وبعض علية القوم وأعيانهم، يزحفون نحو غرناطة، ولما دخلوا تقدم نحوه أبو عبد الله (ملك غرناطة) ممتطياً جواده ولما دنا من فرناندو تهيأ للنزول عن صهوته ليقدم التحية إلى الملك النصراني لكن هذا الأخير أومأ إليه ألا يفعل، شفقة عليه، فقبّل أبو عبد الله ــ مع ذلك ــ ذراع فيرديناند اليمني وقدم إليه مفاتيح القصر"([54">).

 

وهذا الذل الذي قبل به أبو عبد الله الصغير كان رجاء أن يوفي النصارى بوعودهم للمسلمين بالحفاظ على شعائر الإسلام وحرية التدين، فماذا حدث بعد هذه الذلة وهذا التنازل للنصارى؟

 

لا تسأل بعد ذلك عما حدث من الملكين فرديناند وإيزابيلا من نكث الوعود وإحراق كتب المسلمين([55">) لإزهاق الحضارة الإسلامية، ومن فرض التعميد على الأطفال، ومن منع أداء شعائر الإسلام، ومن منع التسمي بأسماء عربية، ومن منع الختان، ومن منع التحدث بالعربية، إلخ..

 

"ثم بعد ذلك دعاهم (أي ملك غرناطة النصراني) إلى التنصير وأكرههم عليه وذلك في سنة أربع وتسعمائة فدخلوا في دينه كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبقَ من يقول فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله جهراً إلا من يقولها في قلبه أو خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وكم فيها من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين، ومن قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً مدراراً، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويأكلون الخنزير ويشربون الخمر.. فلا يقدرون على منعهم.. ومن فعل ذلك عوقب أشد العقاب، فيالها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها"([56">).

 

الافتراق السياسي في العصر الحديث:

 

وأما ما حصل من خلاف بين كثير من زعماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث فهو أمر مؤسف، ومازال الخلاف مستحكماً بين بعضهم حتى حصل المحذور، وتقاتل بعضهم مع بعض، وأذهبوا شوكتهم، وأضعفوا قوتهم، وداخلهم العدو الكافر، ووطئ بأقدامه الدنسة عدداً من بلدانهم، وما كان ليطمع في هذا لولا الفرقة التي وقعت بين بعض حكامهم، وهذا العدو اليهودي الماكر يهدم البيوت، ويقتل الرجال والنساء والأطفال، وصيحاتهم تتعالى ولا مجيب، وما يحصل في الشيشان وكشمير والعراق من مآسٍ يشيب لهولها الولدان، كل ذلك لأسباب على رأسها الفرقة السياسية والخلاف المستحكم بين كثير من رؤوس الأمة الإسلامية، وقد كان ما خاف الصالحون أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

ومن أنكى وأشد الأمور على النفوس ما حدث في العصر الحديث من افتراق سياسي في أفغانستان بين الأحزاب المختلفة بعد سقوط كابول ودخول المجاهدين، وكانت الدولة الإسلامية قاب قوسين أو أدنى منهم، ولكنهم ضيعوها بسبب ما حدث بينهم من نزاع خطير أدى إلى قيام حرب حقيقية بينهم، والتراشق بآلاف الصواريخ، ومقتل آلاف الناس، كل ذلك بسبب السعي إلى الزعامة والتفرد، والمطامع الدنيوية، وهذا هو الذي أضاع المشروع الإسلامي الذي كان ينتظره مئات الملايين من المسلمين، وضحوا في سبيله بالغالي والنفيس على مدار اثنتي عشرة سنة أو أكثر من عمر الجهاد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الخاتمة

 

وفيها النتائج والتوصيات

 

ها قد حان أوان ختم هذا البحث الموجز، وقد ظهر في هذا البحث جملة من النتائج أوجزها في الآتي:

 

(1) إن الخلاف الذي يؤدي إلى الافتراق لهو شر محض، ونكاية في هذه الأمة، وإذهاب لقوتها وريحها، وإطماع للأعداء فيها، وقد ظهر هذا جلياً في مبحث الافتراق السياسي.

 

(2) قد ترتب على هذا الخلاف ومن ثم الافتراق قتلٌ للعلماء والصلحاء، وإهانة للعباد والزهاد، وتشكيك في الدعاة والعاملين، وفي هذا شر مبين، وزرعٌ للإحن والبغضاء مبير.

 

(3) إن هذا الخلاف أدى إلى ضعف التوجه نحو الفتوحات ونشر الإسلام في العالمين؛ إذ انشغل صفوة الناس بتلك الفرقة المبيرة والمحنة الكبيرة، وانظر إلى هذا النص الثمين في وصف أثر مهم ترتب على خلاف الصحابة فيما بينهم ــ رضي الله عنهم ــ قاله أحد السلف:

 

"لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزوٌ حتى اجتمعوا على معاوية فـأغزاهم مرات"([57">).

 

فقد تُرك الجهاد والغزو مدة الفتنة، وتلك بلية عظيمة؛ إذ كان الفتح الإسلامي نشطاً ممتداً يصاحبه حماس كبير، حتى إذا وقعت الفتنة هدأ كل ذلك، وفاتنا ما هنالك.   

 

(4) إن الافتراق يترك في نفوس الدعاة والعاملين والشباب المقبلين آثاراً من الإحباط مريرة، وشعوراً بالإخفاق وتلك جريرة وأية جريرة، ذلك أن هؤلاء إذا اطلعوا على ذلك الاختلاف ــ بَلْهَ المشاركة فيه ــ حصل لهم نوع من الامتعاض والشعور بتأخر النصر، وهذه بلية عظيمة؛ إذ على مثل هؤلاء بعد الله تعالى نعوّل، وفيهم نؤمِّل ما نؤمِّل.

 

(5) الخلاف في العصر الحديث ورث الخلاف الذي كان منتشراً زمان السلف والخلف، لكن لم يعد في هذا العصر خلاف مذاهب فقهية ــ إلاّ قليلاً ــ بل صار خلافاً بين الجماعات الإسلامية المتعددة التي ما قامت كلها إلا لنصرة الإسلام! فهذه مفارقة عجيبة ومناقضة غريبة.

 

(6) الخلاف بين أهل السنة أنفسهم أذهب شوكتهم، ومهَّد لطمع المبتدعة فيهم، ومن ثم طمع الكافرين في ديارهم وأموالهم، وما حصل في أفغانستان مثال واضح لما ذكرته، والله المستعان.  

 

التوصيات

 

أما التوصيات التي أوصي نفسي وإخواني بها فهي الآتي:

 

(1) التزام تقوى الله تعالى والخوف من عقابه إذا افترقنا وذهبت ريحنا، وضعفت شوكتنا، وسؤال الله تعالى لنا والحالة هذه غير مستبعد عما فرطنا فيه وسلكنا غير المسلك الأحمد.

 

(2) أن تربَّى الأجيال على حب الوفاق والوئام، وبغض الافتراق، وأن يوقفوا على مثل هذه النصوص، وأن يعذر بعضهم بعضاً في الخلاف السائغ لئلا يكونوا للأعداء كالطعام السائغ.

 

(3) إنشاء هيئات دعوية يصدر عنها قرارات تصب في مصلحة الدعوة الإسلامية، فكما للفقه مجامع وهيئات، وللحديث والعقيدة والتاريخ جمعيات، فينبغي أن يكون للدعوة هيئات ومجامع وجمعيات يجتمعون فيها وينسقون فيما بينهم فيما يخدم أغراض الدعوة الإسلامية ومقاصدها، ويصدرون في كل ذلك عن نية صالحة وعمل مبارك.

 

(4) إعادة كتابة الأحداث المؤرقة والفتن التي حدثت في التاريخ الإسلامي كتابة تربوية تقف على مواطن الزلل وتنتقدها وتقومها، وتظهر العيب ليتجنبه الناس، وتبين زلل الأوائل ليتحاشاه الأواخر، وقد قالت العرب قديماً: السعيد من اتعظ بغيره لا من وُعظ به غيره، وهذا يستلزم إعداد أساتذة يحسنون قراءة التاريخ وفي الوقت نفسه يكونون مسلحين بالعلم الشرعي العاصم عن الزلل أو الميل عن القصد.

 

(5) نشر أدب الخلاف على رؤوس الناس في المنابر والمجامع ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والإكثار من ذلك حتى يصير خلقاً مشاعاً معتاداً بين الناس، وربط كل ذلك بالإسلام وتعاليمه ليصير مراعاة أدب الخلاف عبادة وتقرباً إلى الله تعالى.

 

(6) الأخذ على يد كل مفسد يريد شق صف المسلمين والنيل من دعاتهم وعلمائهم وفضلائهم، وفضحه بين الناس حتى يرتدع عن ضلاله، ويعود إلى رشده، وعدم السماح له بنشر ما تريده نفسه الأمارة بالسوء بين الناس.

 

(7) جمع الجماعات الإسلامية في جبهة واحدة، ورص صفوفهم وتوجيه جهودهم إلى هدف سام واحد، إذ أن الخلاف المستحكم بينهم اليوم أثر كثيراً على مسيرة الدعوة الإسلامية التي لا أظن أنه يكتب لها النجاح الكامل إلا بالاجتماع والاتفاق، خاصة أن هذا الخلاف قد حل محل الخلاف الذي كان شائعاً بين أسلافنا نصرة للمذاهب الفقهية، وتضخم ليكون أكبر عقبة أمام انتشار الإسلام في الخافقين، والله المستعان.

 

 

 

([1">) نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء: 2/579، والسير من تأليف الحافظ الذهبي، رحمه الله تعالى. والنزهة لواضع هذا البحث، نشر دار الأندلس الخضراء، جدة.

 

([2">) المصدر السابق: 2/846.

 

([3">) نزهة الفضلاء: 2/851.

 

([4">) نزهة الفضلاء: 2/1086.

 

([5">) تحاسد العلماء، لعبد الله بن حسين الوجان: 250ــ251، نقلاً عن معجم البلدان: 1/273، طبعة الخانجي والرستاق.

 

([6">) أي تامّي السلاح.

 

([7">) المصدر السابق، نقلاً عن معجم البلدان: 4/355.

 

([8">) نزهة الفضلاء: 3/1349.

 

([9">) المصدر السابق.

 

([10">) المصدر السابق.

 

([11">) المصدر السابق: 4/1495.

 

([12">) المصدر السابق: 30/1442.

 

([13">) تحاسد العلماء: 273 وما بعدها، نقلاً عن ذيل طبقات الحنابلة: 19 ــ 23.

 

([14">) تحاسد العلماء:489-490.

 

([15">) نزهة الفضلاء: 4/1538.

 

([16">) المصدر السابق: 3/1017.

 

([17">) المصدر السابق: 3/1253.

 

([18">) رسائل الإمام البنا: 270.

 

([19">) أي العلم بكيفيتها وليس بمعانيها كما ذهب إليه بعض المغرضين في اتهاماتهم.

 

([20">) رسائل الإمام البنا: 330.

 

([21">) المصدر السابق: 269.

 

([22">) المصدر السابق: 270.

 

([23">) المصدر السابق.

 

([24">) المورد العذب الزلال:143.

 

([25">) هو الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله تعالى.

 

([26">) المصدر السابق.

 

([27">) انظر لفهم هذه المسألة بالتفصيل وإعذار من نشأ في العالم الإسلامي محاطاً به التصوف من كل جانب سبيلاً أوحد في كثير من الأحيان خاصة في زمن البنا وقبله. انظر كتاب "العاطفة الإيمانية وأهميتها في الأعمال الإسلامية" لواضع هذه الرسالة ص 76 ــ 95.

 

([28">) قد زكى الشيخ عدد من أئمة السلفيين في العصر الحديث مثل الشيخ ابن جبرين كما مر سابقاً، ومثل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي أهدى إليه كتابين له:"تنزيه الدين وحملته مما افتراه القصيمي في أغلاله"، و"القواعد الحسان لتفسير القران" وكتب عليه: إهداء إلى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، وغيرهما من الرجال المنصفين.

 

([29">) منهم الإمام البويطي الذي مات مسجوناً مقيداً سنة 231، انظر "نزهة الفضلاء": 2/ 982.

 

[30"> ) "نزهة الفضلاء": 2/ 881.

 

([31">) تحاسد العلماء: 490 ــ 491.

 

([32">) تحاسد العلماء: 251 ــ 252، نقلاً عمن نقل عن الكامل: 9/251.

 

([33">) نزهة الفضلاء: 4/1724.

 

([34">) انظر في المسألة السابقة رسالة: الصفويون والدولة العثمانية، للأستاذ علوي عطرجي، نشر دار الأندلس الخضراء بجدة.

 

([35">) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للإمام الشوكاني: 2/ 344 ــ 348.

 

([36">) انبت: انقطع.

 

([37">) أي لكنه.

 

([38">) أي ترجع.

 

([39">) التاريخ الأندلسي لعبد الرحمن الحجي: 339 نقلاً عن: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، لابن بسام.

 

([40">) المرجع السابق.

 

([41">) المرجع السابق: 343، نقلاً عن: ترتيب المدارك، للقاضي عياض.

 

([42">) انظر المرجع السابق: 344 ــ 347.

 

([43">) التاريخ الأندلسي: 334، نقلاً عن: الذخيرة في محاسن الجزيرة، وغيرها.

 

([44">) أحمال.

 

([45">)نفح الطيب للمقّري: 6/239 ــ 240 بتصرف.

 

([46">) أوعية.

 

([47">) النصراني الكافر.

 

([48">) أي الفتاة الشابة الناعمة.

 

([49">) نفح الطيب: 6/240 ــ 242 بتصرف.

 

([50">) حمص هي: إشبيلية سميت بذلك لشبهها بحمص.

 

([51">) جمع عقاب وهو طائر معروف.

 

([52">) الطَفْلة: الفتاة الناعمة البيضاء.

 

([53">) من فصيدة لأبي البقاء الرندي يرثي فيها الأندلس، وطالعها كاملة في: نفح الطيب: 6/279ــ281. 

 

([54">) الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب:55، نقلاً عن: محنة العرب في الأندلس.

 

([55">) جمع ما يقارب من مليون كتاب مخطوط من المكتبات العامة والمكتبات الخاصة وأحرقت بأمر أحد الكرادلة السفلة في ميدان غرناطة، وكان هذا العدد من الكتب يفوق كافة الكتب الموجودة في مكتبات أوروبا بكاملها، بل لم تكن في أوروبا آنذاك مكتبة واحدة تمكنت من جمع عشرة آلاف مجلد. موقف الدولة العثمانية: 40، نقلاً عن: تاريخ الدولة العثمانية، لمؤلفه يلماز أوزوتا.

 

([56">) الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب: 56 ــ 57 بتصرف يسير.

 

([57">) نزهة الفضلاء: 1/354.
 

http://www.meshkat.net/new/contents.php?catid=5&artid=5045

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك