الإسلاميون وإشكالية التواصل السودان نموذجاً

الإسلاميون وإشكالية التواصل

السودان نموذجاً

خالد حسن

يبدو أن حكومة البشير في حيرة من أمرها ومرتبكة إزاء التعامل مع د. الترابي، فمرة تسجنه، ومرة تطلق سراحه، وفي المرة الأخيرة اتهمته بدعم انقلاب عسكري وتمرد شعبي للإطاحة بها. وبعيدا عن التفاصيل والخلفيات، فإن تجربة "الإسلاميين" في السودان خاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت تنافرا وتعارضا بين مصالح مجموعة البشير وجماعة الترابي، تكشف عن أزمة بالغة وعميقة في منطق الحوار والحِجاج، وفي مجال التواصل الإنساني والتعامل الأخلاقي، بما يعزز مقولة "بأسنا بيننا شديد"، إن الحملة الحكومية الأخيرة على الترابي والتهم الموجهة ضده، انعكاس لحجم "التنافر" الحاصل بين "الاخوة الأعداء"، وإلا هل يعقل أن تقدم الحكومة على هذا الصنيع في ظل تزاحم ظروف تعزز من أسهم الترابي وتفقدها ما تبقى لها من "مصداقية"؟!

إن الترابي لا زال يحظى بدعم شعبي وحضور جماهيري (بقطع النظر عن اختلاف التقديرات إزاءه)، كما أنه وقع مذكرة للتفاهم مع زعيم المتمردين قرنق وحركته وهو ما سيقوي شعبيته في أوساط تجمعات الجنوب، كما أن الضغط الدولي على حكومة السودان يشتد يوما بعد يوم، حتى مع توقيع الاتفاق مع متمردي الجنوب، وخاصة فيما يتعلق بسجلها في حقوق الإنسان وأسلوب تعاملها مع مشاكل السودان المعقدة.

إن الإشكالية بين الترابي والبشير تتجاوز حدود السودان والحركة الإسلامية فيها لتجد صداها في مختلف التجارب الإسلامية في العالم الإسلامي، ويمكن تبسيطها في اختلال قواعد التواصل بين "الاخوة الفرقاء" تحقيقا لمبدإ التعاون، تبليغا وتهذيبا، ولعل البعض يستغرب هذا الاختزال ويراه مخلا بمنهجية البحث والتحقيق في الإشكاليات القائمة في السودان، إن أكثر الأزمات التي عاشتها الحركة الإسلامية على صعيد البيت الداخلي وبروز ظاهرة الغلو في التنافر إنما تولدت عن إشكالية التواصل بيننا، ومن خلال المتابعة ليس فقط لأزمة التواصل بين الإسلاميين في السودان بل وفي بلاد المغرب والمشرق والخليج، تبين أن الإشكالية أعمق مما نتصور:

أولا: على مستوى التخاطب (باعتبار أن هذا الأخير وجه من وجوه التواصل):

- إننا نقول أحيانا ما نعلم عدم صدقه أو لا نقدر على إثباته.

- إننا نقول أحيانا ما ليس لنا عليه بينة

- لا نحترز أحيانا من الالتباس ولا من الإجمال

وحتى المعاني التي نتداولها أو نتناقلها تنقصها الصراحة والجرأة ويغلب عليها المجاملة أو التوفيقات المهلكة أو التقديرات المبالغ فيها، ويغلب على هذه المعاني، الضمنية والمجاز.

ثانيا: على مستوى التهذيب:

- إننا نفرض أنفسنا أحيانا على المخاطب ونبخس حقه في مبادرة اتخاذ القرارات

- نمارس ضغطا أحيانا على المخاطب لتوجيه اختياره

واحترامنا للقواعد الأخلاقية أو التعامل التهذيبي بيننا إنما هو صيانة لمبدإ التعاون .

ثالثا: على مستوى التقرب:

- أكثرنا من خسارة الغير

- أكثرنا من ربح ذواتنا

- أكثرنا من ذم الغير وجلدهم

- بالغنا في توسيع مناطق الاختلاف وأكثرنا من تنافر الذات والآخر (داخل البيت الإسلامي الكبير)

- نقول أحيانا لغيرنا لا تصدقه أفعالنا

- في توددنا للآخرين قد لا نتجرد من أغراضنا.

- ينقصنا الصدق فيما ننقله إلى غيرنا، وهنا تأتي أفضليات مهمة: أن يفعل المحاور ما يقل أفضل له من أن يقول ما لم يفعل، أن يسبق فعل المحاور قوله أفضل له من أن يسبق قوله فعله، أن يكون المحاور (أو المتكلم) أعمل بما يقول أفضل له من أن يكون غيره أعمل به، ذلك أن المخاطب لا يعقل من المتكلم قوله فحسب، بل يراقب منه سلوكه أيضا، ثم إن المخاطبة أو التخاطب أو الحوار هو نفسه جزء من العمل.

* المصدر: مجلة العصر

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك