التطرف الديني وظاهرة الإرهاب
التطرف الدينى وظاهرة الارهاب
ظهرت منذ أوئل السبعينات بعض من المنظمات الدينية المتطرفة التى اخذت فى الانتشار والازدياد مما جعل منها خطرا يهدد الانظمة الحاكمة والاستقرار فى الدول.
اتبعت هذه التنظيمات منهج السرية المطلقة فى حركتها واصبح العنف هو العنصر الاساسى لتحقيق فكرها وتأمين وجودها الامر الذى ادى الى زيادة خطورة هذه التنظيمات للصعوبة فى تتبع حركتها ومواجهتها والحد من مخططاتها الارهابية .
بالرغم من مظاهر حداثة العنف والتطرف فى بعض أتباع الدين الاسلامى إلا أن التاريخ الاسلامى منذ حداثته عرف التيارات الدينية المتطرفة فقد اغتيل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ( عمر – على – عثمان ) فى صدر الدولة الاسلامية وباتساع الدولةالاسلامية واقبال المسلمين على الدنيا ظهرت" طائفة المتصوفة" التى تدعو الى الذهد والاعراض عن الحياة وهو نوع اخر من التطرف ، كما نشأت طائفة اخرى اخذت العنف والقتال وسيلة لتطهير الدولة الاسلامية واعادتها الى حالتها الاولى .
ويذكر التاريخ الاسلامى من هذه الفرق ( الكرامية ، الخوارج ، المعتزلة ) والمتتبع لهذه الفرق يلاحظ انها مشتركة الفكر والهدف الا ان اسلوب التطبيق هو الذى يختلف .
دخلت ظاهرة الارهاب مرحلة جديدة فى منطقة الشرق الاوسط منذ انتصار الثورة الايرانية الاسلامية وتقلدها الحكم .... فقد بدأت موجة الارهاب الدينى والطائفى فى الانتشار فى بعض دول المنطقة مثل سوريا ومصروألجزائر ودول الخليج املا فى الصعود الى مقاليد الحكم .
فكر الجماعات الدينية المتطرفة يتلخص فى :-
1. الحكم على المجتمعات بالجاهلية والكفر لعدم تطبيق شريعة الله واللجوء الى تشريع البشر عند وضع القوانين .
2. الهجرة من ارض الاستضعاف الى اماكن جديدة يمكن فيها تكوين نواة للمجتمع المسلم ثم العودة لاقامة المجتمع المسلم فى الدولة وان كان هناك بعض الجماعات تنادى باعتزال المجتمعات الحالية والتبرؤ منها .
3. الجهاد المسلح لتفويض اركان النظام الحاكم واقامة المجتمع المسلم محله .
أسباب ظهور وانتشار الجماعات الاسلامية المتطرفة :-
هناك مجموعة من الاسباب ساهمت متضافرة فى ظهور التنظيمات المتطرفة نوجز بعض منها فى الاتى :-
1. عزوف القيادات الإسلامية وسلبية القائمين على شئون الدعوة والارشاد للدين الإسلامي أدي الى ان تصبح الساحة خالية لفكر ومعتقدات هذه الجماعات .
2. الزيادة الواضحة فى النشاط التبشيري المسيحي وزيادة التعصب المسيحي الذى تدعمه بعض الأنظمة والحكومات لدول من خارج المنطقة العربية من العوامل التى ساعدت على ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة على الساحة العربية.
3. ظهور الفكر اليساري فى فترة من الفترات وسيطرة اليساريين على بعض المراكز الهامة كالجامعات وتغلغل الفكر الإلحادي بين الطلبة مما أدى إلى ظهور الفكر الإسلامي ليواجه هذا الاتجاه وخصوصا مع تدعيم الأنظمة الحاكمة له ليواجه تغلغل الشيوعيين .
4. نجاح الثورة الاسلامية فى ايران بقيادة الامام الخمينى أعطى الجماعات الاسلامية المتطرفة الامل فى تكرار هذا النجاح فى أماكن اخرى من خلال أسلوب عمل الخلايا السرية .
5. أحكام البراءة التى حصلت عليها بعض الجماعات الدينية فى بعض الدول شجعت هذه الجماعات على الاستمرار فى نشاطها بل وزادتها جرأة وخبرة فى الممارسة .
مظاهر اختلاف الإرهاب الديني عن صور الإرهاب الأخرى
يختلف الارهاب الدينى ( ان جاز لنا ان نطلق هذا التعريف على الاسلوب الذى تتبعه الجماعات الدينية المتطرفة ) عن صور الارهاب الاخرى فيما يلى :
1-التمويل : -
عادة يتم تمويل الجماعات الدينية من التبرعات التى يتم الحصول عليها من الاعضاء او المؤيدين لفكر الجماعة من خارج البلاد وداخلها .
اما تمويل المنظمات الاخرى فيعتمد اساسا على السطو المسلح على البنوك واحتجاز الرهائن لطلب الفدية والدعم المادى – لبعض انظمة الحكم الاجنبية ونادرا ما تعتمد على اموال المؤيدين والمتعاطفين معها .
2-الدافع :-
الدافع لدى الجماعات الاسلامية جميعها هو اقامة المجتمع المسلم وتطبيق شريعة الله اما دافع المنظمات الارهابية هو السيطرة على الحكم عن طريق بث الفوضى والذعر بين المواطنين .
3-العلنية والاعلان :-
يتميز ظهور الجماعات الدينية بالعلنية والاعلان عن افكارها بهدف كسب الاعوان اما المنظمات الارهابية فدائما ما تختفى تحت الارض فى عناقيد صغيره ولا تظهر الا عند حدوث العمل الارهابى
الاساليب المستخدمة فى تنفيذ العمليات الارهابية :-
بالرغم من أن العبوات الناسفه هى اكثر الوسائل استخداما فى العمليات الارهابية الا انه هناك اساليب اخرى محددة تتبعها كل المنظمات لتنفيذ عملياتها مثل :
· اختطاف الطائرات او البواخر .
· الاقتحام المسلح للاماكن العامة واحتجاز الرهائن .
· الاختطاف بغرض طلب الفدية او اطلاق سراح معتقلين سياسيين .
· الاغتيالات
· استخدام العبوات الناسفة .
( 1 ) اختطاف الطائرات :-
بدأت عمليات اختطاف الطائرات من أفراد اصابهم اليأس بسبب احساسهم بالظلم العميق نتيجة تعرض حقوقهم وأوطانهم للضياع .وكان الخاطفون يحرصون على ان تكون عملياتهم بدون اراقة لدماء الابرياء الذين يتصادف سفرهم بالطائرات كما كانوا يحرصون على ان يعلنوا عن أنفسهم وعن أهدافهم .
تطور الامر فأصبح المختطفون يجاهرون بطلب فدية مالية ضخمة او اطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين فى السجون أو اعضاء الجماعات والمنظمات الارهابية السابق اعتقالهم فى عمليات سابقة، واصبح العنف والقتل هو اسلوب تفاوض الارهابيين مع سلطات الدولة لتحقيق رغباتهم .
بالرغم من اجراءات الامن الصارمة فى جميع مطارات العالم لمنع القرصنة الجويةالا ان عمليات اختطاف الطائرات لم تتوقف بل فى زيادة مستمرة واصبحت أهم الاساليب المستخدمة فى العمليات الارهابية .
هناك نوعا اخر من القرصنة يمكن ان نطلق عليه القرصنة البحرية ففى الفترة من 1965 حتى سنة 1985 م وقعت 47 حادث ارهاب فى البحر غرق فيها 12 سفينة واختطفت 11 سفينة اخرى . ولعل اول حوادث القرصنة البحرية فى السنوات الاخيرة ما حدث فى عام 1963 م عندما اقتحم 70 بحارا برتغاليا سفينة ركاب برتغالية تنقل 600 راكب واحتجزوا السفينة والرهائن عليها لمدة 11 يوما ولكن فشل الخاطفون فى تحقيق مطالبهم لجاؤا حيبنئذا الى البرازيل ،وليست حوادث "أكيلى لاورو" ، والمدمره "كول" وغيرها الا أمثله لهذا النشاط الخطير .
( 2 ) الاقتحام المسلح للاماكن العامة واحتجاز الرهائن :-
يهدف الارهابيون فى معظم عمليات الاقتحام المسلح للاماكن واحتجاز الرهائن الى الحصول على الاموال كفدية لتمويل منظماتهم وامثلة على ذلك :-
1- عملية اقتحام مقر منظمة الدول المصدرة للبترول ( الاوبك ) فى فينا بالنمسا عام 1975 م واحتجاز احد عشر وزيرا للبترول وكان المخطط والمنفذ لها الارهابى كارلوس وان كان اسم المنظمة التى اعلنت مسئوليتها عن العملية ( منظمة ذراع – الثورة العربية ) وقدرت الفدية التى حصلوا عليها 25 مليون دولار مقابل الافراج عن الرهائن .
2- اقتحام افراد من منظمة الجيش الاحمر اليابانى للقنصلية الامريكية فى كوالامبور عام 1975 م واحتجاز العاملين فيها وبينهم القنصل الامريكي والقائم بالاعمال السويدي ولقد استجابت الحكومة اليابانية لمطالب المنظمة بالافراج عن بعض اعضاء المنظمة المسجونين وسلمتهم ستة ملايين دولار وجهزت لهم طائرة خاصة نقلوا بها الى طرابلس فى ليبيا مقابل اطلاق سراح الرهائن .
( 3 ) الاختطاف بغرض طلب الفدية :-
كثيرا ما تقوم الجماعات والمنظمات بهذه العمليات بغرض الحصول على الاموال لتمويل عملياتها وفى بعض الاحيان تقوم العصابات بمثل هذه العمليات بغرض طلب الفدية .
ونذكر على سبيل المثال :-
1- اختطاف وتعذيب الكولونيل ( بوهى باك ) القائم بأعمال رئيس كنيسة التوحيد وصاحب جريدة ( واشنطن تايمز ) فى شهر سبتمبر سنة 1984 م واطلاق سراحه بعد دفع مبلغ مليون دولار .
2- اختطاف وقتل الزعيم الايطالى ( الدومورو ) سنة 1978 فى اعنف مسلسل ارهابى قامت به منظمة الالوية الحمراء الايطالية.
3- خطف ابنه رئيس السلفادور واحتجازها لمدة 44 يوما للضغط على رئيس الدولة لاتخاذ قرارات معينة .
4- أما حادث احتجاز أفراد السفارة الامريكية فى طهران والذى استمر لفترة طويلة جدا وأخفقت عملية التحرير المنطلقه من مصر بطائرات أمريكية فشلا ذريعا ولم يفرج عنهم الا بالحوار فكانت له أسباب سياسية بحته .
( 4 ) الاغتيالات :-
للاغتيالات بصفة عامة اسباب عديدة ومتنوعة تختلف تبعا للدوافع وتختلف كذلك من حادث الى اخر ولكن يمكن ان نذكر اكثر اسباب الاغتيلات شيوعافيما يلى :-
الاغتيال الإرهابي :-
وهو ما تنفذه الجماعات الارهابية ضد السلطة الحاكمة لاظهار عجزها عن تحقيق الامن .
الاغتيال السياسي :
وهو ما يهدف غالبا الى ازاحةةخصم سياسي .
اغتيال الطغاة :-
وهو ما يقوم به احد افراد الشعب ضد طاغية .
الاغتيال من اجل لفت النظر الى قضية او مولد منظمة .
الاغتيال بدافع شخصى كأن يكون بسبب ثأر شخصي او عائلي .
ويمكن ان نذكر على الساحة العربية ابرز عمليات الاغتيال فى الاتى :-
اغتيال الملك عبدالله ملك الاردن فى القدس سنة 1951
اغتيال الرئيس الغاشمى رئيس جمهورية اليمن الشماليةعام 1978
اغتيال الرئيس اللبنانى بشير الجميل فى عام 1982
اغتيال الرئيس المصري محمد انور السادات سنة 1981 اثناء العرض العسكري احتفالا بانتصارات حرب اكتوبر
ولقد شهد تاريخ مصر الحديث 20 عملية اغتيال هامة نجحت منها 7 محاولات هم : -
قتل ( بطرس باشا غالى ) رئيس وزراء مصر فى 20 فبراير سنة 1910
قتل السير / لى ستاك سردار الجيش المصري واحد كبار الضباط الانجليز فى عام 1924
اغتيال احمد باشا ماهر رئيس وزراء مصر فى 24 فبراير سنة 1945 .
مقتل امين عثمان باشا وزير ماليه مصر عام 1946 .
مقتل محمود فهمى النقراشي باشا رئيس وزراء مصر فى 8 ديسمبر عام 1948 .
مقتل د /رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فى 2 اكتوبر عام 1990
اغتيال الرئيس محمد انور السادات عام 1981 .
هذا بالاضافة الى أحداث العنف ومحاولة اغتيال العديد من الشخصيات العامة واعضاء السفارة الاسرائيلية فى مصر على يد ما عرف بتنظيم ثورة مصر ففى 20 اغسطس سنة 1985 اغتيل الدبلوماسى الاسرائيلي ( البرت اتراكشى ) واصيبت زوجته وسكرتيرة من جراء هجوم مسلح على سيارات بضاحية المعادى من قبل افراد من تنظيم ثورة مصر كما هاجم اعضاء نفس التنظيم العاملين بالجناح الاسرائيلي بمعرض القاهرة الدولى اثناء مغادرتهم ارض المعارض وادى الهجوم الى مقتل واصابة ثلاثة اخرون .
( 5 ) استخدام العبوات الناسفة :-
تلجأ المنظمات الارهابية الى استخدام العبوات الناسفة فى عملياتها بسبب سهولة الاستخدام والحصول على الاثار والنتائج المطلوبة فورا بالاضافة الى ان العبوات الناسفة من اكثر الاساليب امنا للافراد القائميين بتكوينها ووضعها فى منطقة الهدف .
ومن ابرز عمليات العبوات الناسفةالتى نفذت فى الساحة العربية :-
19831- احداث الكويت سنة حيث اجتاحت الكويت سلسلة من الانفجارات بواسطة السيارات الملغومة استهدفت مقري السفارتين الامريكية والفرنسية فى العاصمة الكويتية بالاضافة الى عدد من المنشأت الاجنبية والوطنية واسفرت هذه الانفجارات عن اعداد كبيرة من القتلى والجرحى فضلا عن الدمار والرعب الذى ساد المواطنين فى جميع انحاء الكويت .
2- العمليات الفدائية : ضد القوات الاسرائيلية فى لبنان باسلوب انتحاري باستخدام السيارات الملغومة والمحملة بمئات الكيلو جرامات من المواد المتفجرة .
3- العمليات الفدائية ضد القوات الاسرائيلية داخل اسرائيل باسلوب انتحاري باستخدام السيارات الملغومة او تلغيم جسم الفرد ذاته .
الارهاب فى منطقة الشرق الاوسط :-
تشير دراسة لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لجريدة الاهرام المصرية الى أن الارهاب فى منطقة الشرق الاوسط اصبح ظاهرة تسترعى الانتباه . حيث احتلت منطقة الشرق الاوسط المرتبة الثانية كمسرح للعمليات الارهابية بعد اوروبا اذا بلغت حوادث الارهاب فيها 2640 حادثة على مدار عشرون سنة فقط ( هذه الدراسه قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 وتصاعد عمليات منظمة القاعده الإرهابيه )
تشير الدراسة الى ان الارهاب فى منطقة الشرق الاوسط نشأ مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقضية الفلسطينية والصراع العربى الاسرائيلي الا انه بعد نجاح الثورة الايرانية دخلت ظاهرة الارهاب مرحلة جديدة فقد بدأت مرحلة الارهاب الدينى والطائفى التى انتشرت فى بلاد مثل سوريا ومصروالجزائر وبعض دول الخليج وإنتهت بالعراق بالاضافة الى لبنان التى يرجع تاريخ الارهاب الطائفى فيها الى قبل ذلك بعدة سنوات والذى تحول فيها الى حرب أهلية .