كيف تكون الدعوة صامتة دون كلام

كيف تكون الدعوة صامتة دون كلام

 

الدكتور محمد محمود منصور

 

أكثر الدعوة لله وللإسلام صامتةٌ وأقلها كلامية!

فأكثرها بالقدوة والعمل، وأقلها بالكلمة والحوار، وأكثر المدعوين يتأثرون بالفعل، وأقلهم يتأثرون بالكلام. إن على الداعي أن يتقن الدعوة بالقدوة والعمل قبل -أو مع- إتقانه للدعوة بالكلمة والحوار، فقد كان هذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، فلم يكن كلهم يحسنون الكلام! لكن كانوا كلهم يحسنون العمل، حتى نشروا الإسلام في معظم الكرة الأرضية، وأسعدوها بحسن أخلاقهم وحسن إدارتهم لها.

إن على الداعي أن يستكشف صفات من يدعوه، فهذا من معاني قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). * فإن كان من يدعوه صامتًا، دعاه بالصمت!! أي دعاه بالقدوة الصالحة والعمل الصالح.. كحسن المظهر، والتبسم، والأمانة، والإتقان، والوفاء بالوعود والمواعيد، والتعاون، والتواضع، والعدل، والسؤال عنه، وزيارته، واستضافته وإكرامه، وخدمته بما يحتاجه ما أمكن، ومشاركته في أفراحه وأحزانه، وإظهار الحب الصادق.. له بالتهادي، أو حتى بالنظرات، أو لمسات الأيدي عند السلام، أو ما شابه ذلك ما أمكن مما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الدعاة الأوائل رضوان الله عليهم جميعًا، فقد كانوا يتعاونون ويتراحمون ويتزاورون ويتبادلون المنافع ونحو هذا.

إن هذه الأعمال في الغالب تذيب فارق السن بين الداعي والمدعو، فالتجمعات كثيرًا ما يجتمع فيها أكثر من مرحلةٍ سنية، كأثناء تجمعات الأعياد أو الأفراح أو الأحزان مثلا، أو بتجمعات الأعمال الخدمية ككفالة الأيتام والأرامل وغيرها، أو تجمعات الأعمال التجارية، أو تجمعات الرحلات الترويحية والمسابقات الرياضية والفنية والثقافية وغيرها.. إلى غير ذلك من التجمعات النافعة، والتي من خلالها تنتقل أخلاق الإسلام من الدعاة لمدعويهم.

إن المدعو الصامت ليس صامتًا! إن ظاهره صامت لكن باطنه يتكلم، إنه يحدث نفسه بما يراه مما يدور حوله من أعمال الدعاة، إنه يبني الثقة بينه وبين الداعية تدريجيًّا، فإن تكونت هذه الثقة استطاع الداعي أن يأخذ بيديه إلى نور الإسلام وسعادته بأقل القليل من الكلمات.. أو حتى بدون كلام!

إنه في حالة الدعوة بالكلام قد يسمع المدعو كلامًا من الداعي ولكنه يحدث نفسه، هل يعمل هو به؟! هل هو صادق فيه؟ وما الدليل على صدقه؟ وما الدليل على أنه يريد فعلاً أن يأخذني للخير؟!.. إلى غير ذلك من الأسئلة التي تجعل الدعوة الصامتة بالقدوة والعمل أكثر تأثيرًا وإنتاجًا من الدعوة بالكلام.. وفي كلٍّ خيرٌ بإذن الله.

وإن كان من يدعوه ممن يتأثرون بالكلام والحوار، فعليه أن يجيده أيضًا! فيبدأ باستكشاف أكثر الموضوعات التي تستهويه وتجتذبه، بأن يستمع إليه لفترة أو يتحدث هو في موضوعاتٍ شتى ليرى في أيّها استجابته..

ومعظم شباب المدعوين وفتياتهم يستهويهم الحديث عن الرياضية أو الفن، وبعضهم عن الثقافة والعلم، وبعضهم عن العمل والبطالة، وما شابه ذلك. فليجتهد الداعي في الإلمام ببعض المعلومات عن هذه الموضوعات، وليجتهد في ربط الحلال منها بالإسلام الذي يشملها بكماله، وليجتهد ما أمكنه الاجتهاد في إتباع وسائل الحوار المؤثر وآدابه -والتي هي مأخوذةٌ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم– حتى يمكنه التأثير في مدعوِّيه والأخذ بأيديهم إلى الإسلام تدريجيًا بإذن الله.. وأهمها:

حسن الاستماع للمتكلِّم حتى ينتهي دون مقاطعة، والهدوء وعدم رفع الصوت حتى يمكن استيعاب ما يقال، والصدق في الوصول للصواب، وعدم الجدال، وهو توصُّل النفس داخليًّا للحق ثم امتناعها عن إتباعه خوفًا من الهزيمة أمام الآخرين، اعتزازًا بالرأي ولو بالباطل، وسعة الصدر لكل الآراء، إذ الإسلام يرى أن هناك أكثر من رأي في كل أمر -ما عدا الحرام- لكن من هذه الآراء، ما هو مناسب لموقف ما، ومنها ما يناسب موقفًا آخر، ومنها ما هو غير مناسب الآن رغم أنه رأيٌ صحيحٌ وفي دائرة الحلال، لكن قد يكون مناسبًا بعد حينٍ لتغيُّر الظروف أو في مكان آخر، أو عصرٍ آخر

إضافةً إلى الحبِّ والودِّ والأخوَّة والألفة ومحاولة تحريك القلوب بربطها بالله؛ لأنَّ هدف الحوار الوصول لما هو أفضل ولما يسعد وليس لما يتعس، مع استخدام أساليب التشويق المتنوعة، كإشارات اليد أحيانًا أو الفكاهة المباحة، أو وسائل الإيضاح، أو السؤال والجواب، وما شابه ذلك، مما يجتذب المستمع ويؤثر فيه.

وختامًا أخي الكريم؛ فلتكن خطتك –ببساطة- مع من تدعوه:

– فترة استكشاف وتعارف، وهي تختلف من شخصٍ لآخر، فقد تكون عدَّة أيام أو عدة أشهر أو حتى عدة سنوات، مع البعض! والتعارف يكون قدر الإمكان تفصيليًّا على الاسم والسكن والطباع والمواهب والأحوال الاجتماعية والمالية والفكرية وغيرها. – ثم فترة تمهيد، عبارة عن حبٍّ وتقاربٍ وخدماتٍ وتكوين علاقاتٍ جيِّدة، ويتمّ خلال هذه الفترة ربطه بالإسلام بصورةٍ عامَّةٍ ككونه نظامًا وأخلاقًا تصلح لإدارة كل شئون الحياة، وربطه أيضًا بدعاته، سواء أنت أم غيرك ممن هم قريبو السن والطباع والسكن منه، وذلك من خلال ما سبق ذكره من وسائل الدعوة بالقدوة والعمل.. وهذه الفترة يختلف طولها وقصرها على حسب استجابة المدعو. – ثم فترة تربية من خلال عقد لقاءاتٍ تربويَّةٍ جزءٌ منها نظري والآخر عملي، في صورة واجباتٍ أسبوعيَّةٍ أو نصف شهريَّة، أو شهرية، يتم خلالها توصيل تفاصيل الإسلام إليه بهدوء وبالتدريج، مع متابعة تصرفاته وأقواله ما أمكن وتصويبها، حتى يصبح يومًا ما داعيًا من الدعاة يدعو معكم. وفقكم الله وأعانكم وأسعدكم .. ولكم ثوابكم العظيم. ولا تنسنا من صالح دعائك

 

المصدر : موقع ما الاسلام و الدعوة له بالحسنى.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك