وما زالت معركة تمكين اللغة العربية مستمرة في سورية

وما زالت معركة تمكين اللغة العربية مستمرة في سورية

التعصب للغة والثقافة المحلية أمر موجود في معظم المجتمعات، ولكن حدته تختلف من مجتمع لآخر بشكل ملحوظ، فبينما تتسم بعض المجتمعات (كالمجتع الآيسلندي مثلا) بالتعصب الشديد للغة المحلية تمتاز مجتمعات أخرى بموقف متسامح ومتساهل إزاء اللغات والثقافات الأخرى (أميركا مثالا)، وهذه المسألة تتعلق إلى حد كبير بتاريخ المجتمع المعني.

سورية هي من البلاد المتعصبة بشدة للغتها المحلية، وهذا مفهوم بسبب تاريخنا مع الأتراك الذين كانوا أيضا متعصبين للغتهم وحاولوا فرضها علينا بالقوة، وما زال التعصب للغة التركية موجودا بقوة في تركيا إلى الآن حيث أنك تجد هناك إهمال اللغات الأجنبية ونادرا ما تجد تركيا من غير المتعلمين تعليما عاليا يتقن أي لغة أجنبية.

التعصب القومي بكافة أشكاله نادرا ما يكون ذا قيمة فعلية على الصعيد التنموي، بل على العكس هو دائما ما يكون عائقا في سبيل التنمية وخاصة في مجتمعات نامية يقوم نشاطها الاقتصادي أساسا على التجارة (وحاليا السياحة) كمجتمعنا. التعصب للغة العربية في سورية هو بلا شك خسارة اقتصادية ومعرفية بحتة، لأنه يستنزف مواردنا وطاقاتنا الاقتصادية والمعرفية المحدودة أصلا في معركة خاسرة لم ولن نجني من ورائها أي فائدة.

من أشكال التعصب للغة العربية في سورية (والتي لا نراها في أي بلد عربي آخر) الإصرار على تعليم العلوم في الجامعات السورية باللغة العربية. لقد سألت الكثيرين في سورية عن السر وراء هذا الإصرار وفي حياتي لم أحز جوابا علميا منطقيا، وهو أمر طبيعي لأن التعصب مسألة عاطفية جاهلية بالأساس ولا تنبع من أسس علمية أو منطقية.

الجواب الذي يطرحه المتعصبون للغة العربية عادة هو المقارنة بين سورية وبين بعض الدول المتقدمة كألمانيا وفرنسا واليابان، وهي كلها من الدول التي تتعصب للتعليم بلغتها. طبعا هذه المقارنة بالنسبة لي غريبة وتنم عن شعور بالعظمة والنرجسية لدى من يطرحون مثل هذا الكلام، فأين سورية من تلك الدول؟ هل نحن ممن ساهم في تأسيس العلوم الحديثة كتلك الدول؟ وهل نحن نملك من المال والموارد والطاقات معشار ما تملكه تلك الدول؟

إن شعار “التعليم باللغة العربية” هو شعار براق ومغر ويداعب الأحاسيس الوطنية لدى كل إنسان عربي، ولكن الشعار شيء والواقع شيء مختلف كليا. كل من يعرف التعليم العالي في سورية يعرف أن ما يسمى بتعليم العلوم باللغة العربية في تلك الجامعات فشل فشلا ذريعا، والجامعات السورية تحولت إلى ما يشبه دكاكين الترجمة الرديئة على حساب وظيفتها الأساسية في التعليم والبحث العلمي. ببساطة لا يوجد في عالمنا الحالي شيء اسمه علم وبحث علمي باللغة العربية، ومن يريد أن يعرب التعليم والبحث العلمي في هذا العصر هو يخوض معركة خاسرة سلفا لأنه لا يملك شيئا من مقومات ربحها.

يجب أن نفصل بين التعليم وبين النشر باللغة العربية. من هو حريص على اللغة العربية فلينشر مقالات وكتبا بهذه اللغة (وهو ما أفعله أنا شخصيا، حيث أنني أكتب باللغة العربية رغم أن معظم ما أقرأه وأتعلمه هو ليس بهذه اللغة). وإن كانت الدولة السورية تشعر أن تعريب العلوم هو من مسؤوليتها فبإمكانها مثلا أن تحدث مركزا للترجمة في كل جامعة تكون وظيفته ترجمة الكتب والأبحاث التي تنشرها الجامعة إلى اللغة العربية. أما مطالبة الطلاب والمعلمين في الجامعات بأن يتركوا وظيفتهم كطلاب ومعلمين ويتحولوا إلى مترجمين فهو فعلا مطلب غير منطقي وغير عقلاني وهو من العوامل التي لعبت دوار بارزا في تدمير التعليم في سورية. من يتخرج من الجامعات السورية هم نوعان من الطلاب: الغالبية لا يتقنون إلا العربية (التي أخذوها من ترجمات رديئة قام بإعدادها مدرسوهم الذين هم ليسوا مختصين في الترجمة ولا يتقنونها) وهؤلاء فعليا غير متعلمين لأن العلم الذي أخذوه غير قابل للصرف إلا داخل حدود الجامعات السورية حصرا؛ وأقلية من الطلاب قامت بجهدها الذاتي بتكوين نوع من المعرفة باللغات الأجنبية، وهذه المعرفة مهما بلغت فإنها طبعا لن تكون إلا في إطار محدود ودون المستوى المطلوب أكاديميا. من المشاكل الشائعة في سورية عدم تمييز الناس بين اللغة الأجنبية غير الاختصاصية التي يمكن اكتسابها من دورات تعليم اللغة الموجهة للعامة وبين اللغة الأكاديمية الاختصاصية التي لا يمكن إتقانها إلا من خلال الدراسة الأكاديمية باللغة الأجنبية.

بعيدا عن نقاش التعليم باللغة العربية، تبرز أشكال جديدة وملفتة للتعصب للغة العربية في سورية، كهذا الخبر مثلا:

http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=129604

إغلاق 150 محالاً بالشمع الأحمر في حلب “لمخالفتها شروط تمكين اللغة العربية”

بلغ عدد المحلات التي تم إغلاقها بالشمع الأحمر في حلب نتيجة “مخالفتها شروط تمكين اللغة العربية”753 محالاً، 150 منها خلال العام الحالي.

وبين عضو المكتب التنفيذي في محافظة حلب عمر شعراني ، رئيس قطاع البيئة والمرافق والخدمات، لسيريانيوز أن “إغلاق المحلات المسماة بأسماء أجنبية، والمندرجة ضمن حملة تمكين اللغة العربية، مستمر”، مؤكداً على “وجود تجاوب من قبل أصحاب المحال في المحافظة”.

ونظمت اللجنة الميدانية المكلفة برصد المخالفات وتسجيلها في العام الماضي 603 ضبطاً بالإغلاق، في حين بلغ الرقم خلال الشهرين المنصرمين من العام الحالي 753 محالاً، مع وجود العشرات على قائمة الانتظار.

ونص القرار 604 تاريخ 3/5/2009 في مادته الأولى على أنه “تغلق المحال المسماة بأسماء غير عربية لمدة 3 أيام في حال المخالفة، وتعطى مهلة شهر لإزالة المخالفة، وفي حال عدم الالتزام يغلق لـ 7 أيام ومهلة شهر آخر، وإذا لم يلتزم يغلق المحل حتى إزالة المخالفة حكماً مع دفع غرامة مالية قدرها 500 ل.س عن كل يوم إغلاق”.

وأجاز القرار استبدال شرط الإغلاق بالشمع الأحمر في الحالتين الأولى والثانية، بغرامة مالية تبلغ 2000 ل.س. عن كل يوم إغلاق بالنسبة للحالة الأولى، و5000 ل.س. لكل يوم إغلاق بالنسبة للحالة الثانية.

وحسب المكتب التنفيذي المختص فإنه “درءً للالتباس في ماهية أسم المحل، فقد تم الاعتماد على آلية تقوم خلالها لجنة التمكين الميدانية والمؤلفة من 3 أشخاص، بإعداد تقرير كشفي بكتابة أسماء المحال المخالفة، ورفعا للمستشار الثقافي لمحافظة حلب، ليقوم بالبت في كون الاسم عربياً أو أجنبي.

ويتم صدور قرار بإغلاق المحل في حال ثبوت كون الاسم أجنبياً، مع منح مدة شهر لاستبداله.

وكانت وزارة الإدارة المحلية قد قامت بتشكيل لجان لتمكين اللغة العربية في جميع المحافظات سيجري من خلالها تغيير جميع لوحات الإعلان المكتوبة بالأجنبية وترجمتها إلى العربية.

وتأتي هذه الخطوة ضمن العمل في سورية على النهوض باللغة العربية من حيث تعميم العربية الفصحى على وسائل الإعلام المحلية وفي جميع المؤسسات التعليمية إضافة إلى إقامة المؤتمرات والندوات الداعمة للغة العربية.

بصراحة هذا الخبر من الأخبار التي يعجز المرء حتى عن التعليق عليها أو نقاشها. لا أدري ما الذي نقل معركة “تمكين اللغة العربية” إلى واجهات المحلات؟ ولا أدري ما هي الفائدة الاقتصادية والاجتماعية التي ترجوها الحكومة السورية من خوضها هذه المعركة ضد أصحاب المحلات؟

هل شعرت الحكومة السورية بأن تعرض المواطنين لبعض الكلمات الأجنبية على واجهات المحلات يهدد اللغة العربية في سورية؟ وإلى ماذا بالضبط استندوا في شعورهم هذا؟ هل هناك دليل علمي أظهر أن تعرض الإنسان لواجهة محل باللغة الأجنبية يهدد لغته العربية؟ وإن كان الأمر كذلك فماذا نقول عمن يتعلم لغة أجنبية كاملة من ألفها إلى يائها؟ كنت أتمنى لو شاركتنا الحكومة السورية بما لديها من أبحاث واكتشافات.

المصدر: http://hanisyria.wordpress.com/2011/03/06/%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%B2%D8%A7%D9%84%D8%AA-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B3/

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك