التطرف الديني الغلو (الإرهاب)

بسم اللة الرحمن الرحيم

التطرف الديني الغلو ( الأرهاب )

 

إن بيان هذا التطرف وتحديد المراد به بعلم وبصيرة، هي الخطوة الأولى في طريق العلاج منه.
التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر:
1- إن أولى دلائل التطرف: هي التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا يفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم.
فهذا التعصب المقيت الذي يثبت المرء فيه نفسه، وينفي كل من عداه، هو الذي نراه من دلائل التطرف حقاً، فالمتطرف كأنما يقول لك: من حقي أن أتكلم.. ومن واجبك أن تسمع.. ومن حقي أن أقود.. ومن واجبك أن تتبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب.. وبهذا لا يمكن أن يلتقي بغيره أبداً، لأن اللقاء يمكن ويسهل في منتصف الطريق ووسطه، وهو لا يعرف الوسط ولا يعترف به، فهو مع الناس كالمشرق والمغرب، لا تقترب من أحدهما إلا بمقدار ما تبتعد من الآخر.
ويزداد الأمر خطورة حين يـُراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة، والعصا الغليظة هنا قد لا تكون من حديد ولا خشب، فهناك الاتهام بالابتداع أو الاستهتار بالدين، أو الكفر والمروق - والعياذ بالله - وهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفاً وتهديداً من الإرهاب الحسي.

:
2 - من مظاهر التطرف ولوازمه: سوء الظن بالآخرين، والنظر إليهم من خلال منظار أسود، يخفي حسناتهم، على حين يضخم سيئاتهم. الأصل عند المتطرف هو الاتهام.
وقد كان بعض السلف يقول: إنّي لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين ثم أقول: لعلّ له عذراً آخر لا أعرفه!
من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك - تبعاً لوجهة نظر عنده - اتهم في دينه بالمعصية أو الابتداع أو احتقار السنة، أو ما شاء لهم سوء الظن.

التطرف هو مجاوزة العدو الغلو في الدين، وهو التصلب فيه والتشدد حتى مجاوزة الحدفهو مجاوزة الاعتدال في الأمر

تعريف الغلو:

والكلمة أخرى ذات الصلة بالتطرف هي الغلو. لقد بيّن العلماء الغلو في الدين. ومنذلك ما قاله النووي: “الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا” وقال ابن حجر: هوالمبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد” لذا ليكن القول: إن الغلو تجاوز ماأمر الله تعالى من جهة التشديد.

حكم التطرف والغلو في الإسلام:

لقد ذمت الشريعة التطرف والغلو في الدين. فقال الله تعالى: “قل يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق) (المائدة:77) يقول ابن كثير رحمه الله “ينهي تعالى أهلالكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزا الحد في عيسى حتىرفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها” (تفسير ابن كثير 1/589.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هلك المتنطعون”  قالها ثلاثا (شرح النوويعلى صحيح مسلم 16/220) قال النووي: أي المتعمقون ــ الغالون، المتجاوزون الحدود فيأقوالهم وأفعالهم (اعلام الموقعين، 4/150) قال ابن مسعود: “إياكم والبدع وإياكموالتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق” (اعانة الطالبين 1/131).

قال ابن حجر: وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل علىالنفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة. (فتحالباري 12/301).

وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: “إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فيالدين” (رواه الإمام أحمد 1/215، 247).

قال ابن القيم رحمه الله: “ما أمره الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان إما إلىتفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. فكماأن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزالحد (مدارج السالكين 2/496)

ففي هذه النصوص من النهي الصريح عن الغلو واتباع سبيل أهله ما يكفي المسلم فيالابتعاد عنه والتحذير من أهله.

أسباب ومظاهر التطرف الديني والفكري:

من أهم أسباب التطرف الديني هو سوء الفهم عن الدين والتعصب للرأي وعدم الاعترافبالرأي الآخر وخاصة في الأمور الاجتهادية، فبسبب سوء الفهم والتعصب للرأي يجعلالمتطرف الأمور الاجتهادية أمورا مقطوعة ليس فيها إلا قولا واحدا وهو قولهورأيه.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي: “إن أولى دلائل التطرف هي التعصب للرأي تعصبا لايعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحةلمصالح الخلق… والعجيب أن من هؤلاء من يجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل وأغمضالقضايا ويفتي فيها بما يلوح له من رأي. وافق فيه أو خالف، ولكنه لا يجيز لعلماءالعصر المتخصصين، منفردين أو مجتمعين أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه”.

(القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجهود والتطرف الفصل الأول، مظاهرالتطرف).

إن التعصب مرض خطير نهى عنه الإسلام نهيا شديدا سواء أكان هذا التعصب في مجالالاعتقاد أو في مجال التحيز لفئة على حساب أخرى أو في مجال التعصب لرأي النفس أوالمذهب.

هذا التعصب للرأي وسوء الفهم عن الدين يظهر في اشكال وصور عديدة.  ونذكر هنا أهمهذه المظاهر في المجتمعات المسلمة وخاصة في المجتمع الباكستاني.

أولا: الفكر التكفيري

من أخطر آثار الغلو والتطرف انتشار الفكر التكفيري في المجتمعات المسلمة أنأصحاب هذا الفكر يسرفون في تضليل الناس وتكفيرهم ويستبيحون دمائهم وأموالهم. هؤلاءيقتلون المسلمين الأبرياء لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي ويتوعدون كل من خالفهم فيالدين بالإبادة.

ومن هؤلاء من يكفر الحكومات والأنظمة التي تحكم بالقوانين الوضعية ويحكمونبارتداء جميع العاملين في قطاعات القضاء والبرلمان والإدارات الحكومية والجيشوالشرطة الذي يبرّر سفك دمائهم ويعتبر هؤلاء الرجوع إلى المحاكم تحاكما إلىالطاغوت.

وغني عن البيان أن دولة باكستان بنيت على اسم الإسلام التي اتخذت الإسلام منهجاودستورا لها، وقد تم أسلمة القوانين في عهود مختلفة من الحكم الباكستاني وتمتمراجعة عدة قوانين وضعية وحذف منها ما كان مخالفا للشريعة فلا يمكن وصف مراجعةالمواطنين الباكستانيين للمحاكم الباكستانية بانه التحاكم إلى الطاغوت ويكفر المسلمبالرجوع إلى هذه المحاكم.

من الواضح أن هذه الفتاوى تمثل تطرفا واضحا في الفكر والمنهج تناقضها نصوص الشرعالصريحة ومنهج أهل السنة والجماعة

ومما يجدر التنويه به أن التكفير مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لديناعددا من النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير عن التكفير ومنها على سبيلالمثال:

عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قالالرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما

وعن أبى ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دعا رجلا بالكفر أوقال عَدُوَّا الله وليس كذلك إلا حارَ عليه”.

وعن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قالك لعن المؤمن كقتله، ومن رمىمؤمنا بكفر فهو كقتله”.

هذه النصوص صريحة في التحذير من تكفير المسلمين. ومن الأصول العقدية التي دلتعليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأجمعت عليها الأمة عدم تكفير مرتكب المعصيةالتي دون الشرك بالله ما لم يستحلها، أو يدل دليل قاطع على كفر مرتكبها، وأنه ليسكل من فعل الكفر أو قاله يكون كافرا، لأنه قد يكون جاهلا أو متأولا أو مكرها أومخطأ.

ومما يلاحظ أن الخوارج هم أول من أظهر التكفير في الأمة، فكفروا المسلم بالذنوبواستحلوا دمه وماله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولهذا يجب الاحتراز منتكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه اول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر اهلهاالمسلمين واستحلوا دمائهم وأموالهم” (انظر: مجموع الفتاوى 13/91).

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله،ولا نقول لا يضر مع الإمام ذنب لمن عمله (شرح العقيدة الطحاوية، ص55).

ثانيا: اتهام جهود الإصلاح عن طريق السياسة بالكفروالزندقة:

إن اتهاد جهود الإصلاح عن طريق الإسهام في الفعاليات السياسية المختلفة فهممجانب للوسطية الإسلامية، وحقيقة هذا الدين، ومن هذا القبيل قولهم إن الديمقراطيةوالمشاركة في فعاليات النظام الديمقراطي كفر، وهذا الامر قد تكلم فيه الشيخالقرضاوي حيث بين أن الديمقراطية ليس مناقضا وضدا للإسلام بل الديمقراطية تصنف ضدالاستبداد وأن أهم مبادئ الديمقراطية هو حق الشعب في انتخاب القيادة السياسية، وفيمحاسبة المسؤولين وعزلهم، وإعادة دور المؤسسات المدنية في الضغط على السلطةالسياسية لتكون متوافقة مع تطلعات الشعب وتوجهاته، والذي لا يجوز في ذلك هو الاتفاقعلى تشريع الأحكام المخالفة لشرع الله عز وجل، وهذا ما لا يقول به مسلم، ولكن ماوراء ذلك فإن الشعوب الإسلامية بحاجة إلى الخروج من حلقات الاستبداد السياسي الذيهو من اهم أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية.

إن المشاركة السياسية لأجل التغيير نحو الأحسن في مجالات الحياة المختلفة قدتغيب عن العقلية المتدينة المتشددة التي ابتعدت عن الفهم الوسطى للدين الإسلامي،فاتخذت العنف وسيلة لكل تغيير في المجتمع، بينما آليات المشاركة السياسية سواء أكانفي مجال المجالس التشريعية والنيابية أو مؤسسات المجتمع المدني يكون اكثر تأثيرا فيواقع الشأن الباكستاني من القيام باعمال العنف، حيث إن العمل من خلال المؤسساتالسياسية والتشريعية القائمة لاجل التغيير والقيام بالإصلاحات يكون أكثر عمليا ولايسبب أضرار على مستقبل البلد ولا يهدد أمن البلد واستقراره.

ثالثا: التعامل مع غير المسلمين:

إن الإسلام لا يكره أحدا على الاعتناق بدين الإسلام (لا إكراه في الدين) كما أنالرأي الغالب في الفقه الإسلامي كما بينه الدكتور وهبة الزحيلي أن القتال فيالإسلام له ثلاثة اسباب (دفع الاعتداء، نصرة المظلوم، وتأمين حرية العقيدة) والإسلام قد ركز على التعايش السلمي بين الأديان، وصحيفة المدينة المنورة (بينالمسلمين واليهود) هو خير دليل على ذلك بينما بعض الجهلة بحقيقة الدين الإسلامييشيع في الأوساط المتدينين أن مجرد الكفر هو سبب كاف لاستباحة الدماء وهذا جهلبالدين يناقضه صريح الآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية والخبرة العمليةللتاريخ الإسلامي.

ومما يجب التنويه به أن الإسلام لا يمانع من بر غير المسلمين ما داموا مسالمينفقال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركمأن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.

رابعا: سوء الفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إن عدم فهم حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدى إلى إشكالات كبيرة فيساحة العمل الإسلامي في باكستان، حيث إن فئة من الذين يسعون إلى تغيير المنكرات فيالمجتمع عمدوا إلى استخدام القوة في تغيير المنكر، فقاموا باستخدام العنف من قبيلالتدمير والإحراق للمباني وقتل الأفراد واختطافهم، وظنت هذه الفئة ان الجماعاتالإسلامية لها الحق في إقامة الحدود واخذ الناس بالقوة على الأحكام الشرعية، ويوجدلها من الصلاحيات الشرعية التي توجد للدولة الإسلامية، فلها أن تعاقب المجرمين،ولها أن يقوم بإقفال أو حرق الأماكن التجارية التي يتم الاستفادة منها في نشاطمشبوه أو غير شرعي، ومن هذا القبيل كسر أماكن بيع اشرطة الكاسيت التي بها اغانيوافلام، أو كسر المسجلات في السوق أو كسر المسجلات في السيارات التي تقوم بتشغيلالأغاني في سياراتهم أو يشاهدون الافلام في تلك السيارات. وهذا الفهم عن الأمربالمعروف والنهي عن المنكر كان من أهم أسباب الحادثة المؤلمة التي حدثت في لال مسجدفي مدينة إسلام آباد في عام 2007م.

خامسا: الموقف تجاه مشاركة المرأة:

إن بعض المتدينين يقفون حجر عثرة في وجه مشاركة المرأة في بناء المجتمع، مع أنالله عز وجل خلق الإنسان ذكرا وأنثى في هذه الحياة الدنيا لعبادته وهي حركة الإنسانوفق شرع الله في تذكية النفس، وتنظيم المجتمع، وعمارة الأرضن، وإن تعطيل القدراتوالطاقات عن تحقيق ذلك المقاصد عمل مخالف لشرع الله عز وجل، كما أن المرأة هي نصفالمجتمع وإن فاعليتها وقيامها بوظائفها المجتمعية تجعل المجتمع أكثر قدرة علىالشهود الحضاري والعيش على مستوى التحدي والتفوق في العطاء والتأثير في المجتمعاتالأخرى، كما أن قعودها عن وظائفها المجتمعية وبذل قدراتها وطاقاتها لتحقيق اهدافمجتمعية يكون سببا في ركود المجتمع وتخلفها عن ركب الحضارة والعطاء الإنساني،والأمة الإسلامية قد خسرت كثيرا في العصور المتأخرة عندما لم تفلح في الاستفادة منقدراتها البشرية بصورة مثلى لامنها القومي وشهودها الحضاري، وبالأخص إقعادها المرأةعن مسؤولياتها المجتمعية باسم الدين، ناسية في ذلك الوظائف المجتمعية التي لا يمكنالقيام بها بوجه أمثل إلا بعد المشاركة الفاعلة من الرجال والنساء على السواء. وإنالنظرة الدينية الضيقة حول المرأة والمطالبة بحبسها في البيت قد أضرت الصحوةالإسلامية المعاصرة وأضرت بمشروع الأمن القومي والاستفادة من الطاقات والقدرات.

إن غياب المرأة في العالم الإسلام عن تحمل مسؤولياتها المجتمعية بصورة مقبولة قدأعطى لأعداء الدين فرصة لاتهام الإسلام بهضم حقوق المرأة ومنعها من العمل، وحتى بعضالسذج من أبناء المسلمين وقعوا ضحية لهذه الفرية على الدين ونسبوا غياب المرأة عنميادين العمل الكثيرة إلى الدين حيث قد حرمت باسم التدين أو التقاليد عن كثير منالحقوق التي قد أعطاها الله عز وجل، وهذا قد جعل كثير من المسلمات تدبر إلى الدينوتنخرط في الحركات المناهضة للدين ظنا منهن أن الدين لم يعط لهن حقوقهن وأن الدينيمنعهن من العمل والعطاء للمجتمع وظنا منهن أن الدين يخالف تنمية قدراتهن وطاقاتهن،ولكن الحقيقة عكس ذلك إذا رجعنا للعصور الإسلامية الزاهرة في عهد النبي صلى اللهعليه وسلم، وقد ذكرنا مشاركة المرأة الفاعلة في قضايا المجتمع ووعي المراة وكفاءتهافي التعامل مع قضايا الإصلاح والبناء، وحرمان المرأة عن التفاعل مع قضايا المجتمعوإبعادها وإقعادها عن المشاركة العملية في قضايا البناء والإصلاح للمجتمع إن هي إلارواسب عصور التخلف والجمود والتقليد، ولا بد من تجاوزها.

ولذلك فإن تفعيل دور المرأة في العمل المجتمعي بجوار عدم غيابها عن عملهاووظيفتها التربوية في البيت يعتبر من الضرورات الاستراتيجية للدعوة الإسلامية فيالعصر الحاضر حتى تقدم ردا عمليا على تلك الشبه والمزاعم الكاذبة التي نسبتللدين.

إن تكليف المرأة بالعمل تدخل في عموم التكاليف الشرعية التي تشمل مجالات الحياةالمتعددة، إلا إذا نُص على تخصيصها، وإن الامتثال لهذه التكاليف بسعتها وشمولهايقتضى التفاعل مع كل قضايا المجتمع والمشاركة في معالجتها رجالا ونساء، وهو الأمرالذي لا بد وأن تسبقه تهيئة البيئة التاهيلية لتكوين الوعي والقدرة على تحليلالواقع وفهم أبعاده.

وإن العمل المطلوب للنهوض والرقى مسؤولية الرجال والنساء على السواء مع مراعاةالفوارق بين الرجال والنساء في طبيعة الأعمال التي يمكن أن يقوموا بها ومع مراعاةالأهلية الوظيفية لكل من الرجل والمرأة، فقد تكون المرأة أكثر أهلية لوظيفة معينةمن الرجل في ذلك المجال.

إن مبررات التأكيد على عمل المرأة والاستفادة من قدراتها تتجاوز حدود الضروراتالأسرية لتحسين الوضع المعيشي بل ولا بد أن يكون الأساس والمعيار هو حاجة الأمة وسدثغراتها بالاستفادة من الطاقات والقدرات الموجودة في شرائح المجتمع رجالا ونساء،بغض النظر عن حاجة الأسرة للمكسب المالي.

التطرف الفكري وأثره على على التنمية:

إن تفاقم أعمال العنف في المجتمع المسلم وخاصة في باكستان قد ترك البصماتالسالبة على وحدة المجتمع وتنميته ونبين ذلك في النقاط التالية:

  1. الإزدياد في الإنفاق العسكري والأمني:     حيث إن الإنفاق الحكومي على القضاياالأمنية والعسكرية قد ارتفع إلى أضعاف ما كان عليه قبل تردي الأوضاع الامنية، وهذاالأمر قد أثّر في الاهتمام برعاية القطاعات الأخرى في المجتمع، حيث أن جل الميزانيةوجل التفكير في النخبة السياسية والتخطيطية قد انحصر في البحث عن الوسائل والأساليبللتصدي للأوضاع الأمنية وكيفية احتوائها.
  2. ارتفاع التضخم: إن واقع الأوضاع الأمنية المتمردية في باكستان قد أثر على ميزانالاقتصادي وتشير الإحصائيات أن معدل التضخم في فبراير من عام 2010م قد ارتفع فيباكستان إلى 16.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهذه تعتبر إشكالية بينهاوبين صندوق النقد الدولي الذي يطالب الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات لخفضالتضخم للحصول على مساعدات مالية، تساهم في تنمية الوطن.
  3. تعرض المصالح العامة للهجمات وتأثرها سلبا على تنمية البلد: حيث إن المصالحالحكومية والعامة التي أقيمت في الولايات الباكستانية المختلفة لخدمة المواطنين قدتعرضت للهجمات من قبل المسلحين وتم تدمير المباني والمصانع والمدارس… وهذا ما تركآثاره على التنمية، حيث إن ميزانية الدولة سوف يتم امتصاصها في إعادة الإعمار، بدلالتفكير في إمداد الخدمات لمجالات الحياة المختلفة، الأمر الذي يقعد باكستان عنتمثل دور تنموي موازي للحركة التنمية والاقتصادية في المنطقة، وبالتالي فإن باكستانسوف يعجز عن استيعاب وحل المشكلات التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب زيادة السكان،وقلة الدخل، وكثرة الأمراض، وضعف التعليمن وكثرة الوفيات في العناصر الشابة والمهمةتنمويا.
  4. تأثيره على التبادل التجاري وحركة المال: إن الحالة الأمنية المتردية ترك أثرهعلى التبادل التجاري حيث كثير من أصحاب المال قد نقلوا استثماراتهم للدول اكثرأمنا، وهذا الأمر كان وراء التضخم المالي الذي ارتفع خلال عام واحد لحوالي سبعة عشرفي المائة، ونتج عنه الغلاء في المعيشة والسكن والمواد الاستهلاكية.
  5. تعطل مشارع التنمية:  وهذا واضح، حيث أن معظم المال الآن يذهب إلى الجهودالحربي وقتال الخارجين على نظام الدولية، وهذا قد أدّى إلى استنزاف الثروات، وتعطلالانتاح، وتأخر التنمية.
  6. هجرة رؤوس الأموال:  حيث انه من المعلوم ان رأس المال جبان فحيث وجد الأمن،انجذبت إليه رؤوس الأموال، وحيث فقد الأمن، فقدت رؤوس الأموال، وهذا ما نال باكستانبنتيجة لهذه الأحداث، حيث هاجرت الكثير من رؤوس الأموال الضرورية للاستثمار والقيامبالمشاريع الكبرى التي توفر فرص العمل وتقوي اقتصاد البلد، نعم هاجرت إلى خارجباكستان إلى أماكن الأمن والاستقرار.

إن الغلو والتطرف لخطر عظيم على كيان الأمة الإسلامية. فقد وصف رسول الله صلىالله عليه وسلم آثارها بكلمة جامعة بليغة بقوله: “فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فيالدين” فهو هلاك في كل شيء على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات إنه هلاك للأنفسوالممتلكات والبلاد والعباد. لذا يجب معالجة التطرف والغلو بأساليب مختلفة، وفيمايلي نذكر بعض هذه الأساليب:

  1. محاربة الجهل وزيادة التفقه في الدين ونشر العلم الصحيح بين أفراد المجتمع خاصةفيما يتعلق بقضايا الولاء والبراء وتكفير المسلم، وحقوق ولي الأمر المسلم ومعادلةغير المسلمين ودور المرأة في الحياة الاجتماعية العامة وغيرها من القضايا المعاصرةويجب أن تتصدى مناهج التعليم في العالم الإسلامي لمشكلة التطرف بشكل علمي فيجب أنتتناول قضايا ومسائل مثل سماحة الإسلام ويسره ووسطيته وحقوق الولاة، وحقوق الوطنوحقوق المسلمين وحرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأحوالهم.

هذه بعض الأساليب والوسائل التي يمكن بها القضاء على التطرف والغلو، فنسأل اللهتعالى أن يسدد خطى الجميع على طريق الخير ويحفظ بلادنا وأوطان المسلمين من كل سوءوشر وفتنة إنه سميع مجيب.

بسم اللة الرحمن الرحيم

التطرف الديني الغلو ( الأرهاب )

إن بيان هذا التطرف وتحديد المراد به بعلم وبصيرة، هي الخطوة الأولى في طريق العلاج منه.
التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر:
1- إن أولى دلائل التطرف: هي التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا يفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم.
فهذا التعصب المقيت الذي يثبت المرء فيه نفسه، وينفي كل من عداه، هو الذي نراه من دلائل التطرف حقاً، فالمتطرف كأنما يقول لك: من حقي أن أتكلم.. ومن واجبك أن تسمع.. ومن حقي أن أقود.. ومن واجبك أن تتبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب.. وبهذا لا يمكن أن يلتقي بغيره أبداً، لأن اللقاء يمكن ويسهل في منتصف الطريق ووسطه، وهو لا يعرف الوسط ولا يعترف به، فهو مع الناس كالمشرق والمغرب، لا تقترب من أحدهما إلا بمقدار ما تبتعد من الآخر.
ويزداد الأمر خطورة حين يـُراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة، والعصا الغليظة هنا قد لا تكون من حديد ولا خشب، فهناك الاتهام بالابتداع أو الاستهتار بالدين، أو الكفر والمروق - والعياذ بالله - وهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفاً وتهديداً من الإرهاب الحسي.

:
2 - من مظاهر التطرف ولوازمه: سوء الظن بالآخرين، والنظر إليهم من خلال منظار أسود، يخفي حسناتهم، على حين يضخم سيئاتهم. الأصل عند المتطرف هو الاتهام.
وقد كان بعض السلف يقول: إنّي لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين ثم أقول: لعلّ له عذراً آخر لا أعرفه!
من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك - تبعاً لوجهة نظر عنده - اتهم في دينه بالمعصية أو الابتداع أو احتقار السنة، أو ما شاء لهم سوء الظن.

التطرف هو مجاوزة العدو الغلو في الدين، وهو التصلب فيه والتشدد حتى مجاوزة الحدفهو مجاوزة الاعتدال في الأمر

تعريف الغلو:

والكلمة أخرى ذات الصلة بالتطرف هي الغلو. لقد بيّن العلماء الغلو في الدين. ومنذلك ما قاله النووي: “الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا” وقال ابن حجر: هوالمبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد” لذا ليكن القول: إن الغلو تجاوز ماأمر الله تعالى من جهة التشديد.

حكم التطرف والغلو في الإسلام:

لقد ذمت الشريعة التطرف والغلو في الدين. فقال الله تعالى: “قل يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق) (المائدة:77) يقول ابن كثير رحمه الله “ينهي تعالى أهلالكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزا الحد في عيسى حتىرفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها” (تفسير ابن كثير 1/589.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هلك المتنطعون”  قالها ثلاثا (شرح النوويعلى صحيح مسلم 16/220) قال النووي: أي المتعمقون ــ الغالون، المتجاوزون الحدود فيأقوالهم وأفعالهم (اعلام الموقعين، 4/150) قال ابن مسعود: “إياكم والبدع وإياكموالتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق” (اعانة الطالبين 1/131).

قال ابن حجر: وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل علىالنفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة. (فتحالباري 12/301).

وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: “إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فيالدين” (رواه الإمام أحمد 1/215، 247).

قال ابن القيم رحمه الله: “ما أمره الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان إما إلىتفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. فكماأن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزالحد (مدارج السالكين 2/496)

ففي هذه النصوص من النهي الصريح عن الغلو واتباع سبيل أهله ما يكفي المسلم فيالابتعاد عنه والتحذير من أهله.

أسباب ومظاهر التطرف الديني والفكري:

من أهم أسباب التطرف الديني هو سوء الفهم عن الدين والتعصب للرأي وعدم الاعترافبالرأي الآخر وخاصة في الأمور الاجتهادية، فبسبب سوء الفهم والتعصب للرأي يجعلالمتطرف الأمور الاجتهادية أمورا مقطوعة ليس فيها إلا قولا واحدا وهو قولهورأيه.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي: “إن أولى دلائل التطرف هي التعصب للرأي تعصبا لايعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحةلمصالح الخلق… والعجيب أن من هؤلاء من يجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل وأغمضالقضايا ويفتي فيها بما يلوح له من رأي. وافق فيه أو خالف، ولكنه لا يجيز لعلماءالعصر المتخصصين، منفردين أو مجتمعين أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه”.

(القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجهود والتطرف الفصل الأول، مظاهرالتطرف).

إن التعصب مرض خطير نهى عنه الإسلام نهيا شديدا سواء أكان هذا التعصب في مجالالاعتقاد أو في مجال التحيز لفئة على حساب أخرى أو في مجال التعصب لرأي النفس أوالمذهب.

هذا التعصب للرأي وسوء الفهم عن الدين يظهر في اشكال وصور عديدة.  ونذكر هنا أهمهذه المظاهر في المجتمعات المسلمة وخاصة في المجتمع الباكستاني.

أولا: الفكر التكفيري

من أخطر آثار الغلو والتطرف انتشار الفكر التكفيري في المجتمعات المسلمة أنأصحاب هذا الفكر يسرفون في تضليل الناس وتكفيرهم ويستبيحون دمائهم وأموالهم. هؤلاءيقتلون المسلمين الأبرياء لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي ويتوعدون كل من خالفهم فيالدين بالإبادة.

ومن هؤلاء من يكفر الحكومات والأنظمة التي تحكم بالقوانين الوضعية ويحكمونبارتداء جميع العاملين في قطاعات القضاء والبرلمان والإدارات الحكومية والجيشوالشرطة الذي يبرّر سفك دمائهم ويعتبر هؤلاء الرجوع إلى المحاكم تحاكما إلىالطاغوت.

وغني عن البيان أن دولة باكستان بنيت على اسم الإسلام التي اتخذت الإسلام منهجاودستورا لها، وقد تم أسلمة القوانين في عهود مختلفة من الحكم الباكستاني وتمتمراجعة عدة قوانين وضعية وحذف منها ما كان مخالفا للشريعة فلا يمكن وصف مراجعةالمواطنين الباكستانيين للمحاكم الباكستانية بانه التحاكم إلى الطاغوت ويكفر المسلمبالرجوع إلى هذه المحاكم.

من الواضح أن هذه الفتاوى تمثل تطرفا واضحا في الفكر والمنهج تناقضها نصوص الشرعالصريحة ومنهج أهل السنة والجماعة

ومما يجدر التنويه به أن التكفير مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لديناعددا من النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير عن التكفير ومنها على سبيلالمثال:

عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قالالرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما

وعن أبى ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دعا رجلا بالكفر أوقال عَدُوَّا الله وليس كذلك إلا حارَ عليه”.

وعن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قالك لعن المؤمن كقتله، ومن رمىمؤمنا بكفر فهو كقتله”.

هذه النصوص صريحة في التحذير من تكفير المسلمين. ومن الأصول العقدية التي دلتعليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأجمعت عليها الأمة عدم تكفير مرتكب المعصيةالتي دون الشرك بالله ما لم يستحلها، أو يدل دليل قاطع على كفر مرتكبها، وأنه ليسكل من فعل الكفر أو قاله يكون كافرا، لأنه قد يكون جاهلا أو متأولا أو مكرها أومخطأ.

ومما يلاحظ أن الخوارج هم أول من أظهر التكفير في الأمة، فكفروا المسلم بالذنوبواستحلوا دمه وماله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولهذا يجب الاحتراز منتكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه اول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر اهلهاالمسلمين واستحلوا دمائهم وأموالهم” (انظر: مجموع الفتاوى 13/91).

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله،ولا نقول لا يضر مع الإمام ذنب لمن عمله (شرح العقيدة الطحاوية، ص55).

ثانيا: اتهام جهود الإصلاح عن طريق السياسة بالكفروالزندقة:

إن اتهاد جهود الإصلاح عن طريق الإسهام في الفعاليات السياسية المختلفة فهممجانب للوسطية الإسلامية، وحقيقة هذا الدين، ومن هذا القبيل قولهم إن الديمقراطيةوالمشاركة في فعاليات النظام الديمقراطي كفر، وهذا الامر قد تكلم فيه الشيخالقرضاوي حيث بين أن الديمقراطية ليس مناقضا وضدا للإسلام بل الديمقراطية تصنف ضدالاستبداد وأن أهم مبادئ الديمقراطية هو حق الشعب في انتخاب القيادة السياسية، وفيمحاسبة المسؤولين وعزلهم، وإعادة دور المؤسسات المدنية في الضغط على السلطةالسياسية لتكون متوافقة مع تطلعات الشعب وتوجهاته، والذي لا يجوز في ذلك هو الاتفاقعلى تشريع الأحكام المخالفة لشرع الله عز وجل، وهذا ما لا يقول به مسلم، ولكن ماوراء ذلك فإن الشعوب الإسلامية بحاجة إلى الخروج من حلقات الاستبداد السياسي الذيهو من اهم أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية.

إن المشاركة السياسية لأجل التغيير نحو الأحسن في مجالات الحياة المختلفة قدتغيب عن العقلية المتدينة المتشددة التي ابتعدت عن الفهم الوسطى للدين الإسلامي،فاتخذت العنف وسيلة لكل تغيير في المجتمع، بينما آليات المشاركة السياسية سواء أكانفي مجال المجالس التشريعية والنيابية أو مؤسسات المجتمع المدني يكون اكثر تأثيرا فيواقع الشأن الباكستاني من القيام باعمال العنف، حيث إن العمل من خلال المؤسساتالسياسية والتشريعية القائمة لاجل التغيير والقيام بالإصلاحات يكون أكثر عمليا ولايسبب أضرار على مستقبل البلد ولا يهدد أمن البلد واستقراره.

ثالثا: التعامل مع غير المسلمين:

إن الإسلام لا يكره أحدا على الاعتناق بدين الإسلام (لا إكراه في الدين) كما أنالرأي الغالب في الفقه الإسلامي كما بينه الدكتور وهبة الزحيلي أن القتال فيالإسلام له ثلاثة اسباب (دفع الاعتداء، نصرة المظلوم، وتأمين حرية العقيدة) والإسلام قد ركز على التعايش السلمي بين الأديان، وصحيفة المدينة المنورة (بينالمسلمين واليهود) هو خير دليل على ذلك بينما بعض الجهلة بحقيقة الدين الإسلامييشيع في الأوساط المتدينين أن مجرد الكفر هو سبب كاف لاستباحة الدماء وهذا جهلبالدين يناقضه صريح الآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية والخبرة العمليةللتاريخ الإسلامي.

ومما يجب التنويه به أن الإسلام لا يمانع من بر غير المسلمين ما داموا مسالمينفقال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركمأن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.

رابعا: سوء الفهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إن عدم فهم حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدى إلى إشكالات كبيرة فيساحة العمل الإسلامي في باكستان، حيث إن فئة من الذين يسعون إلى تغيير المنكرات فيالمجتمع عمدوا إلى استخدام القوة في تغيير المنكر، فقاموا باستخدام العنف من قبيلالتدمير والإحراق للمباني وقتل الأفراد واختطافهم، وظنت هذه الفئة ان الجماعاتالإسلامية لها الحق في إقامة الحدود واخذ الناس بالقوة على الأحكام الشرعية، ويوجدلها من الصلاحيات الشرعية التي توجد للدولة الإسلامية، فلها أن تعاقب المجرمين،ولها أن يقوم بإقفال أو حرق الأماكن التجارية التي يتم الاستفادة منها في نشاطمشبوه أو غير شرعي، ومن هذا القبيل كسر أماكن بيع اشرطة الكاسيت التي بها اغانيوافلام، أو كسر المسجلات في السوق أو كسر المسجلات في السيارات التي تقوم بتشغيلالأغاني في سياراتهم أو يشاهدون الافلام في تلك السيارات. وهذا الفهم عن الأمربالمعروف والنهي عن المنكر كان من أهم أسباب الحادثة المؤلمة التي حدثت في لال مسجدفي مدينة إسلام آباد في عام 2007م.

خامسا: الموقف تجاه مشاركة المرأة:

إن بعض المتدينين يقفون حجر عثرة في وجه مشاركة المرأة في بناء المجتمع، مع أنالله عز وجل خلق الإنسان ذكرا وأنثى في هذه الحياة الدنيا لعبادته وهي حركة الإنسانوفق شرع الله في تذكية النفس، وتنظيم المجتمع، وعمارة الأرضن، وإن تعطيل القدراتوالطاقات عن تحقيق ذلك المقاصد عمل مخالف لشرع الله عز وجل، كما أن المرأة هي نصفالمجتمع وإن فاعليتها وقيامها بوظائفها المجتمعية تجعل المجتمع أكثر قدرة علىالشهود الحضاري والعيش على مستوى التحدي والتفوق في العطاء والتأثير في المجتمعاتالأخرى، كما أن قعودها عن وظائفها المجتمعية وبذل قدراتها وطاقاتها لتحقيق اهدافمجتمعية يكون سببا في ركود المجتمع وتخلفها عن ركب الحضارة والعطاء الإنساني،والأمة الإسلامية قد خسرت كثيرا في العصور المتأخرة عندما لم تفلح في الاستفادة منقدراتها البشرية بصورة مثلى لامنها القومي وشهودها الحضاري، وبالأخص إقعادها المرأةعن مسؤولياتها المجتمعية باسم الدين، ناسية في ذلك الوظائف المجتمعية التي لا يمكنالقيام بها بوجه أمثل إلا بعد المشاركة الفاعلة من الرجال والنساء على السواء. وإنالنظرة الدينية الضيقة حول المرأة والمطالبة بحبسها في البيت قد أضرت الصحوةالإسلامية المعاصرة وأضرت بمشروع الأمن القومي والاستفادة من الطاقات والقدرات.

إن غياب المرأة في العالم الإسلام عن تحمل مسؤولياتها المجتمعية بصورة مقبولة قدأعطى لأعداء الدين فرصة لاتهام الإسلام بهضم حقوق المرأة ومنعها من العمل، وحتى بعضالسذج من أبناء المسلمين وقعوا ضحية لهذه الفرية على الدين ونسبوا غياب المرأة عنميادين العمل الكثيرة إلى الدين حيث قد حرمت باسم التدين أو التقاليد عن كثير منالحقوق التي قد أعطاها الله عز وجل، وهذا قد جعل كثير من المسلمات تدبر إلى الدينوتنخرط في الحركات المناهضة للدين ظنا منهن أن الدين لم يعط لهن حقوقهن وأن الدينيمنعهن من العمل والعطاء للمجتمع وظنا منهن أن الدين يخالف تنمية قدراتهن وطاقاتهن،ولكن الحقيقة عكس ذلك إذا رجعنا للعصور الإسلامية الزاهرة في عهد النبي صلى اللهعليه وسلم، وقد ذكرنا مشاركة المرأة الفاعلة في قضايا المجتمع ووعي المراة وكفاءتهافي التعامل مع قضايا الإصلاح والبناء، وحرمان المرأة عن التفاعل مع قضايا المجتمعوإبعادها وإقعادها عن المشاركة العملية في قضايا البناء والإصلاح للمجتمع إن هي إلارواسب عصور التخلف والجمود والتقليد، ولا بد من تجاوزها.

ولذلك فإن تفعيل دور المرأة في العمل المجتمعي بجوار عدم غيابها عن عملهاووظيفتها التربوية في البيت يعتبر من الضرورات الاستراتيجية للدعوة الإسلامية فيالعصر الحاضر حتى تقدم ردا عمليا على تلك الشبه والمزاعم الكاذبة التي نسبتللدين.

إن تكليف المرأة بالعمل تدخل في عموم التكاليف الشرعية التي تشمل مجالات الحياةالمتعددة، إلا إذا نُص على تخصيصها، وإن الامتثال لهذه التكاليف بسعتها وشمولهايقتضى التفاعل مع كل قضايا المجتمع والمشاركة في معالجتها رجالا ونساء، وهو الأمرالذي لا بد وأن تسبقه تهيئة البيئة التاهيلية لتكوين الوعي والقدرة على تحليلالواقع وفهم أبعاده.

وإن العمل المطلوب للنهوض والرقى مسؤولية الرجال والنساء على السواء مع مراعاةالفوارق بين الرجال والنساء في طبيعة الأعمال التي يمكن أن يقوموا بها ومع مراعاةالأهلية الوظيفية لكل من الرجل والمرأة، فقد تكون المرأة أكثر أهلية لوظيفة معينةمن الرجل في ذلك المجال.

إن مبررات التأكيد على عمل المرأة والاستفادة من قدراتها تتجاوز حدود الضروراتالأسرية لتحسين الوضع المعيشي بل ولا بد أن يكون الأساس والمعيار هو حاجة الأمة وسدثغراتها بالاستفادة من الطاقات والقدرات الموجودة في شرائح المجتمع رجالا ونساء،بغض النظر عن حاجة الأسرة للمكسب المالي.

التطرف الفكري وأثره على على التنمية:

إن تفاقم أعمال العنف في المجتمع المسلم وخاصة في باكستان قد ترك البصماتالسالبة على وحدة المجتمع وتنميته ونبين ذلك في النقاط التالية:

  1. الإزدياد في الإنفاق العسكري والأمني:     حيث إن الإنفاق الحكومي على القضاياالأمنية والعسكرية قد ارتفع إلى أضعاف ما كان عليه قبل تردي الأوضاع الامنية، وهذاالأمر قد أثّر في الاهتمام برعاية القطاعات الأخرى في المجتمع، حيث أن جل الميزانيةوجل التفكير في النخبة السياسية والتخطيطية قد انحصر في البحث عن الوسائل والأساليبللتصدي للأوضاع الأمنية وكيفية احتوائها.
  2. ارتفاع التضخم: إن واقع الأوضاع الأمنية المتمردية في باكستان قد أثر على ميزانالاقتصادي وتشير الإحصائيات أن معدل التضخم في فبراير من عام 2010م قد ارتفع فيباكستان إلى 16.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهذه تعتبر إشكالية بينهاوبين صندوق النقد الدولي الذي يطالب الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات لخفضالتضخم للحصول على مساعدات مالية، تساهم في تنمية الوطن.
  3. تعرض المصالح العامة للهجمات وتأثرها سلبا على تنمية البلد: حيث إن المصالحالحكومية والعامة التي أقيمت في الولايات الباكستانية المختلفة لخدمة المواطنين قدتعرضت للهجمات من قبل المسلحين وتم تدمير المباني والمصانع والمدارس… وهذا ما تركآثاره على التنمية، حيث إن ميزانية الدولة سوف يتم امتصاصها في إعادة الإعمار، بدلالتفكير في إمداد الخدمات لمجالات الحياة المختلفة، الأمر الذي يقعد باكستان عنتمثل دور تنموي موازي للحركة التنمية والاقتصادية في المنطقة، وبالتالي فإن باكستانسوف يعجز عن استيعاب وحل المشكلات التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب زيادة السكان،وقلة الدخل، وكثرة الأمراض، وضعف التعليمن وكثرة الوفيات في العناصر الشابة والمهمةتنمويا.
  4. تأثيره على التبادل التجاري وحركة المال: إن الحالة الأمنية المتردية ترك أثرهعلى التبادل التجاري حيث كثير من أصحاب المال قد نقلوا استثماراتهم للدول اكثرأمنا، وهذا الأمر كان وراء التضخم المالي الذي ارتفع خلال عام واحد لحوالي سبعة عشرفي المائة، ونتج عنه الغلاء في المعيشة والسكن والمواد الاستهلاكية.
  5. تعطل مشارع التنمية:  وهذا واضح، حيث أن معظم المال الآن يذهب إلى الجهودالحربي وقتال الخارجين على نظام الدولية، وهذا قد أدّى إلى استنزاف الثروات، وتعطلالانتاح، وتأخر التنمية.
  6. هجرة رؤوس الأموال:  حيث انه من المعلوم ان رأس المال جبان فحيث وجد الأمن،انجذبت إليه رؤوس الأموال، وحيث فقد الأمن، فقدت رؤوس الأموال، وهذا ما نال باكستانبنتيجة لهذه الأحداث، حيث هاجرت الكثير من رؤوس الأموال الضرورية للاستثمار والقيامبالمشاريع الكبرى التي توفر فرص العمل وتقوي اقتصاد البلد، نعم هاجرت إلى خارجباكستان إلى أماكن الأمن والاستقرار.

إن الغلو والتطرف لخطر عظيم على كيان الأمة الإسلامية. فقد وصف رسول الله صلىالله عليه وسلم آثارها بكلمة جامعة بليغة بقوله: “فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فيالدين” فهو هلاك في كل شيء على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات إنه هلاك للأنفسوالممتلكات والبلاد والعباد. لذا يجب معالجة التطرف والغلو بأساليب مختلفة، وفيمايلي نذكر بعض هذه الأساليب:

  1. محاربة الجهل وزيادة التفقه في الدين ونشر العلم الصحيح بين أفراد المجتمع خاصةفيما يتعلق بقضايا الولاء والبراء وتكفير المسلم، وحقوق ولي الأمر المسلم ومعادلةغير المسلمين ودور المرأة في الحياة الاجتماعية العامة وغيرها من القضايا المعاصرةويجب أن تتصدى مناهج التعليم في العالم الإسلامي لمشكلة التطرف بشكل علمي فيجب أنتتناول قضايا ومسائل مثل سماحة الإسلام ويسره ووسطيته وحقوق الولاة، وحقوق الوطنوحقوق المسلمين وحرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأحوالهم.

هذه بعض الأساليب والوسائل التي يمكن بها القضاء على التطرف والغلو، فنسأل اللهتعالى أن يسدد خطى الجميع على طريق الخير ويحفظ بلادنا وأوطان المسلمين من كل سوءوشر وفتنة إنه سميع مجيب.

المصدر: http://vorakof1900.tigblog.org/archive/06_2010

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك