كي يكون النقد بناء ومثمراً ومفيداً

كي يكون النقد بناء ومثمراً ومفيداً

 

الكاتب: جمال زواري أحمد

 

 

يقول الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله :(إذا لزم النّقد فلا يكون الباعث عليه الحقد ، ولكن موجّه إلى الآراء بالتمحيص ، لا إلى الأشخاص بالتنقيص). إنّ النقد البنّاء والمراجعة المخلصة للأفكار والمواقف والأعمال والممارسات ، سواء داخل الدائرة أو خارجها ، نعتقد أنّه مؤشّر صحة ودليل خلود وعامل من عوامل الاستمرارية ، لأنّ التأسيس لمنهج نقدي سليم ، وامتلاك عقل نقدي قوامه غربلة الأفكار وتمحيصها وترشيد الممارسة وتوجيهها وتقويم الآراء وتصويبها ، من شأنه أن يقي العثار وينفي الخبث ويقوّم الاعوجاج ويصحّح الأخطاء ويمتّن البناء ويوسّع دائرة الشورى ، وإبداء الآراء،واقتراحا لحلول ، بشرط أن تتوفّر فيه صفة البناء لا الهدم حتى يؤتي أكله وتجنى ثماره.

ولقد حدّد الإمام الإبراهيمي رحمه الله شرطين أثنين كي يكون النقد بناء ومثمرا ومفيدا:

أولهما: أن لا يكون الباعث عليه الحقد :

لأنّ القلب إذا أظلم وضاق وامتلأ غيظا وكمدا وحقدا وحسدا ، غبشت مرآته، وطمست بصيرته ، فتنقلب موازينه، وتتشوّه الصورة لديه ، فيصبح صاحبه يخبط خبط عشواء ، فيطلق العنان للسانه ، يحسب أنه ناقد بصير ، وهو في حقيقته حاقد كبير ، يترصّد الأخطاء وإن قلّت فيضخّمها ويجعل من الحبّة قبّة ، ويدفن الحسنات والإنجازات والنجاحات ويغيّبها ،وقد نبّه الشيخ الغزالي رحمه الله إلى دوافع هذا السلوك بقوله:( وكثير ما تطيش الخصومة بألباب ذويها ، فتتدلّى بها إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمروءة ، والكبائر الموجبة للّعنة ، وعين السخط تنظر من زاوية داكنة ، فهي تعمى عن الفضائل ، وتضخم الرذائل ، وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب ، وذلك كلّه ممّا يسخطه الإسلام ويحاذر وقوعه ، ويرى منعه أفضل القربات ... فصاحب الصدر السليم يأسى لألآم العباد ، ويشتهي لهم العافية ، أما التلهّي بسرد الفضائح ، وكشف الستور ، وإبداء العورات ، فليس مسلك المسلم الحق).

ـ ثانيهما:أن يكون موجّها للآراء بالتمحيص لا إلى الأشخاص بالتنقيص :

أي أن تكون وجهة النقد واللناقد الذي يريد البناء والتغيير نحو الأفضل ، الآراء فحصا وغربلة وتأصيلا وتصويبا وتصحيحا وتنبيها ، لا الأشخاص أصحاب هذه الآراء تجريحا وتنقيصا واتهاما وتشهيرا ومحاكمة لنواياهم وبخسهم أشيائهم ،بحيث من الواجب أن تكون الأعراض خط أحمر مهما كانت المبرّرات والدوافع للنقد، لأنّ الولوغ فيها حالقة للدين والإيمان ، ومحصدة للحسنات ، ومهتكة لجميل ستر الله على العبد ، كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الربا إثنان وسبعون بابا ، أدناها مثل إتيان الرجل امّه ، وإن أربى الربا إستطالة الرجل في عرض أخيه) (السلسلة الصحيحة)، والقاعدة المتعارف عليها في ساحتنا :(عدم تجريح الأشخاص والهيئات) .

مع ضرورة استحضار العدل والإنصاف كقاعدة أساسية وضابط مهم في التعامل النقدي مع الأفكار والآراء أشار إليها وأكّد عليها الإمام ألشاطبي رحمه الله في سفره العظيم (الموافقات):(ألبس التقوى شعارا ، والاتصاف بالإنصاف دثارا ، واجعل طلب الحق لك نحلة والاعتراف به لأهله ملّة ، لا تملك قلبك عوارض الأغراض، ولا تغيّر جوهرة قصدك طوارق الأعراض).

لقد أعطانا الشيخ الإبراهيمي الميزان الدقيق الذي نمّيز به بين النقد البنّاء والنقد الهدّام ، فإن كنت كثير النقد والانتقاد ـ وهذا حقّك ـ فأعرض نفسك على هذا الميزان ، وزن به ما يصدر منك وعنك لتتأكّد أهو مساهمة في الإثراء ، ولبنة في البناء ، ورغبة في الإصلاح ،وحرصا على التحسين والتطوير، أم هو انتصارا للنفس وانتقاما لها، وتبريرا للعجز ، وتغطية عن التقصير ، وتعبيرا عن هوى دفين وحقد مكنون لا غير عافانا الله وإيّاكم من كلّ ذلك .

المصدر: http://www.yanabeea.net/details.aspx?pageid=1766&lasttype=1

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك