حوار في مجلس الدعوة التضحية

حوار في مجلس الدعوة التضحية

 

د. علي العمري

 

لو سألنا كل داعية: كم عدد الساعات التي بذلتها في يومك للدعوة؟ كم إنساناً دعيت، وموعظة نصحت، وبرنامجاً قدمت، ومشاركة نصرت، وطلاباً درَّست، ومقالاً كتبت، ومركزاً أسست، ومالاً دفعت، وجيلاً أصلحت، وأبناءً ربيت، وفكراً أشعت، وكتاباً وزعت، وتلامذة درَّبت، وتقنية اخترعت، وسلوكاً صالحاً أظهرت، وعملاً خيرياً أديت، كم وكم وكم؟ لوجدت أن الأجوبة محزنة وأليمة عند الكثير!! هناك عشرات بل مئات المشاريع والأعمال والأفكار والرؤى التي يمكن أن يقدمها الدعاة إلى الله في كل مكان.

هناك حاجة ماسة للدعوة في الأوساط الشبابية والنسائية، بل وفي الجاليات، والدول المتعاطفة لرسالة الإسلام، ومجالات العمل الخاص كأرباب العمالة، وأصحاب المطاعم، وسائقي السيارات... إن هؤلاء كلهم لديهم أبناء، ولديهم علاقات يمكن أن تسهم في نصرة الحق والخير. وما زلت أذكر قصة هزتني من الداخل، ونبهتني من غفلة تطرأ عليَّ! في هذه القصة حكاية عامل في مطعم كثيراً ما كان يأتي إلى دارنا لجلب الطعام عند وجود الضيوف، ومع كثرة تكرار الزيارة، سألني: يا شيخ، أليس عندك شريط، أو كتيب، أو مصحف، فأنت رجل داعية، ويحضر في بيتك الدعاة؟! (يآااهـ) كم هي قصة مؤثرة! إن حياة الداعية في سلوكه الطيب وسمته الحسن، له أثر في محيط الناس.

إننا بحاجة أن نبذل قصارى ما نملك لنخرج الناس من الظلمات إلى النور، ونسعد بتوفيق الله ونصر الأمة. «التضحية أحد قوانين الحياة» عبارة تعلمتها وآمنت بها. إنه ليحزنني جداً أن أجد مجموعة من شباب الدعوة يجلسون الساعات تلو الساعات على الإنترنت، والماسنجر، ويتقابلون في المطاعم، ولكنهم لا يصبروا للجلوس في اللقاءات للدعوة، ولا يتحملوا مشقة السفر هنا وهناك للبلاغ، وتعريف الناس بالدين! ثم إنه ليحزنني أكثر ما يحزنني وأنا أقرأ في سير رجالات التاريخ العظام، وكيف فتحوا البلدان، ونصروا الدين، وقد تحملوا في سبيل الله ما تحملوا.

لقد سافرت من الدار البيضاء (المغرب) إلى مراكش لأشاهد آثار معركة الزلاّقة، التي كانت بقيادة القائد المسلم العظيم «يوسف بن تاشفين»، إنني وأنا أقرأ قصة المعركة، وأعيش من داخلي حجم المعاناة، في وقت لم تكن فيه وسائل التنقل والراحة موجودة، أحزن من داخلي كيف ضحوا وبذلوا، وكيف تقاعسنا، بل كيف نسينا تاريخنا! لقد استغرقت الرحلة لموقعة الزلاّقة عشر ساعات في وسائل مكيفة، بينما هم حملهم إيمانهم بالله، وتضحيتهم للأمة حتى صنعوا المجد، ووالله ثم والله لن تؤتي الدعوة ثمرتها إلا على يد رجال التضحية!!

 

المصدر: مجلة المجتمع  

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك