حقيقة الإرهاب وصلته بمناهج التعليم الشرعية
حقيقة الإرهاب وصلته بمناهج التعليم الشرعية
الدكتور/ عبد الله بن محمد العمرو
الثقافة الإسلامية/ كلية الشريعة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام وعلى رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فقد كثر الحديث اليوم عن الإرهاب من حيث مفهومه ، وأسبابه ، وسبل القضاء عليه .. ولا سيما وقد أخذ أشكالاً جديدة وأبعاداً خطيرة بتوظيفه لوسائل الفـتك والتدمـير ، واستغلاله السيئ لمنجزات العصر في المواصلات والاتصالات وغيرها، مما جعل الكثير يكتوي بناره ويتجرع مرارته .
ولعل الأهم والأخطر في هذا الموضوع يتمثل في أمرين :
أحدهما :- في مفهوم الإرهاب الذي لم يتفق على معنى محدد له عالمياً مما أوقع العالم في اضطراب في حقيقته ومن يصدق عليه ، وهيأ بالتالي لبعض القوى أن تحقق مصالحها من خلال مطية (( الإرهاب )) وفق تصورات تضعها لنفسها ولخدمة مصالحها الخاصة.
والآخر :- تلمس أسباب الإرهاب لدى فئات مختلفة وجعل مناهج التعليم الشرعية – الإسلامية – واحداً من هذه الأسباب .
ومن هذا المنطلق جاء هذا البحث محاولة لبيان حقيقة الإرهاب ، ومناقشة ربط الإرهاب بالمناهج التعليمية الشرعية .
ولهذا جعلته في مبحثين هما :
- المبحث الأول : مفهوم الإرهاب .
- المبحث الثاني : صلة الإرهاب بمناهج التعليم الشرعية .
- ثم الخاتمة وقائمة المراجع .
ولا شك أن هذا الموضوع بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة في هذه الجوانب وغيرها كأسباب الإرهاب وسبل الوقاية منه وغيرها . والله أسأل العون والتوفيق والتسديد .
المبحث الأول : مفهوم الإرهاب .
1- الإرهاب في اللغة :- أصله أرهب ، يرهب ، إرهاباً وترهيباً .
والثلاثي منه : رَهِب بالكسر كعَلِم رَهْبة ورُهْباً بالضم وبالفتح وبالتحريك : أي : خاف ، ورَهِب الشيء : خافه ، وأرهبه واستَرْهَبَه : أخافه والرهبة : الخوف والفزع .
قال ابن فارس :- (( رَهِبَ : الراء والهاء والباء أصلان : أحدهما يدل على خوف والآخر يدل على دقة وخِفَّة .
فالأول : الرَهْبة ، تقول : رهِبت الشيء رُهْباً ورَهْبة . ومن الباب :
الإرهاب : وهو قدع الإبل من الحوض وذيادُها.
والأصل الآخر : الرّهَب : الناقة المهزولة .. ))
فمعاني هذه الكلمة في اللغة تدور حول : الإخافة والترويع .
2- الإرهاب في الشرع :
جاء ذكر لفظة (( رَهِبَ ، وأَرْهَبَ )) واشتقاقاتمهما في القرآن في مواضع :-
- منها في قـوله تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} . قال ابن جرير : (( يقول تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين . وعن ابن عباس : تخزون به عدو الله وعدوكم ))
- ومنها في قوله تعالى : {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} . أي : يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله .
- ومنها في قـوله تعالى عن سحرة فرعون : {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} . أي : أخافوا الناس من العصي والحبال ظناً منهم أنها حيات .
- ومنها في قـوله تعالى مخاطباً بني إسرائيل : {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} فبعد أن ذكرهم نعمه وإحسانه ، أمرهم بامتثال أمره واجتناب نهيه خوفاً منه ، وخشية له .
- ومنها ما أخبر به سبحانه عن عباده الصالحين أنهم يدعونه ويتقربون إليه رجاءً لثوابه، وخوفاً من عقابه ، فقال سبحانه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} . قال القرطبي : (( أي يفزعون إلينا فيدعوننا في حال الرخاء وحال الشدة . وقيل : المعنى يدعون وقت تعبدهم وهم بحال رغبة ورجاء ، ورهبة وخوف )) .
مما تقدم يتبين لنا أن مادة (رهب) واشتقاقاتها جاء استخدامها في نصوص القرآن وفق معناها اللغوي الذي يعني الاخافة للغير أوالخوف منه لقوته ولمايخشى من بطشه أوعقوبته،وسواء وقع هذا الخوف من الله عزوجل ،أومن الخلق .وأن من التخويف مايكون بحق ومنه مايكون بالباطل .
- نماذج من التخويف والإرهاب في نصوص الشرع :
1- التخويف والإرهاب بحق :-
أ ) تخويف الله تعالى عباده ليعملوا بطاعته ويتباعدوا عن معصيته، كقوله تعالى : {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} .وقوله سبحانه : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} .
ب) إرهاب المؤمنين لأعدائهم كما قال تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} قال ابن سعدي : (( أي [ وأعدوا ] لأعدائكم من الكفار ، الساعين في هلاككم ، وإبطال دينكم [ ما استطعتم من قوة ] أي كل ما تقدرون عليه ، من القوة العقلية والبدنية ، [ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ] وهذه العلة موجودة فيها ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علته ، فإذا كان شيء موجود أكثر إرهاباً منها كالسيارات البرية والهوائية المعدة للقتال ، التي تكون النكاية فيها أشد كانت الأمة مأمورةً بالاستعداد بها والسعي في تحصيلها ، حتى إنه ًإذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة وجب ذلك لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب )) .
ج ) الإرهاب معاملة بالمثل :
فإذا اعتدى الأعداء بالتخويف والترويع أوبالقتل والتخريب والتدمير جاز مقابلة هذا الفعل بمثله كما قال تعالى : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وقال سبحانه : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فشرع سبحانه العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو .
د ) الترهيب بإقامة الحدود على من أتى موجباتها من الخلق :
من قتل وقطع وجلد ، ففي ذلك عقوبة ونكال بالمجرمين ، وزجر وتخويف لأصحاب النفوس الخبيثة من التسلط والإيذاء والإفساد . قال ابن القيم : (( من رحمة – الله تعالى – أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة ، فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام ، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر ، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع )) .
2- الإرهاب والتخويف بغير حق :
أ ) إرهاب أحد ابني آدم لأخيه ، المذكور في قوله تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} .
ب) إرهاب الأمم الكافرة لأنبيائهم ورسلهم ، كقول قوم نوح لنوح عليه السلام : {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} . وكما جرى من قوم إبراهيم عليه السلام :{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} . وقول قوم لوط للوط عليه السلام : {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} . وإرهاب قريش للنبي كما في قوله تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} . وتآمر يهود بني النضير على قتله .
ج ) الحرابة :
فالمحاربون هم الذين يعلنون الحرب على أمن الناس بما يفعلونه من نهب، وسلب، وقتل ، وإفساد في الأرض ، وترويع للآمنين ، سواء فعلوا ذلك في مصر أو برية على المختار من أقوال أهل العلم .
وقد بين الله تعالى عقوبتهم في قوله : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأًرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وهذه الآية أصل في بيان الإرهاب المذموم المتضمن الاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة بالتخريب والإفساد ، وتقرير لحكم الله تعالى في من فعل ذلك .
د ) الإرجاف :
وهو تخويف الناس وإرعابهم بالأعداء ، والأخبار الكاذبة المثيرة للفتن والاضطراب ، قال تعالى : {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} .
هـ) تخويف المسلم وترويعه :
فـعن أبي هريرة قال : قال رسـول الله : (( لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً)) . وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده عن النبي قال : (( لا يأخذ أحدكـم متاع صـاحبه لاعباً ولا جاداً ، وإن أخذ عصا صاحبه فليردها عليه )) . وفي رواية : (( لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعباً جادّاً )) .
قال أبو عبيد : يعني أن يأخذ متاعه لا يريد سرقته ، وإنما يريد إدخال الغيظ عليه ، فهو لاعبٌ في السرقة ، جاد في إدخال الأذى والروّع عليه .
وعن أبي هريرة قال : قال أبو القاسم : (( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه )) .
قال النووي : (( فيه تأكيد حرمة المسلم ، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرض له بما يؤذيه ، وقوله (( وإن كان أخاه لأبيه وأمه )) مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم ، سواء كان هذا هزلاً ولعباً أم لا لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ، ولأنه قد يسبقه السلاح ، كما صرح به في الرواية الأخرى ، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام )) .
تعريف الإرهاب وفق إطلاقاته في الشرع :
حيث تبين مما تقدم إطلاق الإرهاب في الشرع على مطلق التخويف ، وأن منه ما هو حق ومحمود ، ومنه ما هو محرم ومذموم ، فلا بد للوصول إلى تعريف دقيق له من مراعاة لتلك الإطلاقات وذلك بالتمييز بين نوعين من الإرهاب ؛ الإرهاب المأذون به في نصوص الشرع ، والإرهاب المحظور .
1- تعريف الإرهاب المأذون به في نصوص الشرع :
هو إخافة الأعداء الظالمين وردعهم ، وزجر المفسدين ومنعهم من الشر والإفساد .
- ويلاحظ أن الإرهاب والتخويف المشروع في الإسلام مصدره الدولة الإسلامية . ومقتضاه إعداد العدة والعتاد من أدوات القتال ، وأسلحته المختلفة بما يحصل به تخويف الأعداء وردعهم ، وتهيئة الأمة للجهاد .
ومن مقتضياته إقامة الحدود الشرعية لقمع المجرمين ، وردع أصحاب النفوس الخبيثة ممن يضمر الشر والفساد .
ومنه قتال البغاة ، ومن بدأ بالقتال ظلماً .
2- تعريف الإرهاب المحرم :
مماتقدم من أمثلة للتخويف والإيذاء بغيرحق يمكن تعريف الإرهاب المحرم بأنه : كل تخويف للناس أوإيذاء لهم – بغير حق – أوصدعن سبيل الله ،أواعتداء على الأموال العامة أو الخاصة بالإفساد .
- وهذا النوع من الإرهاب ،قد يقع من آحاد الناس أو جماعة منهم ، ومقتضاه إشاعة الذعر بين الناس ، أو القتل والتخريب والإفساد ، ومنه الحرابة.
وقد يكون مصدره الدولة إذا وقع التخويف والإيذاء على غير العصاة والمفسدين، أو كان تجاوزاً للحد في عقوبتهم وإيذائهم ، أو كان بغياً وعدواناً علىدولة أخرى مسلمة ، عبثاً بأمنها وتنكيلاً بأهلها .
_ومنه الصدعن سبيل الله ،والمنع من الإيمان به وبمحمد صلىالله عليه وسلم0 _ومنه الاعتداء – في الجهاد – على غير المقاتلين من النساء والصبيان ونحوهم ، قال شيخ الإسلام : (( وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء ، والصبيان ، والراهب والشيخ الكبير ، والأعمى والزمن ونحوهم ، فلا يقتل عند جمهور العلماء ، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله )) .
3- مفهوم الإرهاب في الفكر المعاصر :
بالرجوع للقواميس المهتمة بالمصطلحات المعاصرة نجد التعريفات الآتية للإرهاب:-
1- هو محاولة نشر الذعر والفزع لأغراض سياسية .
2- هو الممارسة المنهجية المنظمة للرعب .
3- كما يعرف الإرهاب بأنه : كل عمل منظم يستخدم العنف ويرتكبه أو يشجع على ارتكابه شخص أو جماعة أو دولة ، ويكون موجهاً ضد مدنيين أبرياء ، وضد أموال عامة أو خاصة .
4- وفي المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ، عرف الإرهاب بأنه – كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه ، أو أغراضه ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة ، أو اختلاسها أو الاستيلاء عليها ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .
- والجامع بين هذه التعريفات هوممارسة العنف أوالتهديد به ،وتختلف فيمابينهافيماعدا ذالك،بحيث يقصره بعضهم على ماكان لغرض سياسي كالأول ،أوالعمل المنظم كالثاني،أويتسع ليشمل من يقوم به ومن هوموجه ضده كالثالث والرابع .ويمكن أن نستخلص منها العناصر الأتية:
- نشر الرعب.
– استخدام العنف.
– التوجه به نحو الأمنين، أوالأموال العامة أو الخاصة.
ويلاحظ من هذه التعاريف ماطرأعلى هذا المصطلح (الإرهاب) من تغير في الاستعمال، حيث صاريخص بالأعمال العدوانية على الأفراد أوالمجتمعات،سواءكان تخويفاًوترويعاًفحسب،أومصحوباًبالعنف من قتل وتخريب وإفساد.
- الإطلاقات الحاضرة لدى الغربيين عن الإرهاب :
يتفق كثير من المفكرين والباحثين الغربيين على المفهوم العام للإرهاب وأنه استخدام العنف ضد مدنيين أبرياء ، أو ضد أموال عامة أو خاصة ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس .
وهو بهذا لا يرتبط بشعب معين ، أو دين معين .
- ولكنه يطلق اليوم في الغرب – وفي أمريكا بخاصة – على معان منها :-
1- أعمال العنف الصادرة من آحاد المسلمين أو جماعة منهم على أنفس الغربيين أو أموالهم ومصالحهم . أو على اليهود في فلسطين .
2- على الجهاد والأعمال الجهادية ، سواء كان جهاد دفع وهو السائد اليوم في الشعوب الإسلامية المحتلة والمضطهدة كما في فلسطين والشيشان وكشمير أو جهاد طلب – بوصفه حكماً شرعياً – ولو لم يكن له رصيد في الواقع لعدم أهلية المسلمين له اليوم من حيث العدة والاستعداد المادي والمعنوي .
3- الأفكار التي ترفض المبادئ والأسس التي تقوم عليها الحياة الغربية ، أو تقاوم الهيمنة الغربية، وتدعو إلى التمسك بالمبادئ الإسلامية وإقامة الحياة على أساسها .
وهذا المفهوم للإرهاب ينطلق من الخصوصية الغربية ،والمصالح الغربية،دون النظر إلى سائرالبشرية، بل ومن موقف خاص من الإسلام والمسلمين يتأسس على خلفية دينية ،ويستند إلى نظرية صدام الحضارات ، ممالايمكن للمسلمين أن يقبلوه أويعتمدوه،لأن في ذالك إضراراً بهم وتكريساً لهيمنة الآخر عليهم.
4- الإرهاب الذي يسوغ الاتفاق على محاربته :-
من خلال ما سبق يتضح أن الإرهاب له مفهومه وأقسامه عند المسلمين ، وله مفهومه ودلالاته عند غيرهم ، فكان لزاماً السعي إلى تحديد مفهوم لهذا المصطلح لا يتعارض مع نصوص الشريعة أو قواعدها العامة ، ويكون محل اتفاق مع غير المسلمين فيسوغ بذلك التعاون على محاربته والسعي إلى القضاء عليه .
المختار في تعريف الإرهاب :-
- هو الاعتداء المنظم من فرد أوجماعة أودولة على النفوس البشرية – بغير حق – بالترويع والإيذاء ، أو الأموال العامة أو الخاصة بالإفساد .
شرح التعريف وبيان محترزاته :-
- الاعتداء المنظم :- أي الظلم الذي يقع على صوره مرتبه و متسقة لتحقيق أهداف عامة سياسية أو اقتصادية .. ، وله بواعثه العقدية أو الفكرية .
- من فرد :- ينتمي إلى أيدلوجية أو حزب أو جماعة ، ويقصد بعمله تحقيق أهداف عامة سياسية أو اقتصادية .
- أو جماعة :- تستخدم العنف أو التهديد به للوصول إلى أغراضها .
- أو دولة :- تنشر الذعر والخوف أو تنهج وسائل العنف لبسط هيمنتها ونفوذها على أفراد مجتمعها أو على المجتمعات الأخرى .
- على النفوس البشرية :- أي على جنس الإنسان أياً كان دينه أو عرقه أو لونه .
- بغير حق :- أي بغير جُرم يسوغ الاعتداء أو الإيذاء ، والمعيار في ذلك هو نصوص الشريعة ، والعقل الصريح ، والفطرة السوية . على أن الأصل الأصيل هو حرمة النفوس والأموال وعصمتها سواء كانوا مسلمين أو مسالمين – من ذميين ومستأمنين ومعاهدين – إلا أن يأتوا بما يوجب معاقبتهم. فيخرج بهذا القيد الاعتداء ( الإرهاب ) بحق كالتخويف والإيذاء للدول المعتدية على غيرها بالترويع والقتل والتشريد والتخريب ، لأنه انتصار للنفس ، ومدافعة للظلم ، ودفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال .
- حكم الإرهاب:
الإرهاب بهذا المعنى محرم وممنوع منه شرعاً ، لأنه عدوان على الناس ، وسعي في الأرض بالفساد ، وقد قال تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} . وقال تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وقال تعالى : {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} . قال القرطبي : (( نهى سبحانه عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم على الصحيح من الأقوال )) .
أما عقوبة من قام بشيء من تلك الأعمال فتختلف ولكنها قد تصل إلى القتل إذا كان من أعمال الحرابة أو يفوقها في الشر والضرر . وقد صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1409هـ (قراررقم 148) بيان لعقوبة من قام بأعمال تخريبية جاء فيه : (( من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول ، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك ، فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد ، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله ، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة )) .
المبحث الثاني : صلة الإرهاب بمناهج التعليم الشرعية
درجت وسائل الإعلام الغربية اليوم – وهو ما ينادي به كثير من الكتاب الغربيين – على تصوير الالتزام بالدين ، والأخذ بتعاليمه على أنه مؤشر على التطرف، وطريق إلى شيوع الإرهاب . وهو ما تبناه بعض من يعادي الإسلام ،ويكيد لأهله، ويستغل الأحداث للتنفير منه .
ولقد تطوع بعض المثقفين – ممن افتتنوا بالحضارة الغربية الحديثة ،ونظرتها للحياة ، وتصوراتها ومفاهيمها - باقتراحات تدعو إلى محاصرة الدين في دور العبادة ، وعلى تجفيف منابع التدين من خلال المناهج الدراسية ، ووسائل الإعلام ، والمؤسسات الثقافية .
وللرد على هذه الدعوى الخطيرة أقول :
أولاً :- إن العلم الشرعي الصحيح المبني على نصوص الكتاب والسنة هو الكفيل – وحده – ببناء مجتمع متكامل متماسك ، قوامه المحبة والرحمة ، ومنهجه السمع والطاعة لولاة الأمر ، والتقدير والإجلال لأهل العلم ، والرجوع إليهم والصدور عن رأيهم في دقيق الأمور وجليلها . كما جرى ذلك أيام الخلافة الراشدة ، والخلافة الإسلامية بالجملة ، وكما جرى ويجري في ظل الدولة السعودية وفق الله القائمين عليها .
ثانياً :- أن هذه الأمة عاشت قروناً طويلة على منهج الإسلام العظيم ، تترسم خطاه وتسير وفق تعاليمه وتوجيهاته ، ولم تعرف الإرهاب بمفهومه المعاصر . وإن وجد هنا أو هناك حوادث يمكن وصفها بالإرهاب فهي صادرة ولا بد عن جماعة خارجة عن منهج الإسلام متنكرة لأحكامه وأوامره ونواهيه كالخوارج والقرامطة والعبيديين ونحوهم من المارقين أو المحاربين الساعين في الأرض بالفساد .
ثالثاً :- إذا كان الإسلام يؤثم الإرهاب – بمعناه المحرم المتقدم بيانه – ويجرم القائمين به فكيف يليق القول بأن المناهج التي تدرس مبادئ الإسلام ، وتفاصيل أحكامه تزرع الإرهاب ، ومن أسباب وجوده . إن هذا القول يشبه من يحذر من شرب الماء العذب الزلال مع شدة الحاجة إليه لأن من الناس من يشرق به ويؤذيه .
رابعاً :- إنه قد تتلمذ على هذه المناهج مئات الآلاف من الناس ، فأين تأثيرها السلبي عليهم – لو كان الأمر كما زعموا لكنا في لجج متلاطمة من الإرهاب والأعمال الإرهابية – كيف والواقع خير شاهد على كذب هذه الدعوى وبطلانها ذلك أن كل القيادات الشرعية المعتبرة اليوم هم ممن تخرج على هذه المناهج وتتلمذ عليها ، وسائرهم قضاة ، ومعلمون ، ومربون وموظفون ، ناصحون للمجتمع ، وإن تفاوت عطاؤهم العلمي والاجتماعي .
خامساً :- أن مصادر التأثير ليست محصورة في المدارس والمعاهد والكليات فهناك قنوات ومنافذ للتوجيه والتأثير ، قد استفحل اليوم أمرها وعظم خطرها ، وهي بحاجة ماسة إلى رصدها وبيان مقدار تأثيرها ، ومنطلقاتها ووجهتها وغاياتها .
سادساً :- أن الإرهاب موجود في عامة المجتمعات على اختلاف أديانها وثقافاتها وأعراقها ، لأن جنس البشر لا يخلو من الشر والفساد ، قال شيخ الإسلام : (( ومما ينبغي أن يعلم ان الله بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح لا لرفع الفساد بالكلية فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية إذ لا بد فيها من الفساد ، ولهذا قال تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} . ولهـذا لـم تكن أمة من الأمـم إلا فيها شر وفساد)) .
ومع شيوع الإرهاب في سائر المجتمعات لم نجد في الغرب – مثلاً – من يحمل النصرانية – رغم تحريفها – تبعة الإرهاب الصادر عن أتباع تلك الديانة ويدعي أن تعاليمها سبب وجوده . مع العلم أن دين الإسلام و ما جاء به من العلم و الهدى هو امتداد لما جاء به الأنبياء إبراهيم و موسى و عيسى – عليهم السلام- و غيرهم فأصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء و المرسلون واحدة ، و إن اختلفت في كيفيتها و تفاصيل فروعها ، قال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعه و منهاجا }. بل إن هذا الدين أجلها و أكملها و المهيمن عليها،والمحفوظ من التحريف والتبديل دونها، قال تعالى :{ و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمناً عليه } . وقال تعالى : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }5.
سابعاً :- إننا أمة ندين بالإسلام الذي حقيقته الاستسلام لله تعالى ، والانقياد لشرعه ظاهراً وباطناً . ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم الشرعي . فبالعلم الصحيح النافع المتلقى عن كتاب الله عزّ وجل وسنة رسوله (( يعبد الله ، ويؤدي حقه ، وينشر دينه ، وتحارب الأفكار الهدامة ، والدعوات المضللة ، والأنشطة المنحرفة )) وبالعلم الشرعي يعرف المرء حقوق عباد الله على اختلاف مراتبهم ، وتفاوت منازلهم . فيجتهد في القيام بها وأدائها .
وإذا كان الأمر بهذه المثابة ، فإن الدعوة إلى تقليص المقررات والمناهج الشرعية أو الاستغناء عن جملة منها هي في الحقيقة دعوة إلى تنشئة جيل جاهل بدينه غافل عن أساس وجوده الذي بينه الله تعالى في قوله : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} جيل غير مهيأ لتحمل مسؤوليته ، وأداء رسالته في الحياة ، التي من أجلها حصل لهذه الأمة الخيرية والاصطفاء {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
جيل غايته أن يعيش للشهوات ومتع الحياة ، جيل مظلم القلب خاوي الروح ، مفلساً من القيم والأخلاق والفضائل .
ثامناً :- إن مما لا ريب فيه أن من أسباب شيوع الأنشطة المنحرفة ، والممارسات السيئة ضد الغير الجهل بالآداب والأخلاق الإسلامية ، وبحقوق الآخرين ، وحرمة إيذائهم أو الإساءة إليهم بالقول أو الفعل .
ولذا فإني أرى الحاجة داعية إلى إضافة مقرر شرعي لكافة الطلاب يخصص للحديث عن الحقوق في الشريعة الإسلامية ، ويتضمن بيانها وبسط القول فيها على النحو الآتي :-
1- حق الله عزّ وجل ، وحق الرسول .
2- حق ولاة الأمر .
3- حق العلماء .
4- حق الوالدين .
5- حق الأقارب .
6- حق الجوار .
7- حق عامة المسلمين .
8- حق أهل الذمة والمستأمنين .
9- حق غير العاقل من البهيمة ونحوها .
10- حق الأموال العامة والبيئة المحيطة بنا .
تاسعاً :- أن بعض الدول الإسلامية التي صادرت التعليم الديني وسعت في تجفيف منابعه ، ثم وصفت بعد ذلك بالسلامة من الإرهاب المنظم من الأفراد والجماعات . إن المدقق في أوضاعها يجدها قد وقعت في إرهاب أعظم وأخطر ألا وهو إرهاب الدولة عندما سلبت أفراد مجتمعها أهم حقوقه وهو تعلم أمور دينه ليعبد ربه على علم وبصيرة، وممارسة شعائره الدينية بحرية وأمان . بل لم تخل من تعسف وظلم وبطش بمن يدعو إلى ذلك أو يظهر الاستقامة عليه فمارست إرهاباً مفزعاً لا منكر له ، ولا مخلص لمن يصطلي بناره .
وهذا النوع من الإرهاب هو – بحمد الله تعالى – ما سلمت منه المملكة العربية السعودية يوم رعت الدين وشجعت التدين والاستقامة حتى صار سمة المجتمع حكومة وشعباً . يشهد لهذا ما جاء في مواد النظام الأساسي للحكم ، وما تضمنته سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية . وما تنتهجه من سياسة رشيدة راعية للإسلام ومتبنية لقضايا المسلمين في كافة أرجاء المعمورة .
عاشراً :- أن التدين فطرة إنسانية مشتركة لم تخل منها أمة من الأمم في القديم والحديث ، رغم تفاوتهم في مدارج الرقي ودركات الهمجية يقول هنري برجسون:((لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات،ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة)) .
فالإنسان يدرك من خلال فطرته السليمة أن له رباً وإلهاً عظيماً يتجه إليه بقلبه بالحب والتعظيم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . وهذه الفطرة تظهر بجلاء في أوقات الشدة في دعاء للخالق وتضرع إليه {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .
ومع عموم ظاهرة التدين (( فلا تخلو أمة من وجود (( ذاهلين )) غمرتهم تكاليف الحياة وأعباؤها ، إلى حد أنهم لا يجدون من هدوء البال وفراغ الوقت ما يمكنهم من رفع رؤوسهم للنظر في تلك الحقائق العليا [ مما جاءت بها الرسالات السماوية ] كما لا تخلو أمة من (( منكرين ساخرين )) يحسبون الحياة لهواً ولعباً ، ويتخذون الدين وهماً وخرافة ، ولكن هؤلاء دائماً هم الأقلون في كل أمة وهم في الغالب من المترفين الذين لم يصادفهم من عبر الحياة وأزماتها ما يشعر نفوسهم معنى الخضوع والتواضع ، وما ينبه عقولهم إلى التفكير في بدايتهم ونهايتهم . وهذا الاستثناء من القاعدة لا ينفي كون الغريزة الدينية بصفة عامة في طبيعة النفس الإنسانية )) .
وإذا كان التدين فطرة إنسانية فهو أيضاً مطلب شرعي دعت إليه الكتب المنزلة ورغب فيه الرسل عليهم الصلاة والسلام ولذا لزاماً على ولاة الأمور من المسلمين أن يهيئوا أسبابه وطرقه بتشجيع العلم الشرعي وتيسير سبله ، وتعليم الأمة القدر الواجب منه {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} وأن يأخذ العلماء الصادقون العاملون مكانتهم الواجبة في المجتمع لتوجيهه ، والأخذ بأيدي أفراده إلى الطريق الصحيح والمنهج القويم بعيداً عن الغلو أو التقصير .
ومتى حصل التفريط في ذلك ، بأن حرم الناس من التعليم الشرعي الصحيح وصودر التعليم الديني ، فقد يلجأ طوائف من أفراد المجتمع ولا سيما الناشئة منهم إلى من يجدون فيهم غيرة على الدين ولكن مع قلة في العلم ، وضعف في البصيرة ، وجهل بمقاصد الشريعة وكثير من أحكامها فيضلوا بذلك .
هذا فضلاً عمن يكون لديهم شطحات فكرية , ونظرات غالية فتبرز لذلك موجات الغلو والتكفير الممهدة للإرهاب .
حادي عشر :-
- أنه يجب التفريق بين ما جاء به الإسلام من مبادئ وقيم وتشريعات تأمر بالخير والإصلاح والبر وعمارة الأرض وتنهى عن الشر والظلم والإفساد في الأرض – وبين واقع بعض المسلمين – ممن انحرف عن جادة الصواب وتنكر لتعاليم الإسلام وأخلاقه وآدابه فغلا في نظرته ، أو تشدد في معاملته حتى وصل به الأمر إلى تكفير المخالفين له وإسقاط عصمتهم واستباحة دمائهم وأموالهم . كما وقع هذا لطائفة الخوارج قديماً الذين قال فيهم النبي إنهم (( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان )) .
والناظر في حال الخوارج يرى أن الغلو الذي وقع منهم قد اقترن بالإرهاب للمسلمين أنفسهم ، وقد حذر منهم النبي وتبرأ منهم ، مما يؤكد وقوع الانحراف في الفهم وفي السلوك من طوائف من المسلمين ، وأنه لا يجوز ان ينسب ما يصدر عنهم من فكر ضال أو سلوك منحرف إلى الإسلام بحال من الأحوال .
على أنه لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أبداً أن المعيار للحكم على الأفكار أو الأعمال بالغلو والتطرف هو نصوص الشريعة لا الآراء المجردة أو الأهواء ، أو المعايير الغربية المعادية للإسلام وأهله .
ثاني عشر :- أنه لا علاقة بين ما دعا إليه الإسلام من بغض للكافرين وما يقع من أعمال إرهابية – كما قد يظن بعض الناس – وبيان ذلك أنه يجب على المسلم بغض الكافرين ومعاداتهم في الله تعالى لما هم عليه من كفر وضلال ، كما قال تعالى : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} . فلا يجوز بذل المحبة والود إلى الكفار عامة قاتلوا أو لم يقاتلوا .
قال شيخ الإسلام : (( من كان مؤمناً وجبت مولاته من أي صنف كان ، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان )) .
ولكن هذا البغض لا يجوز أن يمتد إلى إيذاء أو اعتداء على الكفار المسالمين – من ذميين ومستأمنين ومعاهدين – فقد قال : (( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً )) . وأوصى عمر بن الخطاب الخليفة بعده بأهل الذمة فقال : (( وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفهم إلا طاقتهم )) .
فما داموا مستقيمين على عهدهم ، مؤدين ما يجب عليهم فما للمؤمنين عليهم من سبيل ، بل الواجب الكف عنهم ، وكذلك حمايتهم من أن يظلموا أو يعتدى عليهم .
بل إن الإسلام شرع البر بهم ، والإحسان إليهم تحقيقاً لكرامتهم الإنسانية ، وترغيباً لهم في الإسلام ، ولأن (( البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتواد المنهي عنه )) فمن ذلك :
أ- مشروعية الإحسان إلى كل من تربطه بالإنسان صلة من قرابة أو سبب ، فيشرع للمسلم الإحسان إلى والديه وأقاربه وجيرانه ، وكل من كان محتاجاً إلى البر
والإحسان ولو كان غير مسلم .
أما الوالدان فقد قال الله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} . فأمر سبحانه برعاية حق الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف ولو كانا مشركين . ومن أعرف المعروف الإنفاق عليهما وسد خلتهما ، وبذل الخير لهما .
ولما استأذنت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما ، رسول الله أن تصل أمها وهي مشركة ، قال : نعم ، صلي أمك .
أما الأقارب والجيران وسائر المحتاجين ، فقد قال الله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} . قال ابن القيم : (( كل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافراً )) .
ب- جواز صلة الكافر المسالم والبر به والإحسان إليه أياً كان ، كما أذن الله تعالى بذلك في قوله : {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .
قال ابن سعدي : (( أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم ، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم . فليس عليكم جناح أن تصلوهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها ولا تبعة )) .
ج- وجوب التزام العدل معهم في الحكم والمعاملة ، وأداء الأمانات إليهم كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . وقال تعالى مخاطباً رسوله في شأن أهل الكتاب {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فأذن له في الحكم بينهم ، ورخص له في ترك ذلك والإعراض عنهم ، ثم الزمه إن حكم بينهم أن يحكم بالعدل . وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} . ففي الآية أمر بأداء الأمانات إلى أهلها أياً كان أهلها ، وإلى الحكم بين الناس بالعدل أياً كانوا كما (( قال ابن عباس في الآية : هي مبهمة للبر والفاجر )) .
و لقد عاش أهل الذمة في عصر النبوة و أيام الخلافة الراشدة ؛ يوم كان المسلمون على المنهاج الصحيح في أمن و أمان كما نعموا بعدل الإسلام و رحمته.
وبعد هذا فليس في بغض الكافرين ما يذم أو يعاب بل هو مقتضى العقول السليمة والفطر المستقيمة .
وبيان ذلك أن الناس على اختلاف أزمانهم وبيئاتهم يستحسنون العدل والصدق والإحسان ، ويجدون في أنفسهم محبة لمن فعل ذلك وثناءً عليه ، ودعاءً له ، وفي المقابل يستقبحون الظلم والكذب والإساءة ويجدون في أنفسهم بغضاً لمن يقارف ذلك أو يعامل غيره بمقتضى هذه الرذائل .
وإذا كان لا ضير من بغض من يسئ إلى البشر أو يمنع حقاً واجباً لهم فإنه من باب أولى أن لا نجد غضاضة في بغض من يسئ الأدب مع الخالق سبحانه ، أو يمتنع من أداء ما افترضه على عباده ، بل إن بغض هؤلاء أحق وأولى .
ثم إن الكفار لا يقفون من المسلمين موقفا مسالما، و لا يدعونهم يحققون مقتضى إيمانهم في الحياة ، وإنما يقفون منهم موقف العداء ، و يضمرون لهم الكراهية و البغضاء ، كما قال تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } و قال تعالى : { و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } و قال تعالى : { و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم } فإذا كانت هذه هي مواقفهم و تلك هي مكنونات صدورهم تجاه المسلمين فكيف ينقمون على المسلمين عداوتهم لهم ، و بغضهم لما هم عليه من كفر و ضلال .
ثالث عشر :
- وبعد هذا كله فإن أعظم شاهد وأبلغه لأثر المناهج الشرعية في النفوس وتأثيرها في الأخلاق والسلوك ؛ هو يوم تفردت بصياغة جيل إيماني فريد متميز هو جيل الصحابة ، الذين استقوا من معين الوحيين فاستنارت بصائرهم وزكت نفوسهم ، وعلت هممهم ، فكانوا أفضل الأجيال البشرية في تاريخ الإنسانية كله ، وأجلها وأكملها ، وأجمعها للمحاسن والفضائل .
قال تعالى في الثناء عليهم وذكر ما أعد لهم ووعدهم به من الثواب العظيم : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} .
وقال تعالى في بيان حالهم والثناء عليهم : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
أثنى الله تعالى على المهاجرين بخروجهم عن ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ونصرة دينه ورسوله ، وأن ما قاموا به دليل صدقهم ، ثم مدح الأنصار بالإيمان وصدق المحبة لإخوانهم المهاجرين ، وسلامة صدورهم وإيثارهم مع حاجتهم ، ومن كان بهذه المثابة فهو أهل للفوز والفلاح . وقال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته )) .وقرنه هم الصحابة ، وفي الحديث ثناء عليهم ، وأنه لا يأتي بعدهم – في جملتهم – من هو مثلهم في فضلهم وبذلهم وجهادهم وكثرة الخير فيهم . والآيات والأحاديث في ذكر فضلهم والثناء عليهم وما وعدوا به من الثواب العظيم كثيرة جداً .
ولعل أبرز ما امتاز به عصر الصحابة رضي الله عنهم وجود الممارسات الخلقية الجماعية بينهم مما يدل على اتفاق القلوب على تعظيم الفضائل ، والعزيمة التامة على الأخذ بها .
- عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار للنبي : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل : قال : لا ، فقالوا : تكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة ، قالوا : سمعنا وأطعنا .
- وعن أنس قال : أراد النبي أن يقطع من البحرين – يعني للأنصار – فقالت الأنصار : حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تقطع لنا )) .
فلم تطب نفوسهم أن يستقطع لهم الرسول شيئاً دون إخوانهم المهاجرين ، مع ما تقدم من بذلهم ومواساتهم بل وإيثارهم لهم على أنفسهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
- ومن ذلك ما أخبر به النبي صلى عن الأشعريين ، قال : (( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم )) .
- ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (( بعث الرسول بعثاً قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، وهم ثلاثمائة ، وأنا فيهم ، فخرجنا ، حتى إذا كنّا ببعض الطرق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله ، فكان مزودي تمر ، فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة )) .
وأما الفضائل الفردية ، والأعمال والأحوال الإيمانية في حياة الصحابة في الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج ، والمناصحة في الدين وبذل المعروف والإحسان إلى الخلق والرحمة بهم ، فأكثر من أن تحصر ، ودوواين الإسلام كالصحيحين والمسانيد والسنن وكتب التاريخ والتراجم مليئة بالأمثلة والشواهد، وما لم يرو منها أكثر مما روى وحفظ .
رابع عشر : وأخيراً فإن مراجعة المناهج التعليمية الشرعية لتقويمها ، والنظر في مدى ملائمتها للمرحلة الدراسية المعينة قدراً ومضموناً أمر مطلوب ولا إشكال فيه ، لكونها عمل بشري قابل للنقص والخطأ . ولكن المحذور أن تأتي الدعوة إلى إعادة النظر فيها استجابة لمؤثرات خارجية ترغب إعادة الصياغة وفق ماترى لاوفق مايقضي به التحصيل الشرعي وتفهمه .
ولذا فإن الأمة اليوم على مفترق طرق ، إما أن تختار الثبات على الدين ، والاستقامة عليه ، فتبقى مرهوبة الجانب ، قادرة على أن تؤدي رسالتها في الحياة مشعلاً للثقافة والحضارة ورائدة للقيم والفضائل . وإما أن ترضى بالخضوع والذلة وتستسلم لمطامع الأعداء وأهوائهم ، وترضى بالحياة الدنيا وتطمئن بها ، لا يقلقها فساد ، ولا يزعجها إنحراف أو ضلال ، ويكون ثمرة ذلك أن يبقى (( العالم الإسلامي خاضعاً للغرب في العلم والسياسة والصناعة والتجارة .. ينظر إليه كأستاذ ومرب وسيد .. لا يبرم أمراً إلا بإذنه ، ولا يصدر إلا عن رأيه ، فلا يستطيع أبداً أن يواجه الغرب فضلاً عن أن يناهضه ويغالبه )) .
الخاتمة
وبعد فقد تبين من خلال البحث الأمور الآتية :-
اختلاف المفهوم الشرعي للإرهاب عن الإرهاب في الاستعمال الحاضر.
ضرورة صياغة مفهوم متفق عليه عن الإرهاب .
انطلاق المفهوم الغربي للإرهاب من خصوصية الغرب ومصالحه .
عظمة شريعة الإسلام حيث دعت إلى الخير والإصلاح وعمارة الأرض ونهت عن الشر والإفساد في الأرض ، وشرعت العقوبات الصارمة لصيانة دماء الناس وأموالهم وأعراضهم .
شيوع الإرهاب في سائر المجتمعات على اختلاف أعرافها وثقافاتها وأديانها ، ومع ذلك فإن أعداء الإسلام لما يضمرونه من عداء لهذا الدين وأهله فقد عمدوا إلى جعل هذا المصطلح وصفاً خاصاً بالإسلام والمسلمين .
عدم الارتباط بين العلوم الشرعية وظهور الإرهاب بل إن ظهور العلم الشرعي يقمع الإرهاب ويحد من وجوده .
أن الحرب ضد الإرهاب قد اتخذها الغرب ذريعة لفرض مزيد من الهيمنة على الدول والشعوب الإسلامية وإذلالها وإلى القضاء على المناشط الإسلامية المؤثرة سواء كانت منظمات جهادية أو مؤسسات دعوية أو هيئات إغاثية .
كما أن أصحاب التوجهات العلمانية على امتداد العالم الإسلامي ممن شرقوا بالصحوة الإسلامية ساروا على خطى من يممموا وجوههم شطره فأعلنوا الحرب على مناهج التعليم الشرعية والتي تعد الركيزة الأهم في بناء الأجيال وغرس التدين والانتماء في نفوسهم ، وتعريفهم بحقوق الآخرين ، وتحصينهم أمام الدعوات المضلة والاتجاهات الغالية .
فهرس المصادر والمراجع
- أحكام أهل الذمة – لابن القيم ، تحقيق صبحي الصالح ، دار العلم للملايين ط2 سنة 1401هـ .
- الأحكام السلطانية : للماوردي ، دار الكتب العلمية – بيروت سنة 1374هـ
- إعلام الموقعين : لابن القيم ، دار الفكر – بيروت ط1 سنة 1374هـ
- تفسير القرآن العظيم : لابن كثير ، دار إحياء التراث العربي – بيروت سنة 1388هـ .
- التطرف الديني : صلاح الصاوي ،الآفاق الدولية – القاهرة سنة 1413هـ.
- تيسير الكريم الرحمن : لابن سعدي ، دار المدني – جدة 1408هـ
- جامع البيان في تفسير القرآن : لابن جرير الطبري ، دار المعرفة – بيروت سنة 1407هـ
- الجامع الصحيح – للبخاري ، دار إحياء التراث العربي – بيروت .
- الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، دار إحياء التراث العربي – بيروت سنة 1965م
- حقيقة موقف الإسلام من التطرف والإرهاب: سليمان الحقيل ط2 سنة 1422هـ
- الدين : محمد عبد الله دراز ، دار القلم – الكويت 1400هـ .
- زاد المعاد في هدي خير العباد : لابن القيم ، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة – بيروت ط1 سنة 1399هـ .
- سنن أبي داود : لأبي داود ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، دار إحياء السنة النبوية – مصر .
- سنن الترمذي : للترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- السياسة الشرعية : لابن تيمية ، دار الكتاب العربي .
- السيرة النبوية : لابن هشام ، دار الكنوز الأدبية .
- شرح السنة : للبغوي ، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط ، المكتب الإسلامي – بيروت ط1 سنة 1390هـ .
- صحيح الجامع الصغير وزيادته : الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ط3 سنة 1402هـ
- صحيح مسلم : لمسلم بن الحجاج ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – الرياض .
- صحيح الجامع الصغير وزيادته : الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ط3 سنة 1402هـ
- صحيح مسلم : لمسلم بن الحجاج ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – الرياض .
- الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة : عبد الرحمن اللويحق ، مؤسسة الرسالة – بيروت ط1 سنة 1412هـ .
- فتح الباري شرح صحيح البخاري : لابن حجر العقلاني ، دار المعرفة – بيروت.
- القاموس السياسي : أحمد عطية ، دار النهضة العربية ط3 سنة 1968م .
- القاموس المحيط : للفيروزبادي ، دار الفكر – بيروت .
- قاموس المصطلحات السياسية والاجتماعية : سامي ذبيان وآخرون ، دار الريس ط1 سنة 1990م .
- لسان العرب : لابن منظور ، دار صادر – بيروت .
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : أبو الحسن الندوي ، دار الإسلام ط9 سنة 1396هـ
- مجموع الفتاوى : لابن تيمية ، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد ، دار العربية للطباعة والنشر – بيروت .
- معجم مقاييس اللغة : لابن فارس ، تحقيق : عبد السلام هارون ، ط2 سنة 1392هـ .
- المعجم الوسيط : مجمع اللغة العربية ، المكتبة الإسلامية ، تركيا .
- المغني : لابن قدامة ، تحقيق عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو ، هجر للطباعة والنشر ، القاهرة ط1 .
- منهاج السنة النبوية : لابن تيمية ، تحقيق : محمد رشاد سالم ، جامعة الإمام محمد سعود الإسلامية – الرياض ط1 سنة 1406هـ .
- نقد القومية العربية في ضوء الإسلام والواقع : عبد العزيز ابن باز ، الرئاسة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء – الرياض ط5 سنة 1403هـ .
- النهاية في غريب الحديث : لابن الأثير ، دار الفكر 1399هـ .
الدوريات والصحف
- جريدة الأهرام ، مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، مصر .
- جريدة البيان ، دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مجلة البحوث الإسلامية ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، الرياض ن المملكة العربية السعودية .
- مجلة الدراسات الدبلوماسية ، معهد الدراسات الدبلوماسية ، وزارة الخارجية ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .