من مظاهر الحوار في ثقافتنا: أنت واحد سطحي!

من مظاهر الحوار في ثقافتنا

أنت واحد سطحي!

 

سليمان الأسعد

ظهرت دراسة نُشرت أخيرا أن 70 في المئة من العرب لا يتحلون بآداب الحوار ولا يجيدون مهارات الجدل المهذب الذي يُفترض أن يفضي إلى تراكم معرفي وذهني محفّز، لا إلى توافق واتفاق بالضرورة.
ورغم أن المثقفين يشكلون أقلية في مجتمعاتنا العربية لكنهم في المحصّلة انعكاس لمجتمعاتهم التي لا يكمل الفرد منها حوارا دون خصومة قد تمتد إلى عراك الأيدي..!
وضمن أقلية مثقفة أسست ثقافتها على جهد متواصل وعميق تعيش أكثرية على وَهْم جميل مقنعين أنفسهم بأنهم بلغوا سن النضج الثقافي ما داموا أتموا (المناهج القرائية الأولى) والتهموا الروايات الكلاسيكية والبوليسية، حتى إن بعضهم قد يتوقف عن القراءة؛ لأنه خَتَم العلم..!
وتبدأ المشكلة من مرحلة تكوين قناعات مهزوزة إزاء مجموعة من القضايا، واعتناق مبادئ وأفكار وربما أيديولوجيات بأكملها دون الاستناد إلى قراءات متوسعة وعميقة. ومن هنا يغدو الدفاع عن هذه القناعات وتأصيلها أمرا عسيرا في ظل فقر معلوماتي مدقع ينخر ذهن المثقف.
وربما تكون السياسة من أسهل الحقول التي تتيح لأنصاف المثقفين وأرباعهم أن يبرزوا عضلاتهم الثقافية الضامرة في استعراض هزيل للركام الإخباري المتناثر في بديهتهم؛ فالمتابعة اليومية لصفحات الرأي والأخبار الفضائية توهم واحدهم أنه بلغ من العمق عتيا كافيا.
وفي أول مضمار جدلي يقذفه إليه حظه العاثر يبدأ صاحبنا في الهرولة لدقائق معدودة، لا يلبث بعدها أن يتوقف حين يكتشف أن مؤونته الهزيلة لن تسعفه لقطع شوط السباق دون أن يتحول إلى أضحوكة لخصم يتربص بهفواته. وعندئذ قد تقنعه روحه الرياضية أن لياقته الثقافية ليست كما ينبغي، فينسحب بلطف إلى ركن قصي ليندب حصيلته الخاوية. وربما تدفعه الحميّة إلى المكابرة والمضيّ في نقاش خاسر؛ فيكتشف عندها أن شخصنة النقاش هي سلاحه الوحيد، فيستل رصاصاته الأخيرة ويطلقها خبط عشواء في وجوه مَنْ حوله، ثم يقف أعزل الأفكار أمام قناعاته التي بدت في المحصلة حصنا متهاويا وآيلا للسقوط تحت وابل ضعيف جدا. وحتى لا يعلن استسلامه أمام الأمر الواقع تظهر التهمة الجاهزة لتعكس حال الواقع: أنت واحد سطحي..!
ألا تبدو لكم حواراتنا الثقافية أشبه بالمصارعة الحرة، بكل ما تعنيه كلمة (حرة)..؟! وهل هناك مَنْ يشكك اليوم في صدق نتيجة تلك الدراسة التي اتهمت بالمبالغة والتهويل؟!

المصدر: http://www.shms.com.sa/html/story.php?id=80076
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك