حوار مع المستشرق الألماني فولف ديتريش فيشر
حوار مع: المستشرق الألماني فولف ديتريش فيشر
أجراه د. ظافر يوسف
البروفيسور الدكتور فولف ديتريش فيشر أحد أبرز المستشرفين الألمان الذين يتمتعون بشهرة واسعة على الساحة العربية من خلال أبحاثه متعددة الجوانب ومن خلال طلابه الكثيرين الذين درسوا عنده، فقد تتلمذ على يديه طلاب كثيرون من مصر العربية ومن سورية ولبنان والأردن وفلسطين والمغرب وتركية وإيران... الخ.
إنه يشغل منصب مدير معهد الدراسات الشرقية واللغات السامية في جامعة ايرلانجن –نورنبرغ التي تقع في مقاطعة بافاريا في جمهورية ألمانية الاتحادية منذ مدة تزيد على ربع قرن، ويعرف بحبه الشديد للغة العربية، وبدراساته عن النحو العربي والشعر القديم واللهجات العربية فضلاً عن اللغات السامية.
إنه يحيط بجانب كبير من دراسات اللغة العربية واتجاهاتها المتشعبة على مبدأ العلماء العرب القدامى الإلمام من كل علم بطرف، فهو يقدّم تارة فصولاً في العلوم الإسلامية كالقرآن الكريم والحديث والفقه، ويلقي تارة أخرى محاضرات في تاريخ اللغة العربية وأصولها كالنحو والمعاجم وفقه اللغة، ويعرض مرة ثالثة لتاريخ الأدب العربي، فيطرب للشعر الجاهلي ويولع ببناء القصيدة العربية وتحليلها. إنه يتمتع بأفق واسع وبنظرة عميقة ثاقبة لتطور العربية عبر العصور، وهو صاحب نظرية تقسيم اللغة العربية إلى مراحل تاريخية (1).
وتتويجاً لإقامتي التي زادت على خمس سنوات في معهد الاستشراق بجامعة ايرلانجن –نورنبرغ، وختاماً لمطاف قطعت فيه أشواطاً متقدمة على صعيد الدراسة والبحث العلمي على يدي أستاذي البروفيسور فيشر، فقد كان لي معه هذا اللقاء:
س-هل لكم أن تحدثونا عن بداياتكم مع الاستشراق وسبب اهتمامكم بالدراسات العربية واتجاهاتها المتشعبة؟
ج-لقد اهتممت في البداية وأنا ابن أربع عشرة سنة بكثير من اللغات، ومن بين هذه اللغات جذبت اللغة العربية انتباهي بصفة خاصة، وذلك لأن الخط العربي قد أثار إعجابي بأشكاله الفنية المتنوعة والجميلة، فعزمت على أن أدرس اللغة العربية لكي أتمكن من قراءة هذه الأشكال الفنية الجميلة.
وبعد إطلاعي على عدد من اللغات الشرقية كالتركية والفارسية أعجبتني اللغة العربية إعجاباً كبيراً وذلك لأنني رأيت أن بناءها اللغوي ونظامها النحوي يعدان من أوضح أشباههما في لغات العالم، ولأنها لعبت دوراً هاماً في نقل المعارف والعلوم إلى الحضارات الأخرى. فاهتممت في بادئ الأمر بالدراسات الإسلامية وبعلوم الحضارة الإسلامية لأنني أردت أن أعرف كيف يشعر ويفكر الناس في حضارة غير أوروبية؟
فبدأت بالدراسة الجامعية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حيث انفتحت الحضارة الألمانية على العالم الخارجي بعد أن كانت متقوقعة على نفسها لمدة طويلة، فاستطعت أن أروي ظمئي وتعطشي إلى تلقف الأفكار الواردة من الخارج وخاصة من الحضارات الشرقية.
س-من خلال تجربتكم الطويلة في تدريس اللغة العربية للطلبة الألمان، أين تجدون صعوبات تعلّم العربية التي يعاني منها الطلبة الأجانب، وأين تكمن هذه الصعوبات بصورة خاصة؟
ج-يواجه الطالب الألماني صعوبات كثيرة عندما يبتدئ دراسة اللغة العربية، منها كثرة المفردات واتساع الثروة اللغوية في العربية، لأننا نجد لكل مفهوم مفردتين أو لفظتين على الأقل، فيكون على الطالب الأجنبي أن يتعلم مفردات كثيرة وأن يتمكن من استعادة معانيها وصورها التي هي أكثر مما هي عليه في اللغات الأخرى. ومنها أيضاً أن النظام الصوتي في اللغة العربية يختلف اختلافاً كبيراً عن الأصوات في اللغة الألمانية وفي اللغات الأوروبية الأخرى، فمثلاً الأصوات المفخمة (حروف الأطباق) الصاد والضاد والطاء والظاء غير موجودة في اللغات الأوروبية، وليس من السهل على الناطق باللغة الألمانية أن يفرّق بين السين والصاد وهما صوت (فونيم) واحد في اللغة الألمانية، وكذلك بين التاء والطاء، والكاف والقاف... وهلمّ جرا. كما يبذل الطالب الألماني جهداً كبيراً في نطق حرفي العين والحاء لأنه لم يعتد على استعمال الحلق كأداة للنطق. وليس هناك من فرق في اللغة الألمانية بين السين والزاي فكثيراً ما ينطق الألماني السين بدلاً من الزاي أو العكس من ذلك.
وأما ما يتعلق بالصيغ الصرفية وبنية الكلمة فمن تجربتي أستطيع القول: إن المتعلم الألماني يلقى صعوبات كثيرة في تلقي صيغ الأفعال وفي ضبطها بالشكل، فيكون صعباً عليه أن يشكل الفعل المضارع أكْتُب مقابلاً للماضي كتبتُ على سبيل المثال، وهذه الصعوبة تواجه المتعلم في استعمال العربية شفهياً بصورة خاصة.
ومما ليس مألوفاً الازدواجية اللغوية الموجودة في البلاد العربية. نعم صحيح أنه توجد عندنا ظاهرة الازدواجية في البلاد الغربية التي تتكلم الألمانية أيضاً، إلا أن كل ناطق باللغة الألمانية يستطيع أن يستخدم اللغة الفصحى كلغة منطوقة أيضاً. ويتم الكلام عندنا باللغة الفصحى في جميع المدارس وفي الإذاعة والسينما والمسرح، فيكون على ذلك استعمال اللهجات العامية محدوداً إلى حد كبير حيث يقتصر على بعض سكان الريف.
وعندما يزور الأجنبي ألمانية فإنه لا يجد أية صعوبة لغوية في التفاهم مع الناس، إذ لا تقف اللهجات المحلية عائقاً في وجهه لأن بإمكانه أن يتكلم بالفصحى في أي مكان يشاء وفي كل الأحوال والظروف. على أن الزائر للبلاد العربية الذي تعلم العربية الفصحى في معاهد الاستشراق تواجهه قضية اللهجات العامية وتنوعها في كل المواقف والأحوال والظروف. فهو مثلاً عندما يريد أن يشتري تذكرة السفر أو أي شيء آخر لا يسمع إلا اللهجة العامية التي تواجهه في كل مكان. ونادراً ما يلتقي بأشخاص تفضل الحديث معه بالفصحى، ولذلك فإنه لا بد أن يتعلم طالب اللغة العربية لهجة محلية على الأقل عندما يريد أن يلم باللغة العربية بأجمعها.
أما ما يتعلق بالنحو والقواعد فإنني أعتقد أن نحو اللغة الألمانية أصعب من نحو اللغة العربية وأعتقد أن الدارس للنحو العربي يستطيع أن يفهمه بصورة جيدة ومن غير صعوبات كبيرة تذكر.
س-بما أنكم تطرقتم إلى مسألة الازدواجية اللغوية، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر على الساحة العربية وهل تجدون في اتساع الهوة بين العربية الفصحى واللغة العامية المنتشرة خطراً يهدد مستقبل اللغة العربية الفصحى؟
ج-كانت الحال اللغوية في ألمانية قبل مئة سنة خلت قريبة من الحال في البلاد العربية في الوقت الحاضر، وهذا يعني أن أغلبية الناس كانوا يتحدثون بلهجاتهم المحلية شفهياً، بينما كانت الفصحى تقتصر على الاستعمال كتابة. ثم بدأت بعد ذلك طبقة المثقفين بالتحدث مع أولادهم باللغة الفصحى، واستمر انتشار هذه اللغة من جيل إلى جيل حتى كتب لها أن تتحول إلى لغة منطوقة فاستعملها كل الناس كتابة وشفاهاً، وكانت المدارس الابتدائية من أهم العوامل في انتشار اللغة الفصحى.
لقد اتخذت عائلات المثقفين والمتعلمين اللغة الفصحى كلغة وحيدة للأحاديث اليومية وأمور الحياة العادية. ومن هنا فإنه كان على الطفل الألماني ومنذ نعومة أظفاره أن يتعلم اللغة الفصحى سماعاً وكتابة في البيت، وقبل أن يدخل إلى المدرسة. وأظن أن الأحوال اللغوية في البلاد العربية ستتطور في الاتجاه نفسه إذا بدأ المثقفون يتكلمون بالفصحى مع أولادهم في البيت ومع بعضهم بعضاً في التعامل اليومي، وإذا أصبحت العامية خارج الاستعمال في المدارس.
وأهم الوسائل لانتشار اللغة الفصحى أن يتعلم الأطفال هذه اللغة سماعاً وعن طريق التحدث مع والديهم في البيت، ثم عن طريق قراءة النصوص في المدرسة بعد ذلك. إن أسوأ الطريق لتعليم العربية الفصحى هي الدروس النظرية للنحو العربي. لقد حفظت اللهجات في ألمانية مكاناً محدداً للأدب الشعبي نثراً وشعراً، كما أن استعمال اللهجات في ألمانية ليس خطراً يهدد اللغة الفصحى في النظام الثقافي والتربوي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللهجات المحلية في البلاد العربية فلا أظن أنها تهدد اللغة الفصحى وخاصة إذا قامت المدارس ووسائل الإعلام بدورها المنشود والمطلوب منها. إن وجود اللهجات ظاهرة طبيعية وهي تنتشر في كل البلدان المتحضرة حيث توجد هناك لغة فصحى وأخرى عامية وهذا أمر جد طبيعي.
س-كم يبلغ عدد الرسائل العلمية التي أشرفتم عليها في مرحلتي الماجستير والدكتوراه؟ وما هي أهم الموضوعات التي عالجتها هذه الرسائل؟
ج-إن عدد الرسائل التي أشرفت عليها في مرحلة الماجستير تبلغ أكثر من خمس وثلاثين رسالة، وفي مرحلة الدكتوراه تبلغ نحواً من عشرين رسالة. وأما أهم الموضوعات التي عالجتها هذه الرسائل فهي تدور حول تاريخ اللغة العربية بين مرحلتها الأقدم وبين اللهجات الحديثة، بالإضافة إلى بعض الدراسات عن موضوعات في الحضارة الإسلامية وخاصة عن الاتجاه الحديث كما ينعكس في كتب التفسير والكتب التربوية مثل تفسير المنار أن موضوعات هذه الرسائل تتوقف إلى حد كبير على اهتمام الطالب نفسه، لذلك فإن الاتجاهات التي أشرفت عليها كانت متنوعة. وأهم عناوين هذه الرسائل: لحن العوام ومقامات بديع الزمان الهمذاني، حمار الوحش في الشعر الجاهلي، جمع شعر تميم وتحقيقه، الجود والبخل في الشعر الجاهلي، اسما الفاعل والمفعول في نصوص العربية القديمة، المطابقة النحوية في الجنس والعدد في نصوص العربية القديمة، أسماء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، دراسة نحوية للصفات في العربية القديمة، الآلهة العربية (اللات والعزى ومناة) في الأدب القديم، صورة خلفاء بني أمية في الشعر... الخ.
س-كيف تقوّمون واقع الاستشراق الحالي في ألمانية بالمقارنة مع الجيل القديم من المستشرقين الكبار أمثال ليتمان وبروكلمان ونولدكه وبرجشتراسر... وهل تجدون فرقاً في طريقة البحث بين هذين الجيلين؟
ج-عندما بدأ المستشرقون الألمان يبحثون في التراث العربية وآدابه في منتصف القرن التاسع عشر لم يجدوا في أيديهم النصوص ووسائل الإيضاح الضرورية كالمعاجم ومراجع اللغة الأساسية، لذلك فقد ركز الجيل القديم من المستشرقين على فقه اللغة بالدرجة الأولى، وقد نشروا كثيراً من النصوص والمخطوطات، وكان المستشرقون الألمان من أوائل المحققين للتراث العربي، وكثير من النصوص الهامة طبعت للمرة الأولى في ألمانية. وقد أسهم المستشرقون بصفة خاصة في الشرح اللغوي لهذه النصوص والتعليق عليها، على الرغم من أنه لم تتح لهم فرصة السفر إلى البلاد العربية في ذلك الوقت، حيث كانوا يقتصرون على البحث العلمي في بلادهم.
أما الجيل الحديث من المستشرقين فيملك إمكانيات ووسائل علمية متطورة لم تكن متوافرة بالماضي، فهم بالإضافة إلى أنهم قد استفادوا من نتائج أبحاث الجيل القديم، يمكنهم السفر إلى البيئة العربية مباشرة ليعايشوا التطورات الحاصلة في المجتمع ويرصدوا الظواهر الموجودة. ومن هنا فإنه يمكنني القول أن اهتماماتهم قد اختلفت بعض الشيء، وتحولت إلى حد كبير إلى بحوث اجتماعية وأدبية وتاريخية وسياسية وجغرافية متجهة إلى مسائل الشرق الحديث على الرغم من أنهم لم ينقطعوا عن مجاراة التيار التقليدي كأبحاث فقه اللغة والنحو والصرف. إذا كان باحثو الجيل القديم قد صبّوا اهتماماتهم على موضوعات متعددة الجوانب واسعة الاتجاهات وخاصة اللغات السامية ذات الاتجاهات المتشعبة، فإنه كان على أصحاب الجيل الحديث من المستشرقين أن يقتصروا على معالجة الموضوعات العلمية المطروحة بصورة دقيقة وأن يتخصصوا في جوانب معينة منها.
س-من خلال اطلاعكم الواسع على الأدب العربي ولا سيما الشعر القديم منه، كيف تنظرون إلى هذا الأدب وأين تجدون موقعه في سلم الآداب العالمية؟
ج-لم يكن هناك أدب عالمي في قديم الزمان، لقد كان الأدب ظاهرة محلية محدودة عند كل أمة أو شعب أو حضارة، فنادراً ما تلقت حضارة ما في القديم أدب حضارة أخرى، وذلك على وجه الخصوص بالنسبة إلى الشعر لأن الشعر لا يمكن أن ينتقل بسهولة من لغة إلا لغة ومن حضارة إلى أخرى.
أما في العصر الحديث فقد تغيّر الوضع تغيراً تاماً، وأصبح في كل بلاد العالم مجموعة من الناس تجيد لغات أجنبية متعددة يمكنها من خلالها الإطلاع على آداب الحضارات الأخرى وإطلاع الآخرين عليها. ومن هنا فإنه ليس من الممكن أن نتحدث عن أدب عالمي قبل القرن التاسع عشر.
إن ما يجدر ذكره هنا أن الأدباء الألمان أصبحوا يهتمون بالأدبين العربي والفارسي في بداية القرن التاسع عشر وإن لم يستطع أكثرهم قراءة تلك الآداب بلغتها الأصلية. إن دراستهم للآداب الشرقية كانت تنطلق بالدرجة الأولى من الترجمات الانكليزية واللاتينية لتلك الآداب. وقد كان هذا الشوق إلى دراسة تلك الآداب غير الأوروبية باعثاً شديداً لتطور حركة الاستشراق في ألمانية.
لقد أثر الأدب اليوناني واللاتيني في الأدب الألماني منذ القديم لأن المثقفين الألمان كغيرهم من المثقفين الأوربيين كانوا يلمون بهاتين اللغتين. أما الأدب العربي فقد استطاع أن يجذب انتباه المثقفين وخاصة الشعر العربي القديم منه لانهم كانوا يشعرون أن روح الحضارة العربية تعبّر عن نفسها في هذا الشعر بصفة خاصة، كما أنهم كانوا يهتمون بالشعر الفارسي ولا سيما بأشعار حافظ الشيرازي التي قدمت لهم أرقى المعاني الروحية السامية للحضارة الإسلامية اللاحقة. أما الجيل الحديث فيفضل قراءة الأدب الحديث ولا سيما الرواية والقصة القصيرة لأنه يهتم بالمسائل الاجتماعية أكثر من اهتمامه بالأشكال الفنية في الأدب.
س-ما الدور الذي لعبه العرب ولا سيما الأدب العربي في تاريخ الحضارة الإنسانية برأيكم؟ وهل ترك الأدب العربي تأثيراً في الأدب الأوروبي؟
ج-هذا موضوع واسع جداً، ولو حاولنا أن نجيب عنه فلا بد لنا أن نؤلف فيه كتاباً أو أكثر.
بدأ تأثير الحضارة العربية في أوروبا في الأندلس. فمن المعلوم أن الحضارة العربية الأندلسية كانت لها تأثيرات كثيرة مثمرة في الحضارة الأوروبية ليس من الممكن أن نحصيها هنا. كما أثرت الحضارة العربية في البلاد الأوروبية أيضاً عن طريق صقيلية، حيث نتجت حضارة مزدوجة عربية –أوروبية تحت سيطرة النورمان وخاصة في عهد الإمبراطور فريدريش الثاني في القرن الثالث عشر للميلاد.
أن أكثر النتائج التي استفادت الحضارة الأوروبية منها هي العلوم الرياضية والطبيعية، فقد أخذ على سبيل المثال التجار الأوروبيون نظام الأعداد من العرب، ونحن لا يمكن أن نتصور التطور العلمي والاقتصادي في أوروبا بمعزل عن المعلومات التي وصلتنا عن طريق العرب.
أما ما يتعلق بالأدب نشأ في القرن الثامن عشر اتجاه عاطفي كبير يتعلق بقصص ألف ليلة وليلة، ويقرأ الأطفال والشباب الألمان حتى أيامنا هذه قصص ألف ليلة وليلة ويستمتعون كثيراً بقراءتها. وهناك بحوث كثيرة عن هذا الموضوع وهي تشير إلى تأثر كثير من الشعراء والأدباء الألمان وغير الألمان بهذه القصص وانعكاسات آثارها في أعمالهم الأدبية.
س-لقد درس عندكم طلبة أجانب كثيرون، ولا سيما من الدول العربية، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ وما هي الانطباعات التي تحملونها لقدوم طلبة من الشرق لدراسة لغتهم هنا؟
ج-بدأ أبناء العربية يزورون ألمانية للدراسة في جامعاتها منذ حوالي الستينات.
وأكثر الطلبة العرب يدرسون هنا الطب والهندسة والعلوم الطبيعية إلا أن بعضهم يحب أن يدرس فقه اللغة العربية واللغات السامية والأدبين العربي والفارسي أيضاً.
أظن أن المثقف العربي يستغرب ذلك. لماذا يزور الطالب العربي ألمانية ليدرس لغته فيها، وعليه أن يتعلم اللغة الألمانية التي لم يتعلمها في مدرسته، بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى الكثيرة التي تصادفه.
أعتقد أن السبب في ذلك هو أن لكل حضارة مناهج علمية خاصة بها. وإنه لشيء مهم أن يتعرف المثقف في عصر امتزاج الحضارات للأفكار والمناهج التي انتجت الحضارة الأخرى.
ويستطيع الطالب أن يحقق هذا الهدف بصورة أفضل عندما يدرس الأفكار التي يجدها في الحضارة الأخرى عن لغته وحضارته الخاصة به، فيمكن له أن يشاهد وطنه ولغته وحضارته من الخارج بعين الحضارة الأخرى، وهذه التجربة لا يتسنى له أن يحصل عليها في وطنه على الإطلاق. ولهذا السبب فإنني أرحب بالطلاب العرب الذي يريدون أن يدرسوا اللغة العربية وآدابها في جامعاتنا، وأرجو أن يعودوا بتجارب مفيدة قيمة تساعد على تبادل المعارف والأفكار بين الشرق والغرب.
س-هل هناك صلات مباشرة بين معاهد الاستشراق في ألمانية وبين الجامعات في الدول العربية؟ وكيف يتم إطلاع الطلبة الألمان على الجديد من التطورات الأدبية واللغوية على الساحة العربية؟
ج-نشأ في السنوات الماضية كثير من العلاقات بين الجامعات الألمانية والجامعات العربية وبين معاهد الاستشراق وكليات الآداب فيها. كما يزور عدد من المستشرقين الألمان البلاد العربية، كذلك يقدم عدد من الزملاء العرب إلى الجامعات الألمانية أيضاً. وكثيراً ما يربط بيننا صداقات شخصية وعلمية.
أما ما يتعلق بمعهدنا معهد الاستشراق في جامعة ايرلانجن –نورنبرغ فيسرنا أنه هناك علاقات أخوية مع جامعة عين شمس وجامعة الموصل وجامعة حلب بصفة خاصة.
ويحاول أكثر الطلبة الألمان الذين يدرسون اللغة العربية أن يقيموا مدة من الزمن في إحدى الجامعات العربية، وتقدم بعض الجامعات العربية دروساً خاصة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهي تفيد الطلاب الألمان في الحصول على معرفة كافية باللغة العربية.
أما ما يتعلق بموضوع إطلاع الطلبة الألمان على الجديد في الساحة العربية، فإنه لسوء الحظ ليس هناك نشرة شاملة تقدم لنا كل النشاطات الأدبية والثقافية الموجودة في البلاد. ويقرأ الطالب بعض المجلات التي تصلنا مثل العربي والمعرفة والباحث إلا أنه ليس من الممكن أن نشتري جميع المجلات لأن ميزانيتنا محدودة. ومما نحتاج إليه في ألمانية بشكل كبير هو مركز ثقافي عربي، أو مراكز ثقافية عربية في مدن ألمانية مختلفة مهمتها تزويدنا بالمعلومات الجديدة.
س-ما مدى اطلاع القارئ الألماني بشكل عام على الأدب العربي، وكيف يصل إليه هذا الأدب؟ وهل تجدون أن الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغة الألمانية كافية لإعطاء القارئ صورة صادقة تعكس الواقع الحقيقي للأدب العربي؟
ج-يزداد عدد الكتب المترجمة من العربية إلى الألمانية من سنة إلى أخرى، غير أن عددها بشكل عام غير كاف، لأن عدد المترجمين قليل بعض الشيء، بينما عدد الكتب الصالحة للترجمة كبير جداً. وعندما يظهر كتاب جديد أو رواية أو مجموعة قصصية جديدة لمؤلف جديد فإنه يتوجب على المترجم أن ينتظر فترة طويلة ليرى هل يحصل هذا المؤلف على الشهرة المطلوبة حتى يتمكن بعد ذلك من ترجمة عمله. وبعد أن ينتهي من ترجمة عمله فإن عليه أن ينتظر فترة أطول حتى يجد دار النشر التي تتولى طبع الترجمة. إنه مطلب ملح أن تقدم حركة الثقافة العربية مساعدات مادية ومعنوية للأعمال المترجمة، وأن تقوم بدعمها حتى تصل إلى القارئ الألماني. ونحن نشعر بأنه لم يع حتى الآن المسؤولون العرب أهمية هذه المهمة الملقاة على عاتقهم مما يترك أثره على صورة الواقع الحقيقي العربي عند المثقفين الألمان.
--------------------
1 انظر بحثه الذي ألقي في المؤتمر الثقافي الثامن والعشرين ليوم الاستشراق العالمي في كانبرا في السابع من كانون الثاني 1971، ونشر في مجلة عبر النهرين "Abr –Nahra in" بمدينة ليدن Leiden سنة 1971 –1972، العدد 12، الصفحة 15 –18.
--------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 47 - السنة 11 - نيسان "أبريل" 1992 - شوال 1412