الإسلام بعيون الأوروبيين.. تهديد للهوية أم إثراء ثقافي؟

الإسلام بعيون الأوروبيين.. تهديد للهوية أم إثراء ثقافي؟

 

ما يزال ارتفاع عدد المسلمين في المجتمعات الأوروبية يثير قلق مراكز الأبحاث والدراسات في عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا، حيث يستخدم “الإسلام” كذريعة لليمين المتطرف في تلك الدول.

ومن أجل إبقاء أفكار أنصار هذا اليمين على قيد الحياة في مجتمعات علمانية لا تعير اهتماما لحملاتهم الداعية إلى اليقظة من “موجة إسلامية” يحاولون تصوير  الديانة الإسلامية على أنها تهديد للهوية الوطنية، وخطر على نموذج الدولة العلمانية التي حاربت من أجل فصل سلطة “الكنيسة” عن الدولة.

كما أنهم يستخدمون في هذا الإطار عددا من القضايا التي تثير نقاشات حادة في الأوساط الأوروبية، كمسألة الهجرة والحجاب والتجنيس، والتي تزايد الحديث عنها في أعقاب حوادث أدت إلى إثارة ضجة كبيرة منها اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوخ في 2 نوفمبر 2004 في أمستردام على يد “محمد بويري”، والمظاهرات العنيفة التي اندلعت في أعقاب نشر رسوم النبي محمد عليه الصلاة والسلام في صحيفة “يولاندس بوستن” الدانماركية في 30 سبتمبر 2005 ، ناهيك عن  تداعيات قانون حظر النقاب في الأماكن العامة في فرنسا، والتي ظهرت بعد دخوله حيز التطبيق في 11 أكتوبر 2010.

وفي إطار ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي تغذيها بعض مراكز الدراسات والأبحاث بشكل متعمد أو غير متعمد، وجهت كبرى المؤسسات البحثية “IFOP” الفرنسية تحذيرات من انتشار الإسلام في أوروبا، من خلال دراسة رصدت فيها نظرة الأوروبيين إلى “الإسلام” في عدد من الدول الأوروبية خلال الأعوام العشرة الماضية، ونشرت في 16 فبراير 2012، بعنوان” نظرة الأوروبيين إلى الإسلام”. وتضمنت هذه الدراسة استبيانات أجريت في أربع دول هي بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا، وشملت نحو 3 آلاف مواطن أوروبي تجاوز الثامنة عشر عاماً، خلال الفترة الممتدة من 9-18 أبريل 2011.

تهديد للهوية أم ثراء ثقافي؟

تفيد الدراسة بأن عدد السكان الذين يعتنقون الديانة الإسلامية في أوروبا يتراوح بين 12-13 مليون مسلم من أصل 377 مليون نسمة أي ما معدله 4% من السكان الأوروبيين. ووفقا للتقديرات الأخيرة، – بحسب الدراسة – فإن فرنسا تضم أكبر عدد من المسلمين على أراضيها بـ”4.5- 5  ملايين”، تليها ألمانيا (أكثر من 3 ملايين مسلم)، المملكة المتحدة (1.4-2 مليون مسلم) وهولندا (696000 مسلم).

ومن خلال استبيان تناول نظرة مواطني فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا للمسلمين في بلدانهم،  اعتبر42 % من المستطلعين الفرنسيين، و40% من الألمان، و44% من الهولنديين، و47% من البريطانيين أن المسلمين يشكلون تهديداً لهويتهم، وهي النسبة الأعلى من بين إجابات أخرى رأت في وجود المسلمين عامل من عوامل الثراء الثقافي، حيث أظهرت الأرقام أن 22% من الفرنسيين، و24% من الألمان، و19% في كل من هولندا وبريطانيا، يروون في وجود المسلمين بينهم عاملاً يثري ثقافة وطنهم، ومؤشرا على التعددية الثقافية.  مقابل ذلك، أبدى 36% من الفرنسيين والبريطانيين، و37% من الهولنديين، و34% من الألمان عدم اهتمامهم بتفسير ظاهرة المسلمين في بلادهم.

ولكن على الرغم من ارتفاع النسب التي تشير إلى وجود “الإسلاموفوبيا” بقوة في هذه المجتمعات، بمعدل يصل إلى 40%، إلا أن الباحثين في هذه الدراسة، استنتجوا أن ما يزيد عن 50% من المستطلعين لا يرون في المسلمين أي تهديد على الهوية الوطنية، كما أنهم لا يجدون ما يعبر عنهم في فرضيتي: تهديد الهوية، والثروة الثقافية، ما يفتح المجال الواسع للبحث عن الإجابات حول “نظرة الأوروبيين إلى المسلمين”، والتي قد تصل إلى النظرة لـ”الإرهاب”؟

عدم اندماج يغذي القلق

ويبدو أن قضية عدم “اندماج” المسلمين في المجتمعات الأوروبية، وفقا لمعايير هذه المجتمعات، تأتي بمثابة العامل الأساسي، الذي يساعد على تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وهو العامل نفسه الذي ما زال يقوّض مساعي منظمات المجتمع المدني الأوروبي المعنية بالحفاظ على حقوق المسلمين.  إذ تفيد الدراسة بأن القلق من “الإسلام” في المجتمعات الأوروبية واعتباره تهديدا لهم، ناجم عن عدم قدرة المسلمين على الاندماج في هذه المجتمعات.

ففي هذا الشأن، رأى 47% من المستطلعين في بريطانيا، و48% من الفرنسيين، و55% من الألمان، و60% من الهولنديين، أن المسلمين لا يندمجون غالبا في مجتمعاتهم، في مقابل 35% من البريطانيين، و32% من الفرنسيين، و25% من الألمان، و23% من الهولنديين يرون أن المسلمين مندمجين تماماً في مجتمعاتهم.

وفيما لم تحدد الدراسة معايير “الاندماج” ومجالاته الاجتماعية، سواء التعليم أو الثقافة، أو المناسبات الاجتماعية والأخرى الوطنية، رصدت الدراسة أسباب عدم اندماج المسلمين في المجتمع الأوروبي من جهة نظر المستطلعين، الذين حددت لهم عملية الاختيار بين الإجابات.

 

وفي هذا الإطار،  ألقى 61 % من الفرنسيين، و67 % من الألمان، و 61 % من الهولنديين، و64% من البريطانيين باللائمة على المسلمين، معتبرين أنهم هم من يرفضون الاندماج مع الآخرين. في حين رأى 40% من المستطلعين الفرنسيين، و34 %من الألمان، و47% من الهولنديين، و39% من البريطانيين أن الاختلافات الثقافية الشديدة هي السبب، ليعزو 37 % من الفرنسيين، و32 % من الألمان، و 34 % من الهولنديين، و58% من البريطانيين، سبب عدم اندماج المسلمين إلى حصر وجود المسلمين في مدارس ومناطق معينة، بينما انخفضت هذه النسب للأسباب “العنصرية” والصعوبات الاقتصادية.

“الإسلام” والسياسة

من إشكالية “الاندماج”، انتقلت الدراسة للبحث في المظاهر التي تدل على تواجد المسلمين، كالحجاب والمساجد، والتي قد تثير حفيظة الأوروبيين المتمسكين بفصل الدين عن الدولة. حيث إن شريحة واسعة من الأوروبيين ترى في هذه المظاهر تحديا حقيقيا لسياسة العلمانية، ظنا منهم أن المسلمين في أوروبا يسعون لأن يكون التشريع الإسلامي مصدرا للحكم. في حين أن الأوروبيين ناضلوا على مرّ التاريخ لحجب تأثير الدين عن الحياة اليومية، ولفصل سلطة الكنيسة عن الحكم.

هذا التخوف تجسد في نتائج استبيان عن “الموقف المناهض” لتداخل الإسلام في الحياة السياسية، حيث تبين أن 74% من الفرنسيين يعارضون دخول أحزاب أو ممثلين باسم الديانة الإسلامية إلى المعترك السياسي، في مقابل 43% في بريطانيا، و41% في هولندا، و32% في ألمانيا.

وتكشف هذه الدراسة عن مؤشرات في المجتمع الأوروبي، من بينها تداول مصطلحات تميز بين المواطن الأوروبي وبين “المسلم”، حيث لم يعد المنشأ الجغرافي للمهاجرين هو المهم بالنسبة للأوروبيين، بقدر ما يتم التركيز على الديانة، فبدلا من استخدام مصطلح “السكان من أصل شمال إفريقي”، حلّ محله مصطلح “عدد السكان من أصل مسلم”، سواء في وسائل الإعلام أو في التصريحات السياسية، الأمر الذي يظهر حاجة المسلمين إلى “صحوة” إعلامية وبحثية، لمجابهة تحديات حقيقية قد تتحول إلى شبح يطارد مسلمي أوروبا.

المصدر- إسلام اون لاين.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك