العُنْفُ عاملُ هَدْمٍ وليسَ عاملَ بناءٍ
العُنْفُ عاملُ هَدْمٍ وليسَ عاملَ بناءٍ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، مَلِكِ يومِ الدينِ ، والعاقبةُ للمتقينَ ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ المعتدينَ ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ خلقِهِ نبينا محمدٍ الأمينِ ، وعلى آل بيتِهِ وصحابَتِهِ المكرمينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعد:
واستخدامُ العنفِ أثناءَ التعاملِ مَعَ الأحداثِ يسببُ إرباكاً وفُرْقَةً في الصَّفِّ الإسلاميِّ ، فضلاً عن تَبْديدِ الجهودِ وتعطيلِ المصالحِ ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ في الرِّفْقِ وحَذَّرَ من العنفِ ، قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، ويُعْطِي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي على العنفِ ، وما لا يُعْطِي على ما سواه " رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الرفقَ لا يكون في شيءٍ إلا زانَهُ ، ولا يُنْزَعُ من شيءٍ إلا شانَهُ " رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ الرفقَ في الأمرِ كُلِّهِ " متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ يُحْرَمِ الرفقَ يُحْرَمِ الخيرَ " رواه مسلم .
والمتابِعُ للواقِعِ قد تَدْفَعُهُ الأحداثُ إلى مواقِفَ لا يَتَبَيَّنُ أثرَها إلا بعد حِينٍ ، وقد تَمُرُّ ظروفٌ يجدُ المسلمُ نفسَه في وَضْعٍ لا يحسدُ عليه ، من سوءِ الأحوالِ وتَفَرُّقِ الأُمَّةِ ، ويَرى المصائِبَ تتوالى عليه من كلِّ جانبٍ ، وهنا يأتي دَوْرُ التأصيلِ الشرعيِّ في معالجةِ الأمورِ وتَحديدِ المواقفِ ، ويَبْرُزُ فِقْهُ المصالحِ والمفاسدِ ، ودَفْعُ أحدِ الضَّررين بأخفِّهِما ، والتَّأَمُّلِ فيما يَترتبُ على الموقفِ من نتائِجَ ، بعيداً عن الحماسِ غيرِ المُنْضَبِطِ ، والاندفاعِ غيرِ مَدْروسِ النَّتائِجِ ...
والحِكْمةُ في التعاملِ مع الحالِ هي ما أَعْنِيه وأَقْصِدُه ، وهي الدِّرْعُ الواقي من المزالقِ ، فلا إفراطَ ولا تفريطَ .
والعنفُ والغضبُ متلازمانِ ، وكلاهما مرتبطٌ متصلٌ بالآخر ، والإنسانُ عندما يَغضبُ تأخذه غَضْبَتُه إلى اقْترافِ ما لا يَُحْمَدُ عقباه ، ولما جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال له : أَوْصِني ، فقال : " لا تغضب " . فَرَدَّدَ مراراً ، قال : " لا تغضب " رواه البخاري في الأدب المفرد .
وهذه الوصيةُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمينةٌ جداً ، لأَنَّ الغضبَ : ثورةُ النَّفْسِ بحيثُ تحملُ الإنسانَ على حُبِّ الانتقامِ .
وأعداءُ الدينِ يحاولون بكل السُّبُلِ المتاحةِ لهم أن يَسْتَثِيروا مشاعرَ رِجالاتِ الإسلامِ وشبابِهِ ، إما عَبْرَ وسائلِ الإعلامِ ـ وهي أشدُّها تأثيراً وإثارةً ـ أو بأيِّ وسيلةٍ أخرى .
وقَصْدُهم هو إيقاعُ شبابِ الأمَّةِ في المزالقِ ، لكي يجدوا سبباً أو عِلَّةً تُؤَدِّي إلى تَحْجِيمِ دَوْرِهم ، ولكي يُقالَ : هؤلاءِ هُمْ شبابُ الإسلامِ ، هذا دَيْدَنُهم ، فَوْضَوِيُّونَ ، لا يعرفونَ إلا العنفَ .
وهنا أهيبُ برجالِ الإسلامِ وشبابِهِ ، بأنْ يَبْتَعِدوا عن مواطنِ الزَّلَلِ ، وأنْ يَحْذَرُوا من محاولاتِ الاستدراجِ غايةَ الحذرِ ، فالعدوُّ عاكِفٌ على إشعالِ نارِ الفِتَنِ وتَأْجِيجِها ، فالحذرَ الحذرَ ، فمعظمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ .
فنسألُ اللهَ أن يَعْصِمَنا من الزللِ ، وأن يحفظَ لنا ديننا فهو عصمة أمرنا ، ونحمدُ اللهَ على لطفه بنا ، فَهُمْ " كُلَّمَا أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَها اللهُ " .
والحمد لله رب العالمين .
الشيخ بدر بن محمد الكندري