الأدلة على تحريم الاختلاف بين الأمة الاسلامية وذم ذلك في شرعة الاسلام وموقف العلماء الناصحين من ذلك

الأدلة على تحريم الاختلاف بين الأمة الاسلامية

وذم ذلك في شرعة الاسلام وموقف العلماء الناصحين من ذلك

 

 

قال تعالى ﴿وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [الروم :31-32]، وقال تعالى ﴿ولا تنازعوا فتشلوا وتذهب ريحكم﴾ [الأنفال: 46]، وقال تعالى ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه﴾ [الشورى 13]، وقال تعالى: ﴿وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة﴾ [البينة:4]، وقال تعالى ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم﴾ [آل عمران: 105]، وقال تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون﴾ [الأنعام 159].

ذكر ابن جرير وغيره من المفسرين أن في قوله تعالى ﴿فرقوا دينهم قراءتين إحداهما ﴿فارقوا دينهم أي خرجوا فأرتدوا عنه من المفارقة وثانيهما ﴿فرقوا دينهم قال ابن جرير: و هذه قراءة عبد الله بن مسعود وعليها قراء (المدينة والبصرة) وعامة قراء الكوفيين قال: وكأن عبد الله تأول بقراءته أن دين الله واحد ، وهو دين إبراهيم الحنيفية السمحة المسلمة ففرق ذلك اليهود والنصارى فتهود قوم وتنصر آخرون فجعلوه شيعاً متفرقة. ثم ذهب ابن جرير إلى أن معنى القراءتين واحد فهم لدين الله مفارقون وله مفرقون. قال ابن جرير في التفسير (8/105-106) ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله ﴿إن الذين فرقوا دينهم فقال بعضهم عنى بذلك اليهود والنصارى ، وروى ذلك بأسانيده إلى قتادة والسدي وابن عباس ومجاهد ، ثم قال:و قال آخرون عني بذلك أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه وساق أسانيده إلى أبي هريرة – رضى الله عنه-.

ثم قال : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه ،وكانوا فيه أحزاباً وشيعاً وأنه ليس منهم ولا هم منه ، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الاسلام دين ابراهيم الحنيفية كما قال له ربه وأمره أن يقول ﴿قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، ديناً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً ، وما كان من المشركين﴾ [الأنعام 161]، فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة ابراهيم المسلم فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد بريء منه وهو داخل في عموم قوله تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيئ﴾ [الأنعام 159].

ووافق ابن جرير في رواية هذين القولين البغوي(في تفسيره 2/145) و ابن الجوزي (زاد المسير 3/158) و ابن كثير (في تفسيره 2/196) و القرطبي (في تفسيره 7 /104_107 _ ساق كذلك آثاراً تبين أن أهل البدع داخلون في معنى الآية ) و ساق البغوي أحاديث لبيان أن الآية تتناول أهل البدع منها : حديث العرباض بن سارية رضى الله عنه وفيه [ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وأياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة] أبو داود في السنة حديث (46007) ، وأحمد حديث (4/126).وساق حديث افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وحديثاً في اسناده نظر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ يا عائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أهل البدع والشبهات من هذه الأمة]. وساق كذلك ابن كثير آثاراً تفيد أن أهل البدع والضلال داخلون في عموم الآية الكريمة . ثم قال: " والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق . فمن اختلف فيه ﴿وكانوا شيعاً أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات ، فإن الله تعالى قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه . وهذه الآية كقول الله تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ... الآية.

دعوة أئمة السنة البارزين إلى وحدة المسلمـين واجتماعهم على الحق وإلى نبذ التفرق والتحزب والاختلاف
لأئمة السلف كتب لا تحصى تتضمن الدعوة إلى اجتماع الأمة واعتصامها بكتاب ربها وسنة نبيها والسير على هدي السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين وإلى نبذ البدع والتفرق والاختلاف.
وسوف اقتصر على النقل عن بعض الأئمة المعتبرين الذين سارت كتبهم مسير الشمس بين خيار الأمة فلا تحظى منهم إلا بالقبول والتسليم. وهي مصادر أساسية لمن جاء بعدهم من دعاه الحق وأئمة الهدى.
فمن أولئك الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العُكْبَري المتوفي سنة 387هـ .قال: في كتابه الشهير بـ " الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة": (1)

باب ذكر ما نطق به الكتاب نصاً في محكم التنزيل بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة
أما بعد : فاعلموا يا إخواني وفقنا الله وإياكم للسداد والائتلاف وعصمنا واياكم من الشتات والاختلاف ، أن الله عز وجل قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا وأنهم تفرقوا واختلفوا فتفرقت بهم الطرق حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عز وجل والكذب عليه والتحريف لكتابه والتعطيل لأحكامه والتعدي لحدوده ، وأعلمنا تعالى أن السبب الذي أخرجهم إلى الفرقة بعد الألفة ، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة حسد من بعضهم لبعض وبغي بعضهم على بعض فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته ، وردهم البيان الواضح بعد صحته وكل ذلك وجميعه قد قصه الله عز وجل علينا وأوعز فيه إلينا وحذرنا من مواقعته وخوفنا من ملابسته . ولقد رأينا ذلك في كثير من أهل عصرنا وطوائف ممن يدعي أنه من أهل ملتنا وسأتلو عليكم من نبأ ما قد أعلمناه مولانا الكريم وما قد علمه إخواننا من أهل القرآن وأهل العلم وكتبة الحديث والسنن.

وما يكون فيه إن شاء الله بصيرة لمن علمه ونسيه ولمن غفله أو جهله ويمتحن الله به من خالفه وجحده بألا يجحده إلا الملحدون ولا ينكره إلا الزائغوان قال الله عز وجل: ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد﴾ [البقرة:253]، وقال تعالى: ﴿إن الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب﴾[آل عمران:19]، وقال تعالى: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون﴾ [الأنعام:159].

وقال تعالى: ﴿ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ [يونس:93]، وقال تعالى: ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ [الشورى:14]، وقال تعالى: ﴿وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾ البينة 4-5 .

قال الشيخ: إخواني فهذا نبأ قوم فضلهم الله وعلمهم وبصرهم ورفعهم ومنع ذلك آخرين إصرارهم على البغي عليهم والحسد لهم إلى مخالفتهم وعداوتهم ومحاربتهم فاستنكفوا أن يكونوا لأهل الحق تابعين وبأهل العلم مقتدين فصاروا أئمة مضلين ورؤساء في الإلحاد متبوعين رجوعاً عن الحق وطلب الرياسة وحباً للأتباع والاعتقاد.

والناس في زماننا هذا أسراب كالطير يتبع بعضهم بعضاً لو ظهر لهم من يدعي النبوة مع علمهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء ، أو من يدعي الربويبة لوجد على ذلك اتباعاً وأشياعاً . فقد ذكرت ما حضرني من الآيات التي عاب الله فيها المختلفين وذم بها الباغين، وأنا الآن أذكر لك الآيات من القرآن ، التي حذرنا فيها ربنا تعالى من الفرقة والاختلاف ، وأمرنا بلزوم الجماعة والائتلاف ، نصيحة لإخواننا وشفقة على أهل مذهبنا ، قال تعالى: ﴿وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم﴾ [آل عمران :103] ثم حذرنا من مواقعة ما أتاه من قبلنا من أهل الكتاب فيصيبنا ما أصابهم ، فقال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾ [آل عمران:105] فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا ومن بعد البيان اختلفوا، وقال تعالى: ﴿وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ [الأنعام: 153] وقال تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الذين ولاتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه﴾ [الشورى:13]، وقال تعالى: ﴿منيبين إليه وأتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانو شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [الروم: 31-32].

فهل بقي رحمكم الله أوضح من هذا البرهان أو أشفى من هذا البيان . وقد أعلمنا الله تعالى أنه قد خلق خلقاً للاختلاف والفرقة وحذرنا أن نكون في ديننا كهم واستثنى أهل رحمته لنواظب على المسألة أن يجعلنا منهم فقال تعالى: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ [هود: 118-119]، ثم حذر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهل الأهواء المختلفين وآراء المتقدمين فقال عز وجل: ﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾ [المائدة:49]. وقال تعالى:﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً﴾ [المائدة:48]، وقال تعالى: ﴿ولقد آتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون* ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين﴾ [الجاثية:15-19]، وقال عز وجل فيما ذم به المخالفين: ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [المؤمنون: 53] .

حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر الحافظ، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ [الأنعام: 68]، وقوله: ﴿فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه﴾[آل عمران:7]، وقوله: ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾[الأنعام:153]، وقوله: ﴿وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ [الشورى: 13]، وقوله: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً[الأنعام: 159]، وقوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا﴾ [آل عمران: 105]، وقوله: ﴿وتقطعوا أمرهم بينهم﴾ [الأنبياء:93].

ونحو هذا في القرآن كثير ، قال ابن عباس: أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
حدثنا أبو القاسم بن عمر ، قال: حدثنا أبو حاتم ، قال: حدثنا الربيع بن نافع ، قال: حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري ، قال: سئل عيسى بن مريم عن الفرقة والاختلاف ما يوقعهما بين الناس ، قال: البغي والحسد وما يلائمهما من المعصية وما يريده الله تعالى بالعامة من النقمة.
ومنهم الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي المتوفي سنة 418هـ رحمة الله عليه قال في كتابه " شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم". ( 1/9-20).

" أما بعد فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين وما كلف الله به عباده من فهم توحيده ، وصفاته ، وتصديق رسله بالدلائل واليقين والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين . وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول كتاب الله الحق المبين ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين . ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثه المضلون.

فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة والآثار المحفوظة المنقولة وطرائق الحق المسلوكة ، والدلائل اللائحة المشهورة والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين ، وأقتفى آثارهم من المتبعين ، واجتهد في سلوك سبيل المتقين ، وكان من الذين اتقوا وهم محسنون.
فمن أخذ في مثل هذه المحجة وداوم بهذه الحجج على منهاج الشريعة أمن في دينه التبعة في العاجلة والآجلة وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها واتقى بالجنة التي يتقى بمثلها ليحصن بحمايتها ويستعجل بركتها ويحمد عاقبتها في المعاد والمآل إن شاء الله.

ومن أعرض عنها وابتغى في غيرها مما يهواه أو يروم سواها مما تعداه أخطأ في اختيار بغيته وأغواه وسلك سبيل الضلالة وأرداه في مهاوي الهلكة فيما يعترض على كتاب الله وسنة رسوله بضرب الأمثال ودفعهما بأنواع المحال و الحيدة عنهما بالقيل و القال مما لم ينزل الله به من سلطان ،ولا عرفه أهل التأويل واللسان ولا خطر على قلب عاقل بما يقتضيه من برهان ، ولا انشرح له صدور موحد عن فكر أو عيان ، فقد أستحوذ عليه الشيطان وأحاط به الخذلان وأغواه بعصيان الرحمن حتى كابر نفسه بالزور والبهتان.

ثم تحدث عن أهل البدع المعتزلة وغيرهم وبين فساد مناهجهم وما وقعوا فيه من الضلال والانحراف وافتراءهم على أهل السنة وكيف كان موقفهم من أهل السنة وموقف أهل السنة منهم.

ثم قال: فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين بكتاب الله وسنته والمنادين بشرائعه وحكمته الذين قالوا: ﴿آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين﴾[آل عمران: 53]، وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين فاتخذوا كتاب الله إماماً وآياته فرقاناً ونصبوا الحق بين أعينهم عياناً وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلمجنة وسلاحاً ، وأتخذوا طرقها منهاجاً وجعلوها برهاناً ، فلقوا الحكمة، ووقوا من شر الهوى والبدعة ، لامتثالهم أمر الله في اتباع الرسول ، وتركهم الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.

يقول الله عز وجل فيما يحث على اتباع دينه والاعتصام بحبله والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾ [آل عمران: 103].

ثم ساق آيات كريمة في الاعتصام بالكتاب والسنة ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديث في هذا المعنى منها حديث العرباض بن سارية [ وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ... الحديث].
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه [ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خطاً ... الحديث].
وساق أبواباً تدور في فلك الدعوة إلى السنة والتمسك بها ثم قال: باب ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة.

وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم و الخالفين لهم علماء الأمة: رضي الله عنهم، وساق قبله [سياق ما فسر من كتاب الله عز وجل من الآيات في الحث على الاتباع وأن سبيل الحق هو السنة والجماعة.

ثم قال: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على اتباع الجماعة و السواد الأعظم و ذم تكلف الرأي و الرغبة عن السنة و الوعيد في مفارقة الجماعة.
ثم قال: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة.

وساق اللالكائي تحت هذه الأبواب آيات وأحاديث وآثار كثيرة استغرقت صحائف كثيرة من ( ص 69-150) من الجزء الأول ولا يتسع المقام لاستقصاء ما ساقه هذا الإمام من أبواب ومما حوته من نصوص وآثار عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم في هذا المهيع.

وقال الإمام الحافظ محي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516هـ في كتابه الشهير( شرح السنة):
باب الاعتصام بالسنة وأورد في الباب آيات منها ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾[آل عمران: 103]، وساق أحاديث كثيرة منها حديث عبد الله بن مسعود [ خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال:هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه و عن شماله،و قال:هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه…. الحديث] أخرجه أحمد في المسند حديث (4142) ، والحاكم في المستدرك (2/318).

ثم عقد باباً قال فيه باب رد البدع والأهواء صدره بقول الله تعالى: ﴿ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله[القصص: 50] وقوله تعالى: ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ص: 26 وساق آيات ثم أحاديث في الباب منها حديث [ أن بني إسرائيل تفرقت إلى اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة] .وساق آثاراً.

ثم قال: باب ( مجانية أهل الأهواء) (1/219) وساق فيه آيات منه قول الله تعالى: ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً﴾ [المؤمنون: 53]، وقوله تعالى: ﴿فما أختلفوا إلا من بعد جاءهم العلم﴾ [الجاثية: 17]، وذكر فيه أحاديث منها: حديث عائشة رضى الله عنها قالت: [ تلا رسول اللهe هذه الآية [ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب] قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم]حديث متفق عليه في البخاري التفسير الحديث ( 4547) ، ومسلم في العلم الحديث (2665)، وحديث أبي هريرة – رضى الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا أباؤكم فإياكم وإياهم] مسلم في المقدمة حديث (6) ، وشرح السنة ( 1/232) .

ثم قال رحمه الله: " وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة ، وظهور الأهواء والبدع فيهم وحكم النجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضى الله عنهم ، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع معتقداً أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه ، ويتركه حياً وميتاً ، فلا يسلم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق" (1/224) .
ثم ساق حديث كعب بن مالك في تخلفه ومن معه عن غزوة تبوك وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرانهم.
ثم قال الإمام البغوي عقبه: [ وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ، وكأن رسول الله e خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم (1/266-230). ثم ساق كلام ومواقف بعض أئمة السلف من أهل البدع من الهجران والذم وتكفير الغلاة منهم وغير ذلك رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله والموالاة لله ، والمعاداة لله والعبادة لله ، والاستعانة بالله ، والخوف من الله ، والرجاء لله ، والإعطاء لله ، والمنع لله ، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله ، الذي أمره أمر الله ، ونهيه نهي الله ، ومعاداته معاداة الله ، وطاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله.

وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ، بل ولا يرضى لرضى الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك معه شبهة دين : أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة ، وهو الحق ، وهو الدين ، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الاسلام ، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ، ليعظم هو ويثني عليه ، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً ، أو لغرض من الدنيا – لم يكن لله ولم يكن مجاهداً في سبيل الله ، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره ، معه الحق وباطل ، وسنة وبدعة ، ومع خصمه حق و باطل وسنة وبدعة؟

وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، وكفر بعضهم بعضاً ، وفسق بعضهم بعضاً ، ولهذا قال تعالى فيهم : ﴿وما تفرق الذين أتوا الكتاب إلا بعدما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾[البينة (4-5)].

وقال تعالى : ﴿كان الناس أمة واحدة﴾ [البقرة: 213]، يعني فاختلفوا ، كما في سورة يونس ، وكذلك في قراءة بعض الصحابة ، وهذا على قراءة الجمهور من الصحابة والتابعين : أنهم كانوا على دين الإسلام . وفي تفسير ابن عطية عن ابن عباس : أنهم كانوا على الكفر ، وهذا ليس بشيء .و تفسير بن عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس ، بل قد ثبت عنه أنه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.

وقد قال في سورة يونس ﴿وما كان الناس إلا أمة واحدة فأختلفوا﴾ [يونس: 19] فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد ، فعلم أنه كان حقاً.

والاختلاف في كتاب الله على وجهين : أحدهما أن يكون كله مذموماً ، كقوله: ﴿وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد﴾ [البقرة:176].

والثاني أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل ، كقوله: ﴿تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد﴾ [البقرة : 253]، لكن إذا أطلق الاختلاف فالجميع مذموم ،كقوله تعالى: ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ [هود: 118- 119]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ] ولهذا فسروا الاختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم قال الفراء: في اختلافهم وجهان : أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض ، والثاني تبديل ما بدلوا وهو كما قال، فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل ، فيكفر بالحق الذي مع الآخر ، ويصدق بالباطل الذي معه ، وهو تبديل ما بدل] مجموع الفتاوي ( 15/225-2558).

واختلاف أهل البدع هو هذا النمط- إشارة منه رحمه الله إلى قوله تعالى:( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقال النصارى ليست اليهود على شيء)-. فالخارجي يقول : ليس الشيعي على شيء ، والشيعي يقول :ليس الخارجي على شيء.و القدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء . والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء . والمرجئة تقول : ليست الوعيدية على شيء.

بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية المنتسبين إلى السنة . فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء . والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء والأشعري يقول السالمي على شيء . والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء.
ويصنف السالمي كأبي علي الأهوازي كتاباً في مثالب الأشعري ويصنف الأشعري كابن عساكر كتاباً يناقض ذلك من كل وجه ، وذكر فيه مثالب السالمية.

وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها ، ولا سيما وكثير منهم قد تلبس ببعض المقالات الأصولية ، وخلط هذا بهذا فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئاً من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك . ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي حنيفة شيئاً من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية ، ويضفه إلى مذهب أبي حنيفه، وهذا من جنس الرفض والتشيع ، ولكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء ، ولا تشيع في تفضيل بعض الصحابة.

والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لاشريك له وطاعة رسوله يدور على ذلك ، ويتبعه أين وجده ، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً ، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة رضى الله عنهم أجمعين . فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ، فإذا إجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط،بخلاف أصحاب عالم من العلماء،فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مسلماً إلى عالم واحد وأصحابه ، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم ،قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول و الفروع و يمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول صلى الله عليه و سلم ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة ، فلابد أن يكون قوله إن كان حقاً مأخوذاً عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،موجوداً فيمن قبله ، وكل قول قيل في دين الإسلام مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون ، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه ، فإنه قول باطل.

والمقصود هنا أن الله تعالى ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة ، وجاءهم العلم ، وإنما إختلفوا بغياً ولهذا ذمهم الله وعاقبهم ، فإنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين ، بل كانوا قاصدين البغي ، عالمين بالحق ،معرضين عن القول والعمل به.( مجموع الفتاوى (15/260-263).
ويمكن أن يكون كلام شيخ الإسلام الآتي نواة لمشروع يتخلص به الدعاة من الخلافات السياسية والعقائدية والفقهية ويخلصون من قدروا على تخليصه ممن يقبل الحق ويستجيب لداعيه.

قال رحمه الله: " وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعاً من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها وعقوبات على الجرائم لا تجوز، لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه ، ووضعوه حيث يسوغ وضعه طالبين بذلك إقامة دين الله لا رئاسة أنفسهم ، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع ، والقريب والبعيد ومتحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله لما أحتاجوا إلى المكوس الموضوعه ، ولا إلى العقوبات الجائرة ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستبعدين ، كما كان الخلفاء الراشدون وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم.

وكذلك العلماء إذا أقاموا كتب الله ، وفقهوا ما فيه من البينات التي هي حجج الله ، وما فيه من الهدى الذي هو العلم النافع والعمل الصالح وأقاموا حكمة الله التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وهي سنته لوجدوا فيها من أنواع العلوم النافعة ما يحيط بعلم عامة الناس ولميزوا حينئذ بين المحق والمبطل من جميع الخلق بوصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة حيث يقول عز وجل: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس﴾ [البقرة:143].

ولا استغنوا بذلك عما أبتدعه المبتدعون من الحجج الفاسدة التي يزعم الكلاميون أنهم ينصرون بها أصل الدين ومن الرأي الفاسد الذي يزعم القياسيون أنهم يتمون به فروع الدين.
وما كان من الحجج صحيحاً ومن الرأي سديداً ، فذلك له أصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهمه من فهمه وحرمه من حرمه.

وكذلك العباد إذا تعبدوا بما شرعه الله من الأقوال والأعمال ظاهراً وباطناً ، وذاقوا الكلم الطيب والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لوجدوا في ذلك من الأحوال الزكية والمقامات العلية والنتائج العظيمة ما يغنيهم عما حدث من نوعية كالتغيير ونحوه من السماعات لمبتدعة الصارفة عن سماع القرآن ، وأنواع من الأذكار والأوراد لفقها بعض الناس.

أو في قدره كزيادات من التعبدات أحدثها من أحدثها لنقص تمسكه بالمشروع منها ، وإن كان كثير من العباد والعلماء بل و الأمراء قد يكون معذوراً فيما أحدثه لنوع اجتهاد ، فالغرض أن يعرف الدليل الصحيح وإن كان التارك له قد يكون معذوراً لاجتهاده. اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 281-282.
هذه هي أخطر مشاكل المسلمين وأعوصها ، وأعظم مسؤولية الدعاة إلى الله علاجها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح وأئمتهم رضوان الله عليهم أجمعين.

ويبدو أن هذا هو الطريق الوحيد للعلاج والطريق الوحيد لسيادتهم وعزتهم وكرامتهم في الدنيا ولنجاتهم وسعادتهم في الأخرى: ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون[المائدة: 50]، ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾ [النساء: 65].

وختاماً أسأل الله أن يجمع الأمة على كتاب ربها وسنة نبيها وأن يبارك في دعاتها ويغرس في نفوسهم حب الحق والجد الدائب لتحقيق هذه الغاية الكبيرة التي شرعها ربنا ورضيها .إن ربي لسميع الدعاء.
 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
للعلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-
من كتاب ((النصيحة هي المسؤولية المشتركة في العمل الدعوي))

 

المصدر: http://www.alwaraqat.net/content.php?1476-%C7%E1%C3%CF%E1%C9-%DA%E1%EC-%CA%CD%D1%ED%E3-%C7%E1%C7%CE%CA%E1%C7%DD-%C8%ED%E4-%C7%E1%C3%E3%C9-%C7%E1%C7%D3%E1%C7%E3%ED%C9-%E6%D0%E3-%D0%E1%DF-%DD%ED-%D4%D1%DA%C9-%C7%E1%C7%D3%E1%C7%E3-%E6%E3%E6%DE%DD-%C7%E1%DA%E1%E3%C7%C1-%C7%E1%E4%C7%D5%CD%ED%E4-%E3%E4-%D0%E1%DFhttp://www.alwaraqat.net/content.php?1476-%C7%E1%C3%CF%E1%C9-%DA%E1%EC-%CA%CD%D1%ED%E3-%C7%E1%C7%CE%CA%E1%C7%DD-%C8%ED%E4-%C7%E1%C3%E3%C9-%C7%E1%C7%D3%E1%C7%E3%ED%C9-%E6%D0%E3-%D0%E1%DF-%DD%ED-%D4%D1%DA%C9-%C7%E1%C7%D3%E1%C7%E3-%E6%E3%E6%DE%DD-%C7%E1%DA%E1%E3%C7%C1-%C7%E1%E4%C7%D5%CD%ED%E4-%E3%E4-%D0%E1%DF

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك