ولا يزالون مختلفين

ولا يزالون مختلفين
بقلم : محمد الماضي
تشير أحدث الأرقام والإحصائيات إلى تصدر السعوديين العالم نموا أو استخداما لبعض وسائل الإعلام الجديد بقنواته المتعددة كتويتر واليوتيوب، هذه الأرقام تقول لنا بلغة واضحة إن المجتمع السعودي مجتمع حي وديناميكي ومتفاعل ومواكب لأحدث تقنيات العصر كل هذا جيد ورائع بل ويبشر بمستقبل مشرق للوطن إلا أننا إذا أردنا أن نقرأ بواقعية حقيقة هذا المشهد فلابد لنا من إجراء عملية تفكيكية لهذه الأرقام لمعرفة حقيقة هذا التفاعل، والأهم هو تفسير دوافعه وأهدافه الخاصة المتمثل في اندفاع المجتمع نحو المشاركة بالرأي والفكرة والمعلومة وهو ما يعطي بعدا ثقافيا جديدا لاستخدام المجتمع لتلك الوسائل المتطورة
ولاشك أن المناخ الذي أتاحته تلك الوسائل الحديثة للتعبير بقدر كبير من الحرية والشفافية يجعل من الإنسان مسؤولا بشكل كامل عن ما يقوله ويدلي به من رأي، فضميره وإحساسه بالمسؤولية الأخلاقية تجاه مجتمعة هي حكمه
ندرك بداهة أن كل تجربة جديدة أو حدث ثقافي جديد لابد أن يمر بعدة مراحل متعاقبة قبل الوصول إلى مرحلة النضج في استيعاب هذا الحدث وفهمه بشكل حضاري، وما يحدث هذه الأيام من تصرفات غير مقبولة من بعض من ولج هذا الفضاء المفتوح وفهم الحرية بشكل غير دقيق إذ انحدر أسلوب الخطاب إلى مرحلة أقل ما يقال فيها إنها خارجة عن الذوق العام في بعض خلافات النخب الفكرية، أدى إلى استخدام لغة عنصرية وإقصائية غير مبررة مع من لا يتفق مع أفكارهم وتوجهاتهم
يتبقى لنا أمام التحديات والمخاطر التي تمر بها الأمة في هذه الأوقات العصيبة أن نتنبه ونحتاط ونحذر من الانسياق أمام الدعوات المغرضة والمشبوهة لإحداث شقاق أو فتنة بين أبناء بلدنا إذ إن الحكمة تستدعي منا اليوم أن نصدح بالرأي الذي نعتقد بصوابه بأسلوب خال من التجريح أو التطاول أو الانتقاص من الآخرين
وما أجمل قول الإمام الشافعي رحمه الله حيث يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه" إنها رؤية وفلسفة في غاية الجمال ولكم أتمنى أن تكون منهجاً وطريقاً لنا في حياتنا
وحتى تنضج هذه التجربة بشكل جيد فإنه لابد لقادة الرأي والدعاة وأصحاب التأثير من ترسيخ العقلية النقدية الحوارية والتخفيف من آثار التفكير الحدي وتنمية التسامح مع الذات لكونه يولد التسامح مع الآخرين وإعادة النظر في عملية التنشئة الاجتماعية ليكن جوهرها تنمية ثقافة التسامح وقبول الآخر ولعل نقطة البدء الرئيسة تتمثل في تطوير طرائق التربية وهي عملية غير يسيرة وتطوير منظومة التعليم كل ذلك سيساهم في التخفيف من حدة الخلافات لقبول المختلف
وبعد ما ذكر فمن الحكمة أن نتواضع فمن تواضع لله رفعه وإلا فمن هو الإنسان الذي يستطيع الزعم بأنه يمتلك الحقيقة الكاملة متى ما أقررنا بمحدودية علمنا مهما كثر هذا العلم فإننا سوف نضع لبنة مهمة وأساسية في بناء وتعزيز حوار عقلاني ومثمر ويعزز بالتالي من مسيرتنا الحضارية والتنموية ويدفع بها إلى الأمام ولعلها تكون امتدادا لمسيرة حضارتنا الإسلامية التي شهدت أوج ازدهارها وتقدمها وعلو شأنها وأبرز عناصر هذا التفوق يرجع في أساسه إلى قيم التسامح التي سادت تلك الحقبة وجعلت من هذا المجتمع يستوعب في نسيجه وتركيبته الاجتماعية عناصر بشرية من مختلف الثقافات والحضارات إذ أسهم تلاقح العقول والأفكار في إنتاج علمي وحضاري كبير وهذه الصورة الزاهية لحضارتنا الإسلامية نرى لها اليوم مثيلا وشبيها في أعظم حضارة عرفها التاريخ في الولايات المتحدة الأمريكية إذا يرجع كثير من تقدمها المذهل إلى احتفائها بكل العقول المتميزة حيث وفرت لها هامشا كبيرا من الحرية والتقدير لكي يعملوا وينتجوا ويبدعوا بمناخ صحي سليم فتجد الهندي يعمل إلى جانب العربي والصيني يعمل إلى جانب الأوروبي متجاوزين أوجه الخلاف والاختلاف تجمعهم قيم الكفاءة والقدرة والإبداع وروح الفريق الواحد دون إقصاء أو تهميش
إن سلامة مجتمعنا واستقراره وأمنه رهن بحسن استخدامنا لمنطق نقد الأفكار بشكلها الصحيح والسليم، فمسؤوليتنا الدينية والأخلاقية والوطنية تتطلب أن نرتقي بلغة خطابنا الثقافي والاجتماعي نحو آفاق من الرقي والسمو
إذا أردنا لهذه التجربة أن تستمر وتنجح فلابد لنا أن نؤمن بحق الاختلاف الذي هو سنة من سنن الكون،والاختلاف والتنوع هو أساسها وهو مصدر ثرائها وفي الوقت ذاته هو مصدر جمالها
يقول الحق سبحانه وتعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" والسؤال الذي يجب أن يكون حاضراً باستمرار في أذهاننا هو كيف لنا أن نوظف هذا الاختلاف إيجابيا بحيث يكون في الأخير عامل إثراء وقوة لأنفسنا ولبلادنا
والجواب الذي نريده حاضراً أن يكون هناك مزيد من التسامح فيما بيننا في القبول بحق الاختلاف باعتباره أحد الحقوق الأساسية للإنسان التي يجب احترامها وتقديرها

نقلا عن صحيفة الوطن

 

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك