دمشق تتحدث إليكم… (فأنصتوا لها جيدا)

بقلم عراقي عابر لا يؤمن بسايكس بيكو (  تصادف أن أسمه أحمد خيري العمري)

 

لن أبدأ بالعتاب .

فأنا أعلم كم تضيقون ذرعا بعتاب أمهاتكم لكم على تقصيركم.حتى لو أخفيتم ضيقكم.

تفضلون الأم دوما عندما يكون لومها مؤجلاً.. أو تلميحاً خفياً مجملاً بدعوات الأمومة.

لن أبدأ بالعتاب !.. لكنني لن أتجاوزه، سأؤجله فقط.. وسأشكو لكم أولا من “وضعي الصحي”..

ليس كل وضعي الصحي، ففيه أخبار سأوجلها أيضا..

********************

حاولوا طويلا أن يوهموني أنني قد “كبرت”…

وأنني قد فقدت ذاكرتي تماما..

حاولوا أن يقنعوني أني قد بلغت مبلغ الخرف. وأن كل ما أحمله في ذاكرتي كان مجرد وهم لم يحدث.

جاؤوا لي بأطباء ومعهم شهاداتهم وأشعة  ونتائج مخبرية وقالوا إنها تخصني، قالوا لي إن كل ما أتذكره من مجد وعزة  ليس سوى أوهام نتجت عن اضطرابات في دماغي… وأن إدعائي ما أدعيه كان مثل ادعاءات اللواتي أدعين  أنهن “انستاسيا رومانوف ” بنت القيصر..كن إما مدعيات كاذبات  طامعات في شهرة أو مال، أو مريضات نفسيا..

قالوا إن كل تاريخي لم يحدث، وإني لم أكن يوما ما أقدم عاصمة في التاريخ.

قالوا لي إنني لم أكن سوى لقيطة وجدوها على باب الميتم في ليلة ماطرة، وإنهم أكرموني وتفضلوا علي إذ آووني وأعطوني كسرة خبز وشربة ماء..

قالوا لي إن كل ما أقوله من تاريخ عريق، وعاصمة خلافة، وحضارات متعاقبة، كله ليس سوى حالة طبيعية للزهايمر الذي أعاني منه... وأنه غير مقلق.. إذ أن أحداً لن يصغي لما أقول، لكنهم نصحوني أن أكفّ عن ما أسموه “هرائي” كي لا يضحك علي أحد..

قالوا لي: إني لست سوى مزرعة ورثوها من جدٍّ لهم، كان قاطع طريق، وإن أولادي ليسوا سوى عبيد يعملون في تلك المزرعة..ورثوهم كما ورثوا المزرعة.

كنت أسايرهم أحياناً،لا جبناً، ولكن لأني كلما سايرتهم خففوا قبضتهم، وكفوا عن محاولات إيهامي بالخرف، وكنت أدرك أن ذلك لا بد أن ينتهي.. فقد حاول ذلك أيضا قبلهم كثيرون…

كنت أتمسك بذاكرتي وذكرياتي، أتمسك بكم، أتمسك بكل ما كان، وكل ما سيكون، كنت أختزن عبق الياسمين في أعماقي، وأخرجه ليلاً عندما ينامون، فأتنفسه، فأتذكر أني لا أزال حية.. وأتذكر أن ذلك كله لا بد أن يزول…

مثل مؤمن يتمسك بصلاته في عمق الإعصار، كنت أتمسك بوجه ما يوهمونني به أني فقدت ذاكرتي تماما..

**********

لن أكذب عليكم..

تظاهرت أنني أصدقهم لكن ربما ساورتني أحياناً، في لحظات يأس عابرة بعض الشكوك.. لكنني تظاهرت بأنني صدقتهم.. هكذا فعلت دوماً مع كل الطغاة الذين تعاقبوا علي؛ كنت أخدعهم بأن  أتظاهر أني صدقت خديعتهم.. يسقطون هم في أسر خديعتي لهم،.. وأنتصر بالذات عندما يتوهمون أن انتصارهم علي كان حاسماً.

كان ذلك دوما هو ما أفعله.. أتسلل  إلى النصر دون ضجيج، كما تفعل أغصان الياسمين، تلتف لتصل  بالتدريج وبهدوء حتى إلى برج الحمام العالي.. أغصان الياسمين ليست قوية كما جذوع الأشجار المعمرة، لكنها أكثر مرونة، ولأنها مرنة فإن الطغاة لا ينتبهون لها.. وهذا يجعلها في مأمن نسبي، وفجأة، قد تلتف حول رقبة الطاغية وتشنقه..

هكذا فعلت مع كلِّ الطغاة، حتى جاء هذا الطاغية الذي علي أن أجد طريقة أخرى معه..

هذه العقود الأربعة التي مضت (أربعة فقط ؟!، تبدو لي قروناً متطاولة من ثقلها!) كانت مختلفة عن كل ما مضى.. كانت أشد وطأة، وكان الطاغية هذه المرة أكثر خبثاً ومكرا ، لقد خبر أني أفعل ذلك دوما ، فقام  بقطع جذور الياسمين كي يأمن أنها ستشنقه يوما ما.. أفسد حتى الهواء الذي أستنشقه كي يقتل الياسمين في أعماقي.كي يأمن “شر الياسمين”..

كان الطغاة دوما محتلون عابرون،لكنهم “احتلوني” ليزيدوا فخرا وتيها أحيانا رقيا وتمدنا..

أما هذا الذي تنكر بثوب “الولد”، وثوب “ابن البلد”..فقد تعمد إذلالي أكثر منهم جميعا.

معهم سقطت مثل زنوبيا في الأسر ، ملكة في الأسر..

أما مع هذا الأخير ، فقد كان يقول لي أني لم أكن قط زنوبيا..لم أكن يوما ملكة.لست سوى جارية من جواريه..

صحيح أني لم أصدق قط ما حاول إقناعي به..

لكن أعترف لكم..

كنت خائفة جداً أن تكونوا أنتم قد صدقتموه.

صدقتم أني أنا -أمكم العريقة العظيمة- لست سوى عجوز خرفة، وأن ذلك المجد لم يكن سوى أوهامٍ في خيالات مريض بالزهايمر..

 

كنت خائفة أن تقتنعوا أنكم لستم سوى أبناء للقيطةٍ وجدت على باب ميتم بائس… وأن يكون ذلك سبباً في كونكم لا مبالين.. أن تستسلموا له حقاً ومن الداخل كما كان يبدو عليكم في ظاهر الأمر..

كان ذلك يكاد يقتلني؛ حاولت أن أهمس مراراً في آذانكم؛ أن أكتب لكم رسائل سرية مشفرة تقول لكم الحقيقة.. لكني لم أكن واثقة أنكم تعرفون الشفرة.. أو أنكم ستصدقونني أصلاً.. ربما كنتم ستعتبرونها “تخريفاً” آخر..

كان الياسمين في عروقي يذبل؛ هذا ما كاد يقتلني؛ ليس طغيانهم؛ كاد يقتلني أنهم ربما يكونون قد قتلوا الياسمين في عروقكم.. الياسمين الذي يمكن له أن يلتف ليكون حبل مشنقة..

*********************

ثم سمعت هتافاتكم الأولى.

لم أكد أصدق؛ حقيقة لم أصدق؛ كانت هتافات عامة.. ويمكن لمن يريد أن يفسرها كما يريد…”الشعب السوري ما بينذل”..”الموت ولا المذلة”…”الله، سوريا، حرية وبس”.. كنت أعرف قصدكم؛ فهمته من نبرة كلامكم.. خفت أن أصدق أكثر مما يجب.. وانتظرت المزيد.. انتظرت أن تقولوها ..الياسمين في عروقي كان يريدكم أن تقولوها..

ثم” قلتموها”..

عندما سمعتكم للمرة الأولى، تلعنون روح الطاغية بلا تردد، وتسكنونه حيث يستحق أن يبقى إلى الأبد، وتقولون: “حرية للأبد، غصباً عنك يا أسد”.. عرفت أن عهد وحوش الغابة قد ولى إلى غير رجعة، وأنكم قد مضيتم في طريق لا رجعة عنه..عرفت أنكم ستذهبون إلى قلب الغابة  وقد نزعتم من عقولكم كل ما ملئوها بها من الخوف من غيلان الأساطير..

خفت عليكم ؟ بل خفت أن لا تكملوا الطريق؛خفت أن يقنعكم أحد بنصف حلٍّ يتيح للطاغية أن يكتم على أنفاسي وأنفاسكم مجدداً..

صرختم أنتم: “حرية للأبد…”.. وأورَق الياسمين في عروقي.. تدفق النسغ الصاعد في أغصانه بعد طول انقطاع… أمدني بأوكسجيني.. عاد البهاء والأصالة إلى حاراتي القديمة، وكانت قد أصبحت مجرد ديكورات في مسلسلات باهتة..

عادت الروح لي.. عادت بهتافاتكم.. عادت بثورتكم التي أخدعكم إن قلت: إني انتظرتها منذ عقود فقط…لا انتظرتها منذ أكثر من ذلك بكثير… حتى عندما كانت الأمور أفضل قياساً لما تمرون به اليوم، كنت أتمنى أن أسمع صوتكم.. تثورون.. تطالبون.. تشاركون.. لقد فعلتم ذلك أحياناً.. لكن هذه المرة تفوقتم على أنفسكم…ربما لأن الطغيان تفوق على نفسه هذه المرة.

كنت قد دخلت ما يشبه الغيبوبة، عندما سمعت هتافاتكم تتردد في الحارات والميادين.. فإذا بذلك يكون مثل صدمة كهربائية.. مثل حقنة من الحياة..

يومها وضعت يدي على قلبي… ياللمعجزة… لقد كان يدق..

يدق رغم أني أخفي سرا كبيراً لم أخبركم به..

***********

تهيئوا الآن لعتابي…

عتبي عليكم كبير.

نعم.

أنا من أريد أن يعتب. قد يفاجئكم هذا. فقد تعودتم على توجيه العتب واللوم طيلة الأشهر الماضية، وكنت ساكتة حينا.. غاضبة حينا.. حانقة أحياناً..

لكني اليوم أريد أن أعتب عليكم جميعاً، على كل من عتب علي.. وكل من فكر بالعتاب ولم يعتب.. وكل من سكت.

وكل من لم يفكر بالعتب أو بسواه..

سكتُّ طويلاً.. وتوهمتم صمتي سكوتاً، وقررتم أن السكوت علامة الرضا.. وبنيتم على ذلك ما بنيتم.. لكنه لم يكن كذلك.. لم يكن الأمر كما تظنون.

أعتب عليكم جميعاً..

عتب أمٍّ على أولادها.. تبقى تحبهم حتى وهي تعاتبهم.. بل تبقى تحبهم حتى إن جرها لسانها في لحظة غضب إلى أن تدعو الله عليهم.. عتبي كبير إلى هذا الحد.. وحبي كبير إلى هذا الحد.. وغيرتي عليكم جعلتني أكتم كل ذلك..

عتبي عليكم أولاً، لأنكم كذبتم كذبة وصدقتموها.. أو أن أحداً من أبنائي الآخرين قد كذب الكذبة ولا أدري كيف صدقتموها جميعاً..

كيف تجرأتم وتصورتم أني لست أمَّا لكم جميعا.. كيف تصورتم أني أمٌّ فقط لمن سكن داخل أسواري.. ونام في حضني.. وكبر بين حاراتي وأزقتي..؟

كيف تصورتم أني لست أماً أيضاً لمن ولد في العدية حمص؟.. أو عند نواعير العاصي؟..أو على الساحل .. أو عند الشهباء؟.. أو في الدير؟.. كيف تصورتم أن تلك المدن هي أمهاتكم وليس أنا.. أنا ولدتكم وولدتها.. أنا ولدتكم مرتين.. وتركتكم هناك لتكبروا أصحاء وأقوياء كما كان العرب يرسلون أولادهم .. لا أدري كيف بقيتم هناك.. لكني افترضت أنكم تعلمون أني أمكم.. وأنكم تعلمون أن قلبي معكم.. وأني أحبكم ربما أكثر ممن بقي معي وفي أحضاني .. ألا يقول المثل “مسافرهم حتى يرجع؟..”.. وكنتم أولادي المسافرين أبداً.. فكيف لا أحبكم أكثر..

افترضت أن كل ذلك من المعلوم بالضرورة.. افترضت أني لست بحاجة لأخباركم به… كما لم أسألكم يوما دليلاً على حبكم لي..

اليوم وأنا أسمع ما أسمع أود أن أصرخ بكم.. كما تصرخ أم في أولادها وهم على وشك العقوق.. أصرخ بكم لأنبهكم.. لأوقظكم..

أنا دمشق.. أنا أمكم.. أمكم جميعاً.. حملتكم وهنا على وهن. .ليس تسعة أشهر، بل عبر كل تاريخي.. عبر كل تاريخكم… عبر آلاف السنين التي تجعلكم- ربما -أعرق شعب في العالم..

أنا دمشق..، فقفوا عندكم قبل أن تسقطوا في عقوقي..

أنا أقدم أم في التاريخ.. فلا تدخلوا التاريخ بعقوقكم…

أنا دمشق.. أعاتبكم، فاسمعوني..

*************

أعلم بقلب الأم أن سبب وهمكم هذا أن بعض أخوتكم ممن سكنوا عندي قد ساهموا في ذلك.. قالوا لكم بطريقة ما إنني أحبهم أكثر منكم.. بل ربما قالوا لكم إنهم هم فقط أولادي.. حسناً… هكذا يفعل “المدللون”.. ليس كلهم.. بعضهم على الأقل.. وقد دللتهم، كما ستفعل كل أم مع صغيرها، وستغض النظر عن بعض أفعاله.. وقد سمعت ما كانوا يلمحون به، وتجاوزته.. لم أصدق أنكم أنتم –الكبار- ستصدقونهم..

هم مدللون… لكنكم لستم أغبياء..كان عليكم أن تتفهموا “وضعهم”..كان عليكم أن تفهموا لم يفعل بعض إخوتكم (بعضهم فقط !)الدمشقيين هكذا ، وهذا يزيد مرارتي.. لو كنتم أغبياء ،لربما تفهمت أكثر.. لكن..أن تكونوا ما أنتم عليه من نجاح، مما ينظر إليه العالم كله.. ومع ذلك، تصلون عندي، لأمكم، فلا تفهمون أنني أمكم… أو تتصرفون كما لو كنتم لا تعرفون أمكم.

خيبتم أملي… صدقا خيبتم أملي في هذا الموقف.. جعلتموني أفخر بكم بكل شيء.. لكن كنت آمل أيضاً أن أفخر بفخركم بي، كنت آمل أن ترتموا في أحضاني بعد كل نصر تحققونه … لكنكم كنتم تنظرون لإخوتكم ممن سكنني، ثم تلقون بتعليقاً يزيد مشاكلهم أكثر…

********************

تظلمونهم إذ تنسون أن الثائر فيهم ربما كان بثورة أربعين رجلاً منكم.

تظلمونهم إذ تنسون أن الثائر منهم لا يحارب النظام فقط، بل يحارب أهله  أيضا،أحيانا يحارب  نفسه ووسواسه ومخاوفه..

بل يحاربني إذ ربما يتصور أني لست معه في ثورته..

يحاربني وضميره يؤنبه على ذلك.. فهو قد يتصور صمتي رضا على ما يدور..

تظلمون إخوتكم إذا تعاملتم معهم كما يتعامل بعضهم معكم..

وتظلمونني أكثر، إذ تجعلونني جزءا من كل ذلك، إذ تأخذونني بجريرة البعض منهم..

هل إذا كفّ بعض إخوتكم عن مساعدتكم تلقون باللوم على أمكم؟!

**********************

ليس الدلال فقط.

هناك أيضا ما ترسخ فيهم من “شعرة معاوية”.

وأنا لا أنكر أن “شعرة معاوية” كانت سببا في نجاتهم في الكثير من الأحيان.كانت مقوما لا ينكر من مقوماتهم وخصائصهم.

لكن المشكلة الآن أن ما كان سببا في نجاتهم ، صار سببا في بقاء الطاغية..

صار سببا في هلاكهم.في بقاء ما لا يمكن بقاؤه.

أنا، دمشق، لست ضد “شعرة معاوية” بالمطلق..أكون ضد نفسي إن قلت ذلك..

لكنني ضدها حتما ، عندما تكون خيطا يجرني إلى هلاكي.

بحزم “الأموي الراشد” عمر بن عبد العزيز، أقطع هذه الشعرة.ولو إلى حين..

هذه المرة، ليس شعرة معاوية.

بل حسم عمر بن عبد العزيز..

********************

وهناك أيضا “المناطقية”.

تعرفون جيداً ما أقصد.

وقد آن لنا أن نتحدث بصراحة..

نعم. لم يزرع الطاغية هذا فيكم، بل وجده عندكم فاستثمره… وجد “مدينتي ومدينتك”،”حارتي وحارتك”.. وجد أيضا “ابن المدينة وابن الضيعة”.

كان ذلك كله موجوداً عندكم؛ كان مما ألوم نفسي عليه أني لم أوقفه عند حده في الوقت المناسب… الآن أدرك أن خلاصي وخلاصكم لا بد أن يمر بهذا.. لا بد أن يحدث شيء لهذا.. أن يستأصل، ولو نسبياً، مع استئصالكم للطاغية ونظامه..

آن لكم أن تعلموا أن هذا لا معنى له..

وأنكم، كلكم أولادي..

أولاد أقدم عاصمة في التاريخ..

سواء سكنتم على السفح. برة السور… جوا السور… على الساحل… على بعد أميال… على بعد شهقة.. ولو على الحدود.

أنا قريبة منكم، مثل قرب صرخة أم شهيد في حماة أو حمص أو درعا من ابنها..

مثل قرب النفس الأخير لشهيد قضى تحت التعذيب..

مثل حشرجة فتاة اغتصبها الوحوش على قارعة الطريق..

أنا قريبة منكم جميعاً..

فكلكم أولادي..

***********

أمركم معي يتجاوز كثيراً حجمكم الشخصي، وحتى حجمي على ضخامته.

أمركم معي يمسّ الأمة كلها، حتى لو لم يدرك كثيرون ذلك.

لديكم مسؤولية أن تصححوا الخطأ التاريخي الذي أثَّر على الأمة كلها..

لقد تحولت الخلافة إلى ملك عضوض عندي..

ولد “التوريث” عندي..

والآن أمامكم فرصة لتصلحوا ذلك.

لتكملوا ما بدأه الأموي –الراشدي..

عمر بن عبد العزيز..

لم يقض في الخلافة سوى سنتين ونيف.

لكن الآن لديكم الفرصة لتكملوا ما بذره فيَّ…، وفيكم.

**************************

أقول لكم أيضاً إنه قد آن الأوان أن تفعلوا ما هو صواب دون أن تستغرقوا وقتاً طويلاً جداً في تحليله وتأويله وتأصيله.. بعضكم أسرف في هذا، وجر آخرين إلى ذلك جراً..

أرجوكم..

لا تقولوا لي سلمية أو لا سلمية.. ولا تغرقوا في الجدل حول ذلك.

افعلوا الصواب…

الصواب مهما كان صعبا..لا تهمّ تسمياته.

بالضبط: لم تعد تهمّ تسمياته..

*****************

آن لكم أيضاً أن تعرفوا الحقيقة، أن أخبركم بسري الذي حاولت أن أخفيه عنكم..

بعضكم صار يعرفه…

لكني اليوم أعلنه لكم مهما كان مؤلماً.

أنا مصابة بالسرطان.

نعم. السرطان.

أمكم مثل كل النساء، تصاب أيضا بالسرطان..

لن أقول لكم لا تجزعوا..

..اجزعوا.. ولكن ليس كثيراً..

لا تدعوا جزعكم يشغلكم عن ركضكم بي للعلاج…

خذوني إلى الطبيب..

ورجاء لا تجادلوه؛ لا تقولوا له عندما يقول لكم إن لا حل غير الجراحة أن هناك عقاراً قد تعافت عندما أخذته جارة لكم.. أو طريقة جديدة قرأتهم عنها في النت..

“الزهورات” لن تنفع… ألف مرة سورة الإخلاص قد تشعركم بالطمأنينة.

لكنها لن تشفيني..

الجراحة… الاستئصال بالجراحة… بعملية جراحية كبرى… ربما فوق الكبرى.

لا أخشى ذلك.. واثقة تماماً بربي وما قدره لي..

وأعرف أن الأمر لن ينتهي في صالة العمليات، وأن درب الشفاء سيبقى طويلاً مؤلما… لن أخشى من جرعات “الكيمياوي”.حتى ولو تساقط شعري..

ذلك أفضل بكثير من الموت ببطء عبر.. إنكار السرطان…

عبر تجاهله.. والاستمرار بتناول “الزهورات”.

*************************

أقول لكم ..

لا تنتظروا من أولادي الذين يسكنون عندي –وحدهم- أن يسارعوا بي للطبيب.

بعضهم يفعل ذلك بلا شك، وبعضهم يحاول أن يستمر بالإنكار… بعضهم من شدة الجزع لم يعد يستطيع أن يفعل شيئا.. بعضهم مستمر بالزهورات..وبعضهم يقرأ المزيد من “ختمات” القرآن كبديل عن العمل لا كمساند له….

هل سيجعلكم ذلك لا تهرعون إلي و تأخذونني إلى الطبيب؟ هل يعقل هذا..؟

أقول لكم..

أنا أمانة في رقابكم جميعاً… لا يقولن أحدكم لِم لا يفعل ذلك” الشوام”.. فعلوا أو لم يفعلوا… تعالوا وساعدوني..

لن يسقط الطاغية إلا عندي… في المهاجرين، في جاداتها جادة جادة… عند قاسيون… في ساحة الأمويين… في المرجة…في شرق المزة وفي غربها..، في ركن الدين الذي آن أن يقام..في الميدان الذي آن له يكون “ساحة التحرير”..

لن يسقط النظام حتى لو تحررت كل مدنكم..

جذر السرطان عندي أنا… لا يمكن لكم أن تستأصلوه ما لم تفعلوا ذلك عندي..

تعالوا وحرروني..

ازحفوا لأمكم..

أقول لكم..

برضاي عليكم..

تعالوا جميعاً، اتركوا كل ما في أيديكم.. وحرروني..

المصدر: http://www.quran4nahda.com/?p=2744

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك