العنف مؤشر لأزمة مجتمعية عميقة
العنف مؤشر لأزمة مجتمعية عميقة
العنف المستشري في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل لم يعد ظاهرة هامشية، وإنما يهدد نسيج مجتمعنا ولحمتنا. والقلب يعتصر حزناً وألماً على اقتتال الأخوة، ووقوع الضحايا ليس شهادة شرف لنا كمجتمع ولا نحن فخورون بما يجري.
نشكل قرابة 17% من سكان الدولة (بدون القدس العربية) وكان "نصيبنا" من حالات القتل عام 2009، 80 من مجمل 120 حالة، أي ثلثي حالات القتل. فالعنف بات ملازما لنا في الكثير من المظاهر الحياتية سواء في الشارع، الحارة، المدرسة، المقاهيـ، أو أماكن العمل. يقف شخص بسيارته في منتصف الشارع ويعطل حركة السير، وان نبهته لا يلتفت إليك (كأن الشارع ملك له)، أو شتمك، أو نزل ليهددك بسكين. فحدث ولا حرج رعاك الله..
الاقتتال على خلفية طائفية أو حمائلية، أو فردية أصبح سمة بارزة. ويبقى السؤال: أين، ومتى الجريمة القادمة. نتحدث عن نفس ألأحداث وإن اختلفت السياقات والمواقع.
لا شك أن الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع العربي هي نتاج لمجمل متغيرات التي تؤدي حتماً إلى توترات، مشاحنات وصراعات إلى حد الاقتتال.
فمجتمعنا العربي وبعد النكبة فقد مكونات الحاضرة المدنية، ولجأ إلى الهويات المحلية دون ان تكون الروابط الشمولية هي الأساس. فنرى ان النزعة العصبية والفكر القبلي ما زالا سائدين. صحيح أن المجتمع العربي مر بالعديد من التطورات وبدأ يخرج بأنماط جديدة من السلوكيات بعد ان لملم بعض جراحه ليبني أو ليتعدى الهويات المحلية وعلى رأسها الهوية العربية بكل أبعادها، لكن على ما يبدو أن هذا المجتمع لم ينجح حتى الآن بالتخلص من هوياته المحلية الضيقة وبناء هوية جمعية تتعدى الفئات والطوائف وذلك يعود للأسباب التالية:
• كانت عملية التحديث التي مر بها المجتمع العربي جزئية، ومرت على الأفراد وليس على الجماعات.
• لم نستطع لغاية الآن وبعد ستة عقود من النكبة بناء حاضرة مدنية تعيد لنا إنتاج ثقافتنا وبناء نسيج هويتنا الجمعية.
• ان الواقع الفلسطيني المرير الذي مر ولا يزال يمر بنكسات عديدة، الأمر الذي أدى إلى تفتيت الشعب الفلسطيني، لم تساهم في إعطائنا العمق المطلوب لبناء ثقافة أخرى.
• المؤسسة الإسرائيلية بسياستها العنصرية وعدم تمكين العرب من إقامة مدن جديدة أو على الأقل الاندماج في مدن يهودية، أدى إلى تعزيز الشبكات الاجتماعية الداخلية والتمسك بالأنماط القديمة.
• سياسة إسرائيل التي ساهمت في تعزيز الانقسامات الداخلية بكل الوسائل المتاحة لمؤسسات الدولة.
• الانتقال من مجتمع قروي متعاضد إلى مجتمع استهلاكي تطغى علية المادية والفردية.
• تواجد قرابة نصف المجتمع العربي تحت خط الفقر، وإهمال السلطة المركزية لهذا المجتمع طوال العقود الماضية في جميع المجالات، بما فيها التنمية الاقتصادية-الاجتماعية.
باختصار، العوامل التي تؤثر على حياتنا كثيرة، والعنف ما هو إلا عاكس للازمة التي يمر به مجتمعنا. والسؤال، أين القيادات العربية؟ أزمة مجتمعنا تعكس أيضاً أزمة القيادة فيه، لا شك أننا نعاني من أزمة قيادة على الصعد المختلفة، سواء كانت المحلية أو القطرية، السياسية والدينية، التربوية والثقافية، لذلك لا نرى لهذه القيادات دور فاعل لا في إدارة الأزمات ولا حتى محاولة تفكيك الأوضاع وإعطاء الحلول، اللهم جل ما يقومون به صلح عشائري لإرضاء الخواطر وإطفاء النيران، لكنهم لا يقومون بمحاولة جدية للحد من العصبية والتعصب القاتل، فلذلك المتأمل لمشهدنا العربي الفلسطيني يلحظ أننا مجتمع مأزوم وعلى رأسه قيادة مأزومة.
أين الضوابط؟ للأسف الشديد بدأنا نفقد الضوابط. في الماضي كانت ضوابطنا اجتماعية ودينية. كان احترام للقيادات المحلية، وكان العمل وفق مبادئ أساسية تسيرهم. نحن الآن في مرحلة الانفلات الأخلاقي والتسيب، لا الانصياع للقيادات المحلية ولا الدينية ولا الأسرية. فكل يغني على ليلاه...
أين نبدأ لتغيير الوضع؟ نبدأ المسيرة برؤية وجه الآخر، واحترام الآخر، والتعامل مع الآخر بمساواة وندية، مهما اختلفت آراؤنا، عقائدنا ومفاهيمنا. ما زلنا نتعامل مع أللآخر حتى لو كان من بني جلدتنا كعدو. على القيادات على اختلاف مواقعها أن تعي اللحظة وتفهم أن العنف يأكل الأخضر واليابس. عليها ان تعيد حساباتها بأولوياتها وتضع على جدول أعماها القضايا التي بحاجة لحلول.. نحن بحاجة لرؤية واضحة، واليات قابلة للتنفيذ والبدء بها اليوم قبل الغد.
أقول وباختصار في اللحظة التي يدرك الفرد أن الآخر هو شرعي ومساو له وإن اختلفنا نبدأ بعملية المصالحة الحقيقية مع الذات ونبني عملية التعددية بمفهومها الحقيقي الشمولي، حينها نستطيع أن نبدأ مشوار التحدي والبناء.