جذور العنف..اقتصادية!

جذور العنف..اقتصادية!

د. رفيق حاج

 

جذور العنف عديدة منها الاقتصادية ,العقائدية والغرائزية لكن اكثرها اهمية هو الهوات الاقتصادية والتربوية الشاسعة المتواجدة بين الطبقات الفقيرة والغنيه. للدولة دور مركزي بلجم العنف. لكي تحافظ الانسانية على بقائها وتمنع العدوانية والعنف  قامت بسنّ شرائع دينية ودنيوية مُلزمة وبتذويت قيم اجتماعية هامة. محاربة العنف تتم عن طريق التوعية والعقاب.
 
العنف الوان واشكال ودرجات. هناك العنف الكلامي والجسدي ,المُبطّن والظاهر, وهنالك العنف المنزلي والسياسي والاعلامي وغيره. العنف هو عقليه تدعو الى استعمال القوة من اجل التخويف او السيطرة او العقاب او الانتقام او الحصول على ما نريد بعد ان ننجح في زرع الرعب في نفوس الآخرين. العنف هو آفة اجتماعية خطيرة له اسقاطات سلبية على اقتصاد البلد وتطوره بالاضافة الى كونه مُقلقا لراحة الناس.
جذور العنف عديدة, اهمها العامل الاقتصادي او على وجه التحديد تواجد هوات شاسعة بين الطبقات الغنية والفقيرة. الضغط الاقتصادي يؤدي الى ضغط نفسي متراكم والى احباط مزمن وشعور بالعجز وقلة الحيله وهذا يشكل قنبلة موقوته قد تنفجر في كل لحظه لأتفه الاسباب. الهوات الشاسعة بين الطبقات الفقيرة والغنية تساهم ايضا في تذكية الكراهية والحقد والنقمة وخاصة اذا كانت الطبقة الغنية هي ايضا الطبقة الحاكمة. هنالك مصادر اخرى للعنف وهي الغرائزية التي تعود الى طبيعة الانسان الفطرية.
مع ان العالم والفيلسوف البريطاني ثوماس هوبس افترض ان الانسان عدواني بطبيعته وانه يسعى دائما الى جمع القوة والاستحواذ على الاملاك لتلبية غرائزه والدفاع عن نفسه بحال قيام الآخرين بالاعتداء عليه الا انه اودع بنهاية الامر قوته في ما يسمى الدوله (او السيادة) واستغنى عن عدوانيته وحاجته للدفاع عن نفسه لصالحها. الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية مسؤولة عن حمايتنا وعن توعيتنا وعن محاكمتنا وزجنا بالسجن اذا اعتدينا على الآخرين وينتظرنا عقاب وخيم اذا حاولنا المسّ بحصريتها في هذا المجال.
اذا للدولة بأذرعها المختلفة يوجد دور هام ومركزي بلجم العنف في المجتمع بل هي المسؤولة المباشرة عن ذلك, والمفروض منها ان تسعى للحفاظ على امن وسلامة المواطنين عن طريق التوعية والعقاب. التوعية للعزوف عن العنف ممكن ان تتم عن طريق الجهاز التربوي التعليمي المتمثل بالمدارس والمؤسسات التربوية. اما العقاب فيجب ان يتم عن طريق سن قوانين رادعة تودِعُ كل من يسلك طريق العنف بالسجن. عليها ايضا جمع السلاح غير المرخص الذي يحوّل شجارا عاديا بين اطفال الى حرب طاحنة بين عائلات البلد الواحد تسفر عن ضحايا واصابات خطيرة.
ينمو ويترعرع العنف في مجتمعات تسود بها الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين الشرائح السكانية. ان انعدام التجانس ((heterogeneity في الدخل الاقتصادي والمستوى الثقافي او الانتماء العرقي اوالطائفي او العشائري يؤدي الى شرذمة المجتمع والى تأجيج الكراهية وكهربة الاجواء ومن ثم الى استعمال العنف كوسيلة لتصريف التوتر وسد الثغرات. ما لا شك به ايضا ان العنف يتفاقم في المناطق الفقيرة التي يعاني افرادها من البطالة او مستوى دخل متدن وثقافة متدنية. بعبارة اخرى ان امكانية استشراء العنف في بلد افريقي يسكنه فقراء ومعدومو الثقافة هي اقل بكثير من بلدان "متطورة" مثل شيكاغو او هونغ كونغ او جوهانسبورغ التي تقطن بها طبقات غنية وفقيرة معا.
لكي تحافظ الانسانية على بقائها وتمنع اعتداء الناس على بعضهم البعض قامت بسنّ شرائع دينية ودنيوية وبتذويت قيم اجتماعية عامة يلتزم بها الناس طوعا او قسرا وينضوون تحت غطائها علماً بأن الانتماء الى نفس المذهب الفكري او الديني او السياسي يعمل على سد الثغرات وجسر الهوات بين الناس. صحيح انا فقير وانت ميسور الحال لكن اثنينا نؤمن بالاشتراكية او الشيوعية او اثنينا ننتمي للمذهب الاسلامي الحنيف. هذه القيم والشرائع تحاول ايضا لجم الغرائز البشرية كالعدوانية والاغتصاب والاستيلاء غلى مصادر الآخرين, الا ان نسبة نجاحها بعيدة من ان تكون مائة بالمائة لعدم التزام كل شرائح الناس بها. بعبارة اخرى هنالك مناخ اجتماعي-اقتصادي-سياسي يعيق التزام البشرية بالقيم والشرائع الاجتماعية ومن ثم الى استشراء العنف.
في وسطنا العربي في هذه البلاد تتواجد كل العوامل المحفزة للعنف, فاولا نحن اقلية مضطهدة ومهمشة وفقيرة تعاني من شروخ وانشقاقات على المستوى الطائفي والعائلي والقبلي والجغرافي الآخذه بالاتساع مع الوقت. كما اسلفت سابقا, الضغوطات الاقتصادية تسبب الضغوطات النفسية التي تنفجر بشكل فجائي بصورة جرائم قتل عقب اسباب تافهة. في وسطنا العربي ممكن ان تحصل جريمة قتل على خلفية ايقاف السيارة بموقف الجيران, او شتم احد الِصبية "لأم فلان" او على قلب الفتاة, او على ارث الجدة او على عدم الوقوف بالدور في الصيدليه او على اصوات الناخبين او أي سبب تافه آخر.
اذا كان غرض العنف  الذي يُمارس ضدنا هو اجبارنا على التمشي حسب املاءات ممارسيه فيجب ان نوصلهم الى نتيجة بأن استعماله لن يحقق مطالبهم ورغباتهم وتوقعاتهم وأنه لا يفي معايير الجدوى الاقتصاديه او الاجتماعية او الشخصية بل بإمكانه ان يورطهم في مشاكل لا اول لها ولا آخر. هذا يتطلب عدم السكوت على أي عُنف يُمارس ضدنا جسديا او كلاميا والتوجه مباشرة للشرطه او الى الرئيس في العمل او اية جهة مسؤولة اخرى. هذا يتطلب ايضا عدم الرضوخ لمطالبهم ولتهديداتهم.

المصدر:

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك