حوار بين العثمانيين وملك الأنكروس المعروف بالبابا
حوار بين العثمانيين وملك الأنكروس المعروف بالبابا
قال المحبي في خلاصة الأثر (4/397 ـ 403) في ترجمة مصطفى باشا المرزيفوني الوزير:
كان شديد الطمع في جمع المال وعنده عجب وخيلاء ونفسانية، وتملك داراً بالقرب من جامع السليمانية وعمّرها وأتقنها، فاحترقت في أسرع مدة، فأعادها أحسن مما كانت عليه، وسافر سفرة جهرين بأمر مخدومه السلطان محمد بجيوش عظيمة وافتتحها واحتوى على الملحمة التي بالقرب منها، وهذه الملحمة كما نقله الثقات من أعظم مجالب النفع لبيت المال حتى إنهم يبالغون فيما يدخل منها حد المبالغة وسبب ذلك:
أن بلاد النصارى المعروفين بالمسقو والقزق محتاجون إليها وليس في بلادهم مملحة غيرها، ولما فتحت هذه القلعة سر الناس سروراً عظيماً لأن فتحها كان في غاية الصعوبة وكان كثير من نصارى الروم ممن رأيتهم يزعمون استحالة فتحها ويهزؤون بالوزير صاحب الترجمة في قصدها، وشاع عنهم أخبار في انكسار عسكر المسلمين وهزيمتهم وكانوا يظهرون الشماتة وسبب ذلك: ما يعرفونه من أنها تابعة لملك المسقو وهذا الملك هو أكثر ملوك النصارى جيوشاً وأكبرهم ملكاً.
قيل: إن مملكته مسافة سنة طولاً ومثلها عرضاً، وفي طريق هذه القلعة من جانب قسطنطينية صحراء وارات وهي أرض مجدبة قليلة الخير ليس بها بلاد ومسافتها بعيدة. وبالجملة: فإن فتح هذه القلعة كان من أعظم الفتوحات وزينت دار الخلافة ثلاثة أيام، وكان السلطان محمد إذ ذاك ببلدة سلستره بروم ايلى، فكتب إلى قائم مقام الوزير بقسطنطينية: عبدي باشا النيشاني أنه يريد القدوم إلى دار المملكة وأنه لم يتفق له رؤية زينة بها مدة عمره وأمره بالنداء لتهيئة زينة أخرى إذا قدم فوقع النداء قبل قدوم السلطان بأربعين يوماً، وتهيأ الناس للزينة، ثم قدم السلطان فشرعبوا في التزيين وبذلوا جهدهم في التأنق فيها واتفق أهل العصر على أنه لم يقع مثل هذه الزينة في دور من الأدوار، وكنت الفقير إذ ذاك بقسطنطينية وشاهدتها وأنا متحقق من غير شك يخامرني أنها لم تصدر في زمان ولم يبق شيءٌ من دواعي الطرب إلا صرفت إليه الهمم ووجهت إليه البواعث واستغرقت الناس في اللذة والسرور واستوعب جميع آلات النشاط والحبور وفشت المناهي، وقصر فيها المحذر والناهي، وعلمت العقلاء أن مثل هذا الأمر كان غلطاً، وأن ارتكابه جرم عظيم وخطأ وما أحسب ذلك إلا نهاية السلطنة وخاتمة كتاب السعادة والميمنة، ثم طرأ الانحطاط وشوهد النقصان وتبدّل الربح بعدها بالخسران، فوقع بعيد ذلك في القسطنطينية حريقٌ عظيم بناحية الفنار حرق فيه نحو اثني عشر ألف بيت، ثم تراسل الحريق في كثيرٍ من المحلات حتى حسب ما وقع منه فكان تسعين حريقاً كل ذلك في سنة واحدة.
ثم طلب الوزير صاحب الترجمة الإذن من السلطان بالسفر على بلاد الانكروس وكان عقد الصلح الذي أوقعه معهم الوزير الفاضل بعد فتح ايوار على خمسة عشر سنة قد مضى عليه ثلاث سنين، فأذن له السلطان، وشرع في تهيئة الأسباب من الذخائر ومكاتبة نواب البلاد والعساكر، وجمع من الجيوش والجنود ما لا يدخل تحت حصر حاصر ولم يتفق جمع مثله فيما مضى من الزمان الغابر، ثم طلع صاحب الترجمة من قسطنطينية بأبهته العظيمة، مصمماً على أخذ بلاد النصارى بالقوة الجسيمة، ولم يدرٍ ما خبئ له في الغيب، حتى وقع ما وقع فزال الشك والريب ولنسق أمر هذا السفر فصلاً فصلاً ونبينه بمعونة الله تعالى فرعاً وأصلاً. وما أقول الذي أقوله إلا عن نقل وعزو مع التحري في ذلك بإثبات ومحو فأقول ناقلاً عن كتاب ورد من بعض الأجناد ملخصاً منه محل المراد، قال:
ولم يزل الوزير بمن معه من العساكر سائرين إلى أن وصلوا إلى قلعة يانق في يوم الخميس ثاني عشر رجب سنة أربع وتسعين وألف وعبر نهر ريافي يوم الجمعة ثم في يوم السبت توجه قاصداً قلعة بج.
قلت: وهذه القلعة هي التي كانت مقصودة له بالذات وأطلق أمره في نهب القلاع والقرى التي على الطريق، فما كان للعسكر مشغلة إلا نهبها وإحراقها وإتلاف زروعها فأحرقوا من القلاع المعلومة نحو مئة قلعة وما يتبعها من القرى أشياء كثيرة جداً، وكل قرية من هذه القرى بمثابة بلدة تحتوي على ألف بيت أو أكثر وجميع هذه القلاع والقرى في نهاية الإحكام وحسن البناء وبيوتها في غاية من إتقان الصنعة مسواة بالرخام وفيها من السماقي ما لا يوصف كثرة وأكثر بيوت هذه البلاد ثلاث طبقات الثالثة منها مصنوعة بالدف والخشب وعاثت عساكر التاتار في بلاد الكفار إلى قريب نزل ألما التي هي محل ملك الأنكروس المعروف بالبابا ونهبوا ما قدروا عليه من البلاد وحرقوها، ورأيت بخط بعض الروميين: أن رجلاً من كبار عقلاء النصارى دخل عسكر المسلمين، ثم جاء إلى الشيخ محمد الواني واعظ السلطان مسلماً. قال: وكان له وقوف على أحوال ملكهم وأنهم ذكروا عنده أمر هذه النصرة ولعل لها أسباباً من جانب النصارى أوجب الانتقام منهم. فقال: إن الملك البابا دخل يوماً على زوجته بنت ملك الإسبانية وهو مغموم فقالت له زوجته: ما أغمك؟ فقال: أرى أمر هؤلاء العثمانية قد بلغ النهاية في الغلبة علينا، ومن أعظم ما يغمني من أمرهم طاعة نوابهم وأمرائهم لهم، فإذا طلبوهم بأدنى خطاب من أقصى البلاد لا يمكن أن يتخلفوا ويبادرون إلى الحضور إليهم وامتثال أمرهم، وأما أنا إذا أرسلت إلى أمراء المجار مراسيل أطلبهم لأمر فلا يطيعون أوامري ولا يحضرون إلي، فقالت له: إنما يطيع حكام المسلمين أمر سلطانها؛ لأنهم أهل ملّة واحدة، ومذهبٍ واحدٍ، فخرج الملك من عند زوجته مغضباً وجهز الرسل إلى بلاد المجار يدعوهم إلى مذهبه، فلم يقبلوا، فأرسل عساكر من قبله فقبضوا على أكثرهم وأحضروهم إليه، فعذّبهم، وقتلهم وفعل في بلاد المجار أفعالاً شنيعة جداً، لم تصدر من ملك قط، مع أنهم رعاياه ويؤدون إليه ما عليهم بلا خلاف له، فهذا تحقق النصارى: أن الله تعالى سلّط المسلمين عليه، فخربوا بلاده، وألقى الرعب في قلبه، وقلب عسكره، وهربت رعاياه من هذا الحد إلى حد قزل ألماً وتشتتوا في البلاد كل ذلك بسبب ما فعله مع المجار الذين هم رعاياه وخربه. انتهى.
ثم إن خان التاتار نور الدين كراي، لحق كثيراً من الهاربين فقتل منهم مقتلة عظيمة، ومن أغرب ما وقع في هذا الأثناء: أن سوقة العسكر كانوا يدخلون قلعة من القلاع المذكورة فيرون فيها أناساً قلائل من النساء والرجال فعلوا هذا في أكثر من أربعين قلعة، واستولى قره محمد باشا على قلعة تسمّى أووار يقال: أنها أحصن من ايوار التي افتتحها الوزير الفاضل في سنة خمس وسبعين وألف.
وفتح بكر باشا قلعة هانبرق وهي على ما سمعت في الحصانة لا تقصر عن قلعة حلب، ثم حرقوا القلعتين المذكورتين، وغنم المسلمون غنائم لا تحصر ولا تضبط، وأسروا نحو مئة ألف أسير بحيث بيعت الجارية مع ولدها بثلاثة قروش والأبكار لا يتجاوز ثمنها العشرين قرشاً إلا في النادر، وبيع الرأس من الغنم بقطعتين. ورطل الطحين العال بقطعتين، ورطل النحاس بثلاث قطع، وهرب عسكر النصارى من بج ونواحيها، وأخذوا معهم كثيراً من الأموال فلحقهم جماعة من التاتار فأدركوهم عند لنجه قلعة داخل بج بنحو ستين ساعة فاستأصلوهم قتلاً ونهبوا جميع ما كان معهم.
وفي عشرى رجب توجه نور الدين كراي نحو بابا طاغي بنحو عشرة آلاف من عسكرة التاتار فلقي جماعة من النصارى في عدد عشرين ألفاً فقتل بعضاً وأسر آخرين، ولم ينج منهم إلا القليل وكذلك فعل حاج كراي سلطان في بعض النواحي، فغنم غنائم عظيمة ثم وصل الوزير صاحب الترجمة إلى بج وضرب مخيمه بها، وخيمت العساكر، وهذه القلعة كما تلقيت خبرها ذات قلعة داخلها يحيط بها من جوانبها الثلاثة الدور والأبنية والعمارات والحدائق.
ومن جملة ذلك: سبعة عشر مكاناً باسم الملك تحتوي هذه الأمكنة على عجائب الزخارف والفواكه والفساقي من السماقي والرخام، وقد قدمنا أن عسكر بج كانوا قد هربوا، وكذلك هرب أهل الخارج من الرعية، ولم يبق إلا نحو عشرين ألف رجل عشرة آلاف من العسكر وعشرة آلاف من الرعية في داخل القلعة، فأمر الوزير بإحراق الخارج فأحرق في أقل من طرفة عين ولم يبق إلا محل أو طاق السلطان سليمان ومحله المذكور كانت الكفار قديماً بنته بناءً عظيماً وصيرته من أحسن المنتزهات بالبلدة المذكورة تعظيماً منهم للسلطان سليمان، فإنهم يعظمونه كثيراً، ثم أمر بمحاصرة القلعة فنصبت عليها المكاحل وشرع العسكر في رميها بآلات الحرب فضاق بمن فيها الخناق في أقل من قليل والتجؤوا إلى أن يسلموها طوعاً، فأبى الوزير خوفاً من أن ينهب العسكر ما فيها من الأموال.
وحكي: أنه أبرم عليه أعيان الوزراء والعسكر في المبادرة إلى دخولها صلحاً خوفاً من أمر يأتي فقال: إن ضمنتم لي العسكر في أن لا يأخذوا شيئاً فعلت فأبوا، فتمادى الأمر يومين أو ثلاثة وهو وبقية الوزراء في إعمال الفكر على أن يفتحوها عنوة ومالهم علم بما سيحدث عليهم من الأمر، وإذا بطلائع الكفار أقبلت وفي أثرها عسكر سد الفضا، وشب نيران الغضا لا يبالون بقتل ولا ضرب بل يقدمون على الموت بجنان من الصخر وقلب.
وهجموا دفعة واحدة والعسكر في غفلة عما يراد بهم واختلطوا بهم طامعين في قتلهم وسلبهم وأطلقوا السيوف، وجردوا أسنة الحتوف فلم يكن بأسرع مما انقلب العيان وجمدت في الوجوه العينان، وكان المقدم من المسلمين من عمد إلى الفرار ولم يقر له في تلك الحالة القرار، فقتل من قتل، ونجا من نجا، لكن نجاة من عدم المعونة والالتجاء. واحتوت الكفار على السرادقات والخيول وفازوا بأمرٍ كان يتعسر إليه في أحلامهم الوصول وكر الوزير بمن معه هارباً، وللنجاة من اللحاق به طالباً، وتفرق العسكر في تلك البراري والوهاد ولم يجدوا من مرشدٍ لهم ولا هادٍ، ونفذ ما معهم من الزاد فبعضهم وصل إلى بودم، والبعض إلى اكري، وهكذا حتى اجتمعوا بعد مدة ببلغراد ونفذ أمر العلي الكبير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير، وأقام الوزير صاحب الترجمة ببلغراد يدبر أمراً في تلافي ما مضى، واختلفت بعيد ذلك الآراء وكثرت التخاليط وأظهرت نصارى الأفلاق والبغدان والأردل العصيان، وعم الغم، وعظم الوهم، وزحفت الكفار على بلاد الإسلام، فأخذوا بعض قلاع، وبعث الوزير في ذلك الأثناء إلى ملك الأنكروس رسولاً برسالة يتهدده فيها ويقول له: إنه لا بد من مقابلتك وكسرك، وأخذ جميع بلادك وقهرك في كلامٍ آخر، يعلم من الجواب الذي ورد من ملك النصارى الأنكروس وهذا صورته:
من سلطان الملة المسيحية وقهرمان السلطنة النصرانية، الذي هو ملك ملوكهم وصولته قد أحاطت بأربعة أطراف عالمهم، واستولى على جميع المجار وما عداهم قد استقر في ملكه خمسة آلاف مدينة وحصن حصين وجلس على تخت نوشروان وقيصر وصلصال وصار لجملة أمة عيسى سلطان السلاطين أنهى إليك أيها الوزير الأعظم والسردار الأكرم بناءً على المحبة دعاء لائقاً، وثناءً فائقاً، وقد ورد من طرفك على يد سردار عسكرنا ما يقاس رسالة فحين وصولها جمعنا وكلاءنا وأمراءنا ورهباننا، وقرئت الرسالة بمحضرهم، وفهم مضمونها، فقولك فيها: أن السلطان مراد الغازي القديم لما مضى إلى رحمة الله الجواد الكريم، ولّى ابنه الذي فتح قسطنطينية وهو السلطان محمد، فصرف في سبيل الغزاء بسمة العطية للغزاة ألف حمل ذهب، وإن سلطنتكم اليوم أعظم شأناً وأزيد مملكة وأعواناً مما كانت عليه في زمنه، فهذا السلطان محمد الذي ذكرته كان سلطاناً عاقلاً، عادلاً، وملكاً لا نجد له بين الملوك معادلاً، قد نال ما ناله بعدالته وظفره الله تعالى بما أراده بعنايته، وأما أنتم فلم تقفوا في كتب التاريخ: أن قلعة قسطنطينية يأخذها منا سلطان مسمّى بمحمّد، وأيضاً: نحن نأخذها من سلطان اسمه محمّد، وقد ظهر الآن ذلك حد الظهور وتأكد حيث أخذنا منكم ثماني عشرة قلعة وما عدا ذلك فحكام البغدان والأفلاق والأردل جاؤوا إلى خدمتنا واختاروا الانحياز إلى عبوديتنا. وقولك: إنا نرفع يدنا عن المجار لأنهم هم السبب في هذه الفتنة، فهذا الكلام بعيد عن الأفهام، وهل هو إلا أمر ينزع تاجنا عن رأسنا، فإن التاج لهم. وأما قولك: ويكون ذلك مدار الصلح والصلاح فهل طلبنا منكم الصلاح والصلح، نحن لا نطلب الصلح ولا نترجاه، ولا يخطر على بالنا بعد الفساد الذي شاهدناه. وأما نقض العهد فمن ابتدأ به سيلقى غبّه، ويتجرع منه ما لا يسيغه إذا كلف شربه. قد راعينا فيما سلف العادة القديمة ورعينا الذمة المستقيمة، فأرسلنا هديتنا المعتادة إلى قريب قومران فخرج حاكم بوديم جلالي باشا وأغار على بلادنا وأنزل بها الهوان، فهل يليق هذا المتعدي الذي ما وقع في عصرٍ من العصور، ثم بعد ذلك وقع لرسلنا من الإهانة والحبس ما استدللنا به على النصرة لطرفنا، فإن الله غيور، وقولك: أن سلاطينكم أصحاب مال وعسكر كثير، فنحن نعرف هذا المقدار، ولكن كسر العسكر الكثير، وهلاك من نقض العهد عادة أزلية لذي الجلال القهار. والحاصل: إن كان المراد الصلح فيكون لنا من البلاد من حدنا الآن إلى حد أسكوب وإلا فلنا معك سوق حرب يقام فيه المتاع المجلوب، ثم لم يزل الوزير صاحب الترجمة مقيماً ببلغراد والناس في قلق واضطراب، وفي كل يومٍ يحدث خبر مذهل لأولي الألباب، ونصب أهل الممالك له العداوة، وذهبوا كل مذهب في أنه من أهل الغباوة والشقاوة، ولهجوا بالدعاء عليه، وفوّقوا سهام ذمهم إليه، حيث كان السبب في انتهاك حرمة الإسلام، وامتهانه، بتغلب الكفرة الفجرة اللئام، ولهم فيه بسبب ذلك أقاويل كثيرة، وكلمات مزرية شهيرة، من أخفها: أن أمر الدولة كان غنياً عن هذه المحاربة، وأنه كان يمكن الانتصاف من الكفرة، وهو الأقرب بنوع من المطالبة، وإنما الطمع أدّاه إلى هذه الأفعال، فكان عاقبة أمره الوبال والنكال.
وحكى لي بعض المقربين إليه، وهو من المهرة في علم النجوم والرمل: أنه استشاره في أمر هذا السفر فأشار عليه بتركه وأجمل في العبارة.
قال: فقال لي: أن السلطان سليمان وصل إلى بج ولم يفتحها، فإذا فتحت على يدي كان لي شأن عظيم لم ينله ملك عظيم، فقلت الآن أبين لك ما ظهر من تحرير أمر هذا السفر وهو أني لما جررته بان لي فيه نحوسة وكان قبيل ذلك بمدة ظهر نجم له ذنب بقي ليالي وكان ذنبه إلى جهة قسطنطينية، فقلت له: ومما يقرر ما قلته ظهور هذا النجم وقد امتدّ ذنبه إلى جهة قسطنطينية، فإن أرباب التنجيم قائلون: بأن جهة الذنب من نجم يظهر جهة نحوسة. قال: فقال لي: كنت أظنك ناصحاً صدوقاً فالآن تبين لي منك خلاف ذلك، فلا تخاطبني بعدها في خصوص هذا السفر بشيءٍ، ودع عنك أشباه هذا الكلام فلا تجريه على لسانك مرةً أخرى. قال: فعلمت أن غرور الدولة استحكم فيه وأنه مدل بعجبه إلى خطرٍ عظيم من غير شكٍّ ينافيه، وما زال الوزير في قلقٍ واضطراب، مترقباً لما يظهر في حقه من طرف السلطنة من الجزاء والعقاب، فبرز الأمر السلطاني بقتله وتدميره جزاءً له على ما جناه من سوء تدبيره، فقتل في المحرم من سنة ألف وخمس وتسعين عليه رحمة المولى المعين.