الربانيون .. فئة الإصلاح والتجديد

الربانيون .. فئة الإصلاح والتجديد

 

جعل الله – عز وجل–  فئة من المسلمين اصطفاهم لخير العباد، سماهم (الربانيين)، يستقون فقههم وفهمهم من القرآن والسنة الصحيحة، وفق فهم النبي – صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام، يحتاج إليهم المجتمع، بل والعالم كله، يضربون المثل الحي ،والنموذج الواقعي للعلماء العاملين، فكانوا على مر العصور موازين قوى ولبنات صالحة للخير والبر والإحسان،

 لما في المجتمعات من حولهم من أمور تنافي مراد الله، سبحانه وتعالى، فكان الربانيون كالجراحين الحاذقين، يعرفون كيف يعالجون أمراض المجتمع .. حول الربانيين من العلماء والعباد، وكيف لا يستغني عنهم المجتمع ودين الله - سبحانه وتعالى-  التقينا الداعية الإسلامي والخطيب بمسجد المجرن بإدارة مساجد حولي بدولة الكويت فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن حافظ ، وكانت لنا معه هذه الوقفات .....

 

  • فضيلة الشيخ محمد حافظ - رعاكم الله تعالى-، بداية ماذا عن الربانيين في نداء الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ؟

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ،،

 نداء رباني نداءٌ علويٌ للفئة المؤمنة كي تترقى في درجات العلم والعمل الصالح فتنال رضا الله تعالى وثوابه، يقول الله عز وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} آل عمران:79 فحين تلتقي في نفس المؤمن قوة الإيمان وصلابته مع صدق العزيمة والإخلاص والسكينة والرقة والإخبات والصفاء فإن هذا العبد يتمثل في نفسه خلق الربانية.

فالربانيون قوم وصلوا إلى المقام الأعلى في العلم والتربية، إن من نعم الله تبارك وتعالى على هذه الأمة أن جعل ملتها حنيفيةً سمحةً، ليست رهبانية كالتي ابتدعها النصارى، ولا مادية كالتي مال إليها اليهود فقست قلوبهم، ولكنها شريعة ربانية ، تفخر هذه الأمة بأنها أمة ربانية لا رهبانية. لكنَّ بعضَ الناس أساءَ فهمَ معنى الربانية في هذه الشريعة ، ففَهِم الربانيةَ مثلما فهم النصارى الرهبان، فهمها ذكراً وأوراداً وقراءةً وتلاوةً وتسبيحاً وعبادةً واعتزالاً عن الناس،ورأى أنه إذا كان عابداً تالياً للقرآن ذاكراً للرحمن ، مشغولاً بإصلاح نفسه، معنيّاً بتوثيق صلته بربه  قام ليلَه مسبحاً، من غير أن يكون لذلك أثر في الحياة ، رأى أنه بهذا حقق معنى الربانية ، وشاع بين الناس ذلك الحديثُ الموضوعُ المكذوب عبدي أطعني تكن عبدا ربانيا تقول للشيء كن فيكون ، وظنوا - هداهم الله - أن العبد إذا اشتغل بالأوراد والتسبيحات والأذكار وصرف وجهَه عن الناس والأخطار والمنكرات وترك الدنيا لأهلها كما يقولون ،واعتزل بنفسه يناجى ربه ، أنه بذلك يبلغ أن يكون وليَّ الله الذي يحقق ما يريد ، ويفعل ما يشاء ،ويقول للشيء كن فيكون ، هكذا فهم بعضُ الناس معنى الربانية، ولما كان هذا الفهم مجانباً لكتاب الله تعالى وسنة رسوله ،ومجافياً لحقيقة هذا الدين .

 

  • فماذا تعني إذن  كلمة ربانية من وجهة نظركم ؟

 

وردت كلمة (الربانيون) في القرآن الكريم ثلاث مرات ، بلفظ ( ربانيون ) قال تعالى : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران/79 ، ومرة بلفظ ،قال تعالى {وَكَأَيِّن مِّن نَّبيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابرِينَ *وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران146- 148 ،وقد ورد لفظ ( الربانيون ) في سورة المائدة قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة/44 - والآية الثالثة في سورة المائدة ،قال –عز وجل– {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }المائدة /63 .

 

  • فضيلة الشيخ .. فماذا تعني كلمة رباني أو ربانيون؟

 

معنى الربانيين العلماء: والرباني منسوب إلى الرب لأنه من يتلقى منهجه من الله تعالى في هذه الحياة من خلال رسالاته وفهم الأنبياء، وبالله تبارك وتعالى وعليه يعتمد في سيره في هذه الدنيا ، وإلى الله عز وجل مرجعه ومصيره ، فهو عبدٌ لا يأخذ توجيهاتِه إلا من ربه فهو عبد رباني ، ولا يتلقى نظامَ حياته إلا منه ، لذا فهو إنسان أخلص لله تعالى في عبادته وراقبه في كل أقواله وأفعاله واتقاه حق التقوى وجمع بين العلم النافع والعمل به وقضى حياته في تعليم الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم، فلم يقل نبي من أنبياء الله أبداً {كونوا عباداً لى من دون الله} وإنما قالوا كما قال القرآن الكريم {...ولكن كونوا ربانيين ...} أي منتسبين إلى الرب عباداً له وعبيداً، توجهوا إليه وحده بالعبادة وخذوا عنه وحده منهج حياتكم حتى تخلصوا له وحده فتكونوا ( ربانيين )

فالرباني دائم البحث عن الخير دائم التعرف على الحق فهو يريد إصلاح نفسه وإصلاح غيره وإصلاح المجتمع من حوله ، فالربانيون عمل يجمع الصالح إلى الصالح واليد المصلحة إلى اليد المصلحة حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله، قال ابن عباس : الربانيون : الحكماءُ الفقهاء . وقال الحسن البصري : الرباني الذي يُربي الناسَ بصغار العلم قبل كباره . فالرباني إذن له دور في عملية التربية والإحياء والإصلاح ، يربي الناس بالعلم ، وينقلهم من واقعهم إلى الواقع الأفضل ، ويدعوهم إلى الأحسن والأجمل ، الذي ينفعهم في حياتهم وآخرتهم . هذه المعاني كلها صحيحة ، والرباني في الحقيقة هو الذي يتعلم أمر الله ونهيه ويعرف شرع الله ووحيه ، فيطبقه في ذات نفسه ، ويدعو غيره إليه ، ويقوم بعملية الإصلاح في حياة الناس .

وقد اختلف المفسرون في تحديد معنى الربانيين، ومن أحسن ما قيل في ذلك ما قاله الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- بعد سياقه لأقوال الناس في ذلك؛ حيث قال: "وأولى الأقوال عندي بالصواب في الربانيين أنهم جمع ربانيّ, وأن الربانيّ المنسوب إلى الرّبّان: الذي يربّ الناس, وهو الذي يصلح أمورهم ويربها, ويقوم بها.

فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا, وكان الربان ما ذكرنا, والرباني: هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت, وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين, يربّ أمور الناس بتعليمه إياهم الخير, ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم, وكان كذلك الحكيم التقيّ لله, والولي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم, بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم, وعائدة النفع عليهم في دينهم ودنياهم كانوا جميعا مستحقين أنهم ممن دخل في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَكِن كُونُوا رَبانِيِّينَ﴾. فالربانيون إذًا, هم ولذلك قال مجاهد: "وهم فوق الأحبار"؛ لأن الأحبار هم العلماء.

والرباني: الجامع إلى العلم والفقه, البصرَ بالسياسة والتدبير, والقيام بأمور الرعية, وما يصلحهم في دنياهم ودينهم".

وطريق الوصول لذلك بالعلم الشعري النافع، وتعاهد النفس بالرعاية والتربية، والتخلق بأخلاق أهل العلم وآدابهم.

 

  • فضيلة الشيخ – حفظكم الله تعالى - وماذا عن حاجتنا للربانيين وما صفاتهم بصورة موجزة ؟

 

نحن في حاجه إلى إسلام رباني منظم ليواجه الكافرين الفاسدين الذين يعملون ضمن عصابات وجماعات لا يمكن أن يقاوم إلا بأمة مجتمعة قال تعالى {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبيرٌ }الأنفال/73

كان اثنان من الصالحين يسيران معا فرأيا أناسا على الفساد ،فقال أحدهما للآخر:تعال بنا نسير إلى هؤلاء القوم الفاسدين لندعوهم إلى الله عز وجل والإقلاع عن الفساد ،فقال الآخر :يا أخي إنما أحب أن يصفو لي قلبى ولا أريد أن أنشغل بغيرى وما على لو قعدت أعبد الله تبارك وتعالى ولا يصيبنى من أذى هؤلاء الناس شئ فقال صاحبه : لكنى والله لا أرى ينجينى من عذاب الله عز وجل إلا أن أذهب فآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأخالط الناس وأصبر على أذاهم فذلك خير لي من أعتزل ولا أصبر عليهم هذا هو الإسلام وهذه هي الربانية التي يجب أن نفهمها نحن المسلمين.

فيوصف بالربانية العالم الراسخ في علمه كالأئمة الأربعة -مثلاً- المشهود لهم بالفضل والعلم ،والمجددين عبر العصور فيطلق عليهم ( ربانيون) ، ربانيون: أي حكماء، علماء، حلماء كما ذكره ابن كثير وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه. ربانيون: أي فقهاء ، وعرفهم غير واحد من السلف، ربانيون: أي أهل عبادة وتقوى؛ كما هو قول الحسن أيضاً، وهؤلاء توفرت فيهم صفات: من الإخلاص والعلم والعمل والتعلم والإتباع والحكمة والتواضع والسمت والوقار ومخالطة الناس والتغير والإصلاح والجهاد هذه صفاتهم تبين الفهم الشامل للإسلام والدين وما يجب أن يكون عليه المسلم الرباني .

 

وفي الختام نشكر باسمكم فضيلة الداعية الإسلامي والخطيب بمسجد المجرن بإدارة مساجد حولي بدولة الكويت فضيلة الشيخ/ محمد عبد الرحمن حافظ ، على الوقفات حول مسألة الربانية في العلم والعبادة وكيف يكون لدينا علماء ربانيون، ونسأل الله العظيم أن يرزقنا علماء ربانيين مثل الشافعي والإمام مالك وغيرهم ممن وضعوا للإسلام قواعده وأسسه، والعز بن عبد السلام الذي ضرب للعلماء الربانيين مثلا يحتذى به، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصل اللهم على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المصدر: http://islam.gov.kw/cms/index.php?cID=5683

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك