حوار بين السلطان آلب أرسلان وعظيم الروم أرمانوس

حوار بين السلطان آلب أرسلان وعظيم الروم أرمانوس

 

عظمَ أمر السلطان ألب أرسلان، وخطب له على منابر العراق والعجم وخراسان، ودانت له الأمم، وأحبته الرعايا، ولا سيما لما هزم العدو، فإن الطاغية عظيم الروم أرمانوس حشد، وأقبل في جمعٍ ما سمع بمثله، في نحو من مئتي ألف مقاتل من الروم والفرنج والكُرج وغير ذلك وصل إلى منازكِرد، وكان السلطان بخويّ قد رجع من الشام في خمسة عشر ألف فارس، وباقي جيوشه في الأطراف، فصمّم على المصاف، وقال: أنا ألتقيهم ـ وحسبي الله ـ فإن سلمت، وإلا فابني ملكشاه ولي عهدي، وسار، فالتقى يزكه وبزك القوم، فكسرهم يزكه، وأسروا مقدمهم، فقطع السلطان أنفه، ولما التقى الجمعان، وتراءى الكفر والإيمان، واصطدم الجبلان، طلب السلطان الهُدنة.

 

قال أرمانوس: لا هُدنة إلا ببذل الري، فحمي السلطان، وشاط، فقال إمامه: إنك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره، ولعلّ هذا الفتح باسمك، فالقهم وقت الزوال ـ وكان يوم جمعة ـ قال: فإنه يكون الخطباء على المنابر، وإنهم يدعون للمجاهدين. فصلّوا، وبكى السلطان، ودعا وأمّنوا، وسجد وعفّر وجهه. وقال: يا أمراء! من شاء فلينصرف، فما هاهنا سلطان، وعقد ذنب حصانه بيده، ولبس البياض وتحنّط، وحمل بجيشه حملةً صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون كيف شاؤوا، وثبت العسكر، ونزل النّصر، وولّت الروم، واستحرّ بهم القتل، وأسر طاغيتهم أرمانوس، أسره مملوك لكوهرائين، وهمّ بقتله، فقال إفرنجي: لا لا، فهذا الملك. وقرأت بخط القفطي أن ألب آرسلان بالغ في التضرع والتذلل، وأخلص لله. وكيفية أسر الطاغية أن مملوكاً وجد فرساً بلجام مجوهر وسرج مذهب مع رجلٍ، بين يديه مِغفرٌ من الذهب، ودرعٌ مذهبٌ، فهمّ الغلام، فأتى به إلى بين يدي السلطان، فقنّعه بالمِقرعة، وقال: ويلك! ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟ قال: دعني من التوبيخ.

قال: ما كان عزمك لو ظفرت بي؟

قال: كل قبيح.

قال: فما تؤمّل وتظن بي؟

قال: القتلُ أو تشهرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء؟.

قال: ما عزمت على غيرها. فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمس مئة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة، وأعطاه نفقة توصلهُ.

وأما الروم فبادروا، وملّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس، شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهّب، ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاث مئة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر،

وقيل: إنه غلب على ثغور الأرمن. وكانت الملحمة في سنة ثلاث وستين.

وقد غزا بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان، ومنها إلى كِرمان وبها أخوه حاروت، وذهب إلى شيراز، ثم عاد إلى خراسان، وكاد أن يتملك مصر.

ثم في سنة خمسٍ عبر السلطان بجيوشه نهر جيحون، وكانوا مئتي ألف فارس، فأتي بعلج يقال له: يوسف الخوارزمي، كانت بيده قلعة، فأمر أن يُشبَحَ في أربعة أوتاد، فصاح: يا مخنث: مثلي يُقتل هكذا؟ فاحتدَّ السلطان، وأخذ القوس، وقال: دعوه. ورماه، فأخطأه، فظفرَ يوسفُ إلى السرير، فقام السلطان، فعثر على وجهه، فبرك العلجُ على السلطان، وضربه بسكين، وتكاثر المماليك، فهبروه، ومات منها السلطان.

 

المصدر: سير أعلام النبلاء (18/415 ـ 417).

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك