التقريب بين المذاهب أو الانشغال بالتفريق

التقريب بين المذاهب أو الانشغال بالتفريق

فهمي هويدي

 

من الأسف أن نفراً غير قليل من المسلمين مشغولون بالتفريق وليس بالتقريب، وليس ذلك مقصوراً على عوام المسلمين وحدهم، ولكنه ينطبق أيضاً على النخبة، من المثقفين وأهل العلم، ولعل الجدل الذي ثار على صفحات المجلة حول تحول أحد رموز حركة الجهاد الإسلامي من المذهب السني إلى المذهب الشيعي يعد نموذجاً لتجليات التفريق التي مازالت مترسبة بين أصحاب المذاهب الإسلامية.

 

ومما يلاحظه المرء فيما يخص أهل العلم أنهم في السابق، الأربعينيات مثلاً، كانوا أكثر حماساً للتقريب بين المذاهب، من أقرانهم في التسعينيات، الأمر الذي يدعونا إلى التفكير في الأسباب التي أدت إلى ذلك.

 

حين تراجع استقلال العلماء

 

لن أعمم، لكني سأضرب مثلاً بعلماء الأزهر الشريف، الذي هو أقدم وأعرق جامعة إسلامية، حيث أزعم أنني قريب من أجوائه في مصر، بحكم الاعتبار الجغرافي على الأقل، وإذا ألقينا السؤال، لماذا كان حماس أهله في الأربعينيات للتقريب أكبر وأوضح منه في التسعينيات، فإن الإجابة الحاضرة في ذهني الآن هي: أن الفرق بين المرحلتين يكمن في اختلاف طبيعة العلاقة بين العلماء والسلطة في كل منهما. ففي ذلك الوقت المبكر كان الأزهر وعلماؤه يتمتعون بقدر من الاستقلال سمح لهم بأن يتخذوا مواقف ويعبروا عن آراء حرة يبتغون بها وجه الله، دون أن يكون للسلطة شأن بها، وكان ذلك بعضاً من تجليات المرحلة الليبرالية النسبية التي عاشتها مصر آنذاك.

 

في التسعينيات، في ظل استمرار تراجع الهامش الديمقراطي وتعاظم دور الدولة، لم يكن بمقدور العلماء أو الأزهر أن يتحركوا بعيداً عن سلطات الدولة ولا سياساتها، ولذلك فإن الخلاف السياسي مع إيران أدى تلقائياً إلى تراجع عملية التقريب، بل وفتح الباب في أقطار عربية عدة، وليس في مصر وحدها، لتعميق التفريق، وتقديم التخاصم والتقاطع على التلاقي والتفاهم، وكانت النتيجة أن تراجعت علائق السنة والشيعة عما كانت عليه قبل نصف قرن مضى.

 

بكل المقاييس فأوضاع التسعينيات أفضل بكثير من أوضاع الأربعينيات، فهذه الأخيرة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت مسكونة بأجواء الإحباط واليأس، كانت الخلافة الإسلامية قد ألغيت في تركيا، وكان العالم العربي كله تقريباً يرزح تحت الاحتلال، وبدأ الغرب في أوج قوته، منتصراً في الحرب ومستعلياً كنموذج حضاري، ومع ذلك فقد انتعشت حركة التقريب على نحو مدهش كما سنرى بعد قليل.

 

في الثمانينيات والتسعينيات كانت المشاعر الدينية قد تعالت مؤشراتها، وسرى الانتعاش بدرجة أكبر في المجتمعات الشيعية، التي استقبلت بحفاوة حدث الثورة الإسلامية في إيران، ورغم أنه من المفترض في هذه الأجواء أن تكون الظروف مواتية للتقريب بدرجة أكبر، إلا أن ذلك لم يحدث للأسف الشديد، لأن رياح السياسة وضغوطها أصبحت أقوى، الأمر الذي لم يوفر لجهود التقريب الدفعة القوية المرجوة.

 

المصدر: موقع فرات

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك