الغرب والإسلام بين التسامح والإقصاء

الغرب والإسلام بين التسامح والإقصاء

 

ياسر الزعاترة

 

من الضروري أن تختار أوروبا بين أن تكون متسامحة تستوعب جميع أعراقها وأديانها، وبين أن تتحول إلى غيتو للجنس الأبيض، فالإقصاء يفرز الإقصاء، واليوم المسلمون هم المشكلة، وغدًا سواهم من العرقيات الأخرى، مع أن أكثر أعمال العنف التي طالت الأبرياء، وتورط فيها مسلمون هي نتاج ردود أفعال خاطئة على العدوان الغربي على بلادهم، وهو عدوان ينطوي على أبعاد استعمارية إمبريالية من دون شك، وإلاّ فما الذي جاء بهذه الجحافل من الجنود إلى العراق وأفغانستان؟! من دون أن يعني ذلك أدنى تبرير لتلك الأعمال.

 

لا يمضي أسبوع، وأقله شهر إلاّ ونسمع تصريحات ضد الإسلام وكتابه المقدس، تطلقها دوائر غربية، فضلاً عن ممارسات معينة على شاكلة حرق القرآن، أو استهداف رموزه الأخرى من مآذن ومساجد وسواها.

 

واللافت أن أكثر مَن يتورّطون في ذلك الخطاب العنصري ضد الإسلام والمسلمين لا يعرفون الكثير عن الإسلام والمسلمين، بل إن ثقافتهم على هذا الصعيد لا تعدو أن تكون نتاج ما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية أكثر من أي شيء آخر، ولم يكلف أحدهم نفسه عناء البحث عن تعاليم هذا الدِّين الذي يهاجمه.

 

ثمة ملاحظة بالغة الأهمية على هذا الصعيد تتعلّق بالتوظيف المجتزأ لنصوص القرآن الكريم، والتي تجعل منه كتابًا تفوح منه رائحة العنف والعنصرية، وليس كتابًا يدعو إلى الخير والفضيلة والتسامح، وقد تابعنا غير مرّة كيف تحوّل أحد أبناء المسلمين في الغرب إلى ألعوبة بيد مجموعات مناهضة للإسلام عندما راح يترجم نصًّا من هنا، وآخر من هناك للدلالة على ما يستبطنه القرآن الكريم من مواقف إقصائية (عنصرية بتعبيرهم) ضد الآخرين.

 

هنا ينبغي للدعاة والعلماء أن يوضحوا أن للقرآن روحه العامة، ونصوصه الخاصة بوقائع بعينها، وأن قراءته لا يمكن أن تتم بطريقة متعسفة باجتزاء نص من هنا، وآخر من هناك، يتحدّث بعضها عن سياقات تاريخية لا تعبر عن الطبيعة المتسامحة في نظرته للآخرين، وعنوانها “ولا تعتدوا”، “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن”، “لا إكراه في الدّين”، إلى غير ذلك من الآيات التي لا يغيّر من حقيقتها قول بعض السطحيين إن الإسلام يرى الآخرين كفارًَا على صعيد المعتقد، لأن هذا ما يفعله الآخرون أيضًا، بل يفعلونه على صعيد الدِّين الواحد في كثير من الأحيان.

 

ما لا يقل أهمية عن هذا الاستهداف الفكري للإسلام هو التحذير المتواصل من اجتياحه لأوروبا، وهنا يصعب القول إن تلك التحذيرات قد ترجمت إلى سياسات واقعية في الدول الأوروبية، إذ ما يزال الوضع معقولاً على هذا الصعيد، مع بعض الاستثناءات في هذا البلد أو ذاك، كما هو الحال في فرنسا. لكن ما ينبغي التذكير به هو أن ما يحوّل الوجود الإسلامي في أوروبا إلى أمر مثير للمشاعر هو التركيز الإعلامي من قِبل جهات لبعضها توجهات صهيونية ويمينية عنصرية. عندما يسيطر أمثال روبرت ميردوخ على إمبراطوريات إعلامية توجه الرأي العام الأوروبي والأمريكي، فإن من الطبيعي أن يتحوّل المسلمون إلى مادة دسمة للتحريض، سواءً ارتكبوا أخطاء حقيقية، مثل تلك التي يتورط فيها بعض أبنائهم، أم لمجرد الشبهة، وقد تابعنا كيف يعتقل رجل هنا أو هناك ثم يجري التركيز المفرط على المؤامرة الرهيبة التي كان يعد لها، ثم ما يلبث أن يفرج عنه بعد التأكد من براءته!!

 

يحدث ذلك للمسلمين وحدهم، بينما لو تتبعنا مثلاً جرائم السود -هناك- والناتجة عن الفقر لكانت أكبر بكثير من حوادث العنف التي نفذها مسلمون طوال الأعوام الماضية، ولا تسأل بعد ذلك عن الأديان الأخرى الموجودة في أوروبا، وتمارس طقوسها في العلن، وجميعها تقول إن دينها هو الصواب وحده، وسواه خاطئ وسيحمل صاحبه إلى النار.

 

أمّا حكاية الخطر على أوروبا التي تحدث عنها البابا غير مرّة فهي أسطورة أيضًا، لأن عشرين مليون مسلم بين ما يقرب من ثلاثة أرباع مليار أوروبي لن يؤثروا حتى لو أنجب أحدهم عشرة أولاد، وهو ما لا يحصل في واقع الحال، ولا تسأل بعد ذلك عن المسؤولية الأخلاقية لأوروبا الاستعمارية عمّا آلت إليه أحوال البلاد العربية والإسلامية، ودفعت جزءًا من أبنائها إلى الهجرة، الأمر الذي لا يرد على أذهان المتحدثين، فضلاً عن أن يرد في أقوالهم.

 

إن هذا المستوى من التحريض لا يمكن أن يتوقف عند المسلمين، والإقصاء يجلب الإقصاء، فبعد تصريحات البابا عن المسلمين قبل عامين، رأيناه يستدير نحو الكنائس المسيحية الأخرى، معتبرًا أنها ليست من المسيحية في شيء، وأن الكاثوليكية وحدها هي الدِّين الصحيح.

 

من الضروري أن تختار أوروبا بين أن تكون متسامحة تستوعب جميع أعراقها وأديانها، وبين أن تتحول إلى غيتو للجنس الأبيض، فالإقصاء يفرز الإقصاء، واليوم المسلمون هم المشكلة، وغدًا سواهم من العرقيات الأخرى، مع أن أكثر أعمال العنف التي طالت الأبرياء، وتورط فيها مسلمون هي نتاج ردود أفعال خاطئة على العدوان الغربي على بلادهم، وهو عدوان ينطوي على أبعاد استعمارية إمبريالية من دون شك، وإلاّ فما الذي جاء بهذه الجحافل من الجنود إلى العراق وأفغانستان؟! من دون أن يعني ذلك أدنى تبرير لتلك الأعمال.

 

بقي القول إن على المسلمين أن يقدموا رسالتهم قولاً وعملاً على نحو أفضل بكثير، وأن ينقوا صفوفهم من الشوائب التي تمنح أعداءهم فرصة الهجوم عليهم، في ذات الوقت الذي تسيء فيه إلى دينهم وعقيدتهم.

 

المصدر: شبكة نسيج

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك