مستقبل الحوار مع الغرب بعد الثورة

مستقبل الحوار مع الغرب بعد الثورة

 

أسامة الهتيمي

 

 

سيحاول الغرب أن يركز حواره في الفترة المقبلة مع العرب والمسلمين عن مستقبل المنطقة بعد الثورة والعمل على تثبيت الموقف تجاه الكيان الصهيوني وضمان بقاء اتفاقيات السلام المبرمة بين قيادات الاحتلال والأنظمة السابقة انطلاقا من مبدأ تحقيق أمن واستقرار المنطقة وهي المطالب التي سيسعى الغرب أن يقدم من أجل تحقيقها الكثير من الإغراءات فضلا عن محاولات مكثفة لاختراق الحياة السياسية والعمل على استقطاب بعض القيادات السياسية القديمة والجديدة والتي يحتمل أن يكون لها دورها خلال تلك المرحلة .

 

ليس من المبالغة القول بأن وصف حالة الاتصال القائمة بين العرب والمسلمين من ناحية وبين الغرب من ناحية أخرى بأنها حوار بين طرفين هو تجاوز  لما تم التعارف عليه بشأن مفهوم الحوار الذي يفترض أن يكون أساسه وجود قضية محددة بين فريقين أو أكثر يعرض كل طرف فيها رأيه ويرد الآخر عليه فالواقع كان يؤكد دائما أن الطرف العربي الإسلامي لم يكن أبدا طرف حوار إذ كان غالبا في دائرة اتهام الطرف الذي كان يعمل وباستمرار على ابتزازه والنيل منه عبر هذا الحوار المزعوم.

 

وقد جعل هذا النمط من الحوار دور الطرف العربي منحصرا في الرد على الاتهامات وتقديم التبريرات على الرغم من إدراكه جيدا أن الغرب لم يكن ليشغله ما هو عليه العرب والمسلمين بقدر ما يشغله ضمان مصالحه وتحقيق أهدافه إذ أنه مثلا وفي الوقت الذي كان يضغط فيه الغرب علانية على الحكام العرب لمنح شعوبهم المزيد من الديمقراطية والحرية في الوقت الذي كان يقدم فيه كامل دعمه لهؤلاء الحكام لاستمرار استبدادهم بشعوبهم وهو ما يفسر حالة التردد التي انتابت الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية إزاء الثورتين التونسية والمصرية إلى أنه وضح لهم وضوحا كاملا أنه لا مجال للمراهنة على نظامي الدولتين بعدما خرجت هذه الملايين التي لا يمكن مواجهتها بالقوة فسارع إلى دعم وتأييد هذه الثورات ومن ثم الظهور بمظهر المؤيد لحركة بقية الشعوب العربية الثائرة في بلدان أخرى كليبيا واليمن وسوريا.

 

كذلك وفي ظل تغير المشهد العربي في الوقت الحالي وارتباطه بما يعرف بـ "ربيع الثورات العربيَّة" فإن تغيرا حتميا سيطرأ على الحوار العربي مع الغرب يتم بموجبه تعديل أجندة الحوار وإعادة ترتيب الكثير من بنودها لصالح الطرف العربي بما يتيح له فرصة عرض بضاعته ومطالبه فضلا عن الشعور بحالة من التكافؤ مع الطرف الآخر.

 

فالثورات العربية فرضت حالة من الاحترام للشعوب العربية والأقليات المسلمة في الغرب بعدما تكشف لهذه الشعوب أن العرب والمسلمين قادرين بالفعل على انتزاع حريتهم وأنهم ليسوا شعوبا من الدرجة الثانية يقبلون بما يلقى لهم من فتات العيش والكرامة ومن ثم فإن هذه الثورات ستعمل على تغيير المواقف الذهنية الغربية تجاه شعوب المنطقة العربية والإسلامية ما يعني أن الرؤية السطحية والمزيفة عن الإسلام كعقيدة وثقافة في طريقها أيضا إلى الزوال ما سيعمل على تخفيف حدة ظاهرة الإسلاموفوبيا التي عانى بسببها المسلمين في البلدان الأوروبية حالة من العداء أسفرت عن تضييق شديد على حرياتهم بعد أن وضعت جميع العرب والمسلمين في دائرة الاشتباه بوصفهم إرهابيين أو مشاريع إرهابيين.

 

لقد أكدت الثورات العربية الناجحة وتلك التي في طريقها للنجاح أن المواطن العربي المسلم مثله مثل بقية البشر يريد التحرر من القيود والاستبداد وأنه لا يتردد لحظة واحدة حينما تحين الفرصة ويستشعر بأن حركته ونضاله سيكونا لهما جدواهما في الإسراع في التحرك وإعلان الثورة مهما تكن العواقب.

 

وأكدت هذه الثورات أيضا أن الدعم الغربي للحكام المستبدين كان أحد أهم الأسباب التي تقهر هذه الشعوب وهو ما كان بمثابة تعرية لازدواجية الأنظمة الغربية أمام شعوبها بعد أن ثبت لديها أن ادعاءات العمل على تحرير الشعوب وترويج نمط الديمقراطية ونشر قيم الحرية في العالم العربي لم يكن إلا وسيلة رخيصة لاستمرار فرض الهيمنة على رجالات هذه الأنظمة الذين لا يهمهم ولا يشغلهم إلا الحفاظ على مواقعهم وكراسيهم مهما كان الثمن.

 

 إن الثورات العربية بقدر نجاحها في أن تعيد الأمل من جديد للشعوب العربية والشعور بأنها قادرة على تحقيق حلم النهضة واستعادة الأمجاد بقدر ما نجحت في توسيع الفجوة والهوة بين أنظمة البلدان الغربية وشعوبها وهي الفجوة القابلة للاتساع يوما بعد يوم للدرجة التي بلا شك ستمثل خطرا على البنى الاجتماعية للغرب ومن ثم فإن المأمول في المرحلة المقبلة أن يكون الطرف العربي - وتحت الضغط الشعبي الغربي - جالسا ندا بند مع الطرف الغربي على مائدة الحوار وليس مكتفيا بأن يكون مستمعا في قاعة يجلس على منصتها الطرف الغربي فحسب.

 

لا شك أن الأنظمة الغربية يحزنها وبشدة ثورة الشعوب العربية التي أطاحت وستطيح بالمزيد من حكام كانوا لأوامرها منفذين على الرغم من محاولتها الظهور بعكس ذلك فهي تدرك جيدا أن تحرر هذه الشعوب يعني فرز قيادات معبرة عن طموحاتها وآمالها وهو ما سيصطدم آجلا أو عاجلا مع مصالح الغرب السياسية والثقافية والاقتصادية ما سيدفع بهذه الأنظمة إلى التحايل على الموقف ومحاولة استرضاء الطرف العربي وبالتالي فلن يكون من المحتمل أن تظل بنود الحوار بين الطرفين كما كانت عليه قبل الثورة فالحديث عن احترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير أصبح حديثا غير ذي جدوى بعدما نجحت الشعوب العربية في أن تنتزع هذه الحقوق كما أن وضع الإسلام في قفص الاتهام وتحميله زورا وبهتانا سلوكيات الأنظمة العربية والإسلامية فضلا عن اجتهادات بعض التنظيمات لم يعد مقبولا إذ أصبح من اليسير والمتاح الكشف عن التباين بين ما يدعو له الإسلام وبين ما يسلكه الآخرون وأن سياسات البعض هي فهم خاص وليس تعبيرا عن الحقيقة.

 

سيحاول الغرب أن يركز حواره في الفترة المقبلة مع العرب والمسلمين عن مستقبل المنطقة بعد الثورة والعمل على تثبيت الموقف تجاه الكيان الصهيوني وضمان بقاء اتفاقيات السلام المبرمة بين قيادات الاحتلال والأنظمة السابقة انطلاقا من مبدأ تحقيق أمن واستقرار المنطقة وهي المطالب التي سيسعى الغرب أن يقدم من أجل تحقيقها الكثير من الإغراءات فضلا عن محاولات مكثفة لاختراق الحياة السياسية والعمل على استقطاب بعض القيادات السياسية القديمة والجديدة والتي يحتمل أن يكون لها دورها خلال تلك المرحلة .

 

ويستلزم ذلك بالضرورة أن يعي العرب أهمية هذا التحول وأن الكرة أصبحت في ملعبهم وأن عليهم أن يحسنوا استغلال الظرف التاريخي بما يحقق مفهوم الشراكة خاصة على المستوى الاقتصادي بعدما ظل العرب والمسلمون طيلة العقود الماضية مجرد منجم للمواد الخام ثم سوقا لبيع المنتجات والصناعات الغربية وهو ما سيمثل بالتأكيد نقلة نوعية على طريق النهضة فالقوة الاقتصادية عامل مهم في تحقيق الاستقلال السياسي الذي غاب عن المنطقة وكان اليد الفاعلة للغرب في البلدان العربية.

 

أيضا يجب أن يعي العرب أن الغرب لن يترك الأمور تسير كما تشتهي الشعوب العربية وتأمل فالمخطط الذي بدت في الأفق ملامحه الآن هو محاولات استبدال الموالين للغرب بشخصيات جديدة  لها قبولها في الشارع ومن ثم سيتم تحريكهم بالكيفية التي يريدونها.

 

المصدر: رسالة الإسلام

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك