الثورة السورية.. تُعري دعاة الطائفية وتكشف حالهم

الثورة السورية.. تُعري دعاة الطائفية وتكشف حالهم

 

أ. بسام ناصر

حينما كان يُقال للإسلاميين الذين أحسنوا الظن بثورة "الملالي" في إيران عقودا من الزمن، حنانيكم وعلى رسلكم، وارفقوا بأنفسكم وبأمتكم وبدينكم، فإن القوم ليسوا كما تظنون، كان أكثرهم يجيب قائلا: نحن أبناء اليوم، ودعونا من أحقاد التاريخ وعقده، ولنتحرر من أسر النظرات الطائفية الضيقة، فإن ما يجمعنا، ونتفق عليه، أكثر بكثير مما يفرقنا، ونختلف عليه، حتى جاءت الثورة السورية لتميط اللثام عن أفعال اللئام، ولتعري دعاة الطائفية، وتكشف حالهم، ولتسقط عنهم ورقة المقاومة والممانعة التي سترت عوراتهم سنين وسنين

 

وكان الواعون من أولئك الذين يحسنون الظن بنظام الثورة، يفرقون بين مشروعين لجمهورية إيران الإسلامية، أولهما: مشروع مواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية، وثانيهما: مشروع الأجندات الخفية المتمثل في تصدير الثورة بما تتضمنه من نشر عقائد الشيعة ومقولاتهم في أوساط أهل السنة، فكانوا يوافقونهم على الأول، ويعارضونهم في الثاني، إذ أن حقيقة المشروع الثاني مع خفائه وعدم ظهوره، تحمل في ثناياها تحديات خطيرة، لأهل السنة، في دينهم وعقائدهم، ولبلادهم في أمنها واستقرارها، تتمثل في المشروع الصفوي الذي يتستر ـ كذبا وزورا ـ بمذهب حب آل البيت، والتغني الدائم بمظلوميتهم، وتوظيف ذلك كله لحشد الأتباع، واستقطاب الأنصار والمؤيدين.

 

لقد استطاع حزب الله اللبناني، بذكاء ودهاء، أن يستثمر المشروع الأول، المتمثل في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية والصهيونية، مخفيا في الوقت نفسه مشروع الأجندات الخفية، وقد أدارت فضائية المنار التابعة للحزب، خطابها الإعلامي بدهاء ومكر شديدين، فقلما كان المراقب يعثر على ما يكشف تلك النوايا المستترة، أو يفضح توجهات القوم الخفية، ساعية من وراء ذلك إلى ضمان المحافظة على اكتساب عواطف أهل السنة المؤيدة لمشروع الحزب المعلن في التصدي للاحتلال الصهيوني، ومما زاد من حضور الحزب، ورفع أسهمه في أوساط عموم أهل السنة، ما كان له من دور في مقاومة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، وقد أفضت تلك المقاومة إلى إجبار الاحتلال على الانسحاب من الجنوب مدحورا مخذولا.

 

كما ساهمت نتائج معركة تموز 2006، والتي خاب فيها مسعى الدولة الصهيونية، في مواجهة مقاومي حزب الله، والقضاء على تواجد المقاومة في الجنوب اللبناني، في رفع أسهم حزب الله عموما، وأمينه العام حسن نصر الله خصوصا، في أوساط عموم المسلمين، الذين كانوا يطمعون ويتشوفون لرؤية يوم يُنال فيه من كبرياء دولة "إسرائيل"، وهم الذين لم يعرفوا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، إلا الانكسارات والهزائم المتلاحقة والمتوالية. لقد أدّت وقائع الثبات والانتصار التي حققها حزب الله اللبناني، إلى رسوخ حضوره بين المسلمين، واكتسابه تأييدهم السياسي المطلق، لقد غدا الأمين العام للحزب، بطلا دينيا وقوميا، يدين له غالب المسلمين بالحب والتوقير والتعظيم.

 

كان الكثيرون ممن يتشيعون تشيعا سياسيا لإيران، وذراعها الضارب في لبنان "حزب الله"، يحاولون التقليل من خطر مشروع الأجندات الخفية، والتي يقف على رأسه، نشر عقائد القوم، بما فيها من خبث وسوء، بالاعتداء على الصحابة الكرام، رضي الله عنهم جميعا، والطعن في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، مع أن أصحاب المشروع السياسي، المتمثل في مواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية، هم أنفسهم الذين يحملون مشروع الأجندات الخفية، لكنهم كانوا يبالغون في إخفائه، ولا يظهرونه أمام ضيوفهم من أهل السنة، وإن كان بعضهم، لا يعرف للتقية مكانا ولا طريقا، حدثني قيادي من الحركة الإسلامية في الأردن، أنه كان يضيق ذرعا بمضيفيه من حزب الله، الذين كانوا يكثرون من الدندنة على انتقاد معاوية، والطعن فيه وفي سياساته، وكانوا لا يجدون فرصة إلا دخلوا من خلالها لإثارة تلك الموضوعات الأثيرة على أنفسهم.

 

القوم عند من يعرفهم، غارقون من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، في مشروعهم العقائدي الخطير، وإن كانوا يتسترون ظاهرا، بالابتعاد عن تلك القضايا، والانشغال بقضايا المواجهة والمقاومة والممانعة، ولبشاعة عقائد القوم، وشناعة مقولاتهم التي يؤمنون بها، فإن انكشاف حالهم يجعل أكثر الناس حرصا على جمع كلمة المسلمين، وإقامتهم على صعيد واحد ضد أعدائهم المشتركين، يسقط في يديه، ويجعله عاجزا عن الدفاع عنهم، وهذا ما وقع للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، حينما انكشفت له حقيقة القوم، واطلع على حقائقهم الفاضحة، فإنه لم يتردد في مهاجمة مشروعهم ذي الأجندات الخفية، فإن من الخيانة العظمى، أن يسكت العالم حينما يستدعي المقام البيان، فالمشروع الشيعي الصفوي، خطر داهم، لا يقل سوءا وخطرا عن الخطر الصهيوني، وليس ما جرى في العراق لأهل السنة على أيدي المليشيات الشيعية عنا ببعيد.

 

بقي القوم يراوغون، ويستخدمون سلاحهم الفتاك "التقية" في خداع أهل السنة، ويقدمون المبررات والمسوغات لأعمالهم المشينة في العراق، حتى وقعت الواقعة الكبرى، التي كشفت القوم وعرّتهم تعرية كاملة، وكشفت عن سوءاتهم، وجعلت القوم يخرجون من "تقيتهم" إلى علانيتهم المفضوحة، فإذا بإيران ملاذ المضطهدين، ونصيرة المظلومين، وداعمة حقوق المقهورين، تسقط على أمِّ رأسها، وتكشف عن وجهها القبيح، في تأييد النظام السوري القاتل لشعبه، وتسارع إلى تقديم كل ألوان الدعم والمساندة والمؤازرة له، وإذا بسيد المقاومة والممانعة!! يقف إلى جانب الطاغية، ويتولى الدفاع عنه وعن ظلمه وبطشه وطغيانه. ما الذي دهى القوم؟ فهم يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة حرية وتحرر، وأن مشروعهم الأكبر يقوم على تحرير الإنسان من الظلم والاستعباد الاستبداد والفساد، وأنهم بالإكثار من الحديث عن مظلومية أهل البيت، فإنهم يبغضون الظلم بكل صوره وأشكاله وألوانه، وينتصرون للمظلومين من كل شعوب الأرض.

 

هكذا مرة واحدة، تسقط الشعارات وتتهاوى، ويظهر القوم على حقيقتهم، فليس ثمة سبيل لإنكار حقيقة المواقف، أو التنصل من الوقوف بجانب النظام الدموي القاتل، فما يقع من جرائم وفواجع، وترصده الكاميرات، وتوثقه الصورة، أكبر من أن يتم إنكاره، أو التحايل عليه بمبررات ساقطة، ومسوغات متهافتة، فالقوم أعلنوها صريحة مدوية، أنهم مع النظام الأسدي الطائفي بكل ظلمه وبطشه وطغيانه، لأن المعركة في دمشق هي معركتهم، من غير مواربة ولا مجاملة، فالقوم بكل وضوح يقفون مع النظام، ويدعمونه بكل إمكانياتهم، لأن سقوط النظام يضعف تواجدهم، ويؤثر على قوتهم في المنطقة.

 

إن من أعظم بركات الثورة السورية، على ما فيها من مصائب مؤلمة، وجراحات نازفة، أنها أهدت للأمة الإسلامية، هدية جد ثمينة، ألا وهي انكشاف حال دعاة الطائفية على حقيقتهم، وهم الذين دوخوا الناس بخطابهم الإعلامي، الذي يعادي الظلم والظالمين، وينتصر للمظلومين في كل أنحاء الأرض، فإذا بهم يفعلون خلاف ما يقولون ويعلنون، فهل يسع أحد من دعاة الحرية والتحرر، الاصطفاف في صفوف الظالمين المجرمين، وهل مما يتوافق مع تلك القيم السامية والنبيلة، أن يحشر أصحاب مشروع الأجندات الخفية أنفسهم في خنادق القتلة والسفاحين؟.

 

لقد سقط أصحاب مشروع المقاومة والممانعة، ولم يبق لهم ما يتذرعون به من مبررات ومسوغات، فهم في منطق الخطاب الديني الذي يرفعونه ويتشبثون به، منافقون مخادعون، فهم يتخذون من واقعة كربلاء، ومقتل الحسين رضي الله عنه، مناسبة دائمة الحضور، لإذكاء مشاعر العداء ضد قتلة الحسين، وتهييج عواطف محبي آل البيت، ضد الظلم والظالمين، والانتصار دائما للمظلومين، ألا يرى أولئك القوم أن ثورة الشعب السوري، ثورة مظلومين ضد ظالميهم؟ هل يخفى على القوم حجم المآسي والمصائب التي اقترفها النظام الدموي بحق أبناء شعبه؟.

 

إن النظام الإيراني، هو وحزب الله، بوقوفهما مع النظام الأسدي القاتل، سيخسران بلا شك، كل المتعاطفين معهم من أهل السنة، وهم جمهور الأمة الأكبر، حتى أن حركة سنية كحماس، اختارت الابتعاد عن إيران، والاستغناء عن مساعدتها ودعمها المادي لها، رفضا لطلب إيران منها الوقوف إلى جانب النظام الأسدي، وأعلنت على لسان رئيس وزراء حكومة حماس المقالة، إسماعيل هنية أنها مع الثورة السورية، لأنها ثورة حرية وكرامة، كما أن جماعة الإخوان والتي كانت تقف موقفا وديا من إيران وحزب الله، أعلنت أنها اضطرت لوقف علاقتها الودية مع إيران، اعتراضا على موقفها من الثورة السورية، كما فعل المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، الدكتور همام سعيد، في تصريحات نشرت على موقع الجماعة مؤخرا، لم يعد أحد من جماعات واتجاهات وشخصيات أهل السنة، يقدر على أن يظل مؤيدا لموقف إيران أو حزب الله من الثورة السورية، أو على الأقل ساكتا عن ذلك الموقف، لأن في السكوت مشاركة في كل الجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام الدموي ضد أبناء شعبه.

 

 

ها هي الثورة السورية، بعد مرور عام على اندلاعها، تصنع نموذجها المتفرد بين الثورات العربية، فهي تقف في وجه النظام السفاح، بإمكانياتها المتواضعة، وبأيدي وجهود أبنائها الثابتين الصابرين، وبالرغم من كل ما مارسه النظام من بطش وتنكيل وتعذيب وقتل وتدمير، ومعه كل أعوانه ومؤيديه من رجالات إيران وحزب الله، إلا أنه يقف عاجزا عن وأد الثورة، أو إسكات صوتها الهادر، لقد انتصر الدم على السيف ـ كما يقول الشيعة في أدبياتهم ـ وباء أدعياء الشعارات الكبيرة، ودعاة الطائفية البغيضة، بالذل والخسران والهوان، وانكشفت حالهم لأبناء الأمة الإسلامية، التي لم تعد ترى فيهم إلا تلك المذهبية الطائفية النجسة، فشكرا للثورة السورية التي مازت الخبيث من الطيب، وأعلت روح التضحية والبذل والثبات، وجردت أولئك الطائفيين من شعاراتهم المخادعة الكاذبة.   

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1731

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك