التعايش الديني لا إمبريالية المقولات.....!!
التعايش الديني لا إمبريالية المقولات.....!!
- د محمد عبد الله الغبشاوي
- الأمين العام لرابطة إسلام المعرفة
أقل ما توصف به مقالة أستاذنا الدكتور الطيب زين العابدين التي حملت عنوان: (مجمع الفقه و التعايش الديني) أنها متعسفة: فهما و سياقا و أحكاما ! و هي بذلك تسئ لمقولة التعايش الديني من حيث تريد الإحسان, و تفسد عليه أمره من حيث تريد إصلاحه, و تثير الريبة و الشك في فحواه و مقصده, و تنبئ عن أن هذا
(التعايش الديني) إن كان على هذا الفهم الذي يبشر به أستاذنا الكبير: فهو حلقة من حلقات الحصار علي الإسلام و معتقده و شرعه, و سيف مصلت على رقاب المسلمين و حدهم دون سواهم ! و إن إعادة النظر في حقيقته و نظرته و ملابسات ميلاده و اجب أساسي, حتى يتحرر من إمبريالية المقولات, و يكون حكما عدلا مترفعا عن التحيزات الغربية, و أهداف الدوائر الصهيو صليبية!!.
فقد تعسف أستاذنا بداية في فهم الكفر و دلالته في المصطلح الإسلامي, فتجافى عن معانيه الأساسية في الاعتقاد الإسلامي, و في مصادره الأهم: كتابا و سنة و أقحم عليه ما ليس منه, و لم يكتف بذلك بل حوره تحويرا خرج به من ساحة الفقه و التشريع و تطبيقاته الملزمة, إلى ساحات السياسة و أهوائها و زج به دون أن يدري أو يريد – نحسب- في مستنقع حرب الأفكار, التي تشنها الدوائر الغربية الصهيو صليبية, صنوا لحربها العسكرية و السياسية و الاقتصادية على عالم و إنسان الإسلام, كما سنتطرق لذلك فيما بعد.
فالكفر عند الإسلام و عند غيره من المعتقدات و الأديان الكبرى التي يدين بها بنو الإنسان, هو وصف للغير بكل بساطة و اختصار-فكل ديانة فيما نعلم- تصف معتنقيها, و غير معتنقيها, بوصفين متقابلين: الإيمان و الكفر! و الإسلام ليس شذوذا في ذلك على ما توحيه عبارات أستاذنا والتي تكاد تصم الإسلام, و كأنه و حده الذي يمارس ذلك و معلوم أن الإسلام ليس المبتدئ لذلك و إنما سبقه على الدرب آخرون! .
و مقولة الكفر عند أهل الأديان التبشيرية الكبرى –لاسيما النصرانية و الإسلام – إن عنت الوصف للمخالف أو المغاير, فلا ينبغي إخراجها من دائرة الوصف إلى دائرة (الوصم) أو التعبير إلا بقرينة و واضحة و صريحة و على الظفر بجريرة الوصم و التعبير التي يبدو أنها أهاجت أستاذنا الجليل و القس (المحترم) , فينبغي إنزالها الحيز المقصود, و الإمساك عن التلاعب بها, و عدم التغليب لإساءة الظن بها, أو تفسيرها بما يخرج بها عن مراد قائلها, ذلك أن الأمر متصل (بدين)و إن كان ذلك الدين هو الإسلام ! .
و فيما نعلمه عن صاحب الدين الصادق, نصرانيا كان أو مسلما أنه (يشفق) على محالفه و يفرق- أي يخاف- من النار التي هو واقع فيها لا محالة على معتقده, إلا إذا فارق ضلاله و انضم إلى ركب المهتدين ! و على ذلك التأويل الذي هو صحيح في ظني, يكون الوصم بالكفر نوعا من التحفيز للمخالف و إن بدا استفزازا ذلك كي يعيد المخالف "الكافر" النظر في نفسه و مصيره و يثوب إلى رشده و كل ذلك مما لا يضره إن لم يعد عليه بالنفع !إذ أنه من خلال عملية إعادة النظر تلك إما أن يثبت على إيمانه الأول, فيزداد يقينا على يقين, أو ينزع لإيمان جديد يجد فيه برد يقين آخر! .
و من هنا فلا تثريب على بيان مجمع الفقه الإسلامي, في استخدامه مصطلح الكفر في ذلك السياق, و أما ما جنح إليه قلم أستاذنا الكبير في التفسير الظني البحت و التأويل المتعسف و الذي تلتمس أسبابه في مظانها, فقد أدى به إلى متاهات, ما كان أغناه و أغنانا عنها, وهو بكل تأكيد من باب لزوم ما لا يلزم, ثم السعي من بعد ذلك لإلزام كل بني الإسلام به و لا أظن أن عاقلا محايدا يجوز ذلك, أو يؤمن عليه !! .
و علي ذلك فالخطاب (التهويلي ) الذي يجسده ذلك المقال , و الذي يتبناه مجلس التعايش الديني ضرورة , غير ذي موضوع, وهو من باب المبالغة الشاذة في تصوير الوقائع, و تضخيمها تضخيما (مجهريا) مهولا ! سرعان ما يعود إلى حجمه الحقيقي, ما نظر إليه بالعين المجردة, التي يستحقها و تستحقه أقول هذا و ألح عليه, حضا على الالتزام بالموضوعية, و التي لن يفيدنا غيرها في النظر و التقويم و التصحيح المراد, و أتمادى في الإلحاح و الشجب لذلك الأسلوب ألتهويلي, لأنه يعنيني أنا في المقام الأول ! لأنني انتمي إلي قطاع مستهدف من قبل المشروع الإمبريالي الغربي الصهيو صليبي في طوره الجديد و الذي لا يواري في أنه يرمي إلي استئصالي و قبيلي, علي المستويين المادي الحي, و الروحي الفكري المعنوي أيضا.
و هنا وقفة لابد منها: فمن أساليب الصراع الفكري عموما (و حرب الأفكار) على وجه الخصوص (التسمية و المناداة بحرب الأفكار ليست لي أنا و إنما للسادة الأمريكان فلزم التنويه) من تلك الأساليب التي دسها الغرب عندنا, و روجها خبراؤه في أوساطنا و أنساق نفر منا في تبنيها و ممارستها, حتى صارت ديدنا و عادة للعديد من الفئات و الأفراد: أسلوب التهويل هذا و الذي يتصل أكثر ما يتصل بمعركة التشهير بالعرب و المسلمين في حرب الأفكار و هي معركة فاصلة في هذه المرحلة سينبني على حسمها تغيير مجرى التاريخ في العالم عموما, و في عالم الإسلام على وجه الخصوص, إما إلى أعلى عليين و إما إلى أسفل سافليين: ( ألفت نظر القارئ الكريم إلى الكتاب الهام الذي أخرجه العلامة المفكر جلال أحمد أمين بعنوان: (عصر التشهير بالعرب و المسلمين)) و أسلوب التهويل, هذا له تطبيقات عديدة, يطول بنا المقام لو استطردنا في سردها, و ما يعنيني هنا, التطبيق الذي أحتذاه أستاذنا الجليل الدكتور الطيب زين العابدين.
فبدءا من المحادثة الهاتفية التي تلقاها من ذلك "الأب" القسيس, يمهد ببراعة و حذق للنبأ ( المريع) و (الفظيع) الذي أقض مضجعه –و قبله- مضجع ذلك "الأب" القسيس و يغلب على ظنك للوهلة الأولى أنه تم و ضع اليد على خطة تطهير عرقي لا تبقي و لا تذر ! أو مناداة سافرة و قحة بتهجير قسري لغير المسلمين ! أو دعوة لمقاطعة اقتصادية لهم على أقل تقدير !! فإذا استبنت الأمر و تحققت منه أم تملك إلا أن تضرب كفا بكف, مرددا للكلمة العربية الشهيرة " بطريقة مقلوبة": تمخض الفأر فولد جبلا و ليس العكس !!
و لو التزم أستاذنا الطيب أمين مجلس التعايش الديني ما ساقه لنا عرضا من أنه حاول في البداية تطمين ذلك "الأب" القسيس, بأن ذلك الأمر لا يعنيه – وهو حقا لا يعنيه – لكان مصيبا و لكن بدلا من ذلك أقره على توهمه, بل و تجاوز ذلك بترويع و تخويف القطاع غير الإسلامي كله, بتحميل كلمة واحدة ما لا تحتمله من التهويلات الدلالية حتى بنى من ذلك ناطحات للسحاب, و انتهى إلى ما لا علاقة له البتة بما ابتدأ, فتخيل بالله عليك كيف كبرت مسالة حظر زواج المسلمة بغير المسلم بين سطور مقال أستاذنا, لتنمو و تترعرع و تكبر و تسمن و تكتتر شحما و لحما حتى ينتهي بها المطاف إلى ماذا ؟ إلى مهدد لاتفاقية نيفاشا و ناسف للسلام ! لا بل و طاعن في مقام النائب الأول لرئيس الجمهورية شخصيا و انتهى به ذلك إلى ما يشبه التحريض و الاستعداء لرئاسة الجمهورية إذ طالبها بإعادة النظر في عضوية مجمع الفقه الإسلامي كله لا بل و إسقاط مستشارية التأصيل من تحت مظلتها !! إنني لا أملك إلا أن أعقب على ذلك بقول ربنا عز و جل ( سبحانك هذا بهتان عظيم) النور:16.
واجب دين و أمة و تاريخ, أن يعيد العبد الضعيف صاحب هذا القلم الأمر إلى نصابه و إلى حجمه الأصلي الأول: مستشارية التأصيل و مجمع الفقه الإسلامي الذي يتبع لها منوط بهما, بيان ما لله فيه مقال بإجلاء الأحكام الشرعية المتصلة بالنوازل التي تتنزل بهذا القطاع من أمة الإسلام.
و الذي حدث هو أن الزعيم المعروف الدكتور حسن الترابي, أظهر مقولات منسوبة للإسلام – من وجهة نظره- و في تلك المقولات أحكام شرعية معينة, إما نصا, أو إعمالا للاجتهاد.
و من بين تلك المقولات: تجويزه زواج المسلمة بغير المسلم!! فكان حقا على مجمع الفقه الإسلامي و مستشارية التأصيل, إجلاء أحكام و مقاصد الشرع الحنيف في تلك المسائل عموما, و في زواج المسلمة بغير المسلم خصوصا.
و الميثاق الذي أخذه الله علي علماء أمة الإسلام: ( لتبيننه للناس و لا تكتمونه).
و من (أسف) فإن مجمع الفقه الإسلامي و مستشارية التأصيل, لم يلتزما منهج خبط الخاطرات الذي يبدو أن أستاذنا الدكتور الطيب زين العابدين يعتمده طريقا للنظر في شرع الله علي منوال ذلك التطبيق, الذي رأيناه في خلطه العجيب, بين مدرك الولاية العامة للدولة و مدرك القوامة في الأسرة و الذي توصل من خلاله إلي تلك الإدانة المتشفية للمجتمع, و التي تلزم بطأطأة رؤوس علمائنا و ربما نتف لحاهم إن لزم الأمر ! .
أقول: إن مجمع الفقه الإسلامي لم يلتزم منهج (اللامنهج) الذي يدعو إليه راكلو الشريعة و إنما التزم الطريق الملزم باستنباط الأحكام الشرعية, على الأصول المقررة عند أهل الإسلام.
ومن أسف ثانية تبين أن ما توصلوا إليه, ليس مما يتوافق و مقتضى الزمان الغربي الصهيوصليبي و لا قرنه الأمريكي الجديد هذا ! فوقعوا في (المحظور) الذي نوه به أمين مجلس التعايش الديني: حظر زواج المسلمة من غير المسلم بمانع الكفر = عدم الإيمان بالإسلام بكل بساطة يا سادة!! .
و الحق أنه ليس في الإمكان إلا استنكار ما استنكره أمين مجلس التعايش الديني: فما هو الضرر الذي يترتب علي ذلك عند غير المسلمين من أهل الجوار ؟ و هل ينال ذلك منهم في شيء ؟ و على تأويل أنه نال فذلك تأويل مغرض متعسف و هو خاص بمن يقوله ! و في كل حال هو غير ملزم لشريعة الإسلام و من يدين به! نعم, هو صياغة للضمير و الوجدان المسلم, بموجهات ملزمة, ينبغي مراعاتها في الاختيار للشريك على أنه حاجز يمكن رفعه, فقط بشهادة الإسلام و لا علاقة له من بعيد أو قريب بتحيزات عرقية, أو عنصرية أو طبقية إنه باختصار: إلزام دين و كفى.
و هناك حقيقة ينبغي إجلاؤها, بحيث لا يبقي شيء من اللبس عالقا بها: ليس لأحد من الناس مسلما كان أو غير مسلم , من عهد أو ميثاق عند الإسلام يملي عليه الوفاء برغبة, أو مراعاة (حساسية) أو إيجاب تنازل على تأويل إمبريالي يبتغي السبيل لاستئصاله ! و الدين-أي دين- لم يأت ليلتزم مرادات الناس, و إنما ليلتزم الناس مراداته ! و إذا ما كان ديدن الأديان السماوية – و الإسلام خاتمها- هو مجرد الاستجابة لرغبات البشر و أهوائهم و نزواتهم, فقد انتفت الحاجة إليها ابتداء, و سقطت و وظيفتها حتما و إنما كانت الأديان لارتقاء المفاهيم و المدارك و نهنهة الغرائز, و تهذيب الطباع, و السمو بالإنسان في مدارج الكمال ! و عند الإسلام بكلمة جامعة: و ضع البشرية على الصراط المستقيم وفقا لما يراه الإسلام للإنسان لا وفقا لما يراه الإنسان للإسلام !! .
و حقيقة أخري ينساها الناس, يشغبون على الإسلام بالإلهاء عنها, فقصارى ما يملكه الإسلام في الواقع القائم, الذي يظله و أهله: الإلزام الضميري في كل معتقده و أحكامه بلا استثناء, فقد قطع الطريق عليه للإنفاذ العملي لمفاهيمه و أحكامه بالكلية ! فهل يراد الحيلولة أيضا بين علماء الإسلام و بين مجرد تبليغ هذه الإلزامات الضميرية ؟! و الحقيقة المعلومة: أن المنتسبين للإسلام بالأسماء ممن لا يبالون به, لا يضيرهم ذلك في شيء. فالتي أفلت ضميرها ووجدانها من الصياغة الإسلامية, و أعلت من شأن ميلها الغريزي الخاص, و اقترنت بغير المسلم, فقد أسقطت الإسلام من اعتبارها بلا أدنى ريب ! فإذا أسقطها الإسلام من اعتباره فمن باب أولى !!.
و مما يستوقفني كثيرا, أن ما يشنع به على الإسلام, و يدان بل و يجرم في بعض الأحيان, كثيرا ما يكون أمرا (عاديا) في حق غيره و شأنا (خاصا) لا حق لأحد في تناوله, أو حتى مجرد التعليق عليه.
إنه و قبل فترة قصيرة ! أعلن( سماحة) البابا بندكت السادس في صراحة و سفور تام شجبه و عدم مباركة كنيسته لزواج الكاثوليكيات من مسلمين و لعله أدرج ذلك من باب الخطايا, أو ما يقاربها و ما تناولت منظمة حقوقية و لا مجلس تعايش ديني ذكرا لذلك فضلا عن أن يتطاول أحد بالازدراء و الاستهزاء بذلك التصريح ! و بالنسبة لي شخصيا, يزيد ذلك التصريح من احترامي ل(سماحة البابا) , فهو في تقديري من منطلق حرصه على دينه, و حرصه على عقيدة رعاياه الكاثوليكيات تحديدا فهذا الحادي النبيل حين استصحابه, يسقط كل اعتبار ظني آخر فإذا سلمنا بذلك هناك فلم ينقلب كل محمود, إلى أمر مسترذل مستبشع بمجرد تطبيق الإسلام له, و علي قول شوقي رحمه الله:
و كيف يكون في أيدي حلال و في أخرى من الأيدي حراما ؟
وأحب أن أقرر في هذا المقام أن هذه (الإثارة) التي تتلبس لبوس الحرص على التعايش الديني, إنما تصعد من هذه القضية المصنوعة من أجل غرض آخر, تحول بيننا و بين إبصاره و التعرف عليه غفلتنا و انصياعنا الغريب للفكر الإستدماري الغربي ! إنه ليس في إمكاننا في حال الخور المسيطر علينا هذا أن نستصحب – مثلا- تجربة صناعة الأقليات, و تقنياتها في بلادنا و عالم إسلامنا ! إنه ليس في إمكاننا أن نفترض, و لو بأدنى نسبة, أن المشروع الإمبريالي الغربي الصهيوصليبي, يستهدف فيما يستهدف إحكام القبضة علينا, بأن تئول رئاسة الجمهورية, في يوم من الأيام ولو بعد قرن من الزمان إلي الأيدي الصهيونية مباشرة فكيف السبيل إلى ذلك ؟! .
السبيل: هو إسقاط الحكم الشرعي, الحائل دون زواج المسلمة بغير المسلم, و يكون السياق كالآتي: تستهدف بعض الساقطات المنحلات, ممن ينتسبن إلى الجماعة المسلمة بالسودان, و يستدرجن, حتى يتسافحن مع صهاينة, و يعهد بتنشئة أبنائهن, و رعايتهن في الكنف الصهيوني و مع تمادي الغفلة, و غطاء
(المواطنة) الهلامي و تصعيد حملات التفريغ الثقافي, يطل هؤلاء (فجأة) –على عادتنا – كمواطنين سودانيين ! و تحت ستار دخان ديمقراطية الدمار الشامل , المفصلة على قدر استغناء قطاعنا, يصل (صهيوني) أو (صهاينة) إلى القصر الجمهوري و تتحكم الصهيونية في بلادنا علي ما تشاء لها حيثيات إعادة الصياغة, للإنسان و الوجدان في قطاعنا, و ثمارها الآتية, و إن طال الزمان.
إنني ممن يكبر الدكتور الطيب زين العابدين و إن مما زادني له إكبارا تعقيب عميق شجاع, سمعته منه علي ورقة عن ثقافة السلام, قبل أعوام ثلاث أو أكثر.
لقد نبه أستاذنا في ذلك الوقت, إلى مغبة الانسياق الأعمى, وراء الشعارات المصدرة من الغرب ! ووجوب تفحصها جيدا و الحرص علي التفطن الدقيق لمقاصدها الحقيقية و أن نهتم بالا تصرفنا عن قضايانا الأهم, أو تلهينا عن خطط مسمومة, تشكل تلك الشعارات عينها جزءا هاما منها ! .
إن عين تلك المحاذير و ما هو أخطر منها, بدأ يتمثل لي في مجلس التعايش الديني, من خلال هذا المنحنى التسلطي المخيف مما يجعلنا نخلص للقول: بأن الأفكار و الرؤى الحاكمة لهذا المجلس مما تم حمله وولادته ورضاعة في الرحاب الغربية ! و من السذاجة بمكان أن يظن بأن فكرته هبطت هكذا من السماء, أو انشقت.عنها الأرض, أو تفتقت عنها عبقريات ملهمة في رحابنا ! إنها رؤى و أفكار متناغمة مع الأداء الإمبريالي الصاعد في رحابنا , و ليست هي بالبعيدة , عن اليد الباطشة الطولى لمجلس الحريات الدينية الأمريكي , أو لجان و جماعات حقوق الإنسان , أو الهيئات الكنسية الأمريكية , التي يرتكز عليها اليمين النصراني الأمريكي و محافظوه الجدد , ممن تحكمهم الرؤى التوراتية في كل استراتيجياتهم المتصلة بعالم الإسلام ! و ما تصوغه تلك الرؤى من (أملاءات) ينبغي إنجازها في الساحة الإسلامية و لا شك أن الكتلة التاريخية الأم في السودان – مسلمة الدين عربية اللسان- هي في القلب من كل ذلك الذي ذكرناه ! و إنما يهمني هنا مسألتان, أرجو ألا أسهب كثيرا فيهما: أولاهما: منهج التعامل مع الإسلام الذي يراد إقراره و تعبيد الطريق له, من خلال الإذاعات الواضحة في مقال أستاذنا الكريم وواضح تماما أنه يراد الزج بفرض ذلك المنهج التقويضي من خلال ذهنية التعانق مع الأمر الواقع, و توطين النفس علي الاستسلام الكامل للظروف, و التي تصور دائما علي أنها قدر نافذ لا راد له, كما تنبي الحكمة السائدة في بلادنا ! و مهم أن نتعرف هنا كما أشرت, علي المنهج الذي يراد فرضه علينا, في التعامل مع الإسلام. إن ذلك المنهج يقوم على قواعد و أركان, مدارها التحسين و التقبيح الإمبريالي الغربي ! فما حسنه الغرب فهو الحسن, و ما قبحه فهو كذلك وهو بذلك إنما يتأسس على إلغاء الاعتبار للإسلام (كدين) مما يراعى في غيره من الأديان ! و ينبني علي ذلك, إهدار حق أهله, في الاستقلال بمرجعية خاصة بهم, تبين لهم معالم معتقداتهم و أحكامه الملزمة, و صور التطبيق المندرجة تحت ذلك.
باختصار هبطت درجة المسلمين بهذا المعيار إلى أقل من درجة (أقلية دينية) تقاضيا لدى الأحكام الحقوقية الغربية نفسها !!
و يقينا أن هذا ( منهج) جديد و فريد فصل للتعامل مع الإسلام فقط إذ لا يفوت المراقب, أن الحمى المرجعي لليهودية و النصرانية – بل حتى حمى المعتقدات غير السماوية- مما لا يجرؤ أحد على إلزام أهله بتفسير مخالف لمسلماتهم المستقاة من مصادرهم الأم ! فلا مصادرة لحقهم في تسمية المغاير لعقائدهم علي ما يرونه و يشتهونه و لا علاقة لأحد بحرامهم و حلالهم أو معروفهم و منكرهم و لا إكراه لأحد منهم للتزوج ممن لا يحبون, أو تنشئة أبنائهم و بناتهم على طريقة لا تروق لهم !!
وحده الحمى الإسلامي هو المستباح لكل أحد يرتع فيه كما يشاء و يتأول مفاهيمه و مداركه على ما يشاء , وحده الإسلام هو المحجور عليه ووحده هو الذي لاحق له في نصح رعاياه بما يراه واجبا عليه ! .
و ليت الأمر ينتهي عند ذلك إذ هناك حكم بتجريم مسبق, لا مجال للاستناف فيه أو التعقيب عليه ! و كل المطلوب مني هو أن أسعي بين بني أمي و عقيدتي لدعوتهم بتلك الأحكام, و توطين أنفسهم علي ما تقتضي به و الاستعداد المتجدد لتلقي المزيد منها !! .
و المسألة الثانية المهمة و التي ينبغي أن ننزلها منزلتها و نتداو لها التداول الذي يتناسب مع درجات خطرها, هي: إلي أين ينتهي بنا هذا الطريق ؟ و ما هي الإلزامات الجديدة القادمة ؟ و ماذا نحن فاعلون تجاهها ؟
أقول هذا بمنهج الاستصحاب لما يحدث في مجالات أخري, و التي تنبئنا, بأن سقف المطالب الأمريكية أو إذا أردنا التدقيق ابتزاز الدوائر الصهيوصليبي هنالك, مما ترى و تحدد بداياته و لكن لا سبيل أبدا للتعرف علي نهاياته ! و الذي نجزم به, أنه لا نهاية له إلا بنهايتنا وجودا حيا مع كافة الأبعاد المتصلة به, وفي أولها بلا ريب الأبعاد العقدية الفكرية, و التي يشكل تقويضها, تقويض الوجود المادي للإنسان, و نسف ما يقوم عليه كيانه ووجدانه ! إن استشراف معالم طريق ذلك الابتزاز لمروعة حقا, لاسيما و أنه يتوسل بأحبولة يمكن بكل يسر تعبئتها بمرادات الدوائر المتحكمة فيها دائما بلا حدود, و سياقها علي نفس الطريق التهويلي الذي سيقت به سابقاتها وسيدت, ثم صارت أمرا واقعا و أنزلت منزل القضاء و القدر الذي لا راد له أبدا! .
أسأل ثانية: ترى أين سينتهي بنا ذلك الطريق ؟ أنه ليس بعيدا ذلك اليوم, الذي يعترض فيه واحد من غير المسلمين علي طريقة صلاتنا مثلا, و أن يتأولها علي أنها: تهيئة غير مباشرة للجهاد و أنه غير مطمئن لذلك على الإطلاق و على التو يتلقف مجلس التعايش الديني تلك الشكوى (المقلقة) و ينظر في دليله ليجد ذلك مندرجا, في مخاطر الجوار غير المنضبط بلوائح حقوق المواطنة ! فيأمر مجلس فقهه الجديد, بتحديد معايير صلاة لا تؤرق الآخر ! أو تخل بأمنه و طمأنينته !! .
بل إنه ليس بعيدا ذلك اليوم الذي ينادي مجلس التعايش الديني بصيغة أخرى لشهادة التوحيد, لأنه تلقي عريضة ممهورة بآلاف التوقيعات, التي أجمعت بأن تلك الصيغة تنضح بالشتم و الاستفزاز المباشر و غير المباشر لأديان و عقائد الآخرين! .
والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب
لست ساخرا و لا هازلا و لا متهكما –شهد الله- و إنما أتحسس حال امة الإسلام, التي صارت مصائرها محكومة, بصناعات ضخمة للإفك و الافتراء و التزوير و بكل المعاني و الدلالات الكامنة في كلمة صناعات= جمع صناعة ! .
إنني أهيب بمستشارية التأصيل أن تواصل التصدي لمهامها و أن تبادر على أقل تقدير بإنشاء دائرة خاصة بدرء مخاطر مجلس التعايش الديني هذا و احتواء تصعيداته القائمة و القادمة.
ولنصرخ بملء أفواهنا: بلاد من هذه و ما هي الصفة الحقيقية التي يحملها هذا المسمي بمجلس التعايش الديني ؟ وهل هو جسم محلي وطني ؟ أم (مفوضية) غير مسماة لمجلس الحريات الدينية الأمريكية ؟ وما هو الميثاق الذي ينادي به ؟ وما هي السلطات المخولة له ؟ وما هي اللوائح الضابطة لأدائه ؟ وما ............؟ وما..........؟ وما...........الخ.خ .
لست بتلك الدرجة من الاستغراق في أحلام اليقظة حتى أطمع بتلقي إجابة ! و أعلم مسبقا عن همهمات التهكم و الاستنكار و في أثنائها سؤال من.......من هذا ؟
ولكني كما أسلفت: هو واجب أمة و دين و تاريخ ! .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين